سـحـاب

المنسي

الاعضاء
سـحـاب


لمّا تعالى هجير اليوم واشتعلاَ
مضى قطيعُ غُيُومٍ يصعد الجبلاَ ..
حتّى تجمّع في الأعلى ..
وعزّزهُ
من كلّ فَجٍّ
سحابٌ ظلّ متّصلا ..
لقد رأيتُ جبال الأرض يومئذ
تضيق تحت جبالٍ فوقها خجلاَ ..
وأظلَمَ الأفْقُ .. لكن شمسنا ثبتتْ ..
وحَرّها حرّ قلب قام مرتحلاَ ..
وأقبل الغيم من دون الفضاء .. فلم
يترك لعين فُضُولٍ فوقنا خللا ..
وأشرف البرق فوق الأفق مبتسمًا ..
فصدّه الرّعدُ صدّا يبعث الوجلا ..
تفتّحت تحت كفّ الرّيح عاصفة
تفتّلت فكأنّ العالم انفتلا ..
وداعبت نسمة بيضاء باردة
كلّ الوجوه بعطر يثمل الثّمِلاَ ..
فعانق الغد فينا الأمسِ ..
واجتمعتْ
هنا الدّهورُ ..
ولاقى السّرمدُ الأزَلاَ ..
وغاب تحت سحابٍ مطبقٍ جبلٌ
يباشر الغسْل ..
كي يستبدل الحُللا ..
وأرسل الغيث قطرا كي يبشّرنا ..
ما أكرم المرسِل الذّوّاق ..
والرّسُلاَ ..
قطرا غليظا ..
شديدا وقعه ..
ومضى يزدادُ ..
فاخترقته الرّيح ..
فانهملا ..
يقول لي الرّعد :" هذا الغيث أجمعه
لكلّ من أحسن الأخلاق والعملا ..
وكلّ من عمَرَ الدّنيا بمنفعة ..
ومن أحبّ حلال الكسب فاشتغلا "
فقلتُ : " لا ينبغي للمفسدين إذن
ولا لمن ظُنّ من إجرامه بطلا ..
ولا لمن بذأت ألفاظه فهذى ..
فخفّ عقلا ..
ولكن ظلّه ثقُلاَ ..
ولا لمن قتّل الأطفال من جشع .."
فقال ،
وانفجرت أعتى الصواعقِ : " لاَ " .
يا أيّها الرّعد لا تغضبْ لأسئلتي ..
فإنّما العلمُ مبذولٌ لمن جهلا ..
الماء يطردُ عن آمالنا ألمًا ..
ويملأُ المُرّ من آلامنا أملاَ ..
ما كان إلاّ سرور الحزن ..
مُفْتَعَلاً ..
فذا سرور السُّرورِ اشتدَّ..
منفعِلاَ ..
المزن كرّ ففرّ الحزن منخذلاَ ..
والغيم هلّ فذلّ الضّيمُ منتقلا ..
ظلّ السّحاب يضخّ الماء يضحكنا ..
لا يبتغي إذ رأى استبشارنا حِوَلاَ ..
ويملأ السّهل والوديان محتفيًا ..
وينثرُ الدّرّ والياقوت محتفِلاَ ..
حتّى إذا شكر الظّمآنُ ..
وانتعشت فينا الحياةُ ..
وأرضى المزن ما هطلا ..
مضى ..
فخلّف شخص الموتِ منـزعجًا ..
والشّرّ .. والخيرَ ..
غرقانًا ومنتشَلاَ ..
كأنّما قزحٌ ،
والشّمسُ ترسُمه ،
باب يقود إلى الفردوس من دخلا ..
لكلٍّ عين به لونٌ يؤانسها ..
لقد تجلّى فأرضى الكلّ إذ عَدَلاَ ..
وكلّ مرتفَع ألقى لمنخفض
بمائه كلّه
من غير ما سألا ..
إنّ الكريم رفيع ..
مشرفٌ ..
جبلٌ ..
وكالسّباخِ تعلّ الماءَ من بخلاَ ..
تبسّم الجبل العالي تهنّئه شمسٌ بصحّته
من بعد ما اغتسلا ..
سمعتُ كلّ طيور الكون شاديةً ..
أبدى بها الصّقرُ عطفا أمّن الحجلاَ ..
يا للسّحابِ ..أغار السّحْبَ موقعه ..
يا للأصيلِ أغارت شمسه الأُصُلاَ ..


 
الوسوم
سـحـاب
عودة
أعلى