ارصفة الاحزان

عازفة الأمل

مشرفة, صفحة بيضا
ارصفة الحزن






ارصفة الاحزان





تقرر يوماً أن تتجاوز الحاجز الإسمنتي السميك الذي يفصلك عن العوالم الأخرى ..​


وتفكر أن تسكن في الجوار .. حيث الطبيعة أجمل، والحياة أسهل، والناس يبدون سعداء ..​


تنتقي زاوية مهجورة، وتبني لكَ بيتاً هناك ..​


يلمحونك قادماً، فيستبشرون ..​


سيزداد عدد سكانهم واحداً جديداً، ستقوى شوكتهم، وتضيء مدينتهم المعتمة بقنديل جديد ..​


في لحظات، تكتشف بأن العالم الجديد سيجرفك ..​


تتلاشى الحواجز، وتتبدى الحقائق .. فتتخذ قرار الرحيل ..​


يحاصرونك بأسلحة اللوم، ويملون عليك طريقة حياتك، لابد وأن تجري تعديلات كثيرة، لتغدو واحداً منهم .​


تخبرهم بأنك من عالم آخر .. لا يشبههم ..​


يضايقهم أنك لا تذعن بسهولة ..​


يطرقون بابك بلطف .. يهدون إليك معطفاً ثقيلاً، لكيلا يصيبك الزكام، في حربهم الباردة .. ويرحلون ..​


يمزقون قلبك بلا خناجر، بثلة كلمات عابرة، ينثرونها في طريقك، كمن يجيد زراعة الموت في روح الحياة ..​


يسقونها بمياه حياتهم الآسنة، فتفاجأ أنك تمشي في الوحل، تتعثر، تغوص قدماك أكثر ..!​


يدفنك الطين .. لتصحو على حقيقة العيش في عالم المومياءات ..​


يطوفون حولك ببرود .. يسألونك بسذاجة .. لم أنتَ مختلفٌ عنا ؟ لم لا تتغير ..​


يعتريك غضبٌ مفاجئ، يتمزقُ في أحشائك شيء مبهم، تدرك أنك قد تستسلم، إن بقيت محاصراً في المكان..​


يندلع في داخلك حريق كبير، وتنطلق صافرات الإنذار في كل خلاياك ..​


تقرر أنها ساعة الصفر ..​


تقوّس حاجبيك معلناً نهاية الاستسلام، تتفجر ملامحك غضباً ورعباً.. تنطلق كما الرمح .. وتبتعد هارباً بنفسك إلى ديارك الغافية تحت الأرض ..​


يحاصرونك من جديد ..​


يقرعون في أذنيك طبولاً بأنغام بشعة، يزرعون الشوك في حديقتك، يحطمون زجاج نوافذك، وينثرون شظايا الحزن في كل مكان ..​


يكتبون ذكرياتهم على أوراقك، يقيدون شمسك، ويحتلون زاويتك .. وبانتصار يبتسمون ..​


تتركهم يحتفلون على أنقاض حزنك، تتسلل .. تركض بعيداً، محاولاً تجاوزهم، تبذل قصارى جهدك لتصل إلى المكان الأبعد عن حدودهم، تتوقف لحظة، تجلس على الرصيف لتلتقط أنفاسك، يجلس قربك بعض عابرو السبيل، تتهيأ نفسك إلى أنك قد وجدت رفقة جيدة، تحمد الله على أنك قد بلغت برّ الأمان، ووجدت القلوب التي تعبت تبحث عنها.. تتسع عيناك فجأة، لمرأى بقايا الطين على أحذيتهم ..​


تدركُ وقتها أنهم قد أتوا من هناك، من ذات المكان الذي فررت منه .. ليطرحوا ذات السؤال المقيت ..​


- ألن تملّ من كونك أنت ؟ متى تتغير .. وتصبح نحن !​


 
الوسوم
ارصفة الاحزان
عودة
أعلى