{وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ}

المنسي

الاعضاء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تأمل في قوله تعالى:



{وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ}





هذه الآية كانت تشتدُّ على الخائفين من العارفين، فإنها تقتضي أنَّ من العباد من يبدو له عند لقاء الله ما لم يكن يحتسب، مثل: أن يكون غافلاً عما بين يديه معرضاً عنه، غير عامل ولا يحتسب له، فإذا كُشف الغطاء عاين تلك الأهوال الفظيعة، فبدا له ما لم يكن في حسابه.





ولهذا قال عمر رضي الله عنه : لو أن لي ملء الأرض ذهبـــــــاً لافتديت به من هــــــــــــول المطلع.




وفي الحديث: « لا تَمنّوا الموت فـــــــــــإن هول المطلع شــــــــديد، وإن من سعادة المرء أن يطــــــول عمره ويرزقه الله الإنابــــــــة ».




وقال بعض حكماء السلف:كم من موقف خزي يوم القيامة لم يخطر على بالك قط.






ونظير هذا قوله تعالى: {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ}
ويشتمل على ما هو أعم من ذلك وهو أن يكون له أعمال يرجو بها الخير فتصير هباء منثوراً وتبدل سيئات.




وقد قال تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا}.




قال الفضيل في هذه الآية: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ}




قال: عملوا أعمالاً وحسبوا أنها حسنات فإذا هي سيئات.





وقريب من هذا أن يعمل الإنسان ذنباً يحتقره، ويستهون به فيكون هو سبب هلاكه، كما قال تعالى: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ}





وقال بعض الصحابة:إنكم تعملون أعمالاً هي أدقُّ في أعينكم من الشعر، كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات.







وأصعب من هذا من زُيّن له سوء عمله فرآه حسناً قال تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا . الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}
قال ابن عيينه: لما حضرت محمد بن المنكدر الوفاة جزع فدَعوا له أبا حازم فجــــاء، فقال له ابن المنكدر:
إن الله يقول: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} فأخاف أن يبدو لي من الله ما لم أكن أحتسب.
فجعلا يبكيان جميعاً.
فقال له أهله:دعوناك لتخفف عليه فزدته فأخبرهم بما قال.
وكان سفيان الثوري يقول عند هذه الآية: ويـــــــــــــلٌ لأهل
الر ياء من هــــــــــــــــــــــــ ـذه الآية.
وهذا كما في حديث الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار؛ العالم والمتصدق والمجاهد.







وكذلك من عمل أعمالاً صالحة وكانت عليه مظالم فهو يظنُّ أنَّ أعماله تنجيه فيبدو له من الله ما لم يكن يحتسب، فيقتسم الغرماء أعماله كلها ثم يفضل لهم فضل فيطرح من سيئاتهم عليه ثم يطرح في النار.
وقد يُناقش الحساب فيُطلب منه شكر النعم، فأصغرها تستوعب أعماله كلها، وتبقى بقية النعم، فيطالب شكرها فيعذَّب، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: « من نوقش الحساب عُذِّب أو هلك ».
وقــــــــــد يكون له سيئات تحبط بعض أعمــــــــــاله سوى التوحيد فيدخــــــــــــــــل النار.






وفي سنن ابن ماجة : « إن من أمتي من يجيء بأعمال أمثال الجبال فيجعلها الله هباء منثوراً ».
وفيه: « هم قومٌ من جلدتكم ويتكلمون بألسنتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ».




وفي حديث سالم مولى أبي حذيفة مرفوعاً: « ليجئ يوم القيامة أقوام معهم من الحسنات مثل جبال تهامة، حتى إذا جئ بهم جعل الله أعمالهم هباءً ثم أكبهم في النار ».
قال سالم: خشيت أن أكون منهم.





قال: « أما إنَّهم كانوا يصومون ويصلون ويأخذون هنيهة من الليل، لعلهم كانوا إذا عرض لهم شيء من الحرام أخذوه، فأدحض الله أعمالهم ».




وقد يحبط العمل بــــ آفة من رياء خفيٍّ وعُجْب به ونحو ذلك ولا يشعر به صاحبه.




قال ضيغم العابد: إن لم تأت الآخرةُ المؤمنَ بالسرور، لقد اجتمع عليه همان، هم الدنيا وشقاء الآخرة.
فقيل له: كيف لا تأتيه الآخرة بالسرور هو يتعب في دار الدنيا ويدأب؟




قال: كيف بالقبول، كيف بالسلامة؟
كم من رجل يرى أنه قد أصلح همته يُجمع ذلك كله يوم القيامة ثم يضرب به وجهه.






ومن هنا كان عامر بن عبـــــــــــتد قيس وغيره يقلقون من هـــــــــذه الآية: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}





قال ابن عون: لا تثق بكثرة العمل، فإنك لا تدري أيقبل منك أم لا، ولا تأمن ذنوبك فإنك لا تدري هل كُفِّرت عنك أم لا؟ لأن عملك مُغيَّب عنك كله لا تدري ما الله صانع به.




وبكى النخعي عند الموت وقال: انتظرُ رسول ربي ما أدري أيُبشرني بالجنة أم بالنار؟


 

تابع
وجزع غيره عند الموت، فقيل له: لم تجزع؟
قال: إنما هي ساعة ولا أدري أين يُسلك بي؟





وجزع بعض الصحابة عند موته، فسئل عن حاله فقال: إن الله قبض خلقه قبضتين قبضة للجنة، وقبضة للنار، ولست أدري في أي القبضتين أنا؟






ومن تأمل هذا حق التأمل أوجب له القلق.
فإنَّ ابن آدم متعرض، لأهوال عظيمة من الموت وأهوال القبر والبرزخ وأهوال الموقف، والصراط والميزان.
وأعظم من ذلك والوقوف بين يدي الله عز وجل ودخول النار، ويخشى على نفسه الخلود فيها بأن يُسلب إيمانه عند الموت، ولم يامن المؤمن شيئا من هذه الأمور {فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}
 
الوسوم
اللَّهِ لَمْ لَهُمْ مَا مِنَ وَبَدَا يَحْتَسِبُونَ يَكُونُوا
عودة
أعلى