اريد زوجة ثانية

املي بالله

نائبة المدير العام


أريد زوجة ثانية !


أريد زوجة ثانية !


صدر كتاب الأستاذ علاء الدين آل رشي "أريد زوجة ثانية"
مؤخراً في طبعته الأولى عن مركز الناقد الثقافي بدمشق.
وقد لفت نظري العنوان الصريح والجريء, وظننت في بداية الأمر أن الكاتب سيبدأ في تكرار ما نسمعه دائماً عن جواز التعدد وحكمته ومقاصده, فإذا بي أجد كتاباً يبحث في شروط التعدد وطرق تنفيذه على أرض الواقع بما يحمي الأسرة والعلاقة الزوجية من الانهيار, فكان كتاباً جديداً في طرحه بالفعل, ومثيراً لخواطر أحببت تسجيلها وتقديمها للقارئ الكريم.
لقد كان موضوع تعدد الزوجات ومازال مدخلاً للكثيرين يلجون من خلاله لمهاجمة الإسلام والمسلمين,
على اعتبار أن التعدد ينقص من كرامة المرأة ويدل على أنها خُلقت لقضاء شهوة الرجل فقط.
وبالمقابل فإن من دافع عنه دافع عن حكم شرعي أحله الله
وبحث في جوانب شرعية وأخلاقية لا نجد لها أثراً حقيقاً في مجتمعاتنا لأنها لم تُؤخذ كما يجب,
ولم تُنفذ كما أمر الله. وفي الحقيقة إن من هاجم التعدد, هاجمه من خلال صورته المطبقة في مجتمعاتنا,
والتي فيها ظلم كبير للمرأة (سواء الأولى أم من تأتي بعدها),
وظلم كبير للأسرة ككل, وكم من فضائل تحولت إلى نقائص بسبب سوء التطبيق.
الكاتب أراد أن يقدم لنا نصائحه من أجل تطبيق جيد وسليم لموضوع التعدد,
بعيداً عن الأضرار التي تلحق بالأسرة وتهدد كيانها بسببه,
وبما يحفظ روح المودة والمحبة بين الزوجة الأولى وزوجها, وكذلك بالنسبة للزوجة الثانية.
هذا بعد أن أكّد على أهلية الرجل وقدرته على القيام بالتعدد دون أن يخوض في مبررات التعدد أو ضروراته, ودون محاولة منه للدفاع عن الحكم الشرعي,
لأن هذه المواضيع قد أُشبعت بالبحث والدرس من قبل كثيرين غيره,
فكان بحثه واقعياً, ينظر للموضوع نظرة عملية,
لا تتجاهل الواقع, وتسعى لتطبيق روح التشريع بشكل عملي منطقي.
لكني أرى أن تعدد الزوجات فرع من موضوع أكبر هو الأسرة,
فأولى الخطوات لتكوين الأسرة هي ارتباط رجل وامرأة وعيشهما معاً في بيت واحد
ليكونا نواة أسرة مسلمة يكملها وجود الأولاد فيما بعد. وقد وصف الله تعالى هذه الرابطة بقوله:
"وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون" (الروم:21).
ما نجده في أسرنا اليوم لا يعبّر عن هذه العلاقة التي وصفتها الآية,
ولا يمثّل هذه الصورة التي أرادها الله أن تكون صورة الأسرة المسلمة,
ففي كثير من الأسر نجد أن علاقة الزوجين علاقة بعيدة كل البعد عن المودة والألفة والسكن,
وقد اقتصرت في كثير من الأسر على قضاء الرغبة ال***ية.
وأعتقد أن النظرة التي تقصر علاقة الزّوجين على العلاقة ال***ية,
ساهمت بشكل كبير في زعزعة أساس الأسرة المسلمة,
وما انتشار تعدد الزوجات بصورة بعيدة عن روح التشريع,
وزيادة حالات الطلاق بصورة كبيرة إلا أحد مظاهر هذه النظرة.
صحيح أن بحث الكاتب لا ينشغل في درس مشكلات الأسرة وعلاقة الزوجين مع بعضهما,
لكنه يهدف إلى تقديم نصائح في تنفيذ التعدد هدفها الأساس هو المحافظة على كيان الأسرة المسلمة من الانهيار, فليس من المعقول أن نسعى لبناء أسرة جديدة على حساب أسرة قائمة بالفعل,
لذلك فقد قدّم الكاتب نصيحة للزوج الذي يريد الزواج بثانية توقفتُ عندها وهي اللجوء إلى السرية,
والتي نصح بأن تكون مدتها قرابة خمس سنوات
ليستطيع الزوج درس أوضاعه في الزواج الثاني بهدوء وروية بعيداً عن انفعالات الزوجة الأولى
وضغوطها لكن هذه السرية لا تعني عدم تثبيت الزواج وشرعيته,
وبيّن الكاتب فوائد أو ميزات هذه السرية والتي تهدف كلها لحماية الأسرة القديمة والجديدة على حد سواء,
ورغم أن الكاتب يتحدث بواقعية بعيداً عن التنظيرات لكني شخصياً لا أحبذ هذه السرية,
وبرأيي أن من عزم على الزواج بثانية يجب أن يكون قادراً على تحمل مسؤولية وتبعات هذا القرار بكل جوانبه. وهذا ما يقودني للحديث عن جانب مهم لا نوليه الاهتمام اللازم ألا وهو الأهلية للزواج,
فقد بيّن الله تعالى أن هناك مسؤوليات مترافقة مع الزواج,
فعلى الزوج وجوب الرعاية والولاية والعشرة بالمعروف, والنفقة,
والعناية بالأولاد وتأمين إرضاعهم وتربيتهم .........إلخ,
وبيّن لنا حقوق الزوجة ومسؤولياتها وحقوق الزوج ومسؤولياته مما يجده أي قارئ لكتاب الله,
ولم يجعل الزواج مجرد ارتباط جسدي لا يترتب عليه أي مسؤولية أو تبعات.
وعلى ذلك فإن بحث آلية تنفيذ التعدد لا تنفصل عن بحثنا في أهلية الزواج بأي حال من الأحوال حسب رأيي, وخصوصاً أن الناس عندنا تعودوا دائماً على المطالبة بالحقوق دون أن يكلفوا أنفسهم عناء أداء الواجبات, فيقولون يجب أن نراعي الحاجات البشرية الفطرية ولا يكلفون أنفسهم عناء ملاحظة أن الله وجّه إلى تنظيم هذه الحاجات وعقلنتها وليس تلبيتها دون تعقّل.
فالزواج من امرأة واحدة يحتاج إلى أهليّة, هذه الأهليّة ليست أهليّة ماديّة فقط, لكنها أهليّة تحمّل المسؤوليّة, مسؤولية العناية والرعاية والولاية,
فإذا كان معظم رجالنا اليوم لا يمتلكون مثل هذه الأهليّة فكيف نقول لهم إن التعدد مسموح لهم أصلاً؟
طبعاً فإن الرجل الذي لا يراعي أسرته ولا يستطيع الإنفاق عليها,
ولا ينتبه لتربية أولاده, هذا الرجل سيحاسب على تقصيره بحق بيته الأول,
فكيف إذا أراد الزواج من ثانية؟
الآن ما يحصل هو أننا نرى الرجل يسارع إلى التعدد وهو لا يقوم بواجباته المطلوبة منه نحو بيته الأول,
ويتجرأ على تحمّل مسؤولية فتح بيت جديد دون أي تفكير,
ويبرر عمله بأنه يقوم بإنقاذ عانس من شبح العنوسة
وغالباً نجد أن المتزوج عندما يريد التعدد يلجأ لاختيار زوجة صغيرة وشابة ولا يراعي العدل والحكمة,
ويحيل حياته إلى جحيم بسبب عدم قدرته على العدل من جهة,
وعدم قدرته على ضبط أمور زوجاته من جهة أخرى.
أما غيرة المرأة فهي أمر طبيعي موجود,
ولا أحسب أن امرأة تحب أن يكون لها شريكة في زوجها, وهذه طبيعة البشر,
ولكن المرأة هذه نفسها تقبل, بل ربما ترحب
(رغم أن هذا أمر نادر جداً بسبب ما جبلت عليه المرأة من غيرة وعاطفة) بزواج زوجها,
إذا وجدت منه العدل والإنصاف وعدم الميل, وإذا حافظ على تقديره لها ووجدت أن مكانتها عنده لم تتغير,
كما يحصل عادة, فغالباً يميل الرجل للجديدة فيهمل الأولى, ويدير لها ظهره,
ويقتصر اهتمامه بها على تقديم النفقة الباردة التي تشعر المرأة أنك لا شيء وأن مهمتك انتهت
ولم تعودي تلك الشابة المغرية التي يحبها زوجها.
إن هذه السلوكيات وغيرها جعلت من التعدد أمراً مزعجاً للمرأة,
وإن كان الكاتب قد نبّه إلى ذلك في كتابه وكنت أطمع منه للمزيد.
غير أن الكتاب يبقى مساهمة جديدة وجيدة في تقديم نصائح مهمة من أجل أن يكون التعدد أمراً مقبولاً بأقل الأضرار,
وآمل أن تجد نصائح الأستاذ علاء طريقها إلى الأسماع والعقول الواعية.
 
الوسوم
.
عودة
أعلى