دولة الخلافة العباسية

املي بالله

نائبة المدير العام
دولة الخلافة العباسية

سميت الدولة العباسية بهذا الاسم،
نسبة إلى العباس عم الرسول-صلى الله عليه وسلم-،
فمؤسس الدولة العباسية وخليفتها الأول هو أبوالعباس
"عبدالله بن محمد بن على بن عبدالله بن عباس بن عبدالمطلب عم رسول الله"
-صلى الله عليه وسلم-،
وقد اشتهر أبو العباس بأبى العباس السفاح.

كيف آلت الخلافة إلى العباسيين؟
عندما ضعفت الدولة الأموية،تطلع الناس إلى رجل يعود بالأمة إلى الجادة
والطريق الصحيح،يرفع عنهم الظلم،ويقيم فيهم العدل،ويرهب بهم الأعداء،
فحسبوا أن أصلح الناس لهذا الأمر،رجل يكون من بنى هاشم،
فكتبوا فى هذا الشأن إلى
"أبى هاشم عبدالله بن محمد بن الحنفية بن على بن أبى طالب"
أحد العلماء الثقات،وكان مقيمًا بالشام قريبًا من مركز الخلافة الأموية..
وما لبث أمرتلك المكاتبة أن وصل الخليفة الأموى"سليمان بن عبد الملك"،
فخشى أبو هاشم على نفسه -وكانت قد تقدمت به السِّنّ- بطش الخليفة،
فانتقل إلى"الحميمة"من أرض الشام؛ حيث يقيم عمه
"عليّ السَّجَّاد بن عبدالله بن عباس"، وهناك حضرته منيته،
فأوصى إلى"محمد بن على بن عبد الله بن عباس"بما كان من أمرالناس معه،
ودفع إليه الكتب التى كتبوها إليه،وقال له:أنت صاحب هذا الأمر،وهو فى ولدك.
ثم مات،وكان ذلك فى خلافة سليمان بن عبد الملك سنة 99هـ/ 718م.
وأخذ محمد العباسى فى تنفيذ ما أوصاه به أبوهاشم،فاتصل بالناس،واختارمن بينهم
دعاة يخرجون وينتشرون فى ربوع الدولة الأموية،يشهرون بها وينتقدون عيوبها، ويدعون إلى ضرورة أن يتولى أمرالخلافة رجل من آل البيت قادرعلى أن يملأ الأرض عدلا،ووجدت تلك الدعوة صدى عند الناس ورواجًا.

ويموت محمد بن على بن عبد الله بن عباس سنة 124هـ/742م،
بعدما أوصى ابنه إبراهيم الملقب بالإمام بمواصلة المسيرة.

وتأخذ الدعوة العباسية عند إبراهيم الإمام صورة أخرى غيرالتى كانت عليها
قبل ذلك،فهى لم تكن منظمة،أما الآن فقد صارلها نظام،وقادة معلومون،
من أمثال أبى سلمة الخلال على الكوفة،وأبى مسلم الخراسانى على خراسان.
وما تكاد سنة 129هـ/747م، تقبل حتى يصدرأمرالإمام العباسى
"إبراهيم بن محمد"أن يكون"أبو مسلم الخراسانى"رئيسًا للدعاة جميعًا فى خراسان
وما حولها،وكلَّفه أن يجهر بالدعوة للعباسيين علنًا،
وأن يعمل على جعل خراسان قاعدة للانطلاق بقواته ضد البيت الأموى.

انتقال الخلافة إلى العباسيين
بعد هذا العرض يصبح فى مقدورنا أن نعرف كيف تحولت الخلافة
من الأمويين إلى العباسيين.

لقد صدرالأمرإلى أبى مسلم بالجهربالدعوة للعباسيين فى عهد آخرخلفاء
بنى أمية"مروان بن محمد"،ولم يلبث أبو مسلم أن دخل"مرو"عاصمة خراسان،
وكاد أن يستولى عليها إلا أنه لم يتمكن من ذلك هذه المرة،وهنا أسرع الوالى
على خراسان من قبل بنى أمية، وهو"نصر بن سيار"يستغيث بمروان بن محمد
ويطلب منه مددًا،وينبه رجال الدولة إلى الخطرالمحدق فيقول:

أَرى خَلَلَ الرَّمادِ وَميِضَ نــــارٍ ويُوشكُ أن يَكُونَ لَهَا ضِـرَامُ
فإن النارَ بالعودين تُذْكــــــى وإن الحربَ مبدؤها كـــــلامُ
فقلت من التعجب ليتَ شِعرى أأيقاظ أمية أم نيـــــــــام؟

ولم يهتم بنو أمية بهذا الأمربسبب انشغالهم بصراعات أنصارهم القدماء
بالشام،وانشقاق زعماء الأمويين على أنفسهم،ولم يمدُّوا واليهم على خراسان
بشىء،فأدرك أبو مسلم الخراسانى أن الوالى الأموى لن يصبر طويلا،
وأن"مرو"ستفتح يومًا ما قريبًا،فأخذ يجمع العرب من حوله،
ثم انقضَّ بهم على"مرو"ففتحت له،وهرب واليها"نصر بن سيار"وكان ذلك
سنة 130هـ/ 748م.
وواصل أبو مسلم فتوحاته،فدانت له"بلخ"و"سمرقند"و"طخارستان"و"الطبسين" وغيرها،وتمكن من بسط سيطرته ونفوذه على خراسان جميعًا،
وراح يتطلع إلى غيرها،
وكان كلما فتح مكانًا أخذ البيعة من أهله على كتاب الله
-عز وجل-وسنة نبيه-صلى الله عليه وسلم-"وللرضا من آل محمد"،
أى يبايعون إمامّا مرضيًا عنه من آل البيت من غيرأن يعِّيَنهُ لهم.

والواقع أن بنى أمية كانوا نيامًا فى آخرعهدهم،لا يعلمون من أمرالقيادة الرئيسية
لهذه الدعوة العباسية شيئًا،ولما وقع فى يد الخليفة(مروان بن محمد) كتاب من
"الإمام إبراهيم العباسى"يحمل تعليماته إلى الدعاة،ويكشف عن خطتهم وتنظيمهم،
كان منشغلا بتوطيد سلطانه المتزعزع وقمع الثائرين ضده،واكتفى الخليفة
"مروان بن محمد"بأن أرسل إلى القائم بالأمر فى دمشق للقبض على الإمام
"إبراهيم بن محمد""بالحميمة"وإيداعه فى السجن،وتم القبض عليه وأودع السجن، فظل به حبيسًا إلى أن مات فى خلافة مروان بن محمد سنة 132هـ/750م.
ولما علم"إبراهيم"بالمصير الذى ينتظره،وعلم أن أنصاره ومؤيديه قد واصلوا انتصاراتهم،وأن الكوفة قد دانت لهم وصارت فى قبضتهم أوصى لأخيه
"أبى العباس"بالإمامة طالبًا منه أن يرحل إلى الكوفة ومعه أهل بيته؛
لينزل على داعى العباسيين بها وهو"أبو سلمة الخلال"فهناك يكون فى مأمن
من رقابة الأمويين وسلطانهم

مبايعة أبى العباس
وهناك فى الكوفة-بعد قليل من وصول آل العباس إليها-
تمت مبايعة أبى العباس خليفة للمسلمين،وتوجه"أبو العباس"إلى مسجد الكوفة
عقب مبايعته بالخلافة فى الثانى عشرمن ربيع الأول سنة 132هـ/ 750م،
وألقى على الملأ خطبة كانت بمثابة الإعلان الرسمى عن قيام الدولة العباسية،

ومما جاء فى تلك الخطبة:
"الحمد لله الذى اصطفى الإسلام لنفسه،وكرمه وشرفه وعظَّمه،واختاره لنا،
زعم الشامية أن غيرنا أحق بالرياسة والسياسة والخلافة منا،شاهت وجوههم،
بِمَ ولم أيها الناس؟
وبنا هدى الله الناس بعد ضلالتهم،وبصرهم بعد جهالتهم،وأنقذهم بعد هلكتهم،
وأظهربنا الحق،ودحض الباطل،وأصلح بنا منهم ما كان فاسدًا،ورفع بنا الخسيسة،

وتمم النقيصة،وجمع الفرقة،حتى عاد الناس بعد العداوة أهل التعاطف والبر
والمواساة فى دنياهم،وإخوانًا على سرر متقابلين فى آخرتهم،فتح الله ذلك
-مِنَّةً وبهجة-لمحمد-صلى الله عليه وسلم،فلما قبضه الله إليه،
وقام بالأمرمن بعده أصحابه،وأمرهم شورى بينهم،حَوَوْا مواريث الأمم،
فعدلوا فيها ووضعوها مواضعها وأعطوها أهلها،وخرجوا خماصًا منها،
ثم وثب بنو حرب وبنو مروان فابتزُّوها وتداولوها،فجاروا فيها واستأثروا بها،
وظلموا أهلها،وقد أملى الله لهم حينًا حتى آسفوه،فلما آسفوه انتقم منهم بأيدينا،
وتدارك بنا أمتنا،وَوَلِىَ نصرنا والقيام بأمرنا،لَيمُنَّ بنا على الذين استضعفوا فى
الأرض،فختم بنا كما افتتح بنا،وإنى لأرجوألا يأتيكم الجورمن حيث جاءكم الخير،
ولا الفساد من حيث جاءكم الصلاح،وماتوفيقنا أهل البيت إلا بالله،
فاستعدوا أيها الناس،فأنا السَّفَّاح المبيح والثائرالمنيح (يقصد أنه كريم جواد)".

ومن هذه المقولة التصقت به صفة السفاح،فقيل أبو العباس السفاح،
مع أنه ما قصد ذلك المعنى الذى شاع على الألسنة.

لقد أعلنها صريحة مدوية فى الآفاق بينما كان"مروان بن محمد"
آخرخلفاء بنى أمية يجلس على كرسى الخلافة،
فكيف تمت المواجهة بين هؤلاء وأولئك؟
وكيف تحققت الغلبة للعباسيين؟

اللقاء الحاسم
يالها من لحظات حاسمة فى تاريخ الأمم والشعوب،
إن شمس الأمويين الغاربة تؤذن بالزوال،
بينما شمس العباسيين فى صعود،
وهذه هى الدنيا،فيوم لنا ويوم علينا،والأيام دُوَل.

وكان اللقاء الحاسم بين الأمويين والعباسيين على أحد فروع دجلة
بالقرب من الموصل وهو"نهر الزَّاب الأعلى".

فجيش العباسيين يقوده عم الخليفة،وهو"عبد الله بن على"،
بينما يقود جيش الأمويين الخليفة نفسه"مروان بن محمد".
كان ذلك يوم السبت لإحدى عشرة ليلة خلت من جمادى الآخرة
سنة 132هـ/ 750م،
ولم يجد "مروان" أمام جحافل العباسيين إلا أن يفر إلى"دمشق" مهزومًا
أمام مطاردة"عبد الله بن على".
لقد راح يُطارده،فاستولى على"دمشق"،واستولى على مدن الشام واحدة
بعد الأخرى،وكان استسلام دمشق العاصمة معناه
سقوط دولة بنى أمية،وانتهاء عهدها كعاصمة للدولة الإسلامية،
لكن مروان قد فرّ إلى مصر وتوجه إلى صعيدها،وقرب الفيوم،

عند قرية "أبوصير" أُلقِىَ القبضُ عليه،وقُتِلَ بعدما ظل هاربًا ثمانية أشهر،
يفرمن مكان إلى مكان.ومضى عهد،وأقبل عهد جديد،
وسيظل عام 132هـ/ 750م فاصلا بين عهدين،
وتاريخًا لا يُنسى.

يُتبع ،،،

</b></i>
 
عصور الخلافة العباسية

بدأت الدولة الجديدة سنة 132هـ/ 750م،
وقد بلغ عدد خلفائها نحو سبعة وثلاثين خليفة،
تعاقبوا على التوالى حكم هذه الدولة التى طال عمرها،واختلفت عصورها،
وامتدت حتى سنة 656هـ/ 1100م ؛حيث سقطت على أيدى التتار،
بعد أن عاشت خمسة قرون وربع قرن ؛اختلفت فيها العصور قوة وضعفًا!

فكيف كانت البداية؟

وكيف كانت النهاية؟

..................................

العصر العباسى الأول

( 132 - 232هـ / 750 - 847م )

اشتمل العصرالعباسى الأول على عهود تسعة خلفاء،
بدأ حكمهم بأبى العباس السفاح،
وانتهى بتاسع الخلفاء العباسيين وهوالخليفة الواثق
الذى توفى سنة 232هـ/ 847م.

والعصرالعباسى الأول هو العصرالذهبى للدولة العباسية،
فقد استطاع أولئك الخلفاء التسعة واحدًا بعد الآخرتحقيق ثلاثة
منجزات كبرى،هى:
* تأكيد قوة الخلافة العباسية،والقضاء على كل المحاولات التى كان هدفها
النيل من تلك الخلافة وسلطانها.

* إقامة حكم إسلامى تحققت فيه المساواة بين جميع الشعوب الإسلامية.
* رعاية الحضارة الإسلامية، فهم الذين أتاحوا لها الازدهار والانتشار.

....................................

خلافة أبى العباس السفاح
( 132 - 136هـ / 750 - 754 م)
هوعبد الله بن محمد بن على بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم.
ولم تطل مدة خلافته،إنما هى سنوات تعد على أصابع اليد الواحدة.

إنتشار الإسلام
فقد سكن الكوفة،ثم تركها وأقام بالحيرة، ثم اختارمدينة"الأنبار"
فبنى بها قصورًا وأحب الإقامة بها،وظل فيها حتى توفى.
وكان لابد من تأمين الحدود،ورفع راية الإسلام ونشره فى ربوع الأرض
لتصبح كلمة الله هى العليا،فبدأت من جديد تلك الحملات لتأديب الروم
أعداء الإسلام والمسلمين.
عقد أبوالعباس لعبد الله بن على أمرهذه المهمة سنة 136هـ/ 754م،
فقاد عبد الله جيشًا من أهل الشام وخراسان.
ولم يقف الأمرعند هذا الحد،بل سيطرالجيش الإسلامى فى عصره
من جديد على بلاد ما وراء النهر،
وهى المنطقة الواقعة فى حوض نهرى جيحون وسيحون
مما يعرف الآن بالجمهوريات الإسلامية فى آسيا الوسطى التى استقلت
عن الاتحاد السوفيتى مؤخرًا.

قمع الثورات
ولم يخل عهده من ثورات قام بها بعض قواد الأمويين فى أول عهده بالخلافة
وفى آخره،فقضى على ثورة"أبى الورد"الذى انضم إليه أهل"قنسرين"،
و"حمص"، و"دمشق"، وكان ذلك عام تولّيه الحكم.

وفى آخر عهده،أعلن أهل دمشق تمردهم على خلافة العباسيين
سنة 136 هـ، وبايعوا أحد الأمويين،ولكنهم ما لبثوا أن هربوا أمام الجيش
العباسى الذى داهمهم وطاردهم.
ويموت أبو العباس فى هذا العام بعد أن أوصى لأخيه"أبى جعفرالمنصور"
بالخلافة من بعده.
....................................

يتبع ،،،

</b></i>
 
خلافة أبى جعفر المنصور
(136 - 158هـ/ 754 - 775م)

يعتبرأبو جعفر المنصورالمؤسس الحقيقى لدولة بنى العباس
وإن تولَّى الخلافة بعد أخيه أبى العباس(سنة 136هـ/ 754م).

ترى لماذا يُعَدُّ أبوجعفرالمنصورالمؤسس الأول على الرغم من أنه
الخليفة العباسى الثانى؟
إن "أبا جعفر المنصور" بذل جهودًا عظيمة لتدعيم الأسرة العباسية فى الحكم،
وإعلاء شأن الخلافة،وإضفاء روح المهابة والإجلال على الدولة فى الداخل والخارج.

لقد بُويع بالخلافة بعد عودته من الحج ووفاة أخيه أبى العباس،بايعه أهل العراق وخراسان وسائرالبلاد سوى الشام التى كان عمه"عبد الله بن على" أميرًا عليها،
فقد رفض مبايعته إعتقادًا منه بأنه أولى بالخلافة،

فما كان من أبى جعفرإلا أن أرسل إليه القائد"أبا مسلم الخراسانى"ومعه جماعة
من أمراء بنى العباس فهزموهم هزيمة منكرة،وخضعت بلاد الشام لأبى جعفر.

نهاية أبى مسلم الخراسانى

وبدأ الجو يصفولأبى جعفربعد مقتل عمه "عبد الله"إلا من بعض الإزعاج الذى كان يسببه له أبو مسلم الخراسانى؛وبسبب مكانته القوية فى نفوس أتباعه،واستخفافه
بالخليفة المنصور،ورفضه المستمر للخضوع له؛فأبو مسلم يشتد يومًا بعد يوم،
وساعده يقوى،وكلمته تعلو،أما وقد شم منه رائحة خيانة فليكن هناك ما يوقفه
عند حده،وهنا فكرالمنصورجديّا فى التخلص منه.
وقد كان،فأرسل إلى أبى مسلم حتى يخبره أن الخليفة ولاه على مصروالشام،
وعليه أن يوجه إلى مصرمن يختاره نيابة عنه،ويكون هو بالشام ؛
ليكون قريبًا من الخليفة وأمام عينيه وبعيدًا عن خراسان؛حيث شيعته وموطن رأسه،
إلا أن أبا مسلم أظهر سوء نيته،وخرج على طاعة إمامه،ونقض البيعة،
ولم يستجب لنصيحة أحد،فأغراه المنصورحتى قدم إليه فى العراق،
وقتله فى سنة 137هـ/ 756م،
ولأن مقتل رجل كأبى مسلم الخراسانى قد يثير جدلا كبيرًا،فقد خطب المنصور
مبينًا حقيقة الموقف،قال:
"أيها الناس،لا تخرجوا من أنس الطاعة إلى وحشة المعصية،ولا تمشوا
فى ظلمة الباطل بعد سعيكم فى ضياء الحق،إن أبا مسلم أحسن مبتدئًا وأساء معقبًا،
فأخذ من الناس بنا أكثرمما أعطانا،ورجح قبيح باطنه على حسن ظاهره،
وعلمنا من خبيث سريرته وفساد نيته ما لوعلمه اللائم لنا فيه لعذرنا فى قتله،
وعنفنا فى إمهالنا،فما زال ينقض بيعته،ويخفرذمته حيث أحل لنا عقوبته،
وأباحنا دمه،فحكمنا فيه حكمه لنا فى غيره،ممن شق العصا،
ولم يمنعنا الحق له من إمضاء الحق فيه".
ومع ذلك فلم تهدأ الأمور،ولم يصفُ الجو لأبى جعفرالمنصوركما كان يتوقع.

ثورة سُنباد

كان ممن غضب لمقتل أبى مسلم الخراسانى،رجل مجوسى اسمه"سُنباد"،
فثار والتف حوله الكثيرون من أهل"خراسان"،فهجموا على ديارالمسلمين فى "نيسابور"و"قومس"و"الرى"،فنهبوا الأموال وقتلوا الرجال وسبوا النساء،
ثم تبجحوا،فقالوا:إنهم عامدون لهدم الكعبة،فأرسل إليهم المنصورجيشًا بقيادة
جمهورابن مرارالعجلى،فهزمهم واستردَّ الأموال والسبايا،ولا يكاد أبوجعفر
يتخلص من"سنباد"سنة 137هـ/ 756م،حتى واجه ثائرًا ينادى بخلع المنصور.. تعلمون من هو؟!
إنه"جمهوربن مرارالعجلي"
قائد جيوش المنصورالتى هزمت"سنباد"..فكيف كان هذا؟
لما هزم"جمهور" سنباد،واسترد الأموال،كانت خزائن أبى مسلم الخراسانى
من بينها،فطمع"جمهور"،فلم يرسل المال إلى الخليفة المنصور،بل ونقض البيعة
ونادى بخلع المنصور، فماذا كان؟
أرسل المنصورالقائد الشجاع "محمد بن الأشعث"على رأس جيش عظيم،
فهزم"جمهورًا"وفر هاربًا إلى"أذربيجان"،
وكانت الموقعة فى سنة 137هـ/ 756م.

ثورات الخوارج

ترى هل صفا الجو للمنصوربعد هذا ؟
لا..
فلقد كانت هناك ثورات وثورات تهدد الحياة وتحول دون الاستقراروالأمن.
كما كانت هناك ثوارت للخوارج الذين أصبحوا مصدرإزعاج للدولة العباسية.
لقد خرج آنذاك"مُلَبّد بن حرملة الشيبانى"فى ألف من أتباعه بالجزيرة من العراق، وانضم إليه الكثيرون،فغلب بلادًا كثيرة،إلى أن تمكنت جيوش المنصوربقيادة
خازم بن خزيمة من هزيمته فى سنة 138هـ/ 757م.
وتحرك الخوارج مرة ثانية فى خلافة المنصورسنة 148هـ بالموصل تحت
قيادة"حسا بن مجالد الهمدانى"، إلا أن خروجه هو الآخر قد باء بالفشل.

وواجه الخليفة المنصورالعباسى ثورات منحرفة لطوائف من الكافرين،
ففى سنة 141هـ/ 759م..
واجه المنصور ثورة أخرى لطائفة من الخوارج يقال لها"الراوندية"
ينتسبون إلى قرية"راوند" القريبة من أصفهان.
إنهم يؤمنون بتناسخ الأرواح،ويزعمون أن روح آدم انتقلت إلى واحد يسمى
"عثمان بن نهيك"وأن جبريل هوالهيثم بن معاوية-رجل من بينهم-،
بل لقد خرجوا عن الإسلام زاعمين أن ربهم الذى يطعمهم ويسقيهم هو
"أبو جعفر المنصور"،
فراحوا يطوفون بقصره قائلين:هذا قصر ربنا. ولم يكن ينفع هؤلاء إلا القتال،
فقاتلهم المنصورحتى قضى عليهم جميعًا بالكوفة.

ثورة محمد"النفس الزكية"

من أخطرالثورات التى واجهت المنصورخروج
محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن على،
وكان من أشراف بنى هاشم علمًا ومكانة،وكان يلقب بـ"النفس الزكية"
فاجتمع العلويون والعباسيون معًا وبايعوه أواخرالدولة الأموية،
وكان من المبايعين"المنصور"نفسه،فلما تولى الخلافة لم يكن له هم إلا طلب
محمد هذا خشية مطالبته بطاعة هؤلاء الذين بايعوه من قبل،وهنا خرج"محمد"
النفس الزكية بالمدينة سنة 145هـ/763م، وبويع له فى كثيرمن الأمصار.
وخرج أخوه"إبراهيم"بالبصرة،واجتمع معه كثير من الفقهاء،وغلب أتباعه على
"فارس"و"واسط"و"الكوفة"،وشارك فى هذه الثورة كثيرمن الأتباع
من كل الطوائف.
وبعث المنصورإلى"محمد النفس الزكية"يعرض عليه الأمن والأمان له ولأولاده وإخوته مع توفيرما يلزم له من المال،ويرد"محمد"بأن على المنصورنفسه أن
يدخل فى طاعته هو؛ليمنحه الأمان.
وكانت المواجهة العسكرية هى الحل بعد فشل المكاتبات،واستطاعت جيوش
أبى جعفرأن تهزم"النفس الزكية"بالمدينة وتقتله،وتقضى على أتباع إبراهيم فى
قرية قريبة من الكوفة وتقتله.


ثورة كافر خراسان

ويظل مسلسل الثورات يتوالى على مرالأيام،
ففى سنة 150هـ يخرج أحد الكفرة ببلاد خراسان ويستولى على أكثرها،
وينضم له أكثرمن ثلاثمائة ألف،فيقتلون خلقًا كثيرًا من المسلمين،
ويهزمون الجيوش فى تلك البلاد،وينشرون الفساد هنا وهناك،
ويبعث أبوجعفرالمنصوربجيش قوامه أربعون ألفا بقيادة"خازم بن خزيمة"،
فيقضى على هؤلاء الخارجين،وينشر الأمن والاستقرارفى ربوع خراسان.

بناء بغداد

وراح المنصوريواصل ما بدأ به..
راح يبنى ويعمربعد أن خَلا الجو،ودانت له البلاد والعباد،لقد فكر-منذ توليه-
فى بناء عاصمة للدولة العباسية يضمن من خلالها السيطرة على دولته،
وإرساء قواعدَ راسخة لها.
فشرع فى بناء بغداد سنة 145هـ على الضفة الغربية لنهردجلة
عند أقرب نقطة بين دجلة والفرات،لتصبح ملتقى الطرق القادمة من الشام شمالا،
ومن الصين شرقًا،ومن طوائف مصر،ومن الحجازجنوبًا،إلى جانب موقعها العسكرى الخطير، فهى بين نهرى الفرات ودجلة،فلا وصول إليها إلا على جسرأوقنطرة،
فإذا قطع الجسروخربت القنطرة لم يتمكن معتدٍ من الوصول إليها،
ولبغداد مزايا أخرى عديدة،أغرت المنصوربالإسراع فى بنائها،فراح أبوجعفر
يأمر بإحضارالفعلة والصناع من بلاد العالم؛ليحققوا نهضة،وليقيموا حضارة،
وليصنعوا المستقبل لدولة الإسلام والمسلمين.وكان مِنْ بين مَنْ استعان بهم
المنصورفى ضبط العمل ببغداد:الإمام الجليل أبو حنيفة النعمان.
ووضع المنصوربنفسه أول لبنة وهو يقول:باسم الله،والحمد لله،وإن الأرض لله
يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين.ثم قال:ابنوا على بركة الله.
وكان الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان هو القائم على بناء المدينة والمتولى
لضرب اللبن.وأصبحت بغداد عاصمة لها شأنها بين عواصم العالم.

وكانت بغداد تتمتع بالطرق الواسعة النظيفة التى تمتد إليها المياه من فروع نهردجلة
فى قنوات مخصوصة تمتد بالشوارع صيفًا وشتاءً،وكانت شوارعها تكنس كل يوم، ويحمل ترابها خارجها،وعيَّن المنصورعلى أبوابها جندًا يحفظون الأمن بها،
فصانها وحفظ لها نظامها ونظافتها من الداخل،وقد فرغ من بناء بغداد وسورها
وأسواقها وخندقها بعد 4 سنوات أى سنة 149هـ/ 766م.
وأمام كثرة النازحين إلى عاصمة الخلافة أجمل مدن العالم آنذاك،
كان لابد أن يهتمَّ المنصورببناء سوق يضم أصحاب الصناعات والتجاروالباعة.
وفعلا بنيت"الكرخ"سنة 157هـ/ 774م
لتظل عاصمة الخلافة محتفظة بجمالها وسحرها وتألقها.

وكانت الكرخ سوقًا نموذجية،فلكل تجارة سوق خاصة بها،ولم يبقَ إلا أن يبنى
المنصورمسجدًا جامعًا يجتمعون فيه حتى لايدخلوا بغداد،فبنى للعامة جامعًا،
وهوغيرجامع المنصورالذى كان يلى القصر،
وفى سنة 151هـ/ 768م يبنى المنصورمدينة أخرى لابنه المهدى على الضفة الشرقية لنهر دجلة وهى مدينة"الرصافة"ثم بنى"الرافقة"
وكانت هاتان المدينتان صورة من بغداد.


</b></i>
 
العدل أساس الملك

وإلى جانب هذه النهضة العمرانية راح المنصوريسهرعلى تنفيذ طائفة من
الإصلاحات الداخلية على مستوى الدولة العباسية كلها.
وإذا كان العدل أساس الملك،فإن الذين يقومون على العدل ينبغى أن يتم
اختيارهم بعيدًا عن الهوى والمصالح.
روى أن"الربيع ابن يونس"وزير"أبى جعفر"قال له ذات يوم:إن لفلان حقّا
علينا؛ فإن رأيت أن تقضى حقه وتوليه ناحية.فقال المنصور:يا ربيع،
إن لاتصاله بنا حقّا فى أموالنا لا فى أعراض الناس وأموالهم.ثم بين للربيع أن
لا يولى إلا الأكفاء،ولا يؤثرعليهم أصحاب النسب والقرابة.وكان يقول:
ما أحوجنى أن يكون على بابى أربعة نفر،لا يكون على بابى أعف منهم،
هم أركان الدولة،ولا يصلح الملك إلا بهم:
أما أحدهم:فقاض لا تأخذه فى الله لومة لائم.
والآخر:صاحب شرطة ينصف الضعيف من القوى.
والثالث:صاحب خراج، يستقضى ولا يظلم الرعية، فإنى عن ظلمها غنى.
ثم عض على إصبعه السبابة ثلاث مرات،يقول فى كل مرة:آه.آه.قيل:
ما هو يا أمير المؤمنين؟ قال:صاحب بريد يكتب خبر هؤلاء على الصّحَّة
(رجل يخبرنى بما يفعل هؤلاء لا يزيد ولا ينقص).

هكذا كان المنصورحريصًا على إقامة العدل،
ووضع الرجل المناسب فى المكان المناسب،
وإلى جانب هذا،فقد كان يراقب عماله وولاته على الأقاليم،
ويتتبع أخبارهم أولا بأول،ويتلقَّى يوميّا الكتب التى تتضمن الأحداث والوقائع

والأسعار ويبدى رأيه فيها،ويبعث فى استقدام من ظُلم ويعمل على إنصافه
متأسيًا فى ذلك بما كان يفعل الخليفة الثانى عمربن الخطاب-رضى الله عنه-!

العناية بالمساجد

وأعطى المنصوركل العناية للمساجد،
خاصة المسجد الحرام،فعمل على توسعته سنة 140هـ
وسار إلى بيت المقدس بعد أن أثرفيه ذلك الزلزال الذى حدث بالشام،
فأمربإعادة بنائه مرة أخرى،
وبنى المنصورمسجدًا بمنى وجعله واسعًا،يسع الذين يقفون فى منى من حجاج
بيت الله،وشهدت مدن الدولة الكبرى نهضة إنشائية وعمرانية،
روعى فيها بناء العديد من المساجد فى البصرة والكوفة وبغداد وبلاد الشام
وغيرها من أقاليم الدولة.

العناية بالاقتصاد


يذكرالتاريخ للمنصور-إلى جانب هذه النهضة الإصلاحية العمرانية-
اهتمامه بالزراعة والصناعة وتشجيعه أصحاب المهن والصناعات،
وتأمينه خطوط التجارة والملاحة فى الخليج العربى حتى الصين من خطر
القراصنة الهنود الذين كانوا يقطعون طرق التجارة،ويقتلون التجار،
ويستولون على الأموال،وراح قُواده يؤدبون هؤلاء اللصوص.
وكثيرًا ما يعود قواد البحر بالغنائم والأسرى حتى انقطعت القرصنة
بعد سنة 153هـ/ 770م،ولقد تم فى عهده إعادة فتح"طبرستان"
سنة 141هـ/ 759م، فيما وراء النهر.

العناية بالحدود
أعطى المنصوراهتمامًا بالغًا بجهة الشمال؛فراح يأمربإقامة التحصينات
والرباطات على حدود بلاد الروم الأعداء التقليديين للدولة الإسلامية.
وكانت الغزوات المتتابعة سببًا فى أن ملك الروم راح يطلب الصلح،ويقدم الجزية صاغرًا سنة 155هـ.ولا ننسى للمنصورحملته التأديبية على قبرص لقيام أهلها
بمساعدة الروم،ونقضهم العهد الذى أخذوه على أنفسهم يوم أن فتح المسلمون قبرص.
هذا هو"المنصور"،
وهذه هى إصلاحاته فى الداخل والخارج رحمه الله رحمة واسعة،
لقد كان يعرف لنفسه حقها،وللناس حقهم،ولربه حقه.

وصية المنصور

لقد ذهب ليحج سنة 158هـ/ 775م، فمرض فى الطريق،
وكان ابنه محمد"المهدى" قد خرج ليشيعه فى حجه،فأوصاه بإعطاء الجند
والناس حقهم وأرزاقهم ومرتباتهم،وأن يحسن إلى الناس،ويحفظ الثغور،
ويسدد دينًا كان عليه مقداره ثلاثمائة ألف درهم،كما أوصاه برعاية إخوته الصغار،
وقبل أن يدخل مكة لقى ربه ليقول له:إننى تركت خزانة بيت مال المسلمين
عامرة،فيها ما يكفى عطاء الجند ونفقات الناس لمدة عشرسنوات.
رحمه الله،كان يلبس الخشن،ويرقع القميص ورعًا وزهدًا وتقوى،
ولم يُرَفى بيته أبدًا لهوولعب أو ما يشبه اللهو واللعب،
ويذهب المنصورإلى رحمة الله بإذنه تعالى.
وتعالوا بنا نقرأ وصية أبى جعفرالمنصورلولده وولى عهده المهدى،
قال المنصورلولده المهدى:
"ولدت فى ذى الحجة،ووليت فى ذى الحجة،وقد هجس فى نفسى أنى أموت
فى ذى الحجة من هذه السنة،وإنما حدانى على الحج ذلك،فاتق الله فيما أعهد إليك
من أمورالمسلمين بعدى،يجعل لك فى كربك وحزنك فرجًا ومخرجًا،
ويرزقك السلامة وحسن العاقبة من حيث لا تحتسب.
يا بنى:احفظ محمدًا-صلى الله عليه وسلم-فى أمته،يحفظك الله،ويحفظ عليك
أمورك،وإياك والدم الحرام،فإنه حوبٌ(إثم)عند الله عظيم،وعارفى الدنيا لازم مقيم، والزم الحدود،فإن فيها خلاصك فى الآجل،وصلاحك فى العاجل،ولا تعتد فيها فتبور، فإن الله تعالى لو علم شيئًا أصلح منها لدينه وأزجرعن معاصيه لأمرٍ به فى كتابه.
واعلم أن من شدة غضب الله لسلطانه،أنه أمرفى كتابه بتضعيف العذاب والعقاب
على من سعى فى الأرض فسادًا،مع ما ادّخرله عنده من العذاب العظيم،فقال:
(إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ
أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ
خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) [المائدة: 33].
فالسلطان يا بنى حبل الله المتين،وعروته الوثقى،ودينه القيم،فاحفظه وحصنه،
وذُبَّ عنه،وأوقع بالملحدين فيه،وأقمع المارقين منه،واقتل الخارجين عنه بالعقاب،
ولا تجاوز ما أمر الله به فى محكم القرآن،واحكم بالعدل ولا تشطط؛فإن ذلك أقطع للشغب،وأحسم للعدو،وأنجع فى الدواء،وعفّ عن الفىء،فليس بك إليه حاجة
مع ما خلفه الله لك،وافتتح عملك بصلة الرحم وبر القرابة،وإياك والأثرة والتبذير لأموال الرعية،واشحن الثغور،واضبط الأطراف،وأمّن السبل،وسكن العامة،
وأدخل المرافق عليهم،وادفع المطاردة عنهم،وأعد الأموال واخزنها،وإياك والتبذير،
فإن النوائب غير مأمونة،وهى من شيم الزمان،وأعد الكراع والرجال والجند ما استطعت،وإياك وتأخيرعمل اليوم إلى الغد،فتتدارك عليك الأموروتضيع،
جد فى إحكام الأمورالنازلات لأوقاتها أولا فأولا،واجتهد وشمر فيها،وأعد رجالا بالليل لمعرفة ما يكون بالنهار،ورجالا بالنهار لمعرفة ما يكون بالليل،وباشرالأمور بنفسك،
ولا تضجرولا تكسل،واستعمل حسن الظن بربك،وأسئ الظن بعمالك وكتَّابك،
وخذ نفسك بالتيقظ ،وتفقد من تثبت على بابك،وسهِّل إذنك للناس،وانظر فى أمر
النزاع إليك،ووكل بهم عينًا غيرنائمة،ونفسًا غيرلاهية،ولا تنم،وإياك،فإن أباك لم ينم
منذ ولى الخلافة،ولا دخل عينه النوم إلا وقلبه مستيقظ.
يا بنى:لا يصلح السلطان إلا بالتقوى،ولا تصلح الرعية إلا بالطاعة،ولا تعمر
البلاد بمثل العدل،هذه وصيتى إليك،والله خليفتى عليك".

رحم الله الخليفة أبى حعفر المنصور فى الصالحين

يتبع إن شاء الله ،،،

</b></i>
 

خلافة المهدى

( 158- 169هـ/ 775- 786م)


ويأتى محمد المهدى بعد أبيه بعد أن بايعه الناس بالخلافة،
لقد كان المهدى وليّا للعهد فى خلافة والده المنصور،وكثيرًا ما كان يتلقى
توجيهاته ونصائحه وإرشاداته،وما زالت كلمات أبيه ترن فى أذنه:

"إن الخليفة لا يصلحه إلا التقوى،والسلطان لا يصلحه إلا الطاعة،
والرعية لا يصلحها إلا العدل، وأولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة،
وأنقص الناس عقلا من ظلم من هو دونه.يابنى،استدم النعمة بالشكر،
والقدرة بالعفو، والطاعة بالتأليف، والنصر بالتواضع والرحمة للناس،
ولا تنس نصيبك من الدنيا، ونصيبك من رحمة الله"
.

استكمال الإصلاحات
وسارالمهدى على نهج أبيه المنصورفى القيام بالإصلاحات الداخلية،
وتأمين الحدود،وعمارة المساجد،وعلى رأسها المسجد الحرام.
ولم يفته أن يأمربحفر نهربالبصرة يحيى به الأرض الموات،ويسهم فى توفيرالقوت، ولقد أحسن إلى العلويين وإلى غيرهم ممن لهم أهداف سياسية،
فأطلق سراح من كان منهم فى السجون سنة 159هـ/ 776م،
وكان لهذا أثره فى الاستقراروالهدوء فلم يخرج عليه أحد من العلويين!
ولقد أتيح له أن يقضى على ثلاث ثورات،قام بها أفراد انضم إليهم كثير
من الخوارج،اثنتين فى خراسان والثالثة"بقنسرين"من أرض الشام.

وراح يواصل تأمين طرق التجارة إلى الهند،وانطلقت فى خلافته الجيوش
الإسلامية الفاتحة فى اتجاه الروم؛
ففى سنة 165هـ/ 782م بلغت جيوشه بقيادة ابنه"هارون الرشيد"خليج "القسطنطينية"،وجرت الرسل والسفراء بينه وبين الإمبراطورة الرومانية"إيرين"
فى طلب الصلح فى مقابل فدية تقدم للدولة الإسلامية سنويّا مقدارها سبعون ألف
دينار، واشترط الرشيد على ملكة الروم تعيين أدلاء له،وإقامة الأسواق فى طريق عودته،وكانت مدة الهدنة ثلاث سنين.

تأمين الحدود
كما أرسل عام 167هـ ولى عهده الهادى إلى"جرجان"فى جيش كثيف لم يُرَمثله.
إن الجيش الإسلامى فى عهد المهدى كان له وجوده على حدود الروم،
حتى لقد قام أميرالبرالشامى بغزوتين بحريتين فى اتجاه الروم سنة
160هـ/ 777م، و161هـ/ 778م،
ولقد قضى على الإلحاد والزندقة فى عهده..،لم تأخذه فى ذلك لومة لائم،
ومن شابه أباه فما ظلم.

ورع المهدى
وحدث فى خلافته أن أصاب الناس ريح شديدة ظنوا معها قيام الساعة،
وأخذ القواد فى البحث عن المهدى فوجدوه واضعًا خده على الأرض وهو يقول:
"اللهم احفظ محمدًا فى أمته !اللهم لا تشمت بنا أعداءنا من الأمم !
اللهم إن كنتَ أخذتَ هذا العالم بذنبى فهذه ناصيتى بين يديك!"
.
واستمر المهدى فى دعائه وتضرعه حتى انكشفت الريح،

وعاد الأمرإلى وضعه الصحيح.
وتتبع المهدى الزنادقة والملحدين أعداء الدين،
وأمر بتصنيف كتب الجدل للرد عليهم.

أمن وعطاء
وأشاع عهدًا من السلام بينه وبين العلويين،
ولقد سار بالخلافة على الخطة التى وضعها له أبوه،
ينظر فى الدقائق من الأمور،ويُظْهِر أبَّهة الوزراء.
وكان المهدى أول من جلس للمظالم من بنى العباس،يقيم العدل بين المتظالمين،
ومشى على أثره من بعده الهادى والرشيد والمأمون،
وكان"المهتدى"آخرمن جلس للنظر فيها،
وبسط "المهدى" يده فى العطاء،فأذهب جميع ما خلفه المنصور،
وأجرى المهدى الأرزاق على المجذومين وأهل السجون فى جميع الآفاق،
وأمر بإقامة البريد بين مكة والمدينة واليمن وبغداد ببغال وإبل،
وقد وجد البريد من عهد عمر بن الخطاب،والذى فعله المهدى مزيد من التنظيم له،
قال رجل للمهدى
:عندى لك نصيحة يا أمير المؤمنين.
فقال:لمن نصيحتك هذه ؟
لنا أم لعامة المسلمين أم لنفسك؟
قال:لك يا أمير المؤمنين.
قال:ليس الساعى بأعظم عورة،ولا أقبح حالا ممن قَبِل سعايته،
ولا تخلو من أن تكون حاسد نعمة،فلا نشفى غيظك،
أو عدوّا فلا نعاقب لك عدوك.
ثم أقبل على الناس فقال:لا ينصح لنا ناصح إلا بما فيه رضا لله،
وللمسلمين صلاح.

وما تكاد سنة 169هـ/ 786م تقبل حتى توفى المهدى
-رحمه الله -رحمة واسعة.
وتولى الخلافة من بعده الخليفة موسى الهادى.


خلافة موسى الهادى
( 169 - 170هـ / 786 - 787م)

أوصى المهدى ابنه موسى الهادى قبل أن يموت بقتل الزنادقة،
وكان الهادى قوى البأس شهمًا خبيرًا بالملك كريمًا.فجدَّ فى أمرهم،
وقتل منهم الكثير.
على أن الأمور بينه وبين العلويين لم تكن على ما يرام كما كانت فى عهد أبيه،
فقد عادت إلى التوتر بعد فترة السلام التى امتدت طوال فترة خلافة المهدي.
ويرجع السبب فى ذلك إلى عامل المهدى على المدينة
،
فقد ظلم بعض آل على-رضى الله عنه- مما جعل
الحسين بن على بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب
يثورويجتمع حوله كثيرون ويقصدون دارالإمارة،ويخرجون من فى السجون،
ثم يخرج الحسين إلى مكة فيرسل له الهادى:"محمد بن سليمان"وتتلاقى جموعهم
فى موقعة حاسمة قتل فيها"الحسين"وحمل رأسه إلى
موسى الهادى.
ونجا من موقعة"الفخ"اثنان من العلويين
أحدهما:يحيى بن عبد الله بن الحسن،
أما الثانى فهو أخوه إدريس بن عبد الله.
وقد ثارالأول فى عهد الرشيد فقتل
أما الثانى وهو إدريس بن إدريس بن عبد الله بن الحسن فقد تمكن من إثارة
أهل المغرب الأقصى(المملكة المغربية حاليّا)على العباسيين،
حيث أسس هناك دولة الأدارسة.
وعلى الرغم من أن خلافة موسى الهادى كانت قصيرة فإن الفتوحات الإسلامية
لم تتوقف مسيرتها؛ فقد غزا"معيوف بن يحيى"الروم ردّا على قيام الروم
بغزو حِمْص"الحَدَث"،ولقد دخل معيوف بلاد الروم،
وأصاب سبايا وأسارى وغنائم.
ولقى الهادى ربه سنة سبعين ومائة هجرية،
وكان رحمه الله موصوفًا بالفصاحة،محبّا للأدب ذا هيبة ووقار،
قيل عن الليلة التى مات فيها:
هى ليلة مات فيها خليفة وجلس فيها خليفة،وولد خليفة.
فالخليفة الذى مات فيها هوالهادى،والذى جلس فيها على سريره هوالرشيد،
والذى ولد فيها هوالمأمون.


يُتبع إن شاء الله ،،،
__________________
 
خلافة هارون الرشيد
الخليفة المفترى عليه
(170 - 193هـ/ 788 - 810م)

لقد سارالرشيد في إدارته على نهج قويم،
وأعاد إلى الخلافة مجدها الذى كان لها على عهد جده المنصور،
وما كان مسرفًا ولا بخيلا،وسمى الناس أيامه"أيام العروس"لنضارتها وكثرة خيرها وخصبها،وكانت دولته من أحسن الدول وأكثرها وقارًا ورونقًا وأوسعها مملكة،
واتسعت الدولة الإسلامية فى عهد الرشيد،وجاءه الخيرمن كل مكان،وعين الرشيد
يحيى بن خالد البرمكى،وجعله كبير وزرائه،وقال له:قد قلدتك أمر الدولة،
وأخرجته من عنقى إليك،فاحكم فى ذلك بما ترى من الصواب،واستعمل من رأيت، واعزل من رأيت،وأمض الأمورعلى ما ترى.وسلَّم إليه خاتم الخلافة.

إدارة حكيمة
أما الولايات فقد فوضها إلى أمراء جعل لهم الولاية على جميع أهلها،
ينظرون فى تدبير الجيوش والأحكام،يعينون القضاة والحكام،ويجْبُون الخراج،
ويقبضون الصدقات،ويقلدون العمال فيها،ويحمون الدين،ويقيمون حدوده،
ويؤمُّون الناس فى صلاة الجمعة،الصلوات الأخرى أويستخلفون عليها،
فإذا كانت أقاليمهم ثغرًا متاخمًا للعدو تولوا جهاده.
وما قسمت أعمال الدولة منذ انتقالها إلى بنى العباس تقسيمها فى زمن الرشيد،
ولذلك كان للخليفة وقت ليحج،ووقت ليغزو،ووقت ليصطاف فى الرقة،
ويترك قصرالخلد فى بغداد.

لقد كان الرشيد على أشد ما يكون من الانتباه لكل ما صغروكبرمن شئون الملك،
ومن أشد الملوك بحثًا عن أسرار رعيته،وأكثرهم بها عناية،وأحزمهم فيها أمرًا؛
لذلك فما اشتعلت فتنة فى أرجاء دولته إلا أطفأها.
وألغى الرشيد العُشْرالذى كان يؤخذ من الفلاحين والمزارعين بعد النصف،
وكان رحمه الله يسدُّ كل خللٍ فى مملكته،ويهتمُّ كل الاهتمام بما يخفف عن الفلاحين.

وقد ولّى الرشيد رجلا بعض أعمال الخراج،فدخل عليه يودعه،
وعنده يحيى بن خالد البرمكى،وابنه جعفر،
فقال الرشيد ليحيى وجعفر:أوصياه.
فقال له يحيى:وفِّروعَمِّر.
وقال له جعفر:أنصف وانتصف.
فقال له الرشيد:اعدل وأَحْسِن.
وكتب الرشيد إلى أحد عماله:أجْرِأمورك على ما يكسب الدعاء لنا لاعلينا،
واعلم أنها مدة تنتهي،وأيام تنقضى،فإما ذكر جميل،وإما خزى طويل.
ومما يعد جديدًا فى تعظيم الحكم أن قاضى الرشيد"أبا يوسف"صاحب أبى
حنيفة وتلميذه كان أول من دُعى فى الإسلام قاضى القضاة(وزيرالعدل الآن
وكان الرشيد لا يبخل بالمال فى سبيل الدولة،وقد خلف من المال-على كثرة بذله-
مالم يخلف أحد مثله منذ كانت الخلافة.
قال ابن الأثير:كان الرشيد يطلب العمل بآثارالمنصورإلا فى بذل المال،
فإنه لم يُرخليفة قبله كان أعطى منه للمال،وكان لا يضيع عنده إحسان محسن،
ولا يؤخرعنده.

سياسة رشيدة
وكذلك كان الرشيد حكيمًا فى سياسته كما كان حكيمًا فى إدارته،
لقد بويع للرشيد عند موت أخيه الهادى،وكان أبوهما قد عقد لهما بولاية العهد معًا، ويروى أن الهادى قد حدثته نفسه بخلع الرشيد،وجمع الناس على تقليد ابنه
العهد بعده، فأجابوه،وأحضر"هرثمة بن أعين"،فقيل له:تبايع يا هرثمة؟
فقال:يا أمير المؤمنين،يمينى مشغولة ببيعتك،ويسارى مشغولة ببيعة أخيك،
فبأى يد أبايع؟
فقال الهادى لجماعة الحاضرين:شاهت وجوهكم،والله لقد صدقنى مولاى،
وكذبتمونى،ونصحنى فغششتمونى،وسلم إلى الرشيد بحقه فى الولاية بعده.

وكانت سياسة الرشيد سياسة رشيدة فى الداخل والخارج،غزا الروم حتى وصل
إلى"إسكدار"من ضواحى"القسطنطينية"أيام ولايته العهد،
وتغلغل مرة ثانية فى بلادهم وغزاهم فى خلافته بضع غزوات،وأخذ منهم
"هرقلية"،وبعث إليه ملكهم بالجزية عن شعبه،واشترط عليه الرشيد ألا يعمر
هرقلية،وأن يحمل إليه فى السنة ثلاثمائة ألف دينار.

العصر الذهبى
وكان"نقفور" قد نقض العهد الذى أعطته الملكة "إرينى"،
التى كانت تحكم الروم قبله،وأرسل إلى هارون الرشيد رسالة يهدده فيها:
"من نقفورملك الروم إلى هارون ملك العرب:

أما بعد؛ فإن الملكة التى كانت قبلى أقامتك مقام الرَّخ(طائرخرافى يعرف بالقوة)، وأقامت نفسها مقام البَيْدق(يعنى مقام الضعيف)،فحملت إليك من أموالها ما كنت حقيقًا بحمل أضعافه إليها،لكن ذلك لضعف النساء وحمقهن،فإذا قرأتَ كتابى هذا،فاردد ما حصل لك من أموالها،وافتدِ نفسك بما تقع به المصادرة لك،وإلا فالسيف بيننا وبينك".


فلما قرأ الرشيد الرسالة غضب غضبًا شديدًا حتى لم يقدرأحد أن ينظر إليه،
فدعا بدواة وكتب إلى نقفورملك الروم ردّا على رسالته يقول:


"بسم الله الرحمن الرحيم:من هارون أميرالمؤمنين إلى نقفوركلب الروم،
قد قرأت كتابك يابن الكافرة،والجواب ما تراه دون أن تسمعه،والسلام".

وقاد بنفسه جيوشًا جرارة،ولقّنه درسًا لا يُنسى،فعاد إلى أداء الجزية صاغرًا،
بعد أن خضع أمام قوة المسلمين وعزة نفوسهم.
قال عبد الله بن يوسف التيمي :
نقض الذي أعطيته نقـفور === فعليه دائرة البوار تدور
أبشر أمـير المؤمـنين فإنه === غنم أتاك به الإله كبير
وجاء فى فتوح البلدان للبلاذرى:
"وقد رأينا من اجتهاد أميرالمؤمنين هارون فى الغزو،ونفاذ بصيرته فى الجهاد أمرًا عظيمًا، وأقام من الصناعة (الأسطول) مالم يقم قبله،وقسم الأموال فى الثغور والسواحل، وهزم الروم وقمعهم".

وسمى الرشيد"جبار بنى العباس"؛لأنه أخرج ابنه القاسم للغزو سنة 181هـ،
فهزم الروم هزيمة منكرة،أدخلت الرعب فى قلوبهم،فصالحه الروم على أن يرحل
عنهم فى مقابل أن يعيدوا إليه كل من أسروهم من المسلمين قبل ذلك،
وكان هذا أول فداء فى الإسلام بين المسلمين والروم.
وأرسل"على بن عيسى بن ماهان"لغزو بلاد الترك،ففعل بهم مثلما فعل القاسم بن الرشيد بالروم،وسبى عشرة آلاف،وأسر ملكيْن منهم.
ثم غزا الرشيد نفسه الروم وافتتح هرقلية،وأخذ الجزية من ملك الروم.
وتوطدت الصِّلات بينه وبين"شارلمان"ملك فرنساوجرمانياوإيطالياوتبادلا
السفراء،والهدايا.
وفى أيامه،خرج"الوليد بن طريف الحرورى"من رءوس الخوارج سنة
178هـ/ 795م، فَقُتِل بعد أن استفحل أمره.

لقد كان عصرالرشيد وابنه المأمون أرقى عصوربنى العباس قوة وعظمة وثقافة،
وهو العصر الذهبى للدولة العباسية.

القضاء على البرامكة
وقد تحدثت الدنيا عن نكبة"البرامكة"الذين كان منهم وزيرالرشيد،
وكانت لهم الكلمة العليا فى البلاد على يديه سنة 187هـ/ 803م،
بعدما ظهروا ظهورًا غطى أو قارب أن يغطى على سلطة الرشيد ومكانته،
وهو الخليفة.
لقد أصبحوا مركزًا من مراكزالقوى فى الدولة العباسية،الأمرأمرهم،
والكلمة كلمتهم،والأموال فى أيديهم،فما منعهم ذلك لأن يفسد حالهم،
ويسوء سلوك أكثرهم،حتى إن الرشيد كان لا يمر ببلد أو إقليم أو مزرعة
أو بستان إلا قيل:هذا لجعفر بن يحيى بن خالد البرمكى.
كما قلدوه فى إنفاق الأموال والعطايا والمنح.وضاق الرشيد بالبرامكة،
وعزم على أن يقضى عليهم،وتكون نكبتهم على يديه،ونودى فى بغداد:
لا أمان للبرامكة إلا محمد بن خالد بن برمك وولده؛لإخلاصهما للخليفة.

وكان منهم الوزراء والقادة وأصحاب الرأى،وكانوا من أصل فارسى،
فلما حدث منهم ما حدث،امتنع الرشيد عن الوثوق بهم،واختاروزراءه ومستشاريه
من العرب،وجعل الفضل بن الربيع الذى كان أبوه حاجبًا للمنصوروالمهدى
والهادى وزيرًا له.
وكان الفضل بن الربيع شهمًا خبيرًا بأحوال الملوك وآدابهم،
فلما ولى الوزارة جمع إليه أهل العلم والأدب.وما زال الفضل ابن الربيع
على وزارته حتى مات الرشيد سنة 193هـ/ 809م.

العامة وهارون الرشيد
وقبل أن ننتقل بحديثنا عن هارون الرشيد إلى غيره من الخلفاء العباسيين،

تبقى كلمة لابد من قولها:
فقد ارتبط اسم هارون الرشيد فى أذهان العامة بحكايات ألف ليلة وليلة،
باللهو والمجون،وما كانت هذه حقيقة الرجل من قريب أو بعيد،وإنما عمد
المستشرقون والمستهترون إلى تشويه صورة الرجل،لكى تبدو صورة الخلافة الإسلامية مشوهة،وأن المسلمين قوم لاهَمَّ لهم إلا إشباع غرائزهم،لا يصلحون
لقيادة الأمم وعمارة الأرض.

أما حقيقة هارون الرشيد،الذى أعز الله به الإسلام والمسلمين،وأذل به أعداء الدين،
فهو مسلم حق،وعابد،ومجاهد بنفسه وماله فى سبيل عزة هذا الدين وإعلاء كلمة الله
فى أرضه.
كان الرشيد يكثرمن صلاة النافلة إلى أن فارق الدنيا،وكان يتصدق وينفق على
الحجيج من صلب ماله،وكان يحب الشعروالشعراء،ويميل إلى أهل الأدب والفقه،
ويكره المراء فى الدين،ويسرع الرجوع إلى رحاب الحق إذا ذكر.
حدث أنه حبس أبا العتاهية الشاعر،ووكَّل به رجلا يكون قريبًا منه لينظرما
يقول ويصنع، فكتب أبو العتاهية على الحائط:
أما والله إن الظلم لــــؤم وما زال المسىء هو الظلـوم
إلى ديان يوم الدين نمضـى وعند الله تجتمع الخصــوم
فجاء الرجل فأخبرهارون الرشيد،فبكى الرشيد،وأطلق أبا العتاهية
واعتذرإليه واسترضاه.
وحج ذات مرة،فرآه الناس وقد تعلق بأستار الكعبة يقول:
"يا من يملك حوائج السائلين،ويعلم ضميرالصامتين،صلّ على محمد وعلى
آل محمد،واغفر لنا ذنوبنا وكفرعنا سيئاتنا؛يا من لا تضره الذنوب،ولا تخفى عليه العيوب،ولا تنقصه مغفرة الخطايا،صلّ على محمد وعلى آل محمد،
وخِره لى فى جميع أمورى.يامن خشعت له الأصوات بأنواع اللغات،يسألونه
الحاجات،إن من حاجتى إليك أن تغفر لى ذنوبى إذا توفيتنى،وصُيِّرت فى لحدى،
وتفرق عنى أهلى وولوا؛اللهم لك الحمد حمدًا يفضل كل حمد،كفضلك على جميع الخلق؛اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد صلاة تكون له رضا،وصلّ عليه صلاة تكون له ذخرًا،واجزه عنا الجزاء الأوفى.
اللهم أحينا سعداء،وتوفنا شهداء،واجعلنا سعداء مرزوقين،
ولا تجعلنا أشقياء مرجومين".
هذا هوهارون الرشيد،الصورة المضيئة لخليفة المسلمين.
والمسلم المحتذى به فى الأمور،ويكفيه شرفًا أنه ما مات حيث مات إلا وهو
خارج إلى الرى فى موكب الجهاد لنشر الدين وحماية أرض الإسلام،
فرحمة الله عليه.
ويأتى بعد عصر الرشيد عصرَا ولديْه الأمين والمأمون.

</b></i>
 
خلافة الأمين
(193-198هـ - 809-814م)

الأمين بن هارون الرشيد ولد سنة 170هـ/ 787م ببغداد،
أمه"زبيدة"بنت جعفربن المنصور،
فليس فى خلفاء بنى العباس مَنْ أمه وأبوه هاشميان غيرالأمين.
بينما أخوه"المأمون"والذى كان يكبره بستة شهور فكانت أمه فارسية
ماتت بعد ولادته.

غزو الروم
وكان الرشيد قد عهد بولاية العهد للأمين وللمأمون من بعده.
وليس فى خلافة الأمين والتى دامت قريبًا من خمس سنوات 193-198هـ
/809 - 814م شىء يذكر،غيرأنه أعطى المجاهدين مالاعظيمًا ووجه جيشًا
تابعا له لغزو الروم،وأعطى مدن الثغور المواجهة للروم شيئًا من عنايته،
فأمرفى سنة 193هـ/ 809م ببناء مدينة"أذنة"وأحكم بناءها وتحصينها،
وندب إليها الرجال لسكناها،أما فيما عدا ذلك،فقد مرت خلافته فى صراع بينه
وبين أخيه المأمون من أجل الخلافة،انتهى بقتل الأمين وانفراد المأمون بالحكم،
وكان الأمين قد تلقى علوم الفقه واللغة من الكسائى،وقرأ عليه القرآن.

مقتل الأمين
ونشبت حروب بين الأمين والمأمون بسبب رغبة الأمين فى خلع أخيه من ولاية
عهده وتولية ولده مكانه،ورفض المأمون ذلك،فشجعه قادته حتى استعرت الحرب
بين الأخوين،وانتهت بانتصارالمأمون وقتل الأمين سنة198هـ.


خلافة المأمون
(198-218هـ - 814-833م)

أصبح الأمر فى المشرق والمغرب تحت سلطان المأمون




وهو سابع خلفاء بنى العباس،لقد كان المأمون فى ذلك الوقت واليًا من قبل
والده على"خراسان"وكان يقيم فى عاصمتها "مرو"،وكان من الطبيعى أن
يفضِّلها بعد أن انفرد بالخلافة.
إنها تضم أنصاره ومؤيديه،فهو هناك فى أمان واطمئنان،وكان الفرس يودون أن يبقى "بمرو" لتكون عاصمة الخلافة،ولكنها بعيدة عن مركزالدولة،وهى أكثراتجاهًا نحو الشرق،مما جعل سيطرتها على العرب ضعيفة،بل إن أهل بغداد أنفسهم دخلوا
فى عدة ثورات ضد المأمون؛حتى إنهم خلعوه أخيرًا،وبايعوا بدلاً منه عمه
إبراهيم بن المهدى.
واضطرالمأمون أخيرًا أن يذهب إلى بغداد وأن يترك"مرو"للقضاء على هذه
التحركات فى مهدها.

الإحسان إلى الشيعة
كان معظم أعوان المأمون من الفرس،ومعظمهم من الشيعة،ولهذا اضطرالمأمون
لممالأه الشيعة وكسبهم إلى جانبه،فأرسل إلى زعماء العلويين أن يوافوه فى
عاصمته(وكانت مرو فى ذلك الوقت)،فلما جاءوه أحسن استقبالهم،
وأكرم وفادتهم،وما لبث بعد قليل أن عهد بولاية العهد إلى"على الرضا"
وهى طبعًا خطوة جريئة؛لأن فيها نقلا للخلافة من البيت العباسى إلى
البيت العلوى.
ولم يكتفِ بهذا،بل غيرالشعارمن السواد وهو شعارالعباسيين إلى الخضرة
وهى شعارالعلويين.
ورغم اعتراض أقاربه من العباسيين،فإن المأمون كان مصرًّّا على هذا الأمر،
إذ كان يعتقد أن ذلك من برعلى بن أبى طالب -رضى الله عنه-.
وجاءت عمة أبيه زينب بنت سليمان بن على،وكانت موضع تعظيم العباسيين
وإجلالهم،وهى من جيل المنصور،
وسألته:ما الذى دعاك إلى نقل الخلافة من بيتك إلى بيت على؟
فقال:يا عمة،إنى رأيت عليّا حين ولى الخلافة أحسن إلى بنى العباس،
وما رأيت أحدًا من أهل بيتى حين أفضى الأمر إليهم(وصل إليهم)
كافأه على فعله،فأحببت أن أكافئه على إحسانه.
فقالت:يا أميرالمؤمنين إنك على بِرِّبنى علىّ والأمر فيك،أقدر منك على برهم،
والأمر فيهم.
ولكن لم يلبث"على الرضا"أن مات وكان ذلك فى سنة 203هـ/ 819م،
وعلى كل حال لقد استطاع المأمون ببيعة"على الرضا"أن يقوى من سلطانه؛
لأنه بهذه البيعة أمن جانب العلويين.ولكن قامت ضد الخليفة المأمون ثورات
عديدة اختلفت فى مدى عنفها وشدتها،واستطاع القضاء عليها جميعًا.

ثورة مصر
وكان أخطرهذه الثورات جميعًا ثورة مصر؛ذلك أن جند مصركانوا قد اشتركوا
فى خلافات الأمين والمأمون كل فريق فى جانب،وبعد أن انتهى الخلاف بفوز
المأمون، ظل الخلاف قائمًا بين جند مصر،وأصبح موضع الخلاف التنافس على
خيرات مصر، فكان الجند يجمعون الخراج لا ليرسل للخليفة،
بل ليحتفظوا به لأنفسهم.
وقد قامت جيوش المأمون كثيرًا بمحاربتهم مع أهل مصرالذين شاركوا فى هذه الثورات،ولكن هذه الثورات ما لبثت أن أشعلت من جديد حتى أرسل إليهم جيشًا ضخمًا،فاستطاع القضاء على الثورة نهائيًا،كما تمكن قائده"طاهربن الحسين"
من القضاء على ثورات العرب أنصارالأمين،
وهكذا سيطرعلى الدولة سكون وهدوء.

انتشار الإسلام
وكان المأمون يكتب إلى عمّاله على خراسان فى غزو من لم يكن على الطاعة
والإسلام من أهل ما وراء النهر،ولم يغفل المأمون عن قتال الروم،بل غزاهم أكثر
من مرة،وخرج بنفسه على رأس الجيوش الإسلامية لغزو الروم سنة
215هـ/830م،فافتتح حصن"قرة"وفتح حصونًا أخرى من بلادهم،
ثم رحل عنها،وعاود غزو الروم فى السنة الثالثة سنة 216هـ،ففتح"هرقلة"
ثم وجّه قواده فافتتحوا مدنًا كبيرة وحصونًا،وأدخلوا الرعب فى قلوب الرومان،
ثم عاد إلى دمشق،ولما غدرالروم ببعض البلاد الإسلامية غزاهم المأمون للمرة
الثالثة وللعام الثالث على التوالى سنة 217هـ، فاضطرالروم تحت وطأة الهزيمة
إلى طلب الصلح.
يرحم الله المأمون،لقد كان عصره من أزهى عصورالثقافة العربية.

أخلاق المأمون
كان يقول:أنا والله أستلذ العفو حتى أخاف ألا أؤجر عليه،ولوعرف الناس
مقدارمحبتى للعفو؛ لتقربوا إلى بالذنوب!
وقال:إذا أصلح الملك مجلسه،واختارمن يجالسه؛صلح ملكه كله.
ورفع إليه أهل الكوفة مظلمة يشكون فيها عاملا؛
فوقَّع:عينى تراكم،وقلبى يرعاكم،وأنا مولّ عليكم ثقتى ورضاكم.وشغب الجند
فرفع ذلك إليه،فوقَّع:لا يعطون على الشغب،ولا يحوجون إلى الطلب.

ووقف أحمد بن عروة بين يديه،وقد صرفه على الأهواز،فقال له المأمون:
أخربتَ البلاد،وأهلكت العباد
فقال:يا أمير المؤمنين،ما تحب أن يفعل الله بك إذا وقفتَ بين يديه،
وقد قرعك بذنوبك؟ فقال:العفو والصفح.
قال:فافعل بغيرك ما تختارأن يفعل بك.
قال:قد فعلت..
ارجع إلى عملك فوالٍ مستعطِف خير من وال مستأنف.

وكتب إلى على بن هشام أحد عماله،وقد شكاه غريم له:
ليس من المروءة أن تكون آنيتك من ذهب وفضة ويكون غريمك عاريًا،
وجارك طاويًا.

وهكذا كان المأمون..حتى لقد وصفه الواصفون بأنه من أفضل رجال بنى العباس
حزمًا وعزمًا وحلمًا وعلمًا ورأيًا ودهاءً،وقد سمع الحديث عن عدد كبير من
المحدّثين،وبرع فى الفقه واللغة العربية والتاريخ،وكان حافظًا للقرآن الكريم.

النهضة العلمية
جاء فى كتاب قصة الحضارة:أنه أرسل إلى القسطنطينية وغيرها من المدن
الرومانية يطلب أن يمدوه بالكتب اليونانية،خاصة كتب الطب والعلوم الرياضية،
وعندما وصلت هذه الكتب إلى أيدى المسلمين قاموا بترجمتها وفحصها ودراستها،
وأنشأ المأمون فى بغداد "بيت الحكمة"سنة 214هـ/829م،
وهو مجمع علمى،ومكتبة عامة،ومرصد فلكى،وأقام فيه طائفة من المترجمين،
وأجرى عليهم الأرزاق من بيت المال،فاستفاد المسلمون من هذه الكتب العلمية،
ثم ألفوا وابتكروا فى كافة العلوم،التى أسهمت فى نهضة أوروبا يوم أن احتكت
بالعرب فى الحروب الصليبية وغيرها.
وكان للمدارس التى فتحها المأمون فى جميع النواحى والأقاليم أثرها فى نهضة
علمية مباركة.
إلا أن الاطلاع على بعض فلسفات الأمم الأخرى قد جعل العقل يجتهد فى أمور
خارج حدوده وتفكيره،ومن هنا نشأ الفكرالاعتزالى الذى يُعْلى من قيمة العقل،
ويجعله حكمًا على النص دون حدود أو قيود.

الإسلام قد رفع من العقل،لكنه حدد له حدودًا يعمل فيها.

لقد سمح المأمون لأولئك الذين اعتمدوا على العقل والمنطق فى كل شىء بالتعبير
عن آرائهم،ومعتقداتهم،ونشر مبادئهم من غيرأن يتقيدوا بقيد أو يقفواعند حد،
فكان هذا من سوءاته التى أحدثت بين علماء المسلمين فتنة دامت تسع عشرة سنة،
إلى أن شاء الله تعالى لتلك الفتنة أن تخمد،ولقد وصف الإمام السيوطى المأمون
بقوله:"إنه كان من أفضل رجال بنى العباس لولا ما أتاه من محنة الناس".
وانتقل المأمون إلى مولاه -سبحانه وتعالى- بعد حياة حافلة بالإنجازات
فى مختلف نواحى الدولة.

يُتبع إن شاء الله ،،،

 

خلافة المعتصم
(218-227هـ - 833-842م)




تولى"المعتصم بالله محمد بن هارون الرشيد"الخلافة بعد أخيه المأمون،
لقد بويع له بالخلافة يوم مات أخوه المأمون بـ"طرسوس".

بناء سامرَّاء
فى سنة 221هـ بنى المعتصم مدينة "سُرَّ مَنْ رَأَى" أو"سَامِرَّاء"؛
وذلك أن بغداد ضاقت بكثرة الغلمان الترك الذين جلبهم المعتصم،

فاجتمع إليه رجال من بغداد،
وقالوا:إن لم تخرج عنا بهذا الجند حاربناك.
قال:وكيف تحاربوننى؟
قالوا:بسهام الأسحار.
قال:لا طاقة لى بذلك،
فكان ذلك سبب بنائه"سُرَّ مَنْ رَأَى"وإقامته بها.

فتح عمورية
ولا ينسى التاريخ للمعتصم"فتح عمورية"سنة 223هـ/ 838م،
يوم نادت باسمه إمرأة عربية على حدود بلاد الروم اعتُدِىَ عليها،
فصرخت قائلة:وامعتصماه!
فلما بلغه النداء كتب إلى ملك الروم:
"من أميرالمؤمنين المعتصم بالله،إلى كلب الروم،
أطلق سراح المرأة،وإن لم تفعل،
بعثت لك جيشًا،أوله عندك وآخره عندى.
ثم أسرع إليها بجيش جرار
قائلا:لبيك يا أختاه!"
وفى هذه السنة (223هـ)غزا الروم وفتح"عمورية"،
وسجل أبو تمام هذا الفتح العظيم فى قصيدة رائعة.
هذا هوالمعتصم رجل النجدة والشهامة العربية،
كتب إليه ملك الروم كتابًا يتهدده فيه،
فأمرأن يكتب جوابه،
فلما قرئ عليه لم يرضه،وقال للكاتب:اكتب.
بسم الله الرحمن الرحيم..أما بعد، فقد قرأت كتابك،
والجواب ما ترى لا ما تسمع:
(وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار) [الرعد:42].

قال إسحق الموصلى:سمعتُه يقول:
من طلب الحق بما هُو له وعليه؛أدركه.

مواجهة الثورات
لقد تحركت فى عهده ثورات:
ثورة الزط،وهم قوم من السند(باكستان وبنجلاديش الآن
وانضم إليهم نفرمن العبيد فشجعوهم على قطع الطريق،وعصيان الخليفة،
وكان ذلك سنة 220هـ/835م؛
حيث عاثوا بالبصرة فسادًا،وقطعوا الطريق ونهبوا الغلات،فندب"المعتصم"
أحد قواده بقتالهم وانتصر عليهم.

وكانت هناك طائفة أخرى تسمى"الخُرَّمية" تنسب إلى أحد الزنادقة،
ويسمى بابك الْخُرَّمى،وانضم خلق كثير من أهل فارس حول هذا الشيطان اللعين،
وكان أول ظهورلهم سنة 021هـ،واستفحل أمرهم،
فلما صارالأمر إلى المعتصم سنة 220هـ/ 835م،
أخذ فى إصلاح ما أفسده الخرمية بقيادة الأفشين حيدربن كاوس،
فتمكن من الانتصارعليهم،وجىء بزعيمهم بابك إلى المعتصم فأمربقطع يدى
بابك ورجليه،ثم جز رأسه وشق بطنه لعنه الله.
لقد قتل من المسلمين فى مدة ظهوره مائتى ألف وخمسة وخمسين ألف
وخمسمائة إنسان،وأسر خلقًا لا يحصون،وأباح الحرمات،ونكاح المحرمات.

وثارأحد العلويين بـ"الطالقان" من"خراسان"وهو
محمد بن القاسم بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب،
فقاتله عبد الله ابن طاهرمرة بعد أخرى حتى قبض عليه وسيق إلى السجن.
وهكذا كانت تقوم ثورات ويقضى عليها،ولكن ذلك لم يمنع المعتصم من الاهتمام بالعمران والبناء فبنى مدينة سامرّاء أو(سر من رأىشرقى نهردجلة،
ومد إليها نهرًا سماه نهرالإسحاقى.
وعندما احترقت"سوق الكرخ"عوض التجارعن خسائرهم،
واهتم بالبريد فى أيامه حتى أصبحت الرسائل تصل بسرعة أكثر
مما كانت عليه من قبل.

الاستعانة بالترك
وإذا كان سابقوه من الخلفاء قد استعانوا بالفرس،
فإن المعتصم كان محبّا للعنصرالتركى،حتى اجتمع له منهم أربعة آلاف جندى،
وأقطعهم الإقطاعات الكبيرة فى مدينة سامرّاء حتى لايضايق أهل بغداد،
وكما كان للفرس دورهم فى حياة الدولة العباسية منذ نشأتها فإن العنصرالتركى
أصبح له دوره.
رحمه الله، لقد كانت خلافته ثمانى سنين وثمانية أشهر وثمانية أيام،
وهو ثامن الخلفاء من بنى العباس،ومات عن ثمانية بنين وثمانى بنات،


وتولى الخلافة سنة ثمان عشرة ومئتين،وفتح ثمانية فتوح فكان يلقب بالمثمن،

وكان طيب النفس،ومن أعظم الخلفاء وأهيبهم.

ألا الأن ننادى فى كل أرض العروبة!!

وامعتصمــــــــــــــــــــاه!!!!!!

يُتبع



 
خلافة الواثق بالله
(227-232هـ/ 842-847م)

ولقى المعتصم ربه،وجاء من بعده ابنه الواثق بالله هارون بن المعتصم
سنة 227هـ/ 842م.

أدب الواثق
وكانوا يسمونه المأمون الصغيرلأدبه وفضله،
وكان المأمون يجلسه وأبوه المعتصم واقف،
وكان يقول:يا أبا إسحاق لا تؤدب هارون،فإنى أرضى أدبه،
ولا تعترض عليه فى شىء يفعله.

قال حمدون نديم المتوكل:ما كان فى الخلفاء أحلم من الواثق

ولا أصبرعلى أذى وخلاف.
دخل مؤدب الواثقهارون بن زياد عليه،فأكرمه الواثق،
وأظهرمن بره ما شهّره به،
فقيل له:يا أمير المؤمنين؛مَنْ هذا الذى فعلتَ به ما فعلت ؟
قال:هذا أول من فَتَق لسانى بذكر الله،وأدنانى من رحمته.

وقال يحيى بن أكثم:لم يحسن أحد من خلفاء بنى العباس
إلى آل أبى طالب إحسان الواثق،ما مات وفيهم فقير.

قالالواثق لابن أبى دُؤادوزيره،
وقد رجع من صلاة العيد:هل حفظت من خطبتى شيئًا؟
قال:نعم قولك يا أمير المؤمنين:"ومن اتبع هواه شرد عن الحق منهاجه،
والناصح من نصح نفسه،وذكر ما سلف من تفريطه،فطهرمن نيته،
وثاب من غفلته،فورد أجله،وقد فرغ من زاده لمعاده،فكان من الفائزين".

هذا هوالواثق بالله،كانت خلافته خمس سنوات،
قضى فيها على الثورات التى قامت فى عهده،ولقَّن الخارجين على الدين


والآداب العامة درسًا لا ينسى،وعزل من انحرف من الولاة،
وصادرأموالهم التى استولوا عليها ظلمًا وعدوانًا،
وأغدق على الناس بمكة والمدينة حتى لم يبقَ سائل واحد فيهما.

وفى عهده فتحت جزيرة"صقلية"،
فتحها الفضل بن جعفرالهمدانى سنة 228هـ/ 843م.

وقد رأينا أن العصر العباسى الأول قد اشتمل على عهود تسعة خلفاء
يبدأ حكمهم بأبى العباس السفاح سنة 132هـ/ 750م،
وينتهى بتاسع الخلفاء العباسيين وهو الواثق الذى توفى سنة 232هـ/ 847م.

ولم يكد عهد المعتصم ينتهى حتى ساد الضعف والانحلال
وأخذا يزيدان يومًا بعد يوم حتى انتهت الدولة العباسية على يد
هولاكو التترى سنة 657هـ/ 1258م،
وكأن هذه الدولة التى عاشت خمسة قرون لم تكن زاهرة إلا فى قرنها
الأول ثم عاشت قرونها الأربعة الباقية فى ضعف متزايد.

وإلى هنا ينتهى العصر العباسى الأولــ ،،
ويبدأ العصر العباسى الثانى
وهذا ما سوف نتحدث عنه تالياً

يُتبع ،،،،
 
خلافة المنتصر
(247-248هـ /861-862م)

فى سنة ( 247هـ /861م) ولَّى المتوكل أولاده الثلاثة:
المنتصر،
والمعتز،
والمؤيّد العهد،
وقدم ابنه المعتزعلى المنتصر،
فأدى ذلك إلى اغتيال الخليفة المتوكل بيد ابنه المنتصر،
وتحريض الأتراك.ولا عجب،
فقد حاول بعض هؤلاء الأتراك اغتيال هذا الخليفة بدمشق من قبل،
ولكنهم لم يفلحوا،فانتهزوا فرصة غضب المنتصرعلى أبيه وانضموا إليه،
وقتلوه،ويجلس الابن القاتل على العرش مكان أبيه،
وينضم إليه الأتراك ثانية للتخلص من أخويه لكيلا ينتقما منه
لأبيهما وخاصة المعتز.


خلافة المستعين
(248-251هـ /862-865م)

وعلى الرغم من قصرعهد المنتصر(247- 248هـ)،
فكانت خلافته ستة أشهر وأيامًا،
فإن الأتراك عملوا على تحويل الخلافة من أبناء المتوكل إلى أبناء المعتصم،
فولوا أحمد بن المعتصم ولقبوه بـالمستعين.
وفى عهده تفاقم نفوذ الأتراك وعلى رأسهم:
"بُغَا الكبير"،
و"بغا الصغير"،
و"أتامش"،
و"باغر"،
ولم يلبث بعض هؤلاء الأتراك الذين أجلسوا هذا الخليفة على العرش
أن انقلبوا عليه بعدما أشيع عن عزمه الفتك بهم،ومن ثم قامت فتن وحروب،
وانتهى الأمر بعزل المستعين وتولية المعتزبن المتوكل.
ولم يكتف الأتراك بعزل المستعين ونفيه إلى"واسط"،بل قتلوه.
لقد كان المستعين-رحمه الله- مستضعفًا فى رأيه وتدبيره،
ولم يكن له حيلة مع الأمراء الأتراك.


خلافة المعتز
(251-255هـ /865-869م)

ذهب المستعين وجاء المعتزبن المتوكل ،
وكان الخليفة الجديد ألعوبة فى أيدى الأتراك،مسلوب السلطة،مكسورالجناح!
ولا عجب فإن وجوده فى الحكم مرتبط برضا أولئك الأتراك عنه،
وياويله إن غضبوا عليه!
لقد تغلغل نفوذهم فى الدولة،وتسلطوا على حياة الخلفاء.
وكان الخليفة المعتزيخاف منهم،ولا يهنأ بالنوم،
ولا يخلع سلاحه فى ليل ولا نهار،
خوفًا من أولئك الأتراك وعلى رأسهم"بغا الصغير".

الاستعانة بالمغاربة والفراغنة
لم يكن أمامه إلا أن يستعين بالمغاربة والفراغنة للتخلص من الأتراك
الذين عملوا بدورهم على التخلص منه،وطالبوه برواتبهم،
وثاروا فى وجهه،وقبضوا عليه،وقتلوه بعد أن مثلوا به.


خلافة المهتدى
(255- 256هـ/869 - 870م)

سيطرة الأتراك
لقد ودعنا المعتزلنستقبل المهتدى.ولم يكن فريدًا بين خلفاء عصره،
ولا متميزًا،بل كان كغيره من الخلفاء العباسيين الأواخر،
ألعوبة فى أيدى أولئك الأتراك وخاصة"موسى بن بغا"،
وليس أدل على ذلك من أن كتاب صاحب البريد"بهمذان"
لما ورد على المهتدى بفصل موسى بن بغا عنها
(وهى ثغرمن ثغوربلاد الإسلام)
رفع المهتدى يديه إلى السماء،ثم قال بعد أن حمد الله وأثنى عليه:
"اللهم إنى أبرأ إليك من فعل موسى بن بغا وإخلاله بالثغروإباحته العدو،
فإنى قد أعذرت إليه فيما بينى وبينه،اللهم تولَّ كيد من كايد المسلمين،
اللهم انصرجيوش المسلمين حيث كانوا،اللهم إنى شاخص بنيتى واختيارى
إليك حيث نكب المسلمون فيه،ناصرًا لهم ودافعًا عنهم،
اللهم فأْجرنى بنيتى إذ عدمت صالح الأعوان.
ثم انحدرت دموعه واستغرق فى البكاء".

ورع المهدى
وإن كان يمتاز بشىء فإنه كان أحسنهم سيرة وأظهرهم ورعًا،
وأكثرهم عبادة حتى إنه تشبه بعمربن عبدالعزيز،وجلس للمظالم،
وحاول أن يستعين ببعضهم على بعض،
لكن كان من الصعب عليه أن يحقق ما يريد وزمام الجيش فى يد
الأتراك،ولانتقاض"بايكباك"عليه وكان بالأمس نصيره،
وانضمامه إلى"موسى بن بغا".

مصرع الخليفة
وقد استعان المهتدى عَلَى موسى بن بغا وبايكباك بالفراغنة والمغاربة،
ودارت بين المهتدى وأعوانه وبين بايكباك واقعة انتهت بهزيمة المهتدى
وأعوانه من الفراغنة والمغاربة وفرارهم،
وفرالمهتدى هاربًا إلى دارأبى صالح بن يزداد فدخلها ونزع ثيابه وسلاحه،
فذهب إليه نحو من ثلاثين رجلا فأخذوه من البيت وهو جريح
وعذبوه حتى مات بعدها بيومين سنة 256هـ/ 870م.


خلافة المعتمد على الله
(256-279هـ/870-892م)

أما الخليفة الجديد وهوالمعتمد على الله أحمد بن المتوكل بن المعتصم،
فقد اعتلى العرش على أيدى الأتراك الذين أخرجوه من"الجوسق"
الذى حبسه فيه المهتدى،
وكان كما يقول السيوطى:"أول خليفة قهروحجرعليه ووُكِّل به".

نفوذ أخيه الموفق
ولا عجب فقد شل أخوه"أبو أحمد الموفق طلحة" يده عن مباشرة أمورالدولة
حتى أصبح مسلوب الإرادة،وكانت دولته عجيبة الوضع،
فقد كان هو وأخوه الموفق كالشريكين فى الخلافة،للمعتمد الخطبة والسكة
والتسمى بإمرة المؤمنين ولأخيه طلحة الأمروالنهى،وقيادة العساكر،
ومحاربة الأعداء،ومرابطة الثغور،وترتيب الوزراء والأمراء،
وكان المعتمد مشغولا عنه بلذاته،وكان أخوه الموفق أميرجيوشه وصاحب
الفضل فى القضاء على ثورة الزنوج،
وأمام هذا الوضع الغريب لم يكن أمام المعتمد إلا أن يترضى الأتراك،
ويصانعهم،وخاصة قائدهم موسى بن بغا،وقسم دولته بين ابنه جعفر
وسماه المفوض وخصه بالبلاد الغربية،وضم إليه موسى بن بغا فحكمها باسمه،
وولى أخاه أبا أحمد طلحة بعد ابنه المفوض،وسماه الموفق،
وخصه بالبلاد الشرقية،وبذلك ضعفت الخلافة فى عهد المعتمد الذى أصبح
مسلوب السلطة أمام أخيه الموفق والأتراك.
ولقد شهد عصره ثورة الزنج التى استمرت أربع عشرة سنة وأربعة أشهر،

وراح ضحيتها الكثير،وأمكن فى عهده القضاء عليها سنة
270هـ/ 884م.

ثورة القرامطة
كما شهدت آخر سنتين فى خلافته "ثورة القرامطة" بالكوفة وقد تحركوا
سنة 278هـ/ 891م،وهم ينسبون إلى قرمط بن الأشعث،
وقد استجاب له جمع كثير،وتعد فرقة القرامطة منالزنادقة لانحراف
تفكيرهم، وحرصهم على هدم الدين الإسلامى والقضاء عليه.
وليس من العجيب أن نرى القوى الهدامة تتعاون على هدم الإسلام،
فقد سارقرمط إلى صاحب الزنج قبل هلاكه ليتفق معه على هدم الإسلام
وتخريب دياره،وقد تحركت جموعهم إلى بلاد الحجازودخلوا المسجد الحرام،
وسفكوا دم الحجيج،واقتلعوا الحجر الأسود،وذهبوا به إلى بلادهم
سنة 317هـ/ 929م.

الانتصارعلى الروم
أما بالنسبة للروم فقد أقدمت الروم فى سنة 259هـ/873م
على مهاجمة"سميساط"، ثم"ملطية"من مدن الثغور،
ولكن أهلهما قاتلوا عنهما قتالا شديدًا،وهزموا الروم،

بل وقتلوا بطريقًا من بطارقة الروم كان مع الجيش الغازى يبارك خطواته!
وظلت الحرب سجالا بين الروم والمسلمين حتى كانت سنة 270هـ/ 884م؛
حيث انتصرالمسلمون انتصارًا ساحقًا فى سنة 270هـ/884م
على الروم حين أقبلوا فى مائة ألف مقاتل،ونزلوا قريبًا من"طرسوس"،
فخرج إليهم يازمان الخادم حتى قتلوا منهم سبعين ألفًا،
وقتل قائدهم الذرياس وهو بطريق البطارقة،
وجرح أكثر الباقين،وغنم المسلمون غنائم عظيمة،
منها صلبانهم الذهبية المكللة بالجواهر.
وهكذا طالت أيام ملك أحمد المعتمد بن جعفرالمتوكل.
والحق يقال:إن أخاه "الموفق"عاونه معاونة كبيرة على قهر أعدائه.

</b></i>
 
خلافة المعتضد
(279-289هـ/892 - 902م)

تولى الخلافة بعد وفاة عمه المعتضد.
يقول المؤرخون:لما ولى"المعتضد"حسنت آثاره،وعمر الدنيا،
وضبط الأطراف،وأحسن السياسة.

وقيل:إنه أفضت إليه الخلافة وليس فى الخزانة إلا سبعة عشردرهمًا،
ومات وخلّف ما يزيد على عشرين ألف ألف دينار.
رحمه الله،ففى عهده انتعشت الخلافة العباسية،ودبت فيها الحياة
من جديد حتى أصبحت الدولة قوية مهيبة تخشاها الدول.

ويقول الإمام السيوطي:"لقد كانت أيامه طيبة،كثيرة الأمن والرخاء،
وكان قد أسقط المكوس- ما يشبه الضرائب فى العصر الحديث-،
ونشر العدل،ورفع الظلم عن الرعية،كما كان يسمى السفاح الثانى
لأنه جدد ملك بنى عباس،وكان من ذوى الرأى والصلاح.


خلافة المكتفى بالله
(289-295هـ/ 902-908م)

لقد مات"المعتضد" و"المعتمد"من قبله،ميتة طبيعية بعكس الخلفاء
الذين فتك بهم الأتراك،وقد آلت الخلافة من بعد المعتضد إلى ابنه
أبى محمد على الذى تلقب بـ"المكتفى بالله" سنة 289هـ/ 902م،
واستمرت خلافته حتى سنة 295هـ/ 908م.
ولقد بدأ عهده بداية طيبة؛فأمر بهدم المطامير"السجون"التى كانت معدة للمسجونين، وأمر ببناء جامع مكانها،وأمر برد البساتين والحوانيت التى كانت قد أخذت
من بعض الناس؛فأحبه الناس لسيرته الحسنة،وأعماله المجيدة.

القضاء على القرامطة
ولكن لم يخلُ عهده -كسابقيه- من ثورات،
والحديث عن الثورات فى عهد الخلفاء متجدد،وعدوان الروم متواصل،
ولا يكاد خليفة يتفرغ للإصلاح والتعمير حتى يفاجأ بمثل تلك الثورات،
وذلك العدوان،
إنها المؤامرات على الإسلام والمسلمين،التى تستهدف إعاقة المسيرة،
وهدم الدولة،وإفساد العقيدة.
لقد حاصر"القرامطة" دمشق،وضيقوا عليها حتى أشرف أهلها على الهلاك،

وكان ذلك فى سنة 290هـ/ 303م،وتواصل عدوانهم على البلاد المجاورة،
وخرجت جيوش من مصرللدفاع عن دمشق،وتحركت نجدة من بغداد،
وكان القرامطة قد عاثوا فى الأرض فسادًا وقتلوا الحجاج،
واعتدوا على أعراض المسلمات،وقويت شوكتهم،
ولم تستطع النجدات سحقهم وقطع دابرهم حتى سنة 291هـ/ 304م؛
حيث استطاع جيش الخليفة أن يرد كيدهم فى نحرهم،
ويقضى على معظمهم بعد أن بلغه ما فعلوه بالحجاج.

تبادل الأسرى مع الروم
وأغارالروم على البلاد،وكان الرد حاسمًا وعنيفًا،
وختمت العلاقات بين المسلمين والروم فى خلافة المكتفى،
بتبادل الأسرى وفدائهم،وقد استنقذ ثلاثة آلاف نسمة من أيدى الروم
ما بين رجال ونساء وأطفال.

زلزال وريح وفيضان
رحم الله المكتفى لم يسلم عهده من زلزلة عظيمة هزت بغداد كلها،
ودامت أيامًا،وذهب ضحيتها خلق كثير،وهبت ريح بالبصرة لم يُرَ مثلها،
وزادت مياه دجلة زيادة كبيرة ففاض الماء وأغرق الأرض،
وخرب الديار والزروع،لقد دامت خلافة المكتفى ست سنوات وستة أشهر،
ولقى ربه سنة 295هـ/ 908م،
وروى أنه قال عند موته:
والله ما آسى إلا على سبعمائة ألف دينارصرفتها من مال المسلمين
فى أبنية ما احتجت إليها،وكنت عنها مستغنيًا،أخاف أن أسأل عنها،
وإنى أستغفر الله منها.


خلافة المقتدر
(295-320هـ/9 08-932م)

ولما حضرت المكتفى الوفاة،أحضرأخاه "المقتدر"وفوض إليه أمرالخلافة
من بعده، وأشهد على ذلك القضاة.
ترى كم كان عمرهذا"المقتدر"حين عهد إليه بالخلافة،
خلافة أكبر دولة على الأرض آنذاك ؟
كان عمره ثلاث عشرة سنة وشهرًا واحدًا وواحدًا وعشرين يومًا.
ولم يلِ الخلافة قبله من هو أصغرمنه.

ويرجع السبب فى اختياره إلى صغر سنه ليكون أسلس قيادًا،
ولكن"المقتدر"لم يلبث أن خلع،وبويع"عبد الله بن المعتز"ولقب"الغالب بالله"،
إلا أن أتباع الخليفة المخلوع أعادوه إلى العرش،ولم يمكث"عبد الله بن المعتز"
الذى كان شاعرًا رقيقًا فى الخلافة إلا ليلة واحدة.

قيادة النساء
نحن الآن إذن مع"المقتدر"وعهده،
يقول المؤرخون:إن عهده كان عهد فتن وقلاقل،فقد ترك النساء يتدخلن
فى أمور الدولة، ويصرِّفن شئونها،
فقد ذكرابن الأثيرأن هذا الخليفة اشتهر بعزل وزرائه،والقبض عليهم،
والرجوع إلى قول النساء والخدم،والتصرف على مقتضى آرائهن.

ولاعجب،فقد أصبح الأمروالنهى بيد أمه التى يطلق عليها المؤرخون
اسم"السيدة". ويا ويل من غَضِبَ عليه من الوزراء،
إن أقل مصير ينتظره هو العزل،ولا تسل عن الأحوال،
فالخطاب يقرأ من عنوانه؛
لقد اضطربت أحوال الدولة العباسية فى عهد"المقتدر"فخرج عليه
"مؤنس الخادم"أحد القواد فى سنة 317هـ/ 929م،
وأرغم هذا الخليفة على الهرب،وبايع هو وغيره من الأمراء
"محمد بن المعتضد"ولقبوه:"القاهر بالله" ،وطلب الجند أرزاقهم فى الوقت
الذى قامت فيه الاحتفالات بتقليد الخليفة الجديد للخلافة،وحملوا المقتدر
على أعناقهم،وردوه إلى دارالخلافة،وعزلوا القاهر،
فأخذ يبكى ويقول:الله الله فى نفسى!
وهنا استدناه"المقتدر"وقبله،وقال له:يا أخى،أنت والله لاذنب لك،
والله لا جرى عليك منى سوء أبدًا فطب نفسًا.

قوة القرامطة
وكان لابد أن يتحرك القرامطة فى خلافة المقتدرفنزلوا البصرة سنة
299هـ/ 912م،والناس فى الصلاة،وخرج أهلها للقائهم وأغلقت
أبواب البصرة فى وجوههم.
ولكنهم عادوا سنة 311هـ/ 924م،واقتحموا أسوارها،
وسعوا فيها فسادًا مدة سبعة عشريومًا يقتلون ويأسرون ويستولون
على الأموال،ثم قفلوا راجعين إلى"هجر"بالبحرين.
وفى سنة 313هـ/ 926م،قام القرامطة باعتراض الحجيج بعد أن أدوا
الفريضة فقطعوا عليهم الطريق،وأسروا نساءهم وأبناءهم.
وثارالناس فى بغداد،وكسروا منابرالجوامع يوم الجمعة،وناحت النساء
فى الطرقات،وطالبن بالقصاص من القرامطة وأعوانهم.

وظل مسلسل عدوان القرامطة على المدن والحجاج يتكررفى كل عام،
وليس هناك من يؤدبهم أو يوقفهم عند حدهم،فلم تسلم منهم مدينة حتى مكة
- البلد الحرام - اعتدوا عليها وعلى مقدساتها فى سنة 317هـ/ 929م،
وجلس أميرهم على باب الكعبة وهو يقول-لعنه الله-:
"أنا الله وبالله أنا الذى يخلق الخلق وأفنيهم أنا".
وكان الناس يفرون منهم،ويتعلقون بأستار الكعبة،وقلعوا الحجرالأسود،
وصاح أحدهم متحديًا:أين الطيرالأبابيل؟
أين الحجارة من سجيل؟
ومكث الحجرالأسود عندهم اثنتين وعشرين سنة حتى ردوه فى سنة
339هـ/ 951م.

ولعله يجىء سؤال:
لماذا نزل عذاب الله بأصحاب الفيل،ولم ينزل بالقرامطة؟
والإجابة كما قال ابن كثير:
لقد أراد الله أن يشرف مكة عندما كانت تستقبل خاتم الأنبياء
وأفضل الرسل العظام،ولم يكن أهلها يومئذ مسلمين مأمورين بحماية البيت،
وصد المعتدين عنه،فتدخلت العناية الإلهية بالحفظ والرعاية،
ألم يقل عبد المطلب:للبيت رب يحميه ؟!
ولهذا لما سئل أحد العلماء،وكان بالمسجد الحرام وقت أن دخله القرامطة:
ألم تقولوا فى بيتكم هذا ومن دخله كان آمنا..فأين الأمن؟
فرد قائلا:إن الله يريد أن يؤمنه المسلمون.
إن المسلمين جميعًا مسئولون عما فعله المجرمون فى البيت الحرام،
وعما اقترفوه من آثام.
وربنا سبحانه قد يؤخرعقوبته ليوم تشخص فيه الأبصار،
فقال:"لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ.مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ
وَبِئْسَ الْمِهَادُ"[آل عمران: 196-197].

الانتصار على الروم
وماذا عمَّا تم على الجبهة بين المسلمين والروم فى خلافة المقتدر؟

لقد أتاحت خلافة المقتدرالطويلة فرصًا عديدة لمحاربة الروم وفتح بعض المدن والحصون على الرغم من انشغال الدولة بمواجهة القرامطة وغيرهم من الفسقة الخارجين،ولقد بدأ اللقاء بين المقتدروالروم سنة 297هـ/910م،
وظلت الحرب سجالا بين المسلمين والروم حتى انتهت اللقاءات القوية

بينهم فى خلافة المقتدر،وكان النصرعظيمًا للمسلمين.

لقد كانت"الخلافة"-على ما كان يعتريها من ضعف أحيانًا أوتجاوزًا ومخالفة-
خيرمعين على مواجهة الأخطارالمحدقة بالمسلمين من كل جانب،
ومجابهة الصعاب التى تعترض طريقهم،وتهدد حاضرهم ومستقبلهم.

إنها تجمع كل المسلمين نحوغاية واحدة،وهدف واحد،فتتضافر الجهود،
وتتوحد القلوب،وتنطلق الجموع من جميع الأرجاء تغيث الملهوف،وتؤمن الخائف، وتهدئ من روعة المذعور،وتنصرأى مسلم فى أية بقعة من بقاع الأرض وفجاجها، وكان هذا ملموسًا فى كل المعارك بين المسلمين والروم؛
حيث كان المسلمون-على الرغم من ضعف الخلافة-،
كالجسد الواحد على من عاداهم،والدول الإسلامية الآن يُعتدى عليها،
وتُهان وقد غاب عنها منصب الخلافة،والذئب إنما يأخذ من الغنم الشاردة.

سيطرة البويهيين
وفى هذه السنوات شهدت الدول الإسلامية زوال سيطرة الأتراك
وبداية سيطرة البويهيين،وشهدت هذه الفترة أكثرمن عدوان للروم على الدولة
الإسلامية،ولا يوجد من يتصدى لهذه الحملات،ويواصل الجهاد ضدها
فى تلك الفترة المظلمة من تاريخ الخلافة.

صراع القرامطة
وظهرالقرامطة أيضًا على مسرح الأحداث فى سنة 323هـ،
وزاد خطرهم فى سنة 323هـ/ 939م،حين دخلوا بغداد مهددين الخليفة نفسه،
ويشاء الله أن يجعل بأسهم بينهم شديدًا،فاقتتلوا وتفرقت كلمتهم،
وكفى الله المؤمنين القتال،ويريح الله المسلمين من الملعون الكبير
رئيس القرامطة سليمان الجنابى الذى قتل الحجيج حول الكعبة،
واقتلع الحجرالأسود من موضعه؛حيث هلك سنة 332هـ/ 944م.


كم كان هناك من ضعف ووهن فى تلك العصور

يُتبع إن شاء الله ،،،

</b></i>
 
عصر الأمراء
( 324 - 334هـ/ 936 - 946م )

لقد ازداد ضعف الخليفة العباسى منذ أوائل القرن الرابع الهجرى
لازدياد شوكة القواد الأتراك،وتفاقم خطرالدول المستقلة،
فقد ازدادت شوكة"على بن بويه"في فارس،
وأصبحت الرى وأصبهان وبلاد الجبل في يد أخيه الحسن بن بويه،

كما استقل بنو حمدان بالموصل،ودياربكر،وديارربيعة ومضر،

أما مصرفقد استقل بها محمد بن طغج الإخشيد،

واستقل بخراساننصربن أحمد الساماني،

ولم تكن الحال في المغرب أحسن منها في المشرق،
فقد أعلن عبد الرحمن الثالث الأموى بالأندلس نفسه خليفة،
وتلقب بلقب أميرالمؤمنين الناصرلدين الله،
وأصبح في العالم الإسلامى في ذلك الوقت ثلاث خلافات.


خلافة القاهر
(320 - 322هـ/ 932 - 934م)

ولم يكن حظ القاهرأقل سوءًا ممن سبقه من الخلفاء العباسيين،
فقد انتشرت في عهده الفتن الداخلية،وتمرد عليه جنده،واتفق رجال دولته،
وعلى رأسهم قائده مؤنس ووزيره"ابن مقلة"على خلعه،
فسالت عيناه على خده،ثم حبس،
وقد ساءت حالته حتى إنه خرج يومًا يطلب الصدقة بجامع المنصور،
فأعطاه بعض الهاشميين خمسمائة درهم،
وأمربه فحبس وظل في الحبس حتى مات في خلافةالطائع
سنة 339هـ/ 951م.


خلافة الراضى
(322 - 329هـ/ 934 - 941م)

وجد نفسه- إزاء ضعف الوزراء وازدياد نفوذ كبارالقواد،
وتدخلهم في أمورالدولة -مضطرّا إلى استمالة أحد هؤلاء الأمراء،
وتسليم مقاليد الحكم إليه،ولم يعد للوزراء عمل يقومون به،
وأصبح هذا الأمير وكاتبه هما اللذان ينظران في الأمر كله،
وهذا الأميرهو أميرالأمراء،
وأصبحت الخلافة في عهد الراضى من الضعف بحيث لم يعد الخليفة
قادرًا على دفع أرزاق الجند،أويحصل على ما يكفيه
حتى مات سنة 329هـ/ 491م.


خلافة المتقى
(329-333هـ/ 941 -945م)

ويأتى الخليفة المتقى؛ليستنجد بالحمدانيين الذين لم يلبثوا أن دخلوا بغداد،
وتقلدوا إمرة الأمراء سنة(330-331هـ/942- 943م)
ولكن"توزون"التركى يطردهم سنة(331هـ/ 943م)
ويتقلد هو أعباء هذا المنصب الخطير،ويا ليته أبقى على الخليفة،
لكنه لم يلبث أن قبض على الخليفة"المتقى"وفقأ عينيه وولى
"المستكفى بالله".


خلافة المستكفى
( 333 - 334هـ/ 945 - 946م )

ويضيق المستكفى ذرعًا بتوزون،ويستنجد ببنى بويه لوضع حد لهذه المنازعات
التى لم تنتهِ بين هؤلاء الأمراء للاستئثار بالسلطة،وتولى إمرة الأمراء،
وانتزاع النفوذ والسلطان من الخليفة الذى لم يعد له من الأمر شىء
سوى السلطة الدينية؛حيث يذكراسمه فى الخطبة،ونقشه على النقود،

والتسمى بأمير المؤمنين،كل ذلك ليحتفظ هؤلاء الأمراء بمراكزهم أمام الجمهور.

وانطوت صفحة من تاريخ الدولة العباسية،ومر هذا العصربطيئًا متثاقلا.
لقد ذهب زمن أولئك الخلفاء الأقوياء كأبى جعفروالهادى والرشيد والمأمون
والمعتصم، لقد كانوا مسيطرين على الدولة،مسيرين لشئونها.
ورحم الله أيامهم وعهدهم،لقد ذهبوا وتركوا نماذج هزيلة ضعيفة
لا تستطيع السيطرة على شئون الدولة،
بل إن منهم من لم يكن نفوذه يتعدى حدود العاصمة،
بل كان لا يملك حق التصرف حتى فى قصره.


يُتبع ،،،،

</b></i>
 
والأن نسلك منحنى أخر من عصور الدولة العباسية

العصر العباسى الثالث
عصر نفوذ البويهيين
(334 - 447هـ/ 946 - 1056م)

ها هى ذى الخلافة الإسلامية تزداد ضعفًا،فقد ظل الخليفة مجرد اسم فقط،
ولا يملك من أمر نفسه شيئًا،فقد استطاع البويهيون أن يتحكموا فى الخليفة،
ويسيطرون على الدولة،ويديرونها بأنفسهم،
ففى أيام"معز الدولة"جردوا الخليفة من اختصاصاته،
فلم يبقَ له وزير وإن كان له كاتب يدير أملاكه فحسب!!
وصارت الوزارة لمعزالدولة يستوزرلنفسه من يريد!!

أصل البويهيين
وكان من أهم أسباب ضعف الخلافة وغروب شمسها،
أن البويهيين(الديلم) كانوا من المغالين فى التشيع،
وهم يعتقدون أن العباسيين قد أخذوا الخلافة واغتصبوها من مستحقيها،
لذلك تمردوا على الخليفة،والخلافة بصفة عامة،
ولم يطيعوها ولم يقدروها قدرها.
وتطلع بنو بويه إلى السيطرة على العراق نفسها-مقر الخلافة-
إن أصلهم يرجع فيما يقال إلى ملوك ساسان الفارسيين الذين شُرِّدوا،
فاتخذوا من إقليم الديلم الواقع فى المنطقة الجبلية جنوبى بحر قزوين
ملجأ لهم ومقرّا.

وتزعَّم أبو شجاع بويه قبائلَ البويهيين-فى خلافة الراضى العباسى
سنة (322 - 329هـ)-،
والذى ينتهى نسبه إلى الملك الفارسى"يزد جرد"وقد أنجب ثلاثة من الذكور،
هم :عماد الدولة أبوالحسن علي،
وركن الدولة أبو على الحسن،
ومعزالدولة أبوالحسين أحمد.

قوة البويهيين
وكانت بداية الدولة البويهية باستيلاء عماد الدولة أبى الحسن علىِّ بن بويه
على أرجان وغيرها،وقد دخل عماد الدولة شيرازسنة 322هـ ،
وجعلها عاصمة لدولته الجديدة،كما دخل فارس،وأرسل إلى الخليفة
الراضى أنه على الطاعة.
واستولى معزالدولة أبو الحسين أحمد بن بويه سنة 326هـ على الأهواز،
(وهى الآن خوزستان)وكاتبه بعض قواد الدولة العباسية،
وزينوا له التوجه نحو بغداد،وفى سنة 334هـ/ 946م،
اتجه أحمد بن بويه نحو بغداد بقوة حربية،فلم تستطع حاميتها التركية مقاومته،
وفرت إلى الموصل، ودخل بغداد فافتتحها فى سهولة ويسر.
ولقب الخليفة المستكفى أبا الحسن أحمد بن بويه بمعز الدولة،
ولقّب أخاه عليّا عماد الدولة، ولَقب أخاه الحسن ركن الدولة،
وأمر أن تكتب ألقابهم على الدراهم والدنانير،ولكن أحمد بن بويه
لم يكتف بهذا اللقب الذى لا يزيد على كونه"أمير الأمراء".
وأصر على ذكر اسمه مع اسم الخليفة فى خطبة الجمعة،
وأن يُسَكّ اسمه على العملة مع الخليفة،ولقد بلغ"معز الدولة"مكانة عالية ؛
فكان الحاكم الفعلى في بغداد مع إبقائه على الخليفة،
غير أنه مالبث أن قبض عليه، وفقأ عينيه سنة 334هـ/ 946م. "


خلافة المطيع
(334-363هـ/946- 976م)
وأصبح المطيع هو الخليفة بعد المستكفى،وكان مطيعًا بحق،
وإن شئت فقل:كان اسمًا على مُسَمّى، جديرًا باسمه،
فلقد كان أداة طيعة في أيدى البويهيين،يأمرونه فيطيع،
ويحقق لهم كل ما يريدونه منه،ثم استولى"معز الدولة"على البصرة
336هـ/ 948م،كما استولى ركن الدولة على الرى 335هـ
وطبرستان وجرجان 336هـ/ 948م.
وقد بلغ البويهيون قوتهم أيام عضد الدولة بن بويه الذى تولى بعهد من أبيه
عماد الدولة الذى توفى سنة 336هـ/ 948م،
واتخذ لنفسه لقب"شاهنشاه"(أى ملك الملوك
لقد كان بنو بويه يكتفون بألقاب التبجيل والتفخيم مثل:"عماد الدولة"،
"وركن الدولة"،أما"عضد الدولة"فقد فاق أسلافه قوة وعظمة.
لقد تزوج من ابنة الخليفة الطائع،وكان ذا جبروت شديد ونفوذ واسع،
واستطاع"عضد الدولة"أن يضم إلى سلطانه مختلف الدويلات الصغيرة
المجاورة التى ظهرت على عهده فى فارس والعراق،
وفى عام 369هـ عمَّرعضد الدولة بغداد بعد خرابها من توالى الفتن،
وأعاد عمارتها وجدد أسواقها،وأجرى الأرزاق على الأئمة والخطباء والمؤذنين.
ورغم بقاء بَلاطه فى شيرازفإنه اهتم ببغداد،ولكنه اتخذ هو وخلفاؤه قصورًا
لهم فى العاصمة العباسية القديمة،وغدت هذه القصور تسمى"دار الخلافة".

إظهار المذهب الشيعى
وكان من الطبيعى أن يتعمد البويهيون-وهم من غلاة الشيعة-
إظهار مذهبهم ونشره بما ترتب على ذلك من معاداة لأهل السنة،
وتجاوز للحدود والحقوق.
ولقد أثار ذلك أهل السنة،ونشأ عن ذلك حدوث فتن كثيرة،
وكثيرًا ما كان الشيعة يثيرون أهل السنة بلعنهم الصحابة
-رضوان الله عليهم-،
وكتابة هذا على أبواب المساجد،ولم يكن هذا التطاول مقصورًا على بغداد
وحدها،بل تجاوزها إلى كل بلد حَلَّ بها البويهيون،
وفى كل بلد تخضع للشيعة،وقد وقعت فتنة بين أهل"أصبهان"و"قم"
بسبب سَبِّ أهل"قم"الصحابة -رضوان الله عليهم- مما جعل أهل أصبهان يثورون عليهم،ويقتلون منهم خلقًا كثيرًا،وينهبون أموال التجار؛مما أثِارغضب ركن الدولة "الحسن البويهي"،فراح يصادر أموال أهل أصبهان،وينتقم لأهل"قم"منهم،
وراحت نيران هذه الفتنة تشتعل فى كل مكان،فى الكرخ، وفى بغداد،
وفى البصرة، فقُتل فى ذلك خلق كثير.

هؤلاء هم البويهيون،وهذا هو مذهبهم،ومنذ دخلوا بغداد لم نجد لهم موقفًا
مشرفًا تجاه الروم،ففى عهدهم لم يحدث أن خرج جيش غاز كما كان يحدث
فى عهد مَنْ قبلهم،وشَنَّ الروم غارات كثيرة على الثغوروالشواطئ ولكن لا مدافع!! ولقد أدت هذه الغارات إلى تخريب المدن والمساجد وقتل الكثيرين من الرجال
والنساء والأطفال؛ بينما كانت الدولة البويهية فى سبات عميق.
وتحرك الفقهاء سنة 362هـ/ 973م،وراحوا يُحرِّضون عزالدولة بختيار
بن أحمد بن بويه على غزو الروم،وتحرك الجيش إلى بلاد الروم
لمواجهتهم،وقتل منهم عددًا كثيرًا،وبعث برءوسهم إلى بغداد،
وقد كان"عز الدولة بختيار"شريرًا فاسدًا،وكثرت فى عهده الفتن
والاضطرابات، وإراقة الدماء.
وهنا سكنت أنفس الناس،وكأنما كانت هذه المعركة ذرّا للرماد
فى أعين أهل السنة من المسلمين.

انتشار الأوبئة والفتن
لقد سكتوا على مضض بعدما رأوا بأعينهم نشاط الروم خلال سنوات
نفوذ البويهيين ببغداد والعراق يقابل بصمت رهيب،التزم به البويهيون
فى هذا الصراع وهم الذين يسيطرون على الدولة ويتحكمون فيها!
فى وقت ظهر فيه اللصوص ومارسوا السلب والنهب بصورة علنية،

بينما انتشرت الأوبئة، واشتد الغلاء،
فى الوقت الذى اهتم فيه البويهيون المنحرفون بالاحتفال بعيد الغدير
(غدير خم) الذى يزعمون أن الرسول-صلى الله عليه وسلم-عهد عنده
بالخلافة إلى على بن أبى طالب،وهو بدعة منكرة باطلة،

وكذلك دفعوا العوام للطم الخدود والنواح والعويل فى العاشرمن المحرم
حزنًا على استشهاد الحسين بن علىّ وهو ما لا يرضاه الشرع،
ولم تلبث الدولة البويهية أن أخذت فى الانهيار بسبب النزاع على السلطة
بين الأخوين"بهاء الدولة"،و"شرف الدولة"،
وامتد هذا النزاع إلى سائرأفراد الأسرة،
مما عجّل بالقضاء على البويهيين،
وساعد على ذلك مذهبهم الشيعى الذى بغضهم إلى أهل السنة من أهل بغداد.


وينتهى العصر العباسى الثالث هاهنا

يتبع إن شاء الله ،،،،

</b></i>
 
العصر العباسى الرابع
عصر نفوذ السلاجقة

(447 - 656هـ/ 1055 - 1258م)

فى عهد المقتدر(295-320هـ)أشرفت الدولة العباسية على الانحلال
والموت بظهورسلطان المستقلين فى أطراف الخلافة والثغور.
وبحسب القارئ أن يعدد هذه الدويلات التى أعلنت سلطانها فى أجزاء
الخلافة الإسلامية؛ليعلم ما وصلت إليه الحال من خلل وتفسخ وانحدار!
لقد قامت فى فارس دولة بنى بويه،
وبسط الإخشيديون سلطانهم على مصروسورية،
وأعلن الفاطميون سيادتهم فى إفريقية والمغرب،
وساد الأمويون فى إسبانيا،
واستقلّ بنو سامان فى خراسان وما وراء النهر،

والقرامطة بمنطقة البحرين وما حولها من ثغوروبلاد،
واستقرالديلم فى جُرجان وطبرستان،
وأعلن أحد أمراء العراق واسمه البريدى حكمه على البصرة وواسط.
وقامت دولة الحمدانيين فى الموصل ودياربنى ربيعة وقسم كبير
من أراضى العراق.

وكانت الدولة الإسلامية تغلى غليانًا فى جحيم الاضطرابات والدسائس!
كل منهم يحارب الآخر حربًا لا هوادة فيها،
ويحفرمقبرة الخلافة بهذا التفكك الذى أطمع البيزنطيين أن يعيدوا الكَرَّة
على بلاد الإسلام،فدخلوا كليكيا وسورية على يد القائد البيزنطى نقفور،
الذى اشتبك فى معارك دامية مع سيف الدولة على أبواب حلب مما سيأتى تفصيله.
وكانت البلاد تواجه خطرين:
خطر الانقسامات الداخلية،
وخطر هجمات الروم الخارجية.
ويشاء الله أن تتقد نيران هذه الاضطرابات،وقد عقمت الأرض عن أن تلد
منقذًا يقضى على هذه المطامع،وظلت الأمور بين أيدى خلفاء ضعاف أقصى
أمنياتهم من الحياة بعضهذه الأموال التى يدرها العمال عليهم؛لينعموا
مرفهين برغد الحياة.


أصل السلاجقة
من أولئك السلاجقة ؟
وكيف امتد نفوذهم حتى وصلوا إلى بغداد ؟
إنهم أتراك ينتسبون إلى جدهم سلجوق،
وينتمون إلى قبيلة تركية كبيرة تسمى"الُغزّ".
وقد نزلوا على نهر"سيحون"،واتصلوا بخدمة التركمان فى بلاد ما وراء النهر،
وراح جدهم"سلجوق"يتقدم فى خدمة ملك الترك حتى وصل إلى قيادة الجيش،
وكان بارع الحديث،كريمًا،فاستمال الناس إليه،وجمعهم مِن حوله،فانقادوا له
وأطاعوه.وخافت زوجة ملك الترك على زوجها منه،فأغرته بقتله،
وعرف"سلجوق"ما يدبِّر له فى الخفاء،
فجمع مَنْ حوله،وساربهم حتى مدينة"جَنَد"،وأقام هناك فى جوارالمسلمين ببلاد تركستان.ولما جاورسلجوق المسلمين،وتعرف على أخلاق الإسلام أعلن إسلامه
على مذهب أهل السنة،واعتنق الغُزُّالإسلام معه.
وعندئذ بدأ فى غزو"كفارالترك"،وكان ملكهم يأخد إتاوة من المسلمين فى
تلك الديار،فقطعها سلجوق وطرد نوابه.وكان لسلجوق من الأولاد أربعة هم:
أرسلان،وميكائيل،وموسى،ويونس.


انتصارات "طغرل"
ولقد أعد سلجوق أبناءه وأحفاده للغزو والفتح،فلقد استطاع أحد أحفاده وهو
"طغرل"أن يستولى على إقليم مرُو"خراسان"سنة 429هـ فى الشمال الشرقى
منفارس،ثم استولى على نيسابور432هـ،وعلى حَرَّان وطبرستان
عام 433هـ،وعلى خوارزم عام 434هـ، وأصبهان عام 438هـ/1047م.
واستمر"طغرل"يتقدم فى بلاد فارس والعراق،
وفى سنة 447هـ/ 1055م وقف طغرل على رأس جماعة من جنده الأتراك
أمام أبواب بغداد،كما وقف"بنو بويه"قبله،فسلمت له المدينة دون مقاومة،
واستقبل الخليفةُ طغرل زعيمَ السلاجقة كما استقبل أحمد أبا شجاع من قبل،
وراح الخليفة العباسى"القائم"يعترف بطغرل سلطانًا ويمنحه لقب
"ملك المشرق والمغرب".


نشر المذهب السنى
تدفقت القبائل التركية على العراق بعد انتصارطغرل،
ولقد سخَّرالسلاجقة مركزهم -إلى جانب الخلافة العباسية-لخدمة الإسلام،
فراحوا يعملون على توسيع سلطانه،ولم يكن هدفهم تقوية مركزالخليفة العباسي،
وإنما عمدوا إلى نشرالمذهب السنى الذى دانت به الخلافة العباسيَّة،
ومحاربة الشيعة الفاطميين،أملا فى إعادة وحدة الأمة ومواصلة نشرالإسلام
فى أرمينيا وآسيا الصغرى،ويحسب لهم أنهم احترموا منصب الخلافة،
وأجلُّوا الخلفاء واحترموهم،فلم يسيئوا إليهم،ولم يعتدوا عليهم كما كان
الأتراك فى العصور السابقة.


 
جيوش "ألب أرسلان"
وتولى"ألب أرسلان"ابن أخى طغرل القيادة العليا للجيوش السلجوقية

سنة456هـ/ 1063م،وجعل جيشه ثلاث شعب:
شعبة منه سارت إلىالشام،
وشعبة ثانية إلىبلاد العرب،
وكلتاهما تابعة للدولة الفاطمية الشيعية.
أما الشعبة الثالثة فقد كان هو رأسها واتجه بها نحو
"أرمينيا الصغرى"و"آسيا الصغرى"،
وهى"بلاد الروم"كما كان يسميها المؤرخون المسلمون.


موقعة ملاذكرد
واستولت الجيوش السلجوقية على"حلب"سنة 463هـ/ 1070م،
واستعادت"مكة"و"المدينة"بعد ذلك بقليل،بينما انتصر"ألب أرسلان"



على الإمبراطورالبيزنطى"رومانوس ديوجينيس"سنة 464هـ/ 1071م،
فى موقعة"ملاذكرد"فى الشمال الشرقى من بحيرة"فان"،وأباد معظم الجيش
البيزنطى حتى باتت آسيا الصغرى تحت سيطرته،فانتشرت جيوشه فيها إلى قرب"البسفور"و"الدردنيل"،ومن هذه الفتوح تأسست دولة سلاجقة الروم
فيما بعد.ويموت ألب أرسلان عام 465هـ/ 1072م مقتولا،
وقد قال وهو على فراش الموت:
"ما كنتُ قط فى وجه قصدتُه ولا عدّو أردتُه إلا توكلتُ على الله فى أمرى،
وطلبت منه نصرى،وأما فى هذه النوبة،فإنى أشرفت من تلّ عالٍ،فرأيت عسكرى
فى أجمل حال،فقلت أين من له قدرة مصارعتي،وقدرة معارضتي،وإنى أصل بهذا العسكر إلى آخرالصين،فخرجتْ علىَّ منيَّتى من الكمين".
وهكذا اتسعت رقعة الدولة السلجوقية عامًا بعد عام،وعلى الرغم من أن السلطة
الفعلية فى بغداد كانت لهم،فإنهم لم ينتقلوا من"أصفهان"إلى"بغداد"ويتخذوها
عاصمة لهم إلا سنة 484هـ/1091م،وكان ذلك فى عصرملكشاه السلجوقى.


نهضة علمية وعمرانية
وفى عهد ملكشاه بلغت الدولة السلجوقية أقصى عظمتها،فبنى ملكشاه المساجد،
وأنشأ الخانات(الفنادق)على طرق القوافل لنزول المسافرين،ومهد طرق الحجاج
إلى مكة،وزودها بالحراس.وأمر بتجميل بغداد وتنظيمها،وإقامة شبكة لتصريف
مياه الحمامات إلى غيرنهردجلة.وكان يساعده فى إدارة المملكة وزيره
"نظام الملك"،الذى ألف كتابًا فى"فن الحُكْم"يعرف باسم"سياسة نامة"،
وراح يشجع الشخصيات المشهورة فى العلوم والآداب،فتمتع"عمرالخيام"بعطفه،
وهو العالم الكبير،والشاعرالفارسى الشهير.وأنشأ المجامع العلمية فى بغداد،
وأشهرها المدرسة النظامية التى تم بناؤها سنة 460هـ/ 1067م.
وحسب هذه المدرسة التى أنشأها نظام الملك وزيرملكشاه السلجوقى
أن من تلاميذها السعدى مؤلف"بستان السعدى"،
وعماد الدين الأصفهانى،
وبهاء الدين بن شداد(الذى كتب سيرة صلاح الدين
وهما اللذان خدما صلاح الدين والدولة الأيوبية فى مصر،
وعبد الله بن تُومَرْت الذى أسس دولة الموحِّدين فى إفريقية والمغرب،
ومن أساتذتها أبو إسحاق الشيرازى مؤلف كتابى"المهذب"و"التنبيه"
فى الفقه الشافعى،والغزالى العالم المتصوف،وإذا كانت عظمة السلاجقة
قد استندت إلى ما قاموا به من أعمال،وإلى شخصية سلاطينها،فإن الدولة
قد أخذت فى التفكك بعد وفاة ملكشاه سنة 485هـ/ 1092م.

تفكك السلاجقة
ولم تظهر بعد ذلك من البيت السلجوقى شخصية قوية تملأ فراغ ملكشاه،
وراح أبناء البيت السلجوقى يقتسمون تلك المملكة الواسعة الأطراف،
ويستقل كل منهم بنصيبه منها.وفى ظل هذا التفكك ساد الضعف،
واضطربت الأحوال لكثرة الحروب الداخلية إلى أن زال نفوذها سنة

فقد حلت محلَ دولِة السلاجقة دولة"الأتابكة"بالعراق وفارس،
كما حلت دولة الأتراك العثمانيين محل سلاجقة الروم بآسيا الصغرى
سنة700هـ/1300م.
كلما ذكرنا"سلاجقة العراق وكردستان"الذين حكموا من سنة511هـ/ 1118م
إلى سنة 590هـ/ 1194م،لا يمكن أن ننسى السلاجقة العظام الذين كانوا
يحكمون فارس والأهوازوالرى وخراسان والجبل من
سنة(429-552هـ/1038-1060م) من أسرة خوارزم شاه.
كما أننا لا ننسى"سلاجقة الشام"الذين حكموا حلب ودمشق من سنة
(487-511هـ/1094-1108م)،وخلفهم البوريون والأرتقيون
(من الأتابكيين).وإلى جانب هؤلاء،"سلاجقة كرمان"الذين حكموا من سنة(433-583هـ/1042-1187م) وخلفهم التركمان الغز.
ويبقى سلاجقة الروم الذين حكموا آسيا الصغرى من سنة
(470-700هـ/1078- 1300م)وخلفهم المغول والأتراك وغيرهم
 
موقف السلاجقة من الإسلام
كان الفرق واضحًا بين معاملة البويهيين للخلفاء العباسيين ومعاملة السلاجقة لهم !
فعلى العكس من معاملة البويهيين للخلفاء العباسيين أظهرالسلاجقة الاحترام
الكامل،والأدب الجم،والمعاملة الحسنة الطيبة للخلفاء العباسيين،
وكانوا صورة للإنسان الفطرى الذى هذبه الإسلام،
وليس أدل على ذلك من قول"طُغْرُلْبِك"حين دخل على الخليفة"القائم"
سنة 449هـ/ 1057م:
"أنا خادم أميرالمؤمنين،ومتصرف على أمره ونهيه،ومتشرف بما أهّلنى له،
واستخدمنى فيه،ومن الله أستمد المعونة والتوفيق".وهنا ألبسه الخليفة"الخلع"
فما كان من"طغرلبك"إلا أن قَبَّل يد الخليفة أكثرمن مرة.وراح الخليفة يوصيه
بتقوى الله والعدل فى الرعية،وزادت أواصرالقربى بينهم،فقد تزوج الخليفة
"خديجة"ابنة أخى السلطان"طغرلبك"
بينما تزوج طغرلبك من ابنة الخليفة القائم سنة 454هـ/ 1062م.
وإذا كانت السلطة الفعلية قد أصبحت فى يد السلاجقة فإن الاحترام صاحبَ

هذه السلطة.وقد حاول الخلفاء استعادة سلطتهم الفعلية إلى جانب زعامتهم الروحية،فتمكنوا من ذلك أحيانًا،وساعد على ذلك اختلاف السلاجقة على أنفسهم
بعد وفاة ملكشاه سنة485هـ/1092م،وتعد أقوى هذه المحاولات محاولة الخليفة الناصرلدين الله،كما أن خلافته تعد أطول مدة فى تاريخ الخلفاء العباسيين.

السلاجقة والباطنية
من يُقلب صفحات التاريخ فى الدولة العباسية يجد أن هناك فروقًا كثيرة
ودعوات باطلة فاسدة،وأفكارًاغريبة وعقائد ضالة،كانت وراء الفتن والاضطراب والحروب فى المجتمع الإسلامى آنذاك.

وقد كانت"الباطنية"مصدرخطركبيرعلى الإسلام والمسلمين منذ أن وجدت،
فكانت بعقائدها الباطلة وفتنها الماكرة لونًا جديدًا من الأفكارالضالة للنيل من الإسلام والمسلمين،وذلك بالتستر وراء حب"آل البيت"،والعمل على إفساد عقيدة الإسلام وأركانه وشريعته.ومن يقرأ تاريخ الباطنية يتبين له أنها تضرب بجذورها إلى
"عبد الله بن سبأ"،وأنها تشمل خليطًا من أصول دعوات فاسدة تحتويها،منها:
القرامطة،
والدروز،
وإخوان الصفا،
والإسماعيلية،
وغيرها من مذاهب باطلة ظهرت فى تاريخنا الإسلامى.
وفى عهد ملكشاه وفى سنة 483هـ/1090م راح"الحسن بن الصباح"
يدعو الناس إلى التشيّع والزندقة،واستولى على قلعة"الموت"فى نواحى قزوين،
وزاد خطره،وكثرأتباعه،فأرسل إليه نظام الملك مَنْ يحاصرقلعته،ولكنه بعث
من قام باغتيال نظام الملك،وفك الحصار عن القلعة.
وتمرالسنون بعد وفاة ملكشاه،وتقع معارك مع الباطنية يقوم بها أبناؤه وأحفاده
من بعده،ينجحون فيها بفضل الله فى تقليم أظافرهم الشرسة،ولو تتبعنا اللقاءات
الحربية بين الباطنيةوالزنادقة وبين المسلمين لطال ذلك وامتد،ولكن الملاحظ
أن"الباطنية"لم يكتفوا بقتل القواد والعلماءوالقضاة فى بلاد فارس وما وراء النهر،
بل كانت منهم باطنية ببلاد الشام لعبوا الدورنفسه مع حكام المسلمين،وقادتهم
وفقهائهم وعلمائهم،فقتلوا منهم عددًا كبيرًا.
ويشهد الله،كم كانت الباطنية خِنْجرًا مسمومًا فى ظهرقادة الإسلام،
وزعماء المسلمين،وفقهائهم،وحسبهم تلك الأفكارالمنحرفة التى تدعوإلى:
نفى صفات الله،
وإبطال النبوة والعبادات،
وإنكار البعث،
وإبطال نسبة القرآن إلى الله،
وتأويل أصول الدين تأويلاً قاطعًا يخرج بالواحد منهم إلى الكفر،
وغير ذلك من الأفكار الضالة المضلة. 590هـ/1194م،وهكذا الأيام،تذهب دولة لتأتى أخرى.

</b></i>
 
انتصارات جنكيز خان

فكيف كان هذا الذى حدث؟
وما قصة خروج التتار إلى بلاد الإسلام والمسلمين؟
وكيف تهاوت الخلافة على أيديهم بهذه الصورة المهينة؟!
إن"ابن الأثير"المؤرخ الكبيرحين أراد أن يسجل تلك الأحداث فى كتابه
"الكامل"
تمنى أن يكون قد مات قبل أن يسمع عنها أو يراها،فيقول:
"لقد بقيت عدة سنين مُعْرِضًا عن ذكرهذه الحادثة استعظامًا بها،
كارهًا لذكرها،فأنا أقدم رِجْلا وأؤخرأخرى،
فمن الذى يسهل عليه أن يكتب نعى الإسلام والمسلمين،
ومن الذى يهون عليه ذكر ذلك،فيا ليت أمى لم تلدنى،
ويا ليتنى مت قبل هذا وكنت نسيًا منسيّا،
إلا أَنى حثنى جماعة من الأصدقاء على تسطيرها،وأنا متوقف،
ثم رأيت أنَّ ترك ذلك لا يجدى نفعًا،

فنقول:هذا الفعل يتضمن الحادثة العظمى والمصيبة الكبرى التى عقمت
الأيام والليالى عن مثلها،عمت الخلائق،وخصت المسلمين،
فلو قال قائل:إن العالم منذ خلق الله-سبحانه وتعالى-آدم إلى الآن
لم يُبتلَ بمثلها كان صادقًا،فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولا ما يدانيها".
وهكذا فعندما تمكن"جنكيز خان"من إخضاع القبائل المجاورة له فى دهاء واقتدار محطِّمًا خصومه مستوليًا على كل ما يملكون،مُدَعِّمًا جيشه بالمحاربين راح يتطلع إلى "إمبراطورية الصين"التى كانت شرقى بلاده.
واستطاع أن يستولى على معظم أجزاء"الإمبراطورية الصينية"المتداعية سنة
612هـ/1215م.
واجتمعت كل ملل الكفرمن الصليبيين والبوذيين والرافضة من أهل الشيعة.
لقد ظنوا فى هؤلاء الأشرارمن المغول والتتارالمعاول القادرة على هدم الإسلام وحضارته.


اجتماع الصليبيين والمغول
لقد كان الصليبيون يحتلون بلاد الشام،وكان المجاهدون المسلمون قد أنزلوا بهم فى عهد عماد الدين زنكى،ونورالدين محمود،وصلاح الدين الأيوبى هزائم ساحقة،
ولولا ضعف المسلمين بعد موت صلاح الدين لكانت نهاية الصليبيين بالشام قد تحققت.. ولكن الصليبيين ظلوا يعانون الضعف البالغ ويصمدون رغم ذلك فى مواجهة المسلمين حتى ظهرت قوة المغول،وتأكَّد عداؤهم للإسلام وما أنزلوه بأهله من هزائم ومصائب فى بلاد خراسان وفارسعلى أنقاض دولة السلاجقة هناك،فاجتمعت مصالح الفريقين الصليبيين والمغول فى عداء المسلمين وحربهم،وبدأت الاتصالات بينهم لتنسيق الجهود فى هذا الصراع.
وأعمل الصليبيون حيلهم الخبيثة،فعرضوا على التتارالنصرانية،فتنصَّرمنهم عدد كبير، وجعلوا يزوجونهم من النصرانيات الحاقدات على الإسلام وأهله،فاشتعل الحقد الصليبى والبوذى فى الهمجية الشرسة،وانطلقت جحافل التتارتدمرالخيرفى كل مكان.
وإذا كان ضعف الدول يغرى بالعدوان عليها،فإن"جنكيز خان"قررأن يتجه إلى "تركستان"،وراح يستولى على المدن والعواصم واحدة بعد أخرى حتى استولى
على جميع تلك البلاد،نذكرمنها "كاشغر"و"بلا سفون".
وراح يفكرمن جديد:إن"إمبراطورية الخطا"غربى بلاده تقع حائلا بينه وبين
"المملكة الخوارزمية"فما العمل؟
وكيف السبيل إلى مملكة خوارزم، ومن بعدها كل بلاد المسلمين؟
راح يستولى على أجزاء من"ملك الخطا"ويقترب بذلك من
"المملكة الخوارزمية المسلمة".
وكان لابد له من مهاجمتها بما لديه من قوة ساحقة ماحقة ليصنع ملكًا على أنقاض الحضارات وأشلاء الإنسانية،وهكذا كانت الأحلام تراوده!

 



مواجهة المسلمين للتتار
من هنا بدأت اللقاءات الدامية بين التتاروالمسلمين،فلقد أرسل"جنكيز خان"خطابًا
إلى السلطان"علاء الدين محمد خوارزم شاه"يتباهى فيه بقوته،ويحيطه علمًا بأنه فى الطريق إليه للاستيلاء على مملكته.وكان لابد من أن يبادر"خوارزم شاه"بالخروج لملاقاة التتارفى عقردارهم.ويصل"خوارزم شاه"إلى بيوتهم فلا يجد فيها إلا النساء والصبيان.
ويبعث بمن يأتيه بأخبارهم فيعلم أنهم خرجوا لمحاربة"ملك من ملوك الترك"،
وهزموه،وغنموا أمواله،وهاهم أولاء فى طريق العودة.
وعلى الطريق التقى الجيشان:جيش"جنكيز خان"،وجيش"خوارزم شاه"
واستمرالقتال ثلاثة أيام دون أن يحقق أحدهما نصرًا على الآخر،وقد قتل من المسلمين فى هذه الوقعة عشرون ألفًا،فعاد"جنكيز خان"إلى بلاده،وعاد"خوارزم شاه"هو الآخر إلى بلاده،وكلاهما ينتظراللقاء الحاسم،وأصدر"خوارزم شاه" أوامره إلى أهل"بخارى" و"سمرقند"بالاستعداد لحرب قادمة،وعليهم أن يجمعوا الذخائر،ويستعدوا لحصارقد يطول،وعاد هو إلى خراسان،ومرت خمسة أشهر،وفجأة خرج التتارإلى أهل بخارى مقاتلين محاصرين،ودارت بين الفريقين معركة شرسة استمرت ثلاثة أيام،
سقطت بعدها"بخارى"فى أيدى التتارأعداء الإسلام والمسلمين.


فظاعة التتار
وراح التتاريرتكبون جرائم يشيب لها الولدان،وراحوا يقتلون الفقهاء والعلماء،
ويسبون النساء،وينتهكون أعراضهن أمام أهليهن،وقد ثارلذلك كثيرمن المسلمين،
وكانوا يفضلون الموت على رؤية هذا الجرم الفاحش والسكوت عليه،
فكان كثيرمن المسلمين يقاتلون التتارحتى الموت،ومن كان يسكت على ذلك فإنه
رغم سكوته يمثل به ويعذب بأشد أنواع العذاب،ويلقى فى النار.
ومن الذين ثاروا لذلك الإمام الفقيه ركن الدين إمام زاده وولده،فإنهما لما رأيا
ما يفعل بالحرم قاتلا حتى قتلا،وكذلك فعل القاضى صدرالدين خان.
وأخذوا يشردون الأبرياء،ويهدمون المساجد والمدارس،ويحرقون كل المصاحف
التى وجدوها فى مساجد بخارى.
وأخذ التتاربعض الأسرى من"بخارى"وعلى رأسهم واليها من قبل خوارزم شاه
فى أقبح صورة إلى سمرقند،ومن لم يقدرعلى السيرمعهم قتلوه.
ولما وصلوا إلى"سمرقند"كانت هناك مفاجأة،لقد وجدوا عددًا كبيرًا من أهلها
ومعهم خمسون ألفا من الخوارزمية قد استعدوا لمواجهة التتار.
ولكن التتارعمدوا إلى المكروالخديعة،للتغلب على أهل سمرقند ومن معهم من الخوارزميين،لقد أظهروا الخوف منهم،وراحوا يتراجعون أمامهم،وراح المسلمون يتقدمون وراءهم ويتابعونهم،وهنا قام جيش التتاربمحاصرة المسلمين والقضاء عليهم وإبادتهم،فلم يسلم منهم أحد،واستشهدوا جميعًا،وكانوا سبعين ألفًا.
ولم يكتف التتاربهذا،بل تقدموا ودخلوا"سمرقند"،يقتلون من بقى من أهلها،وفعلوا بسمرقند ما فعلوه ببخارى من نهب وسلب،وقتل وسبى،وحرق للمساجد،
وهتك لأعراض المسلمات!وكان ذلك فى عام 617 هـ.


وفاة خوارزم شاه
ويصدر"جنكيز خان"قائد التتارأوامره إلى رجاله أن يأتوه برأس"خوارزم شاه"
فعبروا النهرالفاصل بين سمرقند وخراسان،ولكنهم لم يظفروا به،ولم يمكنهم الله منه،
فقد صعدت روحه إلى باريها ولقى ربه سنة 617هـ/1220م،بعد حياة حافلة بخدمة الإسلام والمسلمين،وكان ملكه ممتدّا من حدود العراق إلى تركستان إلى جانب"غزنة" وبعض بلاد الهند،وسجستان،وكِرمان،وطبرسان،وجرجان،وبلاد الجبل،وخراسان، وبعض فارس،والخطا.
لقد كان"خوارزم شاه"عالمًا فقيهًا،معظِّما لأهل الدين،مكرّمًا لهم،مقبلا عليهم،
كما كان يعمل للآخرة،فلم يركن إلى الدنيا ويغنمها،ولم يقبل على الشهوات أو



ينهمك فى الملذَّات.رحمه الله رحمة واسعة،وجزاه عن الإسلام خيرالجزاء.


زحف التتار
لم يتوقف"التتار"عند هذا الحد من العدوان على بلاد الإسلام والمسلمين،
بل واصلوا الزحف نحو"مازندان"فملكوها،وسقطت فى أيديهم"الرَّى"و"همذان"
وساروا إلى"أذربيجان"حتى وصلوا إلى"تبريز"،فلم يخرج إليهم صاحب"أذربيجان" لاشتغاله بملذاته وشهواته،وإنما أرسل إليهم الهدايا وصالحهم على مال وثياب ودواب، ففارقوه إلى بلاد"الكرج"وأوقعوا بهم الهزيمة.
وظل التتارينتقلون من بلد إلى آخريقتلون ويشردون،وما استعصى عليهم من المدن تركوه إلى حين.
وعاد التتارإلى"همذان"فقاومهم أهلها مقاومة باسلة جبارة،حتى فكروا فى العدول
عنها لكثرة ضحاياهم،لكنهم تماسكوا حتى غلبوا"أهل همذان"ولم يَنْجُ منهم إلا من
اتخذ له نفقًا فى الأرض،ومن"همذان"انتقل التتارإلى"أذربيجان"فاستولوا
على بعض مدنها،وصالحوا ما كان منها محصنًا.
وانتقل التتاربعد ذلك إلى"دربند شروان"،وفيها أمم كثيرة وطوائف لا حصرلها
من الترك،فقتلوا منهم الكثير،وبخاصة فى"بلاد القفجاق"أو(القفقاس)
التى اتخذ منهم الملك"الصالح نجم الدين أيوب"مماليكه البحرية وهم ملوك مصر
بعد الدولة الأيوبية،وهم"المعز أيبك"،و"المظفر قطز"و"المنصور قلاوون"وغيرهم.
وانتقل التتارمن"بلاد القفجاق"إلى بلاد الروس مما يجاورها فظفروا بها،ثم قصدوا
"بلاد بلغار"،فلما سمعوا بقدوم التتارإليهم،خرجوا وكمنوا لهم فى الطريق،وخرجت
إلى التتارمجموعة استدرجتهم حتى جاوزوا مواضع الكمين،فخرج عليهم الكمناء من الخلف،فأصبح التتارمحصورين،فقتلهم أهلها،وفرَّالتتارإلى ملكهم،ورجع من سلم منهم
إلى بلادهم.
ويعود التتاربعد غزوهم الوحشى إلى القلاع الحصينة التى كانت قد استعصت عليهم، ليفتحوها بعد قتل وأسروسبى ونهب وتدميروإحراق،ويتجهون إلى"خراسان"،
فأخذ أهلها يقاتلون ببسالة وشجاعة ليلا ونهارًا،حتى قتلوا من التتارخلقًا عظيمًا،
فاشتكى التتارإلى جنكيزمنعتها،فسارإليها بنفسه ومن معه،ولما عجزعنها أمربجمع أكبر قدر ممكن من الحطب،فكان يضع صنفًا من الحطب وصنفًا من التراب،حتى صارهذا الحطب بارتفاع القلعة، فدخلها التتاروفرّالمقاتلون المسلمون منها،فسبى التتارالنساء ونهبوا الأموال وانتهكوا الأعراض،واستولوا على"غزنة"وبلاد"الغور"،ويشاء الله أن يواجههم"جلال الدين بن خوارزم شاه"ومعه من سلم من عسكرأبيه فى"بلق"
وأن ينهزم التتاربعد معركة حامية،ويغنم المسلمون ما مع التتار،ولم يكن قليلا بل كان كثيرًا وعظيمًا.
والتقى التتارمع المسلمين ثانية عند"كابُل"وكان النصر للمسلمين،فغنموا من الغنائم ما غنموا،وفكوا أسراهم واستنقذوهم من أيدى أعدائهم الذين لارحمة فى قلوبهم ولا إنسانية.
وكان كل شىء يوحى بأن التتارمصيرهم إلى الانهيار،وأن المسلمين سوف يعلوأمرهم، ويعود لهم مجدهم من جديد،لكن فتنة الغنائم والأموال قضت على وحدة الصف،
وفرقت الشمل،فنجد أميرين من أمراء الخوارزمية يختلفان على الغنائم ويقتتلان،
وتمتد اليد الآثمة،فتقتل أخا الأمير"سيف الدين"،وهو ممن أبلوا بلاءً حسنًا فى حرب التتار،ويغضب"سيف الدين"لمقتل أخيه بعد أن هزم التتاروكاد يقضى عليهم،
ويفارق الجيش،ومعه ثلاثون ألفًا،سار بهم إلى الهند،ويحاول"جلال الدين بن خوارزم شاه"إنقاذ الموقف؛فذهب إلى سيف الدين،وذكره بالجهاد،وخوفه من الله،
وبكى بين يديه وقبلهما،لكن ذلك لم يؤثر فيه،ولم يجعله يتراجع.
ولما يئس"جلال الدين"وقل العدد معه،أخذ من معه من الجند وسارعوا نحوالهند، وحاولوا عبورالنهر،فلم يجدوا سفنًا،فأدركهم"جنكيز خان"،وقتل"جلال الدين"
ومن معه، ثم سار إلى خوارزم، فخربها ودمرها.
وهكذا يكون لشهوات النفس والثأرلغيرالله أثركبير فى ضياع ملك المسلمين
وتخريب ديارهم.
لقد تم بذلك لجنكيزخان مملكة عظيمة واسعة مترامية الأطراف تبتدئ شرقًا من بلاد الصين،وتنتهى غربًا إلى بلاد العراق وبحر الخزروبلاد الروس،وجنوبًا ببلاد الهند، وشمالا بالبحرالشمالى.
تم كل ذلك فى مدة قصيرة مما جعل المؤرخ"ابن الأثير"وقد عاصرتلك الأحداث،
يقول:"لقد جرى لهؤلاءالتتارما لم يسمع بمثله فى قديم الزمان وحديثه،طائفة تخرج
من حدود"الصين"،لاتنقضى عليهم سنة حتى يصل بعضهم إلى بلاد"أرمينية"
من هذه الناحية ويجاورواالعراقمن ناحية"همذان"!
وتالله لا شك أن من يجىء بعدنا-إذا بَعُد العهد-،ويرى هذه الحادثة مسطورة ينكرها، ويستبعدها،والحق بيده،فمن استبعد ذلك فلينظرأننا سطرنا نحن وكل من جمع التاريخ
فى أزماننا هذه،فى وقت كل من فيه يعلم هذه الحادثة،استوى فى معرفتها العالم
والجاهل لشهرتها".
فلما أحس جنكيزخان بقرب نهاية أجله راح يقسم مملكته بين أبنائه الأربعة
إلى أربعة أقسام،فقد أراد أن يملك أولاده الدنيا بأسرها،ولا يبقى فيها لغيرهم كلمة
ولا سلطان.
ولولا ما حصل بعده من الخلاف لتم كل ما توقعه،وفى سنة 624هـ/ 1227م
أدركته منيته،وكان ذلك فى عهد الخليفة العباسى المستنصربالله وهو
المنصور بن محمد الظاهر(623هـ-640هـ).
وظهر من آل جنكيزخان أربعة بيوت،ورثت الملك،وتممت الغزوالغاشم
حتى تهيأ لها أن تملك معظم بلاد المسلمين،وجزءًا كبيرًا من أوربا،وامتد سلطان "التتار"على الجزيرة والشام وبلاد الروم.
 
سقوط الخلافة العباسية
وقعت هذه الحوادث وخليفة بغداد لاهٍ،بينما التتاريسيرون فى بلاد المسلمين
قتلا وأسرًا وتخريبًا،ثم سارت جيوش هولاكو قاصدة بغداد فى عهد المستعصم.
ففى منتصف المحرم سنة 656هـ/ 1258م،نزل بنفسه على بغداد،وأعد عدة
الحصار،ولم يكن عند الخليفة ما يدفع به ذلك السيل الجارف،واكتفى بإقفال الأبواب، فجدَّ المغول فى القتال حتى ملكوا الأسوار بعد حصارلم يزد على عشرة أيام.

وبملك الأسوار تم لهم ملك البلد.
وهنا برزت صفحة دنيئة من الخيانة التى مثلها الوزيرالشيعى الرافضى محمد بن العلقمي،ذلك الذى كان يراسل التتار،ويرغبهم فى دخول بغداد،وكان يعمل جهده فى تقليل قوة المسلمين بتسريح جيشهم وإهمال شأنه حتى لم يعد قادرًا أن يقف ولو ظاهريّا أمام التتار،وكان هذا الوزيرأول من خرج لاستقبال هولاكو لما أحاط بالمدينة،
ثم عاد ينصح الخليفة بالخروج لاستقبال هولاكو،وأن يجعل للتتارنصف خراج العراق.
فخرج الخليفة ومعه العلماء والقضاة والفقهاء والأمراء،وحمل له الخليفة الذهب
والحلى والمصاغ والجواهر والأشياء النفيسة.
أشارابن العلقمى والرافضة على هولاكو ألا يقبل من الخليفة نصف الخراج،
بل أشارعلى هولاكو أن يقتله،وقد كان هولاكو رغم وثنيته وكفره يتهيب قتل خليفة المسلمين،لكن هذا الوزيرالشيعى الرافضى هون عليه أمرالخليفة فقتله،



وقتل كل العلماء والفقهاء،فعل ابن العلقمى كل ذلك طامعًا أن يزيل السنة.
ولم يبق آمنًا من هذه المذبحة الرهيبة غير اليهود والنصارى الذين عملوا أدلاء لجحافل التتارالكافرة،يدلونهم على من اختفى من علماء المسلمين أو تجارهم ليذهبوا إليهم فى مخابئهم فيذبحوهم،وكان هذا هو الجزاء الذى تلقاه المسلمون على تسامحهم العظيم
مع أهل الذمة من اليهود خاصة.
وبهذا القتل كسفت شمس الخلافة العباسية بعد أن مكثت مشرقة 524 سنة.
 
الوسوم
الخلافة العباسية دولة
عودة
أعلى