المجموعة الكاملة لأشعار نزار قبانى ** متج ـدد **

  • تاريخ البدء
رسالة من تحت الماء




إن كنتَ صديقي.. ساعِدني

كَي أرحَلَ عَنك..

أو كُنتَ حبيبي.. ساعِدني

كَي أُشفى منك

لو أنِّي أعرِفُ أنَّ الحُبَّ خطيرٌ جِدَّاً

ما أحببت

لو أنِّي أعرفُ أنَّ البَحرَ عميقٌ جِداً

ما أبحرت ..

لو أنِّي أعرفُ خاتمتي

ما كنتُ بَدأت...

إشتقتُ إليكَ.. فعلِّمني

أن لا أشتاق

علِّمني

كيفَ أقُصُّ جذورَ هواكَ من الأعماق

علِّمني

كيف تموتُ الدمعةُ في الأحداق

علِّمني

كيفَ يموتُ القلبُ وتنتحرُ الأشواق

*

إن كنت نبياً .. خلصني

من هذا السحر..

من هذا الكفر

حبك كالكفر.. فطهرني

من هذا الكفر..

إن كنتَ قويَّاً.. أخرجني

من هذا اليَمّ..

فأنا لا أعرفُ فنَّ العوم

الموجُ الأزرقُ في عينيك.. يُجرجِرُني نحوَ الأعمق

وأنا ما عندي تجربةٌ

في الحب.. ولا عندي زورق..

إن كنت أعز عليك .. فخذ بيديّ

فأنا عاشقةٌ من رأسي .. حتى قدميّ

إني أتنفَّسُ تحتَ الماء..

إنّي أغرق..

أغرق..

أغرق..
 
القُبلة الأولى



عامان .. مرا عليها يا مقبلتي

وعطرها لم يزل يجري على شفتي

كأنها الآن .. لم تذهب حلاوتها

ولا يزال شذاها ملء صومعتي

إذ كان شعرك في كفي زوبعة

وكأن ثغرك أحطابي .. وموقدتي

قولي. أأفرغت في ثغري الجحيم وهل

من الهوى أن تكوني أنت محرقتي

لما تصالب ثغرانا بدافئة

لمحت في شفتيها طيف مقبرتي

تروي الحكايات أن الثغر معصية

حمراء .. إنك قد حببت معصيتي

ويزعم الناس أن الثغر ملعبها

فما لها التهمت عظمي وأوردتي؟

يا طيب قبلتك الأولى .. يرف بها

شذا جبالي .. وغاباتي .. وأوديتي

ويا نبيذية الثغر الصبي .. إذا

ذكرته غرقت بالماء حنجرتي..

ماذا على شفتي السفلى تركت .. وهل

طبعتها في فمي الملهوب .. أم رئتي؟

لم يبق لي منك .. إلا خيط رائحة

يدعوك أن ترجعي للوكر .. سيدتي

ذهبت أنت لغيري .. وهي باقية

نبعا من الوهج .. لم ينشف .. ولم يمت

تركتني جائع الأعصاب .. منفردا

أنا على نهم الميعاد .. فالتفتي

 
[URL="http://up.arab-x.com/Dec09/ZBu53913.jpg"][/URL]

. تكلمي .. تكلمي

أيتها الجميلة الخرساء

فالحب .. مثل الزهرة البيضاء

تكون أحلى .. عندما

.. توضع في إناء

، كالطير في السماء

والأسماك في البحار

. واعتبريني منك يا حبيبتي

.هل بيننا أسرار ؟

أبعد عامين معا؟

.تبقى لنا أسرار

.. تحدثي

عن كل ما يخطر في بالك من أفكار

، عن قطة المنزل

عن آنية الأزهار

عن الصديقات اللواتي

.. زرت في النهار

.. والمسرحيات التي شاهدتها

.. والطقس ، والأسفار

.. تحدثي

عما تحبين من الأشعار

، عن عودة الغيم

وعن رائحة الأمطار

.. تحدثي إلي عن بيروت

.. وحبنا المنقوش

فوق الرمل والمحار

.. فإن أخبارك يا حبيبتي

.. سيدة الأخبار

.. تصرفي حبيبتي

كسائر النساء

.. تكلمي عن أبسط الأشياء

وأصغر الأشياء

، عن ثوبك الجديد

عن قبعة الشتاء

عن الأزاهير التي اشتريتها

(من (شارع الحمراء

، تكلمي ، حبيبتي

عما فعلت اليوم

- أي كتاب - مثلا

قرأت قبل النوم؟

أين قضيت عطلة الأسبوع ؟

وما الذي شاهدت من أفلام ؟

بأي شط كنت تسبحين ؟

هل صرت

لون التبغ والورد ككل عام ؟

.. تحدثي .. تحدثي

من الذي دعاك

هذا السبت للعشاء ؟

بأي ثوب كنت ترقصين ؟

وأي عقد كنت تلبسين ؟

،فكل أنبائك ، يا أميرتي

أميرة الأنباء

.. عادية

تبدو لك الأشياء

.. سطحية

تبدو لك الأشياء

.. لكن ما يهمني

أنت مع الأشياء

.. وأنت في الأشياء

.. وأنت في الأشياء​
 


قالت له

اتحبني [URL="http://www.3sh9.com/vb/showthread.php?t=31044"]وانا [/URL]ضريرة

وفي الدنيا بنات كثيرة

الحلوة والجميلة والمثيرة

ما انت الا بمجنون

او مشفق علي عمياء العيون


قال بل انا عاشق ياحلوتي

ولا اتمني من دنيتي الا ان تصيري زوحتي

وقد رزقني الله المال وما اظن الشفاء محال

قالت ان اعدت الي بصري

سأرضي بك ياقدري وسأقضي معك عمري

لكن من يعطيني عينية

واى ليل يبقي لدية

وفي يوم جاءها مسرعا

ابشري قد وجت المتـــبرعا

وستوفي بوعدك لي وتكونين زوجة لي

ويوم فتحت اعينها كان واقفا يمسك يدها

راتة فدوت صرختها

انت ايضا اعمي ؟

وبكت حظها الشؤم

لا تحزني ياحبيبتي ستكونين عيوني و دليلتي

فمتي تصيرين زوجتي

قالت انا اتزوج ضريرا

وقد اصبحت اليوم بصيرا

فبكي وقال سامحيني

من انا لتزوجينني

لكن قبل ان تتركيني اريد منك ان تعديني

ان تعتني جيدا بعيوني




 
أتحبني.. بعد الذي كانا؟؟


إني احبك رغم ما كانا..


ماضيك لا انوي إثارته..


حسبي بانك ها هنا الانا..


تتبسمين.. وتمسكين يدي..


فيعود شكي فيك أيمانا


عن امس لا تتكلمي أبداً..


وتألقي شعراً.. وأجفانا..


أخطاؤك الصغرى.. أمر بها..


وأحول الاشواك ريحانا..


لولا المحبة في جوانحه..


ما أصبح الانسان إنسانا..


عام مضى... وبقيت غاليتي..


لا هنت أنت.. ولا الهوى هانا..


إني احبك.. كيف يمكنني؟؟


أن اشعل التاريخ نيرانا؟؟


وبه معابدنا, جرائدنا..


أقداح قهوتنا, زوايانا..


طفلين كنا.. في تصرفنا..


وغرورنا, وضلال دعوانا..


كلماتنا الرعناء.. مضحكة..


ما كان أغباها وأغبانا..


فلكم ذهبت وانت غاضبة..


ولكم قسوت عليك احيانا..


ولربما انقطعت رسائلنا..


ولربما انقطعت هدايانا..


مهما غلونا في عداوتنا..


فالحب اكبر من خطايانا..


عيناك نيسانا.. كيف أنا.
.
أغتال في عينيك نيسانا؟؟



قدر علينا أن نكون معاً..


يا حلوتي رغم الذي كانا..


إن الحديقة لا خيار لها..


إن اطلعت ورقاً وريحانا..


هذا الهوى ضوء بداخلنا..


ورفيقنا.. ورفيق نجوانا..


طفل نداريه ونعبده


مهما بكى معنا وأبكانا..


أحزاننا منه ونسأله..


لو زادنا دمعاً وأحزانا..


هاتي يديك.. فأنت زنبقتي..


وحبيبتي رغم الذي كانا
 
مُبلّلٌ.. مُبلّلٌ

قلبي ، كمنديل سَفَر

كطائرٍ..

ظلّ قروناً ضائعاً تحت المطرْ..

زجاجةٌ..

تدفعها الأمواجُ في بحر القَدَرْ

سفينةٌ مثقوبةٌ

تبحثُ عن خلاصِها،

تبحثُ عن شواطئٍ لا تُنْتَظرْ..

*

قلبيَ يا صديقتي!

مدينةٌ مغلقةٌ..

يخافُ أن يزورها ضوءُ القمَرْ

يضجرُ من ثيابه فيها الضجَرْ..

أعمدةٌ مكسورةٌ

أرصفةٌ مهجورةٌ

يغمرها الثلجُ وأوراقُ الشجَرْ..

قَبْلكِ يا صغيرتي..

جاءت إلى مدينتي

جحافلُ الفُرْسِ وأفواجُ التَتَرْ

وجاءها أكثرُ من مغامرٍ..

ثم انتحَرْ..

فحاذري أن تلمسي جدرانَها

وحاذري أن تقربي أوثانها

فكلّ من لامسَها..

صار حجرْ..

*

مدينتي..

مالكِ من مدينتي؟.

فليس في ساحاتِها..

سوى الذُباب والحُفَرْ..

وليس في حياتها

سوى رفيقٍ واحدٍ.

هو الضَجَرْ..

 
أكتب للصغار..

للعرب الصغار حيث يوجدون...

لهم على اختلاف اللون والاعمار..والعيون..

أكتب للذين سوف يولدون..

لهم أنا أكتب..للصغار...

لأعين يركض في أحداقها النهار...

أكتب باختصار..

قصة ارهابية مجندة..

يدعونها راشيل...

قضت سنين الحرب في زنزانه منفردة..

كالجرذ..في زنزانه منفردة..

شيدها الالمان في براغ...

كان أبوها قذراً من أقذر اليهود...

يزور النقود..

وهي تدير منزلاً للفحش في براغ...

يقصده الجنود...

وآلت الحرب الى ختام...

وأعلن السلام...

ووقع الكبار...

أربعة يلقبون نفسهم كبار...

صك وجود الأمم المتحدة..

...وأبحرت من شرق أوروبا مع الصباح..

سفينة تلعنها الرياح...

وجهتها الجنوب..

تغص بالجرذان..والطاعون ..واليهود..

كانوا خليطاً من سقاطة الشعوب...

من غرب بولندا..

من النمسا...من استنبول..من براغ..

من آخر الأرض..من السعير..

جاءوا الى موطننا الصغير..

موطننا المسالم الصغير..

فلطخوا ترابنا...

وأعدموا نساءنا...

ويتموا أطفالنا...

ولاتزال الأمم المتحدة...

ولم يزل ميثاقها الخطير...

يبحث في حرية الشعوب...

وحق تقرير المصير...

والمثل المجردة...

فليذكر الصغار...

العرب الصغار..حيث يوجدون..

من ولدوا منهم ومن سيولدون...

قصة إرهابية مجندة..

يدعونها راشيل...

حلت محل أمي الممددة...

في أرض بيارتنا الخضراء في الخليل...

أمي أنا الذبيحة المستشهدة...

وليذكر الصغار..

حكاية الأرض التي ضيعها الكبار..

والأمم المتحدة...

أكتب للصغار..

قصة بئر السبع ..والخليل..

وأختي القتيل...

هناك في بيارة الليمون...

أختي القتيل..

هل يذكر الليمون في الرملة..

في اللد..

وفي الخليل..

أختي التي علقها اليهود في الأصيل..

من شعرها الطويل..

أختي انا نوار...

أختي انا الهتيكة الإزار...

على رُبَى الرملة والجليل...

أختي التي مازال جرحها الطليل...

مازال بانتظار...

نهار ثأر واحد..نهار ثار...

على يد الصغار...

جيل فدائي من الصغار...

يعرف عن نوار...

وشعرها الطويل...

وقبرها الضائع في القفار...

أكثر مما يعرف الكبار...

أكتب للصغار..

أكتب عن يافا..وعن مرفأها القديم...

عن بقعة غالية الحجار...

يضيء برتقالها...

كخيمة النجوم...

تضم قبر والدي...وإخوتي الصغار..

هل تعرفون والدي..

وإخوتي الصغار؟..

اذ كان في يافا لنا..

حديقة ودار...

يلفها النعيم...

وكان والدي الرحيم...

مزارعاً وشيخاً...يحب الشمس.. والتراب..

والله..والزيتون...والكروم...

كان يحب زوجه وبيته..

والشجر المثقل..بالنجوم...

...وجاء أغراب مع الغياب..

من شرق أوروبا..ومن غياهب السجون..

جاءوا كفوج جائع من الذئاب...

فأتلفوا الثمار..

وكسروا الغصون...

وأشعلوا النيران في بيادر النجوم...

والخمسة الأطفال في وجوم...

واشتعلت في والدي كرامة التراب...

فصاح فيهم: اذهبوا الى الجحيم...

لن تسلبوا أرضي ياسلالة الكلاب..!

...ومات والدي الرحيم..

بطلقة سددها كلب من الكلاب عليه..

مات والدي العظيم...

في الموطن العظيم...

وكفه مشدودة شداً الى التراب...

فليذكر الصغار..

العرب الصغار حيث يوجدون...

من ولدوا منهم ..ومن سيولدون..

ماقيمة التراب..

لأن في انتظارهم...

معركة التراب....

 
1

إنَّهُ يثقُبُ الفضاءْ

بإبْرةِ الشِّعر...

2

البَرقُ منزِلُهْ

3

هُوَ شَاعِرْ

كُلَّمَا خَرَجَ من فُنْدُق كَلِماتِهْ

4

ينزلُ من بطن أمِّهْ

وفي يده..

عريضةُ احتجاجْ

5

يُحْرِقُ كلَّ يومٍ ذاكرتَهْ

ويتدفَّأُ عليها...

6

هو شاعرْ

يركبُ درّاجةَ الطُفُولَةْ

لكُلِّ إشارات المُرُورْ..

هُوَ شاعرْ

إنَّهُ يُقنعُ الأشياءْ

أن تغيِّرَ عاداتِها...

هُوَ شاعرْ

أن تسيرَ في مُظاهرةٍ

من أجل الحُريَّةْ...

9

هُوَ شَاعِرْ

أطلقوا عليه القنابلَ

10

هو شَاعِرْ

تزوَّج الحُريَّة زَوَاجاً مدنيَّاً

شَعْرُهُمْ بلوم السنابلْ

11

هُوَ شاعرْ

يُعلِّمُ أشجارَ الغابةْ

هُوَ شاعِرْ

أن تسيرَ في مُظاهرةٍ

لذا، يطلبونَ منه، أن يقدِّم تقريراً

من أجل الحُريَّةْ...

عن عدد أصابعهْ..

كلَّ يومْ...

9

12

هل الشِّعرُ،

هُوَ ديوانُ العَرَبْ

هُوَ شَاعِرْ

أم هو محكمتُهُمْ العسكريَّةْ؟؟

كُلَّما ظَهَرَ في أمسيةٍ شعريةْ

13

أطلقوا عليه القنابلَ

باستثناءِ بعضِ الكبارْ

المُسيلَةَ للأحزانْ...

في تاريخنا الشعريْ

فإنَّ الشعراءَ العَرَبْ

10

كَتَبوا قصيدةً واحدةْ

ووقَّعوا عليها جميعاً

هو شَاعِرْ

تزوَّج الحُريَّة زَوَاجاً مدنيَّاً

بالأحرفِ الأولى...

14

وأَنَجَبَ أولاداً..

شَعْرُهُمْ بلوم السنابلْ

في تاريخ الشِّعر العربيْ

ثمَّةَ مراحِلُ هابطةْ

وعُيُونُهُمْ بلون البحرْ...

كان فيها الشعراءْ

ينزلون في فُنْدُقٍ واحدْ..

ويأكلونَ من صحنٍ واحدْ..

وينامونَ في سريرٍ واحدْ...

ويُنجبونَ أولاداً متشابهينْ...

15

في الشِّعْر..

لسنا بحاجةٍ إلى لباسٍ موحَّدْ

وقماشٍ موحَّدْ..

ولونٍ موحَّدْ..

فالشعراء ليسوا جنوداً.. ولا ممرضاتْ

ولا مُضيفات طيرانْ...

إنَّ اللباسَ المُوحَّدَ في الشعر

سيجعلُ من الشعراء العَرَبْ

فريقاً لكرة القدمْ...

16

الشاعرُ الحديثْ..

هو الذي يستقيلُ من الجَوقة الموسيقيةْ

وسُلطةِ الإيقاع العامْ..

ليؤلِّفَ قصيدتهُ الخاصةْ...

 
1

هو شاعرٌ نَرْجِسِيّْ

لأنه يتمرَّى بماء قصيدتهْ.

ويمشي وحيداً، على ضفاف لُغتِهْ.

ويصنعُ فنجاناً من القهوةْْ

يقدّمُهُ لنَفْسِهْ...

ويُهدي نَفْسَهُ وردةً واحدةً.. كلَّ يومْ

إذا لم يجد من تُهديه وُرُوداً..

2

هُوَ شاعرٌ نرجسيّْ

ينام على ذراع كلماتهْ

إذا لم يجدْ ذراعَ امرأةٍ

ينامُ عليها..

3

النرجسيةْ..

هي أن يؤمنَ الشاعرْ

بأنَّ قصيدتَهْ

هي نُقْطَةُ ارتكاز الكُرة الأرضيةْ....

4

الشاعرُ النرجسيّْ

يتصورْ..

أنهُ هو الذي يعيِّنُ الملوكْ...

وهو الذي يُقيلُهُمْ..

وهذا الوهْمُ الجميلْ

هو الذي قَتَل شاعراً كبيراً،

كالمُتَنَبِّي..

 
لا تُمَشِّطي شَعْرَكِ

على مقربةٍ منّي...

حتى لا يُهَرْْهِرَ الليلُ

على ثيابي....
 
لَنْ أقولَ لَكِ

(أُحبُّكِ)..

إلا مرةً واحدةْ

لأنَّ البَرْقَ لا يُكرّرُ نَفْسَهْ...​
 
منِّي رسالةُ حُبّْ

ومنكِ رسالةُ حُبّْ

ويتشكَّلُ الربيعْ..
 
هل تسمعينَ أشواقي

عندما أكونُ صامتاً؟

إنَّ الصمتَ، يا سَيِّدتي،

هو أقوى أسلحتي...

أفضل أن تصمتي وأنت في مملكتي

فالصمت أقوى تعبيراً من النطق

وأفضل من الكلام الهمس
 
انتقي أنت المكان..

أي مقهى، داخل كالسيف في البحر،

انتقي أي مكان..

إنني مستسلم للبجع البحري في عينيك،

يأتي من نهايات الزمان

عندما تمطر في بيروت..

أحتاج إلى بعض الحنان

فادخلي في معطفي المبتل بالماء..

ادخلي في كنزة الصوف ..

وفي جلدي .. وفي صوتي ..

كلي من عشب صدري كحصان..

هاجري كالسمك الأحمر .. من عيني إلى عيني

ومن كفي إلى كفي..

ارسمي وجهي على كرأسه الأمطار، والليل ،

وبللور الحوانيت، وقشر السنديان..

طارحيني الحب .. تحت الرعد ، والبرق ..

وإيقاع المزاريب .. امنحيني وطنا في معطف الفرو الرمادي..

اصلبيني بين نهديك مسيحا..

عمديني بمياه الورد .. والآس .. وعطر البيلسان

عانقيني في الميادين..

وفوق الورق المكسور، ضميني على مرأى من الناس..

ارفضي عصر السلاطين، ارفضي فتوى المجاذيب..

اصرخي كالذئب في منتصف الليل..

انزفي كالجرح في الثدي..

امنحيني روعة الإحساس بالموت..

ونعمى الهذيان..

عندما تمطر في بيروت..

تنمو لكآباتي غصون، ولأحزاني يدان

فادخلي في كنزة الصوف .. ونامي

نحن تحت الماء يا نخلة روحي .. نخلتان..

***

ليس في ذهني قرار واضح.

فخذيني حيثما شئت ..

اتركيني حيثما شئت..

اشتري لي صحف اليوم .. وأقلام رصاص

ونبيذا .. ودخان..

هذه كل المفاتيح .. فقودي أنت ..

سيري باتجاه الريح والصدفة..

سيري في الزواريب التي من غير أسماء..

أحبيني قليلا..

واكسري أنظمة السير قليلا..

واتركي لي يدك اليمنى قليلا..

فذراعاك هما بر الأمان..

***

ليس للحب ببيروت خرائط..

لا ولا للعشق في صدري خرائط..

فابحثي عن شقة يطمرها الرمل ..

ابحثي عن فندق لا يسأل العشاق عن أسمائهم..

سهريني في السراديب التي ليس بها ..

غير مغن وبيان..

***

قرري أنت إلى أين ..

فإن الحب في بيروت مثل الله في كل مكان










 
زيديني عِشقاً.. زيديني

يا أحلى نوباتِ جُنوني

يا سِفرَ الخَنجَرِ في خاطرتي

يا غَلغَلةَ السِّكِّينِ..

زيديني غرقاً يا سيِّدتي

إن البحرَ يناديني

زيديني موتاً..

علَّ الموت، إذا يقتلني، يحييني..

جِسمُكِ خارطتي.. ما عادت

خارطةُ العالمِ تعنيني..

أنا أقدمُ عاصمةٍ للحسن

وجُرحي نقشٌ فرعوني

وجعي.. يمتدُّ كبقعةِ زيتٍ

من بيروتَ.. إلى الصِّينِ

وجعي قافلةٌ.. أرسلها

خلفاءُ الشامِ.. إلى الصينِ

في القرنِ السَّابعِ للميلاد

وضاعت في فم تَنّين

عصفورةَ قلبي، نيساني

يا رَمل البحرِ، ويا غاباتِ الزيتونِ

يا طعمَ الثلج، وطعمَ النار..

ونكهةَ شكي، وكفري

أشعُرُ بالخوف من المجهولِ.. فآويني

أشعرُ بالخوفِ من الظلماء.. فضُميني

أشعرُ بالبردِ.. فغطيني

إحكي لي قصصاً للأطفال

وظلّي قربي..

غنِّيني..

فأنا من بدءِ التكوينِ

أبحثُ عن وطنٍ لجبيني..

عن شعر مرأة ..

يكتُبني فوقَ الجدرانِ.. ويمحيني

عن حبِّ امرأةٍ.. يأخذني

لحدودِ الشمسِ..ويرميني

نوَّارةَ عُمري، مَروحتي

قنديلي، فوحَ بساتيني

مُدّي لي جسراً من رائحةِ الليمونِ..

وضعيني مشطاً عاجياً

في عُتمةِ شعركِ.. وانسيني

أنا نُقطةُ ماءٍ حائرةٌ

بقيت في دفترِ تشرينِ

زيديني عشقاً زيديني

يا أحلى نوباتِ جنوني

من أجلكِ أعتقتُ نسائي

وتركتُ التاريخَ ورائي

وشطبتُ شهادةَ ميلادي

وقطعتُ جميعَ شراييني...


 
1

.. عندما قررت أن أكتب عن تجربتي في الحب،

فكرت كثيرا..

ما الذي تجدي اعترافاتي؟

وقبلي كتب الناس عن الحب كثيرا..

صوروه فوق حيطان المغارات،

وفي أوعية الفخار والطين، قديما

نقشوه فوق عاج الفيل في الهند..

وفوق الورق البردي في مصر ،

وفوق الرز في الصين..

وأهدوه القرابين، وأهدوه النذورا..

عندما قررت أن أنشر أفكاري عن العشق.

ترددت كثيرا..

فأنا لست بقسيس،

ولا مارست تعليم التلاميذ،

ولا أؤمن أن الورد..

مضطر لأن يشرح للناس العبيرا..

ما الذي أكتب يا سيدتي؟

إنها تجربتي وحدي..

وتعنيني أنا وحدي..

إنها السيف الذي يثقبني وحدي..

فأزداد مع الموت حضورا..

2

عندما سافرت في بحرك يا سيدتي..

لم أكن أنظر في خارطة البحر،

ولم أحمل معي زورق مطاط..

ولا طوق نجاة..

بل تقدمت إلى نارك كالبوذي..

واخترت المصيرا..

لذتي كانت بأن أكتب بالطبشور..

عنواني على الشمس..

وأبني فوق نهديك الجسورا..

3

حين أحببتك..

لاحظت بأن الكرز الأحمر في بستاننا

أصبح جمرا مستديرا..

وبأن السمك الخائف من صنارة الأولاد..

يأتي بالملايين ليلقي في شواطينا البذورا..

وبأن السرو قد زاد ارتفاعا..

وبأن العمر قد زاد اتساعا..

وبأن الله ..

قد عاد إلى الأرض أخيرا..

4

حين أحببتك ..

لاحظت بأن الصيف يأتي..

عشر مرات إلينا كل عام..

وبأن القمح ينمو..

عشر مرات لدينا كل يوم

وبأن القمر الهارب من بلدتنا..

جاء يستأجر بيتا وسريرا..

وبأن العرق الممزوج بالسكر والينسون..

قد طاب على العشق كثيرا..

5

حين أحببتك ..

صارت ضحكة الأطفال في العالم أحلى..

ومذاق الخبز أحلى..

وسقوط الثلج أحلى..

ومواء القطط السوداء في الشارع أحلى..

ولقاء الكف بالكف على أرصفة " الحمراء " أحلى ..

والرسومات الصغيرات التي نتركها في فوطة المطعم أحلى..

وارتشاف القهوة السوداء..

والتدخين..

والسهرة في المسح ليل السبت..

والرمل الذي يبقي على أجسادنا من عطلة الأسبوع،

واللون النحاسي على ظهرك، من بعد ارتحال الصيف،

أحلى..

والمجلات التي نمنا عليها ..

وتمددنا .. وثرثرنا لساعات عليها ..

أصبحت في أفق الذكرى طيورا...

6

حين أحببتك يا سيدتي

طوبوا لي ..

كل أشجار الأناناس بعينيك ..

وآلاف الفدادين على الشمس،

وأعطوني مفاتيح السماوات..

وأهدوني النياشين..

وأهدوني الحريرا

7

عندما حاولت أن أكتب عن حبي ..

تعذبت كثيرا..

إنني في داخل البحر ...

وإحساسي بضغط الماء لا يعرفه

غير من ضاعوا بأعماق المحيطات دهورا.

8

ما الذي أكتب عن حبك يا سيدتي؟

كل ما تذكره ذاكرتي..

أنني استيقظت من نومي صباحا..

لأرى نفسي أميرا ..


 
1

عندما تسطع عيناك كقنديل نحاسي،

على باب ولي من دمشق

أفرش السجادة التبريز في الأرض وأدعو للصلاه..

وأنادي، ودموعي فوق خدي: مدد

يا وحيدا.. يا أحد..

أعطني القوة كي أفنى بمحبوبي،

وخذ كل حياتي..

2

عندما يمتزج الأخضر، بالأسود، بالأزرق،

بالزيتي، بالوردي، في عينيك، يا سيدتي

تعتريني حالة نادره..

هي بين الصحو والإغماء، بين الوحي والإسراء،

بين الكشف والإيماء، بين الموت والميلاد،

بين الورق المشتاق للحب.. وبين الكلمات..

وتناديني البساتين التي من خلفها أيضاً بساتين،

الفراديس التي من خلفها أيضا فراديس،

الفوانيس التي من خلفها أيضا فوانيس..

التي من خلفها أيضا زوايا، وتكايا، ومريدون

وأطفال يغنون.. وشمع .. وموالد ..

وأرى نفسي طيور من ذهب..

وسماء من ذهب

ونوافير يثرثرن بصوت من ذهب

وأرى، فيما يرى النائم، شباكين مفتوحين..

من خلفهما تجري ألوف المعجزات..

3

عندما يبدأ في الليل، احتفال الصوت والضوء..

بعينيك .. وتمشي فرحا كل المآذن..

يبدأ العرس الخرافي الذي ما قبله عرس..

وتأتي سفن من جزر الهند، لتهديك عطورا وشموسا.

عندها..

يخطفني الوجد إلى سبع سماوات..

لها سبعة أبواب..

لها سبعة حراس..

بها سبع مقاصير.

بها سبع وصيفات..

يقدمن شرابا في كؤوس قمريه..

ويقدمن لمن مات على العشق،

مفاتيح الحياة السرمدية..

وإذا بالشام تأتيني .. نهورا.. ومياها..

وعيونا عسليه..

وإذا بي بين أمي، ورفاقي،

وفروضي المدرسيه..

فأنادي، ودموعي فوق خدي:

مدد!

يا وحيدا، يا أحد

أعطني القدرة كي أصبح في علم الهوى..

واحدا من أولياء " الصالحيه "...

4

عندما يرتفع البحر بعينيك كسيف أخضر في الظلمات

تعتريني رغبة للموت مذبوحا على سطح المراكب

وتناديني مسافات..

تناديني بحيرات...

تناديني كواكب..

عندما يشطرني البحر إلى نصفين..

حتى تصبح اللحظة في الحب، جميع اللحظات..

ويجيء الماء كالمجنون من كل الجهات..

هادما كل جسوري..

ماحيا كل تفاصيل حياتي..

يتولاني حنين للرحيل

حيث خلف البحر بحر..

ووراء الجزر مد .. ووراء المد جزر..

ووراء الرمل جنات لكل المؤمنين

ومنارات..

ونجم غير معروف..

وعشق غير مألوف ..

وشعر غير مكتوب..

ونهد .. لم تمزقه سيوف الفاتحين.

5

عندما أدخل في مملكة الإيقاع، والنعناع، والماء،

فلا تسعجليني..

فلقد تأخذني الحال، فأهتز كدرويش على قرع الطبول

مستجيرا بضريح السيد الخضر . وأسماء الرسول ..

عندما يحدث هذا..

فبحق الله، يا سيدتي، لا توقظيني.

واتركيني..

نائما بين البساتين التي أسكرها الشعر، وماء الياسمين

علني أحلم في الليل بأني..

صرت قنديلا على باب ولي من دمشق..

6

عندما تبدأ في عينيك آلاف المرايا بالكلام

ينتهي كل كلام..

وأراني صامتا في حضرة العشق،

ومن في حضرة العشق يجاوب؟

فإذا شاهدتني منخطف اللون، غريب النظرات..

وإذا شاهدتني أقرأ كالطفل صلاتي..

وعلى رأسي فراشات. وأسراب حمام..

فأحبيني، كما كنت، بعنف وجنون..

واعصري قلبي، كالتفاحة الحمراء، حتى تقتليني..

وعلى الدنيا السلام...

 
شاءت الأقدار، يا سيدتي،

أن نلتقي في الجاهليه!!..

حيث تمتد السماوات خطوطا أفقيه

والنباتات، خطوطا أفقيه..

والكتابات، الديانات، المواويل، عروض الشعر،

والأنهار، والأفكار، والأشجار،

والأيام، والساعات،

تجري في خطوط أفقيه..

***

شاءت الأقدار..

أن أهواك في مجتمع الكبريت والملح..

وأن أكتب الشعر على هذي السماء المعدنيه

حيث شمس الصيف فأس حجريه

والنهارات قطارات كآبه..

شاءت الأقدار أن تعرف عيناك الكتابه

في صحارى ليس فيها..

نخله..

أو قمر ..

أو أبجديه ...

***

شاءت الأقدار، يا سيدتي،

أن تمطري مثل السحابه

فوق أرض ما بها قطرة ماء

وتكوني زهرة مزروعة عند خط الاستواء..

وتكوني صورة شعريه

في زمان قطعوا فيه رءوس الشعراء

وتكوني امرأة نادره

في بلاد طردت من أرضها كل النساء...

***

أو يا سيدتي..

يا زواج الضوء والعتمة في ليل العيون الشركسيه..

يا ملايين العصافير التي تنقر الرمان..

من تنورة أندلسيه..

شاءت الأقدار أن نعشق بالسر..

وأن نتعاطى الجنس بالسر..

وأن تنجبي الأطفال بالسر..

وأن أنتمي - من أجل عينيك -

لكل الحركات الباطنيه..

***

شاءت الأقدار يا سيدتي..

أن تسقطي كالمجدليه..

تحت أقدام المماليك..

وأسنان الصعاليك..

ودقات الطبول الوثنيه..

وتكوني فرسا رائعه..

فوق أرض يقتلون الحب فيها..

والخيول العربيه..

***

شاءت الأقدار أن نذبح يا سيدتي

مثل آلاف الخيول العربيه..

 
1

مكسرة كجفون أبيك هي الكلمات..

ومقصوصة ، كجناح أبيك، هي المفردات

فكيف يغني المغني؟

وقد ملأ الدمع كل الدواه..

وماذا سأكتب يا بني؟

وموتك ألغى جميع اللغات..

2

لأي سماء نمد يدينا؟

ولا أحدا في شوارع لندن يبكي علينا..

يهاجمنا الموت من كل صوب..

ويقطعنا مثل صفصافتين

فأذكر، حين أراك، عليا

وتذكر حين تراني ، الحسين

3

أشيلك، يا ولدي ، فوق ظهري

كمئذنة كسرت قطعتين..

وشعرك حقل من القمح تحت المطر..

ورأسك في راحتي وردة دمشقية .. وبقايا قمر

أواجه موتك وحدي..

وأجمع كل ثيابك وحدي

وألثم قمصانك العاطرات..

ورسمك فوق جواز السفر

وأصرخ مثل المجانين وحدي

وكل الوجوه أمامي نحاس

وكل العيون أمامي حجر

فكيف أقاوم سيف الزمان؟

وسيفي انكسر..

4

سأخبركم عن أميري الجميل

سأخبركم عن أميري الجميل

عن الكان مثل المرايا نقاء، ومثل السنابل طولا..

ومثل النخيل..

وكان صديق الخراف الصغيرة، كان صديق العصافير

كان صديق الهديل..

سأخبركم عن بنفسج عينيه..

هل تعرفون زجاج الكنائس؟

هل تعرفون دموع الثريات حين تسيل..

وهل تعرفون نوافير روما؟

وحزن المراكب قبل الرحيل

سأخبركم عنه..

كان كيوسف حسنا.. وكنت أخاف عليه من الذئب

كنت أخاف على شعره الذهبي الطويل

... وأمس أتوا يحملون قميص حبيبي

وقد صبغته دماء الأصيل

فما حيلتي يا قصيدة عمري؟

إذا كنت أنت جميلا..

وحظي جميلا..

5

لماذا الجرائد تغتالني؟

وتشنقني كل يوم بحبل طويل من الذكريات

أحاول أن لا أصدق موتك، كل التقارير كذب،

وكل كلام الأطباء كذب.

وكل الأكاليل فوق ضريحك كذب..

وكل المدامع والحشرجات..

أحاول أن لا أصدق أن الأمير الخرافي توفيق مات..

وأن الجبين المسافر بين الكواكب مات..

وأن الذي كان يقطف من شجر الشمس مات..

وأن الذي كان يخزن ماء البحار بعينيه مات..

فموتك يا ولدي نكتة .. وقد يصبح الموت أقسى النكات

6

أحاول أن لا أصدق . ها أنت تعبر جسر الزمالك،

ها أنت تدخل كالرمح نادي الجزيرة، تلقي على الأصدقاء التحيه،

تمرق مثل الشعاع السماوي بين السحاب وبين المطر..

وها هي شفتك القاهرية، هذا سريرك، هذا مكان

جلوسك، ها هي لوحاتك الرائعات..

وأنت أمامي بدشداشة القطن، تصنع شاي الصباح،

وتسقي الزهور على الشرفات..

أحاول أن لا أصدق عيني..

هنا كتب الطب ما زال فيها بقية أنفاسك الطيبات

وها هو ثوب الطبيب المعلق يحلم بالمجد والأمنيات

فيا نخلة العمر .. كيف أصدق أنك ترحل كالأغنيات

وأن شهادتك الجامعية يوما .. ستصبح صك الوفاه!!

7

أتوفيق..

لو كان للموت طفل، لأدرك ما هو موت البنين

ولو كان للموت عقل..

سألناه كيف يفسر موت البلابل والياسمين

ولو كان للموت قلب .. تردد في ذبح أولادنا الطيبين.

أتوفيق يا ملكي الملامح.. يا قمري الجبين..

صديقات بيروت منتظرات..

رجوعك يا سيد العشق والعاشقين..

فكيف سأكسر أحلامهن؟

وأغرقهن ببحر الذهول

وماذا أقول لهن حبيبات عمرك، ماذا أقول؟

8

أتوفيق ..

إن جسور الزمالك ترقب كل صباح خطاك

وإن الحمام الدمشقي يحمل تحت جناحيه دفء هواك

فيا قرة العين .. كيف وجدت الحياة هناك؟

فهل ستفكر فينا قليلا؟

وترجع في آخر الصيف حتى نراك..

أتوفيق ..

إني جبان أمام رثائك..

فارحم أباك...

 
شُكراً لكم ..

شُكراً لكم . .

فحبيبتي قُتِلَت .. وصار بوُسْعِكُم

أن تشربوا كأساً على قبر الشهيدهْ

وقصيدتي اغْتِيلتْ ..

وهل من أُمَّـةٍ في الأرضِ ..

- إلا نحنُ - تغتالُ القصيدة ؟

بلقيسُ ...

كانتْ أجملَ المَلِكَاتِ في تاريخ بابِِلْ

بلقيسُ ..

كانت أطولَ النَخْلاتِ في أرض العراقْ

كانتْ إذا تمشي ..

ترافقُها طواويسٌ ..

وتتبعُها أيائِلْ ..

بلقيسُ .. يا وَجَعِي ..

ويا وَجَعَ القصيدةِ حين تلمَسُهَا الأناملْ

هل يا تُرى ..

من بعد شَعْرِكِ سوفَ ترتفعُ السنابلْ ؟

يا نَيْنَوَى الخضراءَ ..

يا غجريَّتي الشقراءَ ..

يا أمواجَ دجلةَ . .

تلبسُ في الربيعِ بساقِهِا

أحلى الخلاخِلْ ..

قتلوكِ يا بلقيسُ ..

أيَّةُ أُمَّةٍ عربيةٍ ..

تلكَ التي

تغتالُ أصواتَ البلابِلْ ؟

أين السَّمَوْأَلُ ؟

والمُهَلْهَلُ ؟

والغطاريفُ الأوائِلْ ؟

فقبائلٌ أَكَلَتْ قبائلْ ..

وثعالبٌ قَتَـلَتْ ثعالبْ ..

وعناكبٌ قتلتْ عناكبْ ..

قَسَمَاً بعينيكِ اللتينِ إليهما ..

تأوي ملايينُ الكواكبْ ..

سأقُولُ ، يا قَمَرِي ، عن العَرَبِ العجائبْ

فهل البطولةُ كِذْبَةٌ عربيةٌ ؟

أم مثلنا التاريخُ كاذبْ ؟.

بلقيسُ

لا تتغيَّبِي عنّي

فإنَّ الشمسَ بعدكِ

لا تُضيءُ على السواحِلْ . .

سأقول في التحقيق :

إنَّ اللصَّ أصبحَ يرتدي ثوبَ المُقاتِلْ

وأقول في التحقيق :

إنَّ القائدَ الموهوبَ أصبحَ كالمُقَاوِلْ ..

وأقولُ :

إن حكايةَ الإشعاع ، أسخفُ نُكْتَةٍ قِيلَتْ ..

فنحنُ قبيلةٌ بين القبائِلْ

هذا هو التاريخُ . . يا بلقيسُ ..

كيف يُفَرِّقُ الإنسانُ ..

ما بين الحدائقِ والمزابلْ

بلقيسُ ..

أيَّتها الشهيدةُ .. والقصيدةُ ..

والمُطَهَّرَةُ النقيَّةْ ..

سَبَـأٌ تفتِّشُ عن مَلِيكَتِهَا

فرُدِّي للجماهيرِ التحيَّةْ ..

يا أعظمَ المَلِكَاتِ ..

يا امرأةً تُجَسِّدُ كلَّ أمجادِ العصورِ السُومَرِيَّةْ

بلقيسُ ..

يا عصفورتي الأحلى ..

ويا أَيْقُونتي الأَغْلَى

ويا دَمْعَاً تناثرَ فوق خَدِّ المجدليَّةْ

أَتُرى ظَلَمْتُكِ إذْ نَقَلْتُكِ

ذاتَ يومٍ .. من ضفاف الأعظميَّةْ

بيروتُ .. تقتُلُ كلَّ يومٍ واحداً مِنَّا ..

وتبحثُ كلَّ يومٍ عن ضحيَّةْ

والموتُ .. في فِنْجَانِ قَهْوَتِنَا ..

وفي مفتاح شِقَّتِنَا ..

وفي أزهارِ شُرْفَتِنَا ..

وفي وَرَقِ الجرائدِ ..

والحروفِ الأبجديَّةْ ...

ها نحنُ .. يا بلقيسُ ..

ندخُلُ مرةً أُخرى لعصرِ الجاهليَّةْ ..

ها نحنُ ندخُلُ في التَوَحُّشِ ..

والتخلّفِ .. والبشاعةِ .. والوَضَاعةِ ..

ندخُلُ مرةً أُخرى .. عُصُورَ البربريَّةْ ..

حيثُ الكتابةُ رِحْلَةٌ

بينِ الشَّظيّةِ .. والشَّظيَّةْ

حيثُ اغتيالُ فراشةٍ في حقلِهَا ..

صارَ القضيَّةْ ..

هل تعرفونَ حبيبتي بلقيسَ ؟

فهي أهمُّ ما كَتَبُوهُ في كُتُبِ الغرامْ

كانتْ مزيجاً رائِعَاً

بين القَطِيفَةِ والرخامْ ..

كان البَنَفْسَجُ بينَ عَيْنَيْهَا

ينامُ ولا ينامْ ..

بلقيسُ ..

يا عِطْرَاً بذاكرتي ..

ويا قبراً يسافرُ في الغمام ..

قتلوكِ ، في بيروتَ ، مثلَ أيِّ غزالةٍ

من بعدما .. قَتَلُوا الكلامْ ..

بلقيسُ ..

ليستْ هذهِ مرثيَّةً

لكنْ ..

على العَرَبِ السلامْ

بلقيسُ ..

مُشْتَاقُونَ .. مُشْتَاقُونَ .. مُشْتَاقُونَ ..

والبيتُ الصغيرُ ..

يُسائِلُ عن أميرته المعطَّرةِ الذُيُولْ

نُصْغِي إلى الأخبار .. والأخبارُ غامضةٌ

ولا تروي فُضُولْ ..

بلقيسُ ..

مذبوحونَ حتى العَظْم ..

والأولادُ لا يدرونَ ما يجري ..

ولا أدري أنا .. ماذا أقُولْ ؟

هل تقرعينَ البابَ بعد دقائقٍ ؟

هل تخلعينَ المعطفَ الشَّتَوِيَّ ؟

هل تأتينَ باسمةً ..

وناضرةً ..

ومُشْرِقَةً كأزهارِ الحُقُولْ ؟

بلقيسُ ..

إنَّ زُرُوعَكِ الخضراءَ ..

ما زالتْ على الحيطانِ باكيةً ..

وَوَجْهَكِ لم يزلْ مُتَنَقِّلاً ..

بينَ المرايا والستائرْ

حتى سجارتُكِ التي أشعلتِها

لم تنطفئْ ..

ودخانُهَا

ما زالَ يرفضُ أن يسافرْ

بلقيسُ ..

مطعونونَ .. مطعونونَ في الأعماقِ ..

والأحداقُ يسكنُها الذُهُولْ

بلقيسُ ..

كيف أخذتِ أيَّامي .. وأحلامي ..

وألغيتِ الحدائقَ والفُصُولْ ..

يا زوجتي ..

وحبيبتي .. وقصيدتي .. وضياءَ عيني ..

قد كنتِ عصفوري الجميلَ ..

فكيف هربتِ يا بلقيسُ منّي ؟..

بلقيسُ ..

هذا موعدُ الشَاي العراقيِّ المُعَطَّرِ ..

والمُعَتَّق كالسُّلافَةْ ..

فَمَنِ الذي سيوزّعُ الأقداحَ .. أيّتها الزُرافَةْ ؟

ومَنِ الذي نَقَلَ الفراتَ لِبَيتنا ..

وورودَ دَجْلَةَ والرَّصَافَةْ ؟

بلقيسُ ..

إنَّ الحُزْنَ يثقُبُنِي ..

وبيروتُ التي قَتَلَتْكِ .. لا تدري جريمتَها

وبيروتُ التي عَشقَتْكِ ..

تجهلُ أنّها قَتَلَتْ عشيقتَها ..

وأطفأتِ القَمَرْ ..

بلقيسُ ..

يا بلقيسُ ..

يا بلقيسُ

كلُّ غمامةٍ تبكي عليكِ ..

فَمَنْ تُرى يبكي عليَّا ..

بلقيسُ .. كيف رَحَلْتِ صامتةً

ولم تَضَعي يديْكِ .. على يَدَيَّا ؟

بلقيسُ ..

كيفَ تركتِنا في الريح ..

نرجِفُ مثلَ أوراق الشَّجَرْ ؟

وتركتِنا - نحنُ الثلاثةَ - ضائعينَ

كريشةٍ تحتَ المَطَرْ ..

أتُرَاكِ ما فَكَّرْتِ بي ؟

وأنا الذي يحتاجُ حبَّكِ .. مثلَ (زينبَ) أو (عُمَرْ)

بلقيسُ ..

يا كَنْزَاً خُرَافيّاً ..

ويا رُمْحَاً عِرَاقيّاً ..

وغابَةَ خَيْزُرَانْ ..

يا مَنْ تحدَّيتِ النجُومَ ترفُّعاً ..

مِنْ أينَ جئتِ بكلِّ هذا العُنْفُوانْ ؟

بلقيسُ ..

أيتها الصديقةُ .. والرفيقةُ ..

والرقيقةُ مثلَ زَهْرةِ أُقْحُوَانْ ..

ضاقتْ بنا بيروتُ .. ضاقَ البحرُ ..

ضاقَ بنا المكانْ ..

بلقيسُ : ما أنتِ التي تَتَكَرَّرِينَ ..

فما لبلقيسَ اثْنَتَانْ ..

بلقيسُ ..

تذبحُني التفاصيلُ الصغيرةُ في علاقتِنَا ..

وتجلُدني الدقائقُ والثواني ..

فلكُلِّ دبّوسٍ صغيرٍ .. قصَّةٌ

ولكُلِّ عِقْدٍ من عُقُودِكِ قِصَّتانِ

حتى ملاقطُ شَعْرِكِ الذَّهَبِيِّ ..

تغمُرُني ،كعادتِها ، بأمطار الحنانِ

ويُعَرِّشُ الصوتُ العراقيُّ الجميلُ ..

على الستائرِ ..

والمقاعدِ ..

والأوَاني ..

ومن المَرَايَا تطْلَعِينَ ..

من الخواتم تطْلَعِينَ ..

من القصيدة تطْلَعِينَ ..

من الشُّمُوعِ ..

من الكُؤُوسِ ..

من النبيذ الأُرْجُواني ..

بلقيسُ ..

يا بلقيسُ .. يا بلقيسُ ..

لو تدرينَ ما وَجَعُ المكانِ ..

في كُلِّ ركنٍ .. أنتِ حائمةٌ كعصفورٍ ..

وعابقةٌ كغابةِ بَيْلَسَانِ ..

فهناكَ .. كنتِ تُدَخِّنِينَ ..

هناكَ .. كنتِ تُطالعينَ ..

هناكَ .. كنتِ كنخلةٍ تَتَمَشَّطِينَ ..

وتدخُلينَ على الضيوفِ ..

كأنَّكِ السَّيْفُ اليَمَاني ..

بلقيسُ ..

أين زجَاجَةُ ( الغِيرلاَنِ ) ؟

والوَلاّعةُ الزرقاءُ ..

أينَ سِجَارةُ الـ (الكَنْتِ ) التي

ما فارقَتْ شَفَتَيْكِ ؟

أين (الهاشميُّ ) مُغَنِّيَاً ..

فوقَ القوامِ المَهْرَجَانِ ..

تتذكَّرُ الأمْشَاطُ ماضيها ..

فَيَكْرُجُ دَمْعُهَا ..

هل يا تُرى الأمْشَاطُ من أشواقها أيضاً تُعاني ؟

بلقيسُ : صَعْبٌ أنْ أهاجرَ من دمي ..

وأنا المُحَاصَرُ بين ألسنَةِ اللهيبِ ..

وبين ألسنَةِ الدُخَانِ ...

بلقيسُ : أيتَّهُا الأميرَةْ

ها أنتِ تحترقينَ .. في حربِ العشيرةِ والعشيرَةْ

ماذا سأكتُبُ عن رحيل مليكتي ؟

إنَ الكلامَ فضيحتي ..

ها نحنُ نبحثُ بين أكوامِ الضحايا ..

عن نجمةٍ سَقَطَتْ ..

وعن جَسَدٍ تناثَرَ كالمَرَايَا ..

ها نحنُ نسألُ يا حَبِيبَةْ ..

إنْ كانَ هذا القبرُ قَبْرَكِ أنتِ

أم قَبْرَ العُرُوبَةْ ..

بلقيسُ :

يا صَفْصَافَةً أَرْخَتْ ضفائرَها عليَّ ..

ويا زُرَافَةَ كبرياءْ

بلقيسُ :

إنَّ قَضَاءَنَا العربيَّ أن يغتالَنا عَرَبٌ ..

ويأكُلَ لَحْمَنَا عَرَبٌ ..

ويبقُرَ بطْنَنَا عَرَبٌ ..

ويَفْتَحَ قَبْرَنَا عَرَبٌ ..

فكيف نفُرُّ من هذا القَضَاءْ ؟

فالخِنْجَرُ العربيُّ .. ليسَ يُقِيمُ فَرْقَاً

بين أعناقِ الرجالِ ..

وبين أعناقِ النساءْ ..

بلقيسُ :

إنْ هم فَجَّرُوكِ .. فعندنا

كلُّ الجنائزِ تبتدي في كَرْبَلاءَ ..

وتنتهي في كَرْبَلاءْ ..

لَنْ أقرأَ التاريخَ بعد اليوم

إنَّ أصابعي اشْتَعَلَتْ ..

وأثوابي تُغَطِّيها الدمَاءْ ..

ها نحنُ ندخُلُ عصْرَنَا الحَجَرِيَّ

نرجعُ كلَّ يومٍ ، ألفَ عامٍ للوَرَاءْ ...

البحرُ في بيروتَ ..

بعد رحيل عَيْنَيْكِ اسْتَقَالْ ..

والشِّعْرُ .. يسألُ عن قصيدَتِهِ

التي لم تكتمِلْ كلماتُهَا ..

ولا أَحَدٌ .. يُجِيبُ على السؤالْ

الحُزْنُ يا بلقيسُ ..

يعصُرُ مهجتي كالبُرْتُقَالَةْ ..

الآنَ .. أَعرفُ مأزَقَ الكلماتِ

أعرفُ وَرْطَةَ اللغةِ المُحَالَةْ ..

وأنا الذي اخترعَ الرسائِلَ ..

لستُ أدري .. كيفَ أَبْتَدِئُ الرسالَةْ ..

السيف يدخُلُ لحم خاصِرَتي

وخاصِرَةِ العبارَةْ ..

كلُّ الحضارةِ ، أنتِ يا بلقيسُ ، والأُنثى حضارَةْ ..

بلقيسُ : أنتِ بشارتي الكُبرى ..

فَمَنْ سَرَق البِشَارَةْ ؟

أنتِ الكتابةُ قبْلَمَا كانَتْ كِتَابَةْ ..

أنتِ الجزيرةُ والمَنَارَةْ ..

بلقيسُ :

يا قَمَرِي الذي طَمَرُوهُ ما بين الحجارَةْ ..

الآنَ ترتفعُ الستارَةْ ..

الآنَ ترتفعُ الستارِةْ ..

سَأَقُولُ في التحقيقِ ..

إنّي أعرفُ الأسماءَ .. والأشياءَ .. والسُّجَنَاءَ ..

والشهداءَ .. والفُقَرَاءَ .. والمُسْتَضْعَفِينْ ..

وأقولُ إنّي أعرفُ السيَّافَ قاتِلَ زوجتي ..

ووجوهَ كُلِّ المُخْبِرِينْ ..

وأقول : إنَّ عفافَنا عُهْرٌ ..

وتَقْوَانَا قَذَارَةْ ..

وأقُولُ : إنَّ نِضالَنا كَذِبٌ

وأنْ لا فَرْقَ ..

ما بين السياسةِ والدَّعَارَةْ !!

سَأَقُولُ في التحقيق :

إنّي قد عَرَفْتُ القاتلينْ

وأقُولُ :

إنَّ زمانَنَا العربيَّ مُخْتَصٌّ بذَبْحِ الياسَمِينْ

وبقَتْلِ كُلِّ الأنبياءِ ..

وقَتْلِ كُلِّ المُرْسَلِينْ ..

حتّى العيونُ الخُضْرُ ..

يأكُلُهَا العَرَبْ

حتّى الضفائرُ .. والخواتمُ

والأساورُ .. والمرايا .. واللُّعَبْ ..

حتّى النجومُ تخافُ من وطني ..

ولا أدري السَّبَبْ ..

حتّى الطيورُ تفُرُّ من وطني ..

و لا أدري السَّبَبْ ..

حتى الكواكبُ .. والمراكبُ .. والسُّحُبْ

حتى الدفاترُ .. والكُتُبْ ..

وجميعُ أشياء الجمالِ ..

جميعُها .. ضِدَّ العَرَبْ ..

لَمَّا تناثَرَ جِسْمُكِ الضَّوْئِيُّ

يا بلقيسُ ،

لُؤْلُؤَةً كريمَةْ

فَكَّرْتُ : هل قَتْلُ النساء هوايةٌ عَربيَّةٌ

أم أنّنا في الأصل ، مُحْتَرِفُو جريمَةْ ؟

بلقيسُ ..

يا فَرَسِي الجميلةُ .. إنَّني

من كُلِّ تاريخي خَجُولْ

هذي بلادٌ يقتلُونَ بها الخُيُولْ ..

هذي بلادٌ يقتلُونَ بها الخُيُولْ ..

مِنْ يومِ أنْ نَحَرُوكِ ..

يا بلقيسُ ..

يا أَحْلَى وَطَنْ ..

لا يعرفُ الإنسانُ كيفَ يعيشُ في هذا الوَطَنْ ..

لا يعرفُ الإنسانُ كيفَ يموتُ في هذا الوَطَنْ ..

ما زلتُ أدفعُ من دمي ..

أعلى جَزَاءْ ..

كي أُسْعِدَ الدُّنْيَا .. ولكنَّ السَّمَاءْ

شاءَتْ بأنْ أبقى وحيداً ..

مثلَ أوراق الشتاءْ

هل يُوْلَدُ الشُّعَرَاءُ من رَحِمِ الشقاءْ ؟

وهل القصيدةُ طَعْنَةٌ

في القلبِ .. ليس لها شِفَاءْ ؟

أم أنّني وحدي الذي

عَيْنَاهُ تختصرانِ تاريخَ البُكَاءْ ؟

سَأقُولُ في التحقيق :

كيف غَزَالتي ماتَتْ بسيف أبي لَهَبْ

كلُّ اللصوص من الخليجِ إلى المحيطِ ..

يُدَمِّرُونَ .. ويُحْرِقُونَ ..

ويَنْهَبُونَ .. ويَرْتَشُونَ ..

ويَعْتَدُونَ على النساءِ ..

كما يُرِيدُ أبو لَهَبْ ..

كُلُّ الكِلابِ مُوَظَّفُونَ ..

ويأكُلُونَ ..

ويَسْكَرُونَ ..

على حسابِ أبي لَهَبْ ..

لا قَمْحَةٌ في الأرض ..

تَنْبُتُ دونَ رأي أبي لَهَبْ

لا طفلَ يُوْلَدُ عندنا

إلا وزارتْ أُمُّهُ يوماً ..

فِراشَ أبي لَهَبْ !!...

لا سِجْنَ يُفْتَحُ ..

دونَ رأي أبي لَهَبْ ..

لا رأسَ يُقْطَعُ

دونَ أَمْر أبي لَهَبْ ..

سَأقُولُ في التحقيق :

كيفَ أميرتي اغْتُصِبَتْ

وكيفَ تقاسَمُوا فَيْرُوزَ عَيْنَيْهَا

وخاتَمَ عُرْسِهَا ..

وأقولُ كيفَ تقاسَمُوا الشَّعْرَ الذي

يجري كأنهارِ الذَّهَبْ ..

سَأَقُولُ في التحقيق :

كيفَ سَطَوْا على آيات مُصْحَفِهَا الشريفِ

وأضرمُوا فيه اللَّهَبْ ..

سَأقُولُ كيفَ اسْتَنْزَفُوا دَمَهَا ..

وكيفَ اسْتَمْلَكُوا فَمَهَا ..

فما تركُوا به وَرْدَاً .. ولا تركُوا عِنَبْ

هل مَوْتُ بلقيسٍ ...

هو النَّصْرُ الوحيدُ

بكُلِّ تاريخِ العَرَبْ ؟؟...

بلقيسُ ..

يا مَعْشُوقتي حتّى الثُّمَالَةْ ..

الأنبياءُ الكاذبُونَ ..

يُقَرْفِصُونَ ..

ويَرْكَبُونَ على الشعوبِ

ولا رِسَالَةْ ..

لو أَنَّهُمْ حَمَلُوا إلَيْنَا ..

من فلسطينَ الحزينةِ ..

نَجْمَةً ..

أو بُرْتُقَالَةْ ..

لو أَنَّهُمْ حَمَلُوا إلَيْنَا ..

من شواطئ غَزَّةٍ

حَجَرَاً صغيراً

أو محَاَرَةْ ..

لو أَنَّهُمْ من رُبْعِ قَرْنٍ حَرَّروا ..

زيتونةً ..

أو أَرْجَعُوا لَيْمُونَةً

ومَحوا عن التاريخ عَارَهْ

لَشَكَرْتُ مَنْ قَتَلُوكِ .. يا بلقيسُ ..

يا مَعْشوقتي حتى الثُّمَالَةْ ..

لكنَّهُمْ تَرَكُوا فلسطيناً

ليغتالُوا غَزَالَةْ !!...

ماذا يقولُ الشِّعْرُ ، يا بلقيسُ ..

في هذا الزَمَانِ ؟

ماذا يقولُ الشِّعْرُ ؟

في العَصْرِ الشُّعُوبيِّ ..

المَجُوسيِّ ..

الجَبَان

والعالمُ العربيُّ

مَسْحُوقٌ .. ومَقْمُوعٌ ..

ومَقْطُوعُ اللسانِ ..

نحنُ الجريمةُ في تَفَوُّقِها

فما ( العِقْدُ الفريدُ ) وما ( الأَغَاني ) ؟؟

أَخَذُوكِ أيَّتُهَا الحبيبةُ من يَدِي ..

أخَذُوا القصيدةَ من فَمِي ..

أخَذُوا الكتابةَ .. والقراءةَ ..

والطُّفُولَةَ .. والأماني

بلقيسُ .. يا بلقيسُ ..

يا دَمْعَاً يُنَقِّطُ فوق أهداب الكَمَانِ ..

عَلَّمْتُ مَنْ قتلوكِ أسرارَ الهوى

لكنَّهُمْ .. قبلَ انتهاءِ الشَّوْطِ

قد قَتَلُوا حِصَاني

بلقيسُ :

أسألكِ السماحَ ، فربَّما

كانَتْ حياتُكِ فِدْيَةً لحياتي ..

إنّي لأعرفُ جَيّداً ..

أنَّ الذين تورَّطُوا في القَتْلِ ، كانَ مُرَادُهُمْ

أنْ يقتُلُوا كَلِمَاتي !!!

نامي بحفْظِ اللهِ .. أيَّتُها الجميلَةْ

فالشِّعْرُ بَعْدَكِ مُسْتَحِيلٌ ..

والأُنُوثَةُ مُسْتَحِيلَةْ

سَتَظَلُّ أجيالٌ من الأطفالِ ..

تسألُ عن ضفائركِ الطويلَةْ ..

وتظلُّ أجيالٌ من العُشَّاقِ

تقرأُ عنكِ . . أيَّتُها المعلِّمَةُ الأصيلَةْ ...

وسيعرفُ الأعرابُ يوماً ..

أَنَّهُمْ قَتَلُوا الرسُولَةْ ..

قَتَلُوا الرسُولَةْ ..

ق .. ت .. ل ..و .. ا

ال .. ر .. س .. و .. ل .. ة

 
الوسوم
الكاملة المجموعة ـدد قبانى لأشعار متج نزار
عودة
أعلى