الخلافة الأموية من بدايتها الي سقوطها

املي بالله

نائبة المدير العام
دولة الخلافة الأموية

انتهى عهد الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم
أجمعين بمقتل على بن أبى طالب - رضى الله عنه -
وبدأ عهد جديد وهو عهد دول الخلافة

بعد مقتل على -رضى الله عنه- سنة 40هـ تهيأت الظروف للأمويين
لكى يبسطوا سلطانهم على الدولة الإسلامية.
حقّا إنهم ذَوُو حسب ونسب،فهم سلالة "أمية بن عبد شمس"
أحد سادات قريش وزعمائها قبل الإسلام.
وقد كان أبوسفيان بن حرب والد معاوية أحد أبناء هذا البيت الأموى
ومن أكبر سادات قريش،وإليه كانت قيادة قوافل التجارة،وإدارة شئون الحرب،
ولم يسلم إلاعند فتح مكة،وروى عن معاوية أنه أسلم يوم عمرة القضاء وكتم إسلامه حتى فَتْح مكة،وقد لقى أبوسفيان من الرسول-صلى الله عليه وسلم-معاملة كريمة


حيث أعلن عند فتح مكة أن
"من دخل دار أبى سفيان فهو آمن".
واستخدم الرسول- صلى الله عليه وسلم-معاوية كاتبًا له،
واستعان الخلفاء الراشدون بأبناء البيت الأموى، فكان يزيد بن أبى سفيان
أحد قادة الجيوش الأربعة التى بعث بها أبو بكر-رضى الله عنه- لفتح الشام
سنة 11هـ/633م.
وقد حارب يزيد وتحت إمرته أخوه معاوية فى عهد الخليفة عمرفلما توفى
يزيد سنة 18هـ/ 639م،استعمل الخليفة "عمر"معاوية بن أبى سفيان
على دمشق وعلى خراجها،ثم جمع له الشام كلها.

عام الجماعة
ولقد مهدت الأقدار لمعاوية بن أبى سفيان فى أن يخطو خطوات ثابتة لكى
يتولى منصب الخلافة،وبايعه الحسن بن على -رضى الله عنه-الذى كان قد خلف
أباه وصار معه ما يقرب من اثنين وأربعين ألفًا من الجند، لكنه لم يطمئن إلى ولاء العاملين معه.كان ذلك عام 41هـ/662م،وهوعام الجماعة الأول،
لأن معاوية نال فيه البيعة بالخلافة من جميع الأمصارالإسلامية،ويعتبر هذا العام
الميلاد الرسمى لقيام الدولة الأموية.
ولقد روى عن الحسن البصرى أنه قال:استقبل- والله- الحسنُ بن على معاويةَ
بن أبى سفيان بكتائب أمثال الجبال،فقال عمرو بن العاص:إنى لأرى كتائب
لا تتولى حتى يقتل أقرانها.فقال معاوية وكان والله خيرالرجلين إن قتل هؤلاء هؤلاء،وهؤلاء هؤلاء،من لى بأمور المسلمين،من لى بضعيفهم؟
من لى بنسائهم؟
وبعث معاوية إلى الحسن يطلب المصالحة وحقن دماء المسلمين،
وكان الحسن مهيأ لهذا الأمر النبيل،فما أعز دماء المسلمين عنده.
وتنازل الحسن عن الخلافة لمعاوية على أن تعود الخلافة بعده شورى بين المسلمين.
ولما قدم الحسن الكوفة قابله سيل من التعنيف واللوم لتنازله عن الخلافة،لكنه كان بارًا راشدّا لا يجد فى صدره من هذا الأمرحرجًا أو ندمًا،
قال له رجل اسمه عامر:السلام عليك يا مذل المؤمنين.
قال:لا تقل هذا يا عامر،لست بمذل المؤمنين،
ولكنى كرهت أن أقتلهم على الملْك.

وتحققت نبوءة النبى-صلى الله عليه وسلم-فى الحسن يوم قال:
"إن ابنى هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين".
[أحمد والبخارى وأبو داود، والترمذى والنسائى].


خلافة معاوية بن أبى سفيان
(41 - 60 هـ/ 661- 679م )

عندما أصبح معاوية خليفة للمسلمين،كانت الدولة الإسلامية تقوم على
شبه الجزيرة العربية،
والشام،
والعراق،
ومصر،
وبلاد الجزيرة،
وخراسان.
أما الجهات التى وصلت إليها الجيوش الإسلامية فيما وراء تلك البلاد فإنها كانت
تفتقر إلى الاستقرار.وكان للفتنة التى حدثت فى عهد عثمان،وما أعقبها من صراع
بين على ومعاوية أثرهما فى توقف حركة الفتوحات الكبرى،ومتابعة الجهاد فى سبيل حماية الإسلام، وأداء رسالته، واستكمال بناء الدولة الإسلامية.
فلابد أن تعود المياه إلى مجاريها،ولابد أن تعود الفتوحات الإسلامية كما كانت،
بل وأكثر مما كانت.
لقد أصبحت"دمشق"عاصمة الخلافة،ومنها تنطلق الجيوش باسم الله.
وعمل معاوية منذ توليه الخلافة على تجهيزالجيوش بشن حرب شاملة ضد "الإمبراطورية البيزنطية"،وهى"إمبراطورية الروم".
لقد كانت مركز القوة الرئيسية المعادية للدولة الإسلامية،وطالما حاولت فى لحظات الخلاف والفتنة أن تسترد الشام ومصر،أغلى أقاليم "الإمبراطورية الرومانية"
قبل فتح العرب لهما.

إن أراضى آسيا الصغرى التابعة لتلك الإمبراطورية تتاخم الجهات الشمالية
من بلاد الشام والعراق،وتنطلق منها الجيوش الرومية لتخريب هذين الإقليمين
العربيين !
فلماذا لا يحاول معاوية القضاء على ذلك العدو اللدود؟
لماذا لا يستولى على القسطنطينية نفسها عاصمة تلك الإمبراطورية ؟

أعد معاوية الحملة الأولى،وزودها بالعَدد والعُدد،وجعل على رأسها ابنه وولى عهده يزيد،ولم يتخلف صحابة رسول الله-صلى الله عليه وسلم-عن الجهاد فى سبيل الله، فانضموا إلى هذه الحملة متمثلين أمام أعينهم،قول الرسول-صلى الله عليه وسلم-
"لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش"
[أحمد والحاكم]،
آملين أن يتحقق فيهم قول الرسول-صلى الله عليه وسلم-.
"أول جيش يغزون مدينة قيصر مغفور لهم"
[البخارى].
ولقد اشترك فى هذه الحملة أبو أيوب الأنصارى الذى نزل النبى-صلى الله عليه وسلم-فى بيته عند الهجرة.ولم يستطع المسلمون فتح المدينة هذه المرة،
ولكن حسبهم أنهم أول جيش يغزو القسطنطينية.
ولقد سعد معاوية باشتراك الصحابة فى هذه الغزوة،فهم خير وبركة،فبهم تعلو راية المجاهدين.واتجهت هذه الجيوش إلى القسطنطينية حتى فتحوا بلادًا عديدة فى آسيا الصغرى وضَربوا الحصار على العاصمة الحصينة.وعزز معاوية هذه الغزوة
بأسطول سار تحت قيادة فضالة بن عبيد الأنصارى،وسار هذا الأسطول إلى مياه العاصمة البيزنطية.
وأثناء الحصار،مرض"أبو أيوب الأنصارى"ولم يلبث أن توفى،ودفن جثمانه قرب أسوار القسطنطينية،وأظهر الجنود المسلمون ضروبًا من الشجاعة أذهلت الروم،
ثم انسحبت الجيوش الإسلامية بعد ذلك تأهبًا لكرّة أخرى من الجهاد..
 
رد: الخلافة الأموية


حرب السنوات السبع
بعث معاوية حملة ثانية ضد القسطنطينية؛إنه يدرك خطر البيزنطيين،
ويعمل جاهدًا على تدمير قوتهم.
لقد دام الحصار للقسطنطينية سبع سنوات(54-60هـ/674-680م)،
وكان التعاون قائمًا بين القوات البحرية والأسطول الإسلامى،
فقد اتخذ الأسطول مقرّا له فى جزيرة "أرواد" قرب مياه القسطنطينية،
وبمطلع الربيع،تم إحكام الحصار،فانتقلت القوات البرية لإلقاء الحصارعلى أسوار العاصمة،على حين تولت سفن الأسطول حصارالأسوارالبحرية.
وباقتراب فصل الشتاء نقل الأسطول قوات المسلمين إلى جزيرة "أرواد"
حماية لها من برد تلك الجهات القارص،ثم عاد فنقلها لمتابعة الحصاربمطلع الربيع.
ولم تستطع هذه " الحملة الثانية" اقتحام القسطنطينية بسبب مناعة أسوارها،
وما كان يطلقه البيزنطيون على سفن الأسطول الإسلامى من نيران،
فانتهى الأمر بعقد صلح بين المسلمين والبيزنطيين مدته ثلاثون عامًا،
عام 56هـ/ 676م.
وبرغم عجز هاتين الحملتين عن الاستيلاء على القسطنطينية فإنهما حققتا أهدافًا
واسعة،فلقد تخلى أباطرة الروم عن مشاريعهم وأحلامهم القديمة فى استعادة مصر والشام،وغيرهما من الأراضى التى كانت تابعة لهم من قبل،وعلموا أن جيوش الإسلام باتت قوية،وراحت تدق أبواب عاصمتهم بعنف.
لقد زلزلت القوات الإسلامية إمبراطوريتهم نفسها،وشلت نشاط القوات البيزنطية، وقلمت أظفارها،مما أتاح للأمويين بسط رقعة الدولة شرقًا وغربًا.

الجهاد فى الميدان الشرقى
فإذا انتقلنا من الشام إلى الميدان الشرقى نجد أن الفتوحات التى توقفت أواخر
خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان-رضى الله عنه- قد استأنفها الأمويون،
فعندما تولى معاوية الحكم بعث الجيوش لنشرالإسلام فى مواطن جديدة سكنها
الأتراك فى بلاد ما وراء النهر،وإلى بلاد الهند التى كانت موطن حضارة
من أقدم الحضارات فى جنوب شرق آسيا.
وفى بلاد الشرق،حيث كان زياد بن أبيه واليًا على تلك البلاد من قِبَل معاوية بن
أبى سفيان،غزا المسلمون أفغانستان فسقطت"كابول"فى أيديهم سنة 664م،
وعبروا نهرجيحون،واستولوا على بخارى سنة 674م،ثم على سمرقند سنة 676م،
ثم واصلوا زحفهم حتى نهرسيحون،وذلك على يد قادة من شباب الإسلام
مثل محمد بن القاسم الثقفى وقتيبة بن مسلم الباهلى وغيرهما.

الجهاد فى الميدان الغربى
وانطلقت الفتوحات الأموية منذ ولى معاوية بن أبى سفيان نحو الميدان الغربى
فى البلاد التى تلاصق مصرمن جهة الغرب،وتمتد من"برقة"إلى المحيط الأطلسى، وكانت معروفة عند العرب باسم بلاد المغرب،وكان يسكنها أناس عرفوا باسم البربر، وهم ينتمون فى أصلهم إلى العنصرالليبى القديم الذى يرتبط مع الأصول
التى ينتمى إليها المصريون القدماء.

وكان هؤلاء البربر ينقسمون بحسب مسكنهم إلى قسمين:
حضر يزرعون الأرض ويعيشون مستقرين قرب الساحل،وعلى سفوح
الجبال الخصبة، واشتهروا باسم"البرانس".
وبدو يرعون قطعانهم من الماشية فى الصحاري، وعرفوا باسم
"البتر".

عقبة فى بلاد المغرب
وأسند الخليفة معاوية بن أبى سفيان فتح تلك البلاد وإفريقية سنة 50هـ
إلى"عقبة بن نافع الفهرى"،الذى كان مقيمًا ببرقة منذ أن فتحها عمرو بن العاص
أثناء ولايته الأولى على مصر،فكان عقبة من أكثر الناس خبرة ودراية بأحوال
هذه البلاد،وعهد إليه معاوية بقيادة بعض السرايا الحربية التى توغلت فى شمال إفريقية، ورأى عقبة أن أفضل الطرق لفتح بلاد المغرب يقتضى إنشاء قاعدة للجيوش العربية

فى المنطقة التى عرفها العرب باسم إفريقية، وهى جمهورية تونس الحالية.

واستطاع عقبة تنفيذ مشروعه حين انطلق بجيوشه إلى إفريقية واستولى عليها،
لقد اختار موقعًا يلتقى عنده"البرانس"و"البتر"وأقام عليه قاعدته التى سماها
"القيروان"،
وشرح عقبة أهدافه من تأسيس القيروان قائلا لجنوده:
وأرى لكم يا معشر المسلمين أن تتخذوا بها(أى بأفريقية)مدينة نجعل فيها
عسكرًا،وتكون عزالإسلام إلى أبد الدهر.
وكان عقبة بن نافع صادق الإيمان،فيروى أنه لما بدأ فى بناء القيروان،
وكان مكانها مكان ملتف بالشجرتأوى إليها السباع والوحوش والحيات العظام،
فدعا الله تعالى فلم يبق فيها شىء من ذلك،حتى إن السباع صارت تخرج منها
تحمل أولادها،والحيات يخرجن هاربة من أحجارهن،ولما رأى البربر
ذلك أسلم منهم عدد كبير.


الأحوال الداخلية للدولة

1- دمشق العاصمة الجديدة
كان على-رضى الله عنه- قد اتخذ من"الكوفة"مركزًا للخلافة،
فاتخذ معاوية بن أبى سفيان مدينة"دمشق"لتكون مقرّّا لخلافته ولآل بيته من بعده.
وكانت هذه الخطوة تعنى أن مقرالخلافة أصبح محصنًا بقوة مادية وبشرية كبيرة، وشجعه على ذلك أن أهل الشام برهنوا له عن ولائهم للبيت الأموى،
ووقفوا إلى جانب معاوية خلال تلك الفترة التى قامت فيها الفتنة.
وكان معاوية قد راح يدعم علاقته بالقبائل الكبيرة منذ ولايته على الشام،
فصاهرأقواها وأعزها،وأكثرها نفرًا،وهى قبائل كلب اليمانية،
فكانت زوجته ميسون من بنى بحدل من قبيلة كلب،
وأنجب منها ابنه يزيد الذى صار ولى عهد الدولة الأموية.

أما عن موقع مدينة دمشق عاصمة الخلافة الجديدة،فقد كان موقعًا فريدًا،
فهى تقع على حافة بادية البلقاء،فى واحة الغوطة الخصيبة،ويغذيها نهر بردى،
وتحيط بها جبال شاهقة من جميع نواحيها وهى إلى جانب هذا كله متجرًا
للقوافل التجارية المعروفة باسم"رحلات الصيف".
وها هى ذى قد أصبحت بعد الفتح الإسلامى معسكرًا للجيوش الإسلامية،
وقاعدة تباشر منها مهامها الحربية،وتستطيع مراقبة العدو الأول للدولة الإسلامية،
وهو إمبراطورية الروم.

2- الوراثة فى الحكم
وكانت السمة الثانية التى ميزت الدولة الأموية:
تطبيق مبدأ الوراثة فى الحكم،
لقد تخلى معاوية عن القواعد التى جرى عليها انتخاب الخلفاء الراشدين من قبله،
معتقدًا أن المجتمع الإسلامى بعد هذه السنين قد تطور،وأن قوى جديدة فيه قد ظهرت تريد أن تبحث لها عن دور،وأن القبائل الكبرى التى قامت بالدورالبارزفى حركة
الفتوح وقيادة الجيوش لم تعد تقبل بسهولة أن تنقاد لمن لا ترى مصالحها عنده،
وتضمن نفوذها لديه،وأن الأمصاروالولايات الجديدة قد أصبحت حريصة على جعل جهاز الحكم فيها،أو قريبًا منها،مما يهدد الدولة الإسلامية بالتنازع والحروب الداخلية فرأى أن يستخلف ولده يزيد إذ تؤيده قوة أهل الشام وتحميه قوة قبيلة كلب التى منها
أمه وأخواله..

وبالرغم من العقبات التى اعترضت معاوية فإنه استطاع الحصول على البيعة
لابنه يزيد سنة 56هـ/676م،وبهذا تم تحويل الخلافة إلى سلطة مبدأ التوريث.
وصار معاوية بذلك مؤسس الدولة الأموية،
وأول من طبق الوراثة فى الخلافة الإسلامية.

منجزات معاوية
أما عن عهد معاوية فقد كان حافلا بالإنجازات،
فقد أعاد حبات العقد التى انفرطت فنظمها من جديد،وبعث الجيوش شرقًا وغربًا، وقضى على الفتنة،وأتاح للراية الإسلامية أن تواصل تقدمها فى كل اتجاه،
ولقن أعداء الأمة دروسًا لا تنسى!
ولقد تحقق له ما أراد،فأقام دولة لبنى أمية وَوَرَّثَ ابنه يزيد الخلافة من بعده،
ثم أجاب داعى الله بعد حياة حافلة،وقد قال فيه رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: "اللهم اجعله هاديًا مهديّا واهدِِ به"
[أحمد والترمذى].
وقد لقى معاوية ربه، فى رجب سنة 60هـ/680م.

يُتيع وخلافة يزيد بن معاوية،،

</b></i>


 
رد: الخلافة الأموية

خلافة يزيد بن معاوية
(60 - 64 هـ/ 679- 683م )

بويع له فى حياة أبيه ليكون وليّا للعهد من بعده،
ثم أكد البيعة لنفسه بعد موت والده فى النصف الثانى من رجب سنة ستين،
واستمر فى منصبه إلى أن توفى سنة أربع وستين!
وقد واجهته المشاكل والعقبات عقب تسلمه الحكم،
فقد قامت ضده ثلاث ثورات،ترجع دوافعها إلى تقرير
"مبدأ الوراثة"
فى بنى أمية.

الفتنة
ما كاد يزيد يتسلم زمام الحكم حتى واجه نفرًا من المسلمين يمتنعون عن مبايعته،
ثم ما لبثت معارضتهم لبيعته أن تحولت إلى ثورة مسلحة.
وكان يزيد قد طلب من أميرالمدينة المنورةالوليد بن عتبة بن أبى سفيان الحصول
على البيعة من الحسين بن على،وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير،لكن الحسن
وابن الزبيررفضا،وخرجا من المدينة إلى مكة،وتوقف ابن عمرفقال:
إن بايع الناس بايعت.فلما بايع الناس بايعه ابن عمر،وتعقَّد الموقف فى الحجاز.

وعلم أهل العراق برفض الحسين مبايعة يزيد وتوجهه إلى مكة،
فوجدوا الفرصة سانحة للتخلص من الأمويين وإعادة الدولة كما كانت فى عهد على؛ ليتولى أمرهم الحسين بن على،فهو أحب إليهم من يزيد بن معاوية!
وبقاء الحكم فى العراق أحب إليهم من بقائه فى الشام.
فأرسلوا رسلهم إلى الحسين،ليحرضوه على المطالبة بالخلافة،ويطلبوا منه المسير
إلى الكوفة، فبعث الحسينُ ابنَ عمِِّه"مسلم بن عقيل بن أبى طالب"إلى الكوفة
ليتبين الموقف؛وليمهد له الأمر،حتى إذا رأى إجماع الناس على بيعته أسرع بإحاطته علمًا بذلك.وعندما أقبل "مسلم بن عقيل"على الكوفة رأى من أهلها إقبالا ورغبة
فى مبايعة الحسين، فبعث إليه على الفور يستعجل قدومه.
لكن الأمويين كانوا قد أحيطوا علمًا بما يدور فى الكوفة فأرسلوا على الفور
عبيد الله بن زياد واليًا عليها ليحفظ الأمن والنظام،وليضبط الأمرعلى النهج الذى
اتبعه والده زياد من قبل أيام الخليفة معاوية بن أبى سفيان.
استطاع عبيد الله أن يُحكم سيطرته على البلاد،ويقتل قادة الدعوة إلى الحسين،
ومن بينهم"مسلم بن عقيل"ويخرس الألسنة التى تنادى بالحسين خليفة.
وتحرك ركب الحسين إلى الكوفة فى هذا الجو المتأزم الملبد بالغيوم،
فنصحه كبار الصحابة وكبار شيعته مثل أخوه:
محمد بن الحنفية، وعبد الرحمن بن الحارث المخزومى، وعبد الله بن عباس،
ليصرف النظر عن الذهاب إلى العراق،وعدم الاطمئنان لما نقل إليه من موافقة
أهلها على مبايعته،غير أن الحسين -رضى الله عنه- لم يستمع لنصح الناصحين.

حادث كربلاء
خرج-رضى الله عنه- فى جماعة من شيعته لا يزيدون عن ثمانين رجلا،
ومعه نساؤه وأطفاله قاصدًا الكوفة دون أن يعلم بما حدث!
فلما بلغه ما حدث لم يتراجع،بل واصل المسير وكانت القوات الأموية فى انتظاره،
ولم يكن اللقاء متكافئًا.
وفى "كربلاء" التحم الفريقان،فسالت الدماء وسقط الحسين شهيدًا بالقرب من
الكوفة يوم عاشوراء فى العاشر من المحرم سنة61هـ/681م،
وتخلص يزيد من أحد منافسيه الأقوياء،وبقى عبد الله بن الزبير.

مواجهة عبدالله بن الزبير
ذهب عبدالله إلى مكة محتميًا بها،وسمى نفسه العائذ بالبيت.
فلما بلغه استشهاد الحسين أخد البيعة لنفسه من أصحابه فى وجود والى مكة
الأموي"عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق"الذى كان فى استطاعته
أن يتغلب على ابن الزبير، لكنه كان يرفق به.
فماذا يفعل يزيد، وقد لجأ ابن الزبيرإلى الحمى ؟!

ولى على الحجازالوليد بن عتبة بن أبى سفيان الذى اشتد على"ابن الزبير"
فلم يجد ابن الزبيربدّا من اللجوء إلى حيلة معقولة؛لكى يتخلص من الوليد.
وهداه تفكيره إلى أن يطلب إلى يزيد تغييرهذا الوالى حتى يتسنى له أن يفكرفى مصالحته.
وسرعان ما استجاب يزيد،فعزل الوليد وعين مكانه"عثمان ابن محمد بن أبى سفيان".
وقد نجحت حيلة ابن الزبير، فعثمان كان شابّا صغيرًا لم تصقله التجارب،
ولا خبرة له بسياسة الناس وقيادتهم،فأساء من حيث أراد الإصلاح.

لقد أرسل وفدًا من أشراف أهل المدينة إلى دمشق؛لكى يرى الخليفة بنفسه مدى
طاعتهم وولائهم،وأحسن يزيد وفادتهم،وأغدق عليهم،ومنحهم العطايا ليستميل قلوبهم، وليكونوا خير دعاة له إذا رجعوا إلى أهليهم وذويهم،فمن رأى ليس كمن سمع،
ولكنهم بعد أن رأوا فى عاصمة الخلافة الجديدة مظاهرالبذخ والإسراف،
وسمعوا مالا يتفق مع تقاليد الخلفاء الراشدين من مظاهرالترف،عادوا وهم يعلنون
بين أهليهم وذويهم أنهم قد خلعوا طاعة يزيد،ثم بايعوا عبد الله بن حنظلة بن أبى عامر"ابن غسيل الملائكة" وتوجهوا بعد ذلك إلى والى يزيد على المدينة فأخرجوه منها، وحاصروا دار مروان بن الحكم بالمدينة تعبيرًا عن سخطهم ورفضهم لبنى أمية.
واستغاث مروان بن الحكم بيزيد، وتأزم الموقف من جديد،فقد أعد يزيد جيشًا ضخمًا
من جند الشام، وأسند قيادته إلى مسلم ابن عقبة،ليحمى بنى أمية بالمدينة،وليخضع الثائرين عليه.
وعلم أهل المدينة بمقدم الجيش فلم يجدوا بدّا من إخراج بنى أمية إلى الشام بعد أن يأخذوا عليهم العهود والمواثيق ألا يساعدوا عليهم أحدًا.
وخرج بنو أمية مطرودين من المدينة،لكنهم تقابلوا مع جيش مسلم بن عقبة،
فطلب منهم أن يشيروا عليه بما ينبغى أن يفعله،فأرشده عبد الملك بن مروان إلى
كيفية الزحف على المدينة،والدخول إليها،وزحف مسلم كما أشارعليه عبد الملك،
ونفذ الخطة فوصل إلى الحرة شمالى شرق المدينة،وهى أرض صخرية بركانية،



فخرج إليه أهل المدينة بقيادة عبد الله بن حنظلة،والتحموا مع جند الخليفة فى معركة شديدة انتهت بهزيمة أهل المدينة،وقتل عدد كبير من بنى هاشم وقريش والأنصار.
وفى جو الهزيمة هذا دعا مسلم الناس للبيعة؛محذرًا من عاقبة المخالفة بعد أن رأوا بأعينهم ما حل بغيرهم.

فبعد أن انتهى مسلم من إجبار الناس على البيعة،سار بمن معه من الجند إلى البيت الحرام بمكة؛حيث يعتصم ابن الزبير،لكن القدر لم يمهله،فتوفاه الله قبل أن يصل
إلى مكة.
ويتولى على الفور قيادة الجيش الأموى الزاحف على مكة للقاء عبد الله بن الزبير:"الحصين بن نمير السكوني"،ويواصل مسيرته إلى مكة المكرمة،
ويشتد على الثائرين،ولا يمنعه شىء مما يحتمون به،ويستمرالحصارشهرين،
وابن الزبير متحصن بالبيت الحرام،وتأتى الأنباء بوفاة الخليفة يزيد،
فيتوقف القتال،ويرفع الحصار،ويعود الجيش الأموى إلى الشام،ويخرج ابن الزبير
على الناس فتذعن جزيرة العرب كلها له،ويبايعه كثيرمن أنصارالدولة الأموية
وسط العواصف خليفة للمسلمين.

الفتوحات الإسلامية فى عهد يزيد
وبالرغم من الصراعات الشديدة التى حدثت فى عهد يزيد،
فإن الفتوحات الإسلامية لم تتوقف،واستمرت فى العديد من الجهات،
فهناك فى الشرق واصلت الجيوش الإسلامية فتوحاتها فى خراسان وسجستان
تحت قيادة مسلم بن زياد،فغزا سمرقند وحُجَنْدة،
أما هناك فى الغرب فقد أعاد يزيد بن معاوية،عقبة بن نافع واليًا على إفريقية،
وكان معاوية قد عزله عنها،فواصل عقبة بن نافع فتوحاته بحماس منقطع النظير وقال:إنى قد بعت نفسى لله-عز وجل-، فلا أزال أجاهد من كفر بالله.
ففتح مدينة"باغاية"فى أقصى إفريقية،وهى مدينة بالمغرب،وهزم الروم والبربر
مرات عديدة،ثم واصل المسير إلى بلاد الزاب،فافتتح مدينة"أَرَبَة"وافتتح"تَاهَرْت" و"طَنْجة"و"السُّوس الأدنى"،ثم صار إلى بلاد السوس الأقصى،واستمر فى
فتوحاته حتى بلغ"مليان"،حتى رأى البحرالمحيط (المحيط الأطلنطى)

فوقف عليه وقال مقالته التى حفظها له التاريخ:
يا رب لولا هذا البحر لمضيت فى البلاد مجاهدًا فى سبيلك.
ثم عاد راجعًا إلى القيروان


 
رد: الخلافة الأموية

خلافة مروان بن الحكم
(64 - 65 هـ/ 683- 684م )

نحن الآن فى عام 64هـ/684م،
وما زال الطريق طويلا أمام الدولة الأموية التى دبت فيها الروح ثانية؛
لتواصل المسيرة حتى سنة 132هـ/750م،
فكيف واجهت الأعاصير والأنواء؟!
وكيف أعادت بسط سلطان الدولة الأموية من جديد على الأقاليم
التى أعلنت البيعة لابن الزبير.
والعجيب أن عرب الشام انقسموا إلى فريقين بعد أن اجتمعت بنوأمية
على مروان بن الحكم!
فالعرب اليمانية راحوا وحدهم يؤيدون مروان،
أما العرب القيسية،وعلى رأسهم الضحاك بن قيس،
فقد راحوا يؤيدون عبدالله بن الزبير.
وهنا يتجلى دورمروان بن الحكم؛لقد جمع أنصاره،وسار أولا إلى الضحاك،
واقتتل الفريقان بـ"مرج راهط"بغوطة دمشق وكان ذلك فى المحرم سنة 65هـ، وانتصرمروان بن الحكم،ودخل دمشق بعد أن قضى على الفتنة،ونزل بدار
معاوية بن أبى سفيان، وبايعه الناس بالخلافة.

مصر فى حوزة الأمويين
وبعد أن استقرت الأمور فى دمشق توجه مروان إلى مصر
على رأس جيش قوى،ودخلها سنة 65هـ/685م
وكان عليها عبد الرحمن بن جحدم القرشى عاملا لابن الزبير،
وولى ابنه عبدالعزيز بن مروان على مصر،وأمده بموسى بن نصير؛
ليكون وزيرًا له ومشيرًا.وعادت مصر للأمويين مرة أخرى بعد انفصال
دام تسعة أشهر تحت قيادة أنصارابن الزبير.وبقى الحجازوالعراق فى يد
ابن الزبير بعد أن دانت الشام ومصر للأمويين.

لقد كانت مصرعلى اتصال بالحجازفى عهد عبدالله بن الزبير،
تمده بما يحتاج إليه من الغلال،فلما خضعت ثانية للأمويين حرم الحجاز
مما كانت مصر تمده به،وتأثر موقف ابن الزبيرفى الحجازبهذا الوضع الاقتصادى،
وفى هذا الوقت كان مروان بن الحكم يعمل على تنفيذ خطوات محسوبة بدقة وإحكام، لقد أعد جيشين:
أحدهما إلى الحجازللقضاء على عبد الله بن الزبير،
أما الجيش الآخر فقد سيره إلى العراق للقضاء على مصعب بن الزبير
شقيق عبد الله وواليه هناك.ويشاء الله أن تحل الهزيمة بجيش الحجاز،
وألا يقوم جيش العراق بشىء يذكرفى حياة مروان الذى عاجلته المنية سنة 65هـ



بعد أن عهد بالخلافة لابنيْه عبد الملك، ثم عبد العزيز.


خلافة عبد الملك بن مروان
(65 - 86 هـ/ 684- 705م )

كان الأمويون عندما عقدوا"مؤتمر الجابية"لمبايعة مرْوان بن الحكم
قد اتفقوا على أن يخلفه:"خالد بن يزيد بن معاوية"ثم"سعيد بن العاص"من بعده.
غير أن"مروان بن الحكم"نقض ذلك العهد وعهد بالخلافة لابنه"عبد الملك"
ومن بعده ابنه"عبد العزيز"وراح يصرف الأنظارعن"خالد بن يزيد"الذى كان شابّا محدود الخبرات فى الإدارة..
بما أوتى من وسائل،ورغم ما فى ذلك من إيثار لابنه ونقض لعهده فإنه
كان خيرًا لاستقرارالدولة وكان خيرًا للإسلام والمسلمين.
وباتت الدولة الإسلامية الموحدة تتقاسمها خلافتان:

الأولى:عليها عبد الله بن الزبير وتضم الحجازوالعراق.
أما الثانية:فيتولاها عبد الملك بن مروان الذى تولى عقب وفاة أبيه،
ولم تعد تضم إلا الشام ومصر.
وقد نجح عبد الملك بن مروان فى ضبط الأمور،والقضاء على الفتن،
فانتشل الدولة من الفوضى التى وصلت إليها،وأعاد الأمن والاستقرارإلى ربوعها.
لقد ظهربالكوفة المختاربن عبيد الله الثقفي،وجمع من حوله شيعة على-رضى الله عنه-،وراح يتتبع قتلة الحسين هنا وهناك وقتل منهم الكثيروعلى رأسهم أميرالجيش
الذى حارب الحسين"عمر بن سعد بن أبى وقاص"،وقتل"عبيد الله بن زياد"أمير العراق الأموى،وشتت جيشًا قوامه(40)ألفًا،كما قتل"الحصين ابن نمير"
واستولى على الموصل،وراح يدعو لمحمد بن الحنفية ابن الإمام على كرم الله
وجهه،ويناديه بالإمام المهدى يريد المهدى المنتظر.

لقد انتشر نفوذ الشيعة فى شرق الدولة وكان هذا العامل هوالمعول الذى
مهد لزوال الدولة الأموية على مرالزمن!
 
رد: الخلافة الأموية

وقد عمد الشيعة فى ذلك الوقت وعلى رأسهم المختارإلى الانتساب
لمحمد بن الحنفية،ليستفيدوا من هذه النسبة فى اكتساب مزيد من المؤيدين
الناقمين على بنى أمية والثائرين من أجل المطالبة بدم الحسين وآله.
والمعروف أن محمد بن الحنفية كان عالمًا زاهدًا،
قد رفض أن يبايع لأحد من الخليفتين ابن الزبيرأوابن مروان،
وقال لا؛حتى يبايع الناس أجمعون فإن بايعوا بايعت.
وهكذا فعل عبد الله بن عباس،ولم يكن له مطمع فى الخلافة،
أو هدم البيت الأموى أوالقضاء على ابن الزبير.
ولقد أغضب الدعوة باسم محمد بن الحنفية"عبد الله بن الزبير" فأرسل أخاه
"مصعب بن الزبير"؛ليكون أميرًا على العراق،وأمره بالقضاء على"المختار الثقفى".
وقد نجح مصعب فى حصارالمختاربالكوفة وقتله،وأصبح الحجازوالعراق
لابن الزبير ومصروالشام لعبد الملك بن مروان.

وفى سنة 70هـ/690م خرج عبد الملك بن مروان إلى العراق لأخذها من
الزبيريين،وتدور بينه وبين مصعب عدة معارك،وأخيرًا يتمكن"عبد الملك بن مروان"
من القضاء على"مصعب ابن الزبير"فى معركة"دير الجاثليق"وكان ذلك سنة 71هـ/691م وقيل:سنة 72هـ/692م.
المهم أن عبد الملك بعد مقتل"مصعب ابن الزبير"دخل"الكوفة"معقل الزبيريين،
وأخذ البيعة من أهلها لنفسه،وولَّى ولاة من قِبله على العراق.

الحجاج وابن الزبـير
ولم يبق إلا الحجازيسيطرعليه عبد الله بن الزبير من مكة،
وقد حانت الساعة الفاصلة،ساعة الحزم والحسم،فأمرعبدالملك ابن مروان
"الحجاج بن يوسف الثقفى"-الذى يمكن أن يتخذ من الطائف مسقط رأسه
قاعدة لعملياته الحربية-أن يتصدى لعبد الله ابن الزبيرالمتحصن بمكة المكرمة.
وتحرك جيش الحجاج من الطائف إلى مكة فحاصرها كما فعل الحصين بن نمير
من قبل،وقذف ابن الزبيربالمنجنيق،وظل يضيق على ابن الزبيروأنصاره الخناق حتى تفرق عنه معظم أنصاره،لكن ابن الزبيرظل يقاوم رافضًا أن يستسلم حتى قتل سنة 73هـ/ 693م،وكانت خلافته تسع سنين.

وبمقتل ابن الزبيردخلت الحجازمن جديد تحت حكم بنى أمية،
وكوفئ الحجاج بأن ظل واليًا على الحجازمن قبل عبد الملك ابن مروان
حتى سنة 75هـ/ 695م.

ثورات ابن الأشعث
ولا يكاد عبد الملك بن مروان يلتقط أنفاسه ليتفرغ للبناء والتعمير،
ومواصلة الفتوح حتى يرى أن جماعات الشيعة فى مدن العراق مثل الكوفة تشكل خطرًا على الدولة؛بسبب قربها من بلاد فارس،التى رأى أهلها فى الشيعة خيرسبيل لتحقيق أطماعهم القومية فى ضرب الأمويين باعتبارهم ممثلين للعنصرالعربى وسلطانه فى الدولة الإسلامية،وركز الفرس نشاطهم فى سبيل وصول أبناء
الحسين بن على بن أبى طالب
إلى منصب الخلافة،مدعين بأنهم من سلالة الحسين؛وذلك لأنه تزوج من
شهربانوه بنت يزدجرد الثالث آخر أكاسرة الفرس،وزعموا أن تلك السلالة من أبناء الحسين تجمع بين دم عربى،وأشرف دم فارسى.
وتصدى الحجاج بن يوسف لهذه الفتنة مرة أخرى،ويحقق الأمن والاستقرار
فى ربوع البلاد.
ويصدر الأمر من الخليفة الأموى بأن يتولى الحجاج أمر العراق و
المشرق الإسلامى، ويسير إليها فى جيش من أهل الشام.
وكان الحجاج شديدًا عنيفًا،فراح يواجه عدة ثورات كانت إحداها بقيادة
"عبد الرحمن بن الأشعث".
وتدور معارك شرسة مثل"دير الجماجم"بين الجيش الأموى وبين جيش ابن الأشعث، يتبادل فيها الفريقان النصروالهزيمة،وتستمر سجالا بينهما فى أكثرمن ثمانين موقعة، تدور الدائرة بعدها على ابن الأشعث، فيهرب إلى بلاد الهند. ولكن الحجاج يرسل
من يلاحقه ويتابعه حتى يأتى إليه برأسه فى الكوفة.

وهكذا استطاع الحجاج إخضاع بلاد العراق وما والاها من بلاد المشرق لسلطان
عبد الملك بن مروان،وبهذا توطدت دعائم الدولة فى عهده،وانتشرالأمن فى البلاد، ويتفرغ عبد الملك لجانب من الإصلاح الداخلى،فيصدرأمره بصك الدنانيرالإسلامية، عليها شهادة التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله بسم الله،
فكان أول من ضرب الدنانيروالدراهم الإسلامية،
لتحمل محل العملة البيزنطية فيتحقق للدولة استقلالها المالى والاقتصادى.
وأصدرأمره بجعل اللغة العربية هى اللغة الرسمية التى تكتب بها الدواوين
فى أرجاء الدولة،وينفذ ابنه عبد الله بن عبدالملك بن مروان والى مصرهذه التعليمات؛ حيث كانت مصرما تزال تكتب باللغة القبطية،بما أدى إلى انتشاراللغة العربية لغة القرآن والحديث،
فهى بلا شك إحدى المقومات الأساسية للدولة الإسلامية.
وسوف تظل هذا الخطوة الرائدة صفحة مضيئة يسجلها التاريخ
لعبد الملك بن مروان على مر الزمان.

الفتوحات الإسلامية فى عهد عبدالملك
وبعد أن استقرت الدولة فى الداخل،وتم القضاء على الفتن والثورات،
راح عبد الملك يواصل ما بدأه السابقون من الفتوحات،ويعمل على تأمين الحدود
التى تعرضت للإغارة والمهاجمة والاستيلاء على بعضها من جانب الروم،
منذ أن أصدر معاوية أمره إلى الجيش الذى كان يحاصرالقسطنطينية بالعودة إلى البلاد، وتمكن عبد الملك من استرداد الثغور الإسلامية،وإخضاع أرمينية،وسواحل سورية،وكثيرمن الثغورالإسلامية،وفَتْح عدد من حصون الروم منها:"مرعش" و"عمورية" و"أنطاكية"،وأظهر للروم أن الدولة الإسلامية باقية،
وأنها لم تضعف ولم تهن!

وما كاد عام 62هـ/682م يأتى حتى صدرالأمربأن يتولى"عقبة بن نافع"
إفريقية للمرة الثانية؛ليواصل حروبه وفتوحاته،ويتمكن من فتح الجزائر،
ويتوغل نحو بلاد"السوس" فى المغرب الأقصى.
وكان عقبة فى عهد معاوية قد انطلق بجيوشه إلى إفريقية واستولى عليها واختار "القيروان" قاعدة له،ولكن بعد الانتهاء من بناء القيروان صدرقراربتعديل القيادة
العليا بالميدان الإفريقى سنة 55هـ/ 675م.
فقد استعمل معاوية بن أبى سفيان مسلمة بن مخلد على مصروإفريقية،
فاستعمل مسلمة على إفريقية مولى له يقال له"أبو المهاجر"فلما وصلها عزل عقبة.
وكان معاوية يهدف من ذلك إلى مواجهة الإمبراطورية البيزنطية صاحبة السيادة
إذ ذاك على شمال إفريقية،ومحاولاتها إيقاف الزحف الإسلامى المنتظرمن القيروان.
واستطاع "أبو المهاجردينار"أن يفسد خطط البيزنطيين باكتساب البربرإليه،
ونشر الإسلام بينهم.

وتجلّى نجاح هذا القائد حين اكتسب إلى صفوفه زعيم قبيلة البربروهو"كسيلة"
فدعاه إلى الإسلام،فأسلم وترتب على ذلك انتشارالإسلام بين كثيرمن البربر،
فراحوا يتفهمون حقيقة الإسلام،ويقبلون عليه،وراح الفتح الإسلامى فى
شمال إفريقية يمتد وينتشر.
ولكن الفتوحات الإسلامية تتعرض لأول نكسة خطيرة لها لعدم معرفة نتيجة السلطة المركزية فى"دمشق"بالتطورات التى طرأت على السياسة البيزنطية فى تلك البلاد، فعندما أعادت السلطات"عقبة بن نافع"سنة 62هـ/682م إلى القيادة العليا للميدان الإفريقى،ووصل إلى"القيروان"قاعدته الحربية التى أنشأها من قبل،
انطلق منها لممارسة المهمة التى عين ثانية من أجلها،بل إن عقبة لما عاد إلى ولاية إفريقية جازى المهاجرعما فعله به عندما عزله سنة 55هـ،فقبض عليه وأوثقه فى الحديد،وخرج به مكبلا فى زحف خاطف،وصل به إلى ساحل المحيط الأطلسى،
وعند ذلك النهرالذى تقوم عليه مدينة مراكش اليوم أدخل عقبة ابن نافع فرسه فى المحيط وراح يرفع رأسه فى عزة المؤمن،وتواضع المعترف بفضل الله عليه قائلا:

"اللهم فاشهد أنى لو كنتُ أعلم وراء هذا البحر أرضًا لخضته غازيًا فى سبيلك".

لكن عقبة فاته أن يستمع إلى أبى المهاجرونصائحه حول البيزنطيين وسياستهم،
ولجوئهم إلى أسلوب الغدروالخديعة والمكروالخيانة،فقد انتظروا حتى عاد قاصدًا القيروان، وكان يسير فى مؤخرة جيشه،وأعدوا له كمينًا وهو فى طريق العودة
بالتعاون مع كسيلة -الزعيم البربرى- الذى تحالف مع الروم،وادعى أن عقبة
قد عزم على تأديب البربر؛لأنه أساء الظن فى حقيقة إسلامهم.

والتقى الجميع فى معركة"تهوذة"عام 63هـ/ 683م،وأحاطت قوات البزنطيين
بعقبة بن نافع وراح"أبو المهاجر"يدافع عنه دفاع الأبطال ولكنهم تمكنوا من قتله، واستشهد عقبة ولحق بالرفيق الأعلى.
وبعثت الخلافة الأموية بجيوش جرارة على رأسها قائد من خيرة قادتها هو
"حسان بن النعمان"الذى عمل على تحريرشمال إفريقية تمامًا من البيزنطيين،
والقضاء على أساليبهم الغادرة.

دخل حسان القيروان سنة 74هـ / 694م،وبادر بالزحف على"قرطاجنة"،
وهى أكبر قاعدة للبيزنطيين فى إفريقية"تونس الحالية"ودمرها تمامًا،
ثم طارد فلول الروم والبربر،وهزمهم فى"صطفورة"و"بنزرت"ولم يترك حسان موضعًا من بلادهم إلا دخله بجنوده،ثم عاد"حسان"إلى القيروان،
فأقام بها حتى استراح الجيش وضمدت جراح المصابين.
واضطرحسان إلى اتخاذ مراكزه فى"برقة"حتى جاءته الإمدادات من مصر
سنة 81هـ/ 700م،فخرج بالجيوش لملاقاة جيوش البربر بقيادة امرأة منهم تدعى الكاهنة،واستطاع الانتصارعلى البربر،وأعاد القيروان إلى حضن الإمبراطورية الإسلامية.
وأخذ حسان يعمل بعد ذلك على تدعيم الفتوحات الإسلامية بشمال إفريقية،
فأسس قاعدة بحرية إسلامية باسم"تونس".
واستعان بعمال مصروخبرتهم فى بناء تلك القاعدة،ثم أقبل حسان على إفساد خطط البيزنطيين،وراح يعمل للقضاء على مكرهم وألاعيبهم.فحبب الإسلام وزينه فى قلوب أبناء الكاهنة،ثم قربهم إليه،وجعلهم فى الرئاسة العليا على أبناء قبيلتهم،مبينًا لهم أن العزة لله ولرسوله وللمسلمين،وأن الإسلام يستهدف عزة أبناء إفريقية وإخراجهم من الظلمات إلى النور،وهكذا عادت إفريقية إلى الإسلام والمسلمين.
وعلى الجانب الآخر،فى خراسان، تابع"المهلب بن أبى صُفرة"أمرالفتوح فى
تلك البلاد بعد أن أسند إليه الحجاج ولايتها!

لقد فتح خُجَنْدة وغزا"كَشّ" سنة 80هـ/699م،واتخذها مركز القيادة،
وأرسل منها أولاده لغزو كثير من البلاد،لكنه مات فى شهر ذى الحجة على مقربة
من"مرو"وتولى ابنه يزيد بعد أبيه،فاستهل عهده بغزو"خوارزم".
ويأتى عام 85هـ فيتولى"المفضل بن أبى صفرة"أمرخراسان ويفتح"باذغيش" و"أخرون" "وشومان"،لكن الحجاج سعى بآل المهلب لدى عبد الملك حتى لا يولى منهم أحدًا،واتهمهم بأنهم كانوا من أتباع عبد الله بن الزبير،وأشار على"عبد الملك"
بأن يولى قتيبة بن مسلم الباهلى على خراسان،وهو من باهلة التى تنتمى إلى قيس، وبذلك يستطيع أن يجذب إليه القيسيين فى خراسان.
ووصل قتيبة بن مسلم إلى "مرو" فى نهاية سنة 85هـ/704م.

ولكنه لم يكد يستقر فى خراسان حتى وصلت الأنباء فى سنة 86هـ/705م
بوفاة الخليفة عبد الملك بن مروان رحمه الله رحمة واسعة.

يُتبع ،،،
</b></i>




 
رد: الخلافة الأموية

خلافة الوليد بن عبدالملك
(86 - 96 هـ/705- 714م )

توفى أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان سنة 86هـ/ 705م
وخلفه ابنه الوليد،وكان أبوه قد عهد إليه بالخلافة،وبويع له بها يوم وفاة أبيه.
وكان عهده،عهد فتح ويسروخيرللمسلمين،لقد اتسعت فى أيامه رقعة الدولة الأموية
شرقًا وغربًا،فعندما تولى الوليد الحكم استعمل عمه عبد الله بن مروان على إفريقية، فعزل حسانًا واستعمل بدلا منه موسى بن نصيرعام 89هـ،فكان شديدًا وصارمًا
على البربرالذين طمعوا فى إفريقية بعد مسيرحسان عنها فوجه إليهم ابنه عبد الله،
فقَتل وسبى منهم خلقًا كثيرًا،وتوجه إلى جزيرة"مايوركا"،فاقتحمها وسبى أهلها،
وتوجه إلى طائفة أخرى من البربر،فأكثر فيهم القتل والسبى،حتى بلغ الخمس
"ستين ألفًا من السبى"،فلم يكن سبى أعظم منه،ثم خرج غازيًا طنجة يريد من بها
من البربر،فانهزموا خوفًا منه، فتبعهم وقتلهم،واستأمن من بقى منهم،ودخلوا فى طاعته، وترك عليهم وعلى طنجة مولاه"طارق بن زياد"وأبقى معه جيشًا أكثره من البربر، وترك معهم من يعلمهم القرآن والفرائض،حينئذ لم يبق له فى إفريقية من ينازعه.
ورأى الوليد أن أهم ما يجب عمله تقوية الأسطول الإسلامى وضرب قواعد البيزنطيين فى صقلية وغيرها من جزر البحر المتوسط المقابلة لإفريقية،لكى يدعم هذا الوضع المستقر للمسلمين فى الشمال الإفريقى الذى أصبح جزءًا من الدولة الإسلامية.

لقد دخلت الفتوح الأموية فى شمال إفريقية مرحلتها الختامية سنة89هـ/708م
بتولى إمارة القيروان موسى بن نصيرخلفًا لحسان بن النعمان.
فلقد أجاد التنسيق بين الأساطيل الإسلامية فى غرب البحر المتوسط،وبين قواته
البرية،وفتح الأجزاء النائية،كما رأينا،
وهى التى تعرف باسم المغرب الأقصى،وطرد البيزنطيين من قواعدهم البحرية
القريبة من سواحل إفريقية"تونس"،وعندئذ أصبح شمال إفريقية
الجناح الأيسرللدولة الإسلامية فى عهد الأمويين،
وأصبح أهلها دعاة للإسلام يسهمون فى نشره فيما جاورهم من بلاد.
وقد عهد موسى بن نصير إلى طارق بن زياد بالقيادة العليا للقوات الإسلامية،
وهو من أبناء البربرالمسلمين فى مدينة"طنجة".
وجاءت هذه الخطوة من جانب موسى بن نصير،دليلا على سمو وعلو مبدأ
المساواة فى الإسلام،
فقد رأى البربرأن أحد أبناء إحدى القبائل البربرية صارالقائد العام لجبهة
المغرب الأقصى.
وكان من نتيجة هذا العمل أن أتاح للدين الإسلامى الحنيف دماء جديدة هيأت له الانطلاق إلى فتح الأندلس،ونشرنوره على أرجاء هامة من غرب أوربا.

فتح الأندلس
نحن الآن فى سنة91هـ/710م؛ حيث استشارموسى بن نصيرالخليفة الوليد بن عبد الملك،فى فتح الأندلس "أسبانيا"،وعلى أثرالموافقة أرسل موسى سرية استطلاعية
بقيادة طريف بن مالك،وكان من البربر،فشن غارة على جنوب أسبانيا،ومعه أربعمائة مقاتل ومائة فرس.واستطاع أن يتوغل بهم فى الجزيرة الخضراء،
ويعود إلى ساحل إفريقية حاملا الكثير من الغنائم،وكان ذلك فى رمضان سنة 91هـ/710م، وقد تأكد له قصور وسائل الدفاع فى أسبانيا بل انعدامها.
ولقد شجع نجاح طريف فى تلك الغزوة القائد الأعلى موسى ابن نصيرعلى التقدم
لفتح الأندلس(أسبانيا)،ووقع اختياره على والى طنجة وقائد جيشه طارق بن زياد
ليتولى مهمة هذا الفتح العظيم.

وفى شهر رجب من سنة 92هـ/711م قام طارق بن زياد ومعه جيش مكون
من سبعة آلاف مقاتل بعبورالمضيق الذى عرف باسمه،ونجحت عملية العبور،
واحتل المسلمون الجبل بكامله.
لقد جمع طارق قواته بعد العبورعند هذه الصخرة من جنوب البلاد وهى التى
نسبت إليه وعرفت باسم "جبل طارق"،وها هو ذا يندفع بقواته كالسهم،لا يقف فى طريقه شىء،ولقد حاول ملك أسبانيا "لذريق" أن يوقف هذا الزحف بجيش جرار
قوامه مائة ألف،ولكن طارق بن زياد كان قد طلب المدد من قائده موسى بن نصير
فأمده بخمسة آلاف حتى أصبح عدد جنده اثنى عشرألفًا.
واندفع طارق بكل إيمان زاحفًا على القوط -حكام شبه جزيرة أسبانيا
وأنزل بهم هزيمة فادحة فى موقعة رمضانية على نهر لكة"وادى لكة"بمقاطعة "شَذُونة"،وراح يواصل فتوحاته بعد أن قتل"لذريق"، فأوقع بالقوط الهزيمة الثانية
عند مدينة"إِسْتِجَة"، فألقى الله الرعب فى قلوب أعدائه،ففزعوا منه فزعًا شديدًا،
وظنوا أنه سيفعل بهم فعل سلفه"طريف بن مالك"،وكان طريف قد أوهمهم أنه
سيأكلهم،هو ومن معه، فهربوا منه إلى طليطلة.
يا إلهى إن النصر من عندك،هذه الراية الظافرة تتقدم،وتتوغل،ومدن أسبانيا
تتهاوى واحدة بعد الأخرى فى يد المسلمين.

وها هم أولاء جنود الإسلام ينتشرون؛حيث قرر طارق وهو فى مدينة إستجة أن يفرق جيشه ويوجهه إلى جهات شتى، فهذه شعبة تتوجه إلى"قرطبة"،فتدخلها وتستولى
عليها، وتلك شعبة من الجيش وصلت إلى مدينة"غرناطة"،فدخلتها وملكتها،وشعبة
من الجيش تقتحم مدينة "تُدْمِير" فيضطر أهلها إلى مصالحتها،وسارطارق ومعه
معظم الجيش إلى مدينة"جيان"يريد"طليطلة"فهرب أهلها وتركوا له المدينة خالية.
ويواصل المنتصرون متابعة الفلول المنهزمة،وملاحقتهم حتى"جِلِّيقية"فى أقصى
الشمال الغربى من الأندلس،ثم عاد من هناك،وعادت جيوشه إلى"طليطلة"فى سنة 93هـ/712م،وهنا خشى موسى بن نصيرأن تقطع على الجيش الإسلامى خطوط المواصلات،ويحال بينه وبين قواعده التى انطلق منها،ويقوم العدو بالانقضاض عليه ومحاصرته،والقضاء عليه،فيسرع بإصدار أوامره إلى طارق أن ينتظره فى
"طليطلة"حتى يسعى إليه بنفسه هو،ويؤمن خطوطه الخلفية ويلحق به.
وعَبرَموسى بقواته إلى الأندلس،مستهدفًا تطهيرالجيوب التى خلفها طارق وراءه،
من هنا كان على موسى أن يقوم بتأمين مؤخرة الجيش الفاتح، فافتتح مدنًا وحصونًا
كان بقاؤها بين الأسبان خطرًا على الوجود الإسلامى الجديد بشبه الجزيرة
حتى وصل إلى "طليطة"،وهناك التقى بجيش طارق بن زياد،وقد استغرق ذلك
من موسى جهدًا ووقتًا حتى وصل إليه،وهناك فى"طليطلة"التقى القائدان
طارق وموسى،وراحا ينسقان الفتوح الباقية ببلاد الأندلس فيما بينهما.

وسارا معًا حتى بلغا"سرقسطة"على نهر"الإبرو"،ومن هناك سارطارق إلى الشمال حتى بلغ جبال"ألبرت"أى الأبواب،وهى التى تسمى اليوم جبال البرانس
ووقف على أبواب فرنسا.وكان ذلك فتحًا عظيمًا،أن ترفرف راية الإسلام،
وتقف على أبواب فرنسا فى أقل من مائة عام من هجرة الرسول
-صلى الله عليه وسلم-!

وبينما كان طارق بن زياد يقف على أبواب"فرنسا"،كان موسى يتجه غربًا
حتى دخل ذلك الإقليم الذى يطل على خليج"بسكاية"ويسمى"أشتوريس"وانتهى
بفتوحاته أخيرًا على ساحل"بسكاية"واستدعى الخليفة الوليد كلا من موسى وطارق
إلى دمشق سنة 95هـ/714م،
ولا يفوتنا هنا أن نذكر أن موسى بن نصيرقد أرسل الأسطول الإسلامى
لفتح جزيرة"سردينيا"فافتتحوها عنوة،وعادوا بالسبايا والغنائم سنة 92هـ.
وتابع ولاة الأندلس من بعد موسى الفتوح،فقام ابنه عبد العزيزباستكمال فتح
شرق الأندلس وغربه،وجعل عاصمته فى مدينة"إشبيلية".

فتح بلاد ما وراء النهر
وننتقل من جبهة إلى جبهة لنتابع تقدم الراية الظافرة فى أرجاء الأرض،
وإذا كنا قد تركناها،وهى ترفرف على أبواب"فرنسا"فها نحن نعود لمتابعتها
وهى ترفرف على أبواب"الصين"،كل ذلك كان فى عهد الوليد بن عبد الملك
الذى كان عهده خيرًا وبركة على الإسلام والمسلمين.

فعندما تولى "قتيبة بن مسلم" خراسان سنة 86هـ/ 705م،اتخذ من"مرو"
قاعدة له،تم فتح بلاد النهر-المعروف بنهر جيحون-ودخل المسلمون بلادًا عديدة، سرعان مادخلت فى دين الإسلام ودافعت عنه مثل"الصَّفَد"و"طخارستان"
و"الشاش"و"فَرْغَانة"فى نحو عشرسنين.

وأخيرًا،أنهى أعماله الحربية بفتح"كاشغر"فى"التركستان"الصينية
سنة 96هـ/ 715م،وصارت الدولة الإسلامية بذلك تجاور حدود الصين.

فتح الهند
لقد فتح المسلمون بلاد"فارس"و"خراسان"و"سجستان"،وكانت غايتهم
نشر الإسلام،وحماية الحدود الجنوبية للدولة الإسلامية؛ولم يبق إلا الهند.

وفى عهد الوليد بن عبد الملك كلف الحجاج بن يوسف الثقفى الشاب المسلم:
"محمد بن القاسم"مهمة غزو بلاد الهند،وسارمحمد بن القاسم إلى الهند سنة
89هـ/ 708م وفتح ثغر الديبل(إحدى مدن الساحل الغربى للهند
ثم سار عنه وجعل لا يمر بمدينة إلا فتحها حتى عبرالنهر،
فصالحه أهل"سربيدس"وفتح"سهبان"،
ثم سارإلى لقاء"داهر"ملك السند والهند،وكان لقاء فريدًا.

إن"دَاهِر"وجنوده يقاتلون على ظهورالفيلة،
والفيلة عندما تستثارتكتسح كل ما أمامها وتدوسه.
ودارت معركة حامية كتب الله فيها النصرلراية الإسلام،
وهزم"محمد بن القاسم" الملك"داهر" وقتله،وراح محمد بن القاسم يتقدم،
ويمد فتوحاته فى كافة أرجاء بلاد السند،حتى وصل إلى"الملتان"ودخلها
وغنم منها مغانم كثيرة.
ولقى الوليد بن عبد الملك ربه سنة 96هـ/ 715م
بعد أن رفعت راية الإسلام فى عهده على حدود فرنسا والصين وفى
خراسان وسجستان والسند، وبلاد الهند.

يتبع ،،
 
رد: الخلافة الأموية

خلافة سليمان بن عبدالملك
(96 - 99هـ/ 714- 717م )

لم تطل خلافة سليمان بن عبد الملك كثيرًا،
فأوصى بالخلافة من بعده "لعمر بن عبد العزيز"،
ابن عمه بدلا من ابنه أيوب لما عرف فيه من ورع وعدل.


خلافة عمر بن عبد العزيز
(99 -101 هـ/ 717- 719م )

ورأى الخليفة الجديد سحب"الحملة الثالثة"من على أبواب القسطنطينية
بعد أن استمرت اثنى عشر شهرًًا تحقق فيها إذلال "إمبراطورية الروم"
التى كانت مصدر خطرعلى الدولة الإسلامية،وشل نشاطها الحربى المعادى
للدولة الإسلامية،وعادت الحملة الأموية الثالثة والأخيرة فى نهاية سنة
99هـ/ 718م.
وتفرغ عمرلإقامة الحق والعدل وإشاعة الخيروالسلام فى ربوع البلاد الإسلامية،
راح يرفع المظالم عن الناس،ويعمل على إنصاف كل من ظلم فى عهود سابقيه
من بنى أمية،وتعويض كل من حرم،ويعيد عهد جده "عمر بن الخطاب"
الخليفة العادل الذى ملأ الدنيا عدلا،وراح يتشبه به فى زهده،وتقشفه،
وإيمانه بالله،وتمسكه بكتابه،وسنة رسوله-صلى الله عليه وسلم-.

لقد راح يحض الناس على مكارم الأخلاق،ويفرض العقاب الصارم على أى
عدوان مهما صغروحقر؛ ليقطع دابر الفساد،ويعيد الأمن والأمان إلى ربوع البلاد.
وامتد عدله إلى الأطراف البعيدة،وشمل أهل البلاد المفتوحة من غير المسلمين،
الذين لهم عقد ذمة،وعهد مصالحة ؛فلهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم.
لقد رفع الجزية عمن أسلم من أهل الذمة،وخفف الضرائب عن عامة المسلمين،
وأصدر أمره بأن يوقف تحصيل خراج الأرض من المصريين لمدة عام
تعويضًا لهم عما زيد عليهم فى أعوام سبقت.
ورأى أن المؤلفة قلوبهم قد استغنى الإسلام عنهم،وراح يرفع الأعباء عن أهل
العراق وخراسان والسند التى كان الحجاج بن يوسف وأتباعه قد فرضوها
على بعض من اعتنقوا الإسلام.
وراح يشجع أهل البلاد المفتوحة على قبول الإسلام والانضواء تحت لوائه،
وتحبيبه إليهم بكل الوسائل،لقد هدأت أعصاب الناس،وراحوا جميعًا يفكرون
فى الخير حتى الخوارج فى العراق والمشرق وإفريقية أقلعواعن حركاتهم الثورية، وأرسلوا لـ"عمر"من يناظره فأفسحوا المجال للحجة والدليل بدل السيف والحرب.

لقد كانت فترة خلافته هى فترة التقاط الأنفاس،ولم الشمل،وجمع الكلمة،والدفع
بالتى هى أحسن،إنه لم يكن يود توسيع رقعة الدولة أكثر مما وصلت إليه،
وحسبه أن يعمل على تدعيمها وتوطيدها،وقد فعل وتحقق له ما أراد.
وتوفى -رحمه الله- فى رجب من سنة 101هـ/ 720م،
وكانت هذه الفترة القصيرة من خلافته نقطة مضيئة فى دولة بنى أمية،
وكانت خلافته سنتين وخمسة أشهر.


خلافة يزيد بن عبد الملك
( 101 - 105 هـ/ 719- 723م )

تولى "يزيد بن عبد الملك بن مروان" الخلافة عقب وفاة الخليفة العادل
عمربن عبد العزيز،وظل فى الحكم خمس سنوات من سنة 101هـ/ 720م
إلى سنة 105هـ/ 724م.
وإذا كانت قوة الخليفة ضرورية للدولة،فإن الدولة الإسلامية قد انتابها الضعف
بعد أن تولى أمرها خلفاء ضعاف،هان على الأعداء أمرهم.
لقد انتشرت الفتن والاضطرابات فى الداخل،أما فى الخارج فقد كانت قبائل
التركمانتضغط فى الشمال،بينما كان دعاة بنى العباسيسعون بنشاط فى
تدبيرهم السرى لتقويض دعائم الحكم الأموى فى الشرق.
لقد أعلن "شوذب الخارجى"الثورة على الأمويين،وهزمهم فى عدة معارك،
حتى استطاع "مسلمة بن عبد الملك"والى الكوفة القضاء عليه وعلى الخارجين
على الدولة معه، وتشتيت شملهم.
ويخرج "يزيد بن المهلب بن أبى صفرة"على الخليفة مع الخارجين عليه،

ويسيرإلى"البصرة"،ثم يواصل السيرإلى الكوفة،ولكن الخليفة"يزيد بن عبد الملك
بن مروان" يرسل إليه أخاه"مسلمة"بجيش قوى يقضى على الفتنة،ويظفر به.


خلافة هشام بن عبدالملك
( 105 - 125 هـ/ 723- 742م )

ولا يطول الأجل بالخليفة"يزيد بن عبد الملك بن مروان"فيلقى ربه
ويخلفه من بعده هشام بن عبد الملك(105-125هـ) (724-743م).
جاء هشام ليواجه"ثوارًا"و"خوارج"خلال حكمه الذى استمر قرابة عشرين سنة.
ثار"الحارث بن سريج"بخراسان بتشجيع وتأييد من التركمان(الأتراك)على الخليفة
هشام بسبب"الضرائب"التى فرضها على الموالى من الفرس،وبعض الولاة.
وسرعان ما انضم إليه فى ثورته هذه خلق كثيرمن العرب وغيرهم.
وراح يستولى على المدن الواقعة على ضفاف"نهر سيحون".
ويصدرالخليفة الأمر إلى"أسد بن عبد الله القسرى"بتولى أمرهذه البلاد،
ومواجهة الخارجين.
وأخذ الحارث يتراجع أمام"أسد بن عبد الله"الذى أُمِرَ أن يطارده،
ويسترد منه البلاد التى استولى عليها،فانسحب الحارث إلى"طخارستان"
ومنها إلى بلاد"ما وراء النهر"؛حيث انضم إلى الأتراك ضد الدولة الأموية،
وكان من أمرالخارجين أيضا على الدولة فى عهد"هشام" بمواجهة
"زيد بن على ابن الحسين"وأنصاره،
ويقتل يوسف الثقفى والى العراق السابق الثائر.
وكان عهد هشام يعتبر حدّا فاصلا بين عهد ازدهارالدولة الأموية وعلو شأنها
وبين عهد اضمحلالها،وانتشارالعوامل الفتاكة فى جسمها،
إن الخليفة "هشامًا" يمثل رابع الخلفاء الأمويين الأقوياء الكباربعد
"معاوية بن أبى سفيان"
و"عبد الملك بن مروان"
و"الوليد بن عبدالملك"،
لقد استطاع أن يسير
على نهجهم فى القبض على شئون الدولة بحزم وعزم وقوة،
وأن يكبت جميع عوامل الفتن التى سبق أن أظهرت عداءها،
وأطلت برأسها.
تُرى من يخلفه بعد أن قاد السفينة فى مجرى الأيام والأعوام

لتصل إلى عام 125هـ/743.

يتبع

</b></i>
 
رد: الخلافة الأموية

سقوط الدولة الأموية

لقد خلف "هشام" أربعة من الخلفاء الأمويين عجزوا عن ممارسة السلطان،
وأفلت منهم زمام الحزم،وأتاحوا الفرصة لعوامل الهدم والاضمحلال،
فراحت الدولة الأموية تتهاوى وتسقط سنة 132هـ/750م.

وقد كان ظهورالعباسيين فى هذه الفترة على مسرح الأحداث يمثل ضربة
قاصمة أطاحت بالبيت الأموى عن عرش الخلافة الإسلامية.

فبعد وفاة الخليفة "هشام بن عبد الملك" بويع "الوليد بن يزيد" بالخلافة
فى 6من ربيع الآخر سنة 125هـ/ 723م،وهو اليوم الذى توفى فيه هشام.
وقد كان "الوليد بن يزيد" النموذج الذى يمثل مساوئ نظام وراثة الخلافة،
لم يكن الوليد بن يزيد بن عبد الملك ابنًا لهشام بن عبد الملك بل ابن أخيه.

إن نظام الشورى يتيح للجميع وضع الرجل المناسب فى المكان المناسب
حتى يستريح ويريح.
ولكن "نظام الوراثة" يأتى لدولة الإسلام "بالوليد" الذى أشاع عنه خصومه
أنه كان منهمكًا فى الملذات،مستخفّا بأمرالأمة،مشغولا باللهو،مجاهرًا بالمعاصى،
وكان الإمام الزهرى يبغضه ويحث هشامًا على خلعه.

لقد اجتمع بعض أهل"دمشق"على خلعه وقتله لمجاهرته بالإثم،
وكان ذلك فى جمادى الآخرة سنة 126هـ/ 744م،
بعد أن قضى فى الخلافة سنة واحدة،وشهرين،وأيامًا،
وكان الذى يقود الثورة عليه ابن عمه يزيد بن الوليد الذى وصفه أنصاره
بأنه كان ورعًا تقيّا محافظًا على الدين راعيًا للإسلام والمسلمين،
لكنه لم يَبْقَ فى الحكم إلا خمسة أشهر وعدة أيام حيث مات بالطاعون.

وبايع المسلمون بعده أخاه "إبراهيم بن الوليد" خلفًا له،
لكنه لم يكد يتولى الأمرحتى سارإليه مروان بن محمد بن مروان بن الحكم
ثائرًا للوليد بن يزيد.
لقد خلع "مروان" "إبراهيم" وهرب إبراهيم من دمشق،
وظل أتباع مروان يلاحقونه حتى عثروا عليه وقتلوه،
ولم يلبث فى الخلافة غير سبعين يومًا وقيل ثلاثة أشهر.

وتولى "مروان" الخلافة فى صفر سنة 127هـ/ 745م،
ليشهد عهدًا من الفتن والاضطرابات.
وفى عهده اضطربت الأمور فى البلاد،وخرج البعض على الطاعة،
وانتهز العباسيون هذا التفكك،والتصدع فراحوا يعملون على إسقاط دولة
بنى أمية لتقوم مكانها دولة العباسيين.

لقد حمل لواء الدعوة للعباسيين أبو مسلم الخراسانى،
واستطاع الاستيلاء على"خراسان"ووطد سلطانه فيها.
وفى الثالث من شهر ربيع الأول سنة 132هـ/ 750م،
استولى أبو مسلم على"نيسابور"وراح يعلن الدعوة لأبى العباس السفاح

أول خلفاء بنى العباس،


فماذا فعل مروان؟
وكيف واجه هذا التيار الزاحف ؟
لقد أعد جيشًا للقضاء على العباسيين،وكان اللقاء على"نهر الزاب"
ولكن دارت الدائرة على مروان وجيشه،ففر هاربًا إلى مصر.
ولم ينته الأمرعند هذا الحد،بل دارت معركة أخيرة حاسمة،
لقد لاحقه العباسيون وطاردوه،ودارت معركة أخيرة بينه وبينهم على
ضفة النيل الغربى عند بلدة"بوصير"، وقُتِلَ مروان،
وبمقتله انتهت دولة الأمويين التى استمرت قرابة إحدى وتسعين سنة
ليشهد العالم مولد دولة جديدة تحمل راية الإسلام هى دولة بنى العباس.

وهنا ينتهى الحديث عن الدولة الأموية
والعهد الاموى مؤقتاً حتى الظهور الأخر بالأندلس

يتبع ،،،
 
الوسوم
الأموية الخلافة الي بدايتها سقوطها من
عودة
أعلى