تاجرة الحب

خالدالطيب

شخصية هامة
تاجرة الحب



المقدمة



سألت داميتا أمها لولا :

- ولكن هل رأيت بيلستروب يقتل ذلك الرجل ؟

- نعم ، لقد كنت واقفة خلف نافذة الحجرة عندما رأيت كولن

بيلستروب فى الحديقة يخرج مسدسا ويطلق النار على مارينو .

- فى هذه الحالة لم يعد عناك مجال للمزاح ! لماذا لا يزال

بيلستروب مطلق السراح بينما هو متهم بقتل مارينو ؟

- إنه مفرج عنه بكفالة ... لقد دفع ثروة !

- ولماذا لا تخضع لولا لحماية الشرطة ؟

قال كلايتون:

- لأن أمك لها رأس بغل يا داميتا !



الغلاف الأمامى



تذهب داميتا إلى إحدى بلدان شمال أفريقيا حيث يعيش الناس

هناك الحياة القبلية التى عاشها أجدادهم منذ مئات السنين . وفى نفس الوقت يتمتع الحكام بآخر ما وصلت إليه الحياة العصرية . كانت تريد العثور على أمها التى أختفت منذ شهرين وعلمت من الصحف أنها كانت مع صاحب أكبر سلسلة من الفنادق الخمسة نجوم فى هذا البلد وفى أستراليا حيث يحمل الجنسيتين .

تقتحم البطلة حجرة الشاب صاحب الفنادق فى جناحه الفاخر بالفندق بالبلد الأفريقى وتحاول أن تعرف منه أين أمها . يرفض البطل إخبارها بـ مكان الأم لأنه ليس متأكدا من الصلة بين الابنة والأم التى لم تحدثه عنها فضلا عن أن حياتها مهددة بالخطر باعتبارها الشاهدة الرئيسية على حادثة قتل زعيم عصابة من عصابات المافيا أحد أفراد عصابة أخرى وأن شهادتها ستقضى على ذلك الزعيم الذى تريد الشرطة التخلص منه بأى وسيلة .

يقع البطل فى غرام البطلة ويطلب منها الزواج ولكنها ترفض رغم أن النساء يترامين عند أقدامه ، يعقد معها صفقة وهى أن يقودها إلى أمها بشرط أن تمنحه ساعة واحدة يقنعها فيها بحبه الصادق ......

ما الذى يحدث فى تلك الصفقة ؟؟ أحداث مثيرة ومتتالية .


شخصيات الرواية



- داميتا شاهنسى : فتاة تعمل مهندسة معمارية من أصل ايرلندى أفريقى وأمها تعمل فتاة استدعاء .

- لولا توريس : امرأة متحررة عاشت حياتها الأولى فى الحوارى والطرقات وذاقت الأمرين من الفقر والعوز . ثم عملت فتاة استدعاء لعوبا فى عالم الرذيلة .

- كلايتون بانور : شاب ناجح فى مجال الفندقة وهو من أصل استرالى وأمه من شمال أفريقيا .

- ديمون الكريم : حاكم الدولة الأفريقية الذى يحاول أن يطور شعبه وينقله إلى حضارة اليوم .

- كولن بيلستروب : زعيم عصابة دولية لتهريب المخدرات والجريمة المنظمة والرقيق الأبيض .



 
الفصل الأول



حاولت داميتا أن تكتم عطستها . لقد كان حجابها يدغدغ أنفها .تساءلت كيف تحتمل النساء العربية ذلك الحجاب ؟ لقد كان جامعا حقيقا للغبار .


ومع ذلك كفت داميتا عن الشطوى فقد خدمها الحجاب فى تلك اللحظة خدمات لا تقدر عندما اعتبروها واحدة من الوصيفات الكثيرات اللاتى يرتدينه .


ولكن أى نوع من الطغاة يكون هذا الـ كلايتون بانور ؟ أنه يجبر النساء العاملات فى فندقه على ارتداء الحجاب المحرج من أجل إرضاء عملائه . ضبطت داميتا قدر استطاعتها قطعة القماش الزرقاء الداكنة لتخفى وجهها وعبرت البهو – الذى كان يشبه مدخل قصر السلطان – وهى متخفية .


عندما وجدت نفسها أمام مكتب الاستقبال حدجتها موظفة الاستقبال بنظرة وهى تكتم تثاؤبها . تسللت الشابة إلى الداخل وتوجهت إلى لوحة المفاتيح حيث تناولت المفتاح المعلق فى حلقة بها تيكيت كتب عليه حرفا سى بى وقالت شارحة :

- إن السيدة كاليم فى حاجة إلى المفتاح الخاص بشقق السيد بانور . لقد ضلت إحدى الوصيفات الجديدات الطريق وطلب السيد بانور من المشرفة أن ترسل إليه مناشف نظيفة .


تثاءبت الموظفة مرة ثانية وقالت :

- أعيديه دون خطأ قبل نهاية نوبة خدمتى .

أجابت الشابة المحجبة بلهجة مدروسة بعناية :

- لن أنسى .


عادت وسط ردائها كثير الطيات إلى المصعد المخصص للعاملين . ضغطت على الزر الخاص بالدور الأخير وأطلقت زفرة ارتياح .إنها موجودة الآن فى أمان مؤقت . لم تكن المهمة صعبة كما كانت تتوقع – بعد أن عرفت اسم المشرفة .

لقد اختارت أن تتسلل إلى السيد بانور فى الساعة الرابعة صباحا لأن تلك الفترة تبدو أقل خطرا .


انفتح باب المصعد وتقدمت الشابة وهى قابضة بإحكام على المفتاح فوق الأرضية المغطاة بالسجاد الكثيف تستجمع شجاعتها . وقفت أمام ضلفتى الباب الخشبى المحفور الخاص بالجناح الذى يشغله الرجل فى فندق بانور ، ودست المفتاح فى القفل حيث وجدت نفسها فى الردهة المظلمة .


تساءلت لماذا ارتبطت لولا بشخص مثله ؟

عادة كانت تختار أشحاصا فى منتهى الرقى .

وبالحكم على كلايتون بانور من مظهر فندقه ، لابد أنه شخص له ذوق مشكوك فيه .... ومع ذلك فإن داميتا لم تنظم هذه البعثة من أجل نقد ذوق لولا ، وإنما من أجل إختلاس معلومات . لذلك لا بد أن تنتقل إلى الفعل وفى الحال .


أعلنت بصوت رنان وهى تتوغل داخل الحجرة وتضئ مصباح السقف :

- لابد أن أتحدث معك يا سيد بانور ! وأسفة لإزعاجك فى هذه الساعة ولكن الغلطة غلطتك . ليس عليك إلا أن .... إيه .... لم أكن أعرف أنك ... لنقل مشغول !


اعتدلت الشقراء التى كانت ممددة بجواره ، وأسندت رأسها إلى كوعها ، وأخذت تحدج داميتا وقد بدا عليها مزيج من تعبيرات النعاس والخجل . وسألته :

- من هذه يا كلايتون ؟

- ليس عندى أدنى فكرة


اعتدل كلايتون بانور وانزلق الغطاء عن صدره العريض ، أخذ يتأمل بعين يقظة الجسم المغطى أمامه ، وتوقف نظره على صدرها البارز داخل الجزء المطرز بالذهب من ثوبها . قال :

- أفترض أنك واحدة من موظفاتى .... على أية حال إذا كنت قد اخترت الجزء المتأخر من الليل لتأتى تطلبين علاوة ، فأنت لست ذكية أيتها الغزال .


كان يتحدث بصوته الممطوط المشوب باللهجة الاسترالية . ولم يبد غاضبا ولا مذهولا .كانت هيناه الزرقاوان تتأملان الشابة ويبدو الضول فيهما :

- حسنا . مبادرتك جيدة على أية حال .


قالت داميتا التى صفقت الباب وتقدمت نحو السرير :

- لست من العاملات عندك . لقد حاولت الاتصال بك منذ ثلاثة أيام ولكن كلاب حراستك فى الدور الأرضى رفضوا أن أحدثك تليفونيا عن طريق التليفون الداخلى . يبدو أنهم ظنونى إحدى القاتلات المحترفات .


قال بطريقة غامضة :

- لقد كنت فى اجتماع مع المهندسين المعماريين , إن لك عينين رائعتين , هل يضايقك ان تنزعى حجابك ؟

أطاعته " داميتا " بسرعة :

- إن هذا الحجاب مزعج للغاية عند ارتدائه . ما الفكرة من وراء فرضه على وصيفات الفندق ؟ إننى أتساءل : ما الذى يدعوهن لقبوله ؟


- بسبب المال – إننى أدفع لهن اجورا ضخمة , حتى يقبلن التضحية من أجل إرضاء خيال الزبائن , الذين يجدون هنا جو ألف ليلة وليلة . وانا اسف جدا لأن هذا التخفى قد ضايقك .

تململت الشقراء فى سريرها وقالت :

- اطردها يا " كلايتون " أريد أن اعود للنوم .


ولكن عينى الرجل لم تغادرا " داميتا " :

- لا داعى لأن نكون جافين يا " مايرا " – فالحياة تصبح كئيبة دون بعض التغييرات الممتعة من هذا النوع .

جلست " داميتا " على المقعد زى المساند بالقرب من السرير . قالت له :

- كان من الممكن ان نسرع لولا وجودها هنا . ولما لم أزعج نومك فلابد ان اتحدث معك .


قال لها " باتور " وهو يضيق من عينيه :

- ألم يقل لك قط . إنه ليس من الأدب طرد الناس ؟

قالت " داميتا " بصبر ناقد :

- الموضوع ليس سوى انجذاب جسدى وليس عليها سوى ان تعود بعد قليل .


تأمل " بانور " زائرته بضع لحظات ثم التفت نحو رفيقته وقال لها :

- انهضى يا " مايرا " وسأتصل بك بعد الظهر .

- ما هذا ؟


ولكن الشقراء صمتت عندما فهمت تعبير وجه " بانور " . ارتدت ملابسها وهى متأففة , بعد أن نهضت من الفراش واتجهت نحو الحمام . حيث أغلقت عليها الباب .

- حسنا ايتها الغزالة الجميلة ... هل تريدين الحديث ام تريدين أن تحلى محلها ؟


- أرجو المعذرة ؟

- إذن لديك حقا نية الحديث .. يا للخسارة , لقد كنت أفضل أن تكونى قد وقعت فى حبي .


نهض من الفراش وسار نحو الدولاب وهو يقول :

- من الواضح الجلى انك تعرفين من انا , أما من ناحيتى انا فإننى أجهل هويتك ... هل تشرفيننى بان تقدمى لى نفسك ؟

لم تتوقع " داميتا " هذا الاستقبال . بدا أن " بانور" تقبل تطفلها بفضول مشوب بالمرح . شئ غريب !


سألها وهو يرتدى روبا منزليا من القطيفة الارجوانية .

- ما اسمك ؟

- " داميتا " ... " داميتا شاهتسى "

إنه رجل حسن فعلا . لقد أحست الشابة بتقلص فى معدتها لقد بدأت تفهم لماذا ارتبطت " لولا بـ " بانور " وهى المعروف عنها عدم انجذابها الى جنس الرجال .


لولا أن شعره الأسود شابه بعض شعيرات بيضاء عند فوديه , لما أعطيته " داميتا " اكثر من خمسة وثلاثين عاما . كانت ملامح وجهه متناسقة وشفتاه جميلتين وعيناه بلون أزرق داكن . حيث تلاعب فيهما المكر والجاذبية . كانت عضلاته تبرز تحت بشرته مثل الجواد الأصيل وكان منظره فاتنا , حتى إن " داميتا " اضطرت الى تحويل بصرها عنه , أحست بأنفاسها لاهثة وبخديها يشتعلان يا للحماقة !


إنها لا تتأثر بأى جمال رجالى . لماذا هذا الاضطراب ؟

قال بعد أن ذهب ليجلس على حافة السرير . وأخذ يتأملها بإمعان :

- " داميتا شاهتسى " .. إن اسمك إسبانى وايرلندى فى أن واحد لماذا ؟ لايبدو عليك انك ايرلندية , وعيناك الواسعتان السوداوان تدلان على أنك من أصل البحر الأبيض المتوسط .

رفع الحجاب الذى يغطى رأسها مما كشف عن شعرها الاحمر , عندما رأه ابتسم :

- ها هى فتاتنا ذات الأصل الايرلندى ! إننى دائما مجنون بحمراوات الشعر.


- حسب ما ورد فى الجرائد . انت تحب النساء بصفة عامة .

- نعم . انا مغرم بالنساء . إنهن يفتتننى دائما .

- فى مكان محدد ؟


- فى اى مكان . ولكنى لا اعتبر النساء مجرد لعبة للتسلية وانما رفيقات وصديقات ممتعات .

- وتلك الموجودة فى الحمام ؟ رفيقة ام لعبة ؟

 
مايرا " لقد أعطيتها ما تريده وقدمت لى ما انا فى حاجة اليه . إن " مايرا " لا تريد شيئا سواي .

خرجت الحسناء المذكورة بسرعة من الحمام . وقد ارتدت بنطلونا راقيا وانيقا للغاية وبلوزة حريرة حدجت " داميتا " بنظرة نارية . واقتربت لتطبع قبلة سريعة على خد " بانور "وقد رق وجهها .


- اتصل بى ..
ثم اختفت فى لمح البصر .

لايمكن ان تصدق " داميتا " ما رأته .. إن الشقراء بدت غير حانقة على " كلايتون " الذى صرفها دون تردد .. ولكن ليست هذه مشكلتها على أية حال.

- إن تفاصيل حياتك العاطفية لاتهمنى فى شئ على الاطلاق يا سيد " بانور ".


- حقا ؟ يا للخسارة ! على العكس ما يخصك يثير حماسى ... هل أنت متزوجة ؟

- لا ... وليس هذا شأنك على أية حال .

ضحك ضحكة مكتومة .
- إن لى الحق مع ذلك أن أعرف بعض التفاصيل عن موضوعك . فلا يحدث كل يوم أن تقتحم شابة باب حجرتى وتطلب منى طرد شريكتى.


- إننى لم اقتحم باب حجرتك ما دمت قد استخدمت المفتاح .

- من الواضح انك حصلت عليه بطرق ملتوية . وهو ايضا نوع من الاقتحام يا أيتها الغزالة الحسناء .


- لم أكن ألجأ الى هذه الطرق لو انك وافقت علي مقابلتى . ولكن عندما تدعنى اعرف ما اريد معرفته فإننى سأتركك فى حالك .

قال بهدوء :

- لست واثقا إن كنت أريدك أن تدعينى فى حالى . لقد مر وقت طويل لم أعش فيه أوقاتا محيرة . لقد كنت دائما أعتبر انه يجب ألا أفلت اى مغامرة من يدى قبل أن استفيد من كل لحظة بهجة فيها . هل أنت واثقة بأنك لا ترغبين فى مشاركتي لهوي ؟

أنها احسن وسيلة للاستكشاف والمعرفة .


- ما إن أرحل حتى تستطيع ان تتصل بصديقتك وتستأنف اللهو.

هز " بانور " رأسه فى بطء :

- انت مخطئة يا غزالة . لو أردت أن تستكشفينى فإننى على استعداد لتكريس كل وقتى لك .. هل تفهمين ما أريد قوله ؟

- هيا ... إننى لا أعجبك الى هذه الدرجة . وانا اعرف ذلك . دعنى أطرح عليك سؤالا ثم سأختفى .


أين توجد " لولا توريس " ؟

- ولماذا تريدين ان تعرفى ذلك ؟

- لأنه يلزمنى أن اعثر عليها .

- ولماذا قصدتنى ؟


- لانه كانت لك علاقة بها . إنهم قد المحوا فى الصحف الى موضوعك . وانا اعرف انها قضت شهرين هنا فى فندقك فى " ماراسيف " .


- إن الصحف لا تعرف شيئا عن اى شئ . لقد صنعت " لولا " لنفسها سمعة معينة ..

- ااما انت فلا ؟ ربما ... حسب المقالات التى قرأتها كان " كازانوفا " يبدو ناسكا إذا ما قورن بك . ومن غير المجدي ان تلقى باول حجر على " لولا " .


- انا لا احاول ان اتهم احدا . ولكنك عدوانية . هل كنتما صديقتين ؟

- طبعا ! انا و " لولا " متقاربتان جدا . وانا قلقة جدا عليها وعلى حكايتها . وبعد رحيلها من " ماراسيف " بدت وكانها تبخرت فى الهواء .


همهم :

- وانت تعتقدين ان هنا يوجد الوحش الذى ألتهمها ؟

- أرجو المعذرة .. لست أفهم .


- هذه الكلمات كانت تكتب على بطاقات الصور البحرية القديمة . لقد تساءلت . بم كان يحس البحارة فى الأزمنة الماضية وهم يوجهون اشرعتهم نحو الجهة التى يجدون فيها ما يسمى التنين أو الوحش .


- ولكن لايوجد ما يسمى التنين الا فى الاساطير . ثم ما صلة الوحوش بـ " لولا "

- إن الوحوش يمكن أن تتخذ أشكالا كثيرة . وهكذا تسمع عنها فى الاماكن التى لا يمكن ان نظن انها يمكن ان توجد فيها .

فى الحقيقة كان " كلايتون بانور " فى تلك اللحظة يشبه وحشا مهولا . وتحت قناع الهدوء الذى يبدو عليه . كانت تحس انه خطير للغاية . ثم انها لم تحضر لتقايض فى لمح البصر .
شخصيته كساحر للنساء مقابل شخصيته التى هى لغز .


فجأة بدأت الحجرة تضيق ورأت " داميتا " نفسها بمفردها معه . ما الذى تعرفه عن هذا الرجل ؟

إن الصحف لم تفصح عن أشياء كثيرة من ماضيه . مفضلة التركيز على الحاضر . الذى كان مثيرا براقا . فتارة يقولون انه سويدى او سويسرى . وانه برز فى عالم الاقتصاد عندما أقام منذ سنوات هو واخوه غير الشقيق " جوردان " سلسلة من القصور التى تنافس بشدة فنادق " هيلتون " وكان ديكور كل منشاة مأخوذا من البلد المقامة فيه . وبذلك يلبى ذوق العملاء الذين لا يستطيعون الاستغناء عن الرفاهية والفخامة وغرابة الموقع .


وكونه استطاع اقامة هذه الامبراطورية فلابد أنه شديد الذكاء . ثم لابد ان " بانور " كان فاحش الثراء . ولكن ساحر النساء غير مكترث . كان يخفى ظلا لم يستطع الصحفيون اكتشافه . وهو أين يعيش وحشه الداخلى . سألها :

- هل أنت تحاولين التأثير فى ؟


- لا بل أننى أتساءل . هل تشكلين خطرا على ؟

ماذا يجب على أن أظن ؟

- أنا لا أهدد احدا .. وعندما تقول لى أين " لولا " فإنك لن ..

- كيف يمكن ان تكونى واثقة بأننى أعرف مكانها

- إننى لا أفعل سوى أن أمل ولكن عندما سمعت أنك تنخدع بشأن ذلك الوحش فقد تأكدت ان لديك بعض الشواهد ... هل هذا صحيح ؟


- ربما أعرف أين هى .. ان " لولا" تنتقل بسرعة من مكان لاخر ... شهرا فى " ماراسيف " واخر فى " كان " ...

- انها تخبرنى بانتقالاتها بإنتظام .وكان عليها ان تخبرنى عن مكانها هذه المرة .. ولتعلم ان " لولا " وانا صديقتان حميمتان . انها لا تتركنى أسبوعا كاملا دون ان تطلعنى على اخبارها .

وعليه فإننى لم أسمع عنها شيئا منذ شهرين ولم اتلق منها مكالمة تليفونية ولا خطابا .


- اعذرينى فإننى اجد صعوبة فى تصديق ذلك . لقد حدث استلطاف كبير بينى وبين " لولا" عندما أقامت هنا ومع ذلك لم تذكر اسمك قط .

- انها لا تتحدث عنى لأى شخص . ولا يمكن أن تقول لك شيئا عن وجودى حتى لو كانت تحبك .

- لماذا ؟


- لا يهم ... إن هذا الامر لا شأن له بك . أطلقت " داميتا " زفرة غاضبة ثم عاودت الهجوم ..

- لماذا هذا المسلك الذى تسلكه معى ؟ هل تظن أننى مجرمة ؟

- نعم , هذه الفكرة خطرت على بالى . ولكنى فى سبيلى لتغيير رأيى , إن صدقك وشجاعتك لايبدوان مصطنعين .


احتجت وقد اغاظها ذلك الوصف المشكوك فيه .

- ماذا تعنى بصدقى وشجاعتى ؟ اذا كان هذا يعنى اننى احترم الامانة والصراحة , فأنت صادق الحدس . اننى لم اقبل قط الاكاذيب ولا الخداع .

كانت تتحدث بكل أحاسيسها .


رد عليها :

- ومع ذلك فاننى احس انك متهربة .. أليس كذلك يا " داميتا شاهنسي "

كان وهو يحدثها قد ركز عينيه مباشرة على عينى الشابة التى قالت له :

- إذن انت تعرف حقا أين توجد " لولا " لماذا إذن ترفض ان تخبرنى بمكانها ؟ أرجو الا يكون قد أصابها ضر ؟ اعترف .. هل هى مريضة ؟


- اخر مرة قابلتها فيها كانت فى كامل صحتها .

- هذه ليست إجابة

نهض كلايتون واعلن :

- فى هذه اللحظة لن أكشف لك عن المزيد . فلا أحد يعرف عنك شيئا يا " داميتا " ومن ناحيتى فان رجل شديد الوساوس وخصوصا عندما تخفين عنى شيئا ما .


- ولكنك إذن لم تفهم .... أليس كذلك ؟ هل تواجه "لولا" متاعب ؟

- لنقل : إنها ليست فى وضع تحسد عليه .

- فى هذه الحالة من الأفضل أن أكون بجوارها .

كان "بانور" شخصا قاسيا بالإضافة إلى أن الشك كان باديا عليه . تساءلت "داميتا" كيف يمكنها أن تقنعه إذا لم تبح له بكل شئ ؟

استقر رأيها وقالت بعد أن أطلقت زفرة :

- إن "لولا توريس" هى أمى .


عبر وجهه عن وقع المفاجأة عليه وقال :

- إننى لا أستطيع أن أصدق ذلك .

- أعرف ... إننى لا أشبهها ومع ذلك فالأمر صحيح .

أخذت نقضم أظافرها فى يأس واستطردت :

- إن " لولا" ستحنق على كثيرا بسبب اعترافى هذا . لقد جعلتنى أقسم أننى لن أقول ذلك أبدا لأى شخص . وأنت لو أبديت قليلا من التفاهم ، لما دفعتنى إلى أن أحنث فى قسمى .


- آسف ... فى المستقبل سأحاول أن أتحسن .

 
كان يتكلم وهو شارد لأنه كان يتأمل تقاطيع الشابة :

- يمكننى أن أجد بعض التشابه الغامض بينكما لأن عينيك تشبهان عينى "لولا" ولكن ...

قالت داميتا بصوت خال من المرارة أو الحسد :

- ولكنى لا أملك جمالها الفتان الذى اشتهرت به . أو يمكن أن تقول جمالها المميت ، لأنه جعلها تأتى بأطفال كيفما شاءت ... هل هذا ما تريد أن تقوله ؟

همس :

- ولكننى لا أعتبرك أى شئ كان !


هزت "داميتا" رأسها تحت الضوء واشتعلت خصلات شعرها الحمراء مثل النار . قالت له :

- لست مجبرا على تملقى . فأنا أعرف نفسى جيدا ولنكن واقعيين . لقد فهمت منذ وقت بعيد أننى لا أسبه "لولا" أبدا فى جاذبيتها .


كان "كلايتون بانور" يراها فى صورة وجه حيوى نشيط ، ومع ذلك كانت شفتاها رقيقتين . قال لها :

- إن وجهك يمثل صفة خاصة . وأءكد لك أن جمالك لا مثيل له .إنه يخرج عن المألوف يا "داميتا" .

أيجب عليها أن تشعر بالإهانة أم المديح ؟


إن الشابة لا تستطيع تحديد نوع الصدمة التى أحست بها أمام كلماته . قالت له :

- هل يمكن أن تدلنى إذن أين أعثر عليها ؟ وأتعشم ألا تفهم أن ابنتها تحاول مضايقتها .

- إن العلاقات بين الأم وابنتها كثيرا ما تسفر عن أمور مؤسفة . وأكرر عليك أنه يدهشنى ويحيرنى أن أسمع أن "لولا" عندها ابنة .


- انها لم ترغب ان يعرف احد ذلك .

- اننى فى حياتى لم اعرف احدا اكثر صراحة منها .

ثم ليس هناك أى ضرر فى الاعتراف بأنها ام .


انتصبت " داميتا " وقد التمعت عيناها من الدموع والغضب :

- إنك إذن لم تفهم . إن " لولا " تركتنى مجهولة , لانها كانت تخشى ان يصيبونى بأذى . وان يقولوا هذا الشبل من ذاك الأسد . عندما وصلت إلى سن الادراك ومعرفة حقيقة حياتى . حاولت أن أبين لها أننى لا أهتم بما يقولون . ومع ذلك لم ترد " لولا " الإنصات .


وبناء عليه جعلتنى أقسم أن أكتم السر .

- إن " لولا" أصغر من أن يكون لها ابنة فى العشرين .

- أننى أبلغ الثالثة والعشرين من عمرى . وقد ولدت ولم تتجاوز " لولا " الرابعة عشرة من عمرها . ماذا تعرف عن أمى غير ذلك ؟


- اوه ... حسنا . لقد كنت أعتقد دائما أننى أعرفها , ولكن لدى أحساس اننى كنت مخدوعا فى ظنى , انها لم تحك شيئا عن ماضيها ومن الواضح ان ما كنت اعرفه عنها هو انها كانت معروفة على المستوى العام كفتاة ترفيه او ما يسمى بفتاة التليفون على مستوى رفيع , وانها كتبت مؤلفا كشفت فيه عن اسرار الكهوف السرية التى تخص الشخصيات المهمة والمشهورة . من الرجال الذين تعرفت عليهم وبعدها انتقلت الى التليفزيون . ويبدو انها كانت شديدة الثراء ولها اصدقاء ذوو سلطة .


- انت مثلا بصفة خاصة . ويقال : إن احدا لما يحاول السؤال عن سبب تحول " لولا " الى فتاة تليفون ولا لماذا كتبت ذلك الكتاب ؟ اتدرى انها ولدت من ام كان يقال عنها ؟ انها تاجرة الحب . واب مهرب مخدرات . وانها عاشت فى الاحياء الفقيرة البائسة المتخمة بالمهاجرين فى " لوس انجيلوس " وانها واجهت امورا كان من الممكن ان تحطمها لو لم تكن لديها ارادة من حديد ؟


كانت فى سن التاسعة تعيش حياة الشوارع وفى سن الثالثة عشرة كانت حاملا فى . لقد ولدتنى فى جحر تغزوه الفئران وخوفا من ان تنتزعنى وزارة الشؤون الاجتماعية منها لم تذهب للولادة فى مستشفى وانما ساعدتها قابلة ؟ هل تعرف كل هذا ؟

- لا إننى اجهله .


- إيه .. حسنا هذا هو الامر ... ثم لم يكن امامها سوى الشارع لتحصل على احتياجاتنا . هل تتصور هذه الفتاة الصغيرة ابنة الاحياء البائسة وهى تعيش على الرصيف ؟ إننى أكن لها اعجابا بلا حدود .


- نحن متفقون على هذا .. هل تحاولين اقناع من هو مقتنع بالفعل يا " داميتا " ؟

تابعت فى طلاقة دون ان تنصت له :

- عندما بلغت الثالثة من عمرى . ادخلتنى الدير فى المكسيك . حيث كانت تزورنى فى كل مرة تستطيع ذلك . وبعد ذلك جعلتنى اواصل دراستى واعطتنى كل ما تحتاج اليه فتاة صغيرة وتحلم به . لقد كانت " لولا "امى وصديقتى .بل أفضل صديقاتى و ..

وضع " بانور" اصابعه على شفتيها , ليضع حدا لسيل الكلام وقال :

- لا تكونى عدوانية الى هذا الحد . إننى لا اهاجم " لولا " نحن جميعا نصارع بكل ما لدينا من أسلحة .


واسلحة " لولا " كانت الذكاء وقوتها وجمالها الصارخ . لذلك كان من الطبيعى ان تستخدم كل الاسلحة , لتخرج من الفقر وتفى باحتياجاتها .

- إذن أنت لا تدينها ؟

- بالتأكيد لا ، وإلا لماذا أفعل كل ذلك ؟ إنها امرأة رائعة وحياتى أيضا ليست خالية من اللوم .


- فعلا ... هذا ما يقال . حسنا .... إننى لن أزعجك أكثر من هذا . وإذا أخبرتنى أين يمكن العثور على أمى إننى لن أضايقك بعد ذلك .


- آه ، حسنا ؟ لم هو مؤسف هذا الأمر ... سأتصل بالاستقبال حتى يعدوا لك جناحا ويحضروا أمتعتك . أين نزلت ؟

كان قد أدار لها ظهره . أجابته دون تفكير :

- فى الشيراتون ... ولكن .... ماذا تقصد ؟ ليست لدى النية أن أقضى الليلة هنا . إننى أنوى أن أترك "صادقخان" عندما ...

- لن أقول لك شيئا .. ليس بعد . وفى حالة ما إذا كنت قد كذبت على ، فإننى لن أعرض أصدقائى للخطر . دون أن تقدمى أدلة أخرى ، لا .... إن هذا سيعرضنا لخطر شديد . قبل أن أسمح لك بالانضمام إلى "لولا" ، لابد أن أتأكد من صدق هذه الرواية .

- وكيف يمكنك أن تتحقق من ذلك ؟


- يا إلهى ! عن طريق سؤال "لولا" . سأتصل بها وأسالها عن موضوعك . وأنوى أن أحتفظ بك تحت يدى .

علت الابتسامة شفتيه .

سألته :

- لماذا ؟


- حتى أحطم عظامك الرقيقة للغاية . إذا اتضح أنك لست الشخص الذى تدعينه . إنى لا أحب أن يستغلنى أحد .

اتسعت عينا الفتاة الجميلتان واستدارت :

- ولكنها الحقيقة التى قلتها لك .


قال لها بحدة وهو يرفع سماعة التليفون :

- سنتحقق من ذلك . وهذا التحقق لن يستغرق سوى بضعة أيام .

- بضعة أيام ؟ لو اتصلت بها مباشرة ، فإن ذلك لن يستغرق كل هذا الوقت .

قال وهو يدير الرقم :

- ليس من السهل الوصول إلى "لولا" حاليا .


كان هذا أكثر من اللازم ، أصيبت داميتا بالجنون

- إنها بخير ،على الأقل ؟ لقد ادعيت أن كل شئ على ما يرام ..

- فعلا .

- إن غموضك يوترنى .


- بالتأكيد ..... ولكن كيف يمكن أن تصبح الحياة دون أسرار أو ألغاز ؟

رفعت السماعة على الطرف الآخر من الخط . أصدر بانور بعض الأوامر المختصرة والمحددة ثم قطع الخط .

- سيصل صبى الفندق وسيصحبك إلى جناحك .... ما لم تفضلى أن تمكثى هنا معى . إن غرضى لا يزال قائما .


صدمت هذه الدعوة المكشوفة مشاعر "داميتا" فبعد مشادتهما ظنت أنها أصبحت بمأمن من ذلك المغوى الهادئ . وإن كان إلحاحه يزعجها بعمق :

- أعتقد أنك تمزح . إن فكرة أن أشارك أمى فى رجل واحد كرة فظيعة وغير معقولة .

- سأحاول أن أتذكر ذلك . يبدو أن لك اراء أصبحت عتيقة ... هل لديك تحفظات أخرى ؟


بدأت الشابة تحس الاضطراب يسرى فى كل جسمها . وإن حرارة خانقة التفت حولها من قرب هذا الرجل منها . إنه مثال للرجولة الكاملة والمذهلة ، وهو أيضا متوحش إلى درجة أرعبتها وجعلتها تثبت فى مكانها بلا حركة ، إن "داميتا" لم يسبق لها أن قابلت رجلا فى مثل جاذبيته . وهو رجل كان على علاقة حميمة جدا بأمها ، كما تدل على ذلك الشواهد . خطت للخلف خطوة لتهرب من دائرة مغناطيسيته .


- يبدو أننى أسبب لك مرحا ...

- لا يا "داميتا" أنت تحيريننى وتثيرين عندى رغبة عارمة فى حمايتك

- أعلم أننى لست فى حاجة إلى من يحمينى على الإطلاق ... لقد تربيت فى دير ولكنى تركته من فترة طويلة ... وحتى الأسبوع الماضى وجدت نفسى وسط مائتين وخمسين رجلا . ولم يحدث لى حتى شبح مشكلة .
 
- آه ... حسنا ؟ اشرحى لى .


عندما رآها ترتجف من تلميحاته أضاف بصوت رقيق :

- أنت شجاعة ومقدامة يا "داميتا" أهنئك على جسارتك .

كان تأثير كلمات المديح هذه كالبلسم ..... أليس هذا ما يتنظره كل منهما من الآخر ؟ المجاملات والتهانى التى تعطى للمرء قيمته ؟ إن كل ذلك يصنه البلسم الذى يداوى القلوب .

قال فى تواضع :

-إنك شجاعة مثل الأسد . وقد هزمت العدو وأخضعته لسلطانك .

احتجت "داميتا" :

- لا يبدو عليك الخضوع .


طرف بانور بعينيه :

- لقد حاولت أن أكون جبهة لصد هجماتك .

انقطعت هذه المحادثة الغريبة أمام طرقات على الباب . قال لها :

- ها هو صبى الفندق . إنه سيقودك إلى جناحك حيث تستطيعين أن تنالى قسطا من الراحة تستحقينه .... نوما سعيدا يا "داميتا" !



صمت فترة ثم أضاف :

- وبالمناسبة هل أكون متطفلا لو سألتك ، من هم المائتان والخمسون رجلا الذين يحومون حولك ؟ وأين حدث هذا ؟

- فى "بيرو" أنا مهندسة قناطر وجسور ، وكنت أشرف هناك على إنشاء قنطرة فى سلسلة جبال الأنديز .


- مهندسة قناطر وجسور .... أوه ...! إن هذا يمكن أن يسبب مشاكل .

صاحت :

- ماذا تود أن تقول ؟


ولكن "بانور" أخذ يضبط ملابسه ووضع يديه فى جيبيه وهو يغمغم :

- لاشئ . هيا اذهبى ... وسأراك بعد الظهر .


قالت منهكة :

- بعد "مايرا" ...


عضت لسانها فى الحال . رد عليها :

- " مايرا" ؟ آه نعم ... سنتقابل – تصبحين على خير يا "داميتا"


( نهاية الفصل الأول )

 
الفصل الثاني


-انهضي ايتها الغزاله الجميله! ان النهار لم ينته بعد
فتحت داميتا عينيها في كسل وقد اثقلتهما النعاس ورات امامها عينين زرقاوين..وجهها ساحرا الى درجه كبيره..انه كلايتون اين هي اذن؟ همست
-صباح الخير

-صباح الخير عليك
اختفت ابتسامه يانور وحل محلها تعبير جاد
-لقد حانت الساعه ياعزيزتي..هل انت مستعده ان تتبعيني؟
طبعا كانت مستعده طالما قضت حياتها في انتظار تلك الكلمه اجابت بطريقه طبيعيه
-الم تات مبكرا اكثر من اللازم؟

لقد احست مده لحظات انني اشتقت اليك.اتدري...
-اشتقت الي! الان انا هنا ولدي النيه ان اعوض كل سنوات الغياب
دلك كلايتون خدها في رقه..كم هو لذيذ هذا الملمس..هل عادت لولا ولكن لا...تخظب جسدها ووجدت نفسها شبه جالسه وقد زالت الاغطيه عن جسدها هزت راسها لتطرد غيبويه النعاس صاحت
-ماهذا؟مالذي تفعله هنا؟

افترت شفتا كلايتون عن ابتسامه ندم
-لقد اعتقدت انك فهمت اخيرا ماهو افضل لك..وا اسفاه
تاملها في اعجاب ثم قال
-انك تتمتعين بوجه فاتن وجسد ساحر
رفعت الغطاء حتى ذقنها بسرعه بينما زمجر بانور
-انني كثير الكلام لعل هذا يصلح درسا لي
قالت داميتا وهي تشعر بالعار

- كان من الواجب ان تطرق الباب قبل ان تدخل..اعرف ان الفندق ملكك ولكن الادب يتطلب ذلك
اؤكد لك انني طرقت الباب ولما لم تردي استخدمت المفتاح الرئيسي هل تنامين دائما وكفاك مضمومتان هكذا؟
القى بنفسه على المقعد ذي المساند بالقرب من السرير ردت عليه

-نعم لدرجه انني احتاج الى ساعتي منبه حتى استيقظ..ولكن اين المشكله في ذلك؟
انكمشت داميتا تحت القماش الى ان ادركت ان ذلك سيزيد الموقف تازما قال
- ان االمشكله هي انني انوي دراسه طريقه نومك وطريقه استيقاظك عن قرب شديد ايتها الغزاله الجميله
-غزاله جميله!هل تطلق على هذا الاسم لاننا في بلاد غريبه؟
-هل هذا التشبيه يضايقك؟.

-ولكن لا...نحن في ماراسيف في الحي المتحرر يا سيد بانور
-ناديني كلايتون ومادمت اتمتع بالحريه فاسمحي لي انني سعيد بان القاك هنا واراك وانت نائمه في سريري
-سريرك؟ طبعا سريرك اذا نظرنا الى الامر من ناحيه ملكيتك للفندق ومع ذلك تاكد من ان ما فعلته قد ازعجني واحنقني وارجوك الا تضحك من هذا الاعتراف

-لقد حانت ساعه الجد ايتها الغزاله الجميله هيا بنا فاخرجي من درعك الشائك...
-اعرف جيدا انه يحدث احيانا ان اكون عدوانيه للغايه وليس هذا بداع على الاصرار بطريقه سمجه على كل انني في اعماقي اعتبر وصف الغزاله جميله يعجبني
-ان لك الحيوانات الجميله تختبئ ايضا احيانا وراء شجيرات شوكيه
-ان هذه الصوره لا تناسبني يا سيد..كلايتون انت لا تعرف شيئا عن كياني الداخلي
-هل هذا ظنك؟في هذه الحاله سيكون امامنا الوقت الكافي لاكتشافه ..اقصد كيانك الداخلي
هل تعتبرينه عدوانا عليك ان طلب منك الاستعداد للرحيل الى كسمارا قبل سدولالليل؟
-كسمارا؟هل هناك ساقابل لولا؟

-ليس على الفور ولكنها الخطوه الاولى في اتجاهها ستحملنا طائره هليوكوبتر من سطح الفندق هنا خلال نصف ساعه والحق معك عندما رفضت اخراج ملابسك من هاتين الحقيبتين بالقرب من الباب
-ان صبي الفندق سيحضر لاخذهما وفي اثناء ذلك سيتاح لنا الوقت لاخبار ديمون ب وصلنا و...
-انتظر لحظه ماذا تعني بالخطوه الاولى؟انني لن اتحرك من مكاني قبل ان اتاكد من ان لولا توجد عند نهايه الرحله
-انها ستكون هناك فلا تقلقي ان ديمون هو الذي يؤمن بفضيله الاختطاف اما ان فلا انا من ناحيتي اؤمن بالطرق الاكثر تحضرا
-من هو ديمون ؟

-انه ديمون الكريم ابن عمي انه سيلازمنا خلال الايام القادمه ولكنك ستحبين كسمارا ان النساء شغوفات الى درجه الجنون بذلك المكان الذي يشبه ديكور الف ليله وليله
قالت بلهجه لاذعه
-تماما مثل فندقك/

هز بانور راسه وهو يفتح الباب
-لا ان فندق ماراسيف كله مصطنع مثل ديزني وهو النسخه الاصليه
-هل لولا موجوده هناك؟
-انها الخطوه الاولى اليها
همهمت داميتا بلهجه صلبه لاتقبل النقاش
-اذن سابقى
اختفت ابتسامه كلايتون

-ليس لك حريه الاختيار انا الذي امر هنا انها كسمارا او لا شئ واتعشم ان اكون واضحا بدون كسمارا لن تلتقي مع لولا
كان يحدجها بنظره بارده كالثلج فحت كالحيه
-ايها ال...انت لست سوى اناني بلا ضمير
-كيف يمكن لامراه ساحره مثلك ان تنطق مثل هذه الالفاظ القاسيه؟ هل هذا ما علموك لك في الابرشيه؟لا...لابد ان ذلك تعلمته في حياتك في المؤسسه..في المستقبل ساحاول ان ابعدك عنها.يبدو لي ان لديك نزعه واستعداد ل تبني اللغه البذيئه التي تدور في الحواري والورش بسهوله
-وانت..الا تعتبر سلوكك واخلاقك وتصرفاتك كلها بذيئه؟/

-اهدئي انني امزح كالعاده.واذا كانت مهنتك تعجبك رغم بذاءه لغتها فانني واثق باننا سنصل الى حل وسط
-مالذي تقصد قوله يا كلاينتون بانور؟
-انت ترخين الحبل قليلا من عندك وانا ارخيه من عندي .اليس هذا هو المقصود من الحل الوسط؟
-نعم ولكن..ولكني لا افهم الى ماذا تلمح

اخذت تهمهم وهي تغرز اصابعها في شعرها مما جعله يتطاير في الهواء ككتله من النار
-ساشرح لك ذلك .لقاؤنا على سطح الفندق بعد نصف ساعه من الان
رحل واغلق الباب وراءه .تاملته الشابه بعض الوقت وتاجج غضبها ان بانور ليس سهل الانقياد على الاطلاق وهو مثال للشاب الجذاب الذي يشكل خطرا على المراه

ولكن هذا لا يشمل داميتا التي اقسمت الا يسيرها الرجال حسب اهوائهم كما فعلوا مع لولا توربس
****
على بعد بضع مئات من الكليو مترات شمال ماراسيف تقع كسمارا في واحه جميله وسط صحراء صديفخان وكانت ابراج
القصر على شكل ماذن تعلو وتطل على حمامات سباحه زرقاء محاطه بخضره داكنه سالت الشابه بينما الطائره المروحيه تشتعد للهبوط
-هل يمكن بالمصادفه ان يكون ابن عمك واحدا من الزعماء الذين نراهم في المسرحيات عن الشرق؟انك لم تخبرني انه يقطن في قصر
-زعيم؟لا...ولكنك لم تتعدي عن الحقيقه كثيرا.ان ديمون هو زعيم قبيله ومعظم الوقت لا يعيش في القصر واذا كان قد ورثه عن امه الا انه يفضل ان يقضي معظم الوقت بين الشعب ان ديمون لاياتي الى كسمارا الا ليدير شؤون الدوله ويقضي بعض الوقت في اعمال طائشه مما يقوم به اهل الغرب
-والقبيله؟ماهي؟

شرح كلايتون
-انهم اناس من البدو يحترمون عادات وتقاليد من الف سنه ولهذا اعتقد ان ديمون يحب من وقت لاخر تغيير الجو واهل القبيله يعاملونه باحترام يصل الى حد الخرافه الا تعتقدين ان من الصعب اداره مملكه مطلقه؟
-في ايامنا هذه؟ اعتقد ان هذا غير موجود
-لم يكوني لتقولي هذا لو اقمت في صديقخان ولكني نسيت ان احدد لك ان ديمون هو ابن عم الاصغر ل اليكس توم
صاحت داميتا

-رئيس صديقخان ؟اذن انتم ايضا من العائله؟
-من بعيد من ناحيه الام لقد تزوجت امه مرتين ان بها دماء سويسريه وصديقخانيه وكان زواجها الاول من احد رجال الصناعه في صديقخان وتم ترتيبه عن طريق والديها وكانت سنه تزيد على سنها باربعين عاما
علقت داميتا التى اذهلها ماتسمعه

-ان هذا يبدو وكانهم في العصور الوسطى
-لقد كان العرف السائد هكذا ولايزال سواء رضيت ام ابيت ولقد ولدت بعد الزواج بثلاث سنوات ولكني لم اعرف قط ابي الذي توفي وان في الثانيه من عمري ثم تزوجت امي من مرب كبير للماشيه استرالي الجنسيه عندما كنت في العاشره من عمري
-وهل كانت لها كلمتها بشان ذلك الزواج؟

-اوه..نعم وقتها كنت سيده نفسها وتمتلك ثروه ضخمه كانت قد تزوجت ن بانور فان ذلك كان عن حب ولسوء الحظ كان بانور يفضل املاكه واموال الدوطه مهر امي ولم تاخذ وقتا طويلا حتى تكتشف هذه الحقيقه
-وهل طلقت منه؟

-لا...لقد تمسكت بوعدها مهما كانت العواقب لقد ظلت مع باونر حتى اخر نفس من عمره بعد ذلك علدت الى صديقخان
-كان من الواجب عليها ان تطلقه فقد استغلها
-نعم ولكن حدث انها اعطته كلمتها
-ولكن ذلك الرجل تزوجها من اجل مالها؟
-لقد اعطته كلمتها واوفت بعهدها.ثم انني نا ايضا اومن بكلمه الشرف.وفي العالم الشرير الذي نعيش فيه يجب الايمان بشئ ما لاننا اذا لم نثق بالاخرين فماذا يبقى اذن؟
يجب احترام ارتباطاتنا
-بلا استثناء؟

قال بوضوح
-بلا استثناء.طبعا انا لا اتحدث الا عن نفسي ومن الغباء الحكم
على الاخرين بدعوى انهم ليس لديهم نفس الميثاق الشرف مثلي ولكن ماذا هناك؟هل انا الذي اجعلك تضحكين ياداميتا؟
-لا...وانما ما يضحكني هو التناقض بين فلسفتك عن الحياه ومظهرك الخارجي ..انك تبدو لي اكثر صرامه من ان تصلح شابا مستهترا
-لهذا لا اقدم وعودا لكل من هب ودب
-حسنا...في هذه الحاله يمكنني الاعتماد عليك كي تفي لي بوعدك وتقودني الى لولا
هبطت الهيلوكوبتر بسلام على الحلبه لمحت داميتا رجلا فارع الطول يرتدي ملابس الاوربيه يسرع نحوهما بينما فتاه متشحه بملابس الشرق وحجاب تتبعه اعلن كلايتون دون ان تترك عيناه الفتاه

-هاهو ديمون
فتح بوابه الطائره الثقيله وقفز منها قائلا
-تعالي حتى اقدمك له واعتقد انك ستجدين الزعيم مثيرا للاهتمام كان ديمون الكريم رغم قميصه البيج وبنطلونه السفاري التقليدي في الصحراء شخصا لافتا للنظر كانت له هيئه ملكيه ومشيه رشيقه كالفهد حتى انه استخوذ على انتباه داميتا في الحال حاولت داميتا ان تجد اي تشابه بينه وبين ابن عمه ولكنها لك تعثر على شئ تقريبا
كانت بشره الرجلل برونزيه مثل كلايتون وكان شعره الطويل داكنا اكثر من شعر كلايتون اما ملامحه فليست مثل ملامح ابن عمه كان خدا ديمون في الحقيقه مغضنين اكثر وشفاه اكتر اثاره اما داخل عينيه الخضراوين فقد قرات عاطفه عميقه كان طبعا يسيطر على تلك العاطفه ولكنها كانت ملحوظه بوضوح اما القوه التي تنطوي عليها حركاته ونظرته القلقه وتعبير القوه الذي ينبعث منه فقد ساهم مع صفاته السابقه في جعل الشابه تنتبه وتحذر
اخذ يتاملها بعين بارده وهو يصافحها

-مرحبا بك على ارضي يا انسه شاهنسي
فجاه ابتسم وقال
-ان لك عينين واسعتين حقا
تلعثمت وهي تقول
-اوه...انني تشرفت ياصاحب العظمه واشكرك على دعوتك الكريمه
قال وعيناه تلمعان
-ناديني ديمون فقط..كم انت مؤدبه
ومع ذلك فانه حسب ما اخبرني به كلايتون في التليفون فانك لم تحضري الى هنا بمحض ارادتك
قالت داميتا وهي تحدج كلايتون بعين سوداء
-انها ليست غلطتك...انني مدينه بذلك لهذا المحتال
اكد كلايتون وهو يصافح يد كريم

-الغلطه غلطتي دون غيري..انني اتحمل كامل المسؤوليه عن ظلمي الرهيب
قالت داميتا في غيظ
-فعلا انه ظلم...ليس من حقك ان ترفض ان تكشف لي اين تحتفي لولا ..هل هي في الجوار؟
-ليس بالتحديد
واصلت اسئلتها وهي تتقدم نحو كلايتون
-كيف هذا ياكلايتون؟ اذن ماذا افعل هنا؟هل تدعي..؟
تدخل دايمون

-لاشك في انك تريدين ان تستريحي...
طرقع باصابع يده فسارعت المحجبه نحوهم
-ستصحبك ليندا الى جناحك وهي التي ستخدمك طوال مده اقامتك هنا واذا احتجت الى اي شئ..قالت داميتا متهكمه
- ما على الا ان اطرقع اصابعي؟ انني لايمكن ابدا ان اهضم ان افعل ذلك مع مخلوق بشري ان هذا يعطيني شعورا وكانني اصغر مناديه كلبي
اخذ ديمون يضحك
-اضمن لك ان خدمي لن يعتبروا هذه الحركه مهينه فهي العاده هنا
-حسنا...ان هذا يحط من قدر الناس
قال ديمون وهو ينحني قليلا

-اذن يمكنك ان تناديهم بالطريقه التي تحلو لك وانا كذلك يمكنك ان تناديني بنفس الطريقه وانا خادمك المتواضع يا انسه شاهنسي!
ابتسمت الشابه وهي تتخيل ذلك الرجل الذي يداعب كبرياءها
قالت وهي تتحول نحو الوصيفه التي كانت تنظر اليها وقد اتسعت عيناها دهشه
-ليست هناك ايه مخاطره..انا اسمي داميتا وانا سعيده بمعرفتك هل تتفضلين بان تصحبيني الى جناحي؟
قاطعتها ليندا وهي تختلس نظره قلقه ل ديمون
-بالطبع..كل مايريده السيد..كل ماتريدين..

دارت على عقبيها واندفعت كالطائر وهي متحه باللون الابيض من راسها الى اخمص قدميها ترتجف بشده نحو القصر
قالت داميتا
-السيد..انني لايمكن ان اصدق هذا
كانت تحس بالذهول بطريقه غامضه

-ومع ذلك يمكنك ان تصدقيه لقد سبق ان حذرتك ان القبيله متاخره اذا ما قورنت بنا
همهمت الشابه وهي تعبر الارضيه المغطاه بالرخام الممتده امام القصر
-انهم متاخرون عده قرون...هذا غير معقول
تتبعها الرجلان باعينهما وعندما اختفت في داخل المبنى علق ديمون وهو ساهم
-انها تقول ما تفكر فيه...اليس كذلك؟واعتقد انني احب ذلك جدا
-وانا كذلك بل اكثر

اشار كلايتون الى الطيار بان مهمته قد تمت وانه يستطيع الرحيل
سال ديمون وقد تجهم
-هل يمكن ان يكون ذلك تحذيرا؟
-نعم

قال ديمون متهكما
-اعتقد انك جرحتني يا كلايتون هل سبق لي ان سلبت امراه منك كنت معجبا بها؟
-لا على الاطلاق ولكني اعرفك.انك تستخدم النساء في تهدئه اعصابك وعليه فانني اراك الان على وشك ان تتحطم من شده توترك لاتحاول ان تلمس داميتا
ضاقت عينا ديمون واصبحت حدقتاه مجرد راسي دبوس يبرقان
ثم قال


-واذا كانت المراه موافقه؟
 
ستكون غلطه
اخذ ديمون يحدق في ابن عمه فتره
-اعتقد انك على حق ..انني لا اريد ان استغل صداقتنا في حكايه نسائيه فلا واحده تستحق هذا العناء.ولكني اعتقد ان هذه المراه بالنسبه اليك تستحق هذا العناء

-لو استطعت الوصول اليها خلف قناع عدوانيتها وتوجسها فانها فعلا تستحق العناء انها تشك في الان اكثر من القنفذ..ولن يكون الامر سهلا
-ان السهل لا يعجبك اما الان فان الامر بهذه الصعوبه اصبح شيقا اكثر..اعتقد انه ليس من المجدي ان اسل لك وصيفه الان؟
وافقه كلايتون براسه فقال ديمون
-هذا ماظننته هل انت مرتبط؟

قال كلايتون مؤكدا بصوت مسموع
-نعم انا مرتبط
*********
-هل هذا الجناح يعجبك؟ لقد صنع اثاثه حسب التعليمات خاصه في المغرب
فتحت ليندا ضلفتي النافذه البيضاء واشارت الى التلال المظلله بلون بنفسجي والتي برزت عن بعد واكملت
-اتعشم ان يعجبك المنظر...والا يمكنني...
قاطعتها داميتا

-ان المنظر فاخر والجناح ممتاز وانا واثقه بانه يعجبني
حل تعبير الارتياح على وجه الفتاه الصغيره القلق
-الحمد لله..ان السرير مريح للغايه ولكن اذا كانت المراتب لاتناسبك فيمكنني تغييرها..انا اعلم ان السيد بانور لن يجد في ذلك ايه غضاضه انه ينفذ كل رغبات صديقاته
تخشب جسد داميتا

-وماالذي يهم السيد بانور ان كانت المراتب تعجبني ام لا؟
ابتسمت ليندا ابتسامه ارادت بها ان تطمئنها
-لقد قلت لك ان هذا لا يشكل مشكله..انه كريم جدا مع...
-مع صديقاته ؟ما معنى ذلك؟
اختفت الابتسامه الوصيفه

-هل غضبت؟هل سببت لك ضيقا؟ سامحيني يا سيدتي هل ارسل لك وصيفه اخرى تستحق شرف خدمتك اكثر مني؟
كانت الصغيره على حافه البكاء حقا حاولت داميتا ان تمنع حركه التبرم التي اوشكت ان تفعلها حتى لا تزيد من هلع الفتاه قالت برقه
-انا لست غاضبه على الاطلاق واعتبرك في منتهى الكفاءه
عادت الابتسامه المرتجفه للفتاه
-في هذه الحاله لن تقولي للزعيم انني ضايقتك؟
اليس كذلك ؟انني سعيده جدا هنا ولا اريد ان يصيبني العار بان يعيدوني الى القبيله
همست داميتا من بين اسنانها/

-من المؤكد انك ستكونين اكثر ارتياحا هناك وسط القبيله
ولكنها لما رات القلق يعود الى عيني الفتاه قالت
- انك لم تضايقيني وانا واثقه باننا سنصبح صديقتين في
العالم
استدارت عينا الفتاه من الدهشه
-اوه...لا ..انني لن استطيع ان اتجرا ابدا...اعرف انك اعلى مني مكانه...ربما في يوم ما يحكمون علي بانني تصبح جديره بان اكون وصيفه مثلك..
-ولكن من هن الوصيفات؟
-الا تفهمين الكلمه؟لقد نسيت انك اجنبيه ..وصيفه تدل على انك ذات مهنه محترمه للغايه
-هل وصيفه يعني مهندسه.؟

قالت الفتاه وهي تهز راسها وتشير الى السرير
-لا..لا ..ليست مهندسه انك تمنحين المتعه وتعرفين الاسرار التس تسعد السيد
سالتها داميتا وهي تشعر بالعار
-وصيفه يعني محظيه..اليس كذلك؟
قالت الفتاه مصححه

-لا ..لا يمكن ان اسمح لنفسي بان اصفك بهذا الوصف
-ولكنك تعتبريني وصيفه السيد باونر
قالت ليندا وهي تتلعثم في هلع
-وصيفه.... وصيفه ....انني لا اريد
-لا باس يا ليندا

دخل كلايتون في هذه اللحظه كانت ليندا تبكي بحرقه وقالت له وهي تنهنه
-انها غاضبه مني..لست سوى بلهاء واستحق...
قالت داميتا وهي متجهمه
-ولكن لا...لست غاضبه منك
-انهم سيعيدوني الى القبيله..ان الزعيم
قال بانور وهو يتقدم داخل الغفه

-ساهتم بالزعيم.ان الامر مجردسوء فهم
اعتقد ان من سوء حظك انك لمست عند السيده شاهنسي اكثر من الاوتار الاحساسه يا ليندا والان لم لا تذهبين لاعداد الحمام لسيدتك؟
انا واثق بان ذلك سيسعدها لاقصى حدا
سالته ليندا وهي ترفع عينيها نحو داميتا التي كانت مستعده لفعل اي شئ في سبيل ان تكف الفتاه عن البكاء
-نعم ..انني احب ان اخذ حماما..من فضلك يا ليندا نعم ان هذا يسرني
-ولكن لا..انا الذي اقول لك من فضلك..انه شرف لي..والتدليك هل يناسبك..انني مدلكه ممتازه
انسلت الوصيفه كالفار الابيض خلال الباب المقوس الى الطرف الاخر من القاعه
قالت داميتا في لهجه ثابته

-نعم...ان التدليك سيكون رائعا
-كل شئ سيكون معدا خلال خمس دقائق
عندما اختفت الصغير سالت داميتا كلايتون
-ولكن ماذا حل بهذه الصغيره اذن؟ انني لم اشاهد في حياتي شخصا يتذلل لهذه الدرجه
-ان العادات تختلف..لقد سبق وان حذرتك..هنا لاشئ تغيير
ابتسم ابتسامه من ركن فمه ثم اضاف

-طبعا انهن يركزن ايضا على الناحيه العاطفيه...
-انا واثقه بانك انت وابن عمك تشجعان هذا النوع من المنافسه...
-فعلا ولكن الحقيقه فان ديمون لايشجع هذه الممارسات وهو مجبر على قبولها ومع ذلك مرت سنوات طويله وهو يحاول جاهدا ان ينقل الشعب الذي يحكمه ويعتمد عليه الى القرن العشرين وهذا ليس بالامر اليسير
-ان تلك العادات بربريه/

-دون شك ولكنها تظل افضل هنا..ان ديمون يجعلهن يتعلمن...
-يتعلمن ماذا؟
-هولالا..انت شكاكه ليس فنالامتاع دون شك واطمئني من هذه الناحيه ان ليندا تتعلم استعدادا للالتحاق بجامعه في ماراسيف لماذا يهتم ديمون بفتاه صغيره وبريئه مثل ليندا بينما رجال الصحراء يتصارعون ليرسلوا له وصيفات جاهزات؟
-وهل يلجا الى خدماتهن؟/

-اذا لم يفعل فان الوصيفات ورجال الصحراء سيغضبون واكرر عليه نحن هنا في حضاره مختلفه
-داميتا !هذه الحكايه قد شغلتك وقبلت كيانك راسا على عقب ..اليس كذلك؟
زفر وهو يتامل وجهها الصغير ثم استطرد
-لقد سبق ان قلت لك ان ديمون يحاول ان يجعله يتغير ولكن تعديل عادت جرت العمل بها عده قرون يتطلب اكثر من ليله
-هذا صحيح ولكن الامر يبدو لي ظلما انني لا استطيع ان اتحمل فكره استغلال النساء لا انني لا اطيق ذلك...ان هذا يرعبني
-اعرف ذلك جيدا ..وهذا لن يحدث لك ابدا يا داميتا؟
قالت في لهجه متمرده

-انت في هذا على حق تمام لن اسمح به ابدا
-لا...انا الذي لن اسمح به ابدا وساسهر على الا يسببوا لك اي اذى
ارتجفت وهي مذهوله في اعماقها اشتبكت نظراتهما ..همهمت داميتا
-في هذه الحاله لماذا اظن ذلك؟
ابعد بيده خصله نزلت على وجهها

-اعتقد انني من الان احس انني مسؤول عنك
-هل تحاول مغازلتي؟ام ماذا لوكانت هذه نيتك فعلا فمن الافضل ان تختفي لقد سبق ان حذرتك انني لن اقيم علاقات مع رجال امي...
-ولكن ايتها الغزاله الجميله المختبئه خلف شجره الكافور انني لا اغزلك ثم هل ادعيت انني كنت على علاقه ب ولولا؟
-لا ولكن الصحافه كلها تتحدث عن ذلك ثم من المؤكد انكما كنتما معا
-اسف بالنسبه الى صورتي المعروفه ولكني لا اقيم علاقات مع اي امراه اقابلها
اجتاحت داميتا فجاه مشاعر لم تتوقعها

-الم يحدث شئ بينكما ؟لمااذ؟
-ان هذا السؤال لم يرد قط على خاطري.لم يكن بيننا هذا النوع من العلاقات
-وما العلاقات التي كانت بينكما؟
-لقد كنا صديقين لقد اعجب كل منا بالاخر في الحال ان لولا كانت امراه ممتازه وشديده الذكاء
ربت على خدها ثم قال

-ان بشرتك ناعمه وجميله تمام مثل بشره لولا
احست داميتا بان جلدها يحترق في المكان الذي لمسه .اخذ قلبها يدق بجنون
سالته


-هل صحيح ان...؟
كان قريبا منها الى درجه ان رائحه لوسيون ما بعد الحلاقه احاطتها بغلاله عطريه لذيذه احست بان جسدها يتثاقل.كيف يمكنها تحديد نوع تلك المشاعر الغريبه التي تجتاحها لاول مره؟
همهم بصوت مرتجف
-بعد رحيلك الليله السابقه ظللت ساهرا افكر فيك لقد اردت بشده ان المسك عندما كنت جالسه امامي تحدقين في...
احست داميتا بان قلبها يضطرب فجاه احست انها تجد صعوبه في التنفس والحركه بدت تستسلم لهذا الشعور الجديد الذي لم يسبق لها ان عرفته منذ زمن بعيدا فجاه حدثت لها اليقظه لا قررت داميتا الا تفقد صوابها والا
تستلم لمشاعر خطره صاحت
-لا! ..لا اريد منك ان تلمسني!

كانت في تراجعها قد احست بالضياع
بدت الخيبه الامل وقال لها مدافعا عن نفسه
-بل انت تريدين ذلك اكثر مني ولكنك عنيده وخائفه وتفوقعت على نفسك مثل القنفذ مره اخرى
-ما هذا الهراء الذي تقوله؟لنقل فرضا انني احس نحول ببعض الانجذاب فماذا بعد؟ انا لست عزيزتك مايرا ولا احدى وصيفاتك يلزمني اكثر من هذا حتى اسقط في حبائلك

-انت التي تقولين مجرد هراء انت تعرفين جيدا ان الامر ليس سهلا .وحتى لو اندفع كل منا نحو الاخر فان ذلك لن يكون له اساس ولن يتحمل الاستمرار وانا اعرف بالضبط من انت ياداميتا شاهنسي مادمت انت لي...
-لا يا بانور انا لست ملك احد سوى نفسي
قال باصرار وبصوت رهيب
-بل انت لي لقد فهمت ذلك منذ لحظه التي رفعت فيها الحجاب عن وجهك امس وصدقيني لقد اصبت بصدمه انا الذي لا يؤمن بما يسمى الحب من اول نظره..ربما الانجذاب نعم ولكن الحب..لا

كان من الواضح ان داميتا اصبحت مشوشه
-لماذا تقول لي هذه الامور؟ هل عددت ذلك الخطب مقدما! هل تنفذ خطه موضوعه؟
-اقول لك هذا لانه حقيقه..كيف يمكنني ان اقنعك؟ثم...
تردد فتره طويله ثم اكمل حديثه
-هل يمكن ان تتزوجيني؟/

احست داميتا وكان السماء انطبقت على الارض
-انت مجنون تماما!اننا بالكاد تعرفنا!
-اعلمي انني جاد للغايه لقد كنت انوي ان اتريث قبل ان اعلمك بطلبي هذا ولكنك انت كنت متشه للغايه حتى اضطررت الى الكشف عن نياتي حتى لا اخاطر بان تظني بي الظنون
-يالنبل الاخلاق! ولكنك في اعماقك تمزح اليس هذا حقيقيا؟
-اعطيني فقط الاشاره وفي هذه الحاله ساستدعي قسا هنا هذا المساء ...ثم ان ديمون باعه طويل في التغلب على الشكليات الرسميه الى اقصى درجه
-هيا ..ان هذا امر مثير للسخريه...ثم انني لم احضر الى هنا كي اتزوج
-وماذا تعرفين عما يخبئه لك القدر؟
كانت ابتسامه كلايتون مشجعه ولكن داميتا استطاعت ان تكبح جماح نفسها وقالت
-انا هنا من اجل رؤيه لولا ومقابلتها

-سترينها في الحال هل اطلب منهم ان يذهبوا ليحضروا..ذلك القس؟
-بالطبع لا
-يبدو لي جيدا انك ترفضين لقد قلتها لك من قبل انت تجسدين عدم الثقه المبالغ فيها طبعا لو غيرت رايك فانا طوع امرك
دار على عقبيه اسعدادا للرحيل فصاحت
-كلايتون!
-نعم...

-انت تمزح..اليس كذلك؟
-لا بالطبع!
-لماذا؟
-لقد شرحت لك ياداميتا
-وانا لا اصدقك يا كلايتون
-اعرف هذا ولهذا السبب لايبقى امامنا سوى ان اقنعك..ولكننا على ايه حال سنستمتع كثيرا بهذه الحكايه



نهايه الفصل الثاني
 
الفصل الثالث
أعلنت " داميتا " بأعلى صوتها وقد بدا وجهها شديد التجهم وهي تدخل قاعة الطعام
- قد استقر أمري : إنك ستخبرني في الحال أين " لولا " ؟
أجاب " كلايتون " :
- صباح الخير أيتها الغزاله الجميلة .
كان جالسا عند وسط مائدة طويلة من الخشب اللامع . نهض في أدب :
- أنت فاتنه . و أراك ساحرة الجمال في اللون الوردي ، و هو لون نادرا ما ترتديه حمراوات الشعر .
- لا أحب الأشياء المبتذله . لماذا لا أستطيع أن أرتدي ملابس ورديه تحت دعوى أنني حمراء الشعر ؟ ثم هل تحاول أن تحول انتباهي ؟ لقد قضيت كل فترة ما بعد الظهر في التفكير في بعض الحلول. ووصلت إلى بعض النتائج .
- لابد أنها نتائج خاطئة و خادعة .
كان يهمهم من بين أسنانه ، وهو يشير إليها لتجلس في مواجهته :
- قصي علي ذلك . لقد أخطرنا " ديمون " أنه سيتأخر في الحضور لأن عليه تسوية خلاف نشأ بين قبلتين .
جلست " داميتا " و هاجمت مباشرة :
- من المؤسف أنك لم تظهر صراحة و تفتحا معي.
- أنت مخطئة . لقد كنت شديد الصراحه معك .
هيا اشربي عصير العنب هذا . إنه عصير مخصوص أعده " فيليب " الأكبر جار " ديمون " من كرمته .
أشار إلى أحد الخدم الذي وقف قريبا منه أن يملأ كأس " داميتا " التي صاحت :

- ليست لدي رغبة في الشراب . لماذا لا تستمع إلي ؟ ألا ترى أنه من الأسهل لكلينا أن تقول الحقيقة بالنسبة إلى " لولا " و بعدها أرحل .إن الموقف ازداد تعقيدا في رأيي.
- ما زلت غير واثقة . أليس كذلك ؟ لقد نسيت فعلا أنني مخلص لك .
- إنه كلام في الهواء . و مع ذلك فإنني أعتقد عن صدق أنه يسعدك أن تقيم علاقة سريعة مع امرأة تختلف عن النساء اللاتي تواعدهن عامة .
- في الحقيقة أنت مختلفة تماما عنهن . و مع ذلك أنت مخطئه فإن إقامة علاقة عابرة معك لا تسعدني ،فإن ذلك يعرضنا لتمزيق العلاقة بيننا .
أحست " داميتا " بخديها يحمران ، و سارعت بابتلاع جرعة كبيرة من عصير العنب حتى تتماسك .
- و هناك سبب آخر أدعى لأن أجنبك خوض تلك التجربة . وهو أنني لا أرغب أن أفقد توازني النفسي في علاقة معك .. قد تكون النزوات العابرة هي مهنتك أما أنا فلي مهنتي .
- ليس بالنسبة إلي . لقد عملت جاهدا يا " داميتا " و ليس من الخطأ أنهم يعتبرونني فتى طائشا . على أية حال ما فائدة الورود و النساء مالم نتوقف لنتمتع بها و بجمالها و هذا لا يعني أنني لا أعيش إلا حياة طائشة .
- أنا لا أقول إنك رجل لعوب .
- لا و لكنك تظنين ذلك .
- اقرأ الصحف عليك اللعنة !
- ليحل الطاعون بالجرائد . إنها تصلح لك كعذر لترفضيني . إن حياتي الماضية لا دخل لها بك و بي . لقد طويت الصفحة فور دخولك حجرتي أمس .
- إننا لا نستطيع أن نمحو التجارب السابقة . إنها تساهم في صنع ما نحن عليه .
رد عليها " كلايتون " :
- إننا قد نستخدمها في الفهم و الانفتاح بدلا من استخدامها لتقوية حرماننا و انطوائنا على أنفسنا .
- أنا لست إنسانه محرومة .
- ربما .. و لكن كل مرة اقترب فيها منك تنغلقين على نفسك كالمحارة . أنت تحبينني مثلما أحبك و مع ذلك ترفضين أن تخفضي سلاحك .
- لا المكان و لا الزمان يصلحان للدخول في مغامرة عاطفية .
- إنه العذر الشهير ..


 
توترت يد الفتاة على كأسها . ضاقت حدقتا " كلايتون " حتى يسبر أغوار روحها بطريقة أفضل .

- هيا اعترفي بأ نني مهتم بك .

- لا ، إنني أرفض الاعتراف .... حسنا إنني أعترف .

لماذا تنكر و ليس من عادتها الكذب ؟

- إذن دعيني التقي بك في جناحك بعد تناول الطعام .

- لا .


- لم لا ؟

- إنني لم أحضر من أجل ذلك .

- و انا الذي أعتبرك متحررة و مستقلة ... و إذا كنت قادرة على الخروج وسط مائتين و خمسين رجلا و سط " بيرو " فلا تقولي لي إن رجلا عاديا مثلي يمكن أن يخيفك .

- طبعا لا يخيفني و لكن ليست لدي الرغبة .

- أنت تحزنينني يا " داميتا " و أنا الذي يقولون عني إن سحري لا يقاوم . حسنا ليكن الأمر كما هو و لكن لنرفع الرهان . هل تريدين أن تعرفي أين " لولا " ؟

- نعم .

- أعرض عليك صفقة أن أقضي معك ساعة فقط أحاول أن أقنعك بحبي و برغبتي الصادقة في الزواج بك و بصدق كل نياتي . ساعة فقط يا " داميتا " و هي ليست بالكثير كمطلب على أية حال . و سيصل بي الأمر إلى أن أعدك بألا أفعل إلا ما تريدينه و يمكنك أن تمنعيني إذا رغبت و سيكون في يدك إدارة العمليات .

- لقد وعدت يا " كلايتون " ...




- إنني لم أنته بعد من اقتراحي و هأنا أراك متعجلة يا عزيزتي . قبل أن أغادر حجرتك هذة الليلة سواء قبلت حبي و زواجي أم لا فإنك ستحصلين على كل المعلومات التي تبحثين عنها ألا يغريك كل هذا ؟

طبعا يغريها ... إنها حمى الفضول و الخوف و الرغبة كلها تلهبها بسوط عنيف . حتى إنها أحست بأن رأسها خاو . إن " داميتا" تقترب و يكفيها أن تدع " كلايتون " يحاول إقناعها بصدق حبه و نيته الزواج بها ماذا يمكن أن تخسر ؟ و لكن روحها تمردت .

- إن حبي و عاطفتي ليسا مالا يمكن تبادله يا سيد .

- و مع ذلك أنا الذي أضع نفسي تحت رحمتك يا " داميتا " . و أنت حرة تماما في أن تسمحي لي بأن أطبع قبلة تقديس على أطراف أصابعك . إنها مجرد صفقة . هيا افهمي .. إنني لن أحصل إلا على ما تمنحينني إياه .

رق صوته و أكمل :

- أنت معبودتي الحبيبة.

- أعرف أن هذا ليس حقيقيا .

بل حقيقي . هل اتفقنا ؟




ترددت " داميتا " ثم عرفت فجأة انها تريد أن تقضي تلك الساعة في صحبته . و هو ما ملأها رعبا . قالت له :

- أنا التي ستتولى قيادة الرقصة ... موافق ؟

- من أول الرقصة لآخرها .

استردت أنفاسها و أعلنت بصوت مبحوح :

- حسنا ... ساعة واحدة فقط .

أضاءت ابتسامة حارة وجهه و همس :

- لن تندمي على ذلك .

- إنني نادمة بالفعل . لست واثقة إن كان هذا عملا ذكيا .

- بالعكس . نحن الاثنان في حاجة لهذا اللقاء . إنني لا أرى أي إزعاج في إنهاء هذا العشاء بسرعة و أخشى أنني أصبحت لا أشتهي أي طعام . إنني لا أفكر إلا في هذة الساعة التي أثبت لك فيها صدق حبي ... إنني أتعجل قدري .

- كفى !

لم تكن لهجتها هي المناسبة و إنما كانت نبرتها مخنوقة من القلق و التوجس ، أضافت في هدوء :

- ليس الآن .

- و لم لا .. إن عاطفتي و لهفتي تزدادان كلما مضى الوقت .

وقف " ديمون " الكريم على عتبة الباب الخاص بقاعة الطعام . وقد علت شفتيه ابتسامة ساخرة و قال بهدوء :

 
- أتعشم ألا أكون قد أزعجتكما ... بل لدي إحساس بأنني أزعجتكما .. لقد قضيت ساعتين في جدال لا نهاية له مع رئيسي القبلتين هذين وقد فقدت إحساسي بالكياسة و الدبلوماسية مؤقتا . كم يسعدني و يريحني أن أتناقش و أتحدث بطريقة متحضرة مع أشخاص يشاطرونني آرائي .




تقدم " ديمون " داخل القاعة و جلس على رأس المائدة . برز خادم في الحال و صب له عصير العنب الذي رفعه إلى شفتيه قائلا :

- لقد تعبت من هذة المعارك الصبيانية .

طمأنه " كلايتون " و هو يختلس النظر إلى الفتاة .

- حاليا نعم .. هناك معارك صبيانية ، و لكن من الاسبوع القادم ستحكم على مدى تطورهم و بعد عام ستعرف أنك تحب هذا الشعب إلى درجة رهيبة .

- إنهم شعبي و أهلي و عشيرتي . ومع ذلك فإن هذا الحب لا يمنعني أحيانا . عندما تيصرفون بغباء ... من أن أرغب في تكسير ضلوعهم .

سألته " داميتا "




- لأي سبب كانوا يتنازعون ؟

- من أجل عيون امرأة جميلة .

رفع " ديمون " كأسه و أضاف بصوت ماكر :

- إن النساء دائما هن سبب الخلاف .

تدخلت " داميتا " بعنف :

- لقد ظننت أن المال هو أساس المشاكل . هل يطلبون منك دائما التدخل في النزاعات الشخصية ؟

- إنها إحدى مهامي . إنني مكلف بفض النزاع و كان على أحكم بإعطاء تلك المرأة لواحد من الرجلين .

- إذن عليها أن تخضع لقرارك ؟

قال " ديمون " و هو يهز كتفيه في إصرار :

- إنها ليست في وضع يسمح لها بالأعتراض .. لقد أقامت تلك المرأة علاقات مع شخص غير الذي وهبت له و الذي كانت تحبه دائما .. و إذا لم تتزوج أحدهما فإن العار سيحل على والديها . و ستطرد من الخيمة العائلية و تصبح امرأة عامة ما لم تترك القبيلة .

- إن هذا ظلم بين . ألا تستطيع أن تضع حدا لهذة الممارسات القبلية ؟

همهم " ديمون " :

- صدقيني . إنني أعمل على ذلك يا " داميتا " . إنه لا يسرني على الإطلاق أن أقوم بدور المعبود الوثني الذي يملك كل القوى . بالعكس إنني أكره هذا الدور . و لكن صدقيني إن سلطتي المطلقة عليهم لم استخدمها إلا لمساعدتهم حتى يتطوروا




منذ سنتين كان مصير تلك المرأة من الممكن تسويته بمنتهى السهولة عن طريق تركها في الصحراء الجرداء الخالية من الأحياء ، أو وسائل البقاء بينما ترفع قبيلتها خيامها و ترحل . و لم تكن أمامها حتى حرية الاختيار بين الرجلين .


- إنني لا أتصور مثل هذة التصرفات الغريبة .


قال " ديمون " و هو يبتلع عصير العنب في جرعات كبيرة :


- نحن شعب متخلف . و سنظل كذلك إذا لم أتوصل إلى هدم تلك الرؤوس الحجرية لرؤساء القبائل .

انفجر " كلايتون " ضاحكا ، فقطب " ديمون " حاجبييه في البداية ثم بدأ وجهه ينفرد و يعود إلى لطبيعته شيئا فشيئا .

- إن المتخلف الذي هو أنا يا ابن عمي العزيز يحاول أن يصبح هو الآخر متحضرا – ستصبح متحضرا عندما تكف عن تليين العقول الحجرية لرؤوساء القبائل .

- اعذرني يا " كلايتون " . قص على ما حدث في " ماراسيف " .

ما إن رفع كأسه حتى سارع الخادم لملئه من جديد .

- الشئ الروتيني ...

 
بينما " كلايتون " منطلق في حكايته عن الليلة التي قضاها في القصر في الأسبوع الماضي . أتيحت الفرصة لـ" داميتا " كي تفحص الرجلين .


كان من الواضح الجلي أن الرجلان متقاربان تماما بالرغم من أن شخصيتيهما تختلف كل منهما عن لأخرى تمام الإختلاف . لم يكن لدى " كلايتون " أي نوع من البربرية التي يدعيها " ديمون " . كان " كلايتون " بانور يشع منه سحر و روح جذابه تحيط الحضور بحرارة ملموسة .

حاولت " داميتا " أن تحدد بالضبط ما الذي يقرب هذين الرفيقين الواحد من لآخر عندما لاحظت أن حدقتي " كلايتون " تستقران على وجهها . انقطعت أنفاسها أمام نظراته و فهمت ...

نعم . إن ما يجمعهما بلا منازع هو تمتعها بقدر هائل من الجاذبية الرجولية . إن " ديمون " و " كلايتون " يملكان تلك الرجولة الخشنة القاسية و المثيرة للإعجاب بلا حدود . قال " كلايتون " :




- أحب أن أقدمه لك في يوم من الأيام . و أعتقد أنك ستحبينه .

لم تكن " داميتا " منصته . تساءلت عن أي شئ يتحدث .. لقد كان " كلايتون " يتحدث عن سهرة .

- إن أمك تعتبره واحد من أكبر الفنانين في كل العصور يا " داميتا " . لقد اشترت بالفعل لوحة لـ " روبينوف " أثناء إقامته هنا .

إن اسم " لانس روبينوف " مألوف لديها ، قالت :

- لقد كتبت لي عن هذا الفنان في خطابها الأخير . أنا أقدر هذا الفنان كثيرا .

قال " ديمون " :




- أنا واثق بأنه كان يجب أن يرسم صورتك يا " داميتا " إن وجهك جميل جدا و شفتيك أيضا .

ما إن تعمقت عينا " كلايتون " في عينيها حتى هدأت و كان شعاعا لطيفا من الشمس اخترق عينيها . أحست بأنه يحبها ... ارتجفت و سألته حتى لا تكشف ما يجري في ذهنها :

- لماذا تعتقد أن " روبينوف " قد يرغب في رسم صورة وجهي ، إنه لا تنقصه العارضات الفاتنات .

قال " ديمون " للعديد من الخدم الذين ظهروا بفعل السحر مما جنبه الرد على " داميتا " .

- يمكنكم تقديم الطعام

أعلنت " داميتا " عندما فتح لها " كلايتون " باب الجناح :

- إنه متطرف و مغرور و طفل مدلل .. ذلك هو ابن عمك الزعيم .




- عندك حق فإن " ديمون " هو كل هذا .

- و مع ذلك بدا لي لطيفا للغاية . و إني أتساءل تماما لماذا كان لطيفا معي ؟

أدارت وجهها نحو " كلايتون " وهي توجه السؤال .

- لأنه صادق تماما . وذكي و مرح يا غزالتي الجميلة .

أغلق " كلايتون " الباب و أسند ظهره عليه :

- إنها صفات لانجدها غالبا لدى زعيم له كل هذة السلطة و هذا النفوذ . ثم إنه أيضا موهوب و ملهم و أكثر حساسية مما نظن . لقد لاحظت أنه لم يدع " رانا " هذا المساء .

- من هي ؟

- إنها الوصيفة المفضلة حاليا . لقد قدرت أنه ما دمت قد أظهرت بعض التحفظ و الرفض لوضع الوصيفة " ليندا " فلربما ضايقك ظهورها هي الآخرى .

- وهذة المرأة المسكينة اضطرت إلى أن تبقى بمفردها انتظارا لإشارة منه يتعطف بها عليها ؟

- امرأة مسكينة ؟ أضمن لك أنه ليس لديها ما يشير على الإطلاق إلى أنها مسكينه إن خدماتها تكأفا عليها بسخاء إذا ما أخذنا الحضارة في الاعتبار .

- ليس لدي مخ يستوعب تبريراتك لتلك الحضارة التي تستعبد النساء يا " كلايتون " . إنني لا أريد أن أسمع المزيد عن هؤلاء الأشخاص التعساء .

أيدها " كلايتون " بابتسامة :

- و لا أنا أيضا أريد أن أسمع المزيد . ومع ذلك فإنني سعيد ؟ لأن هذا الموضوع أثار انتباهك . لأنه جنبنا التفكير في اتفاقنا ... أقصد صفقتنا .

 
لقد كنت أخشى أن تغيري رأيك .


اقترب منها " كلايتون " و قال :

- أن تبدئي بالهدوء . إن من يراك يظن أنني على وشك أن أربطك في الأريكه استعدادا لضربك .

- إن هذا الموقف .. إنه ليس طبيعيا على الإطلاق . أعتقد أن هذا لا يرضيك . هل يمكن أن ننسى ذلك ؟

- لا .. إن هذا غير قابل للتفكير ؟

- أنا آسفة و لكن ...

- اقترح عليك أن تاخذي حماما ساخنا و تهدئي .. و سأتصل بك عندما تعودين إلى حالتك الطبيعية .

أطلقت " داميتا " زفرة ارتياح وهي تراه يختفي في الدهليز . ومع ذلك كانت مشدودة الأعصاب ختى إنها يمكن أن تنهار عند أقل إثارة .



سمعت صوته في الطرف الآخر من الجناح و هو يناديها . تحركي يا " داميتا " .. تساءلت كيف استطاع وهو على هذا البعد أن يعرف أنها لم تتحرك من مكانها . بدأت ببطء تخلع ملابسها و ترتدي روب الاستحمام الذي قدمته لها " ليندا " . ثم دخلت الحمام كالمنومة مغناطيسيا أو كعرائس المسرح . و قد فقدت القدرة على التفكير في عواقب موافقتها على تلك الصفقة المجنونة . وجدت البانيو الضخم المجهز بالجاكوزي على أحدث طراز . وقد امتلأ بالمياه الدافئه و غطته فقاقيع الشامبو برائحه الورد. خلعت روب الحمام و أندست وسط الرغاوي لتنسى كل همومها عدة لحظات و تسترخي من عناء التفكير .




بعد فترة طويلة من الايترخاء . خرجت من البانيو و جففت جسدها و ارتدت ملابس فضفاضة . عندما دخلت حجرتها و جدت " كلايتون " جالسا في استرخاء على حافة السرير . بدا عليها الهلع مما قرأته في عينيه و لاحظ هو ذلك .

- لا تنظري إلى في هلع هكذا فإنني لن آكلك . وكما وعدتك فإنني لن أفعل شيئا مالم تأخذي أنت المبادرة . إنك باهرة الجمال ي " داميتا " .

- إنني مثل أي امرأة عادية . وهناك دون شك من قابلتهن يتمتعن بالجمال أكثر مني .

- أنت مخطئة يا " داميتا " . إنني مشهور بأنني رجل يحسن الاختيار. ولكن من الآن فصاعدا لن أضطر إلى الاختيار .. أليس هذا صحيحا ؟ لا أنا و لا أنت سنضطر إلى الاختيار بعد الآن .. هل أنا مناسب لك على الأقل ؟

ياله من سؤال . إنه ضخم و نحيف و قوة لايستهان بها .. إن كل ما به يعجبها .

- أنت .. حسنا .. ولكن هذا لا أهمية له . لقد عقدنا صفقة لمدة ساعة و ليس مدى الحياة . وقد مرت عشر دقائق .

- في هذة الحالة لابد أن أستفيد مما تبقى من الزمن . يجب أن تعلمي يا غزالتي الجميلة أنني أحبك . أحب كل شئ فيك . عينيك ، و شعرك الأحمر ووجهك الفاتن و جسدك الرائع و الأكثر من ذلك روح التحدي و الإقدام عندك . لم تعرف " داميتا " ماذا تفعل ؟ في حياتها لم يحدث أن حدثها أحد بهذة الرقة و الأنفعال الصادق . إنها لا تعرف أين مكانها و إلى أي مدى وصلت في مغامرتها . سألها أمام شرودها :

- هل أنت غاضبة مني ؟

- لا إنما محبطة للغاية .. إنني غاضبة من نفسي .

- إذن أنت لا تستطيعين الأستجابه لعواطفي .

أغلقت عينيها لحظات بينما تملكتها رجفة عنيفة . قالت و هي تتلعثم :

- إنني لا أستطيع ... أنا آسفة .

- لست وحدك الآسفة .

نهض و ابتعد عنها و هو يشعر بالآسف .. سألها :

- لماذا لم تخبريني بأن عواطفك متحجرة ؟ هل هي متحجرة معي بصفة خاصة أم مع الرجال عامة ؟

- لم أكن أعرف أن هذا يمكن أن يحدث لي . و لم يحدث لي من قبل . إنها أول مرة يا " كلايتون " ...

دار نحوها و هو مشدود الأعصاب إلى درجة الانفجار :

 
- إنني أقصد ..هل أنا أول رجل يحبك في حياتك ؟

- نعم ولكنه أمر غير عادي بالنسبة لفتاة في الثالثة و العشرين من عمرها . كنت أكرس كل وقتي للدراسة و ليس للحب . حتى أصبحت جامدة .




- لا على الإطلاق فأنت رقيقة للغاية و يمكن أن تتجاوبي مع الحب الصادق . ولكن هناك شيئا ما يمنعك . وأحب أن أكتشف ذلك الشئ .

- و ما الداعي لكل هذة الشفقة . يمكنك أن تجرب حظك مع امرأة آخرى ، ومن المؤكد أنك تستطيع الحصول على عشرات أفضل مني كما يمكنك الاعتماد على " ديمون " في توفير طلبك .

رد عليها بخشونة :

- إصمتي . إن الأمر يخصني و يخصك ولا شأن لأحد غيرنا به و المشكله لابد أن نحلها .




- لا توجد مشكلة تتطلب الحل يا " كلايتون " إن المحاولة فشلت وقد عدنا إلى نقطة البداية . و لو سمحت أن ترحل فإنني متعبة للغاية . أعرف أنني وعدتك أن أمنح التجرية ساعة و لكن ربما ...

- لقد فهمت تماما يا " داميتا " . إن هذة الصفقة ليست سوى مبرر . ومع ذلك فإنني أتساءل . ما الداعي لأن نبحث عن مبرر بينما ما حدث بيننا أمر طبيعي تماما – من الواضح أنك تتعامى يا " كلايتون " إن ما حدث ليس طبيعيا على الإطلاق .

- هناك شئ ما لا يسير سيرا حسنا . إنني أحس برغبة شديدة في أن أثبت لك حبي . و مع ذلك لم يعد هذا في استطاعتي . و أعتقد أننا لا نتحمل هذا الحب لا أنت و لا أنا .

- هذا واضح بالنسبة لي و قد أثبت ذلك .. من فضلك يا " كلايتون " ارحل .




- حسنا ... إني راحل .

و لكنه بقي ينظر إليها و قد بدا على وجهه الإحباط .

- ليست لدي رغبة في الرحيل . لأنني أعلم أنك عندما تغلقين على نفسك الباب ستعودين للتقوقع و الأنغلاق على نفسك مرة ثانية و ستبعدينني من حياتك .

- اقد استبعدتك بالفعل عندما صددتك بهذة الطريقة . و ما كان على أن أتصرف بهذا الشكل .

- هذا مجرد هراء . كان لابد أن يحدث ما حدث و هو لايزال يحدث .

- هل ستكشف لي عن مكان " لولا " رغم أنني لم أف بنصيبي من الصفقة ؟



- من فضلك اصمتي . إنني لا أريد أن أسمع المزيد . إنك لم تفي بوعدك لأنك صريحة . وهذا أفضل عندي من أن تخدعيني . فلا تحزني من هذا الفشل و سنحاول أن نجد العلاج حسنا . من الأفضل أن أرحل و سأفكر في الأمر و لكن فيما بعد . لأن التفكير حاليا مستحيل . و سألقاك صباح غد .

كان قد وصل إلى الباب بالفعل عندما استدار و قال :

- إن " لولا " موجودة في خليج " نصف القمر " .

- هل هو في الجوار .

- لا .. إنه في استراليا بالقرب من " سيدني " . حيث توجد أملاك باسم " بانور " .




انتهى الفصل الثالث


 
الفصل الرابع
وصل

- يوم سعيد يا آنسة "شاهنسي"!
ما إن وطئتا قدما "داميتا" قاعة الطعام وهي المكان المفضل لصاحب القصر لتناول الإفطار عادة حتى نظر إليها "ديمون" ولم تغادر عيناه وجهها.
- يوم سعيد تبدو كلمة غير مناسبة في الحقيقة.
ما هذا المظهر الذي أنت عليه هذا الصباح يا عزيزتي؟ إنك تبدين علي نفس الدرجة من السوء التي عليها "كلايتون". إن قليلاً من فيتامين "ج" سيفيدك . صب أيها الخادم بعضا من عصير البرتقال.
ظهر الرجل بجوار "داميتا" وقدم لها مقعداً ثم ملأ لها كوبها بعصير البرتقال. تجهمت الفتاة.
- إنك لا تستطيع طبعا أن تكف عن طرقعة أصابعك في إصدار أوامرك.....
أعتذر "ديمون"
- إنها واحدة من العادات الجامدة. لقد نسيت أن ذلك يسبب لك الضيق.
كان ديمون قد هم بأن يكرر الحركة لكنه تراجع واكتفي بأن وجه الحديث للرجل قائلاً:
- إفطار الآنسة "شاهنسي".
نظر إليه الخادم في دهشة ثم غادر الحجرة بسرعة هز "ديمون" رأسه وقد بدا عليه التحفظ ثم قال:
- إن طريقتي في إصدار الأوامر أسرع.
- ولكنها أقل أدبا إذا كنت تريد أن تنقل القبائل إلي الحضارة فعليك أن تبدأ من قصرك.
- كما يقولون في البلاد الأكثر تحضراً: من الصعب ترتيب منزل المرء أو كما يقال في الأمثال الشعبية " باب النجار مخلوع ".
خفضت "داميتا" عينيها وفردت منشفتها علي ركبتيها:
- أتقول: إنك رأيت "كلايتون" هذا الصباح؟ أين هو؟.
- لقد قمنا معا بنزهة علي صهوة الجياد هذا الصباح. لكن لما كان أمامه عدة مكالمات يجريها, فقد قرر أن يتناول إفطاره متأخراً.
أخذت عينا "ديمون" الخضراوان تتأملان الشابة من فوق حافة قدح الشاي.
- لقد بدا لي صامتا هذا الصباح.. هل رفضت أن تسمحي له بدخول غرفتك؟
- إن هذا ليس شأنك.
- إن "كلايتون" صديقي وابن عمي. وسعادته تهمني.
كان صوت "ديمون" يشوبه التوتر. أكمل كلامه:
- وأتمنى أن ينال كل ما يرجوه. وأنا مستعد أن أقدم لك هدية في سبيل أن يحصل علي ما يريد.
- ها نحن أمام حكاية غريبة؛ هل من المفروض أن أرمي نفسي بين ذراعيه من أجل أن أسعدك؟.
- لا شك في ذلك. إن ذلك لو فعلته سيسعد "كلايتون" أكثر مني...إنه مغرم تماماً.
- إنه مغرم تماما بكل جنس النساء عامة.

- لا أنكر أنه يحب النساء. ومع ذلك فأن ما يحسه نحوك بخرج عن المألوف.
أسندت "داميتا" ظهرها علي المقعد وتأملته شاردة:
- إن الاهتمام الذي يوجهه نحو النساء عامة ليس سوى نسيم خفيف, إذا ما قورن بالريح العاصفة التي تدفعه نحوك عاطفياً.
هزت "داميتا" رأسها لتداري انفعالها المفاجئ:
- إيه حسناً... إن تصويرك للأمر ناطق... كيف استطعت أن تستخلص كل هذه التخمينات؟ لأنه لا يبدو عليك أنك من النوع الذي يمكن أن بصف المرأة بهذه القوة والسلطان.
- أنت مخطئة بل أنني مؤمن تماما بأن لهن سلطة. ولا أحد يعرف ذلك مثلي. ثم أنني مدرك بالضبط أنه إذا أراد المرء أن ينجو بنفسه فإن عليه أن يوجه سلطانهن الوجهة الصحيحة.
كانت تحس أن تحت قناع التهكم مشاعر من الصعب تحديدها: هل هي المعاناة؟ علي أية حال فإن تلك المشاعر القهرية اختفت وابتسم "ديمون":
- ماذا قررت؟ هل ستدعيني أقدم لك الهدية وتسارعين بتحقيق أمل "كلايتون" في الحب والزواج الذي من الواضح أنك ترغبينه.
ها هو يقدم لها سببا للغضب والثورة. كان علي "داميتا" أن تثور علي الرجل لولا أنها لمحت في نظراته نوعا من الضعف. قال في إصرار:
- ما الذي تريدينه؟ انتهزي الفرصة فأنا غني جداً إلي درجة أشعر معها بالخجل من ذلك الغنى, هل تكفيك سيارة؟ أم قطعة من الأحجار الكريمة مركبة علي خاتم؟ هيا حددي الشيء واعتبري نفسك قد حصلت عليه.
- كل هذا من أجل أن يحصل "كلايتون" علي ما يريد. لا بد أنك تعتبره أكثر من أخ.
- لقد أظهر لي نبلاً عندما احتجت إليه. لقد أرسلونا للدراسة في نفس المدرسة الداخلية في باريس عندما كنا أطفالاً, ولم أستطع قط أن أخضع للنظام والأوامر.
- إني أتصور المشاكل التي واجهتها.
علت شفتيها ابتسامة.. استكمل "ديمون" الحديث:
- هل لأنني كنت شخصية مغرورة؟ فعلا ولولا "كلايتون" لحطمت المكان ولأصيب بالجنون كل الناس الذين كانوا يحبونه وهو أيضا كان يحب القيام بدور المصلح بيني وبين الإدارة طوال ست سنوات بدت لا نهاية لها. ولم يكن الأمر بالنسبة له سهلا فقد تعرض كثيراً للنقد.
تصورت "داميتا" "كلايتون" في دور الوسيط الذي يحاول الاحتفاظ بالتوازن في العالم الذي كان بالنسبة لهما غريبا تماما. وكان علي "كلايتون" الذي انتزع هو نفسه من جذوره أن يحمي "ديمون" . قالت له متهكمة:
- كان الأحرى أن يصبح أبن عمك دبلوماسياً , لأنه إن تمكن من كبح جماحك فلا شك أنه موهوب.
لمح "ديمون" الرقة تسود ملامح الشابة. قال:
- إنك تحبينه ... أليس هذا حقيقيا؟ وفي هذه الحالة لماذا لا تمنحينه ما يريده؟ إنني سأكلف سكرتيرتي أن تعثر لك علي مكافأة مناسبة.
- لا. لقد تعودت تماماً علي المعاملة مع الوصيفات. أما أنا فلا أقبل أي رشوة.
فكر "ديمون" في كلماتها ثم قال:
- إن معظم النساء يقبلنها كما تعرفين. وإذا لم يتم ذلك بهذه الصورة فإنهن يقبلنها بصورة أخرى, ولكن يبدو أنك صادقة في قولك.
- أنا فعلاً صادقة.
وضع الخادم أمامها صحنا من الشمام شهي الرائحة.
- ما رأيك يا "ديمون" لو غيرنا موضوع الحديث؟
- ألن تغيري إذن رأيك؟
- لا.
- في هذه الحالة علي أن أعلن استسلامي وأدع "كلايتون" يتصرف إنه طبعا عنيد إذا أراد ولكن طرقه تبدو لي أحيانا متحضرة أكثر من اللازم.
- هذا هو السبب الذي يدعوه إذن إلي أن يقول عنك: إنك من مؤيدي اللإختطاف في بعض الظروف.
قال "ديمون" بصوت ممطوط:

 
إنه يعرفني تماما. لسوء الحظ هناك القليل من النساء لا يستحققن أن يصدع المرء نفسه باختطافهن، لأنهن يسببن الكثير من المتاعب....
إن هذا الرجل هو الغرور بعينه. قالت له:
- أفهم من ذلك أنك في العلاقات العاطفية تفضل الحب الهادئ علي غليان المشاعر؟.
- بالضبط. إن عنف العواطف يرهقني, وإن كان من وقت لآخر يتغير هذا الرأي مع التغيرات الجوية, مثل ريح عاصفة تقطع أنفاسك ثم تختفي فجأة دون أن تترك خسائر....
قاطعهما "كلايتون" الذي ظهر في شكل مبهر وقد انعكست أشعة الشمس علي هيئته من الخلف مما زاد من تحديد وإبراز روعة جسمه الرياضي.
- لو سمحت لنا بلحظة يا "ديمون" أنا و"داميتا" .
أعترض ديمون:
- إنها لم تنتهي بعد من إفطارها. ثم أنني أحس أنها مسحورة بجمالي وبحديثي حتى إنني واثق أنها لا ترغب أن تتركني من أجل فتى مزعج مثلك.
لم تنتظر "داميتا" وقد تسارعت ضربات قلبها فوضعت الشوكة علي المائدة وقالت:
- لقد انتهيت وكنت قي انتظارك... حتى تحدثني عن لولا.
كانت تتحدث بصوت مفعم بالانفعال.
- هذا ما كنت أظنه... هيا بنا إلي المكتبة.
أعلن "ديمون"وهو يهز رأسه:
- إنك لا تدرين أنك مرغت كرامتي في الوحل, ولكن ماذا يتوقع الإنسان إذا هب الإعصار؟
قال "كلايتون" متسائلاً:
- أي إعصار؟
همهم "ديمون" وهو يطرقع بأصابعه ويبتسم ل "داميتا".
- هيا أذهب يا "كلايتون" .. عندما يتركني المتحضرون فأنني أعود إلي عاداتي السيئة. هل أنت واثقة أنك لا تفضلين البقاء لتحاولي إصلاحي؟
قاطعه "كلايتون":
- إنها واثقة يا "ديمون". لقد توقفنا عن اللعب يا "ديمون". لست في حالة مزاجية تسمح بذلك.
- إنني أرى ذلك.. يا إلهي! ما دمتما لا تريدان تسليتي فعلي أن أجد وسيلة أخرى للتسلية, وعليه يمكنكما الانسحاب.
قال "كلايتون" بلهجة جافة:
- شكراً.. هذا بالضبط ما كنا ننوى أن نفعله, ولو تكرمت اتصل بماراسيف ليرسلوا الطائرة الهليوكوبتر لنا.
أمسك "كلايتون" داميتا من ذراعها.
سأل "ديمون":
- هل ستغادر كسمارا؟ بعد كم من الوقت؟
كانت الابتسامة علي وجه ديمون قد اختفت.
- أريد أن أكون في ماراسيف في نهاية ما بعد ظهر اليوم.
بدت خيبة الأمل علي وجه "ديمون" ولكنه تماسك:
- سأرتب لك هذا...
عندما نظر إلي "داميتا" تراقصت حدقتا عينيه كجمرتين. ثم رفع يده وطرقع بأصابعه:
- أن أفعل ذلك بإشارة من أصبعي.
تقدم الخادم الذي كان منزويا في ركن, ونظر إليه دون أن يتكلم ثم أشار إليه "ديمون" أن يعود إلي مكانه. أمام هذا المشهد هزت الشابة رأسها وهي تحاول كتم ضحكتها, إنه شخص لا يمكن إصلاحه.
سحبها "كلايتون" عبر الدهليز وهو ينصحها:
- هيا... لقد بدوتما لي أنتما الاثنان مثل متآمرين سفلة. ربما تفكرين في إطالة إقامتك عدة أيام؟.
- أعتقد أن "ديمون" يشعر بالوحدة الشديدة وقد أصيب بالإحباط من رحيلك لأنه متعلق بك كثيرا.
رد عليها "كلايتون" وقد بدأت ملامحه ترق :
- أعرف هذا. إنه لا يسمح لعدد كبير من الناس بأن يقترب منه لكني حاليا لا أستطيع أن أحل مشاكل "ديمون". إن كلا منا لديه ما يكفيه من مشاكل. إنك لم تسأليني: إلي أين أصحبك؟
- وهل كنت ستخبرني؟ لقد تعودت الإطاحة بي من اليمين إلي الشمال سواء وافقت أم رفضت. هل أفهم هذه المرة أنك ستقودني إلي "لولا".
- نعم.
فتح بابا فظهرت مكتبة فسيحة ذات أثاث فاخر وجدران مغطاة بمؤلفات مكسوة بالجلد.
- كم أحس بالإغراء أن أحتفظ بك وقتا أطول, والله وحده يعلم أننا في حاجة لأن نظل بمفردنا معا بعض الوقت لنصلح الموقف. ولكنك تعرفين الآن مكان "لولا" فإنني أعتقد أنك علي استعداد لعبور الصحراء بقدمين حافيتين.
- فعلا..ثم ما الموقف الذي تريد إصلاحه؟
- أنت تعرفينه تماما... هل نمت جيدا هذه الليلة؟
لم تجب "داميتا" فأكمل:
- أنا أيضاً لم أنم ! ثم إنني لا أريد أن أدفن المشكلة حتى لا أقضي ليالي أخرى رهيبة كهذه.
غمرتها الفرحة كموجة دافئة وأخذتها علي غرة. أدركت "داميتا" أنها كانت تخشي أن يتخلي "كلايتون" عنها. ووجدت علي العكس أنه لا يزال يريدها. غمغم بصوت متقطع:
- لا تنظري إلي بهذه الطريقة. إنني أعاني بما فيه الكفاية. أحست "داميتا" فجأة بأنها ضعيفة وخجول للغاية أخذت تتلعثم وهي في قمة الانفعال:
- لقد عاملتني مساء أمس بمنتهي الرقة. وآسفة...
ولكن أصابعه التي وضعتها علي شفتيها منعتها من الاستمرار في الكلام. استمر في حديثه:
- هل كنت تعتقدين أنني سأجبرك؟! إنني علي أية حال متمسك بك.
عادت موجة الفرح إلي الهجوم مرة أخرى مما زاد من شعورها بالدفء حتى إنها تراجعت للخلف خطوة. سألته:
- لماذا أحضرتني إلي هنا مادمت تعرف أن "لولا" في استراليا؟
- لقد كنت في حاجة إلي هذه الأيام القليلة. وقلت في نفسي: إن هذه المهلة لن تزعج "لولا". ثم أن هذا سينظم أموري إلي حد كبير.
- إذن لم يكن من الصعب اللحاق ب "لولا".
- ليس بالضبط. إنها تعيش في كوخ صغير علي بعد كيلو مترين من خليج "نصف القمر" ولا يوجد هناك تلفون. وقد استغرق الأمر من الساعي ساعتين للوصول إليها والتحقق من قصتك ثم العودة.
- هل هي بخير؟
- في منتهي الصحة والسعادة. وهي تدعي أن الحياة البرية تعجبها كثيراً.
- "لولا" ؟ إنني لا أصدق.
- يمكنك أن تقولي لها هذا بأعلي صوتك بعد يومين من الآن. إن طائرة مؤسسة "بانور" في مطار ماراسيف ومنه ستقلنا إلي سيدني, وسنقضي الليلة في الفندق ثم نعاود الرحيل إلي نصف القمر في الغد.
- لماذا لا نذهب إلي نصف القمر مباشرة؟
- لن يكون ذلك من الحصافة. إنني أريد أن أتأكد من أن أحدا لا يتبعنا.
أصيبت الفتاة بالهلع وصاحت في جنون:
 

- كيف هذا... يتبعنا؟ ومن الذي يهتم بتتبعنا؟
لقد ادعيت بنفسك أن "لولا" ليست لديها مشاكل.
- ونحن متمسكون بألا يحدث لها مشاكل.
_ لأي سبب هي في خطر؟ كلمني يا "كلايتون"!
- ها هي حالة عدم الثقة تصيبك مرة ثانية, وأنا الذي ظننت أنها اختفت تماما...
- كيف يمكنك أن تعلنني بهذه الأمور التي تصيب المرء بالجنون, وتنتظر مني أن أكون هادئة؟!
- مفهوم... ربما لو كنت في مكانك لكان رد فعلي يشبه رد فعلك.
- إذن أخبرني ماذا يجري؟
- لا أعتقد أن هذا من حقي يا "داميتا" وأفضل أن تقوم "لولا" بقص حكايتها عليك بنفسها.
- ولكني يا "كلايتون" ابنتها! ولي الحق في أن أعرف إذا كانت تواجه متاعب! إذن ماذا هناك؟
ولكن ظل وجهه خاليا من التعبير في عناد وتصميم. جعلاها تشعر بالحنق والغيظ.
- يا لك من عنيد!
- لقد وعدت "لولا". وأنا أيضا عندي ميثاق شرف ولا يمكن أن أحنث بكلمتي.
حسنا.. لتكن محبطة. إنها لا تستطيع أن تكتم زفرات ضيقها. لا... إن "كلايتون" لا يمكن أن يخون كائنا من كان. عندما فهمت ذلك أحست بشعور من الأمان العميق. قالت بلهجة مغيظة حتى تحافظ علي كرامتها وأن كانت في أعماقها تحترم قراره:
- حسنا.. علي راحتك!
اتجهت إلي الدهليز فسألها:
- ألن نتشاحن؟
ليس عندي وقت للمشاحنة. وكلمة أخرى أقولها لك يا "كلايتون" أتعشم أن تكون هذه آخر مرة تسيرني علي هواك, لأنني فاض بي الكيل من الترحال بين طرفي العالم.
قال لها وهو يبتسم بكل صعوبة:
- هذه آخر مرة... أعدك بذلك... يا غزالتي الجميلة.

***



فسيح وبراق الألوان ذلك البهو الرئيسي في فندق "بانور" في سيدني, وكان مظهره استراليا خالصا. يوجد في منتصفه تماما متحف مصغر للأحياء المائية حيث تسبح فيه أحياء غريبة ضخمة.
سألته:
- لماذا لم تضع فيه قرشاً أبيض؟ إن هذا الحيوان خطر للغاية. وأعتقد أن هذه الأسماك يمكن أن تكون أفضل لو في بيئتها الطبيعية.
أتعشم أن لا تكون قد وضعت في فندق "بانور" في أفريقيا غوريلا لتسلية الزبائن والسياح؟!
- نحن لا نقترب من الأنواع التي توشك علي الانقراض.
- الملياردير المحب للبيئة! هذا حسن جدا يا "كلايتون". ثم النساء يرتدين جيبات قصيرة لها شراشيب وأحذية بوت وقبعات من جلد التمساح. كل ذلك من أجل إدارة أعمال البيت؟
- نحن لسنا في حديقة الحيوانات علي أية حال.
إن استراليا قد تأمركت, ومع ذلك لا توجد لدينا ملابس مضحكة من جلد التماسيح كما يحدث في أمريكا.
صعدا بالمصعد الخاص ووجدت نفسها في الدور الأخير بفعل السحر حيث توجد شقة مبنية فوق السطح.
أمسك "كلايتون" بذراع الشابة ثم وجدت نفسها في دهليز مغطى بالموكيت الكثيف. قال لها:
- أنت أيضا تحبين التخفي. إن المهندسين يحبون أن يتجولوا في مواقع العمل وهم يرتدون الخوذات والأحذية البوت الواقية.
- لقد أصبحت مهندسة لأنني كنت أعشق الهندسة المعمارية منذ صغري... هذا كل ما في الأمر.
- وحتى تصبحي محاطة بالرجال حولك دون أن تخافي من اعتدائهم عليك...
أحس بها تتوتر فشدد "كلايتون" قبضته علي ذراعها. استطاعت "داميتا" أن تتحرر بنزع ذراعها فجأة ثم وقفت أمامه في تحد:
- أنت أكثر موهبة في الديكور الداخلي من التحليل النفسي يا سيد "بانور". ولو احتجت لشخص ليحلل دوافعي الباطنة فسأذهب إلي طبيب نفسي.
- من المستحيل أن تتحركي لمكان آخر لأنك تحت قبضتي.
فتح الباب بالمفتاح حيث كانت الشقة خلف الشرفة.
- هل علي أن أظن أنك تعتبرني مصابة بمرض عصبي؟
- لا... وإنما قضيت خمسة عشرة ساعة متواصلة بجوارك دون أن المسك في الطائرة وهذا يجعلني متوتر الأعصاب إلي درجة الانفجار عند أقل مبرر.
تنفست "داميتا" الصعداء.
- إذن أنت لست ثائرا ؟ لقد ظننت العكس.
لأنني منذ غادرنا "كسمارا" أحسست أنك متباعد. حتى أنني ظننت أنك غيرت رأيك, ولن ألومك. ولاحظ أن....
فجأة أحست به يرتجف من الانفعال, وأصابتها العدوى هي الأخرى... قال لها بصوت كفحيح الأفعى:
- لست شخصا هوائيا أو متقلب المزاج. وأحب أن أعرف ماذا هناك خارج الانجذاب المتبادل يوجد شيء آخر. أريد أن أعرف.. إنني لا أتحمل هذا الجحيم الذي أعيشه من أجل لا شيء.
أخذت داميتا تطرف بعينيها ثم رفعتهما نحوه وهي لا تصدق نفسها, وقالت بصوت مختنق:
- أنا... أنا متمسكة بك.
ذهب عنه التوتر في الحال كالدخان:
- إن اعترافك هذا ضعيف لكنه أحسن من لا شيء. إلي أي مدى تتمسكين بي؟
امتلأت عينا "داميتا" بالدموع:
- لست أدري. أنني أفكر فيك بلا انقطاع. عندما تبتسم لي أحس بالدفء وأريد أن أعرف أفكارك وعواطفك.. هل هذا يكفي؟
- لا. أريد المزيد لكن حاليا لا بأس. سنترك المعجزة لما بعد.
نظرت إليه "داميتا" في حيرة فقال برقة:
- إنني اعمل حسابي علي إلا أستعجلك. الآن سنتقدم ببطء. هذه هي حجرتك.
أشارا لي باب يخرج من الصالون واستطرد:
- سأذهب للاتصال ب "ديمون" الذي ترك رسالة في مكتب الاستقبال يطلب مني الاتصال به. وبعد ذلك سأطلب منهم أن يصعدوا لنا بوجبة من أجل ثماني الساعات. لماذا لا تنالين بعض الراحة لحين عودتي؟
ولكن "داميتا" لم تكن ترغب في أن تتركه. إنها تريد أن تكون بالقرب منه وتتأمل تقاطيعه الحية وتسمه نبرات صوته الجاد. لقد أصبح بالنسبة لها شيئا لا تستطيع الاستغناء عنه. إن هذا الشعور بالاعتماد عليه يصيبها بالجنون وهي التي لم تكن ترغب قط بالاعتماد علي أحد. فقط قوتها الداخلية هي التي دفعتها إلي الذهاب إلي حجرتها بسرعة.
- سأرتاح في الداخل فترة يا "كلايتون".... إلي اللقاء.
ما إن رأي "كلايتون" الباب مواربا ثم أنغلق أمامه حتى أحس أنها طارت منه هاربة. هز رأسه عدة مرات وهو يتجه إلي الأريكة البيضاء الضخمة. وبعد ثلاث دقائق كان علي اتصال ب"كسمارا". سأله "ديمون" دون مقدمات:
- هل كل شيء يسير علي ما يرام؟
- ولماذا لا تريد أن يسير سيراً حسنا؟ لقد مرت رحلة الطائرة دون حوادث وكذلك الجمارك عندما أريتهما الماسات المخبأة في الحقيبة الصغيرة تحت قميصي أبدو تعاونا تاما.
قال "ديمون" في غيظ:
- ظريف جداً. سأخبر "روسول" أنك تأخذ الأمر باستخفاف عندما أذهب وأراه في المستشفي.
لم يكن "كلايتون" يفكر في المزاح إطلاقا. قال فجأة:
- من هو "روسول"؟
- واحد من مساعدي طباخ القصر عندما ذهب إلي القرية ليحظر الخضروات الطازجة قبض عليه شخصان أمطراه بالأسئلة عنك وعن "داميتا" وعن كل الضيوف الذين استضفتهم خلال الشهرين الأخيرين.
صاح "كلايتون" غاضباً:
- اللعنة! إنهم رجال "بيلستروب" وهم يراقبونني إذن, خلال الشهرين الماضيين لم نشاهد لهم أثر في فندق ماراسيف.
- هذا يعني أنهم أقوياء جدا, لقد كانوا غير لطفاء عندما رفض "روسول" أن يخبرهم عنك.
- كيف هذا؟
- لقد كسروا له ضلعين وسببوا له إصابات في الرئتين ونزيفا داخلياً....
- الحمد لله أنهم لم يقتلوه. وأنا آسف جدا يا صديقي العجوز لأنني أشركتك في هذا الموضوع. ما الذي أستطيع أن أفعله للمسكين "روسول"؟
- لا شيء. إنه ينتمي إلي شعبي, وبالتالي تحت حمايتي أما بالنسبة إلي هذين الحارسين فإنهما لن يزعجاك في المستقبل فقد جعلتهم يسلمونهما إلي رئيس قبيلة "روسول" وأوضحت جيدا إنني غاضب منهما وسيواجهان الحكم. هل أنت واثق من أنهما من شرطة "بيلستروب"؟
- آه. نعم.. لقد انطلقت ألسنتهم بأسرع ما يمكن عندما أدركوا أن رجال القبائل يستطيعون في مناسبات خاصة أن يكونوا أكثر وحشية منهم. لقد كانت لديهم أوامر بالعثور علي "لولا" وبالطبع ظنوا أنك يمكن أن تقودهم إليها.
وهم يجهلون الصلة التي تربط "لولا" ب "داميتا" ولكن يبدو أن "بيلستروب يجري تحريات عن ذلك.
كانت هذه الأنباء مقلقة للغاية. لقد كانت ل "بيلستروب" سمعة رهيبة عن قسوته وهو لن يتوانى في اكتشاف أن "داميتا" هي ابنة "لولا" وبذلك يستطيع أن يستغل هذا السلاح ليناور أمها. قال "كلايتون" مستنتجاً:
- إذن هم يراقبون الفندق ولاحظوا أنني قضيت وقتا لا بأس به في "سيدني".
- هل تستنتج من كل هذا أن خليج "نصف القمر" هو أيضا تحت المراقبة؟ لقد خطرت تلك الفكرة علي بالي. ولهذا قررت أن أخطرك في الحال.
- هل تنوى الحضور..لا داعي للتهور يا "ديمون" وابق في "كسمارا" فقد استغللتك بما فيه الكفاية ولا أريد بعد الآن أن أعرضك للخطر.
- تعرضني؟
قالها وكأن هذه الكلمة لا توجد في قاموسه.
- ....لقد جرح "بيلستروب" وعصابته أحد أتباعي, هل سمعت؟ هل تعتقد أنني سأترك هذه الحادثة تمر بسلام؟
كانت الدماء القبلية قد فارت بكل عنفواتها داخل "ديمون" . وعاد إلي همجيته. وافقه "كلايتون":
- لا.. لا أعتقد ذلك. هيا ولا تعتقد أنني سأتركك تدخل بنفسك عرين الأسد.
- خدمة أخرى... ‘ذا عثرت علي "بيلستروب" فاحتفظ لي بهذا الرجل.
وضع "ديمون" السماعة. قال "كلايتون" في نفسه:
- لم يبق سوى أن يرحل "ديمون" إلي خليج "نصف القمر" ليروي ظمأه للانتقام! ألا يكفيني ما أعانيه في سبيل حماية "داميتا" وكذلك نقل "لولا" قبل أن يكتشف "بيلستروب" مكانها. ثم هناك "داميتا" التي أصبحت هادئة في صحبته, هل سيتاح له الوقت ليستأنسها قبل أن يرسلها إلي مكان مأمون هي وأمها؟
ليس أمام "كلايتون" سوى ليلة واحدة حتى ينال حبها.



نهاية الفصل الرابع


 
الفصل الخامس



سمعت "داميتا" طرقا على الباب فتسارعت ضربات قلبها فى صدرها وأسرعت تفتحه .
كان "كلايتون" واقفا على العتبة أجمل مما يمكن أن تتصوره . كان يرتدى حلة سهرة سترتها لامعة ، تبرز لون بشرته التى لوحتها الشمس وشعره الأسود ، أوشكت الشابة على الاغماء . همست:
- مساء الخير .
قال وعيناه تلمعان من الإعجاب والسرور :
- لقد ارتديت الثوب الوردى .... من أجلى .

أحست "داميتا" وكأنها "سندريلا" التى تحولت – بملابسها بفعل مربيتها الساحرة – إلى أميرة . باختصار لقد أصبحت فجأة فاتنة .
أطفأ "كلايتون" مصباح السقف وأمسك بيدها وقادها إلى الصالون ، ثم سألها :
- ما رأيك لو تناولنا العشاء فى الشرفة ؟ إن منظر ميناء سيدنى ساحر

وافقته بصوت منفعل :
- جميل جدا . هل نجحت فى الاتصال بـ "ديمون" ؟
- نعم .... نعم ومن المحتمل أن يلحق بنا فى خليج "نصف القمر" .
فتح الباب الزجاجى العريض المطل على الشرفة ، التى بدت وكأنها منطقة طبيعية استوائية مصغرة ، حيث أقيمت المائدة وفوقها شمعات مشتعلة .

كان الميناء يشكل هلالا من الأنوار على طول الشاطئ . وكأنه عقد من اللؤلؤ معروض على قطيفة سوداء .كانت المياه تترجرج بأمواج فضية . تلعثمت "داميتا" وهى تقول :
- لا أذكر فى حياتى أننى رأيت منظرا بهذه الروعة .
- إن ذلك المبنى هناك فى الأمام والذى يشبه الفراشة ما هو إلا مبنى الأوبرا الشهير فى سيدنى . وهذا المساء ستقدم أوبرا "عطيل" .... هل تحبين أن ترى العرض ؟ربما لا ... لسوء الحظ الناس لا يتقبلون المسرح الغنائى .

- لقد رأيت أوبرا "مدام بترفلاى" وإذا كانت الموسيقى قد أعجبتنى فإن شخصية السيدة اىلراشة بدت لى غير واقعية فى ذلك الوقت .
- يقال : إنها كانت تعيش فى "ناجازاكى " بـ اليابان وانهم حتى الان يزورون قبرها ، ولابد أن أعترف بأنها كانت هائمة فى الهواء ولم تطأ قدماها الأرض . ولكن اليابانيات مختلفات ، إنهن يخلصن قلبا وجسدا للرجل الذى يحببنه .. إن الحب عندهن عمل مقدس . أعتقد أنك لم تصلى فى عاطفتك إلى هذا الحد ....
- فعلا .

جلست "داميتا" على المقعد الذى قدمه لها . كان لديها بالفعل إحساس بأن مجرد وجود "كلايتون" ينقلها إلى آفاق بعيدة من الحب الذى لا يقاوم .
- وأنت هل تحب الأوبرا يا "كلايتون" ؟
- نعم ولكن الايقاع فيها بطئ بالنسبة لذوقى . إننا لن نذهب لمشاهدة أوبرا "عطيل" هذا المساء . ولكن اطمئنى فسنجد ما يشغلنا .

أحذ "كلايتون" مكانه أمام المائدة وفتح زجاجة عصير التفاح التى وضعوها أمامه . صب العصير الفوار فى كأسها وكأسه حيث تصاعدت فقاعات وردية من بين مكعبات الثلج .
- حديثنى يا "داميتا" عن مدرستك الدينية .هل كانت الأخوات الراهبات لطيفات معك ؟

- نعم ومخلصات للغاية . ولم أحس بنقص أى شئ بجوارهن .
- حقا لقد كنت معتقدا انك تربيت على الحياة القاسية ؟!
- إن الاخوات الراهبات صارمات وقاسيات , ولكن لو تصرفنا التصرف المناسب والمطلوب فإنهن يظهرن نيلا جميلا نحونا . هل تظن ان " لولا " كانت ستطمئن على هناك لو علمت اننى اعانى ؟

- لا طبعا , هل كنت تشعرين بالوحدة احيانا ؟
- لا ليس حقا فقد كان عندى الاخوات الصالحات . و"لولا " كانت تأتى كثيرا كلما امكنها ذلك .
ثم هناك أيضا الطالبات المقيمات الاخريات ,ولكنهن لم يشكلن اهمية كل شئ اختلف الان .
- هل لك أصدقاء .

- نعم مثل الكل . ولكنى كنت مشغولة جدا منذ خروجى من الداخلية , فقد قضيت ثلاث سنوات فى دراسة الهندسة ثم هناك مشروعات التخرج التى كنت اعمل فيها فى اثناء العطلات والتى شغلت كل وقتى وهذا لم يتح لي الوقت الكافى للمحافظة على علاقاتي.

- ولا حتى القليل من الوقت ؟
- ليس معنى هذا اننى ممن يكرهون البشر .
- حسنا ... لنستفد من فرصة وجودنا ما دام الحظ قد اسعدنى وبجواري امرأة مشغولة جدا ...
- لماذا كل هذه الاسئلة ؟

- اننى اريد ان اعرف ادق تفاصيل حياتك حتى أعوض الوقت الضائع بطريقة ما .
كان الليل جميلا مثل فراء مغناطيسي .. إن هذا الرجل له جمال متشكك وهو مسترخ امامها . والريف والشموع ونعومة تلك اللحظات . كل ذلك جعل قلبها يعيش فى عيد . قالت له :
- جاء الدور على لأسألك يا " كلايتون "

- ما الذى تأملين ان تعرفيه ؟ اخشى ان تصابى بخيبة الامل . لقد عشت حياة كئيبة .
- إن الصحف تدعى العكس .

- إن الزهور وجمالها يجتذبنى . وقد قلت لك ذلك من قبل . انا احب اشياء عديدة . الرياضة والمسرح والمتاحف والحفلات الموسيقية والناس عندما اعرفهم . ثم اننى اتمتع بعملى ... انا شخص ليس معقدا .. لماذا تضحكين ؟
- لأنك لا تعرف نفسك على الاطلاق . منذ ان تعرف عليك اقتنعت بأنك تعد من بين الرجال الاكثر تعقيدا الذين قابلتهم فى حياتى .
- هل تظنين ذلك حقا ؟

ابتسم ابتسامة صبيانية وقال :
- إننى سعيد جدا لأننى كنت اعتقد انك ستعتبريننى شخصا مبتذلا وعاديا اذا ما قورنت بـ " ديمون " ... انا فى نظر الاخرين الواحة التى يلجئون اليها بعد العاصفة الرملية .
نظرت اليه " داميتا " بعينين مستديرتين . ذلك الرجل الذى تعتبره شخصا موثوقا به . انها لا تهتم إذن بأنه ساحر مثل " ديمون " ذلك المغوى الذى يبدو عليه مظهر الطائش . اذا ما قارنته بـ " كلايتون " فإنها تعتبر الاخير مثل النار التى تدفئ المسافر التائه .
- كم هو رائع ان يعرف المرء اين يستريح بعد العاصفة يا " كلايتون "

- إن المغامرين يفضلون تذكر العاصفة اكثر من الواحة التى تستقبلهم وتعتنى بهم .
ذكرتها هذه الكلمات بنظرة الثقة التى ألقتها عليه تلك الشقراء التى رأتها عنده عندما اقتحمت عليه خلوته . انه رقيق جدا نحو الناس وهم يحترمونه جدا .
- هل أنت حانق على المحيطين بك ؟

- إننى معتاد رؤيتهم يتشتتون ومع ذلك أحب ان تعتبرينى فاتنا , هل تعتقدين انه يمكنك ان تصلى لهذه الدرجة ؟
- لست مضطرة الى بذل جهد كبير فى هذا الشأن . دع لى الوقت الكافى حتى يختفى كل ضيق وبعدها سأصل لهذه الدرجة ... درجة اعتبارك فاتنا .

ابتسم لها " كلايتون " ابتسامة مشوبة بالخيبة .
- لا شئ .. إن المرء دائما لا يجد الوقت الكافى . هذا كل ما هنالك .
انفتح باب الجناح على موظف يدفع نحوهما عربة محملة بأطباق مغطاة بمكبات على شكل أجراس فضية . عندما رأه " كلايتون " يصل أحس بمزيد من الاسترخاء . وكان وصوله قد رفع عن كاهله حملا ثقيلا .. طبعا حمل الاعتراف . هل لديه إذن سر ؟ تردد هذا السؤال على بالها .

- لقد فكرت انك ربما تحبين ان تتذوقى بعض ا لأطباق الاسترالية المميزة يا " داميتا "
- دعنى أخمن حبة قمح وفتلة صوف وشربة ماء .
قهقه " كلايتون " :
- هل يمكن ان تتصورى نوع الصلصة التى توضع على هذا الخليط ؟ لا ان لدينا سلطة المحار وفخذ خروف بالأناناس وكريمة سأدع لك اكتشاف اسرارها .

- أوه ... ان هذا يبدد عسر الهضم .
ولكن كل هذا كان مجرد كلام لأن " داميتا " وان كانت تتلذذ فإن ذهنها كان فى مكان اخر .
قص عليها " كلايتون " حكايات غريبة حتى ان وجهها اشتعل فضولا كلما تقدم اليل واحست انها اخف من الريشة . انها ستنفذ فى الحال لو طلب منها ان تلقى بنفسها من فوق الدرابزين وستشعر بمنتهى السعادة . صاح وقد اسعدته سعادتها :
- كم هى جميلة تلك الابتسامة !

- انه بسبب اعتدال مزاج يا " كلايتون " اننى لا استطيع ان اقاوم ذلك الذى لم يحدث لي منذ زمن بعيد .
قال لها بطريقة غامضة :
- لأننا توغلنا فى الحديقة السرية .

- هل هى حديقة فاخرة مثل تلك التى تحيط بنا ؟
اوه يا " كلايتون " إننى منجذبة اليه وكأننى مخدرة او منومة مغناطيسيا .
- أسف لأننى مضطر الى مخالفتك . إن الامر لا يتعلق على الاطلاق بالمغناطيسية وانما الجو الاسترالي . اعترفى على الاقل بأن هذا الجو شديد التأثر .

- إننى لا اطلب سوى ان اطير على جناحى السعادة .
- وما شعورك الان نحو الحب والزواج ؟
- انا اسفة لاننى صددتك فى تلك الليلة .
- لا تحملى هما فأنا الإهم دوافعك وانشغال بالك ثم إننى كنت متعجلا فى محاولة انتزاع اعتراف منك بانك تحبيننى مثلما احبك . اننى فى حياتى لم ارغب امرأة كما ارغبك الان بشرط ان تكونى مستعدة لمبادلتى نفس المشاعر . اذا كنت تحبيننى فقوليها الان والا فقولى بصراحة ., انك لا تريدننى يا " داميتا " فى الحال ودون تردد .. هيا اخبرينى .. هل تريدننى ام لا ؟

كيف يتوقع منها ان تستطيع الكلام وهى التى وصلت الى حالة فقد القدرة على التفكير ؟ ولكنه رأى فى عينيها السعادة العميقة , انها تحس برضاء تام لأنها استطاعت ان تؤثر فيه الى هذه الدرجة التى افقدته توازنه الى حد انه لم يعد يفكر فى شئ اخر سواها .
لقد ملأ فراغ حياتها بحضوره القوى وكل شئ غير محسوس اصبح شديد الحساسية . نعم ... لقد دخلت الحديقة السرية صاحت :
- نعم ... أريدك ... إنه شعور رائع .

لقد تفتحت حولها جميع زهور الحديقة السريرة ونشرت عبيرها الفواح .. إنها الان فى الفردوس . وقد عادت الى الحياة التى تساوي مئات الحيوات التى عاشتها . إن قبولها هذا الرجل الساحر هو الاستسلام للقوة والبهجة ولنور الكون . إنها تتقبل حياتها الجديدة بذراعين مفتوحين . لم يعد الكلام مفيدا , بل كان على كل منهما أن ينهل اكبر قدر من السعادة من عينى الاخر .
بدأت تحس بالتعب والرغبة فى النوم ولاحظ هو ذلك فصحبها إلى حجرتها حيث وسدها الفراش . قالت له بصوت ثقيل :
- " كلايتون " !

همس بصوت غير مسموع :
- نامى !
دار على عقبيه ثم وقف ليسألها :
- هل يمكننى ان افعل لك شيئا ؟
- هل سارت الامور كما تحب يا " كلايتون " ؟

- كما أحب انا , نعم نعم ... ولكن عليك ان تنامى فى سلام يا " داميتا " , وسنتقابل فى الصالون فى الساعة التاسعة من صباح الغد . خرج واغلق باب حجرتها عليها .
شدد " كلايتون " قبضته على الدرابزين حتى إن الخشب بدأ يتحرك ويهتز . كان يشعر بالالم . وكم هو جميل ان يتعذب . قال فى نفسه : إنه لا يستحق العذاب , أخذ يتأمل انوار الميناء البعيدة دون ان يلحظها , فقد كان شاردا يفكر فى عالم اخر , إنه يلوم نفسه لأنه كان انانيا الى درجة رهيبة , بل ظن أنه أجبر " داميتا " على الاعتراف رغما عنها , ولكنه كان مضطرا لأنه فى حياته لم يرغب شيئا مثلما أراد ان ينال حبها , كان عليه ان يتعامل مع تلك الفتاة الرقيقة الهشة , بما تحتاج اليه من رقة , ولكنه عاملها بوحشية . لماذ أصر وبإلحاح على ان تعترف له بحبها ؟ وكان عليه ان يتركها حتى تعترف من نفسها بذلك او لا تعترف إن كانت لا تحبه . لقد استغل سحر الأمسية والمناظر الرائعة ليجعلها تفصح عن شئ ربما لم ترغب فى أن تفصح عنه .

ومع ذلك فإن اعترافها اعطاه حرارة وانتعاشا ملأ رئتيه بالدفء . ربما كان الغد أسهل ... نعم ربما .

( نهاية الفصل الخامس )

 
الفصل السادس








قالت داميتا في دهشة وهي تنظر إلي الناظر الطبيعية التي تتوالي حولها وهي داخل السيارة الجيب:


- لقد ظننت أن خليج نصف القمر


موجود في ضواحي سيدني لدي إحساس بأننا ندور منذ ساعات في حلقة مفرغة.
- لقد أخبرتك أنني لا أريد أن يتبعونا.


كان كلايتون ينظر إلي الطريق بإمعان:


- إننا لن نذهب إلي الخليج وإنما إلي الكوخ مباشرة.


هذه المرة لم تستطع داميتا أن تمنع نفسها من إدارة رأسها للخلف وقد انتبهت بشدة.


- أليس ذلك خطراً؟


- ليس أمامي حرية الاختيار. فمن المحتمل جدا أن يكون خليج نصف القمر مراقبا ولكنهم لو كانوا تبعونا من سيدني فإن ذلك لم يستغرق وقتا طويلاً لأننا الآن أصبحنا بمفردنا علي الطريق.


اندفع كلايتون بالسيارة الجيب بأقصى قوتها. ظلت السيارة تتقافز حوالي نصف كيلو متر ثم وقف بها كلايتون في ظل كتلة من الشجيرات.


- سنكمل الطريق علي الأقدام. إن الكوخ يوجد علي بعد حوالي كيلو متر من علي الجانب الآخر من التل.


قفز من فوق مقعده إلي الأرض ودار من أمام السيارة ليساعد داميتا علي النزول.. أمسك ذراعها بطريقة عارضة ثم تركها في الحال. قال لها وهو يبتعد في خطوات واسعة وسط الأشجار:


- حاولي أن تظلي بجواري.


تساءلت كيف تكون قريبة منه وقد أحست بتباعده الآن بطريقة غريبة بعد تقاربهما في الأمس؟


منذ لحقت بكلايتون صباح اليوم التالي في الصالون، وهو يتصرف كأنه غريب عنها وبطرقة مؤدبة للغاية. لقد كان واضحا أنه يريد أن يجعلها تفهم بالمحسوس، إن فورة الحب التي حدثت في الليلة الماضية قد انتهت. قال لها وهي لا تزال ثابتة في مكانها :


- ألن تأتي؟


- نعم ...نعم...


اندفعت وراءه وهي تحاول التوغل معه في وسط الغابة برشاقة، كانت داميتا رغم كل شيء تشعر نحوه بالعرفان بالجميل، لأنه لم يتظاهر بعواطف لا يحس بها. حاولت أن تقلده في بروده وتناسيه لحظات اشتعال العاطفة بينهما في الليلة الماضية. لقد انتهي كل شيء بينهما. ومن الأفضل أن تنتظر شفاء كرامتها من جرحها، وأن يختفي شعورها بالخيانة من تلقاء ذاته. يجب أن تفعل ذلك. المهم هو لولا...


- أفترض أنك لن تقول لي من تحاول أن تكتشفه...


رد عليها كلايتون:


- ستعرفين ذلك بسرعة... بعد كيلو متر.


أسرعت داميتا في خطواتها وقد حفزتها فكرة أن لولا ليست بعيدة.


ارتفع صوت نسائي من خلف مجموعة أشجار الكافور:


- لقد استغرقت طويلا حتى تقوم بزيارتي كلايتون! لقد بدأت أحس وكأنني تحولت إلي ناسكة.



كان الصوت مألوفا إلي درجة رائعة.


قال لها كلايتون وقد قطب جبينه قلقا:


- لقد قلت لك أن تظلي في الكوخ يا لولا.


- يا صغيري كلايتون أعلم إنه منذ الوقت الذي كنت أعيش فيه في الشوارع لا أطيع رجلا أبدا.


ثم انطلقت في رحلة رنانة وحادة. أكملت وهي تبعد الأوراق عن وجهها وتظهر بينهما:


- وإلا كنت في السكن منذ زمن بعيد، إنني أحب أن أبدو متعاونة ولكن هناك حدودا ل... ولكن ماذا تفعلين هنا؟


ولكن داميتا ألقت بنفسها بين ذراعي أمها دون أن تجيب ثم قالت:


- لولا! أري أنه لم يحدث لك شيء. لقد اشتقت إليك بدرجة رهيبة. لماذا لم تكتبي لي أوتتصلي بي بالتلفون؟


صاحت لولا وهي تحتضن ابنتها بقوة متأثرة:


- ابنتي الغالية! ولكنك أيضا أوحشتني... هل أنت بخير؟


-نعم بخير.


والآن وقد عثرت علي عزيزتها لولا بدأ العالم يدور من حولها وصلت لأنفها رائحة عطر زاد من انفعالها...ردت علي أمها:


- ولماذا لا أكون بخير؟ أنت التي اختفيت إلي درجة تطلبت مني أن أتحول إلي جوالة حتى أعثر عليك.


قالت لولا وهي تتراجع خطوة وتستدير لكلايتون:


- لقد قالوا لي ذلك. علي أية حال يا كلايتون لقد أوضحت بدقة أنه لا يجب إحضارها إلي هنا.


- إن داميتا تطرح الكثير من الأسئلة. ثم لو إنني لم احضرها فإن بيلستروب قد يتساءل، لماذا هي مهتمة إلي هذه الدرجة بروحاتك وغدواتك؟


سألت الشابة :


- من هو بيلستروب؟


قالت لولا:


- ما الذي تعرفه هي بالضبط كلايتون؟


أعلنت داميتا وقد بدا عليها الغضب:


- لا شيء علي الإطلاق... تذكري أنه أعطاك أحد وعوده التي لم يرجع عنها قط.



أيدتها لولا التي استقرت نظراتها في حنان علي الرجل:


- إنني أتذكر ذلك تماما. إن كلايتون يتمسك دائما بالوفاء بوعوده ولابد أنك أدركت ذلك داميتا.


- نعم.


أثارت نبرتها انتباه لولا التي أدارت رأسها وأخذت تفحص داميتا وقد ضاقت عيناها:


- هذا صحيح، وأنا في وضع يسمح لي في أن أؤكد ذلك.


قال كلايتون مقترحاً:


- من الأفضل أن نذهب إلي الكوخ. هناك جديد يا لولا قد يضطرنا إلي التحرك.


- ماذا هناك؟


شبكت لولا ذراعها في ذراع ابنتها وتوغلوا وسط الشجيرات في الطريق الضيق. قال كلايتون:


- إننا كنا مخطئين عندما قدرنا إن بيلستروب لم يعرف إن كل منا يعرف الآخر، والدليل علي ذلك إنه عرف في الحال عندما ظهرت داميتا في الفندق .

 
قالت لولا بغضب:
- لماذا إذن أتيت بها إلي هنا؟ إنني أريد أن تظل بعيدة عن هذا الموضوع. ماذا تظن إذن لماذا قطعت كل صلة لي بها؟
- الهدوء! إنني لم أعرف شيئا عن هذه المتابعة قبل أن أتلقي مكالمة من ديمون الذي اتصل بي في سيدني مساء أمس. لقد كشف لي عن أن بيلستروب يقوم بالتحري عن داميتا.
توترت يد لولا علي ذراع ابنتها وإن لم تحس بذلك:
- ياإلهي! إنه سيفهم كل شيء.
سألت الشابة:
- من بيلستروب هذا؟ ألن يشرح لي أحد؟
قال كلايتون وهو يدير رأسه نحو لولا:
- لولا؟
-... كولن بيلستروب هو واحد من أشنع الشخصيات، ولسوء الحظ أنني لم أفهم إنه شرير وسيء إلا بعد فترة، لقد كان ظاهريا يبدو لي ساحرا إنه صاحب معرض للفنون في محل راق في لندن وله أملاك في ديفون إنه طويل الذراع وكنت أعتبره جذابا.
قالت داميتا في جرأة:
- هل كانت هناك علاقة بينكما؟
قطب وجه لولا:
- إنها مجرد قضاء عطلة نهاية الأسبوع لا أكثر في متعة. لقد أقمت أربعة أيام في ضيعته وهو ما ندمت عليه! إن كولن لم يكن شاذا في علاقته العاطفية فحسب، وإنما أيضا أحاديثه كانت مملة وسخيفة وعليك ألا تخدعي عندما يتظاهر البعض أمامك بأنهم مهمون لأنهم في الحقيقة أشرار، إنهم ليسوا سوى..
- أشرار! هل كان بيلستروب لصا؟
- لقد حدث، أنه واحد من أعمدة عصابة تهريب المخدرات. وتستخدم صالة عرض لندن كغطاء لتهريب الهيروين والكوكايين إلي المملكة المتحدة. مفهوم إنه كان علي أن أصل إلي اسكتلنديا رد بشأن جريمة قتل حتى أكتشفه.
هزت داميتا رأسها وقد تاهت بين الأحداث:
هنا.. لا استطيع أن أتتبعك ... أية جريمة؟
قالت لولا تكمل قصتها:
- في أثناء إقامتي في ديفون ارتكبت جريمة ولحسن الحظ إنها أنهت إقامتي وإلا لقضيت عطلة نهاية أسبوع خانقة.
قالت لها ابنتها في لوم:
- وبعد يا لولا!
- أنت دائما هكذا جادة! حسنا سأكمل... نعم سأقول ولكن كيف انجبت ابنة جافة هكذا؟
- إن الإنسان لا يمزح في الجرائم يا لولا !
- هذه هي الفكرة التي خطرت علي بالي: إنه لا مزاح مع الجريمة والدليل هو أنني قفزت إلي داخل السيارة وقدتها مباشرة إلي سكوتلانديارد. أخبروني هناك إن الضحية شخص يدعي فيتو مارينو وهو من نفس شرذمة المجرمين التي منها كولن. لقد كانت له صلات بعصابات المافيا في روما وبالإضافة ألي المخدرات، كان مشتركا في أوساط شريرة أخري مثل الجريمة المنظمة. وقد أسعد موته السلطات وقد قيل لي وقتها : إن شهدت في قضية كولن فإنني أساعد السلطات في وضع حد
لملك المخدرات وإلقائه في غياهب السجن.
- ولكن هل رأيت بيلستروب يقتل ذلك الرجل؟
- نعم لقد كنت واقفة خلف النافذة عندما رأيت في الحديقة كولن يخرج مسدسا ويطلق النار علي مارينو.
- في هذه الحالة لم يعد هناك مجال للمزاح! لماذا بيلستروب مطلق السراح بينما هو متهم بقتل مارينو؟
قال كلايتون موضحا: إنه مفرج عنه بالكفالة... لقد دفع ثروة.
- لماذا لا تخضع لولا لحماية الشرطة؟
- لأن أمك لها رأس بغل يا داميتا.
قالت لولا شارحة:
- إن رجال الشرطة عرضوا علي حبسي في فندق بائس في فترة انتظار المحاكمة. لقد أظهروا أنهم ساحرون ورفيعو الأدب ولكني لست في وضع يقبل عرضهم.
قال كلايتون:
- إذن لقد اتخذت قرارا ورحلت إلي مارا سيف حيث كان لديها النية الصادقة في أن تقيم في أثناء تجوال بيلستروب في حرية!
- إن العزيز كلايتون أصبح محبطا من ذلك لرغبته في حمايتي أن يأخذ هذا الموضوع مأخذ الجد . لقد أصر علي إرسالي إلي الأحراش الاسترالية حتى موعد القضية.
زمجر كلايتون:
- إن الأحراش الاسترالية أفضل من المقبرة. أنت تعلمين أن بيلستروب سيطاردك يا لولا.
قالت له لولا وهي تبتسم في مرارة:
- إنني متمسكة جدا بالحياة وشكرا لك! خصوصا عندما يكون لي أصدقاء مثلك يقلقن علي موضوعي.
- إنني سيقل قلقي لو اهتممت بالأمر أكثر. إن "بيلستروب" خطير رغم أنك تأخذين لأمر باستخفاف.
-لا. إنني لم أعتبر ذلك الحثالة شيئا يستهان به. وأنا أعرف تماما ماذا يمكن أن يفعله هؤلاء الناس من انتقام لو سمحت لهم بالاقتراب. المهم هو ألا أدعهم يلمسونني إلا سطحيا بحيث إذا لم أستطع إبعادهم نهائيا فعلي الأقل لا أسمح لهم بالنبش ماضي بعمق.
- من شابه أباه فما ظلم. أو الأحرى من شابهت أمها فما ظلمت!
- ماذا تقصد أن تقول يا كلايتون؟
غمغم كلايتون:
- لاشئ مهما عندي، لنعد إلي الكوخ.
أبعد أوراق وأفرع الشجر وتابعته لولا بعينيها وقد بدت علي وجهها علامات الدهشة، ثم سألت:
- من داس علي طرفه؟ لماذا هو متوتر لهذه الدرجة؟ هذا ليس سلوه المعتاد!
تركت داميتا السؤال بلا إجابة لكن نظرات أمها الحادة مسحت وجهها. سألت لولا:
- هل حدث بالمصادفة أنك سمحت لكلايتون بان.... ؟
قطعت كلامها وهي تري الحمرة تعلو وجه ابنتها:
- حسنا يا حبيبتي.... إن هذا لم يكن في خاطري علي الإطلاق....
- إذا كنت تعتقدين أنني أعرف ذلك! فهل تريدين مني أن أفقد صوابي! ليس بيننا أي شيء مشترك.
لقد فهمنا في الحال إنها غلطة ويجب ألا نعود إليها ثانية.
- أتعشم ذلك لأن كلايتون... مختلف.
- تقصدين من حيث أنه فتي لعوب يقف في الطريق ليشم الورود فقط؟ أعرف ذلك.
- لا... يمكنني أن أقول: إن هذا الرجل لا تأمل النساء مشاركته حياتهن فحسب وإنما أيضا يقعن في حبه.
أحست داميتا فجأة ببرودة وسألت أمها:
- هل تحبينه يا لولا؟
- طبعا أحبه.
هزت داميتا رأسها لأن ما قرأته علي وجه أمها أصابها بالكرب. قالت لولا:
- لا...ليس كما تعتقدين. هناك أنواع أخري من الحب، ألم تدركي ذلك بعد يا داميتا؟
- إن كلايتون يدعي أنكما صديقان.
- ونحن كذلك. إنه واحد من هؤلاء الرجال الذين يعدون علي أصابع اليد الواحدة والقادرين علي إقامة صداقة بريئة مع النساء. وفي رأي أن ذلك يرجع إلي أنه جدير بالثقة.
- آه... نعم...
لكنها حولت عينيها عن أمها وأضافت:
- إنني لست متمسكة بالحديث عن كلايتون يا لولا.
- لا...
ومض بريق غريب لحظة في عيني لولا سرعان ما اختفى.
- في هذه الحالة دعينا لا نتحدث عنه.وأخبريني بدلا من ذلك كيف حالك في روبنسون؟ ألا تظنين أنه يعذبني أن أعيش بعيدا عن الحضارة؟
كان حقيقيا أن تك المرأة ذات الجسد الرائع هي مثال للفتنة ولا تزال في قمة جاذبيتها حتى وهي مرتدية الجينز سويت شيرت أصفر، تماما كما لو كانت ترتدي أحدث موضة للأزياء لتحضر سهرة. كانت قد رفعت شعرها الأبنوسي للخلف علي شكل ضفيرة مما أظهر وجهها الساحر وعينيها الواسعتين. لقد تحولت بشرتها إلي اللون البرونزي وبدت عليها مظاهر الراحة ونتائجها. وكانت أكثر استرخاءا مما كانت عليه في آخر لقاء بينهما، قالت الابنة:
- إن لك شكلا رائعا. لقد تغيرت لكنني لا أستطيع أن أحدد موع التغيير.
- إنه الهدوء والسكينة.
- ربما، إنني لم أرك من قبل علي أية حال في مثل ها الصفاء وهدوء البال.
- إنني في الحقيقة أشعر بأنني خالية البال. وهو ما يدهشني شخصيا. في الحقيقة لم تتح لي الفرصة من قبل في تذوق جمال الوحدة وأن أحدد شخصيتي وأهدافي. ولم أكن أؤمن بجدوى هذا العلاج قبل ذلك.
- لقد كنت أظن أنك تعرفين تماما إلي أين تذهبين...
وأنك المخلوقة الأكثر اتزانا التي عرفتها في حياتي، عندما كنت تأتين لرؤيتي في المدرسة الداخلية كان كل شئ يشتعل حيوية من لحظة دخولك ويصبح زاهي الألوان .
تجهم وجه لولا :
-هل فقط في تلك المناسبات التي أزورك فيها كانت حياتك تتحول إلي البهجة؟ لقد كنت أظن أنك سعيدة في الدير.. ولكنك كنت دائما متحفظة يا داميتا حتى إنني لم أكن قط واثقة بما تدور حوله أفكارك.
 
سارعت داميتا بالقول:
- لقد كنت سعيدة هناك، وكنت لا تألين جهدا حتى تجعلي حياتي كاملة ولا لوم عليك علي الإطلاق.
- لقد كنت اشك في ذلك!وفي هذا الشأن فكرت أيضا أنني ربما ارتكبت غلطة كبرى وشنيعة.
إن الحكمة التي نحصل عليها بعد الصدمة تصبح في آن واحد رائعة ومحبطة.
- إنك لم ترتكبي غلطة يا لولا لقد جعلتي حياتي جميلة.
- من الناحية المادية دون شك!
- لقد كنت دائما موجودة عندما احتاج إليك.
- آه حسناً؟ لو كنت احتفظت بك قريبة مني لأصبح الوضع أفضل.
- كنت تريدين حمايتي.
- بدلا من أن أفعل هذا تركتك تتعلمين حماية نفسك بنفسك.. أليس هذا ما كان يقصده كلايتون عندما قال من شابهت أمها فما ظلمت؟
- إنه يلعب دور الطبيب النفسي فلا تعيريه إي انتباه. ومع ذلك فهو لا يعرف تقريبا شيئا عني.
- إن لدي كلايتون القدرة علي تقدير الناس. وربما رأى فيك شيئا لم أسمح لنفسي بأن أراه يا ابنتي.
صاحت داميتا وهي تفتعل ابتسامة:
- ما هذا الهراء! لا تحاولي تقليده. إن الإنسان لا يستطيع أن يعيش الحياة البراقة والمتحفزة والواعدة التي تعيشينها. وإنما يجب علي أمثالي أن يحققوا التوازن بين الأمور.
- ألا ترين أنك ذكية ومثيرة وواعدة؟
قهقهت الشابة:
- طبعا لا... أنت زهرة العائلة.
- فهمت... هل هذا رأيك في؟
- هكذا يراك العالم أجمع يا لولا.. أنت جميلة جدا ودافقة العاطفة وذكية ثم أنت فاتنة مثل هيلين حسناء طروادة، المرأة الفتاكة في الأساطير القديمة.
- إن هيلين طروادة ليست سوى فتاة طائشة وكنت أتمنى أن أكون في رأيك أقوي منها.
انخفض صوت لولا إلي درجة أزعجت داميتا.
- ولكنك فعلا أقوى منها. ومع ذلك لم أكن أريد أن أجرحك بهذا الحكم، بل العكس صحيح.
- أنت لم تجرحيني .
كل ما هناك أنك بالغت في الوصف. علي كل فقد أثرت لدي ما يستحق التأمل.
قال كلايتون:
- أرجو أن تؤجلا عملية التحليل النفسي إلي وقت آخر! والأفضل عندما تأمنان من بيلستروب.
قالت لولا:
- القضية ستعرض علي القضاء في الأسبوع القادم وعندما انتهي من شهادتي سيصبح بيلستروب خارج دائرة تفكيري.
- وستصبحين في أمان.
- هذا ما يدعيه السادة في اسكتلنديا رد ، إن المنظمة الإجرامية ستنهار بدون بيلستروب.
- هذا أفضل، وعندها نستطيع أن ننسي هذا الموضوع ونعود إلي حياتنا الهادئة.
اعترضت لولا حيث كانت عيناها الثاقبتان تفحصان داميتا.
- لست واثقة من ذلك، أحيانا تقع أحداث تحولنا وتجعل من المستحيل العودة للماضي.
كانت داميتا تعاني عذابا شديدا يخنق قلبها ولكنها حاولت الاحتفاظ بوجهها خاليا من التعبير.
ضحكت ضحكة قصيرة وعصبية . ثم قالت:
- هل طرح الموضوع علي بساط البحث؟ أعلمي يا لولا أنه لم يحدث شئ بيني وبين كلايتون. كل ما فعلته هو أنني ذهبت إلي ذلك الرجل الفاتن عن قرب. ثم إنني وأنا في الثالثة والعشرين من عمري لم أعد طفلة. ولو عرف الناس أنني لم أعرف الحب في حياتي سيظنون أنني غير متحضرة. وهذا أيضا يمكن أن يكون رأي كلايتون.
- وما الذي يجعلك تقولين هذا؟
- أكرر لك أنني لست خبيرة في مسائل الغرام، ولا بد أن كلايتون أحس بخيبة الرجاء.
إن كل منا لا يناسب الآخر دون شك.
كان صوتها مليئا بالأسف، قالت لها لولا:
- إن روميو وجولييت لم يكونا مناسبين لبعضهما وهذا الاختلاف أحيانا لا يكون ذا أهمية.
- بل أنه مهم! ثم إننا لسنا روميو وجولييت. لقد رأي في نوعا من التحدي ورأيت فيه فرصة أن أجرب مدي استعدادي للحب.
- هذا مسلك ذكي ولكن الذكاء لم يكن ينقصك قط يا صغيرتي العزيزة. إن أغنيات الأميرات لا تصلح لك.
- فعلا ولكن من الأفضل أن نتحدث عنك، ماذا فعلت في هذا الدغل المنعزل عدا التأمل؟
- هيا..آه .. نعم .. هل تتصورين أنني تعلمت الطهي؟ لقد عثرت علي كتاب قديم أصفر الأوراق وانطلقت وبدأت السلطات وسأدخل حالا في الأطباق الرئيسية وإذا كنت ترغبين وطلبت مني بأدب ولباقة فسيكون لك شرف تذوق أول فطيرة جاتوه أصنعها هذا المساء.
انطلقتا في عاصفة من الضحك وقد بدا عليهما التآمر. لقد كان ضحكا يخفي عذابا دفيناً.
نهاية الفصل السادس
 
الوسوم
منتديات. شبكة. العربية. العامة
عودة
أعلى