~رحمـــة الله التي وسعت كل شيء ..~

المنسي

الاعضاء
~رحمـــة الله التي وسعت كل شيء ..~

إذا انتبهت إلى الأسماء الحسنى تجد أنّ اسم اللـه الرحمـن الرحيـم يسبق كل الأسماء و يحتل المركز الأوّل، أتعلم لما ؟ لأنه يصف صفة في الله تجعل عطاءه لكل عباده من بداية الخلق إلى نهايته دون تميز ، نعم هي ذاتها صفة الرحمة التي يحسن بها الله على كل مخلوقاته فيصلحهم و يفرحهم فهوالقائل : " و رحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون "
أي أنّ رحمته وجبت لجميع عباده من مسلمين و غير مسلمين و بالتالي سبقت غضبه عليهم فجعل عفوه قبل انتقامه
أجل أعيدها و أكررها لا تتعجب و لا تستغرب كون الله قد أهدى رحمة لجميع عباده مسلمين و غير مسلمين ، و لكن أتراه لما قد يفعل هذا ؟ أليس لأنه يريد أن يسعد و يفرح الجميع
كيف لا و قد افتتح الكون برحمته و يقول النبي صلى الله عليه و سلم {إنّ الله خلق يوم خلق السماوات و الأرض مائة رحمة ، كل رحمة كطباق ما بين السماء و الأرض أنزل منها إلى الأرض رحمة واحدة فيها يتراحم الخلائق }
استمعن في هذا الحديث و تخيّل معي .. رحمة واحدة فقط أنزلها الله إلى الأرض و كل مخلوقاته من إنس و جن و دواب يعيشون تحتها فجعلتهم يتراحمون فيما بينهم حتى و إن تباينت أصنافهم و أجناسهم و ديانتهم و مجتمعاتهم فكيف ستكون حالتنا إذن و نحن تحت ظل مائة رحمة و شتـــــان ثم شتــــان بين رحمة و مائة رحمة
يا الله أنا عن نفسي لا أستطيع الاستوعاب ...رحمة واحدة وسعت كل الخلائق فما بالك ب 100 رحمة
فهاته الرحمة سيجمعها الله يوم القيامة بضم رحمة الدنيا ب 99 رحمة فيبسطها على خلقه ، فيومها لا يهلك إلاّ هالك فحتى ابليس سيتطاول أن تدركه رحمة الله عزوجل
أتعلم أن كلمة رحمة هي أول كلمة سمعها سيدنا آدم عليه السلام من ربه ؟ نعم لما خلق الله سيدنا آدم جعل دخول الروح من رأسه فلمّا دخلت عطس آدم فقالت له الملائكة " يا أدم قل الحمد لله " فقال الحمد لله فقال له الله " يرحمك ربك " ، يا لعظمة هاته الكلمة التي لا يتجاوز تعداد أحرفها الأربع كأنها تسابق كل الكلمات و تحاول الفرار منها لإنتزاع لقب أول كلمة يقولها الله لعبده آدم .. أجد أنّ لها كل الحق في ذلك.. كيف لا و هي منطوقة من عند اللــــــه لإجتياز سمع سيدنـــا أدم عليه السلام
يالله كم هي جميلة و رقيقة هاته الكلمة التي كونت أجمل جملة في الوجود { يرحمــــــك ربــــك } يالله هل وصلك معناها الأن ؟
حتى و ان لم يصلك المعنى أنظر إلى نفسك و ستتحقق من الرحمة التي أنت فيها ، ألست مسلم و نبيّك و شفيعك محمد صلى الله عليه و سلم فكونه نبيّك فقط أنت في رحمة فكيف و به سيكون شفيعك و هو من قال عن الله تعالى أنه رحمة في قوله " و ما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين "
أتدري الأن أنك بين رحمتين رحمة وجود الله و رحمة وجود النبي صلى الله عليه و سلم ، هل أحسست الأن بحجم النعمة التي أنت فيها ؟
أنظر فقط في كتاب الله عزوجل القرآن الكريم و أنت سترى بأم عينيك تجليات اسم الله الرحمن الرحيم ، أليست كل سور القرآن تسبقها بسملة ؟ نعم البسملة التي هي أيضا تحمل تحت جوانحها رحمـــة الله فهنا أيضا تجلت رحمته و مثلما افتتح الكون بالرحمة افتتح سور القرآن أيضا ببسم الله الرحمن الرحيم ، وليس سور القرآن فقط فحتى عندما نأكل و نشرب و في كل أعمالنا نبدأ ببسم الله الرحمن الرحيم ، فحتى الجنـــــة لن ندخلها بأعمالنا و إنّما برحمة الله و يقول النبي صلى الله عليه و سلم في ذلك :"ليس منكم من يدخل الجنة بعمله "قالو : و لا أنت يارسول الله ؟ قال : " و لا أنا إلاّ أن يتغمدني الله برحمته " ياللعجب فحتى الجنة لن ندخلها إلا برحمة الله كيف لا و الجنة تعتبر رحمة في حد ذاتها فهي التي قالعنها الله عزوجل: { و أما الذين ابيضت وجوههم فهم في رحمة الله هم فيها خالدون }، أي قصد بذلك أهل الجنة الذين أعد لهم ما لا عين رأت و لا خطر على قلب بشر لسبب واحد و هو أنه يريد أن يسعدك بالجنة حتى و ان تعثرت حياتك في الدنيا و يقول النبي صلى الله عليه و سلم في ذلك " الدنيــــا سجن المؤمــــن و جنــــة الكـــافر " و لما سمع أحد الكفرة هذا القول سأل الإمام الرازي عن ذلك فقال له : كيف يقول رسولكم أن الدنيا سجن المؤمن و جنة الكافر و إني أراك في أبهى الثياب و أحسن الأحوال أما أنا فأجد نفسي في أرث الثياب و أسوء الأحوال ، فأجابه الإمام قائلا : { يا هذا إنّ ما أنا فيه إذا ما قيس بما أعده الله للمؤمن في الجنة من نعيم فأنا في سجن و إنّ أنت ما فيه من بلاء إذا ما قيس بما أعده الله للكافر من عذاب فأنت في جنة} ، فسكت الرجل قليلا و قال صدق رسولكم فأسلم
فمن هذا الحديث تعلم أيها العبد أنه مهما كثرت عليك الابتلاءات و المصائب ليس لأن الله لا يحبك و إنما لأنه يريد أن يصلحك و يتغمدك برحمته حتى يسعدك في الجنة
فحتى الموت إذا نظرت له من زاوية أخرى ستجد أنه هو أيضا رحمة ..نعم سيكون رحمة إذا أحسنت في اجتياز امتحانك الدنيوي و نلت النقاط التي قد تمكنك من تحصيل مقعد بالجنة و يقول النبي صلى الله عليه و سلم في ذلك : " أول ما يأتي العبد الموت يأتيه ملائكة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس فيجلسون منه مدّ البصر يبشرونه ، ثم يأتي ملك الموت فيجلس عند رأسه و يقول له يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي و ادخلي جنتي "
تخيل إذن الفرحة التي قد تكون فيها إذا كنت من بين هؤلاء الناس الذين تحفهم الملائكة ، أتريد أن تكون منهم ؟ أتريد أن تقول لك الملائكة { فلان ابن فلان أخرج إلى رضا من الله و رضوان و رب راض غير غضبان أخرجي إلى رحمة الله }
 
أتريد حقا أن تقول لك الملائكة هذا الكلام ؟ كلنا نريد هذا طبعا و لكن ليس المهم أن نريد بالقدر الذي يهم أن ننجز ما يريده الله منا لعلنا ’نوفق في تحصيل هذا المراد
تخيل معي عند خروج روحك ..تصعد بها الملائكة إلى السماء فتفتح لك أبواب السماء فيشيّعك من كل سماء مقربوها فتقول بقية الملائكة روح من هذه ؟ فيقولون روح فلان ابن فلان و ينادوك بأطيب أسمائك التي كنت تسمى بها في الدنيا ثمّ يصعدون بك فيقول الله لهم اكتبوا كتاب عبدي في عليّن ، أ أدركت الأن رحمة ربك بك يبشرك بموضعك في الجنة و ما أنت فيه من نعيم قبل أن ’تشيّع جنازتك في الأرض و يستقبلك مثواك الأخير ألا و هو القبر و من رحمة الله أيضا بك أنه عندما تنزل إلى القبر يأتيك رجل في قبرك حسن الوجه حسن الثياب فتقول له من أنت فوجهك الوجه الذي يأتي بالخير ، فيقول لك أنا عملك الصالح ، فيقول العبد ربي أقم الساعة لعلي أرجع إلى أهلي و والدي فأخبرهم بنعمتك عليّ ... فأليس الموت على هاته الحالة نعمـة علينا و رحمة ؟
فحتى النسيان الذي يعتبر رحمة من رحمات الله ترانا دائمي التذمر منه بأحجية أنه غالبا ما يوقعنا في مواقف محرجة من نسيان بعض الناس أو أسمائهم أو كذا نسيان بعض الدروس أو المعلومات أو مواقع بعض الأشياء أو حتى نسيان بعض المواعيد و التفاصيل المهمة في حياتنا ، فبتنا نتصور أن النسيان شبح خطير جدا قد ألحق بنا أضرار وخيمة و انهزامات ذريعة ، و لكن في الحقيقة إذا نظرنا إلى النسيان من منظاره الحقيقي نكتشف أن النسيان من أجمل النعم التي أنعم الله بها علينا فجعلنا من خلاله ننسى معاناتنا و نتجاوز محننا و مصائبنا ، تخيّل لو أنّ النسيان مختزل في حياتنا فهل سنستطيع العيش بسلام و بعقل ،أنا بالنسبة لي أعتبر هذا الشيء قد يكون أكبر كارثة ، فأليس النسيان هو أيضا رحمة من رحمات الله ؟
و الأن وجه بصرك و بصيرتك إلى أدنى نقطة موجودة بالحضيض و إلى أعلى نقطة موجودة بالأفق ، ماذا تـرى ؟
على الأكيد الأرض و السماء ، و الأن تأمل في كل ما تراه بين الأرض و السماء
تمعن في شكل الأرض أليست مسطحة و مستوية و كل الأجسام تستطيع التثبت بها بسبب الجاذبية الأرضية التي يتحكم فيها الرحمن الرحيم فيعمل على حمايتنا من التطاير في السماء ، تخيّل لو أن هاته الجاذبية ملكها أحد عباد الله أيتركنا نتحرك بسلام أم سيتحكم باتجهاتنا يمينا و شمالا
تمعن الأن في شكل الجبال و في علوّها التي تسمح باستقبال أكوام الثلوج و من ثمّ ذوبانها ببطيء أليست هاته رحمة من رحمات الله ؟
تمعن في طول و عرض البحار و المحيطات التي تحوي في أعماقها ثروات حيوانية و مادية بالإضافة إلى ما تساهم به في عملية التبخر ، تخيل لو أن غير الله يتحكم في هياجانها فهل سيتردد أو يتراجع في اغراق كل من لا يستهويه ؟
تمعن في كميات الأمطار التي تتهاطل أليست بمقدار فتخيّل لو أن هناك من يتحكم في سقوط المطر فكم من لتر سيصلنا إن لم أقل من قطرة ، و تخيّل أيضا أنّ المياه التي تتساقط ليست عذبة ووسخة أو تسقط و معها حجارة كبيرة فهل بإمكاننا أن نشربها ، و تخيل أيضا أن الهواء ’يرى و ’يمسك و ’يحجب أتعتقد أننا قد نجد ما نتنفسه ، أو من يسمح لنا بالتنفس بدون إذن ؟
أنظر فقط للخطايا و الذنوب التي نرتكبها تخيّل لو أن لها رائحة أو صوت أو لون فكيف سيصبح الكون ؟ ألن ’نصاب بالصمم أو بالاختناق ؟ ألن يصبح كل من يخطيء مكشوف للجميع ؟
تمعن أيضا في تقسيم الليل و النهار و في ترتيبهما .. تخيّل لو أن الليل قد يسبق النهار و يطول فألن يسبب ذلك اختلالا في توزيع اليوم ! ، تخيل لو أن الشمس تستبدل موضعها مع القمر و النجوم تستبدل موضعها مع الحجارة فألن تحدث الفوضى في الكون ! فأليس الرحمن الرحيم هو الذي غمرنا برحمته فرحمنا من كل هاته الإختلالات؟
تمعن الأن فيما تحتويه الأرض من مخلوقات ألا تجد رحمة بين كل هاته المخلوقات ، أنظر لرحمة الأم بأولادها كيف لا و قد جعل الله سبحانه و تعالى تكون الجنين في رحم الأم أليست هاته رحمة ؟، و انظر إلى الرحمة التي تتكون بين أفراد العائلة و الأهل ألم يسميها الله بصلة الرحم و قد اشتق لها اسما من اسمه و قال عنها : { أنا الرحمن و هي الرحمة اشتقت لها اسما من اسمي فمن وصلها وصلته و من قطعها قطعته }
وبامكانك أن تطلق العنان لمخيّلتك في اكتشاف رحمة الله بك ،و استبين ذلك في رد الله على البحر و الأرض و السماء في قوله هذا : ( ما من يوم إلا ويستأذن البحر ربه، يقول: يا رب ائذن لي أن أهلك ابن آدم فإنه أكل رزقك وعبد غيرك، وتقول الأرض: يا رب ائذن لي أن أبتلع ابن آدم فإنه أكل رزقك وعبد غيرك، وتقول السماوات: يا رب ائذن لي أن أطبق على ابن آدم فإنه أكل رزقك وعبد غيرك، فيقول لهم الله: دعوهم، لو خلقتموهم لرحمتموهم).
فهاته هي رحمة الله بنا و تكفينا رحمة الله بنا أننا عباده و بنو أمة حبيبه محمد صلى الله عليه و سلم فالحمد لله على ذلك حمدا كثيرا بعظمة رحمة الله علينا لأن الله قد يعطي الدنيا لمن يحب و من لا يحب و لكنه لن يعطي الدين إلاّ لمن يحب ، و إنّ الله قد يستضيف على أرضه من يحب و من لا يحب و لكنه لن يتفضل بجنته إلاّ من يحب لهذا إذا رأيت الناس يأنسون بالناس فاستئنس أنت بالله و إذا رأيت الناس يتودون إلى الملوك تودد أنت إلى الله و إذا رأيت الناس يجرون وراء الدنيا فاجري أنت وراء الجنة ، و إذا رأيت الناس يتوسلون الناس أن يرحموهــــــم توسل أنت اللـــــــه فالله وحده هو الرحمـــــــن الرحيــــــم و ما العبد إلاّ فقير معدوم و هو بدوره يعيش تحت رحمـــة الله

 
الوسوم
التي الله رحمـــة شيء كل وسعت
عودة
أعلى