زكاة بهيمة الانعام

املي بالله

نائبة المدير العام
بابُ زَكَاة بَهِيمَةِ الأنْعَامِ

بدأ بها المؤلف اقتداء بحديث أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ في الكتاب الذي كتبه أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ، وبين فيه الصدقات، فقد قدم بهيمة الأنعام.
قوله: «بهيمة الأنعام» هي: الإبل، والبقر، والغنم، قال الله تعالى: {{أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ}} [المائدة: 1] .
وسميت بهيمة؛ لأنها لا تتكلم، وهي مأخوذة من الإبهام، وهو الإخفاء وعدم الإيضاح، ولكنها تتكلم فيما بينها كلاماً معروفاً، ولهذا تحن الإبل إلى أولادها فتأتي الأولاد، وتنهرها فتنتهر، وكذلك بقية الحيوان، قال موسى عليه السلام ـ لما سأله فرعون: {{فَمَنْ رَبُّكُمَا يَامُوسَى}} [طه: 49] ـ قال: {{رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}} [طه: 50] أي: أعطاه خلقه اللائق به، ثم هداه لمصالحه، ولهذا يهتدي كل ما خلقه الله ـ عزّ وجل ـ لمصالحه فيأكل ما يليق به ويشرب ما يليق به، فكل شيء بحسبه.
وبهيمة الأنعام ثلاثة أصناف: الإبل، والبقر، والغنم.
والإبل سواء كانت عراباً، أو بخاتي، وهي التي لها سنامان، وهي معروفة في القارة الآسيوية.
وأما البقر أيضاً فتشمل البقر المعتادة، والجواميس.
والغنم تشمل الماعز والضأن، ولا يدخل فيها الظباء؛ لأن الظباء ليست من أصل الغنم، فلا تدخل في زكاة السائمة.
والدليل على وجوب الزكاة في بهيمة الأنعام: حديث أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ في الكتاب الذي كتبه أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ وفيه: «هذه فريضة الصدقة التي فرضها النبي صلّى الله عليه وسلّم على المسلمين..» الحديث[(41)] وذكر الغنم، والإبل، وأما البقر فجاء ذكرها في حديث آخر[(42)].
واعلم أن بهيمة الأنعام تتخذ على أقسام:
القسم الأول: أن تكون عروض تجارة، فهذه تزكى زكاة العروض.
فقد تجب الزكاة في شاة واحدة، أو في بعير واحد، أو في بقرة واحدة؛ لأن المعتبر في عروض التجارة القيمة، فإذا كان هذا هو المعتبر فما بلغ نصاباً بالقيمة ففيه الزكاة، سواء كانت سائمة أو معلوفة، مؤجرة كانت، أو مركوبة للانتفاع.
القسم الثاني: السائمة، المعدة للدر والنسل، وهي التي ترعى، كما قال الله تعالى: {{وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ}} [النحل: 10] . اتخذها صاحبها لدرها، أي: لحليبها، وسَمْنِها، والنسل، ولا يمنع كونها معدة لذلك أن يبيع ما زاد على حاجته من أولادها، لأن هؤلاء الأولاد كثمر النخل.
القسم الثالث: المعلوفة المتخذة للدر والنسل، وهي التي يشتري لها صاحبها العلف، أو يحصده، أو يحشه لها، فهذه ليس فيها زكاة إطلاقاً، ولو بلغت ما بلغت؛ لأنها ليست من عروض التجارة، ولا من السوائم.
القسم الرابع: العوامل، وهي: الإبل التي عند شخص يؤجرها للحمل فهذه ليس فيها زكاة، وهذا القسم كان موجوداً قبل أن تنتشر السيارات، فتجد الرجل عنده مائة بعير أو مائتان يؤجرها فينقل بها البضائع من بلد إلى بلد، وإنما الزكاة فيما يحصل من أجرتها إذا تم عليها الحول.
فصارت الأقسام أربعة، وكل قسم منها بينه الشارع بياناً واضحاً شافياً.
وأعم هذه الأقسام: عروض التجارة؛ لأنها تجب فيها الزكاة على كل حال.
 
تَجِبُ فِي إِبلٍ، وَبَقَرٍ، وَغَنَمٍ إِذَا كَانت سَائِمَةً الحَوْلَ، أوْ أَكْثَرَهُ .........
قوله: «تجب في إبل وبقر وغنم» «تجب» الفاعل الزكاة، أي: تجب الزكاة في هذه الأصناف الثلاثة: الأول الإبل، والثاني البقر، والثالث الغنم.
قوله: «إذا كانت سائمة الحول أو أكثره» «سائمة» أي: التي ترعى المباح، والمباح هنا ليس ضد المحرم، وإنما الذي نبت بفعل الله ـ عزّ وجل ـ ليس بفعلنا، أما ما نزرعه نحن ونرعاه، فهذا لا يجعلها سائمة، كما لو كان عند الإنسان أمكنة واسعة يزرعها ثم جعل سائمته ترعى هذه الأمكنة الواسعة، فهذه لا تعد سائمة.
قوله: «الحول أو أكثره» الحول ظرف زمان لسائمة، والمعنى أنها ترعى المباح الحول أو أكثره أما كونها سائمة إذا رعت الحول فظاهر، وأما كونها سائمة برعيها أكثر الحول؛ فلأن الأقل يأخذ حكم الأكثر، فالاعتبار بالأكثر.
فإذا كان عند الإنسان إبل ترعى خمسة أشهر، ويعلفها سبعة أشهر فلا زكاة فيها، وإذا كانت ترعى ستة أشهر ويعلفها ستة أشهر، فلا زكاة فيها، وإذا كانت ترعى كل الحول ففيها الزكاة، وإذا كانت ترعى سبعة أشهر ويعلفها خمسة ففيها الزكاة.
والدليل على اشتراط السوم، حديث أنس بن مالك في الكتاب الذي كتبه أبو بكر في الصدقات «وفي الغنم في سائمتها في كل أربعين شاة شاة» [(43)] قال: «في الغنم» ثم قال: «في سائمتها» وهذا عطف بيان، وعطف البيان كالصفة في تقييد الموصوف، فكأنه قال: وفي سائمة الغنم في كل أربعين شاة شاة.
وفي حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «وفي كل إبل سائمة» [(44)]، وهذا الحديث وإن كان مختلفاً فيه، لكن يدل على اشتراط السوم في الإبل، وكذلك فإن الإبل والبقر تقاسان على الغنم.
ويشترط كذلك أن تكون معدة للدر والنسل؛ ليخرج بذلك المعدة للتجارة.
تنبيه: قول بعض الفقهاء: هل السوم شرط، أو عدمه مانع؟ قيل: إنه لا فرق بين العبارتين، فالخلاف لفظي.
وقيل: إنه خلاف حقيقي، ويترتب عليه: أننا إذا شككنا في السوم، أو عدمه، وقلنا: إن السوم شرط؛ لم تجب الزكاة؛ لأن الأصل عدم وجود الشرط، وإذا قلنا: إن عدمه مانع، فإنه تجب الزكاة هنا؛ لأننا لم نتحقق المانع؛ لأن الأصل عدم المانع.

فَيَجِبُ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِن الإِْبِلِ بِنْتُ مُخَاضٍ، وَفِيمَا دُونَهَا فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ،.......
قوله: «فيجب في خمس وعشرين من الإبل بنت مخاض، وفيما دونها في كل خمس شاة» هنا بين المؤلف مقدار الزكاة الواجبة، أي يجب في كل خمس وعشرين من الإبل بنت مخاض، أي: بكرة صغيرة لها سنة، وسميت بنت مخاض؛ لأن الغالب أن أمها قد حملت فهي ماخض، والماخض الحامل، وفيما دون خمس وعشرين في كل خمس شاة، ففي الخمس الأولى شاة، وفي العشر شاتان، وفي الخمس عشرة ثلاث شياه، وفي العشرين أربع شياه، وفي الخمس والعشرين بنت مخاض.
ولو أخرج خمس شياه عن خمس وعشرين لم تجزئ، ولو أخرج بنت مخاض في عشرين ـ فيها خلاف.
فقال بعض العلماء: لا يجزئ فيما دون خمس وعشرين بعير، ولو كبيراً؛ لحديث أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ الذي كتبه قال: «وفيما دونها الغنم في كل خمس شاة» [(45)] أي فيما دون خمس وعشرين، في كل خمس شاة.
وقال بعض العلماء: إذا كانت تجزئ بنت المخاض في خمس وعشرين، فإجزاؤها فيما دون ذلك من باب أولى، والشريعة لا تفرق بين متماثلين، والشارع أسقط الإبل فيما دون خمس وعشرين رفقاً بالمالك، وليس ذلك للتعييب.
وهذا هو الصحيح؛ لأن كل أحد يعلم أن الشريعة الكاملة المبنية على الدلالة النقلية والعقلية لا يمكن أن تقول: من عنده خمس وعشرون من الإبل، وأخرج بنت مخاض أجزأته، ومن عنده عشرون من الإبل وأخرج بنت مخاض لم تجزئه!!
وكذلك تجزئ بنت لبون، أو أكبر من ذلك.

وَفِي سِت وَثَلاثِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي ست وأَرْبَعِينَ حِقَّةٌ، وَفِي إِحْدَى وَستِّينَ جَذَعَةٌ، وَفِي سِتٍّ وَسَبْعِينَ بِنْتَا لَبُونٍ وَفِي إِحْدَى وَتِسْعِينَ حِقَّتَانِ،.....
قوله: «وفي ست وثلاثين بنت لبون» بنت اللبون: هي ما تم لها سنتان، وسميت بذلك؛ لأن الغالب أن أمها قد ولدت فأصبحت ذات لبن.
والوقص هو: ما بين الفرضين، ليس فيه شيء، فبين خمس وعشرين وست وثلاثين «عشر» ليس فيها شيء، وذلك رفقاً بالمالك.
وأما الذهب والفضة فلو زادت قيراطاً زادت الزكاة.
والحبوب والثمار لو زادت، زادت الزكاة بخلاف المواشي؛ لأنها تحتاج إلى مؤونة كثيرة من رعي وحلب وسقي، وغير ذلك، فجعل الشارع هذه الأوقاص لا زكاة فيها.
قوله: «وفي ست وأربعين حقة» الحقة هي: الأنثى من الإبل التي تم لها ثلاث سنوات، وسميت حقة؛ لأنها تتحمل الجمل، ولهذا جاء في حديث أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ «حقة طروقة الجمل» [(46)] أي: تتحمل أن يطرقها الجمل فتحمل.
والوقص بينن ست وثلاثين وست وأربعين: «تسع».
قوله: «وفي إحدى وستين جذعة» والجذعة: ما تم لها أربع سنوات.
والوقص ما بين ست وأربعين وإحدى وستين: «أربع عشرة» ليس فيه شيء.
فالأول أكثر من الثاني والثالث أكثر منهما.
قوله: «وفي ست وسبعين بنتا لبون» أعلى سن يجب في الزكاة الجذعة، وكل هذا السن لا يجزئ في الأضحية؛ لأنه لا يجزئ في الأضحية إلا الثني وهو ما تم له خمس سنوات، والجذعة فما دونها لا تجزئ في الأضحية، ولكن في الزكاة تجزئ.
والوقص: «أربع عشرة».
فست وسبعون فيها بنتالبون، لكل واحدة سنتان، ولو أخرج بنت لبون وابن لبون لم يجزئ؛ لأن الأنثى أغلى من الذكر وأنفع للناس منه.
قوله: «وفي إحدى وتسعين حقتان» .
والوقص: «أربع عشرة».

فإِذَا زَادَتْ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ وَاحِدَةً فَثَلاَثُ بَنَاتِ لَبُونٍ ثُمَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ........
قوله: «فإذا زادت على مائة وعشرين واحدةً فثلاث بنات لبون» .
إذاً من إحدى وتسعين إلى مائة وعشرين وقص قدره «تسع وعشرون»، فإذا زادت على مائة وعشرين واحدة ففيها ثلاث بنات لبون، ثم بعد ذلك تستقر الفريضة.
قوله: «ثم في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة» .
فإذا بلغت مائة وإحدى وعشرين ففيها ثلاث بنات لبون، وبعدها تستقر الفريضة، كلما زادت عشراً تتغير الفريضة، فمثلاً:
مائة وثلاثون فيها حقة وبنتا لبون.
مائة وأربعون فيها حقتان وبنت لبون.
مائة وخمسون فيها ثلاث حقاق.
مائة وستون فيها أربع بنات لبون.
مائة وسبعون فيها حقة وثلاث بنات لبون.
مائة وثمانون فيها حقتان وبنتا لبون.
مائة وتسعون فيها ثلاث حقاق وبنت لبون.
مائتان تتساوى الفريضتان خمس بنات لبون أو أربع حقاق.
مائتان وعشر فيها أربع بنات لبون ، وحقة.
وعلى هذا فقس، كلما زادت عشراً يتغير الفرض.
قال في الروض: «ومن وجبت عليه بنت لبون مثلاً وعدمها، أو كانت معيبة فله أن يعدل إلى بنت مخاض، ويدفع جبراناً، أو إلى حقة ويأخذه».
أي: من وجبت عليه بنت لبون وليست عنده، وعنده بنت مخاض أنزل منها فإنه يدفع بنت المخاض، ويدفع معها جبراناً، وإذا لم يكن عنده بنت لبون وعنده حقة، فإنه يدفع الحقة ويأخذ الجبران فهو بالخيار.
ويأخذه من المُصَدِّق الذي يبعثه ولي الأمر بقبض الزكاة.
وإذا لم يكن عنده إلا جذعة فلا يستحق جبراناً أكثر مما يستحقه إذا دفع الحقة.
والجبران: شاتان، أو عشرون درهماً، كل شاة بعشرة دراهم، هذا في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم.
فهل العشرون تقويم أو تعيين؟
الظاهر: ـ والله أعلم ـ أنها تقويم.
وبناء على ذلك فلو كانت قيمة الشاتين مائتي درهم، وأراد أن يعدل عنهما فلا يكفي أن يعطيه عشرين درهماً.
وليس في غير الإبل جبران، فالجبران في الإبل خاصة؛ لأن السنة وردت به فقط[(47)].
 
فَصْلٌ

وَيَجِبُ فِي ثَلاَثِينَ مِن البَقَرِ تَبِيعٌ أوْ تَبِيعَةٌ، وَفِي أرْبعينَ مُسِنَّةٌ، ثُمَّ فِي كُلِّ ثَلاثِينَ تَبِيعٌ، وَفي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ، وَيُجْزِئ الذَّكَرُ هُنَا، وابنُ لَبُونٍ مَكَانَ بِنْتِ مَخَاضٍ، وَإِذَا كَان النِّصَابُ كُلُّهُ ذُكُوراً.
قوله: «فصل» أي: في زكاة البقر.
نقول في زكاة البقر: كما قلنا في زكاة الإبل، أي: أن الأقسام السابقة الأربعة تشمل الإبل، والبقر، والغنم.
والبقر سميت بقراً؛ لأنها تبقر الأرض بالحراثة أي: تشقها.
قوله: «ويجب في ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة» أي: تبيع ذكر، أو تبيعة أنثى لكل واحد منهما سنة، وفيما دون الثلاثين لا شيء.
والفرق بين الإبل والبقر في باب الزكاة فرق عظيم، فالإبل يبدأ النصاب من خمس، والبقر من ثلاثين، مع أنهما في باب الأضاحي سواء، لكن الشرع فوق العقل، والواجب اتباع ما جاء به الشرع.
قوله: «وفي أربعين مسنة» [(48)] المسنة: أنثى لها سنتان.
وما بين الثلاثين والأربعين، وقص: «تسع» ليس فيها شيء.
قوله: «ثم في كل ثلاثين تبيع، وفي كل أربعين مسنة» .
ففي خمسين مسنة.
وفي ستين تبيعان أو تبيعتان.
من أربعين إلى ستين وقص.
وفي سبعين تبيع ومسنة.
وفي ثمانين مسنتان.
وفي تسعين ثلاث تبيعات.
وفي مائة تبيعان ومسنة.
وفي مائة وعشرين أربع تبيعات، أو ثلاث مسنات، كالمائتين في الإبل.
مسألة: إذا تساوى الفرضان فلمن الخيار للمعطي أو للآخذ؟
الجواب: للمعطي قالوا: لأنه هو الغارم.
قوله: «ويجزئ الذكر هنا» أي: في زكاة البقر ففي ثلاثين من البقر يجزئ تبيع.
قوله: «وابن لبون مكان بنت مخاض، وإذا كان النصاب كله ذكوراً» .
فالذكر يجزئ في ثلاثة مواضع وهي:
1 ـ التبيع في ثلاثين من البقر.
2 ـ ابن اللبون مكان بنت المخاض، إذا لم يكن عنده بنت مخاض.
3 ـ إذا كان النصاب كله ذكوراً، فإنه يجزئ أن يخرج منها ذكراً، كما لو كان عنده خمس وعشرون من الإبل كلها ذكور، فعليه ابن مخاض؛ لأن الإنسان لا يكلف شيئاً ليس في ماله؛ ولأن الزكاة وجبت مواساة، فالذكر له ذكر، والأنثى لها أنثى.
وهذا أقرب إلى المعنى والقياس؛ إذ لا يلزم الإنسان إلا بمثل ماله.
وقال بعض العلماء: إذا كان النصاب ذكوراً، فيجب ما عينه الشارع، فلو كان عنده خمس وعشرون من الإبل كلها ذكور وجب عليه بنت مخاض، فإن لم يجد فابن لبون ذكر، وإن كان عنده ستة وثلاثون جملاً ففيها بنت لبون، ولا يجزئ ابن لبون.
وهذا القول أقرب إلى ظاهر السنة، لأن السنة عينت فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «... بنت مخاض أنثى فإن لم تكن فابن لبون ذكر... بنت لبون... حقة... جذعة...» [(49)] فَنَصَّ الشارعُ على الذكورة والأنوثة، فيجب اتباع الشرع.
وهذا القول أحوط، فلا نعدل عما جاء به الشرع لمجرد القياس، والأقيس ما مشى عليه المؤلف.
وقولنا: إن ما مشى عليه المؤلف أقيس، مع أنه لا يتعارض النص والقياس؛ لأن السنة ليست صريحة في الدلالة هنا.

فَصْلٌ

وَيَجِبُ فِي أَرْبَعينَ مِن الغَنَمِ شَاةٌ، وَفِي مِائةٍ وإِحْدَى وَعِشْرِينَ شَاتَان، وَفِي مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَةٍ ثَلاثُ شِياهٍ، ثُمَّ فِي كُلِّ مِائةٍ شَاةٌ والخُلْطَةُ تُصَيِّرُ المَالَيْنِ كَالوَاحِدِ.
قوله: فصل «ويجب في أربعين من الغنم شاة» «شاة» فاعل «يجب» ففي أربعين من الغنم شاة، فإذا أخرجها ودار عليها الحول ولم تزد، بل بقيت تسعاً وثلاثين شاة، فليس فيها شيء؛ لأنها نقصت عن النصاب، وأقل نصاب الغنم أربعون شاة، والواجب فيها شاة واحدة.
قوله: «وفي مائة وإحدى وعشرين شاتان» الوقص: ثمانون.
ففي أربعين شاة، شاة واحدة.
وفي مائة وعشرين: شاة واحدة.
ثمانون شاة لا شيء فيها ـ سبحان الله ـ وهذا من تيسير الشرع، فالحمد لله.
قوله: «وفي مائتين وواحدة ثلاث شياه» فالوقص: ثمانون.
إذاً الوقص في الفرض الثاني كالوقص في الفرض الأول.
قوله: «ثم في كل مائة شاة» أي: إذا زادت على مائتين وواحدة ففي كل مائة شاة، فتستقر الفريضة على ذلك.
ففي ثلاثمائة: ثلاث شياه.
وفي ثلاثمائة وتسع وتسعين: ثلاث شياه.
لأنها لم تتم المائة الرابعة، وإذا لم يَلْحق الفرضَ الثاني يُلحَقْ بالفرض الأول، والوقص من مائتين وواحدة، إلى ثلاثمائة وتسع وتسعين: مائة وثمان وتسعون.
وهذا أكثر وقص يوجد في الغنم.
ففي ثلاثمائة: ثلاث شياه.
وفي أربعمائة: أربع شياه.
وفي خمسمائة: خمس شياه.
وفي الألف عشر شياه، وهكذا[(50)].
قوله: «والخُلطة تصير المالين كالواحد» الخلطة: بضم الخاء أي: الاختلاط يصير المالين كالواحد.
وظاهر كلام المؤلف: العموم وليس كذلك، وإنما مراده الخلطة في بهيمة الأنعام فقط، هذا هو المشهور من المذهب، وهو القول الأول في المسألة.
وذهب بعض أهل العلم: إلى أن الخلطة في الأموال الظاهرة تصير المالين كالمال الواحد عموماً واستدلوا لذلك، بأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم كان يبعث السعاة لأخذ الزكاة من أهل الثمار، ولا يسألون؛ مع أن الاشتراك وارد فيها.
فعلى هذا القول الخلطة في بهيمة الأنعام تجعل المالين كالواحد.
مثاله: عندي غنم، وأنت عندك غنم، والثالث عنده غنم، والرابع عنده غنم، وخلطناها جميعاً، فتصير الأموال كالمال الواحد.
فإذا كان عندي عشرون شاة، وعندك عشرون شاة، فعلينا شاة زكاة.
ولو كان عندي عشرون وحدها، وعندك عشرون وحدها ولم تختلط فلا زكاة؛ لعدم الخلطة، فقد تجب الزكاة فيما لم يجب، وقد تسقط الزكاة فيما وجب، وسيأتي تفصيل هذا.
قال العلماء: والخلطة تنقسم إلى قسمين:
1 ـ خلطة أعيان.
2 ـ خلطة أوصاف.
أولاً: خلطة الأعيان: وهي أن يكون المال مشتركاً بين اثنين في الملك.
مثال ذلك: رجل مات عن ابنين وخلف ثمانين شاة فالثمانون مشتركة بين الاثنين شركة أعيان، فعين الغنم هذه لأحد الابنين نصفها، وللثاني نصفها.
وشركة الأعيان تكون بالإرث، وتكون بالشراء، وغير ذلك.
ثانياً: خلطة أوصاف: وهي أن يتميز مال كل واحد عن الآخر، ولكنها تشترك في أمور نذكرها إن شاء الله.
مثاله: أن يكون لكل منا ماله الخاص، فأنت لك عشرون من الغنم، وأنا لي عشرون من الغنم ثم نخلطها، فلو ماتت العشرون التي لي فلا ضمان عليك؛ لأنها نصيبي.
وفي خلطة الأعيان لو مات نصفها فهي علينا جميعاً؛ لأنه ملك مشترك.
وخلطة الأوصاف تشترك في أمور:
1 ـ الفحل: أي: يكون لهذه الغنم فحل واحد مشترك.
والفحل بالنسبة للمعز يسمى تيساً، وفي الضأن خروفاً، وفي الإبل جملاً، وفي البقر ثوراً.
2 ـ المسرح: أي: يسرحن جميعاً ويرجعن جميعاً.
فلا يسرح أحد غنمه يوم الأحد، والثاني يوم الاثنين.
3 ـ المرعى: أي: يكون المرعى لها جميعاً فليس غنم هذا في شعبة الوادي الشرقية، والثاني في الشعبة الغربية.
4 ـ المحلب: أي: مكان الحلب يكون واحداً، فلا تحلب غنمك هناك، وغنمي هنا.
5 ـ المُرَاح ـ وهو: مكان المبيت، أي: يكون المراح جميعاً فلا تكون غنمي لها مراح وحدها، وغنمك لها مراح وحدها.
وقد جمعت هذه الأوصاف في قول الناظم:
إن اتفاق فحلٍ مسرحٍ ومرعى
ومحلبٍ المراح خلط قطعا
فإذا اشتركت في هذه الأشياء الخمسة، فهي خلطة أوصاف، تجعل المالين كالمال الواحد.
وهذه الأوصاف الخمسة أخذت من عادة العرب؛ وأنها إذا اشتركت في هذه الأوصاف صارت كأنها لرجل واحد.
ويشترط في الخلطة أن تكون كل الحول أو أكثره، كالسوم. واعلم أن الخلطة أعم من الشركة فيختلطان ولا يكونان شريكين.
إذا قال قائل: أما النوع الأول من الخلطة فلا إشكال فيه؛ لأنه مال مشترك بين شخصين.
لكن الثاني: كيف يجعل المالين كالمال الواحد مع أن مالي يخصني، ومالك يخصك؟
فالجواب: دل على ذلك حديث أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ وفيه: «ولا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية» [(51)].
والخلطة تؤثر في إيجاب الزكاة، وفي سقوطها؛ ولهذا قال: «لا يفرق بين مجتمع، ولا يجمع بين متفرق خشية الصدقة» .
مثال قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة» أن يكون عندي أربعون شاة، والعامل سيأتي غداً، فأجعل عشرين منها في مكان، وعشرين في مكان آخر، فإذا جاء العامل وجد هذه الغنم عشرين، والغنم الأخرى عشرين فلا يأخذ عليها زكاة؛ لأنها لم تبلغ النصاب.
ومثال قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يجمع بين متفرق خشية الصدقة».
أنا أملك أربعين، وأنت تملك أربعين، والثالث يملك أربعين فالجميع مائة وعشرون، فلو اعتبرنا كل واحد وحده لوجب ثلاث شياه، لكن إذا جمعنا الغنم كلها وعددها مائة وعشرون، فلا يكون فيها إلا شاة واحدة كما سلف.
إذاً جمعنا بين متفرق، لئلا يجب على هذا المجموع ثلاث شياه، بل شاة واحدة.
مسائل:
الأولى: الخلطة لا تؤثر في غير بهيمة الأنعام.
مثاله: لو كان لدينا مزرعة ونحن عشرة، لكل واحد منا عُشرها، وهي خمسة أنصبة فقط فلا زكاة فيها؛ لأن كل واحد منا ليس له إلا نصف نصاب.
مثال آخر: رجلان اشتركا في تجارة، وكان مالهما نصاباً، فليس عليهما زكاة؛ لأن نصيب كل واحد منهما لا يبلغ النصاب، فلا زكاة عليهما مع أنهما يتاجران في الدكان؛ لأنه لا خلطة إلا في بهيمة الأنعام وفي غير بهيمة الأنعام لا تؤثر الخلطة.
الثانية: لو كان لرجل عشرون من الشياه في الرياض وعشرون في القصيم، فالجمهور تجب عليه الزكاة لأن المالك واحد، والمذهب لا زكاة عليه لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، ولا يجمع بين متفرق خشية الصدقة» [(52)]، فدل على أنه إذا تفرق ماله لا للحيلة فلا زكاة عليه، والأحوط رأي الجمهور، ويحمل الحديث على خلطة الأوصاف.
الثالثة: لو اختلط مسلم ومن ليس من أهل الزكاة كالكافر خلطة أوصاف، فالزكاة على المسلم في نصيبه إذا بلغ نصاباً؛ لأن مخالطة من ليس من أهل الزكاة كالمعدوم.
الرابعة: لو اختلط اثنان في «ماشية» وأحدهما يريد بنصيبه التجارة، والآخر يريد الدر والنسل، فهذه خلطة غير مؤثرة؛ لاختلاف زكاة كل منهما؛ فأحدهما زكاته بالقيمة، والآخر زكاته من عين المال.
الخامسة: إذا اختلط اثنان وكان لأحدهما الثلثان، وللآخر الثلث فالزكاة بينهما على حسب ملكهما؛ على أحدهما الثلثان وعلى الآخر الثلث.
 
زكاة بهيمة الانعام
 
الوسوم
الانعام بهيمة زكاة
عودة
أعلى