الصيام والتربية الروحية

ياسر المنياوى

شخصية هامة

3%286%29.jpg



الصيام والتربية الروحية

من عظمة الإسلام أنه يوازن بين المادة والروح في إطارٍ متوازن بما يحقِّق للإنسان الإشباع المادي والروحي معًا، فالمادة هي أساس بناء الجسد؛ ليقوى على عبادة الله عزَّ وجلَّ، كما أن الروح هي أساس الجانب المعنوي داخل الإنسان؛ ليستشعر حلاوة الإيمان بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نبيًا ورسولاً.


ولقد أكد القرآن الكريم هذه الحقيقة بقول الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)﴾ (القصص)، والمسلم الصادق القوي الإيمان يبتغي بكلِّ شيء وجه الله، وأساس ذلك قول الله تبارك وتعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)﴾ (الأنعام).


وتعتبر فريضة الصوم من أهم مقومات التربية الروحية وتزكية النفس، كما أنه علاج فعَّال لما يصيبها من قسوة وغلظة وخشونة، وتكاسل عن الطاعات والعبادات، وضيق الصدر والغفلة عن الله عزَّ وجلَّ، والوقوع في المعاصي.


الصيام جُنّة للنفس
والصيام مدرسة للتربية الروحية؛ حيث يهذِّب النفس البشرية ويقوِّمها، ويطهِّر القلوب من عبادة المال، ويقوِّي ويعمِّق الإيمان بالله، كما أنه يُنَقِّي الروح والجسد من طغيان المادة، ويحمي الإنسان من شوائب الشهوات الحيوانية الجسمية إذا ما تجاوزت ما شرعه الله عزَّ وجلَّ في هذا الشهر.

فهو وقاية للنفس البشرية من النار، ولقد روى الإمام أحمد بإسناد حسن عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله تعالى: الصيام جنة يستجن بها العبد من النار، وهو لي وأنا أجزي به" (صحيح الجامع).


تأثيرات الصيام الروحية
وتأثيرات الصيام الروحية عديدة نذكر منها على سبيل المثال:
أولاً: الصيام يزيد المؤمن تقوى وصلاحًا، ويقيه الإلحاد والمعصية، ذلك على أساس التربية الروحية، قال الله عزَّ وجلَّ موضحًا الغاية من الصيام وهي التقوى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)﴾ (البقرة).


فالمفطر الجاحد لفريضة الصيام كافر، والمفطر كسلاً وتقصيرًا يعتبر فاسقًا عاصيًا.


ثانيًا: الصيام يُدْخِل على النفس البشرية السعادة والبهجة والاطمئنان، ويحميها من القلق والاضطراب، فالمسلم يفرح لقدوم شهر رمضان ويستعد له استعدادًا كريمًا، متذكرًا قول الرســول صلى الله عليه وسلم: "إذا جاءكم رمضان فُتحت أبواب الجنة وغُلقت أبواب النار وصُفدت الشياطين" (رواه البخاري ومسلم)


ثالثًا: الصيام يُعوِّد النفس البشرية على الدعاء والتبتل، ويقيها من التكبر، فدعاء الصائم مجابٌ ولقد وردت آية الدعاء في وسط آيات الصوم، فيقول الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)﴾ (البقرة)، كما أن في رمضان ليلة القدر، وهي خير من ألف شهر، يتوجَّه الصائم فيها بالدعوات الصالحات؛ حيث يقول: "اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني" (رواه ابن ماجه والترمذي عن عائشة).


رابعًا: يُنَمِّي الصوم في النفس البشرية المراقبة الذاتية؛ حيث يستشعر الصائم أن الله عزَّ وجلَّ يراقبه في كلِّ تصرفاته وسكناته، يصوم بدنه وتصوم جوارحه ويصوم قلبه، يقيه ويحميه الصوم عن عمل أي شيء يُضيِّع عليه ثواب الصائمين، مؤمنًا بقول الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4)﴾ (الحديد: من الآية 4) وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك" (متفق عليه).


خامسًا: يزيد الصوم عند المسلم الإخلاص لله ويجنبه النفاق والرياء والتفاخر، فالصوم لله وحده والله وحده هو الذي يجزي الصائمين، مصداقًا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن رب العزة أنه قال:"كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فهو لي وأنا أجزي به" (رواه البخاري ومسلم)، والصائم حين يُفطر يتوجَّه إلى الله بالدعاء ويقول: "اللهم إني لك صمت وبك آمنت وعلى رزقك أفطرت".


سادسًا: والصوم يدرِّب النفس البشرية على الجهاد ويحميها من الخنوع والجبن.. ومجاهدة هوى النفس التي يحب صاحبها المأكل والمشرب والشهوة.. كما يدرِّبها على الخشونة والصبر والثبات وقوة التحمُّل، وعندما يفلح المسلم الصائم في الجهاد ضد هوى النفس، ويستطيع أن يجاهد أعداء الإسلام.


علاج أمراض النفس
الصيام وجاء للنفس البشرية من أن تقع في المعاصي الظاهرة منها والباطنة وارتكاب ما حرَّمه الله عزَّ وجلَّ؛ لأن الإنسان يعيش في أجواء إيمانية بين القرآن والقيام والذكر والدعاء والتبتل ومع عباد الله الصالحين.

كما يُعتبر الصيام علاجًا لقسوة القلب وغلظته؛ لأنه يرقق القلوب إلى الله الذي خلقه ورزقه وهو الذي سوف يميته ويقبره ويبعثه ثم يحشره ويحاسبه، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلاّ من أتى الله بقلب سليم، والصوم علاج فعاَّل للفتور الذي يُصيب النفس البشرية ويجعلها تتكاسل عن الطاعات والعبادات أو عدم إتقانها والتعلُّق بالدنيا وزخارفها، ومنها المال والبنون والزوجة؛ حيث يعيش المسلم معظم وقته مع عباد الله الصالحين الصائمين في مجالس الذكر والدعاء.


وصايا إلى أصحاب النفوس الصائمة
- اغتنم شهر الصيام لتربِّي نفسك على الإخلاص لله وتطهِّرها من النفاق والرياء.

- اغتنم شهر الصيام لتربِّي نفسك على الامتثال والطاعة والإذعان لله رب العالمين، وتطهرها من الكبر والمظهرية.


- اغتنم شهر الصيام لتتجه بنفسك إلى الله بالدعاء والتبتل راجيًا المغفرة والعتق من النار، وتطهرها من الغفلة عن ذكر الله.


- اغتنم شهر الصيام لتخضع نفسك لمراقبة الله عزَّ وجلَّ؛ لتزداد خشية له وخوفًا منه.


- اغتنم شهر الصيام لتدرب نفسك على الجهاد وكبح هواهـا؛ لتكون من أصحاب العزائم.

 
الوسوم
الروح الصيام تربيــة رمضان
عودة
أعلى