موسوعة تفسير الأحاديث النبوية الشريفة كامله

خالدالطيب

شخصية هامة
بسم الله الرحمن الرحيم

والحمدلله رب العالمين , والصلاة والسلام على اشرف المرسلين

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاتة

اقدم لكم احبتى فى الله

موسوعة تفسير الأحاديث الشريفة



ولنبدأ

بأحاديث الاربعين النووية

الحديث الاول
انما الاعمال بالنيات
عن امير المؤمنين ابى حفص عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه قال :سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى أّله وسلم يقول: (انما الاعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته الى الله ورسوله فهجرته الى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها او امرأة ينكحها فهجرته الى ماهاجر اليه ) متفق عليه

قال العلماء هذا الحديث نصف العبادات لانه ميزان الاعمال الباطنة
يستفاد من قول النبى صلى الله عليه وسلم (انما الاعمال بالنيات) انه ما من عمل الا وله نية لان كل انسان عاقل مختار لا يمكن ان يعمل عملاُ بلانيه , حتى قال بعض العلماء " لو كلفنا اله عملاُ بلا نيه لكان من تكليفاُ ما لايطاق " .

ويتفرع على هذه الفائده :
الرد على الموسوسين الذين يعملون الاعمال عده مرات , ثم يقول لهم الشيطان . انكم لم تنووا
فاننا نقول لهم : لا : لا يمكن ابداُ ان تعملواً عملاًُ الا بنيه فخففوا عن انفسكم ودعوا هذه الوساوس .

ومن فوائد هذا الحديث : ان الانسان يؤجر او يؤزر او يُحرم بحسب نيته , لقول النبى صلى الله عليه وسلم : " فمن كانت هجرته الى الله ورسوله فهجرته الى الله ورسوله "
ويستفاد ايضاُ من هذا الحديث : ان الاعمال بحسب ماتكون وسيله له , فقد يكون الشئ المباح فى الاصل يكون طاعة اذانوى به الانسان خيراً . مثل ان ينوى بالاكل الشئ المباح فى الاصل يكون طاعه الله
ولهذا قال النبى صلى الله عليه وسلم "تسحروا فإن فى السحور بركة "

ومن فوائد هذا الحديث : انه ينبغى للمعلم ان يضرب الامثال التى يتبين بها الحكم وقد ضرب النبى صلى الله عليه وسلم . لهذا مثلاُ بالهجره , وهى الانتقال من بلد الشرك الى بلد الاسلام . وبين ان الهجره وهى عمل واحد تكون لانسان اجراُ وتكون لانسان حرماناً
فالمهاجر الذى يهاجر الى الله ورسوله هذا يؤجر . ويصل الى مراده .
والمهاجر لدنيا يصيبها او امرأه يترزوجها يُحرم من هذا الاجر .

وهذا الحديث يدخل فى باب العبادات وفى باب المعاملات وفى باب الانكحه . وفى كل ابواب الفقه عامة ...
وقد بين العلماء جواز تعدد النية فى العمل الواحد حتى انه قيل ان الصحابة رضى الله عنهم جميعا كانوا يتاجرون بالنية للعمل الواحد

المصدر من كتاب تعليقات ابن العثيمين على الاربعين النووية
 
الحديث الثانى
عن ابى عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنهما قال :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولبنى الاسلام على خمس: شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان .)رواه البخارى ومسلم

هذا الحديث بين فيه النبى (صلى الله عليه وسلم) ان الاسلام بمنزلة البناء الذى يظلل صاحبه ويحميه من الداخل ومن الخارج

والفائدة من هذا الحديث هى توضيح اهمية اركان الاسلام وانه لابد من المحافظة على ادائها بشروطها واركانها وان التقصير فى اى منها هو خلل فى درجة اسلام العبد
فلا يكتمل اسلامه الا بنطق الشهادة قلبا وقالبا
واقامة الصلاة فى اوقاتها وبكل تفاصيلها
و ايتاء الزكاة اى اعطاؤها لمستحقيها كما امر الله تعالى
وصوم رمضان وهو الشهر الذى بين شعبان وشوال
واما حج البيت فهو قيد الاستطاعة لان الغالب فيه المشقة



 
الحديث الثالث
المنكرات والبدع

عن ام المؤمنين ام عبد الله عائشة رضى الله عنها قالت :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من احدث فى امرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) رواه البخارى ومسلم

وفى رواية لمسلم : (من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد )

هذا الحديث قال العلماء فيه انه ميزان ظاهر الاعمال وحديث عمر الذى فى اول هذه الموسوعة (انما الاعمال بالنيات)ميزان باطن الاعمال لان العمل اه نيه وله صورة فالصورةهى ظاهر العمل والنيه هى باطن العمل

وفى هذا الحديث فوائد:
الاولى ان من احدث فى هذا الامر -اى الاسلام - ماليس منه فهو مردود عليه ولو كان حسن النية وينبنى على هذه الفائدة ان جميع البدع مردودة على صاحبها ولو حسنت نيته

ومن فوائد هذا الحديث ايضا: ان من عمل عملا ولو كان مشروعا ولكن عمله على غير ذلك الوجة الذى امر به فانه يكون مردودا بناء على الرواية الثانية فى مسلم

وعلى هذا فمن باع بيعا محرما فبيعه باطل
ومن صلى صلاة تطوع لغير سبب فى وقت النهى فصلاته باطله
ومن صام يوم العيد فصومه باطل وهلم جر لان هذه كلها ليس عليها امر الله ورسوله فتكون باطلة مردودة
 
الحديث الرابع
عن ابى عبد الله النعمان بن البشير رضى الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول( ان الحلال بين وان الحرام بين وبينهما امور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع فى الشبهات وقع فى الحرام كالراعى يرعى حول الحمى يوشك ان يرتع فيه الا وان لكل ملك حمى الا وان حمى الله محارمه ألا وان فى الجسد مضغة اذا صلحت صلح الجسد كله واذا فسدت فسد الجسد كله الا وهى القلب ) رواه البخارى ومسلم

قسم النبى صلى الله عليه وسلم الامور الى ثلاثة اقسام:
قسم حلال بين لا اشتباه فيه
وقسم حرام بين لا اشتباه فيه وهذان القسمان واضحان اما الحلال فلا يأثم الانسان به واما الحرام فياثم الانسان به

اما القسم الثالث
فهو الامر المشتبة الذى يشتبه حكمه هل هو من الحلال او من الحرام؟
ويخفى حكمه على كثير من الناس

وفى هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم الورع تركه وان لا يقع فيه الانسان
واستبرأ لدينه فيما بينه وبين الله واستبرأ لعرضه فيما بينه وبين الناس بحيث لا يقولون :فلان وقع فى الحرام حيث انهم يعلمونه وهو عنده مشتبه عليه

ثم ضرب النبى صلى الله عليه وسلم مثلا لذلك بالراعى يرعى حول حمى (اى حول ارض محميةلا ترعها البهائم فتكون خضراء لانها لم ترعى فانها تجذب البهائم حتى تدب اليها وترعاها)

( الا وان لكل ملك حمى) يعنى انه جرت العادة بأن الملوك يحمون شيئا من الرياض التى يكون فيها العشب الكثير والزرع الكثير

( الا وان حمى الله محارمه ) اى ما حرمه على عباده فهو حماه لانه منعهم ان يقعوا فيه ثم بين ان فى الجسد مضغة يعنى لحمة بقدر ما يمضغه الأّكل

( الا وهى القلب) وهو اشارة الى انه يجب على الانسان ان يراعى ما فى قلبه من الهوى الذى يعصف به حتى يقع فى الحرام والامور المشتبهات

ويستفاد من هذا الحديث فوائد منها
1- ان الشريعة الاسلاميه حلالها واضح وحرامها واضح والمشتبه منها يعلمه بعض الناس

2-انه ينبغى للانسان اذا اشتبه عليه الامر أحلال هو ام حرام ؟ ان يتجنبه حتى يتبين له انه حلال

3-ان الانسان اذا وقع فى الامور المشتبة هان عليه ان يقع فى الامور الواضحة فاذا مارس الشئ المشتبة فان نفسه تدعوه الى ان يفعل الشئ البين وحينئذ يهلك

4-حسن تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم بضربه للامثال وتوضيحها

5-ان المدار فى الصلاح والفساد على القلب ولذلك يجب على الانسان العناية بقلبه دائما وابدا حتى يستقيم على ما ينبغى ان يكون عليه

6- واخيرا
ان فساد الظاهر دليل على فساد الباطن
 
الحديث الخامس
عن ابى رقية تميم بن اوس الدارى رضى الله عنه ان النبى (صلى الله عليه وسلم) قال ( الدين النصيحة) قلنا لمن ؟( قال لله ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم ) رواه البخارى ومسلم


فالنصيحة لله عز وجل : هى النصيحة لدينه كذلك القيام باوامره واجتناب نواهيه وتصديق خبره والانابة اليه والتوكل عليه وغير ذلك من شعائر الاسلام وشرائعه

والنصيحة لكتابه :الايمان بانه كلام الله وانه مشتمل على الاخبار الصادقة والاحكام العادلة والقصص النافعة وانه يجب ان يكون التحاكم اليه فى جميع شئوننا

والنصيحة لرسولهصلى الله عليه وسلم : الايمان به وانه رسول الله الى جميع العالمين ومحبته والتاسى به وتصديق خبره وامتثال اوامره واجتناب نهيه والدفاع عن دينه

والنصيحة لائمة المسلمين : مناصحتهم ببيان الحق وعدم التشويش عليهم والصبر على ما يحصل منهم من الاذى وغير ذلك من حقوقهم المعروفة ومساعدتهم ومعاونتهم فيما تجب فيه المعونة كدفع الاعداء ونحو ذلك

والنصيحة لعامة المسلمين : اى سائر المسلمين هى ايضا بذل النصيحة لهم بالدعوة الى الله والامر بالمعروف والنهى عن المنكر وتعليمهم الخير وما اشبه ذلك


وفى هذا الحديث فوائد منها
الحث على النصيحة فى هذه المواطن الخمسة لانهااذا كانتهذه هى الدين فان الانسان بلا شك يحافظ على دينه ويتمسك به لهذا جعل النبى (صلى الله عليه وسلم) النصيحة فى هذه المواطن الخمسة

تحريم الغش لانه اذا كانت النصيحة الدين فالغش ضد النصيحة فيكون خلاف الدين وقد ثبت عن النبى (صلى الله عليه وسلم) انه قال ( من غشنا فليس منا )

 
الحديث السادس
حرمة المسلم


عن ابن عمر رضى الله عنهما ان رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (قال أمرت ان اقاتل الناس حتى يشهدوا ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فاذا فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم واموالهم بحق الاسلام وحسابهم على الله تعالى ) رواه البخارى ومسلم

(امرت) اى امره الله عزوجل فالامر والناهى هو الله تعالى

(اقاتل الناس حتى يشهدوا ) هذا الحديث عام لكنه خصص بقوله تعالى (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين اوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون )

وكذلك السنة جاءت بان الناس يقاتلون حتى يسلموا او يعطوا الجزية

ومن فوائد الحديث
ان من امتنع عن الزكاة يجوز قتاله ولهذا قاتل ابو بكر رضى الله عنه الذين امتنعوا عن الزكاة

ان الانسان اذا دان بالاسلام ظاهرا فان باطنه يوكل الى الله

اثبات الحساب اى ان الانسان يحاسب على عمله ان خيرا فخير وان شرا فشر قال الله تعالى (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)
 
الحديث السادس

مراحل الخلق

موسوعة تفسير الأحاديث النبوية الشريفة كامله

متن الحديث
(حَدَّثَنَا ‏ ‏أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ‏ ‏
حَدَّثَنَا ‏ ‏أَبُو مُعَاوِيَةَ ‏ ‏وَوَكِيعٌ ‏ ‏
و حَدَّثَنَا ‏ ‏مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ الْهَمْدَانِيُّ ‏ ‏وَاللَّفْظُ لَهُ ‏ ‏
حَدَّثَنَا ‏ ‏أَبِي ‏ ‏وَأَبُو مُعَاوِيَةَ ‏ ‏وَوَكِيعٌ ‏ ‏
قَالُوا حَدَّثَنَا ‏ ‏الْأَعْمَشُ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عَبْدِ اللَّهِ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏
حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏
وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ
‏إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا
ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ ‏ ‏عَلَقَةً ‏ ‏مِثْلَ ذَلِكَ
ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ ‏ ‏مُضْغَةً ‏ ‏مِثْلَ ذَلِكَ
ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ
وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ بِ
كَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ
فَوَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ
إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ
حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ
فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ ‏ ‏الْكِتَابُ ‏ ‏
فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا
وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ
حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ
فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ ‏ ‏الْكِتَابُ ‏ ‏
فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا)
*************************************************
إضغط هنا لصحة الحديث



أهمية الحديث
أن الجنين قبل أربعة أشهر
لا يحكم بأنه إنسان حي،
وبناء على ذلك لو سقط قبل تمام أربعة أشهر
فإنه لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه،
لأنه لم يكن إنساناً بعد.

كما أنه بعد أربعة أشهر
تنفخ فيه الروح ويثبت له حكم الإنسان الحي،
فلو سقط بعد ذلك فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه
كما لو كان ذلك بعد تمام تسعة أشهر

ومنه يتضح في تحريم إسقاط الجنين بإتفاق العلماء
بعد نفخ الروح فيه؛
واعتبار ذلك جريمة لا يحل للمسلم أن يفعلها،
لأنه جناية على حيٍّ متكامل الخلق ظاهر الحياة.

كما توضح أهمية الحديث
في أن الله تعالى يعلم أحوال الخلق
قبل أن يخلقهم،
فما يكون منهم شيء من إيمان وطاعة
أو كفر ومعصية، وسعادة وشقاوة؛
إلا بعلم الله وإرادته،

كما تأتي الأهمية في توضيح
أن عِلْمَ الله
لا يَرفع عن العبد الاختيار والقصد؛
لأن العلم صفة غير مؤثرة
بل هو صفة كاشفه،
وقد أمر الله تعالى الخلق بالإيمان والطاعة،
ونهاهم عن الكفر والمعصية،
وذلك برهان على أن للعبد اختياراً وقصداً إلى ما يريد،
وإلا كان أمر الله تعالى ونهيه عبثاً،
وذلك محال

كما يوضح الحديث
كما قال ابن حجر الهيتمي:
إن خاتمة السوء تكون - والعياذ بالله -
بسبب دسيسة باطنية للعبد،
ولا يطلع عليها الناس،
وكذلك قد يعمل الرجل عمل أهل النار
وفي باطنه خصلة خير خفية تغلب عليه آخر عمره
فتوجب له حسن الخاتمة.


مفردات الحديث
المصدوق: فيما أوحي إليه،
لأن الملك جبيريل يأتيه بالصدق،
والله سبحانه وتعالى يصدقه فيما وعده به.

يُجمع: يُضَم ويُحفظ، وقيل : يُقَدَّر ويُجمع.

في بطن أمه: في رحمها.

نطفة: أصل النطفة الماء الصافي، المراد هنا: منياً.

علقة: قطعة دم لم تيبس، سميت " علقة ".

فيسبق عليه الكتاب: الذي سبق في علم الله تعالى.


المعنى العام للحديث
بين هذا الحديث تطور خلقة الإنسان في بطن أمه،
وأنه أربعة أطوار
الأول: طور النطفة أربعون يوماً ...
والثاني: طور العلقة أربعون يوماً ...
الثالث: طور المضغة أربعون يوماً ...
والرابع: الطور الأخير بعد نفخ الروح فيه..
فالجنين يتطور في بطن أمه إلى هذه الأطوار

وأن أحوال الإنسان تكتب عليه
وهو في بطن أمه .. رزقه .. عمله .. أجله ..
شقي أم سعيد،
ومنها بيان حكمة الله عز وجل
وأن كل شيء عنده بأجل مقدر
وبكتاب لا يتقدم ولا يتأخر

أن الإنسان يجب أن يكون على خوف ورهبة،
لأن رسول الله أخبر
{إن الرجل يعمل بعمل أهل الجنة
حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع
فيسبق عليه الكتاب
فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها }.


من فوائد الحديث
نفخ الروح: اتفق العلماء على أن
نفخ الروح في الجنين يكون بعد مضي مئة وعشرين يوماً
على الاجتماع بين الزوجين،
وذلك تمام أربعة أشهر ودخوله في الخامس،
وهذا موجود بالمشاهدة وعليه يُعوَّل فيما يُحتاج إليه من الأحكام
من الاستلحاق ووجوب النفقات،
وذلك للثقة بحركة الجنين في الرحم،
ومن هنا كانت الحكمة في أن المرأة المتوفى عنها زوجها
تعتد أربعة أشهر وعشرة أيام؛
لتحقق براءة الرحم ببلوغ هذه المدة
دون ظهور أثر الحمل.

أن الإنسان يجب أن يكون على خوف ورهبة،
لأن رسول الله أخبر
{ إن الرجل يعمل بعمل أهل الجنة
حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع
فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها }

أنه لا ينبغي لإنسان أن يقطع الرجاء
فإن الإنسان قد يعمل بالمعاصي دهراً طويلاً
ثم يمن الله عليه بالهداية فيهتدي في آخر عمره

 
الحديث السابع

البعد عن مواطن الشبهات



متن الحديث
حَدَّثَنَا ‏ ‏مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ الْهَمْدَانِيُّ ‏ ‏
حَدَّثَنَا ‏ ‏أَبِي ‏ ‏
حَدَّثَنَا ‏ ‏زَكَرِيَّاءُ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏الشَّعْبِيِّ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ‏ ‏
قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ ‏
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏يَقُولُ ‏ ‏
وَأَهْوَى ‏ ‏النُّعْمَانُ ‏ ‏بِإِصْبَعَيْهِ إِلَى أُذُنَيْهِ ‏ ‏
إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ
وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ
وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ
فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ ‏ ‏اسْتَبْرَأَ ‏ ‏لِدِينِهِ ‏ ‏وَعِرْضِهِ ‏ ‏
وَمَنْ وَقَعَ فِي ‏ ‏الشُّبُهَاتِ ‏ ‏وَقَعَ فِي الْحَرَامِ
كَالرَّاعِي ‏ ‏يَرْعَى حَوْلَ ‏ ‏الْحِمَى ‏ ‏
يُوشِكُ أَنْ ‏ ‏يَرْتَعَ ‏ ‏فِيهِ
أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ ‏ ‏حِمًى ‏ ‏
أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ
أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ ‏ ‏مُضْغَةً ‏
‏إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ
وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ
أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ
*************************************************
إضغط هنا لصحة الحديث
*************************************************


أهمية الحديث
‏أجمع العلماء على عظم وقع هذا الحديث ,
وكثرة فوائده ,
وأنه أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام .
قال جماعة : هو ثلث الإسلام ,
وأن الإسلام يدور عليه ,
وعلى حديث : " الأعمال بالنية " ,
وحديث : " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه " . ‏
وسبب عظم موقعه أنه صلى الله عليه وسلم
نبه فيه أنه ينبغي ترك المشتبهات ,
فإنه سبب لحماية الدين والعرض ,
وحذرا من مواقعة الشبهات


مفردات الحديث
بَيِّن: ظاهر .

مُشْتَبِهَات: جمع مشتبه، وهو ما فيه من عدم الوضوح في الحل والحرمة ،
فهو كل ما تنازعته الأدلة من الكتاب والسنة ، وتجاذبته المعاني ، فالإمساك عنه ورع.

لا يَعْلَمُهُنَّ: لا يعلم حكمها.

اتَّقَى الشُّبُهَاتِ: ابتعد عنها، وإجعل بينك وبين كل شبهة أو مشكلة وقاية.

اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ: أي سلم في في دينه مما ينفقه أو يفسده ، وسلم في عرضه مما يشتبه.

الْحِمَى: المحمي، وهو المحظور على غير مالكه.

أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ: أن تأكل منه ماشيته وتقيم فيه.

مضغة: قطعة من اللحم قدر ما يُمضغ في الفم.


المعنى العام للحديث
قسّم النبي الأمور إلى ثلاثة أقسام:
قسم حلال بيّن لا اشتباه فيه،
وهو قسم حلال ولا يأثم الإنسان به
مثل حل بهيمة الأنعام

وقسم حرام بيّن لا اشتباه فيه،
وهو القسم الذي يأثم الأنسان به
مثل تحريم الخمر

أما القسم الثالث فهم الأمر المشتبه
الذي يشتبه حكمه هل هو من الحلال أم من الحرام؟
ويخفى حكمه على كثير من الناس،
وإلا فهو معلوم عند آخرين.

فهذا يقول الرسول الورع تركه وأن لا يقع فيه
ولهذا قال: { فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه }
استبرأ لدينه فيما بينه وبين الله،
واستبرأ لعرضه فيما بينه وبين الناس
بحيث لا يقولون: فلان وقع في الحرام،
حيث إنهم يعلمونه
وهو عند مشتبه
ثم ضرب النبي مثلاً لذلك
{ بالراعي يرعى حول الحمى }
أي حول الأرض المحمية التي لا ترعاها البهائم
فتكون خضراء، لأنها لم ترعى فيها
فإنها تجذب البهائم حتى تدب إليها وترعاها،
{ كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه }
ثم قال عليه الصلاة والسلام:
{ ألا وأن لكل ملك حمى}
يعني بأنه جرت العادة بأن الملوك يحمون شيئاً من الرياض
التي يكون فيها العشب الكثير والزرع الكثير
{ ألا وإن حمى الله محارمه }
أي ما حرمه على عباده فهو حماه،
لأنه منعهم أن يقعوا فيه ثم بين
أن { في الجسد مضغة }
يعني لحمة بقدر ما يمضغه الآكل
إذا صلحت صلح الجسد كله
ثم بينها بقوله: { ألا وهي القلب }
وهو إشارة إلى أنه يجب على الإنسان
أن يراعي ما في قلبه من الهوى
الذي يعصف به حتى يقع في الحرام والأمور المشتبهات.


من فوائد الحديث

أن الشريعة الإسلامية حلالها بيّن وحرامها بيّن
والمشتبه منها يعلمه بعض الناس.

ينبغي للإنسان إذا اشتبه عليه الأمر
أحلال هو أم حرام
أن يجتنبه حتى يتبيّن له أنه حلال.

إذا وقع الإنسان في الأمور المشتبه
هان عليه أن يقع في الأمور الواضحة
فإذا مارس الشيء المشتبه
فإن نفسه تدعوه إلى أن يفعل الشيء البين
وحينئذ يهلك.

جواز ضرب المثل من أجل أن يتبين الأمر المعنوي
بضرب الحسي أي أن تشبيه المعقول بالمحسوس
ليقرب فهمه.

حسن تعليم الرسول عليه الصلاة والسلام
بضربه للأمثال وتوضيحها.

أن المدار في الصلاح والفساد على القلب
وينبني على هذه الفائدة
أنه يجب على الإنسان العناية بقلبه دائماً وأبداً
حتى يستقيم على ما ينبغي أن يكون عليه.

أن فاسد الظاهر دليل على فاسد الباطن
لقول النبي : { إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله }
ففساد الظاهر عنوان فساد الباطن.
 
الحديث الثامن


عن عمر (رضي الله عنه) أيضاً قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) ، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمّد أخبرني عن الإسلام؟! فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً"، قال: صدقت. فعجبنا له يسأله ويصدّقه، قال: فأخبرني عن الإيمان؟ قال: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره"، قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان؟ قال: "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك". قال: فأخبرني عن الساعة؟ قال: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل"، قال: فأخبرني عن أماراتها؟ قال: "أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان"، ثم انطلق. فلبثت ملياً، ثم قال: "يا عمر أ تدري من السائل؟" قلت: الله ورسوله أعلم، قال: "فإنه جبريل أتاكم يعلّمكم دينكم". (رواه مسلم)

شرح وفوائد الحديث

قوله صلى الله عليه وسلم : أخبرني عن الإيمان : الإيمان في اللغة : هو مطلق التصديق ، وفي الشرع : عبارة عن تصديق خاص ، وهو التصديق بالله ، وملائكته وكتبه ، ورسله ، وباليوم الآخر ، وبالقدر خيره وشره . وأما الإسلام فهو عبارة عن فعل الواجبات، وهو الانقياد إلى عمل الظاهر . قد غاير الله تعالى بين الإيمان والإسلام كما في الحديث ، قال الله تعالى :{قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤِْمُنوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات :14].وذلك أنَّ المنافقين كانوا يصلون ويصومون ويتصدقون ، وبقلوبهم ينكرون، فلما ادَّعوا الإيمان كذَّبَهم الله تعالى في دعواهم الإيمان لإنكارهم بالقلوب،وصدقهم في دعوى الإسلام لتعاطيهم إياه . وقال الله تعالى: {إِذا جاءك المنافقون قالوا نشهدُ إنكَ لَرَسُولُ اللهِ واللهُ يعلمُ إنَّك لرسولُهُ واللهُ يَشْهَدُ إنَّ المنافقينَ لكَاذبونَ} [المنافقون :1]. أي في دعواهم الشهادة بالرسالة مع مخالفة قلوبهم ، لأن ألسنتهم لم تواطىء قلوبهم ،وشرط الشهادة بالرسالة : أن يواطىء اللسان القلب فلما كذبوا في دعواهم بَّين الله تعالى كذبهم ، ولما كان الإيمان شرطاً في صحة الإسلام استثنى الله تعالى من المؤمنين المسلمين قال الله تعالى : { فأخرجْنا مَنْ كَانَ فيها مِنَ المؤمنينَ فما وَجَدْنَا فيها غير بَيْتٍ مِنَ المسِْلمِينَ} [الذاريات : 35- 36] فهذا استثناء متصل لما بين الشروط من الاتصال ولهذا سمى الله تعالى الصلاة : إيماناً :قال الله تعالى : { وََمَا كَانَ اللهُ ليضيع إيمانكم} [البقرة : 143]. وقال تعالى : {ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان} [الشورى :52] أي الصلاة .

قوله صلى الله عليه وسلم : (( وتؤمن بالقدر خيره وشره)) بفتح الدال وسكونها لغتان ، ومذهب أهل الحق : إثبات القدر ، ومعناه أن الله سبحانه وتعالى قدر الأشياء في القدم ، وعلم سبحانه وتعالى أنها ستقع في أوقات معلومة عنده سبحانه وتعالى ، وفي أمكنة معلومة وهي تقع على حسب ما قدره الله سبحانه وتعالى . واعلم أن التقادير أربعة :

(الأول) التقدير في العلم ولهذا قيل : العناية قبل الولاية ، والسعادة قبل الولادة ،واللواحق مبنية على السوابق ، قال الله تعالى {يؤفك عنه من أُفِكَ} [الذاريات :9] أي يصرف عن سماع القرآن وعن الإيمان به في الدنيا من صرف عنه في القدم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا يهلك الله إلا هالكاً)) أي من كتب في علم الله تعالى أنه هالك .

(الثاني) التقدير في اللوح المحفوظ ، وهذا التقدير يمكن أن يتغير قال الله تعالى : {يمحو الله ما يشاءُ ويثبت وعنده أم الكتاب} [الرعد :39] وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه كان يقول في دعائه : (( اللهم إن كنت كتبتني شقياً فامحني واكتبني سعيداً)).

(الثالث) التقدير في الرحم ، وذلك أن الملك يؤمر بكتب رزقه وأجله وشقي أو سعيد .

(الرابع ) التقدير وهو سوق المقادير إلى المواقيت ، والله تعالى خلق الخير والشر وقدر مجئيه إلى العبد في أوقات معلومة .و الدليل على أن الله تعالى خلق الخير والشر قوله تعالى:{ إن المجرمين في ضلال وَسُعُرُ * يوم يُسحَبون في النار على وجوهِهمْ ذوقوا مَسَّ سَقَر * إنَّا كلَّ شي خلقناهُ بقَدَرِ} [القمر 47-49] نزلت هذه الأية في القدرية ، يقال لهم ذلك في جهنم، وقال تعالى { قل أعوذ برب الفلق * من شر ما خلق} [الفلق 1-2]. وهذا القسم إذا حصل اللطف بالعبد صرف عنه قبل أن يصل إليه .

وفي الحديث : (( إن الصدقة وصلة الرحم تدفع ميتة السوء وتقلبه سعادة )).

وفي الحديث :(( إن الدعاء والبلاء بين السماء والأرض يقتتلان ، ويدفع الدعاء البلاء قبل أن ينزل)).

وزعمت القدرية : أن الله تعالى لم يقدر الأشياء في القدم ، ولا سبق علمه بها ، وأنها مستأنفة ، وأنه تعالى يعلمها بعد وقوعها ، وكذبوا على الله سبحانه وتعالى جلَّ عن إقوالهم الكاذبة وتعالى علواً كبيراً ، وهؤلاء انقرضوا وصارت القدرية في الأزمان المتأخرة يقولون : الخير من الله والشر من غيره ، تعالى الله عن قولهم ، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( القدرية مجوس هذه الأمة)) . سماهم مجوساً لمضاهاة مذهبهم مذهب المجوس ، وزعمت الثنوية أن الخير من فعل النور والشر من فعل الظلمة فصاروا ثنوية ، كذلك القدرية يضيفون الخير إلى الله والشر إلى غيره وهو تعالى خالق الخير والشر .

قال إمام الحرمين في كتاب ((الإرشاد)) إن بعض القدرية تقول : لسنا بقدرية بل أنتم القدرية لاعتقادكم أخبار القدر ،و رد على هؤلاء الجهلة بأنهم يضيفون القدر إلى أنفسهم ، ومن يدعي الشر لنفسه ويضيفه إليها أولى بأن ينسب إليه ممن يضيفه لغيره وينفيه عن نفسه .

قوله صلى الله عليه وسلم : فأخبرني عن الإحسان قال : (( الأحسان أن تعبد الله كأنك تراه )) وهذا مقام المشاهدة لأن من قدر أن يشاهد الملك استحى أن يلتفت إلىغيره في الصلاة وأن يشغل قلبه بغيره ومقام الإحسان مقام الصديقين وقد تقدم في الحديث الأول الإشارة إلى ذلك .

قوله صلى الله عليه وسلم : ((فإنه يراك)) غافلاً إن غفلت في الصلاة وحدثت النفس فيها .

قوله صلى الله عليه وسلم : فأخبرني عن الساعة فقال : (( ما المسؤول عنها بأعلم من السائل)) هذا الجواب على أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يعلم متى الساعة؟ بل علم الساعة مما استأثر الله تعالى به ، قال الله تعالى : { إن الله عنده علم الساعة} [لقمان:34]. وقال تعالى : {ثقلت في السماوات والأرض ، لا تأتيكم إلا بغتة} [الإعراف:187}.وقال تعالى :{ وما يدريك لعل الساعة تكون قريباً}[الأحزاب:63].

ومن ادعى أن عمر الدنيا سبعون ألف سنة وأنه بقي منها ثلاثة وستون ألف سنة فهو قول باطل حكاه الطوخي في ((أسباب التنزيل)) عن بعض المنجمين وأهل الحساب ، ومن ادعى أن عمر الدنيا سبعة آلاف سنة فهذا يسوف على الغيب ولا يحل اعتقاده.

قوله صلى الله عليه وسلم : فأخبرني عن أماراتها قال : (( أن تلد الأمة ربتها)) الأمار والأمارة بإثبات التاء وحذفها لغتان ، وروي ربها وربتها ، قال الأكثرون هذا إخبار عن كثرة السراري وأولادهن ، فإن ولدها من سيدها بمنزلة سيدها لأن مال الإنسان صائر إلى ولده ، وقيل معناه الإماء يلدن الملوك فتكون أمة من جملة رعيته ، ويحتمل أن يكون المعنى : أن الشخص يستولد الجارية ولداً ويبيعها فيكبر الولد ويشتري أمه ، وهذا من أشراط الساعة.

قوله صلى الله عليه وسلم : (( وأن ترى الحفاة العراة العالة ، رعاء الشاء يتطاولون في البنيان)) إذ العالة هم الفقراء ، والعائل الفقير ، والعيلة الفقر وعال الرجل يعيل عيلة أي افتقر . والرعاء بكسر الراء وبالمد ويقال فيه رعاة بضم الراء وزيادة تاء بلا مد معناه أن أهل البادية وأشباهم من أهل الحاجة والفاقة يترقون في البنيان والدنيا تبسط لهم حتى يتباهوا في البنيان .

قوله : (( فلبث مليا)) هو بفتح الثاء على أنه للغائب ، وقيل : فلبثت بزيادة تاء المتكلم وكلاهما صحيح . وملياً بتشديد الياء معناه وقتاً طويلاً.وفي رواية أبي داود والترمذي أنه قال : بعد ثلاثة أيام . وفي (( شرح التنبيه)) للبغوي أنه قال : بعد ثلاثة فأكثر ، وظاهر هذا أنه بعد ثلاث ليال. وفي ظاهر هذا مخالفة لقول أبي هريرة في حديثه ، ثم أدبر الرجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ردوا علىَّ الرجل)) فأخذوا يردونه فلم يروا شيئاً فقال صلى الله عليه وسلم : (( رودا علىَّ الرجل)) فأخذوا يرودنه فلم يروا شيئاً فقال صلى الله عليه وسلم :(( هذا جبريل)) فيمكن الجمع بينهما بأن عمر رضي الله عنه لم يحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم لهم في الحال ، بل كان قد قام من المجلس فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم الحاضرين في الحال ، وأخبروا عمر بعد ثلاث إذ لم يكن حاضراً عن إخبار الباقين .

وفي قوله صلى الله عليه وسلم : (( هذا جبريل آتاكم يعلمكم أمر دينكم)) ، فيه دليل على ان الإيمان ،و الإسلام ،و الإحسان ، تسمى كلها ديناً ، وفي الحديث دليل على أن الإيمان بالقدر واجب ، وعلى ترك الخوض في الأمور ، وعلى وجوب الرضا بالقضاء . دخل رجل على ابن حنبل رحمه الله . فقال : عظني . فقال له : إن كان الله تعالى قد تكفل بالرزق فاهتمامك لماذا ؟ وإن كان الخلف على الله حقاً فالبخل لماذا ؟ وإن كانت الجنة حقاً فالراحة لماذا ؟ وإن كان سؤال منكر ونكير حقاً فالأنس لماذا؟وإن كانت الدنيا فانية فالطمأنينة لماذا ؟ وإن كان الحساب حقاً فالجمع لماذا ؟ وإن كان كل شيء بقضاء وقدر فالخوف لماذا ؟

(فائدة) ذكر صاحب (( مقامات العلماء)) أن الدنيا كلها مقسومة على خمسة وعشرين قسماً : خمسة بالقضاء والقدر ، وخمسة بالاجتهاد ، وخمسة منها بالعادة ، وخمسة بالجوهر ، وخمسة بالوراثة . فأما الخمسة التي بالقضاء والقدر : فالرزق ، والولد ، والأهل ، والسلطان ، والعمر . والخمسة التي بالاجتهاد : فالجنة ، والنار ن والعفة ،و الفروسية ، والكتابة . والخمسة التي بالعادة : فالأكل ، والنوم ، والمشي ،و النكاح ،و التغوط .و الخمسة التي بالجوهر : فالزهد ، والزكاة ، والبذل ، والجمال ،و الهيبة. والخمسة التي بالوراثة : فالخير ، والتواصل ، والسخاء والصدق ،و الأمانة .وهذا كله لا ينافي قوله صلى الله عليه وسلم (( كل شيء بقضاء وقدر)). وإنما معناه : أن بعض هذه الأشياء يكون مرتباً على سبب ،وبعضها يكون بغير سبب ، والجميع بقضاء وقدر



 
الحديث التاسع


عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : "إن الله تعـالى طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى: (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً)، وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم) ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا ربِّ يا ربِّ، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له؟". (رواه مسلم)

شرح وفوائد الحديث

قوله صلى الله عليه وسلم :(( إن الله تعالى طيب)) ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى عليه وسلم يقول :(( اللهم إني أسألك باسمك المطهر الطاهر ، الطيب المبارك الأحب إليك الذي إذا دعيت به أجبت ، وإذا سئلت به أعطيت ، وإذا استرحمت به رحمت ، واذا استفرجت به فرجت)) ، ومعنى الطيب : المنزه عن النقائص والخبائث ، فيكون بمعنى القدوس وقيل طيب الثناء ومسلتذ الأسماء عند العارفين بها : وهو طيب عباده لدخول الجنة بالإعمال الصالحة وطيبها لهم ، والكلمة الطيبة : لا إله إلا الله .

قوله صلى الله عليه وسلم : (( لا يقبل إلا طيباً)) أي فلا يتقرب إليه بصدقة حرام ، ويكره التصدق بالرديء من الطعام كالحب العتيق المسوس ، وكذلك يكره التصدق بما فيه شبهة قال الله تعالى :{ ولاتيمموا الخبيث منه تنفقون} [البقرة:267]. فكما أنه تعالى لا يقبل المال إلا الطيب كذلك لا يقبل من العمل إلا الطيب الخالص من شائبة الرياء والعجب والسمعة ونحوها .

قوله: فقال تعالى:{ يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً} [المؤمنون:51].وقوله تعالى :{ يا أيها الذين أمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم}[البقرة :172]. المراد بالطيبات الحلال.

في الحديث دليل على أن الشخص يثاب على ما يأكله إذا قصد به التقوي على الطاعة أو إحياء نفسه ،و ذلك من الواجبات ، بخلاف ما إذا أكل لمجرد الشهوة والتنعم .

قوله :(( مطعمه حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام)) أي شبع ، وهو بضم الغين المعجمة وكسر الذال المعجمة المخففة من الغذي بالكسر والقصر ،و أما الغداء بالفتح والمد والدال المهملة : فهو عبارة عن نفس الطعام الذي يؤكل في الغداة ، قال الله تعالى :{ قال لفتاه آتنا غداءنا} [الكهف :62].

قوله : ((فأنى يستجاب له)) أي استبعاداُ لقبوله إجابة الدعاء ،و لهذا شرط العبادي لقبول الدعاء أكل الحلال ، والصحيح أن ذلك ليس بشرط فقد استجاب لشر خلقه إبليس فقال :{إنك من المنظرين} [الأعراف:15].

 
الحديث العاشر


عن أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب سبط رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وريحانته رضي الله عنهما قال: حفظت من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك". (رواه الترمذي والنسائي، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح)


شرح وفوائد الحديث


قوله صلى الله عليه وسلم ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) فيه دليل على أن المتقي ينبغي له أن لا يأكل المال الذي فيه شبهة ، كما يحرم عليه أكل الحرام ، وقد تقدم .


قوله : (( إلى ما لا يريبك)) أي اعدل إلى ما لا ريب فيه من الطعام الذي يطمئن به القلب وتسكن إليه النفس . والريبة : الشك وتقدم الكلام عن الشبهة.


الحديث الثاني عشر


عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : "من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه". (حديث حسن رواه الترمذي وغيره هكذا)


شرح وفوائد الحديث


قوله صلى الله عليه وسلم : (( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه )) أي ما لا يهمه من أمر الدين والدنيا من الأفعال والأقوال . وقال صلى الله عليه وسلم لأبي ذر حين سأله عن صحف إبراهيم قال :(( كانت أمثالاً كلها ، كان فيها : أيها السلطان المغرور إني لم أبعثك لتجمع الأموال بعضها على بعض ولكن بعثتك لترد عن دعوة المظلوم فإني لا أردها ، ولوكانت من كافر. وكان فيها : على العاقل ما لم يكن مغلوباً على عقله أن يكون له أربع ساعات : ساعة يناجي فيها ربه ،وساعة يتفكر في صنع الله تعالى ، وساعة يحدث فيها نفسه ، وساعة يخلو بذي الجلال والإكرام ، وإن تلك الساعة عون له علىتلك الساعات، .و كان فيها : على العاقل ما لم يكن مغلوباً على عقله ، أن لا يكون ساعياً إلا في ثلاث : تزود لمعاد، ومؤنة لمعاش ،ولذة في غير محرم .وكان فيها : على العاقل ما لم يكن مغلوباً على عقله أن يكون بصيراً لزمانه ، مقبلاً على شأنه . حافظاً للسانه، ومن حسب الكلام من عمله يوشك أن يقل الكلام إلا فيما يعنيه)) .


قلت : بأبي وأمي فما كان في صحف موسى ؟ قال : (( كانت عبراً كلها ، كان فيها : عجباً لمن أيقن بالنار كيف يضحك ، وعجباً لمن أيقن بالموت كيف يفرح ، وعجباً لمن رآى الدنيا وتقلبها بأهلها وهو يطمئن إليها ،و عجباً لمن أيقن بالقدر ثم هو يغضب ، وعجباً لمن أيقن بالحساب غداً وهو لا يعمل))؟!.


قلت : بأبي وأمي هل بقي مما كان في صحفهما شيء؟ قال : ((نعم ياأباذر{ قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى* بل تؤثرون الحياة الدنيا * والآخِرُة خيرَّ وأبقى * إنَّ هذا لفي الصُّحُفِ الأولى * صحف إبراهيم وموسى} [الأعلى:14-19]. إلى آخر السورة .

قلت : بأبي وأمي أوصني ،قال :(( أوصيك بتقوى الله فإنها رأس أمرك كله)) ،قال : قلت زدني ، قال: (( عليك بتلاوة القرآن واذكر الله كثيراً فإنه يذكرك في السماء)) ، قلت زدني ، قال :(( عليك بالجهاد فإنه رهبانية المؤمنين)) ، قلت زدني ، قال : (( عليك بالصمت فإنه مطردة للشياطين عنك ، وعون لك على أمر دينك)) ، قلت زدني ، قال : (( قل الحق ولو كان مراً)) ،قلت زدني ، قال :(( لا تأخذك في الله لومة لائم))، قلت :زدني، قال((صل رحمك وإن قطعوك))، قلت: زدني ، قال : ((بحسب امرئ من الشر ما يجهل من نفسه ، ويتكلف ما لا يعنيه . يا أبا ذر : لا عقل كالتدبير ، ولا ورع كالكف، ولا حسن كحسن الخلق)).



بتبع

 
الوسوم
الأحاديث الشريفة النبوية تفسير كامله موسوعة
عودة
أعلى