السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,
هذه دراسة مُهمة لباحثين من الوسط العربي حول التعليم خارج البلاد وخصوصاً في الاردن , وذلكَ بسبب الاسئلة الكثيرة التيَ تُطرح حول هذا الموضوع في القسم الاكاديمي ولما في من مصلحة للطلاب ..
يعتبر المواطنون العرب في إسرائيل التعليم الجامعي الأكاديمي عاملا حيويا في صراعهم القومي والسياسي، وعاملا مساعدا في استيعابهم في سوق العمل الإسرائيلي، إضافة الى المساهمة في الحراك الاجتماعي والثقافي والاقتصادي. هذه الطموحات تبرز عند كثير من الطلاب خريجي المدارس الثانوية العربية الذين ينوون دراسة مواضيع ومهن مستقلة ذات القيمة والهيبة الاجتماعية ، مثل الطب والمحاماة والهندسة. إن تعلم موضوع ومهنة مستقلة في الجامعة تحرر الطلاب العرب من الإتكالية للوظائف التي لها علاقة بمهنة التدريس ووظائف خدمة الجمهور. على هذا الاساس فالأكاديميون في المجتمع العربي يشعرون بانهم حملة رسالة واصحاب مسؤولية تجاه مجتمعهم، والمجتمع المحيط بهم يتوقع منهم الكثير، على الأغلب في مجال القيادة الإجتماعية والقومية التي تمثل صراع الأقلية العربية من أجل المساواة التامة في الدولة.
إن تطور التعليم العالي في المجتمع العربي في اسرائيل ناتج من عدة عوامل اساسية، ولكن بصورة كبيرة من الإزدياد السريع بأعداد الطلاب والطالبات العرب الذين يلتحقون بالجامعات الاسرائيلية والكليات الاكاديمية والجامعات العالمية في خارج البلاد، وخصوصا الزيادة الملحوظة في عدد الطلاب والطالبات العرب من إسرائيل والذين يدرسون في جامعات ومعاهد المملكة الاردنية الهاشمية. إستنادا الى معطيات مجلس التعليم العالي الاردني فإن عدد الطلاب الذين يدرسون في الجامعات الاردنية في السنة الدراسية 2004-2005 بلغ حوالي 1.654 طالبا وطالبة. ومن المتوقع أن يكون هذا العدد قد تضاعف في السنة الدراسية 2006-2007.
في هذه المقالة نحاول أن نظهر قسما من النتائج الاولية لبحثنا الميداني عن ظاهرة دراسة الطلاب العرب في جامعات المملكة الاردنية الهاشمية ومحاولة تحليل هذه الظاهرة سوسيولوجيا وأنثروبولوجيا وتربويا. لأجل ذلك قمنا بإجراء مقابلات عديدة مع طلاب عرب من البلاد يدرسون في الجامعات الاردنية ومع بعض من خريجي وخريجات جامعات اردنية عادوا الى البلاد بعد دراستهم في الاردن. تجدر الإشارة بأننا نقوم حاليا بإجراء بحث ميداني شامل عن هذه الظاهرة، حيث يشمل البحث الميداني عينة بشرية كبيرة من الطلاب والطالبات الذين يدرسون في الجامعات الاردنية المختلفة. ونحن بصد نشر نتائج البحث عند اتمامه مع نهاية السنة الحالية بمشيئة الله. نستعرض الان بعضا من نتائج المقابلات: التي اجريناها مع طلاب وطالبات في الشهر الماضي:
عن اسباب السفر والدراسة في الأردن: تشير النتائج الاولية للمقابلات التي اجريناها مع طلاب وطالبات يدرسون في الاردن ان هناك اسبابا كثيرة لسفرهم الى الاردن بعد انهاء دراستهم الثانوية. فكما هو متبع في نظريات الهجرة والهجرة المؤقتة permanent and temperoral immigration فإنه توجد عوامل جذب pull factors من الدولة التي يتم الهجرة اليها، وعوامل طرد push factors من الدولة التي يتم الهجرة منها مؤقتا لهدف تكملة التعليم العالي. ان نتائج المقابلات تظهر ان العوامل للسفر الى الاردن لغرض الدراسة نابعة على الأغلب من عوامل طرد اكثر من عوامل الجذب. ان العامل الاساسي الطارد للطلاب العرب الى الاردن هو سياسة القبول الصعبة للجامعات الاسرائيلية ،وخصوصا لمواضيع مستقلة وذات هيبة اجتماعية والتي ما زال لها طلب في سوق العمل في البلاد ، مثل الطب والصيدلة والمهن الطبية المختلفة. فالقبول لهذه المواضيع يتطلب كما هو معروف علامات عالية في البجروت وعلامات عالية واحيانا خيالية في امتحان البسيخومتري ومقابلة شخصية تعتبر من العراقيل الصعبة للطلاب في الاونة الاخيرة وتحديد الجيل للقبول. هذه العقبات والعراقيل لا يجدها الطالب المنتسب لنفس المواضيع في الجامعات الاردنية. فمن أجل القبول لكلية الصيدلة في الجامعة الاردنية يحتاج الطالب الى معدل ما فوق 85 في البجروت(بدون بونوس)، واظهار انه قد تعلم 4-5 وحدات تعليمية في المواضيع العلمية والنجاح في امتحانين للحاسوب واللغة الانجليزية. لا توجد شروط لامتحان بسيخومتري، ولا تحديد لجيل الطالب، كما هو متبع في جامعات البلاد، فانهم لا يحتاجون للانتظار سنة او سنتين او ثلاثة من اجل الحصول على القبول اذا اوفوا طبعا بشروط القبول.
وهناك من الطلاب من صرح بأن سفرهم الى الاردن للدراسة نابع من القرب الجغرافي للاردن من البلاد . أخرون قالوا ان اللغة والثقافة العربية ، وخصوصا الطالبات، كانت من بين العوامل للسفر الى الاردن للدراسة بجامعاتها. وتجدر الاشارة بأن قسما لا باس به من الطلاب سافر الى الاردن لتكملة تعليمهم العالي لنيل شهادة الماجستير والدكتوراة في مواضيع الشريعة والفقه الاسلامي والتي لا توجد في جامعات البلاد، ودراستها في دولة عربية اسلامية تكون على درجة عالية من المستوى التعليمي والمعرفي. وقسم اخر من الطلاب قد فضل الدراسة في الاردن بسبب منحة دراسية، أو كما تعرف بمكرمة ملكية، حصلوا عليها من احد الاحزاب الفاعلة على الساحة المحلية والتي تربطها علاقات ثقافية مع المسؤولين في هذا الميدان في المملكة الاردنية الهاشمية.
مستوى التعليم: تقسم الجامعات الاردنية عامة الى جامعات حكومية وجامعات أهلية. ومستوى التعليم في الجامعات الاهلية عال جدا. فالطلاب العرب يفضلون الدراسة في الجامعات الاهلية ذات المستوى العالي والتي لها مكانة أكاديمية عالمية واعتراف من مجلس التعليم العالي في اسرائيل. أغلبية الطلاب يدّعون ان مستوى التعليم في الجامعات الاردنية عال جدا، إلا أنهم ينتقدون اساليب وطرق التعليم في الجامعات الأردنية، وذلك انها تعتمد كثيرا على الاساليب التقليدية من الحفظ والبصم والايداع البنكي للمعلومات، واهمال الجوانب العملية والميدانية والتطبيقية والتحليلية المهمة لبعض المواضيع مثل مواضيع العلاج بالنطق والمواضيع الطبية. ليس غريبا بان الطلاب الذين لم يخططوا لدراستهم مسبقا قد قاموا بتغيير موضوع الدراسة في الجامعة اكثر من مرتين بالمعدل. ولكن اغلب الطلاب يقرّون ان علاقات المحاضرين بهم كانت وطيدة ومبنية على الاحترام المتبادل، وبأن المحاضرين في الجامعات الاردنية على مستوى عال من المعرفة والأكاديمية، وذلك ان معظمهم من خريجي جامعات اوروبية وامريكية. ان لغة اغلب المساقات التعليمية في الجامعات الأردنية، وخصوصا المساقات العلمية هي اللغة الانجليزية. فليس غريبا ان يصرّح معظم الطلاب المبحوثين ان لغتهم الانجليزية تقوّت على حساب اللغة العبرية. وبسبب الاهتمام بالعلم والتعليم النظري ومكانته عامة في الجامعات وفي المجتمع الأردني، فقد زادت اهمية القراءة والمطالعة وشراء الكتب عند اغلب الطلاب العرب من اسرائيل الذين يدرسون في الجامعات الاردنية.
التكاليف الاقتصادية: ما من شك ان تكاليف ومصاريف التعليم في الجامعات الاردنية باهظة جدا استنادا الى ما صرّح به معظم الطلاب الذين تم اجراء المقابلة معهم. وهي تفوق مصاريف الدراسة في الجامعات الاسرائيلية وحتى في الجامعات الاوروبية. ان رسوم التعليم في الجامعات الاهلية عالية جدا، والذين ينتسبون اليها هم على الأغلب من ذوي الطبقات الاجتماعية المقتدرة والمتمكنة اقتصاديا. فليس غريبا ان ينتسب الى هذه الجامعات طلاب عرب من دول الخليج، مثل الكويت والسعودية. ان رسوم الدراسة في الجامعة مرهونة بعدد الساعات المعتمدة ومتعلقة بموضوع الدراسة. فمثلا من يدرس موضوع الصيدلة، فان ساعة الدراسة المعتمدة تكلف 70 دينارا. فالسنة الاولى في تخصص الصيدلة تحتاج الى 40 ساعة معتمدة ، وعلى هذا الاساس فان السنة في تخصص الصيدلة تحتاج الى رسوم جامعي قرابة 2.800 دينار بالمعدل، وهو أعلى بكثير من رسوم التعليم في الجامعات الاسرائيلية. ان معدل الرسوم الجامعية في الجامعات الاردنية يبلغ 2.000 دينار. وعلى الرغم من مستوى المعيشة المنخفض نسبيا للحياة في إسرائيل، إلا أن الطالب يحتاج الى مصروف شهري يغطي مصاريفه اليومية واجرة السكن ورسوم المكتبة والإنترنت والسفر، ما يكلفه قرابة 2.500 دينار سنويا، وهذا متعلق بالطبع بالمدينة التي تتواجد فيها الجامعة، فعمان مثلا تختلف عن اربد بهذا الخصوص. لا ننسى مصاريف السفر من اسرائيل الى الاردن ، حيث مصاريف السفر ورسوم المعابر والخ. اجمالا استنادا الى نتائج المقابلات نقول بان تكاليف التعليم في الجامعات الاردنية عالية جدا، وخصوصا للطلاب الذين يدرسون الطب(250 دينار للساعة المعتمدة) والصيدلة، مقارنة لتكاليف التعليم في الجامعات الاسرائيلية أو حتى في الجامعات الالمانية. على الرغم من ذلك فان رسوم التعليم العالية والمصاريف المقرونة بحياة الطلاب العرب في الأردن، إلا أنها لا تكون عقبة امام الطلاب بمواصلة الهجرة المؤقتة الى الاردن بهدف التعليم والدراسة والعودة مع شهادات ذات قيمة عالية. تجدر الاشارة ان قسما من الطلاب لا بأس به يحصل على منحة دراسية لتغطية رسوم التعليم. ومن الطلاب ايضا من يحصل على تخفيض في رسوم التعليم اذا ما تفوّق في دراسته وحصل على معدلات عالية. فليس غريبا ان الطلاب العرب يحاولون استغلال هذه المنح وبالتالي يرتفع مستوى التعليم في الجامعة نفسها.
التكيّف الاجتماعي: لقد أجمع الطلاب الذين قابلناهم بان المجتمع الاردني رغم الثقافة والحضارة العربية المشتركة، يحمل اراءا مسبقة ومقولبات عن العرب في إسرائيل، أو كما يطلقون عليهم عرب 48. فقسم كبير من المجتمع المحلي يحمل افكارا مسبقة عنهم، على أنهم عرب يهود أو يتحلون بصفات وسمات وتصرفات اسرائيلية. على هذا الاساس يقضي أغلب طلاب عرب 48 معظم اوقاتهم مع بعضهم البعض، في مساكن الطلبة او في اللقاءات او في الحفلات والمطاعم والالعاب الرياضية المشتركة، وهي تكون فرصة جيدة للتعارف والتقارب المحلي ولو خارج البلاد. فهم يكوّنون مجتمعا عربيا صغيرا خاصا بهم في الاردن. يجمع الطلاب ان لغتهم العربية قد تقوّت وتطهّرت من الدخيل العبري، ولو ان اللهجات الاردنية صعبة نسبيا لهم. معظم الطلاب لا ينخرطون في المجالات والفعاليات السياسية. معظم الطلاب قالوا انهم يستمتعون باجواء الحياة الاجتماعية وخصوصا انهم بدولة عربية تتمتع بالامان والنظام وسلطة تطبيق القانون، رغم التباين الاجتماعي والاقتصادي بين الناس في المجتمع الاردني. اجمالا نقول ان الطلاب العرب لا يواجهون صعوبات بالتكيف الاجتماعي ولا يمرّون بصدمة حضارية، كما يحصل للمهاجر الى دولة اجنبية جديدة، إلا أن الرأي المسبق عن العرب في اسرائيل هو ما يضايقهم ويسبب لهم المصاعب وخصوصا عند وصولهم وبداية اندماجهم في المجتمع.
استنتاج:ان التعليم العالي في المجتمع العربي يجب ان يتكّيف مع احتياجات المجتمع وطلباته، وإلا فان التخطيط للدراسة العليا ان لم يكن شاملا وكاملا فانه يبقى فارغ الفعالية. ان المجتمع العربي يرسل طلابه باعداد كبيرة للدراسة الى الاردن في الاونة الأخيرة، والتعليم العالي بحد ذاته هو خطوة مهمة لكل مجتمع يسعى للنجاح والازدهار. ان تلبية احتياجات سوق العمل في المجتمع العربي في اسرائيل تظهر اهمية التوجيه التربوي الناجح، والذي يجب ان يكون جزءا لا يتجزأ من المدرسة. صحيح ان الفرد هو صاحب المسؤولية الاخير في اتخاذ القرار المهني الخاص به، ولكن يجب على هذا الفرد ان يمر بتوجيه لمعرفة مواهبه وقدراته وميوله قبل ان يتخذ قرارا بالنسبة لتعليمه ودراسته العليا. في هذه المقالة لم نتعرض لمواضيع الاعتراف بالشهادة من الجامعة الاردنية والعمل وقضية الاستيعاب في سوق العمل في البلاد، حيث سنتطرق لها لاحقا في بحثنا الشامل. ان مهمة المدرسة ان تقدم للطالب مجالا واسعا من الخيارات المتعلقة بالوظائف المتوفرة في سوق العمل وحالة الاجور واخيرا في حاجات المجتمع في البلاد. ان الهدف من التعليم العالي يجب ان يكون في ضوء حاجات المجتمع العربي الملّحة والعاجلة ولكن تحت مراقبة وارشاد. ان سفر الطلاب الى الاردن لغرض الدراسة والتعليم بهذه الاعداد الكبيرة وبدون تخطيط مسبق، يعتبر قضية ملحّة بحاجة لان نواصل معها ببحثنا الشامل. ان عودة الالاف من الاكاديميين العرب خريجي الجامعات الاردنية الى وطنهم في السنوات القادمة، لا يمكن استيعابها مباشرة بهذه الكمية. وهنا نطرح الاسئلة: هل كان سفر هؤلاء الطلاب الى الاردن ضمن تخطيط مسبق؟ وهل يقوم على اسس علمية واضحة؟ وهل خطط المجتمع العربي، وخصوصا الأحزاب العربية التي تمنح عددا كبيرا منهم المنح الدراسية، لعودتهم بجانب التخطيط لابتعاثهم؟
رغم ان التعليم العالي هو الوسيلة للتطور والتنوير وهو غاية المنى، ورغم ان التعليم هو رسالة تربوية وحضارية سامية، الا ان الوظيفة والمحددات الاقتصادية مهمة هي الاخرى. ان التخطيط التربوي السليم والتوجيه الدراسي للطلاب يجب ان يكون عن طريق مؤسسات تربوية مؤهلة ومسؤولة، ولا يجب ان يكون ارتجالا واضحا بدون تخطيط او تقليد، حيث تظهر نتائج ذلك منعكسة في اشكال الخريجين لا يحتاجهم مجتمعهم، بينما نعاني من العجز في بعض التخصصات التي تشتد اليها الحاجة. واخيرا لا نريد تسونامي من شهادات من نوع واحد بدون تخطيط وبدون سياسة رشيدة لتلبية الاحتياجات، إنما نريد شهادات تتوزّع على مختلف التخصصات وتكون انعكاسا لخطط تنمية اقتصادية من اجل انجاحها ومن اجل ازدهار التعليم في المجتمع العربي في نفس الوقت. والى اللقاء في نتائج الدراسة الشاملة بمشيئة
منقول للفائدة !!
هذه دراسة مُهمة لباحثين من الوسط العربي حول التعليم خارج البلاد وخصوصاً في الاردن , وذلكَ بسبب الاسئلة الكثيرة التيَ تُطرح حول هذا الموضوع في القسم الاكاديمي ولما في من مصلحة للطلاب ..
يعتبر المواطنون العرب في إسرائيل التعليم الجامعي الأكاديمي عاملا حيويا في صراعهم القومي والسياسي، وعاملا مساعدا في استيعابهم في سوق العمل الإسرائيلي، إضافة الى المساهمة في الحراك الاجتماعي والثقافي والاقتصادي. هذه الطموحات تبرز عند كثير من الطلاب خريجي المدارس الثانوية العربية الذين ينوون دراسة مواضيع ومهن مستقلة ذات القيمة والهيبة الاجتماعية ، مثل الطب والمحاماة والهندسة. إن تعلم موضوع ومهنة مستقلة في الجامعة تحرر الطلاب العرب من الإتكالية للوظائف التي لها علاقة بمهنة التدريس ووظائف خدمة الجمهور. على هذا الاساس فالأكاديميون في المجتمع العربي يشعرون بانهم حملة رسالة واصحاب مسؤولية تجاه مجتمعهم، والمجتمع المحيط بهم يتوقع منهم الكثير، على الأغلب في مجال القيادة الإجتماعية والقومية التي تمثل صراع الأقلية العربية من أجل المساواة التامة في الدولة.
إن تطور التعليم العالي في المجتمع العربي في اسرائيل ناتج من عدة عوامل اساسية، ولكن بصورة كبيرة من الإزدياد السريع بأعداد الطلاب والطالبات العرب الذين يلتحقون بالجامعات الاسرائيلية والكليات الاكاديمية والجامعات العالمية في خارج البلاد، وخصوصا الزيادة الملحوظة في عدد الطلاب والطالبات العرب من إسرائيل والذين يدرسون في جامعات ومعاهد المملكة الاردنية الهاشمية. إستنادا الى معطيات مجلس التعليم العالي الاردني فإن عدد الطلاب الذين يدرسون في الجامعات الاردنية في السنة الدراسية 2004-2005 بلغ حوالي 1.654 طالبا وطالبة. ومن المتوقع أن يكون هذا العدد قد تضاعف في السنة الدراسية 2006-2007.
في هذه المقالة نحاول أن نظهر قسما من النتائج الاولية لبحثنا الميداني عن ظاهرة دراسة الطلاب العرب في جامعات المملكة الاردنية الهاشمية ومحاولة تحليل هذه الظاهرة سوسيولوجيا وأنثروبولوجيا وتربويا. لأجل ذلك قمنا بإجراء مقابلات عديدة مع طلاب عرب من البلاد يدرسون في الجامعات الاردنية ومع بعض من خريجي وخريجات جامعات اردنية عادوا الى البلاد بعد دراستهم في الاردن. تجدر الإشارة بأننا نقوم حاليا بإجراء بحث ميداني شامل عن هذه الظاهرة، حيث يشمل البحث الميداني عينة بشرية كبيرة من الطلاب والطالبات الذين يدرسون في الجامعات الاردنية المختلفة. ونحن بصد نشر نتائج البحث عند اتمامه مع نهاية السنة الحالية بمشيئة الله. نستعرض الان بعضا من نتائج المقابلات: التي اجريناها مع طلاب وطالبات في الشهر الماضي:
عن اسباب السفر والدراسة في الأردن: تشير النتائج الاولية للمقابلات التي اجريناها مع طلاب وطالبات يدرسون في الاردن ان هناك اسبابا كثيرة لسفرهم الى الاردن بعد انهاء دراستهم الثانوية. فكما هو متبع في نظريات الهجرة والهجرة المؤقتة permanent and temperoral immigration فإنه توجد عوامل جذب pull factors من الدولة التي يتم الهجرة اليها، وعوامل طرد push factors من الدولة التي يتم الهجرة منها مؤقتا لهدف تكملة التعليم العالي. ان نتائج المقابلات تظهر ان العوامل للسفر الى الاردن لغرض الدراسة نابعة على الأغلب من عوامل طرد اكثر من عوامل الجذب. ان العامل الاساسي الطارد للطلاب العرب الى الاردن هو سياسة القبول الصعبة للجامعات الاسرائيلية ،وخصوصا لمواضيع مستقلة وذات هيبة اجتماعية والتي ما زال لها طلب في سوق العمل في البلاد ، مثل الطب والصيدلة والمهن الطبية المختلفة. فالقبول لهذه المواضيع يتطلب كما هو معروف علامات عالية في البجروت وعلامات عالية واحيانا خيالية في امتحان البسيخومتري ومقابلة شخصية تعتبر من العراقيل الصعبة للطلاب في الاونة الاخيرة وتحديد الجيل للقبول. هذه العقبات والعراقيل لا يجدها الطالب المنتسب لنفس المواضيع في الجامعات الاردنية. فمن أجل القبول لكلية الصيدلة في الجامعة الاردنية يحتاج الطالب الى معدل ما فوق 85 في البجروت(بدون بونوس)، واظهار انه قد تعلم 4-5 وحدات تعليمية في المواضيع العلمية والنجاح في امتحانين للحاسوب واللغة الانجليزية. لا توجد شروط لامتحان بسيخومتري، ولا تحديد لجيل الطالب، كما هو متبع في جامعات البلاد، فانهم لا يحتاجون للانتظار سنة او سنتين او ثلاثة من اجل الحصول على القبول اذا اوفوا طبعا بشروط القبول.
وهناك من الطلاب من صرح بأن سفرهم الى الاردن للدراسة نابع من القرب الجغرافي للاردن من البلاد . أخرون قالوا ان اللغة والثقافة العربية ، وخصوصا الطالبات، كانت من بين العوامل للسفر الى الاردن للدراسة بجامعاتها. وتجدر الاشارة بأن قسما لا باس به من الطلاب سافر الى الاردن لتكملة تعليمهم العالي لنيل شهادة الماجستير والدكتوراة في مواضيع الشريعة والفقه الاسلامي والتي لا توجد في جامعات البلاد، ودراستها في دولة عربية اسلامية تكون على درجة عالية من المستوى التعليمي والمعرفي. وقسم اخر من الطلاب قد فضل الدراسة في الاردن بسبب منحة دراسية، أو كما تعرف بمكرمة ملكية، حصلوا عليها من احد الاحزاب الفاعلة على الساحة المحلية والتي تربطها علاقات ثقافية مع المسؤولين في هذا الميدان في المملكة الاردنية الهاشمية.
مستوى التعليم: تقسم الجامعات الاردنية عامة الى جامعات حكومية وجامعات أهلية. ومستوى التعليم في الجامعات الاهلية عال جدا. فالطلاب العرب يفضلون الدراسة في الجامعات الاهلية ذات المستوى العالي والتي لها مكانة أكاديمية عالمية واعتراف من مجلس التعليم العالي في اسرائيل. أغلبية الطلاب يدّعون ان مستوى التعليم في الجامعات الاردنية عال جدا، إلا أنهم ينتقدون اساليب وطرق التعليم في الجامعات الأردنية، وذلك انها تعتمد كثيرا على الاساليب التقليدية من الحفظ والبصم والايداع البنكي للمعلومات، واهمال الجوانب العملية والميدانية والتطبيقية والتحليلية المهمة لبعض المواضيع مثل مواضيع العلاج بالنطق والمواضيع الطبية. ليس غريبا بان الطلاب الذين لم يخططوا لدراستهم مسبقا قد قاموا بتغيير موضوع الدراسة في الجامعة اكثر من مرتين بالمعدل. ولكن اغلب الطلاب يقرّون ان علاقات المحاضرين بهم كانت وطيدة ومبنية على الاحترام المتبادل، وبأن المحاضرين في الجامعات الاردنية على مستوى عال من المعرفة والأكاديمية، وذلك ان معظمهم من خريجي جامعات اوروبية وامريكية. ان لغة اغلب المساقات التعليمية في الجامعات الأردنية، وخصوصا المساقات العلمية هي اللغة الانجليزية. فليس غريبا ان يصرّح معظم الطلاب المبحوثين ان لغتهم الانجليزية تقوّت على حساب اللغة العبرية. وبسبب الاهتمام بالعلم والتعليم النظري ومكانته عامة في الجامعات وفي المجتمع الأردني، فقد زادت اهمية القراءة والمطالعة وشراء الكتب عند اغلب الطلاب العرب من اسرائيل الذين يدرسون في الجامعات الاردنية.
التكاليف الاقتصادية: ما من شك ان تكاليف ومصاريف التعليم في الجامعات الاردنية باهظة جدا استنادا الى ما صرّح به معظم الطلاب الذين تم اجراء المقابلة معهم. وهي تفوق مصاريف الدراسة في الجامعات الاسرائيلية وحتى في الجامعات الاوروبية. ان رسوم التعليم في الجامعات الاهلية عالية جدا، والذين ينتسبون اليها هم على الأغلب من ذوي الطبقات الاجتماعية المقتدرة والمتمكنة اقتصاديا. فليس غريبا ان ينتسب الى هذه الجامعات طلاب عرب من دول الخليج، مثل الكويت والسعودية. ان رسوم الدراسة في الجامعة مرهونة بعدد الساعات المعتمدة ومتعلقة بموضوع الدراسة. فمثلا من يدرس موضوع الصيدلة، فان ساعة الدراسة المعتمدة تكلف 70 دينارا. فالسنة الاولى في تخصص الصيدلة تحتاج الى 40 ساعة معتمدة ، وعلى هذا الاساس فان السنة في تخصص الصيدلة تحتاج الى رسوم جامعي قرابة 2.800 دينار بالمعدل، وهو أعلى بكثير من رسوم التعليم في الجامعات الاسرائيلية. ان معدل الرسوم الجامعية في الجامعات الاردنية يبلغ 2.000 دينار. وعلى الرغم من مستوى المعيشة المنخفض نسبيا للحياة في إسرائيل، إلا أن الطالب يحتاج الى مصروف شهري يغطي مصاريفه اليومية واجرة السكن ورسوم المكتبة والإنترنت والسفر، ما يكلفه قرابة 2.500 دينار سنويا، وهذا متعلق بالطبع بالمدينة التي تتواجد فيها الجامعة، فعمان مثلا تختلف عن اربد بهذا الخصوص. لا ننسى مصاريف السفر من اسرائيل الى الاردن ، حيث مصاريف السفر ورسوم المعابر والخ. اجمالا استنادا الى نتائج المقابلات نقول بان تكاليف التعليم في الجامعات الاردنية عالية جدا، وخصوصا للطلاب الذين يدرسون الطب(250 دينار للساعة المعتمدة) والصيدلة، مقارنة لتكاليف التعليم في الجامعات الاسرائيلية أو حتى في الجامعات الالمانية. على الرغم من ذلك فان رسوم التعليم العالية والمصاريف المقرونة بحياة الطلاب العرب في الأردن، إلا أنها لا تكون عقبة امام الطلاب بمواصلة الهجرة المؤقتة الى الاردن بهدف التعليم والدراسة والعودة مع شهادات ذات قيمة عالية. تجدر الاشارة ان قسما من الطلاب لا بأس به يحصل على منحة دراسية لتغطية رسوم التعليم. ومن الطلاب ايضا من يحصل على تخفيض في رسوم التعليم اذا ما تفوّق في دراسته وحصل على معدلات عالية. فليس غريبا ان الطلاب العرب يحاولون استغلال هذه المنح وبالتالي يرتفع مستوى التعليم في الجامعة نفسها.
التكيّف الاجتماعي: لقد أجمع الطلاب الذين قابلناهم بان المجتمع الاردني رغم الثقافة والحضارة العربية المشتركة، يحمل اراءا مسبقة ومقولبات عن العرب في إسرائيل، أو كما يطلقون عليهم عرب 48. فقسم كبير من المجتمع المحلي يحمل افكارا مسبقة عنهم، على أنهم عرب يهود أو يتحلون بصفات وسمات وتصرفات اسرائيلية. على هذا الاساس يقضي أغلب طلاب عرب 48 معظم اوقاتهم مع بعضهم البعض، في مساكن الطلبة او في اللقاءات او في الحفلات والمطاعم والالعاب الرياضية المشتركة، وهي تكون فرصة جيدة للتعارف والتقارب المحلي ولو خارج البلاد. فهم يكوّنون مجتمعا عربيا صغيرا خاصا بهم في الاردن. يجمع الطلاب ان لغتهم العربية قد تقوّت وتطهّرت من الدخيل العبري، ولو ان اللهجات الاردنية صعبة نسبيا لهم. معظم الطلاب لا ينخرطون في المجالات والفعاليات السياسية. معظم الطلاب قالوا انهم يستمتعون باجواء الحياة الاجتماعية وخصوصا انهم بدولة عربية تتمتع بالامان والنظام وسلطة تطبيق القانون، رغم التباين الاجتماعي والاقتصادي بين الناس في المجتمع الاردني. اجمالا نقول ان الطلاب العرب لا يواجهون صعوبات بالتكيف الاجتماعي ولا يمرّون بصدمة حضارية، كما يحصل للمهاجر الى دولة اجنبية جديدة، إلا أن الرأي المسبق عن العرب في اسرائيل هو ما يضايقهم ويسبب لهم المصاعب وخصوصا عند وصولهم وبداية اندماجهم في المجتمع.
استنتاج:ان التعليم العالي في المجتمع العربي يجب ان يتكّيف مع احتياجات المجتمع وطلباته، وإلا فان التخطيط للدراسة العليا ان لم يكن شاملا وكاملا فانه يبقى فارغ الفعالية. ان المجتمع العربي يرسل طلابه باعداد كبيرة للدراسة الى الاردن في الاونة الأخيرة، والتعليم العالي بحد ذاته هو خطوة مهمة لكل مجتمع يسعى للنجاح والازدهار. ان تلبية احتياجات سوق العمل في المجتمع العربي في اسرائيل تظهر اهمية التوجيه التربوي الناجح، والذي يجب ان يكون جزءا لا يتجزأ من المدرسة. صحيح ان الفرد هو صاحب المسؤولية الاخير في اتخاذ القرار المهني الخاص به، ولكن يجب على هذا الفرد ان يمر بتوجيه لمعرفة مواهبه وقدراته وميوله قبل ان يتخذ قرارا بالنسبة لتعليمه ودراسته العليا. في هذه المقالة لم نتعرض لمواضيع الاعتراف بالشهادة من الجامعة الاردنية والعمل وقضية الاستيعاب في سوق العمل في البلاد، حيث سنتطرق لها لاحقا في بحثنا الشامل. ان مهمة المدرسة ان تقدم للطالب مجالا واسعا من الخيارات المتعلقة بالوظائف المتوفرة في سوق العمل وحالة الاجور واخيرا في حاجات المجتمع في البلاد. ان الهدف من التعليم العالي يجب ان يكون في ضوء حاجات المجتمع العربي الملّحة والعاجلة ولكن تحت مراقبة وارشاد. ان سفر الطلاب الى الاردن لغرض الدراسة والتعليم بهذه الاعداد الكبيرة وبدون تخطيط مسبق، يعتبر قضية ملحّة بحاجة لان نواصل معها ببحثنا الشامل. ان عودة الالاف من الاكاديميين العرب خريجي الجامعات الاردنية الى وطنهم في السنوات القادمة، لا يمكن استيعابها مباشرة بهذه الكمية. وهنا نطرح الاسئلة: هل كان سفر هؤلاء الطلاب الى الاردن ضمن تخطيط مسبق؟ وهل يقوم على اسس علمية واضحة؟ وهل خطط المجتمع العربي، وخصوصا الأحزاب العربية التي تمنح عددا كبيرا منهم المنح الدراسية، لعودتهم بجانب التخطيط لابتعاثهم؟
رغم ان التعليم العالي هو الوسيلة للتطور والتنوير وهو غاية المنى، ورغم ان التعليم هو رسالة تربوية وحضارية سامية، الا ان الوظيفة والمحددات الاقتصادية مهمة هي الاخرى. ان التخطيط التربوي السليم والتوجيه الدراسي للطلاب يجب ان يكون عن طريق مؤسسات تربوية مؤهلة ومسؤولة، ولا يجب ان يكون ارتجالا واضحا بدون تخطيط او تقليد، حيث تظهر نتائج ذلك منعكسة في اشكال الخريجين لا يحتاجهم مجتمعهم، بينما نعاني من العجز في بعض التخصصات التي تشتد اليها الحاجة. واخيرا لا نريد تسونامي من شهادات من نوع واحد بدون تخطيط وبدون سياسة رشيدة لتلبية الاحتياجات، إنما نريد شهادات تتوزّع على مختلف التخصصات وتكون انعكاسا لخطط تنمية اقتصادية من اجل انجاحها ومن اجل ازدهار التعليم في المجتمع العربي في نفس الوقت. والى اللقاء في نتائج الدراسة الشاملة بمشيئة
منقول للفائدة !!