وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله"*7*

المنسي

الاعضاء
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم



وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله"

"بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد الأمين، وعلى آله وصحبه والتابعين، وبعد: فإنا معاشر غزو الموحدين، لما منَّ الله علينا -وله الحمد- بدخول مكة المشرفة نصف النهار، يوم السبت، في ثامن شهر محرم الحرام، سنة 1218 هـ بعد أن طلب أشراف مكة، وعلماؤها وكافة العامة من أمير الغزو "سعود" الأمان ؛ وقد كانوا تواطؤوا مع أمراء الحجيج، وأمير مكة على قتاله، أو الإقامة في الحرام، ليصدوه عن البيت, فلما زحفت أجناد الموحدين؛ ألقى الله الرعب في قلوبهم، فتفرقوا شذر مذر، كل واحد يعد الإياب غنيمة، وبذل الأمير حينئذ الأمان لمن بالحرم الشريف, ودخلنا وشعارنا التلبية، آمنين محلقين رؤوسنا ومقصرين، غير خائفين من أحد من المخلوقين، بل من مالك يوم الدين, ومن حين دخل الجند الحرم، وهم على كثرتهم مضبوطون، متأدبون، لم يعضدوا به شجراً، ولم ينفروا صيدا، ولم يريقوا دماً إلا دم الهدى، أو ما أحل الله من بهيمة الأنعام على الوجه المشروع. ولما تمت عمرتنا: جمعنا الناس ضحوة الأحد، وعرض الأمير رحمه الله على العلماء ما نطلب من الناس ونقاتلهم عليه؛ وهو إخلاص التوحيد لله تعالى وحده, وعرفهم أنه لم يكن بيننا وبينهم خلاف له وقع إلا في أمرين، أحدهما: إخلاص التوحيد لله تعالى، ومعرفة أنواع العبادة، وأن الدعاء من جملتها، وتحقيق معنى الشرك، الذي قاتل الناس عليه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، .....والثاني: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي لم يبق عندهم إلا اسمه، وانمحى أثره ورسمه.

فوافقونا على استحسان ما نحن عليه جملة وتفصيلاً، وبايعوا الأمير على الكتاب والسنة، وقبل منهم، وعفى عنهم كافة، فلم يحصل على أحد منهم أدنى مشقة، ولم يزل يرفق بهم غاية الرفق، لا سيما العلماء, ونقرر لهم حال اجتماعهم وقال انفرادهم لدنيا أدلة ما نحن عليه ونطلب منهم المناصحة، والمذاكرة، وبيان الحق.

وعرفناهم بأن صرّح لهم الأمير حال اجتماعهم، بأنا قابلون ما وضحوا برهانه، من كتاب، أو سنة، أو أثر عن السلف الصالح، كالخلفاء الراشدين، المأمورين باتباعهم، بقوله صلى الله عليه وسلم "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي" أو عن الأئمة الأربعة المجتهدين، ومن تلقى العلم عنهم، إلى آخر القرن الثالث, لقوله صلى الله عليه وسلم: "خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم".

وعرفناهم: أنا دايرون مع الحق أينما دار، وتابعون للدليل الجلي الواضح, ولا نبالي حينئذ بمخالفة ما سلف عليه من قبلنا، فلم ينقموا علينا أمراً، فألحينا عليهم في مسألة طلب الحاجات من الأموات، إن بقي لديهم شبهة؟ فذكر بعضهم شبهة، أو شبهتين، فرددناها بالدلايل القاطعة، من الكتاب والسنة، حتى أذعنوا، ولم يبق عند أحد منهم شك ولا ارتياب، فيما قاتلنا الناس عليه، أنه الحق الجلي، الذي لا غبار عليه.

وحلفوا لنا الإيمان المغلظة، من دون استحلاف لهم، على انشراح صدورهم، وجزم ضمائرهم أنه لم يبق لديهم شك، في أن من قال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يا ابن عباس، أو يا عبد القادر، أو غيرهم من المخلوقين، طالباً بذلك دفع شر، أو جلب خير، من كل ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى، من شفاء المريض، والنصر على العدو، والحفظ من المكروه، ونحو ذلك أنه مشرك شركاً أكبر، يهدر دمه، ويبيح ماله ؛وإن كان يعتقد أن الفاعل المؤثر في تصريف الكون، هو الله تعالى وحده، لكنه قصد المخلوقين بالدعاء، متشفعاً بهم، ومتقرباً بهم، لتقضى حاجته من الله، بسرهم، وشفاعتهم له فيها، أيام البرزخ.

وأن ما وضع من البناء على قبور الصالحين صارت في هذه الأزمان، أصناماً تقصد لطلب الحاجات، ويتضرع عندها، ويهتف بأهلها في الشدائد، كما كانت تفعله الجاهلية الأولى, وكان من جملتهم مفتي الحنيفة، الشيخ عبد الملك القلعي, وحسين المغربي مفتي المالكية, وعقيل بن يحيي العلوي, فبعد ذلك أزلنا جميع ما كان يعبد، بالتعظيم والاعتقاد فيه، ويرجى النفع والنصر بسببه، من جميع البناء على القبور، وغيرها، حتى لم يبق في تلك البقعة المطهرة طاغوت يعبد، فالحمد لله على ذلك.

ثم رفعت المكوس، والرسوم، وكسرت آلات التنباك، ونودي بتحريمه، وأحرقت أماكن الحشاشين، والمشهورين بالفجور, ونودي بالمواضبة على الصلوات في الجماعات، وعدم التفرق في ذلك، بأن يجتمعوا في كل صلاة على إمام واحد، ويكون ذلك الإمام من أحد المقلدين للأربعة، رضوان الله عليهم, واجتمعت الكلمة حينئذ، وعبد الله وحده، وحصلت الألفة، وسقطت الكلفة، وأمر عليهم، واستتب الأمر من دون سفك دم، ولا هتك عرض، ولا مشقة على أحد، والحمد لله رب العالمين.

ثم دفعت لهم الرسائل المؤلفة للشيخ محمد في التوحيد المتضمنة للبراهين، وتقرير الأدلة على ذلك بالآيات المحكمات والأحاديث المتواترة، مما يثلج الصدر, واختصر من ذلك رسالة مختصرة للعوام، (قلت: وهي رسالة الأصول الثلاثة للإمام المجدد) تنشر في مجالسهم وتدرس في محافلهم، ويبين لهم العلماء معانيها، ليعرفوا التوحيد فيتمسكوا بعروته الوثيقة، فيتضح لهم الشرك، فينفروا عنه، وهم على بصيرة آمنين.

وكان فيمن حضر مع علماء مكة، وشاهد غالب ما صار حسين بن محمد بن الحسين، الإبريقي الحضرمي، ثم الحياني، ولم يتردد علينا، ويجتمع بسعود وخاصته، من أهل المعرفة، ويسأل عن مسألة الشفاعة، التي جرد السيف بسببها، من دون حياء ولا خجل، لعدم سابقة جرم له.

فأخبرناه بأن مذهبنا في أصول الدين، مذهب أهل السنة والجماعة، وطريقتنا طريقة السلف، التي هي الطريق الأسلم، بل والأعلم والأحكم، خلافاً لمن قال طريق الخلف أعلم.

وهي أنا نقر آيات الصفات، وأحاديثها على ظاهرها، ونكل معناها مع اعتقاد حقائقها إلى الله تعالى, فإن مالكاً وهو من أجلّ علماء السلف لما سئل عن الاستواء، في قوله تعالى: "الرحمن على العرش استوى" (طه :5) قال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة.

....ونحن أيضاً في الفروع، على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ولا ننكر على من قلد أحد الأئمة الأربعة، دون غيرهم، لعدم ضبط مذاهب الغير؛ الرافضة، والزيدية، والإمامية، ونحوهم, ولا نقرهم ظاهراً على شيء من مذاهبهم الفاسدة، بل نجبرهم على تقليد أحد الأئمة الأربعة.

ولا نستحق مرتبة الاجتهاد المطلق، ولا أحد لدينا يدعيها، إلا أننا في بعض المسائل، إذا صح لنا نص جلي، من كتاب، أو سنة غير منسوخ، ولا مخصص، ولا معارض بأقوى منه، وقال به أحد الأئمة الأربعة أخذنا به، وتركنا المذهب، كإرث الجد والإخوة، فإنا نقدم الجد بالإرث، وإن خالف مذهب الحنابلة.

ولا نفتش على أحد في مذهبه، ولا نعترض عليه، إلا إذا اطلعنا على نص جلي، مخالفاً لمذهب أحد الأئمة ، وكانت المسألة مما يحصل بها شعار ظاهر، كإمام الصلاة، فنأمر الحنفي، والمالكي مثلاً، بالمحافظة على نحو الطمأنينة في الاعتدال، والجلوس بين السجدتين، لوضوح دليل ذلك, بخلاف جهر الإمام الشافعي بالبسملة، فلا نأمره بالإسرار، وشتان ما بين المسألتين, فإذا قوي الدليل أرشدناهم بالنص، وإن خالف المذهب، وذلك يكون نادراً جداً، ولا مانع من الاجتهاد في بعض المسائل دون بعض، فلا مناقضة لعدم دعوى الاجتهاد، وقد سبق جمع من أئمة المذاهب الأربعة، إلى اختيارات لهم في بعض المسائل، مخالفين للمذهب، الملتزمين تقليد صاحبه.

ثم إنا نستعين على فهم كتاب الله، بالتفاسير المتداولة المعتبرة، ومن أجلّها لدينا تفسير ابن جرير، ومختصره لابن كثير الشافعي، وكذا البغوي، والبيضاوي، والخازن، والحداد، والجلالين، وغيرهم. وعلى فهم الحديث، بشروح الأئمة المبرزين؛ كالعسقلاني، والقسطلاني، على البخاري، والنووي على مسلم، والمناوي على الجامع الصغير.

ونحرص على كتب الحديث، خصوصاً الأمهات الست، وشروحها, ونعتني بسائر الكتب، في سائر الفنون، أصولاً، وفروعاً، وقواعد، وسيراً، ونحواً، وصرفاً، وجميع علوم الأمة .....ومما نحن عليه أنا لا نرى سبي العرب، ولم نفعله، ولم نقاتل غيرهم، ولا نرى قتل النساء والصبيان.

وأما ما يكذب علينا ستراً للحق، وتلبيساً على الخلق، بأنا نفسر القرآن برأينا، ونأخذ من الحديث ما وافق فهمنا، من دون مراجعة شرح، ولا معول على شيخ، وأنا نضع من رتبة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .....وأنا نكفر الناس على الإطلاق أهل زماننا......فجوابنا في كل مسألة من ذلك؛ سبحانك هذا بهتان عظيم, فمن روى عنا شيئاً من ذلك، أو نسبه إلينا، فقد كذب علينا وافترى.

ومن شاهد حالنا، وحضر مجالسنا وتحقق ما عندنا، علم قطعاً أن جميع ذلك وضعه، وافتراه علينا، أعداء الدين، وإخوان الشياطين، تنفيراً للناس عن الإذعان، بإخلاص التوحيد لله تعالى بالعبادة، وترك أنواع الشرك، الذي نص الله عليه، بأن الله لا يغفره "ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" (النساء :48) .....ولا ننكر الطريقة الصوفية، وتنزيه الباطن من رذايل المعاصي، المتعلقة بالقلب والجوارح، مهما استقام صاحبها على القانون الشرعي، والمنهج القويم المرعي، إلا أنا لا نتكلف له تأويلات في كلامه، ولا في أفعاله، ولا نعول، ونستعين، ونستنصر، ونتوكل في جميع أمورنا إلا على الله تعالى، فهو حسبنا ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم ." (48). قلت: وهذا البيان الجامع الجميل من كبير علماء الدعوة الإصلاحية في ذلك الوقت, يعدّ بحق رسالة منهجية متكاملة, جديرة بالدراسة والتأمل واستلهام الفوائد والعبر.

وهذا بيان من علماء مكة المشرفة في ذلك الزمان رحمهم الله: "الحمد لله رب العالمين,

نشهد -ونحن علماء مكة، الواضعون خطوطنا، وأختامنا في هذا الرقيم- أن هذا الدين، الذي قام به الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله تعالى، ودعا إليه إمام المسلمين سعود بن عبدالعزيز، من توحيد الله، ونفى الشرك، الذي ذكره في هذا الكتاب، أنه هو الحق، الذي لا شك فيه، ولا ريب, وأن ما وقع في مكة، والمدينة، سابقاً ومصر، والشام، وغيرهما، من البلاد، إلى الآن، من أنواع الشرك، المذكورة في هذا الكتاب، أنه الكفر، المبيح للدم، والمال، والموجب للخلود في النار, ومن لم يدخل في هذا الدين، ويعمل به، ويوالي أهله، ويعادي أعداءه، فهو عندنا كافر بالله، واليوم الأخر ، وواجب على إمام المسلمين، والمسلمين، جهاده وقتاله، حتى يتوب إلى الله مما هو عليه، ويعمل بهذا الدين.

أشهد بذلك، وكتبه الفقير إلى الله تعالى عبد الملك بن عبد المنعم، القلعي، والحنفي، مفتي مكة المكرمة، عفى عنه، وغفر له.

أشهد بذلك، وأنا الفقير إلى الله سبحانه محمد صالح بن إبراهيم، مفتي الشافعية بمكة، تاب الله عليه.

أشهد بذلك، وأنا الفقير إلى الله تعالى محمد بن محمد عربي، البناتي، مفتي المالكية، بمكة المشرفة، عفا الله عنه وأصلح شأنه.

أشهد بذلك، وأنا الفقير إلى الله محمد بن أحمد، المالكي، عفا الله عنه.

أشهد بذلك، وأنا الفقير إلى الله تعالى محمد بن يحيي، مفتي الحنابلة، بمكة المكرمة، عفى الله عنه آمين.

أشهد بذلك وأنا الفقير إليه تعالى عبد الحفيظ، بن درويش، العجيمي، عفا الله عنه.

أشهد بذلك زين العابدين جمل الليل, شهد بذلك علي بن محمد البيتي.

أشهد بذلك، وأنا الفقير إلى الله تعالى عبد الرحمن جمال، عفا الله عنه.

أشهد بذلك، الفقير إلى الله تعالى بشر بن هاشم الشافعي عفا الله عنه".

وبمثل ذلك شهد وكتب الشريف غالب بن مساعد رحمه الله, وبمثل ذلك شهد وكتب علماء المدينة النبوية: ابن حسين, ومحمد بن صالح رضوان, ومحمد بن إسماعيل (49). رحمهم الله تعالى, وجزاهم عن الإسلام خيراً, وما أعظم شهادتهم بالحق, وأقومها للخلق, فقد نصحوا الناس, ولم يبقوا لمنازع مقالاً.

وحينما نشرت بعض المؤسسات الدعوية السلفية شرح ابن أبي العز للطحاوية, كعّ دون ذلك بعض أكابر الأفغان, قائلاً: تنشرون كتب الوهّابيّة, فناولوه الكتاب وقالوا الماتن حنفي, والشارح حنفي فما يضيرك؟! فسُرّ بذلك وساعدهم في نشره, ونفع الله بهذا الكتاب النفيس في تلك البلاد العزيزة. وهذا ما قصده ابن أبي العز رحمه الله إذ لم ينسب الأقوال في الشرح لأصولها, وجُلّها من كتب شيخ الإسلام, الذي كان مغضوباً عليه ومحارَباً وقت تصنيف ابن أبي العز لشرح الطحاوية, فقد أحسن رحمه الله نشر العلم الصحيح, ولو بإغفال اسم شيخ الإسلام, إذ الغرض نفع الناس لا التباهي والفخر, والله يعلم السرائر والحقائق, وهو يجزي المحسنين. وشبيه بذلك نشر بعض الأفاضل كتب الإمام المجدد مع نسبته إلى جده سليمان وإغفال اسم أبيه دفعاً لحاجز تهمة الوهابية, إذ قد بلغ العداء عند بعضهم لاتهام السلفية كلّها بالوهابية, حتى أن ابن تيمية لم يسلم من تهمة الوهّابية!.

كذلك فعندما دخل الإخوان مكة المكرمة عام (1343) اجتمع علماء نجد بعلماء مكة, وتحاوروا ثم أظهروا للأمة أنهم على عقيدة واحدة وهي عقيدة السلف الصالح, وعلماء نجد الذين حضروا ذلك الاجتماع المبارك هم: عبدالرحمن بن عبداللطيف, عبدالله بن عبدالوهاب بن زاحم, عبدالرحمن بن محمد بن داود (من قضاة الإخوان حين دخلوا مكة) محمد بن عثمان الشاوي( من قضاة الإخوان الذين دخلوا مكة) مبارك بن عبدالمحسن بن باز, إبراهيم بن ناصر بن حسين (من قضاة الإخوان الذين دخلوا مكة وهو من أقدمهم)...ونُشر بيان باجتماعهم واتفاقهم على العقيدة المرضية, وقد نشر ذلك البيان في الجريدة الرسمية (أم القرى) وجمعت مع غيرها في رسالة وطبعت ونشرت بعنوان (البيان المفيد فيما اتفق عليه علماء مكة ونجد من عقائد التوحيد).


 
شكرا لك على الموضوع الجميل و المفيذ ♥

جزاك الله الف خير على كل ما تقدمه لهذا المنتدى ♥
 
وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله"*7*
 
الوسوم
وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله7
عودة
أعلى