الزخارف الهندسية

املي بالله

نائبة المدير العام
يتكون هذا الصنف من الزخرفة من رسوم منبثقة عن أشكال أساسية متماثلة تتجمع فتشكل شبكة من الخطوط تبسط إشعاعها انطلاقًا من بؤر متعددة في نفس الوقت. وتتركب هذه العناصر الزخرفية انطلاقًا من دائرة مركزية تندرج بها في شكل متواز دقيق مربعات ومثلثات تتطابق فيما بينها لتشكل تشبيكات من المضلعات المثمنة والسداسية والنجمية وغيرها من الوجوه الهندسية التي تتداخل فيما بينها حسب نظام مرسوم.

أما الدائرة المركزية التي وضعت في البداية فإنها تنمحي نهائيًّا أو جزئيًّا؛ لتوحي للمشاهد بأرضية مليئة بالرسوم وبلورية النظام.

ويلاحظ أنه رغم التنوع الكبير في الموضوعات فإن بعضها يعود بكثرة، ويتعلق الأمر بالمضلعات المثمنة ذات الهيئة النجمية والمضلعات السداسية.

ويتركب المضلع المثمن من مربعات تتطابق في تقاطع مستمر، فالمزخرف يخط في البداية دائرة يضع بداخلها مربعات تتقاطع خطوطها بزوايا 45 درجة، فيحدد عدد تلك المربعات الشكل المطلوب، وهكذا ففي حالة وضع مربعين يحصل على شكل من ثمانية أضلاع، أما حين يتعلق الأمر بثلاثة أو أربعة أو خمسة مربعات فإن المزخرف يحصل على أشكال نجمية لها ثماني أو اثنتا عشرة أو ست عشرة شعبة. وتتولد بالتالي عن تكرار المضلعات

المثمنة أشكال هندسية متعددة الأضلاع.

ونجد الأشكال الهندسية البسيطة كالمربع أو المثلث في كل الحالات، بحيث يحافظ عليها الرسام في كليتها أو يمحو بعض خطوطها، فيختفي الشكل المبدئي وتتكون بذلك عدد من المجموعات الهندسية، منها شبكة المربعات بالنسبة للمربع والأشكال المنبثقة عنه والشبكة المثلثة بالنسبة للمثلث المتساوي الأضلاع والمضلع الخماسي ومختلف التركيبات الناجمة عن اجتماع الأشكال الهندسية المتعددة الأضلاع.

وتندمج مع العناصر المذكورة أشكال أخرى كالدوائر والخطوط اللولبية وغيرها بحيث ينتج عنها تشبيكات وزخارف غنية ومتنوعة، إلا أنها رغم تعقيدها الظاهر تظل من حيث بنيتها الرياضية خاضعة لرغبة وإرادة المزخرف، وهكذا فإن هذا النسيج، الذي يظهر وكأنه مستمر إلى ما لانهاية، يخلق في نظام الفضاء التشكيلي مجموعة من الخانات تجتاحها عن آخرها الكتابة أو رسوم الزهور والنباتات التي يحور المزخرف أشكالها الطبيعية.

الزخارف الكتابية
يعد استعمال الخط العربي كأداة للزخرفة مسألة ضرورية لإنجاز أي عمل فني في مجال صناعة المخطوطات. وقد تطور هذا الخط ليبلغ درجة من الكمال جعلت منه العنصر الأساسي الذي يتمحور حوله الفن الإسلامي.

ابتكر الخط العربي في البداية لمنح النص القرآني العظمة والجلال اللذين يليقان به، ثم أصبح فيما بعد الفن الرئيسي بين فنون الحضارة الإسلامية.

إن مختلف أساليب الخط العربي وأنواعه بالرغم من خضوع كل واحد منها لقواعد صارمة فإنها تمتاز جميعها بتناسق بنائها. فمن خلال لعبة الخطوط الأفقية ونهايات الحروف القائمة والحلقات الجميلة، تنتج مختلف أساليب الخط العربي مفعولا تشكيليًّا مبنيًّا على الإيقاع والحركة اللذين تكثفهما وضعية الحروف، وهى تبدو في تلاحقها وكأنها أشخاص يسيرون في موكب جليل.

توضع الكتابة فوق أرضية هندسية مزينة بتوريق تتشابك أوراقه وزهوره وسيقان نباتاته في رقة حول الحروف دون أن تغير معناها أو أن تختلط بها. بل إن تلك الحروف لا تحتفظ بوضوحها فحسب وإنما تنال بعدًا رمزيًّا أكثر عمقًا.

الزخارف النباتية
يعرف هذا الصنف من الزخرفة عادة بالتوريق أو الأربيسك، ويتألف من رسوم لزهور ونباتات توضع حسب قواعد دقيقة ونمنمة متقنة على الرغم مما قد يظهر من تعقيد في خطوطها، ويتمثل الأربيسك في مجموعة من الأوراق المتموجة أو المنبسطة أو المستديرة أو المسننة، تتموج في كل الاتجاهات لتأخذ أشكالا متشابكة أو حلزونية، متسللة بين فجوات التشبيك الهندسي أو محيطة بالمدليات الكتابية.

إن عمل الفنان يصل هنا إلى درجة من التحوير والتجريد للعناصر الطبيعية بحيث لا يحتفظ التوريق إلا بذكرى بعيدة عن النباتات الطبيعية التي استوحاها الفنان، ومن ثم يتألق كل هذا العالم النباتي حسب قوانين التعاقب والإيقاع بحيث يخلق لدى المشاهد إحساساً بالحركة التي يمتاز بها التوريق .

ولا شك في أن أشكال الزخارف كثيرة إلا أنها تخضع في أغلبها لبنية أولية تأخذ صيغاً متعددة حسب رغبة المزخرف والأسلوب المعتمد في تزيين المخطوط ، وقد يقوم المزخرف في بعض الحالات بإنجاز الديكور النباتي انطلاقًا من رغبة شديدة في محاكاة الأشكال الطبيعية؛ فيتميز عمله بالابتعاد عن القواعد المعتادة وبحرية كبيرة في تجسيد العالم النباتي.

الخطوط والألوان والحركة
برع الفنانون المسلمون في مجال التنظيم المعقد للألوان، فخلقوا تركيبات لونية جديدة فأتت تتحدى الخيال في بهائها الذي يسر العين ويولد لدى المشاهد أعمق الأحاسيس والانفعالات.

يضع المزخرف عادة الألوان والخطوط الذهبية عندما يكون قد أنجز الزخارف الهندسية والنباتية والكتابية، وليصل إلى ذلك فإنه يضع أولاً إطارًا أزرق رقيقًا بواسطة قلم مسنن الرأس، ثم يضيف إليه إطارًا أحمر من جهة الداخل بحيث تبقى فجوة طفيفة تفصل الإطارين، وهكذا يخلق نوعًا من النافذة نحيط من خلالها بمجموع الزخرفة.

ولا جدال في أن المزخرف الإسلامي أتقن ببراعة متناهية قوانين مزج وتركيب الألوان، تلك الألوان التي يصنعها بمهارة فوق الصفحات بحيث تبدوا وكأنها تحاور بعضها البعض، بل إنه يخلق فيما بينها علاقات جديدة مبنية على قواعد لونية قوامها الكثافة والتعاقب والتضاد.

وإذا كانت بعض الألوان تستعمل أكثر من غيرها فذلك راجع إلى كونها تعزز مفعول تعاقب التعابير الزخرفية، كما تخلق الجو التشكيلي الذي يبحث عنه واضعها. وهكذا فالأحمر والبرتقالي هما لونا النار والشمس يوحيان بمقولة الحرارة، بينما تدفع مختلف درجات اللونين الأخضر والأزرق إلى التفكير في النمو القمري البارد وتوحي بالتالي بفكرة البرودة، أما استعمال هذه الألوان الأربعة على صفحة واحدة يبين مفعول التعاقب الذي يستغله واضع الألوان بمهارة ليخلق انطلاقًا منه ديناميكية وتلألؤ الألوان.

وهكذا يتجلى الاستعمال البارع للألوان وكأنه انبعاث للانطباع الفرح بالطبيعة التي يمتزج بروح الفنان المسلم

منقول
__________________
 
الوسوم
.
عودة
أعلى