عملي لتدبر القرآن العظيم

المنسي

الاعضاء
بسم الله الرحمن الرحيم


حلقة التدبر


منهج


عملي لتدبر القرآن العظيم


عملي لتدبر القرآن العظيم




تمهيد

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحابته والتابعين لهم بإحسان، وبعد:
(لقد أمرنا ربنا سبحانه بتدبر كتابه العزيز، وأبان لنا سبحانه أن الغاية العظمى من إنزال القرآن هي تدبره، فقال عز وجل" كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب".
وفيما يتعلق بالحفظ فقد تكفل سبحانه بحفظ كتابه فقال" إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"
وما نشهده في العالم الإسلامي هو العكس، حيث وجهنا أكبر جهودنا لما كُفِيناه (الحفظ)، وتخلى أكثرنا عما أمرنا به (التدبر)، ومع التقدير لحفظ كتاب الله ولحفظته، ومع اعتقادنا بأن الحفظ المتقن من مفاتيح التدبر، إلا أنه من المؤسف أن نرى الألوف من المدارس التي تعنى بحفظ القرآن، على حين أننا لا نكاد نجد مدرسة واحدة متخصصة بتدبر القرآن!) *
ولعله من إرهاصات إفاقة أمة الإسلام وتقدمها لقيادة أمم الأرض، ومما يشرق بالأمل في نفوسنا ما نلحظه في الآونة الأخيرة من ارتفاع وتيرة الحديث عن ضرورة تدبر القرآن، وضرورة عودة الناس لكتاب الله، وقد كثر المتحدثون والمبصرون للناس بأهمية التدبر، وكانت لكثير من أهل القرآن – حفظهم الله – المهتمين بإحياء هذا الأمر إسهامات متنوعة.
وفي هذه الحروف محاولة مني لصياغة خطوات عملية، ومنهج تطبيقي للبدء به في إحدى الحلق للسير عمليًّا – ولو قليلاً – نحو التدبر، قياماً بواجب العمل لكتاب الله، وسعياً للارتقاء بنفسي وأنفس إخواني في
* مستفاد بتصرف من الشيخ عبد الكريم بكار.
الله الله من حملة كتاب الله، الشيء الذي إن حققناه (أعني التدبر) فقد فتحنا لأنفسنا ولشبابنا الباب لخيري الدنيا والآخرة، لذا أعرض على نظركم منهجًا عمليًّا تطبيقيًّا لحفظ القرآن الكريم وتدبره للبداية به في إحدى الحلق تحت مظلة الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم.
وأنبه إلى أن هذا المنهج المقترح ليس صيغة بديلة للمعمول به في الحلق التابعة للجمعيات حالياً، فلا نستهدف به تغيير النمط المعمول به في الحلق، وإنما ليطبق هذا المنهج في حلق خاصة تلتزم هذا المنهج إلى جانب وجود الحلق الحالية، بحيث يكون في كل مدرسة مثلاً حلقة تديبر على هذا المنهج المقترح.
ومن يطلع من إخواني على هذا العمل، ويستحسنه، ويقتنع به فليساهم في تطبيقه ونشره، ومن كان لديه نقد فليتحفنا به مشكوراً على اعتبار أن النقد ليس مختصاً ببيان العيوب والمثالب فحسب، وإنما هو بيان لمساحات الخير والجمال أيضاً، ولعلنا نتعاون لبلورة خطوات عملية لتدبر كتاب الله، وأتمنى ألا نحاول إيجاد حلول كاملة، فهي متعذرة في وسط غير كامل، ولكن لنبدأ بالممكن واليسير، وبذلك يزكو العمل ويتطور نحو الكامل إن شاء الله.
نسأل الله المعونة والهداية والتوفيق..




الخطوط العريضة والمرتكزات الرئيسة للمنهج

أ‌- مدخل نظري (تعريفي تمهيدي تحفيزي).
ب‌- حلقة الحفظ والتسميع والمراجعة (المتقن).
ج- التفسير (العلم بالمعاني).
د- الإحاطة بالسيرة النبوية، وقصص الأنبياء، وقصص القرآن.
هـ- القيام بالقرآن.
و- أنشطة (مسابقات ودورات ودروس) لتنمية التدبر، وتزكية النفس.




الخطوات التفصيلية لكل ركيزة

أ- المدخل النظري:
1- يعلن عن التسجيل في الحلقة المميزة (حلقة التدبر).
2- عند حضور الطلاب للتسجيل يجرى مع كل طالب أو طالبين على حدة (مقابلة) لمحاولة التعرف على مدى جدية الطالب، ويبين للطالب الخطوات العامة لحلقة التدبر، ويشعر بتميز البرنامج، وأنه يحتاج إلى جديَّة وهمَّة، وأنك إن كنت تعلم من نفسك عدم القدرة فلا تدخل ابتداءً؛ (لأن انسحاب بعض الطلاب بعد البداية ربما يؤثر سلبا على الطلاب الآخرين)، ونحاول أن نأخذ من الطالب تعهدًا شفهيًّا بالالتزام والمواصلة.
3- يشترط في التسجيل للحلقة أن يكون الطالب من ثالث متوسط فما فوق.
4- استماع طلاب البرنامج لمقدمات ومعلومات نظرية تلقى عليهم بالمسجد على شكل محاضرة أو درس يتحدث فيها عن التدبر معناه وأهميته والحاجة إليه ووسائله ومفاتيحه، ويرغب به، وتشحذ الهمم له (محاضرة كاملة عن التدبر وما يتصل به).
5- بعد الإعلان عن الحلقة وتسجيل الطلاب يُحدَّد موعد لإلقاء المدخل النظري والمقدمات والترغيب.
6- فيما يتعلق بمادة المدخل النظري فأنا لدي مادة جمعتها من مصادر متفرقة، أبرزها ما كتبه الشيخ خالد اللاحم، ويمكن لأي واحد أن يجمع ما يراه مناسباً، المهم أن تُقدم للطلاب معلومات وافية عن التدبر تشحذ هممهم له، وتعرفهم به وبأهميته ووسائله.
7- يوزع على الطلاب كتاب وشريط يتحدثان عن التدبر وأهميته ووسائله، ويرغبون بالقراءة والسماع للتأكد من جاهزية نفوس الطلاب وعقولهم للبداية بالبرنامج، ( أقترح أن يكون الكتاب هو كتاب الشيخ اللاحم (مفاتح تدبر القرآن)، وشريط الشيخ أسماء الرويشد (مشروع الحياة من جديد)، أو غيرها عن التدبر.
8- يشرح في المحاضرة أو الدورة عن المشروع وطريقته بالتفصيل.
( بعد هذه الخطوات أصبحت النفوس مهيأة وجاهزة للانطلاق ).
ب) حلقة الحفظ والتسميع المتقن:
1- موعد الحلقة بعد صلاة العصر إلى المغرب، خمسة أيام في الأسبوع من الجمعة إلى الثلاثاء.
2- تقوم الحلقة والحفظ فيها على الحفظ والمراجعة (المتقن جداً).
3- الحد الأدنى للحفظ الجديد اليومي نصف وجه، والمقترح وجه، ومن يرغب الزيادة فله ذلك.
4- إن كانت قراءة الطالب غير متقنة فيقرأ المقطع الجديد أولاً قراءة تصحيح على المدرس.
5- يقرأ الطالب المقطع الجديد (نظرًا) مرتين، ثم يبدأ بحفظه، فإذا حفظه يكرره مع نفسه حفظاً على الأقل خمس مرات (هذا التكرار بعد الحفظ، أي غير محاولات الحفظ)
6- ثم يذهب الطالب يسمع على المدرس، ولا يقبل فيه خطأ واحد.
7- يجب أن يُسمع الطالب على المدرس آخر خمسة أوجه من آخر ما حفظ مع الجديد، بعد أن يسمعها مع نفسه أو مع أحد زملائه مرة على الأقل.
8- أيضاً يجب أن يسمع الطالب يومياً جزءًا من القديم مع أحد زملائه للمراجعة، هذا إن كان حفظه أكثر من خمسة أجزاء، فإن كان خمسة فأقل فيسمع للمراجعة يومياً من القديم حزبًا.
9- إذا أنهى الطالب سورة كاملة فلا يتجاوزها إلى التي تليها إلا بعد تكرارها في ثلاثة أيام متتالية غيباً في كل يوم مرتان، هذا إن كانت السورة أكثر من خمسة أوجه، أما إن كانت خمسة أوجه فأقل فيجمع سورتين، ثم يتربص ثلاثة أيام لتكرارها (في مدة التربص بعد إنهاء سورة أو سورتين للمدرس الصلاحية أن يطلب من الطالب تكرار السورة في اليوم أكثر من مرتين حسب طول السورة وقصره وسهولة السورة أو صعوبتها).
10- في مراجعة القديم كل اثنين من الطلاب يسمعان لبعضهما.
11- يكون لكل طالب دفتر رصد ومتابعة فيه خانات تمثل جميع أفكار وخطوات البرنامج الواجبة، وتعبأ كل خانة بالإشارة المناسبة من حيث تنفيذ الطالب من عدمه، وتكرار الإخفاق وعدم التنفيذ يعني الفصل النهائي من البرنامج، وإذا فصل الطالب بإمكانه أن يذهب لإحدى الحلق العامة.
* * فيما يتعلق بهذه الركيزة -أعني الحفظ والمراجعة- فإن الهدف الأساس والمهم جدا الذي نريد الوصول إليه، والذي نعتقد أنه من مفاتيح التدبر هو الحفظ المتقن جداً جداً، بحيث متى ما طلب من الطالب أن يقرأ فإنه يقرأ بجدارة دون الحاجة للمراجعة، ويستطيع معه أن يقرأ في كل آن، وهو الحفظ الذي يستحضر معه الطالب الآيات بسرعة وسهولة، بحيث تقفز الآية إلى ذهنه للوهلة الأولى في مواقف الحياة، وهو الحفظ الذي يرتاح معه الطالب مستقبلاً ولا يكون في المراجعة كأنه يحفظ من جديد.
وبناءً على ذلك فإن الطريقة المقترحة السابقة للحفظ والمراجعة قابلة للتعديل، ويمكن أن يستعاض عنها بطريقة أخرى تكون أفضل في تحقيق الهدف المنشود.
جـ ) التفسير والعلم بمعاني القرآن الكريم:
1- يُوزع على الطلاب أحد التفاسير المختصرة، كتفسير ابن سعدي، أو زبدة التفسير للأشقر ( والمقترح التفسير الميسّر الذي كتبه نخبة من العلماء الصادر من مجمع الملك فهد، مطبوع بهامش القرآن ، ويضاف للتفسير غريب القرآن للخضيري، والصحيح المسند من أسباب النزول للوادعي.
2- يجب على كل طالب أن يقرأ المقطع الذي يريد حفظه (نظراً) مرة واحدة بترتيل، ثم يقرأ تفسير ذلك المقطع من التفسير المقترح، ويحفظ معاني الكلمات الغريبة من كتاب الخضيري، كما يقرأ من كتاب الصحيح المسند ما ورد من سبب للنزول إن وجد.
3- المدرس يسأل الطالب عن معاني الغريب من الكلمات التي حفظها.
4- إذا أنهى الطالب حفظ سورة كاملة يجب أن يعيد قراءة تفسيرها من التفسير نفسه، وذلك في ( أيام التربص الثلاثة المشار إليها أعلاه؛ لمراجعة السورة قبل البدء بالسورة الجديدة ).
د) الإحاطة بالسيرة النبوية وقصص الأنبياء وقصص القرآن:
لما لمعرفة السيرة النبوية، وقصص الأنبياء، وقصص القرآن من أهمية استثنائية في فهم القرآن يطلب من كل طالب الإلمام بالسيرة النبوية وقصص الأنبياء عن طريق قراءة كتب، أو سماع أشرطة بهذا الشأن.
1- يُحدِّد كل طالب الوسيلة التي تناسبه للتعلم بهذا الخصوص.. السماع أم القراءة؟
فالذي يحدد القراءة يُعطى كتاباً مختصراً في السيرة، وآخر في قصص الأنبياء، والذي يحدد السماع يعطى ألبوماً للسيرة، وآخر للقصص، كألبومات السويدان أو القرني أو غيرهما.
2- تقسم الأشرطة أو الكتب على مدة معينة، كأربعة أشهر مثلاً، ويكون هناك دفتر متابعة – ( خاص بهذه الركيزة غير دفتر المتابعة العام المرفق في الأخير ) - يعبأ أول بأول؛ للتأكد من إنجاز الطالب لهذه المهمة، وتعلُّم ما طلب منه.
هـ ) القيام بالقرآن:
1- يجب على كل طالب أن يقوم من الليل نصف ساعة يومياً كحد أدنى.
2- لا بد أن تكون الصلاة من الليل، وهو يبدأ من بعد صلاة المغرب إلى أذان الفجر.
3- يقترح على الطلاب بشكل شفهي (لا إلزامي) أن تكون الصلاة بين العشاءين، أو بعد العشاء الآخرة مباشرة، وتكون في ذات الجامع الذي فيه الحلقة؛ ليشجع الطلاب بعضهم، وتحصل الدربة والتعوُّد (قطعا كل واحد يصلي بمفرده).
4- يجب أن يقرأ في صلاته من الحفظ الجديد (آخر ما حفظ بالقدر المناسب لصلاته).
5- يجب أن تكون القراءة في الصلاة بجهر يسمع نفسه، وبترتيل وتغنٍّ.
6- القيام بالقرآن كل ليلة لا يستثنى أي يوم في الأسبوع.
7- إذا فاته القيام لعذر يقضيه نهار اليوم الثاني.
8
 
8- القيام بالقرآن وفق التفصيل أعلاه يكون له خانة في دفتر المتابعة تعبأ من قبل الطالب، وأي تقصير يفصل.
8- جواباً على سؤال مقدر، وهو لماذا القيام بالقرآن، وما علاقة القيام بالقرآن بالتدبر؟ أقول: [(إن هذا المفتاح من أهم مفاتيح تدبر القرآن، وأعظمها شأناً، وقد ورد عدد من النصوص تؤكد أهميته، من ذلك قوله تعالى: (ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً).
وقوله تعالى: (يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلاً نصفه أو انقص منه قليلاً أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً). وقال الرسول صلى الله عليه وسلم:" لا حسد إلا في اثنتين: رجل أتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار".
ويبين الحديث التالي الهدف من القيام بالقرآن، وسبب هذا الفرق الكبير بين من يقوم به ومن لا يقوم به عن عمر – رضي الله عنهما – عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إذا قام صاحب القرآن فقرأه بالليل والنهار ذكره، وإن لم يقم به نسيه" فهذا هو بيت القصيد، وهو حجر الزاوية في تدبر القرآن والانتفاع به، إنه تذكر آيات القرآن الكريم، وكونها حاضرة في القلب في كل آن، وخاصة في المواقف الصعبة في الحياة مواقف الشدة والذهول، المواقف التي يفتن فيها المرء ويمتحن ويختبر، فمن كان يقوم به آناء الليل وآناء النهار فتجد إجابته حاضرة وسريعة وقوية، تجده وقافاً عند كتاب الله تعالى، تجده آمنا مطمئناً في جميع المواقف، تجده قوياً متماسكاً حتى في أصعب الظروف، وأما من كان مفرطاً في استخدام هذا المفتاح فما أسرع ما يسقط ويهوي، ويدل لهذا المعنى قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين). فالصبر هو ثمرة العلم، والعلم وسيلته القراءة بتدبر، وهو حاصل لمن قرأ القرآن في صلاة، لذلك قرن الله تعالى بينهما في أكثر من موضع، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، ويطيل فيها قراءة القرآن كما في صلاة الكسوف، فمن يتربَ على هذا المفتاح – وخاصة من الصغر – يسهل عليه الانتفاع به في الحياة، أما من لم يتربَ عليه فإنه تضيق به الحياة في حال الشدة، وتضيع عليه الحياة حال الرخاء.
إن اجتماع القرآن مع الصلاة يمكن أن يشبه باجتماع الأكسجين مع الهيدروجين، حيث ينتج من تركيبهما الماء الذي به حياة الأبدان، فكذلك اجتماع القرآن مع الصلاة ينتج عنه ماء حياة القلب، وصحته وقوَّته.
وبالإضافة إلى ما سبق ذكره فقد دلَّت نصوص على أن العبد إذا دخل في الصلاة فإنه يزداد قرباً من الله تعالى، وأنه سبحانه يقبل عليه بوجهه، من ذلك ما جاء عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" أيها الناس إن أحدكم إذا كان في الصلاة فإنه مناج ربه فيما بينه وبين القبلة".
ولو لم يكن في القراءة داخل الصلاة إلا الانقطاع عن الشواغل والملهيات لكفى، فإن المصلي إذا دخل في الصلاة حرم عليه الكلام والالتفات والحركة من غير حاجة، فهذا أعون على التدبر والتفكير، وأجمع للقلب، وأيضاً فإن من حوله لا يقاطعه ولا يشغله ما دام في صلاته.
إن الليل – خاصة وقت السحر – من أفضل الأوقات للتذكر، فالذاكرة تكون في أعلى مستوى بسبب الهدوء والصفاء، وبسبب بركة الوقت، حيث النزول الإلهي وفتح أبواب السماء، فأي أمر تريد تثبيته في الذاكرة بحيث تتذكره خلال النهار فقم بمراجعته في هذا الوقت، وقد استفاد من هذا أهل الدنيا من أهل السياسة والاقتصاد، وخاصة الغرب، حيث ذكر عدد منهم أنه يقوم بمراجعة لوائحه أو حساباته أو معاملاته وأوراقه في مثل هذا الوقت، وأنه يوفَّق للصواب في قراراته، فأهل القرآن أهل الآخرة أولى باغتنام هذه الفرصة لتثبيت إيمانهم وعلمهم.
ومما يدل على كون القراءة في الليل أحد مفاتح التدبر قول الله عز وجل: ( ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً)، وقول الله تعالى: (إن ناشئة الليل هي أشد وطئاً وأقوم قليلاً).. قال ابن عباس – رضي الله عنهما –"هو أجدر أن يفقه القرآن".
وقال ابن عمر – رضي الله عنهما -:"أول ما ينقص من العبادة:التهجد بالليل، ورفع الصوت فيها بالقراءة"، وقال الشيخ عطية سالم -رحمه الله – حاكيا عن شيخه الشنقيطي رحمه الله:"وقد سمعت الشيخ يقول: لا يثبت القرآن في الصدر، ولا يسهل حفظه، وييسر فهمه إلا القيام به في جوف الليل".
"وقال النووي رحمه الله:"ينبغي للمرء أن يكون اعتناؤه بقراءة القرآن في الليل أكثر، وفي صلاة الليل أكثر، والأحاديث والآثار في هذا كثيرة، وإنما رجحت صلاة الليل وقراءته لكونها أجمع للقلب، وأبعد عن الشاغلات والملهيات والتصرف في الحاجات، وأصون عن الرياء وغيره من المحيطات مع ما جاء به الشرع من إيجاد الخيرات في الليل فإن الإسراء بالرسول صلى الله عليه وسلم كان ليلاً".
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من نام عن حزبه، أو عن شيء منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل" وفي هذا دلالة واضحة على أن الأصل في القيام بالحزب من القرآن هو الليل، وفي حالة العذر فإنه يعطى الثواب نفسه إذا قضاه في النهار.
إن القراءة للقلب مثل السقي للنبات، فالسقي لا يكون في حر الشمس فإن هذا يضعف أثره، خاصة مع قلة الماء فإنه يتبخر، وكذلك قراءة القرآن إذا كانت قليلة وكانت في النهار وقت الضجيج والمشغلات فإنه ما يرد على القلب من المعاني يتبخر ولا يؤثر فيه، وهذا يجيب على تساؤل البعض إذ يقول: أني أكثر قراءة القرآن لكن لا أتأثر به؟ فلما سألته: متى يقرأ القرآن؟ تبين أن كل قراءته في النهار، وفي وقت الضجيج، وبشيء من المكابدة لحصول التركيز، فكيف سيتأثر؟!
إن القراءة في الليل يحصل معها الصفاء والهدوء، حيث لا أصوات تشغل الآذان، ولا صور تشغل العين، فيحصل التركيز التام، وهو يؤدي إلى قوة التدبر والتفكير، وقوة الحفظ والرسوخ لألفاظ القرآن ومعانيه)] ما بين المعكوفتين منقول باختصار من كتاب مفاتح تدبر القرآن للشيخ خالد اللاحم.
و ) أنشطة (مسابقات ودورات ودروس) لتنمية التدبر وتزكية النفس:
1- تعد مسابقات ودروس ودورات مختصرة وفق خطة محدده تهدف إلى تنمية الطلاب في مجال التدبر، ومجال تزكية الأنفس وأعمال القلوب.
أمثلة ومقترحات:
الشهر الأول: دورة مختصرة في شرح أصول وقواعد التفسير.
الشهر الثاني: دورة في علوم القرآن.
الشهر الثالث: مسابقة لمن يقرأ تفسير ابن كثير خلال مدة معينة.
الشهر الرابع: مسابقة لمن يقرأ تهذيب المدارج، أو طريق الهجرتين خلال مدة معينة.
الشهر الخامس: مسابقة لمن يقرأ كتابًا معيَّناً في ما يتصل بالقرآن، أو يختصر كتابًا معينًا.
الشهر السادس: درس في تفسير جزء عم يومي مدة أسبوعين مع أحد طلبة العلم.
الشهر السابع: مسابقة استنباط الفوائد من قصة شعيب أو موسى مثلاً... وهكذا.
2- جميع المناشط في هذه الركيزة يجب لها الحضور فقط.
3- اشتراك مجاني للطلاب في جوال تدبر.

* ملاحظة:
المستهدف في البرنامج على التفصيل السابق هو الذي لم يحفظ، ويريد أن يحفظ..
- أما الشخص الذي حفظ ولكن حفظه ضعيف فالمقترح أنه يبدأ من جديد، كمن يريد أن يحفظ من جديد.
- أما الحافظ فهذا يجرى له اختبار، فإن وجد أنه حافظ بحيث يستطيع أن يراجع كل يوم ثلاثة أجزاء، بمعنى أنه يختم ثلاث مرات في الشهر كل عشرة أيام ختمة، فيدخل في البرنامج، ويكون التعامل معه على النحو التالي:
1- فيما يتعلق بالحفظ والمراجعة فيجب أن يراجع يومياً غيباً ثلاثة أجزاء.
2- إن وُجِد معه شخص آخر حافظ فيسمعان لبعضهما، بحيث يقرأ الأول الثمن الأول، ثم زميله يكمل الثمن الذي يليه، ثم هو يكمل الثمن الثالث، وهكذا إلى نهاية الأجزاء الثلاثة، ثم العكس يبدأ زميله بالثمن الأول، ثم هو يكمل الثاني وهكذا.
3- إن لم يوجد معه آخر يسمع معه فيسمع مع نفسه.
4- فيما يتعلق بالتفسير يقرأ يومياً تفسير وجهين، وأسباب النزول، ويحفظ معاني الغريب.
5- يقوم الليل بالقرآن، ويقرأ في صلاته من الأجزاء التي راجعها في ذلك اليوم.
6- الإلمام بالسيرة والقصص تقسم له على مدة معينة، مثلاً خمسة أو أربعة أشهر، بحيث ينجزها شيئاً فشيئاً.
- أما الشخص الذي يحفظ قدرًا من القرآن -كعشرة أجزاء أو خمسة عشر جزءاً- فيُُجعل له جدول جاد لمراجعة القديم، ويبدأ في الحلقة بالتسميع من حيث وقف في الحفظ على طريقة المبتدئ الجديد، والحفظ القديم يُجعل له جدول لقراءة التفسير وأسباب النزول وحفظ الغريب، كأن يقرأ تفسير وجه أو وجهين يوميا مثلاً.

* ملاحظة:
يعد دفتر متابعة على شكل جدول فيه خانات لجميع أفكار وخطوات البرنامج (الواجبة)؛ وتعبأ الخانات يومياً بالإشارة المناسبة ( Ö ) أو ( &artshow-86-115662.htm#015; ) لمتابعة سير الطالب في التنفيذ من عدمه، وتكرار عدم التنفيذ يعني الفصل النهائي من حلقة التدبر.


من حلقة التدبر إلى أكاديمية التدبر

بعد الاطلاع على ما تقدم أقترح أن تبدأ كل مدرسة (بحلقة تدبر) على ما تقدم تفصيله مع تطوير ما يرونه مناسبا (بداية مبسطة) , ثم بعد البداية عندما تظهر لنا -إن شاء الله- جدوى الفكرة، ونكسر هيبة البداية، ونرى أننا خطونا خطوة باتجاه التدبر يمكن أن تطور حلقة التدبر على المنهج الذي سبق تفصيله إلى (مدرسة أو أكاديمية التدبر)، ويقوم منهجها على ذات المرتكزات السابقة لكن مع مزيد من التخطيط والتنظيم بحيث يكون لكل طالب خطة ومدة زمنية معينة، وتكون الأنشطة (الدورات والدروس والمسابقات ) التي تستهدف تنمية التدبر وتزكية النفس(الركيزة الخامسة) أكثر وضوحًا وأكثر تحديداً وتنظيماً، ولها مدة معينة، وعندما يختم الطالب القرآن، وينهي تلك الأنشطة والبرامج مع سيره في الحلقة على المنهج المذكور يكون قد (تخرج من مدرسة التدبر).
ويمكن أن تجعل حلقة التدبر أو مدرسة التدبر (للمميزين فقط)، بحيث يقصر الدخول فيها على من يحفظ القرآن، ويستطيع أن يراجع يوميا جزءً (والميزة في هذا هو أننا نستطيع أن ننجح في التخطيط والتنظيم إلى حد كبير)، فإذا قصرنا الحلقة على الحافظين فهذا يعني أنهم سيبدؤون ومستوياتهم متقاربة، وعندئذ نضع برنامج مراجعة (جاد) موحد، ونضع خطة زمنية موحدة لجميع مرتكزات المنهج بما فيها الأنشطة والبرامج من الدوارات والدروس التي تستهدف تنمية التدبر وتزكية النفس، وسيتخرج حينئذ الطلاب سويا، وتكون مدرسة التدبر أو حلقة التدبر بهذا تعمل على فصول أو دورات كلما تخرجت مجموعة تبدأ مجموعة أخرى، أو تكون هناك مجموعة جديدة إلى جانب المجموعة التي بدأت قبل.
المهم أن نبدأ بالممكن، ومن خلال التطبيق ستظهر لنا الكثير من الملاحظات والمقترحات، ونطور الفكرة شيئًا فشيئًا.


ما يشبه الخاتمة

في ظني أن التدبر يحصل من مجموع الحفظ المتقن للقرآن، مع العلم بالمعاني، مع القيام بالقرآن وكثرة قراءته بالترتيل والتفكر والتغني والجهر بقصد طلب الهداية منه؛ ومجموع ذلك يعني (المعايشة على الوجه الأكمل للقرآن؛ لتصبح آيات القرآن حاضرة في الفؤاد في كل لحظة، وبالتالي ترشد مواقفنا، وتنور حياتنا، وتزكي نفوسنا، وتورثنا التقوى والإيمان.
ولما كان هذا فهمي للتدبر جاءت هذه الصياغة على هذا النحو، وهي محاولة قاصرة ولا بد، ولكني أضرع إلى الله أن يبارك فيها، وأن يقيمها على أحسن تقويم حيَّة حاضرة نتفيأ ظلالها، ونهدب من ثمارها.. وإن كان فيما كتبت من صواب وتوفيق فمن الله، وإن كان فيه خطأ فمن نفسي وأستغفر الله.

والله ا لموفق والهادي إلى سواء السبيل
 
الوسوم
العظيم القرآن عملي لتدبر
عودة
أعلى