وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله"*13*

المنسي

الاعضاء
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم



وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله"

وقد تكاثرت رسائل الإمام وفتاواه في تقرير العقيدة الصافية وتنقيتها من شوائب الخرافة وظلام الفلسفة, وكشف الشبه المضللة, كذلك من بعده أبناؤه وتلاميذه أئمة الدعوة النجدية السلفية (121).

قال الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن رحمه الله: "وأما تكفير من أجاز دعاء غير الله.....وغير ذلك من أنواع عباداتهم فكلامهم _أي العلماء_ فيه, وفي تكفير من فعله أكثر من أن يحاط به ويحصر, وقد ذكر الإجماع عليه غير واحد ممن يقتدى به ويرجع إليه من مشايخ الإسلام والأئمة الكرام, ونحن قد جرينا على سننهم في ذلك, وسلكنا مناهجهم فيما هنالك, لم نكفر أحداً إلا من كفره الله ورسوله, وتواترت نصوص أهل العلم على تكفيره ممن أشرك بالله وعدل به سواه..." (122).

وقد أجاد وأفاد الشيخ علوي السقاف في كتابه (التوسط والاقتصاد في أن الكفر يكون بالقول والفعل والاعتقاد) حيث ذكر فتاوى ما يزيد على مئة عالم من علماء الأمة من التابعين حتى المعاصرين, من مختلف المذاهب الفقهية, على أن الكفر الأكبر يكون بالقول والفعل وليس بمجرد التكذيب كما هو مذهب المرجئة.

والخلاصة أن الطريق الوسط والصراط المستقيم هو التكفير بحق, بدون تفريط المرجئة الوعدية, ولا إفراط الخوارج الوعيدية.





"بَرَاءَةُ الدَّعْوَةِ السَّلَفِيَّةِ مِنْ عَدَمِ تَكْفِيرِ المُعَيَّنِ بِإِطْلَاقٍ"
تقرير مسائل التكفير إنما هو من حيث الإطلاق, أما من جهة التعيين (تكفير المعين) فهذا مناطه العلم اليقيني بحال المعين (تحقيق المناط) وهو مبني على مدى تحقق شروط التكفير وانتفاء الموانع. وهذا منهج السلف الصالح الذي سارت عليه هذه الدعوة الإصلاحية التجديدية.

قال الإمام المجدد موضحاً كلام شيخ الإسلام: "وهذه صفة كلامه في كل موضع وقفنا عليه, لا يذكر عدم تكفير المعين إلا ويصله بما يزيل الإشكال, وأن المراد التوقف عن تكفيره قبل أن تبلغه الحجة, وإما إذا بلغته الحجة حكم عليه بما تقتضيه تلك المسأله من تكفير أو تفسيق أو معصية" (123).

وقد رُميت الدعوة بشبهة تنزيل آيات المشركين على المسلمين, وممن رماها بذلك سليمان بن عبدالوهاب, وعلوي الحداد, واللكنهوي, وزيني دحلان, والزهاوي, ومحمد نجيب سوقية وغيرهم من أهل الإفك.

ولما سئل مفتي الديار النجدية العلامة عبدالله أبا بطين عمن ارتكب شيئاً من المكفرات جهلاً. أجاب رحمه الله: "....فلا عذر لأحد بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم في عدم الإيمان به وبما جاء به بكونه لم يفهم حجج الله وبيناته, لأن الله تعالى أخبر عن الكفار بعدم الفهم, فقال تعالى: "وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً" (الأنعام: 25) "إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون" (الأعراف: 30) "صم بكم عمي فهم لا يعقلون" (البقرة: 171) والآيات في وصفهم بغاية الجهل كثيرة معلومة, فلم يعذرهم الله تعالى بكونهم لم يفهموا, بل صرح بتكفير هذا الجنس وأنهم من أهل النار, كما قال تعالى: "قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً . الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً" (الكهف: 103_105) وقوله: "ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون" (الأعراف: 179).....إنا لو لم نكفر إلا العارف المعاند لزمنا ألا نكفر اليهود والنصارى وهذا من أبطل الباطل ....._ثم علق على كلامٍ لشيخ الإسلام, وتأمل ارتباط أئمة الدعوة بهذا الإمام الفذ وخبرتهم في منهجه وعلمه_ فانظر إلى تفريقه _أي ابن تيمية_ بين المقالات الخفية والأمور الظاهرة, فقال في المقالات الخفية التي هي كفر: "قد يقال: إنه مخطئ ضال, لم تقم عليه الحجة التي يكفر صاحبها" ولم يقل ذلك في الأمور الظاهرة, بل قال: "ثم تجد كثيراً من رؤوسهم وقعوا في هذه الأمور فكانوا مرتدين" فحكم بردتهم مطلقاً, ولم يتوقف في الجاهل. فكلامه ظاهر في التفرقة بين الأمور المكفرة الخفية كالجهل ببعض الصفات ونحوها فلا يكفر بها الجاهل كقوله للجهمية: "أنتم عندي لا تكفرون, لأنكم جهال" وقال فيمن ارتكب بعض أنواع الشرك جهلاً: "لم يمكن تكفيرهم حتى يبين لهم ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم" ولم يقل: لم يمكن تكفيرهم لأنهم جهال كما قال في المنكر لبعض الصفات جهلاً.....وقال تقي الدين: "ومن زعم أن الصحابة ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم....فلا ريب في كفر قائل ذلك, بل من شك في كفره فهو كافر" فانظر تكفيره الشاك مع القطع بأن سبب الشك هو الجهل, وقال أيضاً_أي تقي الدين_: "فكل من غلا في نبي أو رجل صالح.....فكل هذا شرك وضلال يستتاب صاحبه فإن تاب وإلا قتل" ولم يخص القتل بمن تحقق منه الفساد, ولم يقل في هؤلاء وأشباههم: لم يكفروا لأنهم جهال كما قال في الجهمية, وهذا كثير في كلامه رحمه الله, وقال_أي ابن تيمية_: "لما استحل طائفة من الصحابة والتابعين الخمر كقدامة وأصحابه, وظنوا أنها تباح لمن آمن وعمل صالحاً على ما فهموه من آية المائدة؛ اتفق علماء الصحابة كعمر وعلي وغيرهما على أنهم يستتابون فإن أصرّوا على الاستحلال كفروا, وإن أقروا به جلدوا, فلم يكفروهم ابتداءً لأجل الشبهة حتى يتبين لهم الحق, فإن أصروا كفروا".....فحجة الله قائمة على عباده ببلوغ الحجة لا بفهمها, فبلوغ الحجة شيء وفهمها شيء آخر, لهذا لم يعذر الله الكفار بعدم فهمهم بعد أن بلغتهم حججه وبيناته, وهذا ظاهر بحمد الله" (124).

وقال أيضاً رحمه الله: "وأما قول من يقول: إن الآيات التي نزلت بحكم المشركين الأولين, فلا تتناول من فعل فعلهم, فهذا كفر عظيم, فهل يقول: إن الحدود المذكورة في القرآن والسنة كانت لقوم انقرضوا؟! فلا يُحد الزاني, ولا تقطع يد السارق ونحو ذلك, مع أن هذا قول يستحي من ذكره, أفيقول هذا: إن المخاطبين بالصلاة والزكاة وسائر شرائع الإسلام انقرضوا وبطل حكم القرآن؟!" (125).

والأصوليون يقولون: إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب, وقد أكد الإمام المجدد ذلك مراراً وعاب على من عابه بذلك القول, وأثبت تناقض أولئك وتهافت شبهتهم تلك.

وقال الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن: "وربما سمع بعضهم قول بعض المفسرين: هذه نزلت في عباد الأصنام, هذه في النصارى.....فيظن الغر أن ذلك مختص بهم وأن الحكم لا يتعداهم, وهذا من أكبر الأسباب التي تحول بين العبد وبين فهم القرآن والسنة" (126). وقال الشيخ السهسواني رحمه الله: "نعم قد استدل الشيخ رحمه الله على كفر عباد القبور بعموم آيات نزلت في الكفار, وهذا لا محذور فيه, إذ عبّاد القبور ليسوا بمؤمنين عند أحد من المسلمين" (127).

وقال الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله: "ومن عجائب دحلان وأمثاله أنهم يظنون أن ما بينه القرآن من بطلان شرك المشركين خاص بهم لذواتهم, وليس بحجة على من يفعل ذلك منهم, كأنّ من وُلد مسلماً يباح له الشرك لجنسيته الإسلامية!" (128).

وقد أوردت في الفقرة السابقة نقولاً عن أئمة الدعوة تنقض تلك التهم المتهافتة التي لو ألقيت على غيرهم ممن لم يجردوا سيوف التوحيد لقتال أهل الإشراك والتنديد لكان لها عند بعض الناس صدى, أما أن يأتي إلى مثل هؤلاء بمثل تلك الفرية فهذا مما يضحك الثكلى, ولله الأمر من قبل ومن بعد.


"الوَلاءُ وَالبَرَاءُ, شَرْطُ الإِيمَانِ"
إن من المهمات والأصول لدين المسلمين؛ الولاء والبراء, والولاء هو المحبة والنصرة, والبراء هو الكراهية والعداوة, وهما من شروط الإيمان بنص القرآن العزيز:" لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حاد الله ورسوله" (المجادلة: 22 ) وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه أحمد: "أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله" قال أبو الوفاء بن عقيل الحنبلي: "إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان؛ فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع, ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك, وإنما انظر إلى مواطأتهم لأعداء الشريعة" (129). وقال الله جلّ وعزّ: "ومن يتولهم منكم فإنه منهم"(المائدة:51) فالكفر ملة واحدة سواء كان كفراً أصلياً أم ردة.

والناس في الولاء والبراء على ثلاثة أقسام:

قسم ليس لهم من الولاء شيء بل يعاملون بالبراء, وهم الكفرة وأهل الشرك, فهم شر البريّة. ولا يدخل في ذلك الإحسان إلى الكافر بقصد التأليف, بل ذلك من أخلاق الإسلام, وهو شيء خارج عن المودة والموالاة.

وقسم لهم الولاء التام, وهو المسلمون الذين أظهروا الإسلام ولم يتبين منهم خلافه, فالمؤمنون هم خير البرية.

وقسم بين تينك الفئتين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً, فللعمل الصالح ما يقابله من الولاء, وللسيء ما يقابله من البراء, ومنهم من يكون الولاء في حقه أكثر ومنهم من يكون البراء أكثر بحسب قربه وبعده عن الدين "قد جعل الله لكل شيء قدراً"(الطلاق: 3) ويبيّن ذلك حديث شعب الإيمان, فالشعب مراتب ولكل شعبة ما يقابلها من الحقوق, بشرط أن لا تزول شعب الأصول التي يزول الإيمان بزوالها, لذلك فقد أخطأ من قال بالبراءة التامة ممن تلبس ببدعة, فما دامت كلمة التوحيد في نفسه لم تُنقض فله حقها من الولاء, وما أعظمه! وإن كان يُستحب في بعضهم تغليظ الإنكار عليه وزجره وإعمال الهجر معه؛ بحسب المصلحة الشرعية, لا بالهوى والتعسف, تأديباً له وتحذيراً لغيره كما صنع الأئمة, صيانة للأمة من مضلّات الفتن, وهل بابها إلا الابتداع والإحداث؟!.

والأصل في الإنكار الرّفق والرحمة واللين لا العنف والشدة, فالرفق هو القاعدة, والعنف هو الاستثناء عند الحاجة, فلا منكر أعظم من الشرك ومع ذلك فرسولنا صلوات الله وسلامه عليه رفق بهم واستأنى, حتى دخلوا دين الله أفواجاً, ورفق بهم بعدما دخلوا الدين, فيتحتّم على الدعاة نشر التراحم والرفق واللين بين الناس تنظيراً وتطبيقاً, بحسب المصلحة الشرعية, والضوابط الفقهية, وقد أثنى ربه جل شأنه على نبيه بقوله: "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظّاً غليظ القلب لانفضوا من حولك" (آل عمران: 159) قال ابن جرير الطبري رحمه الله: "حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة في قوله: "فبما رحمة من الله لنت لهم" يقول: فبرحمة من الله لنت لهم. وأما قوله: "ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك" فإنه يعني بـ"الفظ" الجافي، وبـ"الغليظ القلب" القاسي القلب، غير ذي رحمة ولا رأفة. وكذلك كانت صفته صلى الله عليه وسلم، كما وصفه الله به "بالمؤمنين رءوف رحيم" (التوبة: 128) فتأويل الكلام: فبرحمة الله، يا محمد ،ورأفته بك وبمن آمن بك من أصحابك "لنت لهم" لأتباعك وأصحابك، فسهلت لهم خلائقك، وحسنت لهم أخلاقك، حتى احتملت أذى من نالك منهم أذاه، وعفوت عن ذي الجرم منهم جرمه، وأغضيت عن كثير ممن لو جفوت به وأغلظت عليه لتركك ففارقك ولم يتبعك ولا ما بعثت به من الرحمة، ولكن الله رحمهم ورحمك معهم، فبرحمة من الله لنت لهم. كما حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة "ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك" أي والله، لطهره الله من الفظاظة والغلظة، وجعله قريبا رحيماً بالمؤمنين رؤوفاً, وذكر لنا أن نعت محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة: "ليس بفظ ولا غليظ ولا صخّاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة مثلها، ولكن يعفو ويصفح"(130). فإن كان المنكر لا يغيَّر إلا بنوع من الخشونة فلا بأس باستعماله، ولو كان مع المسلمين، ألا ترى أن الله أباح القتال لذلك، وهو غاية العنف، فقال سبحانه: "وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ" (الحجرات: 9) قال الإمام ابن باز رحمه الله: "ولا شك أن الشريعة الإسلامية الكاملة جاءت بالتحذير من الغلو في الدين، وأمرت بالدعوة إلى سبيل الحق بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، ولكنها مع ذلك لم تهمل جانب الغلظة والشدة في محلها حيث لا ينفع اللين والجدال بالتي هي أحسن، كما قال سبحانه: "يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهم" (التوبة: 73 , التحريم:9) وقال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ" (التوبة: 123) وقال تعالى: "وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُم" (العنكبوت: 46) فشرع الله سبحانه لعباده المؤمنين الغلظة على الكفار والمنافقين حين لم تؤثر فيهم الدعوة بالحكمة واللين. والآيات وإن كانت في معاملة الكفار والمنافقين دالات على أن الشريعة إنما جاءت باللين في محله حين يرجى نفعه، أما إذا لم ينفع واستمر صاحب الظلم أو الكفر أو الفسق في عمله ولم يبال بالواعظ والناصح، فإن الواجب الأخذ على يديه ومعاملته بالشدة، وإجراء ما يستحقه من إقامة حد أو تعزير أو تهديد أو توبيخ حتى يقف عند حده، وينزجر عن باطله....وما أحسن ما قاله الشاعر في هذا المعنى:


 
شكرا لك على الموضوع الجميل و المفيذ ♥

جزاك الله الف خير على كل ما تقدمه لهذا المنتدى ♥
 
وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله"*13*
 
الوسوم
وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله13
عودة
أعلى