وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله"*4*

المنسي

الاعضاء

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم


وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله"

"عظمةُ التَّوحيدِ, وَخَطرُ الشّركِ"
توحيد رب العالمين, وإله السماوات ولأرضين, هو تحقيق للشهادتين, وهو أعظم التكاليف بإطلاق, كما قيل: أمرٌ هذا شأنه؛ حقيق أن تُثنى عليه الخناصر, ويُعضّ عليه بالنواجذ, ويقبض فيه على الجمر, ولا يؤخذ بأطراف الأنامل, ولا يؤخذ على فضلة, بل يجعل هو المطلب الأعظم وما سواه إنما يُطلب على الفضلة. ومن لطف الله ورحمته أن جعل حروف لا إله إلا الله كلها لسانية ليس منها حرف شفهي, كي يسهل نطقها على المحتضر, "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة" رواه أبو داود (16) وعند الشيخين مرفوعاً:"لله أرحم بعباده من هذه بولدها".

والتوحيد هو حقيقة الإسلام الذي جاء به نبينا صلوات الله وسلامه عليه, قال الإمام المجدد في الأصول الثلاثة: "...وهذا دينه, لا خير إلا دل الأمة عليه، ولا شر إلّا حذرها منه، والخير الذي دلها عليه؛ التوحيد، وجميع ما يحبه الله ويرضاه. والشر الذي حذرها منه؛ الشرك وجميع ما يكره الله ويأباه، بعثه الله إلى الناس كافة، وافترض طاعته على جميع الثقلين: الجن والإنس".

وكلمة التوحيد قامت بها السماوات والأرض, وخُلق من أجلها الخلق, ونصبت من أجلها الموازين, وقام لأجلها سوق الجنة والنار, وأسست بها الملة, وجردت لأجلها سيوف الملة.

قال الشيخ حمد بن عتيق في إبطال التنديد: "توحيد الألوهية أول واجب على المكلف, وقد أفصح القرآن فيه كل الإفصاح, وأبدى فيه وأعاد, وضرب لذلك الأمثال, وفيه وقعت الخصومة بين الرسل وأتباعهم"(17). وبوّب الإمام المجدد في كتاب التوحيد (باب من حقق التوحيد دخل الجنة بلا حساب ولا عذاب) وفي حاشية الشيخ عبدالرحمن بن قاسم رحمه الله على ذلك الباب: "تحقيق التوحيد قدر زائد على ماهية التوحيد, وتحقيقه من وجهين؛ واجب ومندوب؛ فالواجب تخليصه من شوائب الشرك والبدع والمعاصي, فالشرك ينافيه بالكلية, والبدع تنافي كماله الواجب, والمعاصي تقدح فيه وتنقص ثوابه. والمندوب هو تحقيق المقربين الذين تركوا مالا بأس فيه حذراً مما فيه بأس, وحقيقته انجذاب الروح إلى الله فلا يكون في قلبه شيء لغيره".

والتوحيد هو الصراط المستقيم, قال بعضهم _وأظنه ابن القيم_: "الصراط المستقيم هو ما جمع ثلاثة أمور:

السهولة والسعة والقرب, فهو أقرب الطرق إلى الله, وأوسطها, وأسهلها, ولو اجتمع من في الأرض فيه لوسعهم, وكل الطرق إلى الله مسدودة إلا هو. ومن أعظم مكفرات الذنوب التهليل الذي هو شعار التوحيد, قال شيخ الإسلام: "التهليل يمحو أصول الشرك, والاستغفار يمحو فروعه"(18).

والدعوة إلى التوحيد هي مهمة المرسلين وأتباعهم, ومن أجلها حصل الافتراق العظيم بين الرسل وأقوامهم المكذبين, وقد أفرد لها الإمام في كتاب التوحيد باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله. قال تعالى: "قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني" (يوسف: 108). قال الإمام ابن باز رحمه الله: "وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من دل على خير فله مثل أجر فاعله" وقال عليه الصلاة والسلام: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً" خرجهما مسلم في صحيحه. وقال لعلي رضي الله عنه لما بعثه إلى خيبر: "فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم" متفق على صحته.

وفي هذه الأحاديث وما جاء في معناها تنبيه للدعاة إلى الله والمجاهدين في سبيله على أن المقصود من الجهاد والدعوة إلى الله سبحانه هو هداية البشر, وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وانتشالهم من وهدة الشرك, وعبادة الخلق, إلى عز الإيمان ورفعة الإسلام، وعبادة الإله الحق الواحد الأحد, الذي لا تصلح العبادة لغيره، ولا يستحقها سواه سبحانه وتعالى".

وشريعة الإسلام شديدة في التوحيد, سمحة في الأحكام, كما جمعهما حديث: "بعثت بالحنيفية السمحة" رواه أحمد. "حنيفية" أي: في العقيدة ففيها التشديد فقد قال للذي قال: ما شاء الله وشئت: "أجعلتني لله نداً" رواه أحمد والنسائي. "السمحة" أي في التشريع "صلّ قائماً فإن لم تستطع فقاعداً..." رواه البخاري (19).

وفي الدعوة إلى التوحيد قال الحسن البصري رحمه الله بعدما قرأ هذه الآية: "هذا حبيب الله, هذا ولي الله, هذا صفوة الله, هذا خيرة الله, هذا أحب أهل الأرض إلى الله, أجاب الله في دعوته, ودعا الناس إلى ما أجاب فيه من دعوته, وعمل صالحاً في إجابته". رواه عبدالرزاق عن معمر. وقال الشيخ صالح آل الشيخ في شرح كتاب التوحيد: "الشيخ محمد بن عبدالوهاب لم يكتب ليكتب, بل كتب ليدعو, لذا فقد كتب ما يحتاجه الناس". وقال أيضاً: "لما حصل من بعض القرى في زمن إمام الدعوة تردد وشك, كتبوا للشيخ وأغلظوا له القول, واتهموه بأنه يريد كذا وكذا, فأجابهم بكتاب وضح فيه التوحيد وضده, ثم قال: ولو كنتم تعلمون حقيقة ما دعوتكم إليه لكنت أغلى عندكم من آبائكم وأمهاتكم وأبنائكم ولكنكم قوم لا تعقلون".

وقال الشيخ صالح الفوزان في شرح كتاب التوحيد في تعليقه على قول الله تعالى: "فلما اعتزلهم وما يعبدون" (مريم: 49) "لما اعتزل المشركين ولم يكن معهم عوضه الله بذرية أنبياء, ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه, وبعض الجماعات اليوم لا ينبذون المشركين في جماعتهم ماداموا على منهجهم الحزبي" وعند قول الله تعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" (الذاريات: 56) قال: لم يبعث الله الرسل ليعلموا الناس الزراعة والتجارة إنما ليعلموهم التوحيد". وقال في تعليقه على قوله تعالى: "وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً" (نوح:23) والمشركون الآن يقولون: لا تذرن الحسن والحسين والبدوي...." قال الإمام ابن القيم:

فلواحد كن واحداً في في واحد أعني طريق الحق والأيمان
فلواحد(الله عز وجل) كن واحداً (موحد ولو كنت لوحدك) في واحد (السبيل المستقيم الواحد).

قال سليمان بن عبدالله رحمه الله: "وذلك هو حقيقة الشهادتين, فمن قام بهما على هذا الوجه فهو من السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب" (20).

وشرطا الدعوة؛ الإخلاص والمتابعة. وصفات الداعي؛ الفقه؛ ليعلّم على بصيرة, والرفق؛ وهو أقرب الطرق لنيل المقصود, والحلم؛ للصبر على الأذى في طريق الأنبياء وأتباع الأنبياء. وشرط التمكين للأمة إنما هو التوحيد "يعبدونني لا يشركون بي شيئاً" (النور: 55).

وضده الشرك, وهو أظلم الظلم, وأقبح الذنوب "إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار" (المائدة: 72) وتهوين شأن الشرك الأكبر في غاية الخطورة, فلو أن رجلاً يقوم الليل, ويصوم النهار, ويحج كل عام, ويعتمر كل شهر, ويتصدق بكل ماله, ويجتهد في أعمال البر, ثم وقع في شرك أكبر؛ كدعاء الموتى, والاستغاثة بهم, ونحو ذلك, وقد قامت عليه الحجة الرسالية, فعمله حابط, وجهده خائب, وسعيه مردود, عياذاً بالله تعالى "وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً"(الفرقان: 23 ) فالشرك الأكبر إذا طرأ على الإيمان فإنّه ينقضه بتمامه, كما الحدث في الطهارة يبطلها, وقد مثل بذلك الإمام المجدد, قال في القواعد الأربع: "فإذا عرفت أن الله خلقك لعبادته؛ فاعلم أن العبادة لا تسمى عبادة إلا مع التوحيد، كما أن الصلاة لا تسمى صلاة إلا مع الطهارة، فإذا دخل الشرك في العبادة فسدت، كالحدث إذا دخل في الطهارة، فإذا عرفت أن الشرك إذا خالط العبادة أفسدها وأحبط العمل وصار صاحبه من الخالدين في النار، عرفت أن أهم ما عليك معرفة ذلك، لعل الله أن يخلصك من هذه الشبكة, وهي الشرك بالله الذي قال الله تعالى فيه: "إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ" (النساء: 48) انتهى.

وليس العمل بنافع مالم يسلم من نواقضه, وأعظمها الردة عن دين الله, لذلك لمّا احتج بعضهم على شيخ الإسلام إبّان دخول التتر الشام بأن التتر مسلمون ويشهدون شهادة التوحيد! رد عليهم الشيخ بأنهم نقضوا ذلك, وقال: إن رأيتموني في ذلك الجانب_أي صف التتار_ وعلى رأسي مصحف منشور فاقتلوني. فمسألة البراءة من المشركين عظيمة الخطر, جليلة القدر, عزيزة المطلب, وأعظم الناصحين للأمة هم من يغرسون أصول التوحيد وتوابعه فيها, ويهدمون الشرك وفروعه, ويحاربونه بالحجة والبيان والسيف والسنان, فإذا استقام توحيد الأمة انتظمت لها بقية الأمور, وساغ الخلاف والاجتهاد فيما دونه مما يعذر فيه المقلدون. لذلك لما أشار بعض تلاميذ شيخ الإسلام عليه أن يصنّف في الفقه _أي العمليّات_ فيما نقله البزار, أجاب بأن أحكام الفقه أمرها قريب, وإذا قلد المرء أحد الأئمة فيه فلا حرج عليه, ولكني رأيت أصول الدين قد تنازعها الناس (21).

فعلى الناصح الحازم أن يعتصم بالعروة الوثقى والحبل المتين, وأن يوقن أنه لا يستقل عن توفيق ربه طرفة عين, فلو وكله الله إلى نفسه ضاع وهلك, والتوحيد أشد الأشياء نزاهة وحساسية, فأقل شوب يجرحه ويشوه صفاءه, قال واعظ الإسلام عبدالرحمن بن الجوزي رحمه الله في المدهش: "وحّد زيد بن عمرو وما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكفر ابن أُبيّ وقد صلّى القبلتين! فيا من هو من عسكر الرسول! أيحسن منك كل يوم هزيمة؟! ومن أراد من العمّال أن ينظر قدره عند السلطان فلينظر ماذا يوليه, فيا أقدام الصبر احملي فقد بقي القليل, ويا أيها الراكب قد علمت أين المنزل فاحد لها تسر".

قال الإمام محمد بن إسماعيل الصنعاني الحسني الهاشمي (1099_1182 هـ) في رسالته (تطهير الاعتقاد من أدران الإلحاد) (22) : "...وكذلك تسمية القبر مشهداً, ومن يعتقدون فيه ولياً لا يخرجه عن اسم الصنم والوثن, إذ هم معاملون لها تعامل المشركين للأصنام, ويطوفون بهم طواف الحجاج بيت الله الحرام, ويلتمسونها التماسهم لأركان البيت, ويخاطبون الميت بالكلمات الكفرية, مثل قولهم: على الله وعليك, ويهتفون بأسمائهم عند الشدائد ونحوها, وكل قوم لهم رجل ينادونه....وهو بعينه فعل المشركين في الأصنام.....فإن قلت: أفيصير هؤلاء الذين يعتقدون في القبور والأولياء والفسقة الخلعاء مشركين, كالذين يعتقدون في الأصنام؟ قلت: نعم, قد حصل فيهم ما حصل في أولئك, وساووهم في ذلك, بل زادوا في الاعتقاد والانقياد والاستعباد فلا فرق بينهم فإن قلت: هؤلاء القبوريين يقولون: نحن لا نشرك بالله عز وجلّ ولا نجعل له نداً والالتجاء إلى الأولياء والاعتقاد فيهم ليس بشرك. قلت: نعم "يقولون بأفواههم" (الأعراف: 167) ولكن هذا جهل منهم بمعنى الشرك, فإن تعظيمهم الأولياء, ونحر النحائر لهم شرك....فإن قلت: هم جاهلون أنهم مشركون بما يفعلونه, قلت: قد صرّح الفقهاء في كتب الفقه في باب الردة: أن من تكلّم بكلمة الكفر يكفر, وإن لم يقصد معناها, وهذا دالٌّ على أنهم لا يعرفون حقيقة الإسلام, ولا ماهيّة التوحيد, فصاروا حينئذ كفاراً كفراً أصلياً....فإن قلت: لا سواء, فهؤلاء قد قالوا: لا إله إلا الله وقد قال صلى الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت ان أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها" وقال لأسامة: "أقتلته بعدما قال : لا إله إلا الله" وهؤلاء يصلون ويصومون ويزكون, بخلاف المشركين. قلت: قد قال صلى الله عليه وسلم"إلا بحقها" وحقّها إفراد الإلهية والعبودية لله تعالى, والقبوريون لم يفردوا هذه العبادة فلم تنفعهم كلمة الشهادة, فإنها لا تنفع إلا مع التزام معناها, ولم ينفع اليهود قولها لإنكارهم الأنبياء....".

 
وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله"*4*
 
الوسوم
وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله4
عودة
أعلى