العلاج بتأمل ذكر الله

ايفےـلےـين

من الاعضاء المؤسسين
خلال أبحاث ودراسات عملية وإكلينيكية استمرت أكثر من أربع سنوات فى بداية التسعينات تأكد لي بصورة قاطعة التأثير المباشر لذكر الله وتأمل معاني القرآن على عمليات التفكير بدرجة يمكن الاستفادة منها فى العلاج النفسي.
وفى الغرب ظهرت فى الآونة الأخيرة عدة دراسات تؤكد دور التفكير والعوامل الذهنية المختلفة فى الاضطرابات النفسية - وهو ما ذكرناه من قبل - .. وتدحض وتفند فى نفس الوقت آراء التحليل النفسي والنظريات المماثلة التى ربطت شخصية الفرد وسلوكه بأحداث الطفولة، والعقد الجنسية واللاشعور ودرجة إشباع الغرائز .. الخ.

لقد أيدت دراسات حديثة وتجارب علماء معاصرين إمكانية تعديل أفكار ومفاهيم الفرد وسلوكه .. والتحكم فى عمليات التفكير أثناء حدوثها بالإيقاف أو طرد الأفكار غير المرغوبة ، مع غرس أفكار أو عبارات تحل محل الأفكار الانهزامية أو المرضية غير المرغوبة.
أيضا أثبتت التجارب "دولارد" و"ميللر" أن الاستجابة الانفعالية للشخص تتوقف على استخدام اللغة والاستدلال الرمزي.. وعلى المعاني الذى يقولها الفرد لنفسه ويقتنع بها.
ويرى عالم النفس "كانفر" بأن فاعلية الأنماط الرئيسية فى العلاج النفسي الحديث تعود إلى طريقة وأسلوب التفكير .. وقناعة المريض بمعاني ومعتقدات معينة.. مما يؤثر بالتالي على إدراك المريض للواقع إن كان محايداً أو يحمل فى طياته عناصر تهديد وخطر.
كما وصف "ماهونى" من كمبريدج أهمية عدد من التجارب التى ابتكرها بعض تلاميذ العالم "بافلوف" حول ارتباط الاستجابات الانفعالية للفرد بما يفكر فيه ويركز ذهنه عليه. أى أن الشخص يمكن أن يستثير نفسه انفعالياً فيشعر بالتوتر والقلق والخوف .. أو يبث الطمأنينة فى نفسه بان يركز تفكيره ويردد لنفسه عبارات ومعاني تحض على ذلك.. وعلى سبيل المثال إذا ردد الشخص عبارة مثل (اننى سأنجح فى إنجاز ذلك العمل وان إرادتي قوية لا تلين) فان حالته الانفعالية والمزاجية تتحول إلى الأفضل بما يساعد على إنجاز العمل بالفعل، وينجح الجسم فى شحذ كافة قدراته البيولوجية والنفسية فى هذا الاتجاه.. بعكس إذا قال الفرد لنفسه (أنني سأفشل، فأنا ضعيف الإرادة ولا أستطيع إنجاز هذا العمل).. ففي مثل تلك الحالة ينخفض أدائه وتنخفض أيضاً قدراته البيولوجية والنفسية بحيث يهزم نفسه بالفعل ويفشل حسب ما توقع.. وحسب ما أعد نفسه.
نلاحظ هنا أن التفكير والإيحاء الذاتي يحركان قدرات الفرد.. ويؤثران فى توقعاته وانفعالاته وسلوكه. وعلى سبيل المثال فان الشخص المكتئب إذا أوحى لنفسه بشيء من الأمل من خلال تكرار وترديد فكره أو عبارة توحي بالتفاؤل فإن الاكتئاب يقل بصورة ملحوظة.
أى أن تغيير أو تعديل أفكار الفرد يؤدى بالتالي إلى تغيير وتعديل السلوك والانفعال.. كذلك فان كل سلوك يصاحبه أفكار وانفعالات معينة .. فمثلاً إذا كان الإنسان يمارس الجنس فانه لا يستطيع أن يفكر فى شيء محزن أو مفرح بل لابد وان يوظف أفكاره وتخيلاته وانفعالاته فيما يمارسه.. وإذا كان الإنسان حزينا فلا يستطيع أن يفكر فى أمر مضحك.. لذلك فإن تعديل التفكير يترتب عليه بالتالي تعديل الانفعال والسلوك.. وأنه يمكننا أن نستخدم تلك القاعدة فى العلاج.
العلاج بتأمل ذكر الله
ولقد تأكد - كما ذكرنا - إمكانية غرس وإحلال معاني وأفكار محل أخرى.. وهذا يعنى القدرة على تعديل السلوك والانفعال .. بل والنشاط العصبي والهرموني للجسم بمجرد تعديل التفكير , مع التركيز على فكرة أو عبارة وتكرارها ، وكلما كانت الكلمات التى يرددها الفرد ذات معان سامية و مصداقية دينية راسخة – و هذا ما يحدث فى حالة ذكر الله – كلما أستطاع التحكم فى نشاطه الذهني , وكلما كان أقدر على التخلص من الأفكار السلبية والانهزامية ومن المخاوف والواسوس المسببة للتوتر والمرض النفسي خاصة إذا صاحب تكرار وترديد هذه الأذكار تأمل لمعنى كلماتها وتخيل للأماكن المقدسة أو السماء والبحر الممتد بلا ن`هاية شاهداٌ على قدرة وعظمة الخالق .. جل جلاله .
 
ويجدر أن نستعرض أخطاء التفكير الشائعة التى تؤدى إلى أغلب الاضطرابات النفسية , والتي يمكن للعلاج بتأمل ذكر الله مساعدة الشخص على طردها من الذهن أو إعاقة تأثيرها السلبي أو إيقافها أو إبدالها بأخرى ايجابية .. كالآتي:
أخطاء متعلقة بمحتوى الأفكار والمفاهيم والمعتقدات
الأول:

أخطاء تتعلق بأسلوب وطريقة التفكير.
الثاني:
أولاً: الأخطاء المتعلقة بمحتوى الأفكار والمفاهيم:
وتشمل أخطاء محتوى التفكير الكثير من المعتقدات والمفاهيم والأفكار الخاطئة ووجهات النظر غير المنطقية أو المبالغ فيها، وكذلك التصورات الخاطئة والاتجاهات المريضة التى تنتهي بهزيمة الفرد فى مواجهة مواقف الحياة المختلفة. مثل أن يعتقد الفرد أنه أفضل من الآخرين ويجب أن يحترمه الجميع، أو أن يعتقد انه مضطهد من الجميع لأنه فقير أو من أسرة غير معروفة، أو يعتقد أن جميع النساء يجب أن يعاملن بالقسوة، أو مثل المرأة التى تعتقد أن جميع الرجال خائنين ولا أمان لهم.. الخ.
ثانياً: الأخطاء المتعلقة بأسلوب وطريقة التفكير:
التطرف فى الأحكام: حيث يرى الفرد الأشياء إما سوداء أو بيضاء، وهو يكره ويحب دون توسط أو اعتدال.
التصلب: ومواجهة المواقف المختلفة المتنوعة بطريقة تفكير واحدة.
المبالغة: مثل المبالغة فى تفسير الموقف مما يؤدى إلى إثارة انفعالات القلق أو الخوف، وكذلك المبالغة فى تقدير الآخرين سلباً أو إيجاباً مما يؤدى إلى اضطراب العلاقة بهم.
التعميم: وهو أسلوب من التفكير يؤدى تعميم الخبرات الجزئية تعميماً سلبياً مما يؤدى بالتالي إلى العديد من الأنماط المرضية خاصة الاكتتاب والفصام.
الثنائية والازدواجية: وهى جزء من معاناة الشخصية المتسلطة ضيقة الأفق التى تفتقد إلى المرونة، لذا تضطر دائماً أن تمارس دوراً فى العلن وتتبنى عكسه فى الخفاء.
التجريد الانتقائي: حيث يعزل الفرد خاصية معينة من سياقها ويؤكدها فى سياق آخر مثل الذى يؤكد على أنه غير مرغوب فيه من الجميع إذا لم يرحب به أحد الحاضرين.
أخطاء الحكم والاستنتاج.
الحساسية للنقد وتضخيم المواقف والأحداث.
ويؤكد أغلب الباحثين أن استمرار التفكير والتخيل بطريقة خاطئة بتحول إلى عادة مرضية يفقد معها الفرد إدراكه الموضوعي للواقع وتقييمه الصحيح للذات، وإلى اعتياد المبالغات الانفعالية مع توقع الخطر من مثيرات لا تتضمن أى تهديد للذات، وينتج عن تبنى أساليب التفكير الخاطئة هذه انفعالات ومشاعر سلبية عديدة (كالخوف، التوتر، الحزن(
وأخطاء التفكير المذكورة إذا تزايدت تسببت فى تشويه صورة الذات والواقع وحركت وجدان الفرد وانفعالاته وسلوكه فى الاتجاه المرضى.. وإذا أستمر هذا التزايد فى تشويه وتحريف الواقع تحولت هذه الأفكار إلى ضلالات وهذاءات يصعب مناقشتها أو تعديلها بالمنطق.
ومن العوامل التى تساعد على تحول أخطاء التفكير إلى أعراض مرضية التربية التى تعتمد على التمركز حول الذات والعجز عن فهم الآخر والتعاطف معه، وما يترتب على ذلك من ريبة وشك وسوء تفسير كل موقف يتفاعل فيه الفرد مع الآخرين.
وأسلوب "العلاج بتأمل ذكر الله" .. تقوم فكرته على تدريب المريض أو صاحب المشكلة على التحكم فى عمليات التفكير وتنمية قدراته على طرد وإيقاف الأفكار الهدامة السلبية ، بغرس آيات القرآن والأذكار لتحل محل أو تطرد أو توقف الافكار المرضية السلبية، وذلك فى جو يسمح بالتأمل الذهني والتخيل الإيجابي والتحكم فى درجة الوعي وعمليات التفكير المختلفة .
وقد رأينا كيف أن العديد من مدارس العلاج النفسي الناجحة والمنتشرة فى العالم الآن تضع برنامجا تهدف إلى علاج الفرد من خلال تعديل تفكيره وتنمية قدرته على الضبط الذاتي وإيقاف سلسلة الأفكار الاقتحامية السلبية التى تثير مراكز الانفعال، بالاستعانة بعدة طرق مثل تكرار عبارات تساعد على الإيحاء الذاتي أو كأن يقوم المريض بتوجيه انتباهه لمثير آخر.. وهكذا.
ولقد قمت بتدريب إعداد من المرضى وأصحاب المشاكل النفسية على التحكم فى أذهانهم وطرد الأفكار الانهزامية الحزينة أو المخيفة وإيقاف الوساوس المزعجة من خلال تأمل ذكر الله.. اى ترديد وتكرار الآيات والأذكار والشخص فى حالة تأمل واستغراق ذهني عميق يساعد على غرس معاني ذكر الله ويشبع العقل بكل كلمة تذكر الله وقدرته على المساعدة والعون. بل ويشبع العقل إلى حد تعطيل كل الدوائر الذهنية الأخرى المحملة بأفكار وتصورات سلبية هدامة.
ولقد أكد ظهور موجات الفا فى تخطيط الدماغ لبعض المرضى الذين مارسوا العلاج النفسي الذاتي بالقرآن مع التغيرات الايجابية الأخرى مثل انخفاض سرعة التنفس وضغط الدم وتناقص سرعة ضربات القلب إلى فعالية هذا الأسلوب العلاجي نفسيا بيولوجيا. إلا أن هذا الجانب التجريبي قد توقف لعدم توافر الإمكانيات.
.
 
خطوات استخدام أسلوب تأمل ذكر الله:

يجب أن يتبع الفرد الخطوات التالية التىتساعد على التهيؤ والتأمل الذهني للتأثير الفعال على درجة الوعي وعمليات التفكيرحتى يتمكن من إيقاف وطرد الأفكار والتصورات السلبية والتخلص منها، ويفضل البدءبتسجيل الانفعالات والأفكار فى الجدول التالي قبل ممارسة التدريب.. وان يتبعالخطوات التالية:

  • .
ولقد نجح بعض المرضى فى الاكتفاء باستخدامبعض خطوات هذا الأسلوب وبدون استخدام الجدول المذكور وهذا الأمر ممكن خاصة إذا كانالشخص ليس لديه الصبر أو القدرة على الكتابة والمتابعة.
وذكر الله - كما ورد فى العديد من معاجمالألفاظ والتفسيرات - هو "إقرار باللسان، وتصديق بالقلب"، أى أنه ترديد وتكرار معتركيز ذهني يوقظ المشاعر ويحرك القلب، وبالتالي يمكن أن يؤثر فى محتوى وتيارالتفكير ويساعد فى إيقاف وطرد الأفكار والتصورات المشوهة والانهزامية المسببة للمرضوالاضطراب النفسي وهذا ما تأكد لنا من خلال تجريب إكلينيكي وعملي تم على مدار سنواتمن البحث والدراسة.
وفى فضيلة الذكر وردت العديد من الآياتالكريمة مثل:
ألا بذكر الله تطمئن القلوب" (سورة الرعد 28 ( "
فاذكروني أذكركم"( سورة البقرة) 152
أذكروا الله ذكراً كثيرا(ً"سورةالأحزاب):41
فاذكروا الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبكم) سورة النساء): 103
وتأمل معاني ذكر الله - كما ذكرنا - هو أنتركيز الإنسان لا يجب أن ينحصر فى الترديد الآلي بالتكرار وإنما التركيز المتأمل فىمعنى كل كلمة وكل لفظ يصف قدرات الله عز وجل أى أن يشعر الإنسان بكل كيانه بدلالةوأهمية كل لفظ يردده عن الله سبحانه وتعالى، فذكر الله يرتبط على الدوام بحضورالقلب والمشاعر، أما الذكر باللسان والقلب لاه أى أن ذهن الفرد مشغول بهموم ومشاكلالحياة وبدون تركيز وتأمل فهو قليل الجدوى.
وذكر الله يتضمن ترديد عبارات "سبحان الله"، "الله اكبر"، "لا اله إلا الله" "الحمد لله" ، "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " ، "أعوذ بالله من الخبث والخبائث".. الخ أو ذكر نعم الله ومحبته والشوق إليه كذلك ذكرأسماء الله الحسنى وترديدها.
وفى حالات أخرى تمت الاستعانة بقراءةالمعوذتين أو آية الكرسي عدة مرات لإيقاف وطرد الأفكار والوساوس غير المرغوبة بنجاحأو التعوذ بالله من الشيطان ومن الخبث والخبائث.
ومن حديث معاذ بن جبل قال: "آخر كلمة فارقتعليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، قلت: "يا رسول الله أخبرني بأحب الأعمالإلى الله عز وجل"، قال: "أن تموت ولسانك رطب بذكر الله عز وجل".
ومن الأذكار التى وردت عن الرسول - صلى اللهعليه وسلم – ما يلي:
"أعوذبكلمات الله التامات من شر ما خلق". رواه مسلم.
"بسم الله الذى لا يضر مع اسمه شيءفى الأرضولا فى السماء وهو السميع العليم".
"اللهم أنتالسلام ومنك السلام تباركت يا ذاالجلالوالإكرام"
"لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملكوله الحمد وهو على كل شيءقدير".
"لا حول ولا قوة إلا بالله".
أما نص آية الكرسي وهى الآية رقم 255 من سورةالبقرة فهو: "الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما فىالسماوات وما فى الأرض من ذا الذى يشفع عنده إلا بأذنه يعلم ما بين أيديهم وماخلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤدهحفظهما وهو العلى العظيم" صدق الله العظيم. "

*****

ويستخدم هذا الأسلوب فى إيقاف وطرد المخاوفوالمفاهيم والتصورات والأفكار السلبية المخيفة أو المتشائمة أو الانهزامية التىتتسبب فى إثارة مراكز الانفعال بدرجة تؤدى إلى التوتر أو القلق أو الاكتئاب أوالوسواس القهري .. وغيرها.
كذلك فقد تكون الافكار السلبية غير واضحة فىذهن الفرد.. فقد تظهر فى حيز الوعي على شكل تصورات أو تخيلات مخيفة أو مزعجه أو علىصورة توقعات مقبضه غير مكتملة الملامح والتفاصيل. وللتخلص من جميع تلك العواملالذهنية من أفكار وتوقعات وتصورات غير مرغوبة.. نستخدم أسلوب تأمل ذكر الله تبعاللخطوات المذكورة مصحوبا باستخدام الجدول الذى ينظم استخدام هذا الأسلوب ويزيد منفعاليته إلى جانب ما يكتسبه الفرد من أستبصار ووعى بالانفعالات والأفكار السلبيةالتى يعانى منها.
هذا إلى جانب الارتباط الشرطي الذى يحصلهالفرد عندما يلاحظ ويقيم درجة التحسن كل مرة من تأمله لذكر الله.
علما بان بعض المرضى كانوا يفضلون استخدامالأسلوب بدون إتباع خطواته وبدون كتابة الملاحظات فى جداول لأسباب تتعلق بهم.. وقدحققوا رغم ذلك نتائج طيبة ولكن درجتها ومدة استمراريتها كانت أقصر نوعاً من هؤلاءالذين استخدموا الجداول بانتظام واتبعوا الخطوات المذكورة.
]
أما عن شدة الصوت فإن مريض الاكتئاب والحزنيحتاج أن يردد الأذكار أو الآيات المختارة بصوت قوى ومرتفع نوعاً ينبه جهازه العصبيودافعيته وحماسه.
أما مريض القلق والتوتر والخوف فإنه يحتاجللترديد بصوت بطيء عميق هادئ.. مع إيقاع منتظم واثق يؤكد من خلاله ذاته وثقتهبالله وبنفسه.
وإذا كان الفرد ممن يستطيعون التحكم فى درجةالانتباه والتركيز لما يردده من آيات أو أذكار فانه يستطيع ممارسة العلاج بتأمل ذكرالله فى أى مكان و بدون التقيد بالخطوات المذكورة.. ولكن ليس أثناء قيادة السياراتأو الوقوف أمام آلات أو أجهزة تتطلب الانتباه والتركيز
 
الوسوم
العلاج الله بتأمل ذكر
عودة
أعلى