املي بالله
نائبة المدير العام
ملحق الحروب الصليبية
القدس الإسلامية
في عهد الخليفة عمربن الخطاب- رضي الله عنه-،تم فتح الشام
وفلسطين،وجاء الخليفة بنفسه لتسلم القدس سنة16هـ/637م.
والقدس مدينة هامة من الوجهة الدينية لدى الأديان الثلاثة.
لقد فتحت هذه المدينة،وأصبح المسلمون سادتها،
ولأنهم قد تعلموا من دينهم التسامح فقد فتحوا أبواب المدينة للحجاج
المسيحيين يأتون ويعودون في سلام وأمان.
وبقيت هذه السّنة الجميلة تقليدًا تبعه الخلفاء من بعده،فقد امتازعهد الرشيد
بمستوى رفيع من التسامح الديني،فقد أهدى "شارلمان"وهو إمبراطورالمسيحيين
في ذلك الوقت مفاتيح "كنيسة القيامة"،كما سمح له ببناء مستشفى فيها،
ومكتبة جمعت كثيرًا من الدراسات المسيحية،وقد كان هذا التسامح سمة كل
العصورالإسلامية قاطبة.
بداية الحروب الصليبية
كان البويهيون يقفون موقفًا سلبيّا من أعداء الإسلام بعد استيلائهم على الخلافة
العباسية ببغداد؛ مما شجع ملك الروم سنة462هـ/1070م على غزو الشام،
فقد خرج ملك الروم في ثلاث مائة ألف مقاتل،ونزل على"مَنْبح"وأحرق القرى
بينها وبين أرض الروم،وقتل رجالهم،وسَبَى نساءهم وأولادهم.
وفزع المسلمون في حلب فزعًا عظيمًا،ولم يكد العام ينتهي حتى عاود ملك الروم هجماته بجيش كثيرالعدد والعدة يريد القضاء على الإسلام والمسلمين،
حتى وصل إلى"ملاذكرد"من أرمينيا،ولكن"ألب أرسلان السلجوقي"سارإليه
في خمسة عشرألفًا،وكله إيمان بالله،ويقين بأن الله ناصردينه،قائلا:
"إنني أقاتل محتسبًا صابرًا،فإن سلمت فبنعمة من الله تعالي،وإن كانت
الشهادة(الموت في سبيل الله) فإن ابني"ملكشاه"ولي عهدي!
وأشارالفقيه"أبو نصر البخاري"أن يكون يوم الجمعة بعد الصلاة هو موعد اللقاء
مع الأعداء،بعد أن يدعو جميع الخطباء للمجاهدين في سبيل الله على المنابر،
وصلى بهم الفقيه البخاري،وبكى السلطان،فبكى الناس لبكائه،ودعا ودعوا معه،
ثم قال لهم:من أراد الانصراف فلينصرف،فما ههنا سلطان يأمر وينهي.
ثم أخرج السلطان كفنه ليراه جنوده -ليحفزهم على الاستشهاد- ففعلوا مثله.
وبدأ الزحف إلى الروم،فلما اقترب السلطان منهم نزل عن فرسه،وسجد لله-
عزوجل-ومَرَّغَ وجهَه في التراب،ودعا الله،وطلب منه النصرعلى أعدائه،
وأخذ في التضرع والبكاء،ثم ركب فرسه،وهجم على العدو فحملت العساكرمعه،
وكان نصرالله على الرغم من قلة عدد المسلمين وكثرة أعدائهم،لكن النصرمن
عند الله ينصرمن يشاء،وهو القوي العزيز.
كان أرسلان،رحمه الله،عادلاً رحيمًا مقرّا بأنعم الله عليه،
يتصدق على الفقراء،ولا سيما في رمضان.
وشاء الله أن يقتل المسلمون من الروم عددًا كبيرًا حتى امتلأت الساحة بجثث القتلى منهم،وأُسرملك الروم،وافتدى نفسه بألف ألف وخمسمائة ألف دينار،كما افتدى قواده، وكان موقف أرسلان قويّا،يستمد قوته من عزة المسلم الذى يستمد عزته من عزة الله سبحانه،فقد فرض أرسلان على ملك الروم أن يرد كل أسيرمسلم في أيدي الروم، وشرط عليه أن يرسل إليه عساكرالروم عند طلبها في أي وقت.
وكانت موقعة "ملاذكرد"هذه بين السلاجقة والروم سنة 463هـ/1071م،
من المعارك الحاسمة التي أدت إلى هزيمة ساحقة مروعة للروم،وذلك رغم
التفاوت الكبير بين القوتين،إذ لم تزد قوات أرسلان على عشر من قوات الصليبيين.
اجتماع كليرمونت
وقد أدى ذلك إلى أن يستنجد أحد أباطرتهم(ملكوهم)بأوربا ويستغيث بها،
فراح البابا يدعو إلى اجتماع عام في"كلير مونت"بفرنسا ويدعو المجتمعين إلى
غزو الشرق الإسلامي،وتخليص الأراضي المقدسة من الترك،وتخليص أراضي الإمبراطورية البيزنطية من الأعداء الغاصبين،وراح يحث الأمراء على
توسيع أملاكهم وغزو الشرق الغني،
فماذا كانت النتيجة؟
وكيف كانت هزيمة "ملاذ كرد" سببًا في قيام الحروب الصليبية؟
وفي أثناء هذه الحروب ظهرخطرالمغول،
فكيف واجهت البلاد إعصارالمغول،والحروب الصليبية؟
استيلاء الصليبيين على القدس
وفي عام 491هـ/1097م؛تجمعت قوات الصليبيين في القسطنطينية،
وبعد أن تم إعدادها عبرت البسفورإلى الشام،ودارت بينهم وبين السلاجقة معركة
عام 1097م،عند "ضورليوم"،ولكن هزم فيها السلاجقة،ثم استولى الصليبيون
على أنطاكية في شمالي الشام،وأسسوا بها أول إمارة لهم،ثم استولوا على الرها
في إقليم الجزيرة الشمالي،وأسسوا إمارتهم الثانية واتجهوا إلى مدينة القدس وبها
بيت المقدس.
وأمام أربعين ألف مقاتل،لم يستطع جيش الفاطميين فك حصارهم للمدينة الذي استمر شهرًا كاملا،ودخلوها في النهاية في 15 يوليو سنة 1099م،وأقاموا فيها مذبحة
قضوا على سكانها جميعًا رجالا ونساءً وأطفالا وكهولا،واستباحوا مدينة القدس
أسبوعًا يقتلون ويدمرون حتى قتلوا في ساحة الأقصى فقط سبعين ألفًا من المسلمين.
ويذكر أن ريموند القائد الصليبي احتل"مَعَرَّة النعمان"،وقتل بها مائة ألف،ٍ
وأشعل النار فيها،ثم أقاموا دولتهم الكبرى المعروفة باسم مملكة القدس.
وفي هذه الحملة،ظلت بعض مدن الشام الهامة مثل حلب ودمشق في أيدي المسلمين.
لقد تم الاستيلاء على القدس،وشعرالصليبيون أنهم حققوا واجبهم الديني
باستعادة المدينة المقدسة.
وقد قسم الصليبيون هذا الإقليم إلى أربع إمارات:
إمارة الرُّها 492هـ/ 1098م،وتشمل أعالي نهري دجلة والفرات،
وتقرب حدودها الجنوبية الغربية من حلب،وكانت عاصمتها الرها التي توجد في
بعض الخرائط باسم إدريسّا .
أما الثانية فهي إمارة أنطاكية،وتقع في الإقليم الشمالي جنوب غرب إمارة الرها.
ثم تليها جنوبًا إمارة طرابلس وهي تقع في شريط ضيق على الساحل وهي أصغر
هذه الإمارات .
أما الرابعة فهي مملكة القدس،وتمتد حدودها الشرقية من قرب بيروت الحالية،
ثم تتبع نهرالأردن حيث تتسع قليلا،وتتجه جنوبًا إلى خليج العقبة،
وكانت عاصمتها القدس نفسها.
وكان لكل إمارة من هذه الإمارات أميرأوحاكم يحكمها،
لقد استولوا على القدس،وها هو ذا نصرهم قد تم،وها هي ذي أوربا كلها في
فرح متزايد،ولكن الخلافات بينهم قد عادت كأشد ما تكون بعد أن تم لهم النصر.
انتصار نورالدين على الصليبيين
وبرغم الآلام التي عانى منها المسلمون تحت مطارق الصليب،وبحار الدماء
والحقد،عاد الإسلام-ولم يكن قد مات يومًا-يشعل صدورالمسلمين،فهبوا جنودًا لله
كما كانوا،وقيض الله لهذه الأمة رجلا تركيّا هو"عماد الدين زنكي"الذي عرف أن
طريق النصريبدأ دائمًا بالعودة إلى الله.
كيف كان ذلك؟
عندما انقسمت دولة السلاجقة بعد "ملكشاه"استطاع أحد مماليكه الأتراك
وهوعماد الدين زنكي أن يستقل بإقليم الموصل.
وما لبثت قوة هذا الرجل أن تضاعفت فقام بهجوم على"الرها"،وتمكن من الاستيلاء على عاصمتها رغم مناعة أسوارها سنة539هـ/1144م.وكان لسقوط "الرها"
في أوربا هِزة عنيفة أدت إلى الدعوة إلى حملة صليبية أخري.
ويحمل نورالدين محمود بن عماد الدين زنكي عبء الجهاد والدفاع عن أرض
الإسلام بعد استشهاد أبيه عماد الدين عام 1146م،على يد أحد أتباع المذهب الإسماعيلي(المعروفون باسم الحشاشين الباطنية)،ويعيد نورالدين فتح الرها التي
سارع الصليبيون إلى احتلالها بعد استشهاد أبيه،ويعود مظفرًا إلى حلب،
ومن هناك يستعد للقاء الصليبيين،ويهزمهم بالقرب من دمشق،بل ويهاجم بعد ذلك
إمارة إنطاكية ويستولي على أجزاء منها،ويقبض على أميرها بوهيموند وجماعة
من أكابرأمراء الصليبيين،واستطاع أن يخضع باقي مدن الرها التي لم تكن قد
خضعت من قبل.
ثم توج جهوده لما دعاه أهل دمشق لحكمهم بعدما رأوا عدله وشجاعته،
فتكونت جبهة إسلامية واحدة تمتد من حلب إلى دمشق ويدعمها ملك أخيه
في الموصل.
رحمك الله يا نورالدين،لقد أضأت للمسلمين طريقهم؛
فعرفوا كيف يكون الجهاد والتضحية.
</b></i>القدس الإسلامية
في عهد الخليفة عمربن الخطاب- رضي الله عنه-،تم فتح الشام
وفلسطين،وجاء الخليفة بنفسه لتسلم القدس سنة16هـ/637م.
والقدس مدينة هامة من الوجهة الدينية لدى الأديان الثلاثة.
لقد فتحت هذه المدينة،وأصبح المسلمون سادتها،
ولأنهم قد تعلموا من دينهم التسامح فقد فتحوا أبواب المدينة للحجاج
المسيحيين يأتون ويعودون في سلام وأمان.
وبقيت هذه السّنة الجميلة تقليدًا تبعه الخلفاء من بعده،فقد امتازعهد الرشيد
بمستوى رفيع من التسامح الديني،فقد أهدى "شارلمان"وهو إمبراطورالمسيحيين
في ذلك الوقت مفاتيح "كنيسة القيامة"،كما سمح له ببناء مستشفى فيها،
ومكتبة جمعت كثيرًا من الدراسات المسيحية،وقد كان هذا التسامح سمة كل
العصورالإسلامية قاطبة.
بداية الحروب الصليبية
كان البويهيون يقفون موقفًا سلبيّا من أعداء الإسلام بعد استيلائهم على الخلافة
العباسية ببغداد؛ مما شجع ملك الروم سنة462هـ/1070م على غزو الشام،
فقد خرج ملك الروم في ثلاث مائة ألف مقاتل،ونزل على"مَنْبح"وأحرق القرى
بينها وبين أرض الروم،وقتل رجالهم،وسَبَى نساءهم وأولادهم.
وفزع المسلمون في حلب فزعًا عظيمًا،ولم يكد العام ينتهي حتى عاود ملك الروم هجماته بجيش كثيرالعدد والعدة يريد القضاء على الإسلام والمسلمين،
حتى وصل إلى"ملاذكرد"من أرمينيا،ولكن"ألب أرسلان السلجوقي"سارإليه
في خمسة عشرألفًا،وكله إيمان بالله،ويقين بأن الله ناصردينه،قائلا:
"إنني أقاتل محتسبًا صابرًا،فإن سلمت فبنعمة من الله تعالي،وإن كانت
الشهادة(الموت في سبيل الله) فإن ابني"ملكشاه"ولي عهدي!
وأشارالفقيه"أبو نصر البخاري"أن يكون يوم الجمعة بعد الصلاة هو موعد اللقاء
مع الأعداء،بعد أن يدعو جميع الخطباء للمجاهدين في سبيل الله على المنابر،
وصلى بهم الفقيه البخاري،وبكى السلطان،فبكى الناس لبكائه،ودعا ودعوا معه،
ثم قال لهم:من أراد الانصراف فلينصرف،فما ههنا سلطان يأمر وينهي.
ثم أخرج السلطان كفنه ليراه جنوده -ليحفزهم على الاستشهاد- ففعلوا مثله.
وبدأ الزحف إلى الروم،فلما اقترب السلطان منهم نزل عن فرسه،وسجد لله-
عزوجل-ومَرَّغَ وجهَه في التراب،ودعا الله،وطلب منه النصرعلى أعدائه،
وأخذ في التضرع والبكاء،ثم ركب فرسه،وهجم على العدو فحملت العساكرمعه،
وكان نصرالله على الرغم من قلة عدد المسلمين وكثرة أعدائهم،لكن النصرمن
عند الله ينصرمن يشاء،وهو القوي العزيز.
كان أرسلان،رحمه الله،عادلاً رحيمًا مقرّا بأنعم الله عليه،
يتصدق على الفقراء،ولا سيما في رمضان.
وشاء الله أن يقتل المسلمون من الروم عددًا كبيرًا حتى امتلأت الساحة بجثث القتلى منهم،وأُسرملك الروم،وافتدى نفسه بألف ألف وخمسمائة ألف دينار،كما افتدى قواده، وكان موقف أرسلان قويّا،يستمد قوته من عزة المسلم الذى يستمد عزته من عزة الله سبحانه،فقد فرض أرسلان على ملك الروم أن يرد كل أسيرمسلم في أيدي الروم، وشرط عليه أن يرسل إليه عساكرالروم عند طلبها في أي وقت.
وكانت موقعة "ملاذكرد"هذه بين السلاجقة والروم سنة 463هـ/1071م،
من المعارك الحاسمة التي أدت إلى هزيمة ساحقة مروعة للروم،وذلك رغم
التفاوت الكبير بين القوتين،إذ لم تزد قوات أرسلان على عشر من قوات الصليبيين.
اجتماع كليرمونت
وقد أدى ذلك إلى أن يستنجد أحد أباطرتهم(ملكوهم)بأوربا ويستغيث بها،
فراح البابا يدعو إلى اجتماع عام في"كلير مونت"بفرنسا ويدعو المجتمعين إلى
غزو الشرق الإسلامي،وتخليص الأراضي المقدسة من الترك،وتخليص أراضي الإمبراطورية البيزنطية من الأعداء الغاصبين،وراح يحث الأمراء على
توسيع أملاكهم وغزو الشرق الغني،
فماذا كانت النتيجة؟
وكيف كانت هزيمة "ملاذ كرد" سببًا في قيام الحروب الصليبية؟
وفي أثناء هذه الحروب ظهرخطرالمغول،
فكيف واجهت البلاد إعصارالمغول،والحروب الصليبية؟
استيلاء الصليبيين على القدس
وفي عام 491هـ/1097م؛تجمعت قوات الصليبيين في القسطنطينية،
وبعد أن تم إعدادها عبرت البسفورإلى الشام،ودارت بينهم وبين السلاجقة معركة
عام 1097م،عند "ضورليوم"،ولكن هزم فيها السلاجقة،ثم استولى الصليبيون
على أنطاكية في شمالي الشام،وأسسوا بها أول إمارة لهم،ثم استولوا على الرها
في إقليم الجزيرة الشمالي،وأسسوا إمارتهم الثانية واتجهوا إلى مدينة القدس وبها
بيت المقدس.
وأمام أربعين ألف مقاتل،لم يستطع جيش الفاطميين فك حصارهم للمدينة الذي استمر شهرًا كاملا،ودخلوها في النهاية في 15 يوليو سنة 1099م،وأقاموا فيها مذبحة
قضوا على سكانها جميعًا رجالا ونساءً وأطفالا وكهولا،واستباحوا مدينة القدس
أسبوعًا يقتلون ويدمرون حتى قتلوا في ساحة الأقصى فقط سبعين ألفًا من المسلمين.
ويذكر أن ريموند القائد الصليبي احتل"مَعَرَّة النعمان"،وقتل بها مائة ألف،ٍ
وأشعل النار فيها،ثم أقاموا دولتهم الكبرى المعروفة باسم مملكة القدس.
وفي هذه الحملة،ظلت بعض مدن الشام الهامة مثل حلب ودمشق في أيدي المسلمين.
لقد تم الاستيلاء على القدس،وشعرالصليبيون أنهم حققوا واجبهم الديني
باستعادة المدينة المقدسة.
وقد قسم الصليبيون هذا الإقليم إلى أربع إمارات:
إمارة الرُّها 492هـ/ 1098م،وتشمل أعالي نهري دجلة والفرات،
وتقرب حدودها الجنوبية الغربية من حلب،وكانت عاصمتها الرها التي توجد في
بعض الخرائط باسم إدريسّا .
أما الثانية فهي إمارة أنطاكية،وتقع في الإقليم الشمالي جنوب غرب إمارة الرها.
ثم تليها جنوبًا إمارة طرابلس وهي تقع في شريط ضيق على الساحل وهي أصغر
هذه الإمارات .
أما الرابعة فهي مملكة القدس،وتمتد حدودها الشرقية من قرب بيروت الحالية،
ثم تتبع نهرالأردن حيث تتسع قليلا،وتتجه جنوبًا إلى خليج العقبة،
وكانت عاصمتها القدس نفسها.
وكان لكل إمارة من هذه الإمارات أميرأوحاكم يحكمها،
لقد استولوا على القدس،وها هو ذا نصرهم قد تم،وها هي ذي أوربا كلها في
فرح متزايد،ولكن الخلافات بينهم قد عادت كأشد ما تكون بعد أن تم لهم النصر.
انتصار نورالدين على الصليبيين
وبرغم الآلام التي عانى منها المسلمون تحت مطارق الصليب،وبحار الدماء
والحقد،عاد الإسلام-ولم يكن قد مات يومًا-يشعل صدورالمسلمين،فهبوا جنودًا لله
كما كانوا،وقيض الله لهذه الأمة رجلا تركيّا هو"عماد الدين زنكي"الذي عرف أن
طريق النصريبدأ دائمًا بالعودة إلى الله.
كيف كان ذلك؟
عندما انقسمت دولة السلاجقة بعد "ملكشاه"استطاع أحد مماليكه الأتراك
وهوعماد الدين زنكي أن يستقل بإقليم الموصل.
وما لبثت قوة هذا الرجل أن تضاعفت فقام بهجوم على"الرها"،وتمكن من الاستيلاء على عاصمتها رغم مناعة أسوارها سنة539هـ/1144م.وكان لسقوط "الرها"
في أوربا هِزة عنيفة أدت إلى الدعوة إلى حملة صليبية أخري.
ويحمل نورالدين محمود بن عماد الدين زنكي عبء الجهاد والدفاع عن أرض
الإسلام بعد استشهاد أبيه عماد الدين عام 1146م،على يد أحد أتباع المذهب الإسماعيلي(المعروفون باسم الحشاشين الباطنية)،ويعيد نورالدين فتح الرها التي
سارع الصليبيون إلى احتلالها بعد استشهاد أبيه،ويعود مظفرًا إلى حلب،
ومن هناك يستعد للقاء الصليبيين،ويهزمهم بالقرب من دمشق،بل ويهاجم بعد ذلك
إمارة إنطاكية ويستولي على أجزاء منها،ويقبض على أميرها بوهيموند وجماعة
من أكابرأمراء الصليبيين،واستطاع أن يخضع باقي مدن الرها التي لم تكن قد
خضعت من قبل.
ثم توج جهوده لما دعاه أهل دمشق لحكمهم بعدما رأوا عدله وشجاعته،
فتكونت جبهة إسلامية واحدة تمتد من حلب إلى دمشق ويدعمها ملك أخيه
في الموصل.
رحمك الله يا نورالدين،لقد أضأت للمسلمين طريقهم؛
فعرفوا كيف يكون الجهاد والتضحية.