الشِّعر التمثيلي في الأدب العربي

ايفےـلےـين

من الاعضاء المؤسسين
الشعر التمثيلي لم يعرفه العرب القدامى رغم تأصيله في ثقافات الأمم والشعوب البائدة .. فالمرسح فن لم تألفه الذائقة العربية إلا في القرن التاسع عشر عندما اقتحم أثيره أمير الشعراء أحمد شوقي فأثرى جنباته بسبع مسرحيات مِنْ أفضلها وأكثرها شهرة كليوباترا

فالمتأمل لمسرحية كليوباترا يجدها رواية شعرية استوحى أحداثها من تأريخ مصر .. وشخصية كليوباترا والتي تعود لأصول يونانية وُلدت عام 69 (ق . م) نازعها أخوها المُلك فهربت إلى سورية حيث أحبها يوليوس قيصر واستعاد لها العرش وبعد ذلك رافقته إلى روما .. بعد مقتل يوليوس رجعت إلى الإسكندرية وأخضعت أنطونيوس لحبها وهو قائد روما الكبير وزوج شقيقة أوكتاف زميله ، ولشدة ولعه وهيامه لكيلوباترا أهمل واجباته فأرسل مجلس الشيوخ أوكتاف لمحاربته .. تدور رحى معركة أكثيوم البحرية بين الرومانيين وبينما كانت كليو باترا تساعد أنطونيو بأسطولها انسحبت من القتال ، فترك أنطونيو المعركة بعد أن تأكد له الفوز ولحق بها مما جعله يخسر المعركة .. وهنا تتشابك الأحداث الخارجية فتذيع كليوباترا خبر موتها كذباً فينتحر أنطونيو .. وعندما رأت كليوباترا أن لامجال لإخضاع أوكتاف المنتصر لحبها انتحرت بدورها بتجرع سُما زعافا فكان مصرعها .. تلك هي مجمل أحداث
المسرحية والذي أبدع شوقي كعادته في صياغتها أدبياً .. فمن مميزات نص المسرحية نجد أن شوقي في لقاء كليوباترا وأنطونيو يسعى دوما للإرتقاء بمزايا كليوباترا على حساب التاريخ .. فاستطاع وببراعة متناهية أن يُخضع اللغة لمتطلبات الحوار .. ومن مميزات النص البراعة في تصوير أجواء البلاطات الإمبراطورية فنجده يُغدق في الوصف فمن ذلك قوله :

سماء القصور لها أذنان

وأرض القصور بعين ترى

ومن مميزات النص أيضاً تأزيم الواقع بحبكة درامية تبدو مُعقدة من ذلك ماجاء عندما ترك أنطونيو المعركة مأزوماً بالفشل

تركتهم لغد ؟ هذي مجازفة ٌ

غدٌ غيوبٌ وأسرارٌ وأقدار

من مميزات النص إضفاء الإغراق بالمثاليات لشخوص النص .. فكليوباترا تبدو رفيعة الخُلق متسامحة متسامية لبقة جداً سياسية ماكرة نرجسية الهوى والفكر تشعر انعا سيدة كل شيء كما جاء على لسانها في النص :

دع الذود عن مصر لي إنني

أنا السيف والآخرون العصا

كانت كثيرة الإعتزا بجمالها تسأل الكاهن إذا كان الموت يُغيّر ملامح جمالها الصارخ وسحر عينياها الآلهتين .. أطنب شوقي في

الحديث عن حكمتها البارعة في الحديث ورواية الشعر .

ولم ينسَ شوقي في رسم شخصية تبدو تكاملية للقائد أنطونيو فهو القائد الذي يتميز بالإقدام والشجاعة في الحروب والضعف والتقهقر أمام الحُب .. يقول بعد أن ترك المعركة خاسراً :

لو كنتِ شاهدتي والحرب جارفة

والصف تحتي بعيد الصف ينهارُ

قد جُنَّ تحتي جرادي فهو عاصة

وجُنَّ نصلي بكفِّي فهو إعصار

هنالك مَنْ انتقد شوقي في عرضه لمسرحية كليوباترا ومِنْ ثم مصرعها .. لكن يبقى اليقين الثابت بأن مسرحية مصرع كليوباترا هي أفضل ما أعطى شوقي في الشعر المسرحي وله فضله الرائد في ذلك فهو بلغ إجادة لم يتجاوزها شاعرٌ آخر حتى اليوم وفتح الباب عبى مصرعيه للهمم والطاقات الشعرية لتطرق هذا الفن الراقي .
 
الوسوم
الأدب التمثيلي الشِّعر العربي في
عودة
أعلى