ايفےـلےـين
من الاعضاء المؤسسين
القــراءات والقــراء ) القرآت السبع
القراءات : جمع قراءة وهي مصدر لفعل : ( قرأ )
وفي الاصطلاح : ( مذهب يذهب إليه إمام من أئمة القراء مخالفاً به غيره في النطق بالقرآن الكريم ، مع اتفاق الروايات والطرق عنه ، سواء أكانت هذه المخالفة في نطق الحروف أم في نطق هيئاتها )
وقال البناء رحمه الله : ( هو علم بكيفية أداء كلمات القرآن واختلافها معزواً لناقله ).
وبعبارة اخرى : فالقراءات مذهب من مذاهب النطق في القرآن يذهب به إمام من الأئمة القراء مذهباً يخالف غيره ، وعلى سبيل المثال : النطق بالحروف من تخفيف وتشديد وتشكيل وإمالة وغيرها . . .
ثم يذكر البناء متابعاً : ( أنها مستمدة من السنة والإجماع ) .
ومثل هذه التعاريف وغيرها فإنها تعرف لنا القراءة من حيث نسبتها للإمام المقرئ الذي هو عالم بالقراءات ، والذي رواها مشافهة بالتلقي عن أهلها إلى أن يبلغ النبي r . لأن الأصل في القراءة هو النقل بالإسناد المتواتر إلى النبي r .
والمصحف الإمام يحتمل النطق بكل القراءات إلا ما كان منها بزيادة حروف ، فقد تكون ثابتة في بعض المصاحف العثمانية دون بعض .
ويرجع عهد القراء الذين أقاموا للناس على طرائقهم في التلاوة إلى عهد الصحابة رضي الله عنهم وكان أهم من اشتهر بإقراء القرآن منهم كما ذكر الإمام السيوطي هم : عثمان بن عفان ، وعلي بن أبي طالب ، وأبي بن كعب ، وزيد بن ثابت وابن مسعود وأبو الدرداء ، وأبو موسى الأشعري . وقد قرأ على أبيّ جماعة من الصحابة منهم أبو هريرة وابن عباس وعبد الله بن السائب وأخذ عن هؤلاء الصحابة كثير من التابعين في كل مصر من الأمصار .
فكان بالمدينة المنورة على سبيل المثال سعيد بن المسيب وغيره .
وبمكة : مجاهد وعكرمة وغيرهما .
وبالكوفة : علقمة والنخعي والشعبي وغيرهم .
وبالبصرة : الحسن وابن سيرين وقتادة وغيرهم .
وبالشام : المغيرة بن أبي شهاب المخزومي صاحب عثمان وغيره . . .
وفي عهد التابعين على رأس المائة الأولى من الهجرة تجرد قوم واعتنوا بضبط القراءة عناية تامة ، حين دعت الحاجة إلى ذلك وجعلوها علماً كما فعلوا بعلوم الشريعة وصاروا أئمة يقتدى بهم ويرحل إليهم ، واشتهر منهم ومن الطبقة التي تلتهم الأئمة السبعة الذين تنسب إليهم القراءات إلى اليوم .
ولقد مرَّ معنا فيما مضى أن الأحرف السبعة التي أنزل عليها القرآن لايمكن أن يراد بها القراءات السبع المشهورة ، وعللنا ذلك في موضعه ، ولكن هذا الإيهام الذي وصل إلى الأذهان يقع لومه على عاتق الإمام الكبير أبي بكر أحمد بن موسى بن العباس المشهور ( بابن مجاهد ) الذي كان شيخ القراء في بغداد في زمانه ، حيث قام على رأس القرن الثالث للهجرة في بغداد فجمع سبع قراءات لسبعة من أئمة الحرمين والعراقين والشام الذين اشتهروا بالثقة والأمانة والضبط وملازمة القراءة ، وعلى جناح السرعة تبادر للناس مباشرة بأن القراءات هي سبعة فقط ، وبما أنها سبعة فإنها هي الحرف السبعة نفسها ، علماً بأن القراءات هي أربع عشرة قراءة ، ولكن التي حظيت بالشهرة ونباهة الشأن هي القراءات السبع المنسوبة إلى الأئمة السبعة المعروفين ، ولقد كان اقتصار الإمام ابن مجاهد على هؤلاء السبعة مصادفة واتفاقاً ، من غير قصد ولا عمد ، إذ كان في أئمة القراء من هم أجل منهم قدراً ، ولكنه أخذ على نفسه ألا يروي إلا عمن اشتهر بالضبط والأمانة وطول العمر في ملازمة القراءة واتفاق الاراء على الأخذ عنه والتلقي منه . فلم يتم له ما أراده هذا إلا عن هؤلاء السبعة وحدهم ، علماً بأن القراء كانوا لا يحصون عدداً لكثرتهم .
وهذا الذي جعل الإمام أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي يلوم ابن مجاهد ويقسو عليه في تعبيره حيث يقول : ( لقد فعل مسبع هذه السبعة ما لا ينبغي له ، واشكل الأمر على العامة بإيهامه كل من قل نظره أن هذه القراءات هي المذكورة في الخبر ، وليته إذ اقتصر نقص عن الســـــبعة أو زاد ليزيل الشبهة ! ).
( أنــــواع القـــراءات )
وهذا العنوان يعني تقسيم القراءات حسب درجاتها ، ولكن قبل توضيح ذلك لا بد أن نذكر ما أورده الإمام السيوطي رحمه الله تعالى في ضابط القراءة المقبولة وتعريفها ، وهذا يحتاج إلى عنوان جانبي .
ضابط القراءة المقبولة :
لقد ضبط علماء القراءات القراءة المقبولة بقاعدة مشهورة متفق عليها بينهم ، وهي :
1- ( كل قراءة صح سندها إلى رســول الله r .
2- واستقام وجهها في العربية ، ( ولو بوجه ) .
3- ووافقت خط المصحف الإمام ، أو وافقت أحد المصاحف العثمانية ولو تقديراً ) .
فلا يجوز ردها بل هي قرآن منزل تصح الصلاة به ، ويستوي في ذلك ما ورد عن السبعة أو عن بقية العشرة أو عن غيرهم من الثقات .
ومتى اختل شرط من هذه الشروط الثلاثة فهي من الشاذ ، يعني لا يصح القراءة بها في الصلاة .
هذا ما حققه الأئمة سلفاً وخلفاً .
وإليك تفصيل لأنواع القراءات :
1ً- القراءة المتواترة :
وهي : ما نقله جمع لا يتواطأ على الكذب عن جمع مثلهم إلى منتهى المســـند ، ومثالها ما حققه الســـبعة واتفقوا عليه ومنه قوله تعــالى : { ســـواء عليهم أأنذرتهم } فكلهم يحقق الهمـزة الأولى ، أما الهمزة الثانية فقالون و ابوعمرو يسهلانها ويدخلان بينها ألفاً .
وكذلك قوله تعالى : { يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم } . فقد اتفق السبعة على فتح الياء في { نعمتيَ } وهي قراءة الجمهور .
2ً- القراءة المشهورة :
وهي ما صح سندها بأن رواها العدل الضابط عن مثله ووافقت العربية ووافقت أحد المصاحف العثمانية سواء أكان عن الأئمة السبع أم العشرة أم غيرهم عند القراء فلم يعدّوه من الغلط ولا من الشذوذ إلا أنها لم تبلغ درجة المتواتر ، ومثالها : ما اختلفت الطرق في نقله عن السبعة فرواه بعض الرواة عنهم دون بعض . ومنه قوله تعالى : { وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً } ، ففي قوله تعالى : { نخرج } ثلاث قراءات بالياء والنون :
1- فأبو جعفر قرأها بالياء المثناة من تحت مضمومة وفتح الراء مبنياً للمفعول ونائب الفاعل ضمير الطائر . { يُخرَج } .
2- وقرأ يعقوب بفتح الياء وضم الراء مضارع خرج ووافقه ابن محيصن و الحسن والفاعل ضمير الطائر أيضاً . { يَخرُج } .
3- والباقون بنون العظمة وكسر الراء واتفقوا على نصب { كتاباً } على المفعول به الأخيرة وعلى الحال في السابقتين . { نُخرِج } .
وفي قوله تعالى : { يلقاه } قراءتان :
1- فابن عامر وأبو جعفر بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف مضارع لَقَى بالتشديد . { يُلَقَّاهُ } .
2- والباقون بالفتح والسكون والتخفيف مضارع لَقِيَ ، { يَلْقَاه } ومن هذه القراءات نرى احتمال رسم المصحف لها وموافقة العربية مع صحة السند . وهذه القراءات المشهورة تأخذ حكم المتواتر في وجوب قبولها والعمل بمقتضاها والتعبد بها مادامت صحيحة السند بأن رواها العدل الضابط عن مثله ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولم يعترض عليها قارئ .
3ً- القراءة الآحادية :
وهي ما صح سندها وخالفت الرسم أو العربية أو لم تشتهر الاشتهار المذكور وهذا النوع لا يقرأ به ولا يجب اعتقاده . ومن ذلك قوله تعالى : { لقد جاءكم رسول من أنفَسكم } بفتح الفاء { أنْفَسكم } . وكذلك قوله تعالى : { على رفرف خضر وعبقري حسان } رويت : { على رفارف خضر وعباقري حسان } . ومع ذلك فإنه لا يتعبد بمثل هذه القراءات .
4ً- القراءةالشاذة :
وهي ما لم يصح سندها ، ولو وافقت رسم المصحف والعربية ، كقراءة ابن السَّميقع : { فاليوم ننحيك ببدنك } بالحاء المهملة { لتكون لمن خَلَفك آية } بفتح اللام من كلمة { خَلَفك } .
5ً- القراءة التفسيرية :
وهي ما زيد في القراءة على وجه التفسير كما مرَّ في الأحرف السبعة . وهي المدرجة لأنها تشبه المدرج من أنواع الحديث ومثالها ما روي من قراءة سعد بن أبي وقاص قوله تعالى : { وله أخ أو أخت من أم } بزيادة لفظ { من أم } للتفسير .
وكذلك ما روي من قراءة ابن عباس قوله تعالى : { ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم في موسم الحج } بزيادة لفظ { في موسم الحج } للتفسير .
وهاتان القراءتان للتفسير وفيهما زيادتان على النص لا وجود لهما في المصحف العثماني .
وهذا نوع كذلك لا يجوز اعتقاده ولا يتعبد بتلاوته ، وسنرى أن له بعض الفائدة في معاني الآية
والاســـتدلال بها ، واختلاف الآراء الفقهيـة بصددها وربما اعـتبرها البعـض قراءات منســـوخة فـلا
يتعبد بها .
6ً- القراءة الموضوعة :
وهي القـراءة المختـلقة المكذوبة التي لا أصل لها . وهذه الأنواع الثلاثة الأخيرة لا تحل القراءة بها ، وبالأحرى إذا كانت قراءة الآحاد لا تجوز القراءة بها ، ويعاقب من قرأ بها ، فكيف بالشاذة التي لم يصح سندها أوالتفسيرية !؟ فمن باب أولى الموضوعة التي لا أساس لها أصلاً . ونسبت إلى قائلها من غير أصل ، ومثال ذلك القراءات التي جمعها محمد بن جعفر الخزاعي ونسبها إلى أبي حنيفة رضي الله عنه كقراءة : { إنما يخشى الله من عباده العلماء } برفع اسم الجلالة ونصب العلماء .
القراءات المتواترة وقراؤها
من الضـروري والطبيعي أن يشـتهر في كل عصر جماعة من القراء ، في كل طبقة من طبقات الأمة ، يتفوقون في حفظ القرآن الكريم واتقان ضبط أدائه ، والتصدي والتفرغ لتعليمه ، من عصر الصحابة ، ثم التابعين ، وأتباعهم وهكذا ، وكان من القراء من بلغ الذروة في الاتقان والضبط ، كما كان ثمة قراءة دونهم ، وآخرون ليسوا من أهل الاتقان ، فقام العلماء بتمحيص هذه القراءات ودراسة أحوالها ، وبينوا للناس المتواتر منها .
واعتباراً من عصر التابعين انتشرت القراءات كثيراً فشعرت طائفة من أهل العلم بضرورة الأحتياط للقرآن الكريم وقراءاته ، فنهض كل إمام بضبط القراءة عن الأئمة المقرئين وهكذا في العصور التالية ، ثم أودعت تلك القراءات في مؤلفات خاصة ، كما فعله أبو عبيدة ثم الطبري ومن جاء بعد . .
ثم يقول الدكتور نور الدين عتر نقلاً عن الإمام ابن الجزري في كتابه : ( النشر في القراءات العشر ) . ( ثم تجرد قوم للقراءة والأخذ ، واعتنوا بضبط القراءة أتم عناية حتى صاروا في ذلك أئمة يقتدى بهم ويرحل إليهم ، ويؤخذ عنهم ، أجمع أهل بلدهم على تلقي قراءتهم بالقبول ، ولم يختلف فيها اثنان ، ولتصّديهم للقراءة نسبت إليهم .
ثم اعلم أن التحقيق الذي يؤيده الدليل ، هو أن القراءات العشر كلهامتواترة ، وهو رأي المحققين من الأصوليين والقراء كابن السبكي وابن الجزري والنوبري وغيرهم وعلى هذا فالقراءات العشر بين أيدينا اليوم متواترة دون غيرها ، قال الإمام ابن الجزري رحمه الله تعالى ما يفيد : أن الذي جمع في زمنا هذه الأركان الثلاثة : ( أي في ذلك الضابط المشهور مع ملاحظة إ بدال شرط صحة الإسناد بتواتره ) هو قراءة الأئمة العشرة التي اجمع الناس على تلقيها بالقبول . أخذها الخلف عن السلف إلى أن وصلت إلى زماننا ، فقراءة احدهم كقراءة الباقين في كونها مقطوعاً بها .
أما قول من قال : إن القراءات المتواترة لا حد لها فإن أداء القراءات المعروفة في زماننا فغير صحيح ، لأنه لا يوجد اليوم قراءة متواترة وراء القراءات العشر . وإن أراد ما يشمل قراءات الصدر الأول فمحتمل والله تعالى أعلم .حكم ما وراء العشر :
لقد وقع الخلاف في القراءات الأربع التي تزيد على العشر وتكمل الأربع عشرة : فقيل بتواتر بعضها ، وقيل بصحتها ، وقيل بشذوذها ، إطلاقاً في الكل . وقيل : إن المسألة ليست مسألة أشخاص ولا أعداد ، بل هي قواعد ومبادئ ، فأيما قراءة تحققت فيها الأركان الثلاثة التي مرت معنا فهي مقبولة ، وإلا فهي مردودة . لا فرق حينئذ بين قراءات القراء السبع والقراء العشر والقراء الأربعة عشر وغيرهم ، فالميزان واحد في الكل والحق أحق أن يتبع .
القرّاء :
القراء : جمع قارئ وهو في اللغة اسم فاعل من قرأ . ويطلق في الاصطلاح على إمام من الأئمة المعروفين الذين تنسب إليهم القراءات السابقة ، ولنأخذ نبذة عنهم وعن أسمائهم مستفتحين أولاً بالسبعة ثم العشرة ثم الأربعة عشر .
القراءات : جمع قراءة وهي مصدر لفعل : ( قرأ )
وفي الاصطلاح : ( مذهب يذهب إليه إمام من أئمة القراء مخالفاً به غيره في النطق بالقرآن الكريم ، مع اتفاق الروايات والطرق عنه ، سواء أكانت هذه المخالفة في نطق الحروف أم في نطق هيئاتها )
وقال البناء رحمه الله : ( هو علم بكيفية أداء كلمات القرآن واختلافها معزواً لناقله ).
وبعبارة اخرى : فالقراءات مذهب من مذاهب النطق في القرآن يذهب به إمام من الأئمة القراء مذهباً يخالف غيره ، وعلى سبيل المثال : النطق بالحروف من تخفيف وتشديد وتشكيل وإمالة وغيرها . . .
ثم يذكر البناء متابعاً : ( أنها مستمدة من السنة والإجماع ) .
ومثل هذه التعاريف وغيرها فإنها تعرف لنا القراءة من حيث نسبتها للإمام المقرئ الذي هو عالم بالقراءات ، والذي رواها مشافهة بالتلقي عن أهلها إلى أن يبلغ النبي r . لأن الأصل في القراءة هو النقل بالإسناد المتواتر إلى النبي r .
والمصحف الإمام يحتمل النطق بكل القراءات إلا ما كان منها بزيادة حروف ، فقد تكون ثابتة في بعض المصاحف العثمانية دون بعض .
ويرجع عهد القراء الذين أقاموا للناس على طرائقهم في التلاوة إلى عهد الصحابة رضي الله عنهم وكان أهم من اشتهر بإقراء القرآن منهم كما ذكر الإمام السيوطي هم : عثمان بن عفان ، وعلي بن أبي طالب ، وأبي بن كعب ، وزيد بن ثابت وابن مسعود وأبو الدرداء ، وأبو موسى الأشعري . وقد قرأ على أبيّ جماعة من الصحابة منهم أبو هريرة وابن عباس وعبد الله بن السائب وأخذ عن هؤلاء الصحابة كثير من التابعين في كل مصر من الأمصار .
فكان بالمدينة المنورة على سبيل المثال سعيد بن المسيب وغيره .
وبمكة : مجاهد وعكرمة وغيرهما .
وبالكوفة : علقمة والنخعي والشعبي وغيرهم .
وبالبصرة : الحسن وابن سيرين وقتادة وغيرهم .
وبالشام : المغيرة بن أبي شهاب المخزومي صاحب عثمان وغيره . . .
وفي عهد التابعين على رأس المائة الأولى من الهجرة تجرد قوم واعتنوا بضبط القراءة عناية تامة ، حين دعت الحاجة إلى ذلك وجعلوها علماً كما فعلوا بعلوم الشريعة وصاروا أئمة يقتدى بهم ويرحل إليهم ، واشتهر منهم ومن الطبقة التي تلتهم الأئمة السبعة الذين تنسب إليهم القراءات إلى اليوم .
ولقد مرَّ معنا فيما مضى أن الأحرف السبعة التي أنزل عليها القرآن لايمكن أن يراد بها القراءات السبع المشهورة ، وعللنا ذلك في موضعه ، ولكن هذا الإيهام الذي وصل إلى الأذهان يقع لومه على عاتق الإمام الكبير أبي بكر أحمد بن موسى بن العباس المشهور ( بابن مجاهد ) الذي كان شيخ القراء في بغداد في زمانه ، حيث قام على رأس القرن الثالث للهجرة في بغداد فجمع سبع قراءات لسبعة من أئمة الحرمين والعراقين والشام الذين اشتهروا بالثقة والأمانة والضبط وملازمة القراءة ، وعلى جناح السرعة تبادر للناس مباشرة بأن القراءات هي سبعة فقط ، وبما أنها سبعة فإنها هي الحرف السبعة نفسها ، علماً بأن القراءات هي أربع عشرة قراءة ، ولكن التي حظيت بالشهرة ونباهة الشأن هي القراءات السبع المنسوبة إلى الأئمة السبعة المعروفين ، ولقد كان اقتصار الإمام ابن مجاهد على هؤلاء السبعة مصادفة واتفاقاً ، من غير قصد ولا عمد ، إذ كان في أئمة القراء من هم أجل منهم قدراً ، ولكنه أخذ على نفسه ألا يروي إلا عمن اشتهر بالضبط والأمانة وطول العمر في ملازمة القراءة واتفاق الاراء على الأخذ عنه والتلقي منه . فلم يتم له ما أراده هذا إلا عن هؤلاء السبعة وحدهم ، علماً بأن القراء كانوا لا يحصون عدداً لكثرتهم .
وهذا الذي جعل الإمام أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي يلوم ابن مجاهد ويقسو عليه في تعبيره حيث يقول : ( لقد فعل مسبع هذه السبعة ما لا ينبغي له ، واشكل الأمر على العامة بإيهامه كل من قل نظره أن هذه القراءات هي المذكورة في الخبر ، وليته إذ اقتصر نقص عن الســـــبعة أو زاد ليزيل الشبهة ! ).
( أنــــواع القـــراءات )
وهذا العنوان يعني تقسيم القراءات حسب درجاتها ، ولكن قبل توضيح ذلك لا بد أن نذكر ما أورده الإمام السيوطي رحمه الله تعالى في ضابط القراءة المقبولة وتعريفها ، وهذا يحتاج إلى عنوان جانبي .
ضابط القراءة المقبولة :
لقد ضبط علماء القراءات القراءة المقبولة بقاعدة مشهورة متفق عليها بينهم ، وهي :
1- ( كل قراءة صح سندها إلى رســول الله r .
2- واستقام وجهها في العربية ، ( ولو بوجه ) .
3- ووافقت خط المصحف الإمام ، أو وافقت أحد المصاحف العثمانية ولو تقديراً ) .
فلا يجوز ردها بل هي قرآن منزل تصح الصلاة به ، ويستوي في ذلك ما ورد عن السبعة أو عن بقية العشرة أو عن غيرهم من الثقات .
ومتى اختل شرط من هذه الشروط الثلاثة فهي من الشاذ ، يعني لا يصح القراءة بها في الصلاة .
هذا ما حققه الأئمة سلفاً وخلفاً .
وإليك تفصيل لأنواع القراءات :
1ً- القراءة المتواترة :
وهي : ما نقله جمع لا يتواطأ على الكذب عن جمع مثلهم إلى منتهى المســـند ، ومثالها ما حققه الســـبعة واتفقوا عليه ومنه قوله تعــالى : { ســـواء عليهم أأنذرتهم } فكلهم يحقق الهمـزة الأولى ، أما الهمزة الثانية فقالون و ابوعمرو يسهلانها ويدخلان بينها ألفاً .
وكذلك قوله تعالى : { يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم } . فقد اتفق السبعة على فتح الياء في { نعمتيَ } وهي قراءة الجمهور .
2ً- القراءة المشهورة :
وهي ما صح سندها بأن رواها العدل الضابط عن مثله ووافقت العربية ووافقت أحد المصاحف العثمانية سواء أكان عن الأئمة السبع أم العشرة أم غيرهم عند القراء فلم يعدّوه من الغلط ولا من الشذوذ إلا أنها لم تبلغ درجة المتواتر ، ومثالها : ما اختلفت الطرق في نقله عن السبعة فرواه بعض الرواة عنهم دون بعض . ومنه قوله تعالى : { وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً } ، ففي قوله تعالى : { نخرج } ثلاث قراءات بالياء والنون :
1- فأبو جعفر قرأها بالياء المثناة من تحت مضمومة وفتح الراء مبنياً للمفعول ونائب الفاعل ضمير الطائر . { يُخرَج } .
2- وقرأ يعقوب بفتح الياء وضم الراء مضارع خرج ووافقه ابن محيصن و الحسن والفاعل ضمير الطائر أيضاً . { يَخرُج } .
3- والباقون بنون العظمة وكسر الراء واتفقوا على نصب { كتاباً } على المفعول به الأخيرة وعلى الحال في السابقتين . { نُخرِج } .
وفي قوله تعالى : { يلقاه } قراءتان :
1- فابن عامر وأبو جعفر بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف مضارع لَقَى بالتشديد . { يُلَقَّاهُ } .
2- والباقون بالفتح والسكون والتخفيف مضارع لَقِيَ ، { يَلْقَاه } ومن هذه القراءات نرى احتمال رسم المصحف لها وموافقة العربية مع صحة السند . وهذه القراءات المشهورة تأخذ حكم المتواتر في وجوب قبولها والعمل بمقتضاها والتعبد بها مادامت صحيحة السند بأن رواها العدل الضابط عن مثله ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولم يعترض عليها قارئ .
3ً- القراءة الآحادية :
وهي ما صح سندها وخالفت الرسم أو العربية أو لم تشتهر الاشتهار المذكور وهذا النوع لا يقرأ به ولا يجب اعتقاده . ومن ذلك قوله تعالى : { لقد جاءكم رسول من أنفَسكم } بفتح الفاء { أنْفَسكم } . وكذلك قوله تعالى : { على رفرف خضر وعبقري حسان } رويت : { على رفارف خضر وعباقري حسان } . ومع ذلك فإنه لا يتعبد بمثل هذه القراءات .
4ً- القراءةالشاذة :
وهي ما لم يصح سندها ، ولو وافقت رسم المصحف والعربية ، كقراءة ابن السَّميقع : { فاليوم ننحيك ببدنك } بالحاء المهملة { لتكون لمن خَلَفك آية } بفتح اللام من كلمة { خَلَفك } .
5ً- القراءة التفسيرية :
وهي ما زيد في القراءة على وجه التفسير كما مرَّ في الأحرف السبعة . وهي المدرجة لأنها تشبه المدرج من أنواع الحديث ومثالها ما روي من قراءة سعد بن أبي وقاص قوله تعالى : { وله أخ أو أخت من أم } بزيادة لفظ { من أم } للتفسير .
وكذلك ما روي من قراءة ابن عباس قوله تعالى : { ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم في موسم الحج } بزيادة لفظ { في موسم الحج } للتفسير .
وهاتان القراءتان للتفسير وفيهما زيادتان على النص لا وجود لهما في المصحف العثماني .
وهذا نوع كذلك لا يجوز اعتقاده ولا يتعبد بتلاوته ، وسنرى أن له بعض الفائدة في معاني الآية
والاســـتدلال بها ، واختلاف الآراء الفقهيـة بصددها وربما اعـتبرها البعـض قراءات منســـوخة فـلا
يتعبد بها .
6ً- القراءة الموضوعة :
وهي القـراءة المختـلقة المكذوبة التي لا أصل لها . وهذه الأنواع الثلاثة الأخيرة لا تحل القراءة بها ، وبالأحرى إذا كانت قراءة الآحاد لا تجوز القراءة بها ، ويعاقب من قرأ بها ، فكيف بالشاذة التي لم يصح سندها أوالتفسيرية !؟ فمن باب أولى الموضوعة التي لا أساس لها أصلاً . ونسبت إلى قائلها من غير أصل ، ومثال ذلك القراءات التي جمعها محمد بن جعفر الخزاعي ونسبها إلى أبي حنيفة رضي الله عنه كقراءة : { إنما يخشى الله من عباده العلماء } برفع اسم الجلالة ونصب العلماء .
القراءات المتواترة وقراؤها
من الضـروري والطبيعي أن يشـتهر في كل عصر جماعة من القراء ، في كل طبقة من طبقات الأمة ، يتفوقون في حفظ القرآن الكريم واتقان ضبط أدائه ، والتصدي والتفرغ لتعليمه ، من عصر الصحابة ، ثم التابعين ، وأتباعهم وهكذا ، وكان من القراء من بلغ الذروة في الاتقان والضبط ، كما كان ثمة قراءة دونهم ، وآخرون ليسوا من أهل الاتقان ، فقام العلماء بتمحيص هذه القراءات ودراسة أحوالها ، وبينوا للناس المتواتر منها .
واعتباراً من عصر التابعين انتشرت القراءات كثيراً فشعرت طائفة من أهل العلم بضرورة الأحتياط للقرآن الكريم وقراءاته ، فنهض كل إمام بضبط القراءة عن الأئمة المقرئين وهكذا في العصور التالية ، ثم أودعت تلك القراءات في مؤلفات خاصة ، كما فعله أبو عبيدة ثم الطبري ومن جاء بعد . .
ثم يقول الدكتور نور الدين عتر نقلاً عن الإمام ابن الجزري في كتابه : ( النشر في القراءات العشر ) . ( ثم تجرد قوم للقراءة والأخذ ، واعتنوا بضبط القراءة أتم عناية حتى صاروا في ذلك أئمة يقتدى بهم ويرحل إليهم ، ويؤخذ عنهم ، أجمع أهل بلدهم على تلقي قراءتهم بالقبول ، ولم يختلف فيها اثنان ، ولتصّديهم للقراءة نسبت إليهم .
ثم اعلم أن التحقيق الذي يؤيده الدليل ، هو أن القراءات العشر كلهامتواترة ، وهو رأي المحققين من الأصوليين والقراء كابن السبكي وابن الجزري والنوبري وغيرهم وعلى هذا فالقراءات العشر بين أيدينا اليوم متواترة دون غيرها ، قال الإمام ابن الجزري رحمه الله تعالى ما يفيد : أن الذي جمع في زمنا هذه الأركان الثلاثة : ( أي في ذلك الضابط المشهور مع ملاحظة إ بدال شرط صحة الإسناد بتواتره ) هو قراءة الأئمة العشرة التي اجمع الناس على تلقيها بالقبول . أخذها الخلف عن السلف إلى أن وصلت إلى زماننا ، فقراءة احدهم كقراءة الباقين في كونها مقطوعاً بها .
أما قول من قال : إن القراءات المتواترة لا حد لها فإن أداء القراءات المعروفة في زماننا فغير صحيح ، لأنه لا يوجد اليوم قراءة متواترة وراء القراءات العشر . وإن أراد ما يشمل قراءات الصدر الأول فمحتمل والله تعالى أعلم .حكم ما وراء العشر :
لقد وقع الخلاف في القراءات الأربع التي تزيد على العشر وتكمل الأربع عشرة : فقيل بتواتر بعضها ، وقيل بصحتها ، وقيل بشذوذها ، إطلاقاً في الكل . وقيل : إن المسألة ليست مسألة أشخاص ولا أعداد ، بل هي قواعد ومبادئ ، فأيما قراءة تحققت فيها الأركان الثلاثة التي مرت معنا فهي مقبولة ، وإلا فهي مردودة . لا فرق حينئذ بين قراءات القراء السبع والقراء العشر والقراء الأربعة عشر وغيرهم ، فالميزان واحد في الكل والحق أحق أن يتبع .
القرّاء :
القراء : جمع قارئ وهو في اللغة اسم فاعل من قرأ . ويطلق في الاصطلاح على إمام من الأئمة المعروفين الذين تنسب إليهم القراءات السابقة ، ولنأخذ نبذة عنهم وعن أسمائهم مستفتحين أولاً بالسبعة ثم العشرة ثم الأربعة عشر .