وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله"*2*

المنسي

الاعضاء

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم

وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله"


وحين اتهم مستشرقون الإسلام بأنه قد انتشر بالسيف, قابلهم المنهزمون المخذولون الذين طغت عليهم عقدة المغلوب, وراعتهم صولة الصليب وغَيَاية المادة؛ فنفوا_عن حسن نية, وضعف بصيرة_ القتال في سبيل الله! وصيّروه جهاد الدفع دون الطلب "يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم . تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون" (الصف: 10_11). "واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل" (البقرة: 191) "يا أيها الذيم آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين" (التوبة: 123) وهل يجرؤ مسلم على توجيه آية التوبة هذه إلى جهاد الدفع, وهي في غاية الصراحة في الطلب: "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرّمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون" (التوبة: 29) وقال إمام المجاهدين صلوات الله وسلامه عليه: "بعثت بالسيف بين يدي الساعة وجعل رزقي تحت ظل رمحي, وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري, ومن تشبه بقوم فهو منهم" رواه البخاري معلقاً, ومن لم يثق في الوحي ثقة مطلقة فلا ترجه.

وأقول بعالي الصوت:


إن كان إرهاباً قتال عدونا فليشهد التاريخ أنني أرهابي


ومن الآخيّة عينها دفّت دافة الاعتزال, ونبتت نابتة الإرجاء بل والخرافة في بعضهم, فليتنبه الغيورون لذلك. وهذه نابتة لا بد من قطعها قبل استفحالها, لأنها تُلبس الباطل والإرجاء لباس السنة والسلفية, كما أن من واجب الوقت ردّ صيال الطرف الآخر سليل فكر الخوارج ووارث تعنتهم الفكري وضلالهم المنهجي وغلوّهم في الدين, الذين خرجوا على أهل الإسلام فكفّروهم, واستحلّوا دماءهم وأعراضهم, ولم يعلموا أنهم بذلك قد حكموا على أنفسهم بأن صاروا شر الخلق والخليقة! عياذاً بالله تعالى. وإنما تُرد عاديات هؤلاء وأولئك ببراهين الوحي, ومحكمات الشريعة (7).

لقد ضيع بعض قومنا الثوابت عند ازدحام الأحداث, وكثرةُ مزالق الناس, وكبر سقطاتهم ليست مبرراً لغيرهم إذا سقط, "بل الإنسان على نفسه بصيرة. ولو ألقى معاذيره" (القيامة: 14_15) ولا يصحّ في النّهاية إلا الصحيح "فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض" (الرعد: 17) والعاقلُ لا يبني قصراً ويهدم مصراً. وبعض هؤلاء متلوّن متقلب, في الصباح يحرّر, ويقرّر, وفي الظهر يصوّر ويبرّر, وفي المغرب ينقض ويكرّر! لا ضابط له ولا تأصيل, تارة يشرّق وأخرى يغرّب, ضالّته حيث حطّت رحلها أم قشعم:


يوماً يمان إذا ما جئتَ ذا يمن وإن لقيتَ معدّيّاً فعدنان


حتى مسألة سيادة الشريعة والحكم بما أنزل الله جدّ فيها عندهم نظر! "ومن يضلل الله فماله من هاد" (الزمر: 36) ناهيك عن التشبه بالكفّار ومسائل الغناء والمعازف والاختلاط والحجاب.... وتبرير ذلك الغثاء بهزال أغثى! "أفي الله شك"(إبراهيم: 10) بل وحتى تهنئة الكفار على كفرهم وجدت لها بين هؤلاء داعياً ومجيزاً, همّ بعضهم تتبع الشذوذات التي تُطرب أشباه الفُسّاق الباحثين عن أي تكأة أو مخرج من قيود الشريعة وحياض الأحكام, ظنّ ذلك المُزيِّف نفسه قد أتت بمسائل وحررت أحكاماً لم يعلمها السلف! أو قصرت عنها أفهامهم! أو علموها فخافوا! حتى صدع بها ديانة وأمانة! اللهم غفراً, كأنّما يقول: هاأنذا فاعرفوني, ثم ماذا ؟! حال بعضهم كمن بال في بئر زمزم, فلما سئل قال: كي يعرفني الناس! وصدق, فقد عرفه الناس بشرّ عمله, وخطيئة قلمه, وسيشهدون عليه بين يدي الديان يوم الحساب حين تضمحل الزيوف, ويبقى ما أُريد به وجه الله, وكان على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أبو العالية: "كلمتان يسأل عنها الأولون والآخرون, ماذا كنتم تعبدون, وماذا أجبتم المرسلين"(8).

والإسلام منصور بنا أو بغيرنا, والسعيد من ركب تلك السفينة, ورافق أولئك القوم, والله حافظٌ دينه ومعلٍ كلمته ولو كره المشركون, ولو زاغ الزائغون, ودينه كامل لا يقبل التجزئة "يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافّة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين"" (البقرة: 208) ولمّا اشترط بعض الناس شروطاً في بيعة الإسلام تناقض ثوابته, ردّ رسول الله صلى اله عليه وسلم ذلك عليهم حتى يدخلوا في السلم كافة, ولما قال عمر لأبي بكر: "يا خليفة رسول الله! تألّف الناس". قال له أبو بكر: "يا ابن الخطاب! أجبّار في الجاهلية، خوّار في الإسلام؟! رجوت نصرك فجئتني بخذلانك! علام أتألفهم، أعلى حديث مفترى؟! أم على شعر مفتعل؟!".


مآرب كانت في الحياة لأهلها عِذاباً فصارت في الممات عَذاباً


ولم يوفّق في الكلام في ذلك بعض الفضلاء, وليتهم إذ لم يعلموا أو اشتبهوا سكتوا, وليتهم إن حسبوا أنهم علموا تريثوا وشاوروا الراسخين ممن تنقطع دونهم أعناق المطي, وقد سهّل الله تواصلهم, ولكن أبت أمُّ الندامة ذلك! وزلّة العالِم زلّة العالَم, ومضروب لها الطبل, ومحمولة عند المناوئين على أسوأ المحامل, فتكلّم بعضهم بكلام غريب, فمهّدوا وجعلوا الكلام في الشريعة وأصول الدين وكبار المسائل كلأً مباحاً لكل دعيٍّ ومتعالم! حتى جعلوا وحي الله وشرعة الخالق المالك ألعوبة بيد عبيده ومماليكه! مراعاة لخواطر أعداء الشريعة وعبدة الصليب "ولا تركنوا إلى الذين كفروا فتمسكم النار"(هود:113) وما ثَمّ إلا توفيق الله "ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً" (الإسراء: 74) "ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ومالكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون" (هود: 113).


يهون علينا أن تصاب جسومنا وتسلم أعراض لنا وعقول


ولابد من تحرير مسألة الأسماء والأحكام في باب الإيمان, وتأصيلِ العامّة عليها _وقد خدمها العلماء والباحثون بحمد الله بمدونات محررة وبكلام محقق_ ومن المهمّات بيان براءة المنهج السلفي من الضلالتين؛ المفْرِطين الغلاة, والمفَرّطين المقصرين, فالبعض من قومنا قد هرب من التكفير بالباطل فوقع في الإرجاء المذموم, وكلا طرفي قصد الأمور ذميم. وكما أن القول بتكفير المجتمعات قول خطير فكذلك القول بإسلام المشركين الذين قامت عليهم الحجة قول خطير, فكلا القولين خلل منهجي في باب الإيمان, ثمّ جاءنا آخرون بقول شاذ حيث ألمحوا لاتهام الإمام بالإرجاء وأئمة الدعوة بالخروج! وما أعجب فهوم الناس!.

قال مفتي الديار النجدية الشيخ عبدالله أبو بطين رحمه الله: "وقد استزل الشيطان أكثر الناس في هذه المسألة, فقصر بطائفة فحكموا بإسلام من دلت نصوص الكتاب والسنة والإجماع على كفره, وتعدى بآخرين فكفّروا من حكم الكتاب والسنة والإجماع بأنه مسلم, فيا مصيبة الإسلام من هاتين الطائفتين, ومحنته من تينك البليتين" (9). وقال الشيخ إسحاق بن عبدالرحمن بن حسن رحمه الله: "فجنس هؤلاء المشركين وأمثالهم ممن يعبد الأولياء والصالحين, نحكم بأنهم مشركون, ونرى كفرهم إذا قامت عليهم الحجة الرسالية, وما عدا هذا من الذنوب التي هي دونه في المرتبة والمفسدة لا نكفّر بها.....ونبرأ إلى الله مما أتت به الخوارج, وقالته في أهل الذنوب من المسلمين"(10). إذن فلا بد من تكفير من يستحق, بعد اكتمال الشروط وانتفاء الموانع, لا كما يقوله بعضهم: إن الاحتياط أن لا تكفّر أحداً أصلاً! وهل هذا الاحتياط البارد والورع الأعور إلّا عين المضادة للقرآن الكريم, والمشاقة للسنة المطهرة, سواء من الكفار الأصليين, أو المرتدين. وليس من الإسلام في شيء ما يفعله أفراخ ذي الخويصرة وذي الثديّة من تكفير أهل الإسلام, وحرب أهل الإيمان, وشق صف أمة محمد صلى الله عليه وسلم. وقال المشايخ عبدالله بن عبداللطيف وإبراهيم بن عبداللطيف وسليمان بن سحمان: "وأما قوله عن الشيخ محمد أنه لا يكفر من كان على قبة الكوّاز ونحوه, ولا يكفر الوثني حتى يدعوه وتبلغه الحجة فيقال: نعم, فإن الشيخ محمداً رحمه الله لم يكفر الناس ابتداءً إلا بعد قيام الحجة والدعوة, لأنهم إذ ذاك في زمن فترة أو عدم علم بآثار الرسالة, ولذلك قال: "لجهلهم, وعدم وجود من ينبههم" فأما إذا قامت عليهم الحجة فلا مانع من تكفيرهم وإن لم يفهموها....ولا يجادل في هذه المسألة ويشبّه بها إلا من غلّب جانب الهوى, ومال إلى المطامع الدنيوية, واشترى بآيات الله ثمناً قليلاً" (11).

فعدم تكفير المجدد لبعض الناس ليس نفياً لحقيقة الكفر عن مرتكب الكفر الأكبر -تكفير الوصف- بل نفي لتكفير المعين -الشخص- قبل إقامة الحجة عليه, فهذه الأفعال مكفرة عند الإمام ولكن لاحتمال وجود الموانع توقف، وهذا مسلك نفيس وهو جادة أهل السنة على امتداد الزمان وهذا مضطرد في كتبهم ورسائلهم.

وقال الشيخ عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في البراءة من منهج الخوارج الذين يكفّرون بالكبيرة ومحذّراً من ضلالهم: "وأما ما يكذب علينا ستراً للحق, وتلبيساً على الخلق, بأننا نكفر الناس على الإطلاق من أهل زماننا ....فجوابنا سبحانك هذا بهتان عظيم, فمن روى عنا شيئا من ذلك أو نسبه إلينا فقد كذب علينا وافترى" (12). قال الأحنف: ما خان شريف, ولا كذب عاقل, ولا اغتاب مؤمن, وكانوا يحلفون فيحنثون, ويقولون فلا يكذبون. وقال: اثنان لا يجتمعان أبداً؛ الكذب والمروءة. قلت: فأخص صفات المؤمن الصدق, وأخص صفات المنافق الكذب.


وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل


وسبيل علماء الأمة واحد في البراءة من التكفير بغير حق, وفي البراءة من عدم التكفير بإطلاق, والتطبيق فرع عن التنظير. ومن أولى المسائل الكبار التي وقع فيها الاختلاف والتفرق؛ مسائل التكفير والتبديع والتفسيق.

ومؤرخا الدعوة ابن غنام وابن بشر _والأول من تلاميذ المجدد_ قد شاهدا حال الناس إذ ذاك, فهما أعلم بواقع ذلك الزمان وحال أهله من بعض المؤرخين المعاصرين الذين شكّكوا في بعض الأمور.

قال الشيخ سليمان بن سحمان:


فيا أيها الإخوان جدوا وشمروا لنصرة دين الله بالمال واليد




وبيعوا نفوساً في رضا الله واطلبوا بذاك خلوداً في نعيم مؤبد


وبعض الكتّاب يقسّم السلفية لأقسام ويشرذمها لأنواع؛ فهذه سلفية تقليدية, وتلك جهادية, وثالثة علميّة, ورابعة إصلاحية, وخامسة وسادسة...! وهذا باطل, فالسلفية مدرسة واحدة, ومنهج واحد, واضح المعالم, بيّن القَسَمَات, والسلفية اسم مطابق لمعناه, ومعنى موافق لمبناه, فمن كان على ما كان عليه أهل العلم والدين في القرون المفضلة الثلاثة فهو سلفي.

وليس من السلفية في شيء تكفير المجتمعات الإسلامية أو الأفراد بمجرد الكبائر, أو الافتئات على الولاة, أو إيغار صدور شعوبهم عليهم, أو الخروج عليهم بإطلاق, ولا خفر ذمة المسلمين بالغدر بأهل ذمتهم وعهدهم, وإنهار الدماء المعصومة والأنفس المصونة من أمة الإسلام, أو ممن عاهدوهم علي الأمان والمسالمة.

وليس من السلفية في شيء الخنوع للكفرة والمستشرقين والمستغربين, وإقرار الربا والخنا والتغريب, بداية بالتبرير وانتهاءً بالتبديل. "ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون . ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيراً منهم فاسقون" (المائدة:80_81). "فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين"(المائدة: 52).
 
وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله"*2*
 
الوسوم
وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله2
عودة
أعلى