اللسان ميزان الإنسان

خالدالطيب

شخصية هامة
اللسان ميزان الإنسان



اللسان ميزان الإنسان




(وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ) الإسراء: 53
(مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) سورة ق 18​

إن اللسان من نعم الله العظيمة ولطائف صنعه الغريبة، فبه يعبر الإنسان عن بغيته ويُفصح عن مشاعره , وبه يطلب حاجته ويدافع عن نفسه ويعبر عن مكنون فؤاده، يحادث جليسه ويؤنس رفيقه , ثم إنه لا تعب في إطلاقه ولا مشقة في تحريكه..
له في الخير مجال رحب كالذكر والشكر والكلمة الطيبة و النصيحة وقراءةالقرآن وغير ذلك الكثير.. ولكنَّ تساهلَ الخلق في الاحتراز عن آفاته والحذرمن مصائده يجعله آلة للشيطان في استغواء الإنسان.. إذا تُرك له العنان يصول ويجول.. يتحدث عن فلان ويغتاب فلان.. يستهزئ بهذا ويشتم هذا..وقلة هم الذين أمسكوا بعنان أنفسهم و وقفوا به عن ما لا يعنيهم .
وإن العبد ليأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال فيجد لسانه قد هدمها عليه كلها،ويأتي بسيئات أمثال الجبال فيجد لسانه قد هدمها من كثرة ذكر الله وما اتصل بها من الطاعات ..
فهذه الكتلة اللحمية المتحركة بواسطة العصب والعضلات في وسط الفم إما أن تكون باب خير وبناء وزيادة في المودة والعلاقات الإنسانية , وإما أن تكون باب شر وتفرقة وحساسية وخصومة.
فاللسان صغير ِرمُه، عظيم طاعتُه وجُرمُه، إذ لا يستبين الكفر والإيمان إلا بشهادة اللسان، وهما غاية الطاعة والعصيان.
ولا يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائدُ ألسنتهم، ولا ينجو من شر اللسان إلا من قيده بلجام الشرع ,و راقب الله تعالى في قوله و سكوته و حفظ لسانه على الخوض فيما لا ينبغي .
أما الكلام الجميل الذي يؤثر في قلوب الناس فهو من مكارم الأخلاق , وهومفتاح كل خير , ويخلق الأجواء النفسية التي تقرب البعيد إلا من أغلق سمعه وبصره وقلبه من سماع الكلمة الطيبة.
وقد وصف القران الكريم الكلمة الطيبةالمؤثرة كشجرة طيبة
فقال تعالى : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء) سورةإبراهيم 24 .​

وينبغي لكل مكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كلاما ظهرت فيه المصلحة، و بانت فيه الفائدة ,ومتى استوى الكلامُ وتركُه في المصلحة، فالسنة الإمساك عنه، لأنه قد ينجرالكلام المباح إلى حرام أو مكروه، وذلك كثير في العادة، والسلامة لايعدلها شيء.
وفي اللسان آفتان عظيمتان إن خلص من أحدهما لم يخلص من الأخرى:
آفة الكلام , وآفة السكوت.

وقد يكون كل منهما أعظم من الأخرى في وقتها، فالساكت عن الحق شيطان أخرس،عاصٍ لله , مراء , مداهن ، والمتكلم بالباطل شيطان ناطق عاص لله.
و ليعلم أن خطر اللسان عظيم ولا نجاة من خطره إلا بالصمت، فلذلك مدح الإسلام الصمت وحث عليه , فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم من صمت نجا) , وروي عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال: ( ما من يوم إلا وكل عضو من أعضاء الجسد يكف اللسان بالقول أنشدتك الله أن نعذب فيك).



آفــات اللســان


الآفة الأولى الكلام فيما لا يعنيك )

فلا بد أن يعلم أن من أحسن الأحوال هو حفظ اللسان من جميع الألفاظ التي تؤدي إلى الآفات كالغيبة والنميمة والكذب و المراء والجدال وغيرها،وأن نتكلم فيما هو مباح لا ضرر علينا فيه ولا على أي مسلم أصلاً , إلا أن المسلم إذاتكلم بما هو مستغن عنه ولا حاجة به إليه فإنه يكون مضيعاً به زمانه ومحاسباً على عمل لسانه ويستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير.
فلو أنك – أخي المسلم - صرفت زمان الكلام إلى الفكر و التفكر ربما كان ينفتح لك من نفحات رحمة الله عند الفكر مايعظم جدواه، ولو هللت الله سبحانه وذكرته وسبحته لكان خيراً لك , فكم من كلمة تبني بها قصراً في الجنة؟ ...
ومن قدر على أن يأخذ كنزاً من الكنوز فأخذمكانه حجارة لا ينتفع بها كان خاسراً خسراناً مبينا.
و مما يُذم أيضا الخوض فيما لا يعني والزيادة على قدر الحاجةفيما يعني، فإنّ من يعنيه أمر يمكنه أن يذكره بكلام مختصر، ويمكنه أن يجسمه ويقرره ويكرره,ولو تأدّى مقصوده بكلمة واحدة فذكر كلمتين فالثانية فضول - أي فضل عن الحاجة - وهو أيضاً مذموم.


الآفة الثانية: (الخوض في الباطل)

وهو الكلام في المعاصي كحكاية أحوال النساء ومجالس الخمر ومقامات الفساق وتنعم الأغنياء وتجبر الملوك ومراسمهم المذمومة وأحوالهم المكروهة، فإن كلذلك مما لا يحل الخوض فيه , وهو مذموم.


الآفة الثالثة المراء والجدال )

فالمراء طعن في كلام الغير بإظهار خلل فيه من غير أن يرتبط به غرض سوى تحقير الغير, والجدال عبارة عن أمر يتعلق بإظهار المذاهب وتقريرها , والقصدمنه الظهور أمام الآخرين بلسانه من خلال المجادلة –والمجادلة هي اعتراض على كلام الآخرين من خلال إظهار الخلل فيه .
فالجدال الممدوح في القران هو إتيان الآخرين بالمنطق العقلاني والدليل , لا ممارسة عملية التسقط اللفظي و التركيز على الهفوات , لان التسقط اللفظي بلا دليل يكون الغرضُ منه هو المراء والظهورللآخرين على أنه الإنسان المقتدر ولكنه في الحقيقة يمثل عنوان من عناوين الجهل الذي حذرت الشريعة من ذلك, فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم : (من ترك المراء وهو محق بني له بيت في أعلى الجنة ومن ترك المراء وهو مبطل بني له بيت في ربض الجنة) وقال ما ضل قوم بعد أن هداهم الله تعالى إلا أوتوا الجدال) .


الآفة الرابعة الخصومة)

والخصومة هي اللجاجة في الكلام ليستوفى به شيئا، وهي أيضاً مذمومة وهي وراء الجدال والمراء،فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : (إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم) .


الآفة الخامسة التصنع و التقعر في الكلام )

التقعر في الكلام بالتشدق وتكلف السجع والفصاحة والتصنع فيه بالتشبيهات والمقدّمات وما جرت به عادة المتفاصحين المدّعين للخطابة.
وكل ذلك من التصنع المذموم ومن التكلف الممقوت, فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم : (إن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلساً الثرثارون المتفيهقون المتشدقون في الكلام) وفيرواية أخرى( إن أبغضكم إلى الله.....) وروي عنه صلى الله عليه و سلم ألا هلك المتصنعون , ألا هلك المتصنعون , ألا هلك المتصنعون )


الآفة السادسة الفحش والسب وبذاءة اللسان )

وهو مذموم ومنهي عنه ومصدره الخبث واللؤم ,فقد روي عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال: (إياكم والفحش فإن الله تعالى لا يحب الفحش ولا التفحش) و روي عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش البذيء).


الآفة السابعة: ( اللعن )

اللعن يكون إما لحيوان أو جماد أو إنسان وكل ذلك مذموم. فقد روي عنه صلى الله عليه و سلم : (المؤمن ليس بلعان).
واللعن على ثلاث هيئات و أشكال:
-اللعن بالوصف الأعم : كقولك لعنة الله علىالكافرين وهذا لا إشكال فيه.
-والثانية كاللعن بأوصاف أخص منه : كقولك لعنة الله على آكلي المال الحرام و لعنة الله على كل متكبر جبار, وأمثاله , وهذا جائز .
-أما اللعن الثالث وهو اللعن بالأسماء : فيحتاج إلى تأمل و نظر,لأنه لا يجوز اللعن إلا من وجب لعنه شرعا لفسقه أو ظلمه أو إشاعته للفاحشة.


الآفة الثامنةالمزاح)

وأصله مذموم منهي عنه إلا قدراً يسيراً يستثنى منه , فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم : (لا تمار أخاك ولا تمازحه).
فإن قلتَ: المماراة فيها إيذاء لأنّ فيهاتكذيباً للأخ الصديق أو تجهيلاً له , وأما المزاح فمطايبة وفيه انبساط وطيب قلب فلِمَ يُنهى عنه؟
فاعلم أنّ المنهيّ عنه الإِفراطُ فيه أو المداومة عليه, أما المداومة فلأنه اشتغال باللعب والهزل فيه واللعب مباح ولكن المواظبةعليه مذمومة، وأما الإِفراطُ فيه فإنه يورث كثرة الضحك , وكثرة الضحك تميت القلب وتورث الضغينة في بعض الأحوال، وتسقط المهابة والوقار, وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم : (إنّ الرجل ليتكلم بالكلمة يُضحك بها جلساءَه يهوي بها في النار من الثريا) .
فإن أردت أن تمزح فاحرص أن لا تقول إلا حقاً ولا تؤذي قلباً ولا تُفرط فيه.


الآفة التاسعة السخرية والاستهزاء )

وهذا محرم مهما كان مؤذياً كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ) الحجرات: 11 .​
ومعنى السخرية هو الاستهانة والتحقير والتنبيه على العيوب والنقائص على وجه يُضحك منه , فقد روي عن ابن عباس في قوله تعالى: (يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا) الكهف: 49 , إن الصغيرة التبسم عند الاستهزاء بالمؤمن، والكبيرة القهقهة بذلك. وهذا إشارة إلى أن الضحك على الناس من جملة الذنوب, فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم : (من عيّر أخاه بذنب قد تاب منه لم يمت حتى يعمله) .
وكل هذا يرجع إلى استحقار الغير والضحك عليه استهانةواستصغاراً له. وعليه نبه قوله تعالى: (عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ) الحجرات: 11, أي لا تستحقره استصغاراً فلعلَّه خير منك.


الآفة العاشرة: ( إفشاء السر )


وهو منهي عنه لما فيه من الإِيذاء والتهاون بحق المعارف والأصدقاء , فقدروي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم : (إذا حدّث الرجل الحديث ثم التفت فهي أمانة), وروي عن الإمام الحسن رضي الله تعالى عنه : ( إن من الخيانة أن تحدّث بسر أخيك) .

اللسان ميزان الإنسان



 
الوسوم
الإنسان اللسان ميزان
عودة
أعلى