وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله"*6*

المنسي

الاعضاء
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم



وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله"

"الأَمْرُ بِالاجْتِمَاعِ, وَالنَّهْيُ عَنِ الفُرْقَةِ"
قال تعالى: "إنّما المؤمنون إخوة" (الحجرات: 10) فأخوّة الدين في المقام الأرفع في الإسلام, قال الإمام ابن باز رحمه الله تعالى في (رسالة الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة): "...فهو يدعو إلى الأخلاق الفاضلة والأخوة الإيمانية، والجمع بين المسلمين والتأليف بينهم، كما قال جل وعلا: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا" (آل عمران: 103) فدين الله يدعو إلى الاجتماع وإلى السياسة الصالحة الحكيمة، التي تجمع ولا تفرق، تؤلف ولا تباعد تدعو إلى صفاء القلوب، واحترام الأخوة الإسلامية والتعاون على البر والتقوى والنصح لله ولعباده...". وقال أيضاً في رسالة (التضامن الإسلامي): "ومن المعلوم أنه لا يتم أمر العباد فيما بينهم، ولا تنتظم مصالحهم ولا تجتمع كلمتهم، ولا يهابهم عدوهم، إلا بالتضامن الإسلامي الذي حقيقته التعاون على البر والتقوى، والتكافل والتعاطف والتناصح، والتواصي بالحق والصبر عليه، ولا شك أن هذا من أهم الواجبات الإسلامية والفرائض اللازمة، وقد نصت الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، على أن التضامن الإسلامي بين المسلمين - أفراداً وجماعات حكومات وشعوباً - من أهم المهمات، ومن الواجبات التي لابد منها لصلاح الجميع، وإقامة دينهم وحل مشاكلهم، وتوحيد صفوفهم، وجمع كلمتهم ضد عدوهم المشترك.

والنصوص الواردة في هذا الباب من الآيات والأحاديث كثيرة جداً، وهي وإن لم ترد بلفظ التضامن فقد وردت بمعناه وما يدل عليه عند أهل العلم، والأشياء بحقائقها ومعانيها لا بألفاظها المجردة، فالتضامن معناه التعاون والتكاتف، والتكافل والتناصر والتواصي، وما أدى هذا المعنى من الألفاظ، ويدخل في ذلك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله سبحانه، وإرشاد الناس إلى أسباب السعادة والنجاة، وما فيه إصلاح أمر الدنيا والآخرة، ويدخل في ذلك تعليم الجاهل، وإغاثة الملهوف، ونصر المظلوم، ورد الظالم عن ظلمه، وإقامة الحدود، وحفظ الأمن، والأخذ على أيدي المفسدين المخربين...".

لقد وردت نصوص عدة تأمر بالجماعة وتثني بالنهي عن الفرقة في موضع واحد مع أن الأمر بالجماعة يستلزم النهي عن الفرقة, والنهي عن الفرقة يستلزم الأمر بالجماعة, وهذا من باب التأكيد والتنويه, ومنها قول الله تعالى: "وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ " (آل عمران: 103) قال إمام المفسرين محمد بن جرير الطبري رحمه الله في تأويل قوله تعالى: "وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ" يريد بذلك تعالى ذكره: وتمسكوا بدين الله الذي أمركم به وعهده الذي عهده إليكم في كتابه من الألفة والاجتماع على كلمة الحق والتسليم لأمر الله. وقال الإمام القرطبي رحمه الله في معنى الآية: فإن الله يأمر بالألفة وينهى عن الفرقة, فإن الفرقة هلكة والجماعة نجاة. وقال ابن عباس رضي الله عنهما لسماك الحنفي: يا حنفي الجماعة الجماعة! فإنما هلكت الأمم الخالية لتفرقها, أما سمعت الله عز وجل يقول: "وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ " (آل عمران:103) قال الحافظ إسماعيل بن كثير رحمه الله : قوله تعالى: "فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ" (الأنعام:153) قال: إنما وحّد سبيله لأن الحق واحد, ولهذا جمع السُّبُل لتفرقها وتشعبها. وقال حبر الأمة وترجمان القرآن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما مفسراً الآية: لا تتبعوا الضلالات. وفي حديث النواس بن سمعان الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ضرب الله مثلا صراطا مستقيما وعلى جنبتي الصراط سوران بينهما أبواب مفتحة وعلى الأبواب ستور مرخاة وعلى باب الصراط داع يقول: يا أيها الناس ادخلوا الصراط جميعا ولا تتفرقوا، وداع يدعو فوق الصراط، فإذا أراد إنسان فتح شيء من تلك الأبواب قال له : ويحك لا تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه, فالصراط: الإسلام, والستور: حدود الله، والأبواب: محارم الله، والداعي على رأس الصراط: كتاب الله تعالى والداعي من فوق الصراط: واعظ الله في قلب كل مسلم" وحينما سأل أحدهم ابن مسعود رضي الله عنه: ما الصراط المستقيم؟ قال تركنا محمد صلى الله عليه وسلم في أدناه, وطرفه في الجنة, وعن يمينه جوادّ, وعن يساره جوادّ, وثمّ رجال يدعون من مر بهم, فمن أخذ في تلك الجواد انتهت به إلى النار, ومن أخذ على الصراط المستقيم انتهى به إلى الجنة. ثم قرأ ابن مسعود : "وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" (الأنعام:153).

وبلا شك فمن أعظم ما يفرق الأمة هي المحدثات والبدع, والأهواء, والإعجاب بالرأي, والإعراض عن الكتاب والسنّة, وأمراض القلوب, والله الحافظ وهو المستعان. وقال صلى الله عليه وسلم مبيّناً ومؤكداً أهمية الاجتماع وخطر الفرقة والاختلاف: "إن الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً, وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ويكره لكم ثلاثا: قيل وقال، وكثرة السؤال وإضاعة المال" رواه مسلم. ومن تأمل حديث الافتراق أصابه الوجل أن لا يكون من الفرقة الناجية, وهي التي قد حُدت معالمها بنص الحديث على من كان على مثل ما عليه رسوله صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم:"افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وتفرَّقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة, كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة" رواه أحمد "وفي روايةٍ للطبراني: "ما أنا عليه اليوم وأصحابي".





"جَادّةُ عُلَمَاءِ السُّنَةِ وَاحِدَةٌ"
المتتبع لكلام الأئمة وكبار العلماء على مختلف المذاهب يتأكد لديه العلم باتفاقهم على أصول الدين بحمد الله تعالى, وعندهم من الوضوح في العقيدة والتشديد في الإنكار على المبتدعة والبراءة من الرأي المخالف للدليل الكثير, وقد ينقل عن قلّة منهم ما يُنَاقَشُ فيه, وإلا فجلّهم على جادة مستقيمة, وقد كتب العلماء في ذلك وبينوه. ولما كتب شيخ الإسلام رسالته الشهيرة (الواسطية) وحاكمه خصومه, وبعضهم قضاة سوء, فقالوا له: قل هذه عقيدة إمامك أحمد بن حنبل حتى نعدّها مما يسوغ فيها الخلاف! _بزعمهم_ فقال بكل ثبات وقوة: بل هي دين الرسول صلى الله عليه وسلم, ليس لأحمد ولا لغيره اختصاص بها, وأمهل كل من خالفه فيها ثلاث سنين ليثبتوا مخالفتها للقرآن والحديث, فلمّا لم يفلحوا استقرّت مصداقيتها عند المُنْصِفِين. وانظر قصة محاكماتهم ومناظراتهم له ومراسلاته لتلاميذه في مجموع فتاويه. وقال شيخ الإسلام رحمه الله مبيّناً الاتفاق على أن مذهب السلف متفق على صحته وسلامته: "لا عيب على من أظهر مذهب السلف, وانتسب إليه, واعتزى إليه بل يجب قبول ذلك منه بالاتفاق، فإن مذهب السلف لا يكون إلا حقاً" (43).

قال الإمام المجدد: "...ونختم هذا الكتاب، بكلمة واحدة، وهي أن أقول: يا عباد الله، لا تطيعوني، ولا تفكروا؛ واسألوا أهل العلم من كل مذهب، عما قال الله ورسوله؛ وأنا أنصحكم: لا تظنوا أن الاعتقاد في الصالحين، مثل الزنا، والسرقة، بل هو عبادة للأصنام، من فعله كفر، وتبرأ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، يا عباد الله: تفكروا، وتذكروا؛ والسلام" (44). وقد كتب الشيخ عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب رسالة طويلة ضمّنها فصولاً نفيسة عن نماذج من أكابر أئمة الذاهب الأربعة يقررون فيها كفر من فعل بعض الأمور وردته عن الإسلام, حتى وإن تلفّظ بالشهادتين وانتسب إلى الإسلام, وعمل ببعض شرائع الدين, وأن هذا لا يمنع من تكفيره وقتله وإلحاقه بالمرتدين" (45). كما ذكر الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن أمثلة لجمعٍ من علماء المذاهب الأربعة ونقل كلامهم في إنكار الشرك والبدع, مع أمثلة على الشركيات في زمانهم (46). وقال الإمام المجدد: "إنا لا نقاتل إلا على ما أجمع عليه العلماء كلهم, وهو الشهادتان بعد التعريف إذا عرف ثم أنكر, فنقول: أعداؤنا معنا على أنواع...وذكرها"(47).

وقد قال الشيخ عبدالله بن إبراهيم لتلميذه الإمام المجدد: أتريد أن ترى السلاح الذي أعددته للمجمعة؟ قال: نعم. فأراه حجرة مليئة بالمجلدات, وقال: بهذه. فالعلم بدليله الصحيح ودلالته الصريحة, هو قطب رحى الدعوة السلفية.

هم السلف المهدي من كل أمة وهم خير من صلّى وزكّى وكبّرا
وسأسوق هنا جانباً من اتفاق كبار علماء مكة من مختلف المذاهب على عقيدة السلف الصالح أهل السنة والجماعة, بل واتفاقهم مع أئمة الدعوة النجدية على مسألة التكفير والقتال, وإنها من صريح الدين, وليست دخيلة مخترعة.

قال الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمهما الله تعالى في بيانه الشهير :

 
شكرا لك على الموضوع الجميل و المفيذ ♥

جزاك الله الف خير على كل ما تقدمه لهذا المنتدى ♥
 
الوسوم
وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله6
عودة
أعلى