حوار بين عابد ومجنون

HaMaDa

الاعضاء
مرّ مجنون على عابد يناجي ربه وهو يبكي والدموع منهمرة على خديه وهو يقول:
ربي لا تدخلني النار فارحمني وأرفق بي .
يا رحيم يا رحمن لا تعذبني بالنار .
إني ضعيف فلا قوة لي على تحمل النار فارحمني .
وجلدي رقيق لا يستطيع تحمل حرارة النار فارحمني
وعظمي دقيق لا يقوى على شدة النار فارحمني.

ضحك المجنون بصوت مرتفع ، فالتفت إليه العابد قائلاً :
ماذا يضحكك أيها المجنون ؟
قال المجنون : كلامك أضحكني .
قال العابد : وماذا يضحكك فيه ؟
المجنون : لأنك تبكي خوفا من النار .
قال العابد : وأنت ، ألا تخاف من النار ؟
قال المجنون : لا، لا أخاف من النار .
ضحك العابد وقال : صحيح إنك مجنون .
قال المجنون : كيف تخاف من النار أيها العابد وعندك رب رحيم رحمته وسعت كل شيء ؟
قال العابد : إنّ علي ذنوباً لو يؤاخذني الله بعدله لأدخلني النار، وإني أبكي كي يرحمني ويغفر لي ولا يحاسبني بعدله بل بفضله ولطفه ورحمته حتى لا أدخل النار .
هنالك ضحك المجنون بصوت أعلى من المرة السابقة
انزعج العابد ، وقال: ما يضحكك ؟
قال المجنون : أيها العابد عندك رب عادل لا يجور وتخاف عدله !
عندك رب غفور رحيم تواب وتخاف ناره !
قال العابد: ألا تخاف من الله أيها المجنون؟
قال المجنون: بلى ، إني أخاف الله . ولكن خوفي ليس من ناره .
تعجب العابد وقال: إذا لم يكن من ناره ، فممّ خوفك ؟
قال المجنون : إني أخاف من مواجهة ربي وسؤاله لي :
لماذا يا عبدي عصيتني ؟
فإن كنت من أهل النار فأتمنى أن يدخلني النار من غير أن يسألني فعذاب النار أهون عندي من سؤاله سبحانه
فأنا لا أستطيع أن أنظر إليه بعين خائنه وأجيبه بلسان كاذب .
إن كان دخولي النار يرضي حبيبي فلا بأس .
تعجب العابد وأخذ يفكر في كلام هذا المجنون .
قال المجنون : أيها العابد سأقول لك سراً فلا تذيعه لأحد .
قال العابد : ما هو هذا السر أيها المجنون العاقل ؟
قال المجنون : أيها العابد إن ربي لن يدخلني النار أتدري لماذا ؟
قال العابد : لماذا يا مجنون ؟
قال المجنون لأني عبدته حباً وشوقاً وأنت يا عابد عبدته خوفا وطمعاً .
وظني به أفضل من ظنك ورجائي منه أفضل من رجائك . فكن أيها العابد لما لا ترجو أفضل مما ترجو
فموسى عليه السلام ذهب لإحضار جذوة من النار ليتدفأ بها فرجع بالنبوة .
وأنا ذهبت لأرى جمال ربي فرجعت مجنونا ً.
ذهب المجنون يضحك ، والعابد يبكي ويقول : لا أصدق أنّ هذا مجنون فهذا أعقل العقلاء وأنا المجنون الحقيقي فسوف أكتب كلامه بالدموع .

قال أمير المؤمنين- رضي الله عنه - : كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو! فإنّ موسى بن عمران خرج يقتبس لأهله ناراً، فكلّمه الله تعالى فرجع نبيّاً ! وخرجت ملكة سبأ كافرة، فأسلمت مع سليمان . وخرج سحرة فرعون يطلبون العزة لفرعون، فرجعوا مؤمنين .
اللهم لاتجعل عبادتنا خوفاً من النار وطمعاً بالجنة، بل مثل الحكيم (المجنون) ،عبدته حباً وشوقاً وأنت يا عابد عبدته خوفا وطمعاً !

إلهي كيف أنساك ولم تزل ذاكري ؟
وكيف ألهو عنك وأنت مراقبي ؟
 
الوسوم
بين حوار عابد ومجنون
عودة
أعلى