محاضرة تربية الابناء على الشكر

املي بالله

نائبة المدير العام
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله، الكريم المنعم المتفضل، والصلاة والسلام على سيد الشاكرين، النبي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
لقد منحنا الله تبارك وتعالى الكثير من النعم، تكرماً منه وتفضلاً، كما قال تعالى: )وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا ( سورة النحل: 18.
وطلب منا شكره عليها، قال تعالى: ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ( البقرة: 172.
إن الشُّكْر خُلقٌ عظيم، يتصف به النبلاء، ونعمة كبرى، على أهل النعمة وأهل البلاء، ينم عن ذوقٍ عالٍ، ونفس طيبة، وقلب سليم، وتربية صالحة، وبيئة خيّرة.
ولكي نشكر الله حق الشكر على ما أسداه لنا من نعم في الماضي، ويسديه في الحاضر والمستقبل سنحاول أن نتعرف على ماهية الشكر وتعريفه، وفضله وثمرات الشكر ونتائجه.

تعريف الشكر:

- الشكر لغةً: هو الثناء على المحسن بما أولاه من المعروف.
- الشكر شرعا: هو الثناء على الله بما هو أهله، وأن لا ترى نفسك أهلاً للنعمة.
ويكون الشكر بالقلب، فيعتقد أنه تعالى هو ولي نعمته، ويكون الشكر باللسان بأن يثني على الله بلسانه، ويكون الشكر بالجوارح، بأن يستعمل تلك النعمة في مرضاة الله تعالى، قال سبحانه: )اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ( سبأ: 13.

أنواع الشكر:
1ـ شكر الله تعالى:
إن أهم أنواع الشكر هو شكر الله تعالى، وقد ورد ذكره في القرآن الكريم خمساً وسبعين مرة، بتصاريفه المتعددة، ويأتي في الأغلب مسبوقا بذكر النعم الكثيرة التي ينعم الله بها على ابن آدم، ولكن الهوى والشيطان والغفلة عن تذكر تلك النعم والاعتياد عليها ؛ كل ذلك ينسيه ما هو فيه من نعم، ويصرف بصره إلى ما متع الله به غيره من نعم يتقلب فيها.
فنعم الله تعالى على العباد كثيرة متوالية، ظاهرة وباطنة، لا تعد ولا تحصى، وصاحب الفطرة السليمة يقدّر هذه النعم قدرها، ويعرف أنه يجب أن تحاط بسياج من الشكر حتى تدوم، كما قال الله تعالى: ) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ( سورة إبراهيم: 7.
والشاكر من الناس لله تعالى قليل، فمع توافر هذه النعم وكثرتها بحيث لا تعد ولا تحصى، إلا أن الشاكرين لله تعالى قلة، قال تعالى: ) وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ( سبأ: 13، وقال أيضا: ) قَلِيلا مَّا تَشْكُرُونَ ( الملك: 23، أي شكركم قليل، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إنكم غير شاكرين.
وقد توعد الشيطان بني آدم وصدهم عن الشكر كما حكى الله عنه في قوله: (ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ) الأعراف:17.
2ـ شكر الناس:
لقد أشار كتاب الله تعالى إلى نوع آخر من الشكر، وهو شكر الناس على ما يُسْدونه من معروف، فقد شكر الله المحسنين وهو غني عنهم، وما إحسانهم إلا من إحسانه تبارك وتعالى، فالعبد أولى بأن يشكر من أحسن إليه.
وأول من أمر الله تعالى بشكره من الخلق الوالدان، وقرن الشكر لهما بالشكر له سبحانه، لعظم فضلهما، وكبير حقهما، قال تعالى: (أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير) وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، عن النبي r قال: (من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله) أخرجه الإمام أحمد، وحسنه الألباني.
والشكر للناس أن تثني عليهم وتمدحهم، وتدعو لهم، وتكافئهم إن استطعت، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله r: (من استعاذ منكم بالله فأعيذوه، ومن سأل بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له، حتى تروا أن قد كافأتموه) أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي، وصححه الألباني.
وأبلغ شيء في الثناء وأوفاه قولك لمن أسدى إليك معروفاً: جزاك الله خيراً، فعن أسامة بن زيد قال: قال رسول اللهr : (من صنع إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيراً فقد أبلغ في الثناء) أخرجه الترمذي، وصححه الألباني.

ومما ينبغي التنبيه له، أنك إذا أسديتَ إلى أحدٍ معروفاً فلا تترقَّبْ منه شكراً، وابتغ الثوابَ من الله.

درجات الشكر:

للشكر درجات بعضها أفضل وأكمل من بعض.
الأولى: الشكر على النعمة، وهو شكر الله تعالى على نعمه التي أنعم بها على العبد في كل أحواله، والتي يتقلب فيها الإنسان صباح مساء.
الثانية: الشكر على دفع المصائب والنقم، سواء اندفعت عنه أو عن غيره من المسلمين، كذهاب مرض، أو انحسار وباء، أو هزيمة عدو أو انصرافه.
الثالثة: الشكر عند المكروهات من البلايا والمصائب، وهذه درجة عالية، ومنزلة رفيعة، لا يبلغها إلا القلائل من الْخُلَّص، وصاحب هذه الدرجة تستوي عنده الحالات خيراً وشراً، فهو شاكر لله تعالى على كل أحواله، مظهر للرضى عنه جل جلاله على كل أفعاله التي لا تصدر إلا عن علم وحلم، ورحمة وحكمة.
فالشكر على المصائب أشد على النفوس وأصعب عليها من الشكر على المحبوبات، لذلك كان فوقه في الدرجة، وقد ذكر العلماء أنه يسن إذا سئل المريض عن حاله أن يحمد الله إذا أراد الشكوى إلى الطبيب فيقول: أحمد الله إليك أجد كذا وكذا.
ما يتحقق به الشكر:

يتحقق شكر الله تعالى بأمور، منها:
1ـ معرفة النعمة: إدراك أنها نعمة ومعرفة أنها من الله: قال تعالى: ) وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ( النحل: 53، فلا أحد يستطيع أن يجلبها إذا لم يأت بها الله، ولا أحد يستطيع أن يمنعها إذا أراد الله إرسالها إليه، قال تعالى: ) مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (. فاطر: 2، والمسلم الحق كلما ازدادت نعمة الله عليه ازداد طاعة لله واجتهادا في شكر هذه النعمة، أداءً لحق الله عز وجل، وسعياً في استمرار تلك النعم وزيادتها وعدم زاولها.
فالنعم العظيمة كثيراً ما تقود الإنسان إلى العلم بوجود منعم كريم، لا حدود لكرمه وفضله وجوده، فيقر بفضل الله عليه ويحبه ويشكره ، قال r لمعاذ بن جبل t: (إني أحبك، فلا تدعن أن تقول دبـر كل صلاة مكتوبة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) أخرجه الإمام أحمد و صحّحه الألباني.
2- الثناء على المنعم بها: وذلك بإطلاق المحامد والثناء عليه سبحانه بما هو له أهل، وإظهار الرضا عنه سبحانه وتعالى، والتحدث بتلك النعمة، وإسناد التفضل بها إلى المنعم وحمده عليها، قال تعالى: ) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ( الضحى: 11، والتحدث يكون عن النعم الخاصة بكل إنسان، والنعم العامة على الخلق، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (والتحدث بنعمة الله شكر وتركها كفر) أخرجه الإمام أحمد، وحسنه الألباني.
3- صرف هذه النعم في مرضاة المنعم بها سبحانه؛ فنستعمل الحواس من سمع وبصر ونطق وكلام في مرضاة الله سبحانه وتعالى، ونستعمل الطعام والشراب والنوم لتقوية الجسم على عبادة الله وأداء أعباء الحياة، ونستعمل المال في ما أباحه الله، ونواسي به الفقراء.. وهكذا.
4ـ عدم استعمال هذه النعم فيما يكرهه المنعم بها سبحانه؛ فلا تستخدم القوة التي وهبنا الله إياها في ظلم الآخرين والاعتداء عليهم وسرقة مقتنياتهم، ولا نستخدم السمع في الاستماع للغيبة والنميمة والغناء والكذب، ولا نطلق البصر في ما حرم الله، ولا نستعمل نعمة المال في صرفه على المحرمات.. وهكذا.

5- الخضوع للمنعم المتفضل سبحانه، وهذا هو المعنى الحقيقي للشكر، فأكثر الناس خضوعاً لله تعالى أكثرهم شكراً له .
6- تعظيم النعمة وعدم احتقارها أو ازدرائها.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله r: (انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تَزْدروا نعمة الله عليكم) أخرجه مسلم.
هذا دواء نبوي عجيب، لمرض نفسي وقلبي خطير، إنه مرض ازدراء نعمة الله على الإنسان، واحتقارها.
إنه دواء يلحظ العبد من خلاله في كل وقت من هو دونه في العقل والعلم والصحة والمال والأهل والولد وأصناف النعم الأخرى.
فمتى استدام هذا النظر اضطره إلى كثرة شكر ربه والثناء عليه.
ومن ابتلي فنظر إلى من هو أعظم منه بلية هانت عليه بلواه، وأيقن بلطف مولاه جل جلاله، فإنه ما من مكروه وبلية إلا ويوجد ما هو أعظم منها.
فمن وفق للاهتداء بهذا الهدي النبوي الكريم ، عاش عيشة السعادة والرضا والقناعة والراحة، ولم يزل شكره لله تعالى يقوى وينمو، ولم تزل نعم الله تعالى عليه تتوالى وتزداد.
ومن عكس القضية فارتفع نظره وصار ينظر إلى من هو فوقه في العافية والمال و الرزق وتوابع ذلك، فإنه لا بد أن يزدري نعمة الله ويفقد شكره ويعيش في لوعة وحسرة وعذاب وتسخط وهم وحقد وحسد، لم يحصّل ما طمح إليه بصره، ولم يستمتع بما وهبه الله من النعم التي بين يديه.

مسؤولية الوالدين والمربين في غرس قيمة الشكر:

على الوالدين والمربين واجب كبير تجاه غرس قيمة الشكر لدى النشء، وتعظيم قدر نعم الله في نفوسهم، عن طريق القدوة الحسنة، والتوجيه والحديث المباشر، وضرب الأمثلة المتنوعة، وتحذير النشء من جحود النعمة، والاستهانة بها واحتقارها، والعبث بها وإفسادها، وتعويدهم وتدريبهم على دوام الذكر والشكر على كل الأحوال، وعند حلول النعم وتجددها، واندفاع النقم ، ونعم الله تبارك


وتعالى على عباده كثيرة جداً لا يمكن حصرها، قال تعالى: )وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا( سورة النحل: 18.
وكل نعمة من هذه النعم تحتاج إلى شكر يخصها.
والمسلم يشكر المنعم جل وعلا ويحمده في ابتداء كل ركعة أثناء الصلاة في اليوم والليلة، فيقول حين يقرأ الفاتحة: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الفاتحة: 2.
فحري بالوالدين لفت أنظار الأبناء إلى هذا الجانب لاستشعاره واحتسابه في كل صلاة .
وقال r : (من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها) أخرجه الترمذي وابن ماجه، وحسنه الألباني.
وفي هذا الحديث تنبيه من النبي صلى الله عليه وسلم في تنبيه r إلى هذه النعم العظيمة وتدريب للمربين أن يحذوا حذوه بتذكير من تحت أيديهم بهذه النعم .
فمن نعمه تبارك وتعالى:

ـ نعمة الإسلام ، والأمن عليه، وهي أعظم نعمة على الإطلاق، فعلى المسلم أن يشكر الله تعالى عليها، وأن يحذر من جحودها بعدم الالتزام بأحكام الإسلام، أو العبث بثوابت الدين والاستهزاء بشعائره وأحكامه وأخلاقه وآدابه.
ـ نعمة الأمن على النفس والأهل والمال.
ـ نعمة الصحة والعافية.
ـ نعمة القوت والغذاء والماء واللباس والكساء والكهرباء ووسائل النقل المختلفة.
فعلى المربين والوالدين التدريب على الشكر بأنواعه بالقلب واللسان والجوارح فمن شكر القلب أن يؤمن ويوقن أن ما به من نعمة فمن الله وأما شكره بالقول فيكون بتعليمه الترديد لكلمات الشكر والحمد لله بعد كل نعمة ومنها مثلاً بعد الأكل والشرب لقوله r : ( إن الله ليرضى من العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها , ويشرب الشربة فيحمده عليها ) حديث صحيح
وبعد الاستيقاظ من النوم : ( أحمد لله الذي أحيانا بعد أن أماتنا وإليه النشور ) وهكذا وتعليمهم الدعاء أن يعينهم الله على ذكره وشكره وحسن عبادته كما في حديث معاذ وضرورة الاتيان بهذا الدعاء في دبر كل صلاة فيكون استفتح صلاته بحمد الله واختتمها بدعائه بالإعانة على شكره .
ويتجسد الشكر في استعمالهم النعم في مرضاة الله وعدم استخدامها في معصيته .
وتنمية الشعور بالمسؤولية لدى الأبناء تجاه الكثير من النعم بعدم جحدها أو السعي في خرابها وتدميرها بل المساهمة في ازدهارها والانتفاع بها .


مثل بعض الممتلكات العامة والمرافق الحكومية والمنافع والطرقات والترديد على أسماعهم تعاليم هذا الدين العظيم وإرشاداته الراقية التي تتسم بتقدير النعم والسعي في إزالة كل ما يعكر صفوها كقوله r : ( إماطة الأذى عن الطريق صدقة ) حديث صحيح
وبيان أن من فعل ذلك شكراً لله فقد نال مغفرة الله وثوابه لقوله r : ( بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك فأخذه فشكر الله له فغفر له) حديث صحيح

أثر الشكر:

لما كان الشكر هو مدار الخير وعنوانه قال r لمعاذ بن جبل t: (إني أحبك، فلا تدعن أن تقول دبـر كل صلاة مكتوبة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) أخرجه الإمام أحمد و صحّحه الألباني.
وقد اعترف أعظم الشاكرين بالعجز عن شكر نعـم الله، فقال r: "لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك" أخرجه مسلم.
وكان r يقول: (اللهم اجعلني لك شكَّاراً، لك ذَكَّاراً) أخرجه أبو داود و النسائي وصحّحه الألباني.
فالشكر ثناء على المتفضل بأفضاله ونعمه وإحسانه، وهذا فعل بشري لا يصدر عن المسلم إلا بمحرض ودافع، ألا وهو الإيمان الراسخ في القلب، فإن الشكر كلمة طيبة، قال تعالى:) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء % تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (.إبراهيم: 24.
ومن لذيذ ثمار الشكر، وطيب أُكُلها ما يأتي:
1ـ علو منزلة الشاكرين , بسبب علو منزلة الشكر , فإن الشكر يفوق الرضا عن الله فقد يرضى الأنسان ولا يشكر , لكنه لا يشكر إلا لمن يرضى عنه ( ابن القيم )
والغني الشاكر مثل الفقير الصابر، فعن أبي هريرة tقال: قال عليه الصلاة والسلام: "الطاعمُ الشاكر بمنزلة الصائم الصابر" أخرجه الإمام أحمد والترمذي وصححه الألباني.

2ـ الفوز بثناء الله ومدحه، فقد أمر الله سبحانه وتعالى بالشكر وأثنى على أهله، ووصف بذلك بعض خواص خلقه، فقال سبحانه: ) إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ % شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ ( النحل: 120، وقال تعالى عن نوح: ) إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا( الإسراء: 3.
3ـ الثواب الأكيد من الله سبحانه وتعالى، فقد وعد الله تعالى الشاكرين بأفضل الجزاء وأحسنه قال تعالى: ) وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ( آل عمران: 145، وقال: ) وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ( آل عمران: 144، وقال عز وجل: ) كَذَلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ( القمر: 35، والآيات في هذا المعنى كثيرة.
فالله يَعِد المؤمنين الشاكرين بالجزاء والثواب ووعد الله حق لا يُخلف، ولا بد أن يتحقق، إن لم يكن في الدنيا ففي الآخرة، وهي أعظم وأكمل.
4ـ الشكر سبباً للمزيد من النعم التي لا حد لها، فقال سبحانه: )لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ( إبراهيم: 7 ، فوعد الله سبحانه وتعالى بالزيادة للشاكرين، فكلما شكروه على نعمة استدعى شكرهم له سبحانه وتعالى عليها المزيد منها ومن غيرها، فإن المزيد في الآية لم يحدد لا نوعاً ولا قدراً، وكان الفضيل بن عياض رحمه الله يقول: "من عرف نعمة الله بقلبه، وحمده بلسانه، لم يستتم ذلك حتى يرى الزيادة".
5ـ أن الله سبحانه وتعالى قرن الشكر بالصبر في أكثر من موضع، قال تعالى: )إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ( سبأ: 19، فالشكر يكون على حصول النعم وتجددها، وعند زوال النقم، والصبر يكون عند زوال النعم أو حلول البلاء، ولأن الصبر على طاعة الله هو عين شكره تعالى عليها.
6- صرف العذاب عن الخلق، يقول الله عز وجل: )مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (النساء: 147.
7ـ عودة أثر الشكر على الشاكر نفسه، فعندما تشكرين الله تعالى فغنما يعود أثر الشكر إلى نفسك ، لأن الشكر يستدعى الزيادة، قال تعالى: )وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ( لقمان: 12، وقال سبحانه: ) وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ( النمل: 40.

عقوبة جحود النعم:

إن النعم إذا شُكرت زادت وقرّت، وإذا جُحدت زالت واضمحلت وفرت.
فجحود النعمة وصرفها في غير مرضاة المنعم المتفضل سبحانه، مُؤذن بزوالها ورحيلها وحلول ضدها، كما قال تعالى: ) ولئن كفرتم إن عذابي لشديد( إبراهيم: 7، وقال سبحانه: ) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ( النحل 112.

بعد هذه الجولة في بستان الشكر، وبين أزهار الحمد، وشذى عبير الورد، يتبين لنا أهمية الشكر على النعم، وأنه هو السبيل للفوز برضا الله، واستدامة تلك النعم وزيادتها، ويتبين لنا أيضاً أن الشكر خُلُق وسلوك يمكن غرسه في النفوس والتعود عليه، كما تتبين لنا آثار الشكر وثماره الطيبة على الشاكر وعلى مجتمعه.

فاللهم لك الحمد والشكر على نعمك الظاهرة والباطنة، في القديم والحديث، ما علمنا منها وما لم نعلم.
لك الحمد كله، ولك الشكر كله.
ولك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا

وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد وآل وصحبه أجمعين
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:

مواضيع ذات صلة

عودة
أعلى