حكم ذمّ الزمن أو الوقت أو الدَّهر

smile

شخصية هامة
حُـكم وصف الزمان بأنه مجنون أو قاسي أوجارِح

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أسعد الله اوقااتكم بالخير شيخنا الكريم .. عبدالرحمن السحيم
سؤالي عن بعض الأسماء المستعارة في المنتديات فبحكم إشرافي عليها أخشى أن يكون سكوتي عنها محط لإثم فأسأل فضيلتكم عن حكم التسمي بـ
حنون في زمن مجنون
زماني جرحني
عايش في زمن قاسي
وهل ذكر الزمن هنا : سب او ذم او وصف !
جزاكم الله كل خير



الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وجزاك الله خيرا

ما يتعلّق بنحو تلك الألفاظ يكون على قسمين :
الأول : ذمّ الزمن أو الوقت أو الدَّهر .
الثاني : مُجرّد وصف .

فالأول منهي عنه ، وقد يصِل بصاحبه إلى الشرك بالله ، إذا نَسَب الفعل إلى غير الله .
فَنِسْبَة التعاسة إلى الدّهر والزمان ، بل ونسبة الفقر والديون إليه ، خطأ مِن جِهتين :

الأولى : نسبة الأفعال إلى الزمان ، وهذا قد يصِل بصاحبه إلى الشرك ، إذا اعتقد أن الزمان يفعل كذا . وهذا كَحَال الذين قالوا : (مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ) .

الثانية : أنه مُتضمّن لِسَبّ الدّهر المنهي عنه ، كما قال تعالى في الحديث القدسي : يَسُبّ بنو آدم الدهر ، وأنا الدهر بيدي الليل والنهار . رواه البخاري ومسلم .
وكما في قوله صلى الله عليه وسلم : قال الله عز وجل : يؤذيني بن آدم يقول : يا خيبة الدهر . فلا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر ، فإني أنا الدهر ، أقلَّب ليله ونهاره ، فإذا شئت قبضتهما . رواه البخاري ومسلم .

قال ابن القيم رحمه الله : في هذا ثلاث مفاسد عظيمة :
إحداها : سَـبّه مَن ليس بأهل أن يُسَبّ ، فإن الدهر خَلْق مُسَخّر مِن خَلْق الله ، مُنْقَاد لأمْرِه ، مُذَلّل لتسخيره ؛ فَسَابّـه أولى بالذم والسب منه .
الثانية : أن سَـبّه مُتَضَمّن للشرك ، فإنه إنما سبه لظنه أنه يَضُرّ وينفع ، وأنه مع ذلك ظالم قد ضَرّ مَن لا يستحق الضرر ، وأعطى من لا يستحق العطاء ، ورفع من لا يستحق الرفعة ، وحَرَم مَن لا يستحق الحرمان ، وهو عند شاتميه مِن أظلم الظَّلَمة . وأشعار هؤلاء الظلمة الخونة في سَـبّه كثيرة جدا ، وكثير مِن الْجُهّال يُصَرّح بِلَعْنِه وتَقْبِيحِه .
الثالثة : أن السبّ منهم إنما يَقَع على مَن فَعل هذه الأفعال التي لو أتبع الحق فيها أهواءهم لَفَسَدَتِ السماوات والأرض ، وفي حقيقة الأمر فَرَبّ الدهر تعالى هو المعطي المانع ، الخافض الرافع ، الْمُعِزّ الْمُذِلّ ، والدهر ليس له من الأمر شيء ؛ فَمَسَبّتهم للدهر مَسَبّة لله عز وجل . اهـ .

مع ما فيه أيضا من سوء الأدب مع الله ، لأن هذا يُشبه حال الذي قال : أهانن ، كما في قوله تعالى : (وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ) .

وأما الوَصْف الخالي من الذم ، فإنه لا يُمنع منه ، فقد وصف الله الأيام بالنَّحس وبالشؤم ، فقال عن عاد : (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) .
وقال عنهم : (سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا) .

قال أهل العلم بتأويل القرآن في قول الله عز وجل : (فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ) قالوا : مشائيم . قال أبو عبيدة : نحسات ذوات نحوس مشائيم . قاله ابن عبد البر في التمهيد .
وقال البغوي : (نَحِسَاتٍ) أي نكدات مشؤمات ذات نحوس . اهـ .

وقال تعالى عن عاد أيضا : (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ)
قال القرطبي : أي دائم الشؤم استمر عليهم بِنُحُوسِه ، واستمرّ عليهم فيه العذاب إلى الهلاك . اهـ .

فهذا من باب الوصف ، لا من باب الذمّ .

وليس من الأدب وصف الزمن بالقسوة ، ولا بالخيانة ، ولا بالْجَرْح ؛ لأن الزمن هو الوقت الذي يُجري الله عزّ وَجَلّ فيه الأفعال .
فالزمن ليس منه شيء ، ولا يُنسب إليه شيء .

والله تعالى أعلم .

المجيب الشيخ / عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
عضو مكتب الدعوة والإرشاد
 
حكم ذمّ الزمن أو الوقت أو الدَّهر
 
الوسوم
الزمن الوقت.الدهر حكم ذم
عودة
أعلى