رسولنا والأطفال , منهج كامل ً لكل الأعمار

بسمه

الاعضاء
(1) النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الأبناء وهم في أصلاب آبائهم :

لما رد المشركين من أهل الطائف دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لهم للإسلام وآذوه ، وبالحجارة رموه ؛ عرض عليه ملك الجبال أن يطبق عليهم الأخشبين ، عندها قال النبي المشفق الرحيم صلى الله عليه وسلم : " أرجوا أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئاً " ( رواه البخاري ) . وقد حقق الله تعالى رجاء النبي صلى الله عليه وسلم بإسلام أبنائهم .
كذلك يرشد النبي محمد صلى الله عليه وسلم المسلمين لما فيه صلاح الابن مستقبلاً فيقول لهم : " لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال : باسم الله ، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان منا رزقتنا ، فيول بينهما ولد ، فلا يصيبه الشيطان أبداً " [ متفق عليه ] . وفي هذا توجيه إلى أن تكون البداية ربانية لا شيطانية ، فإذا ذكر اسم الله تعالى في بداية الجماع أسس ما بين الزوجين على التقوى ، فلا يضره الشيطان بإذن الله
ولقد أمرنا المولى جل وعلا باختيار الصالحين والصالحات عند الزواج ليكونوا قادرين على تنشئة وتربية جبل صالح ، لأن فاقد الشيء لا يعطيه . فقال : ( وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإماءكم ) [ النور : 32 ] . وقال صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى : " تخيروا لنطفكم ، وأنكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم " [ أخرجه الحاكم في المستدرك ج2 ، كتاب النكاح]

(2) ويدعو لهم صلى الله عليه وسلم وهم نطفة في رحم الأم :

كان أبو طلحة خارج بيته ، وابنه بالبيت مريض فمات ، فلم تخبره زوجته أم سليم بعد عودته ، ولم تبد أي مظهر من مظاهر الحزن له ، بل كانت متزينة ومجهزة له عشاءه ، فتعشى ذكيه ، فقام فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما كان من زوجته ومنه ، فدعا لهما صلى الله عليه وسلم بالبركة في جماعهما وقال : " بارك الله ليتكما" . فولدت بعد غلاماً سماه النبي صلى الله عليه وسلم ( عبد الله ) ، ومن بركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له ؛ كبر وتزوج ورزقه الله تعالى من الأولين تسعه ، كلهم قد حفظ القرآن ، والقصة بطولها في البخاري .
ومن مظاهر عناية الإسلام بالطفل وهو نطفة في رحم أمه ؛ ما أمر به الإسلام من النفقة للمرأة المطلقة ثلاثاً إذا كانت حاملاً ، وهذه النفقة لأجل جنينها وليس لأجلها حيث قد سقطت نفقتها بطلاقها الثالثة .
( فالمرأة التي يطلقها زوجها ثلاثاً تبين منه ، وتصبح أجنبية عنه لا تجب لها عليه نفقة ولا سكنى على القول الراجح من أقول العلماء رحمهم الله ، إلا إذا كانت حاملاً فإنها تجب لها النفقة بالإجماع . [ المغني لابن قدامة 8 / 232 . ] . قال تعالى : ( وإن كن أولت حمل فانفقوا عليهن حتى يضعن حملهن ) [ لطلاق : 6] .
وإنما وجبت على الزوج النفقة للحامل التي بانت منه من أجل ولده الذي لا سبيل للإنفاق عليه إلا عن طريق الإنفاق على أمة التي يتغذى منها ، كما قال ابن قدامة رحمه الله : " ولان الحمل ولده فليزمه الإنفاق عليه ، ولا يمكنه النفقة عليه إلا بالإنفاق عليها ، فوجب كما وجبت أجره الرضاع .." ، هذا في العناية به من حيث النفقة .
ومن العناية به : وقايته مما قد يؤثر على صحته ، وهو في رحم أمه ولذا أبيح للحامل إذا خافت على جنينها أن تفطر في رمضان ، كالمريض والمسافر . وقد أعفاها بعض العلماء من الكفارة دون المرضع ، قالوا : " لأن الحمل متصل بالحامل ، فالخوف عليه كالخوف على بعض أعضائها " . أما المرضع ف " يمكنها أن تسترضع لولدها " وأدخلوها في قوله تعالى : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) [ البقرة : 184] .
ومن العناية بالطفل وهو في رحم أمه تأجيل العقوبة التي تستحقها إذا كان ذلك قد يؤثر على الولد ، أو تحقق أن العقوبة ستقضي عليه . فقد روى عمران بن حصين صلى الله عليه وسلم أن امرأة من جهينة أتت نبي الله صلى الله عليه وسلم ، وهي حبلى من الزنا ، فقالت : يا نبي الله ، أصبت حداً ، فأقمه علي ، فدعا نبي الله صلى الله عليه وسلم وليها ، فقال : " أحسن إليها ، فإذا وضعت فاتني بها " ففعل ، فأمر بها نبي الله صلى الله عليه وسلم فشدت عليها ثيابها ، ثم أمر بها فرجمت ، ثم صلى عليها .(رواه مسلم )
وفي حديث آخر في قصة الغامدية التي اعترفت بالزنا وطلبت منه أن يقيم عليها الحد قال لها : (( فاذهبي حتى تلدي ) فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة ، قالت : هذا قد ولدته ، قال : " أذهبي فأرضعيه حتى تفطميه " . فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز ، قالت : هذا يا رسول الله قد فطمته وقد أكل الطعام ، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين ، ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها ، وأمر الناس فرجموها .. " )( رواه مسلم ) .

(3) ويقرأ صلى الله عليه وسلم أذكاراً لنزول أحدهم بالسلامة من رحم أمه :

ذكر ابن تيمية رحمه الله في كتابه الكلم الطيب أن فاطمة رضي الله عنها بنت النبي صلى الله عليه وسلم لما دنا ولادها ، أمرالرسول صلى الله عليه وسلم أم سلمة وزينب بنت جحش أن تأتيا فتقرآ عندها آية الكرسي ، و : ( إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشى اليل النهار يطلبه حثيثاً والشمس والقمر والنجوم مسخرت بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين ) [ الأعراف : 54] ، و : ( إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون ) [ يونس : 3 ] ويعوذاها بالمعوذتين .

(4) ويبين صلى الله عليه وسلم منزلته عن الله إذا سقط من بطن أمه قبل تمامه :

وهذا ما يسمى بالسقط ، وقد ورد بشأنه أحاديث تسر السامعين ، فعن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " .. والذي نفسي بيده إن السقط ليجر أمه بسرره إلى الجنة إذا أحتسبته " ، أي صبرت على فقده ( رواه احمد وابن ماجه )
وعن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن السقط ليراغم ربه إذا أدخل أبويه النار ، فيقال : أيها السقط المراغم ربه أدخل أبويك الجنة ، فيجرهما بسرره حتى يدخلهما الجنة( رواه ابن ابي شيبه وابي يعلى ) . ومعنى يراغم ربه : أي يغاضبه ، يعني يأتي السقط وهو غضبان من أجل أبيه وأمه .
فانظر رحمك الله إلى أهتمام الإسلام حتى بالسقط .

(5) وحين ولادتهم يؤذن في الأذن اليمنى للطفل :

عن أبي رافع أنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة (2)، قال ابن القيم رحمه الله : وسر التأذين والإقامة : أن يكون أول ما يقرع سمع الإنسان كلما النداء العلوي المتضمنة لكبرياء الرب وعظمته ، والشهادة التي أول مايدخل بها في الإسلام . كما يلقن كلمة التوحيد عند خروجه منها ، وغير مستنكر وصول أثر التأذين إلى قلبه ، وتأثره به وإن لم يشعر . ومعروف أن الشيطان يفر ويهرب من سماع كلمات الأذان ، فيسمع شيطانه ما يغيظه في أول لحظات حياته . وهذا يبين اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بعتقيدة التوحيد ومطاردة الشيطان في بداية حياة المولود الجديد.
كذلك فإن الشيطان يلكز المولود حين يولد كما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخاً من مس الشيطان غير مريم وابنها " ، ثم يقول أبو هريرة : واقرءوا إن شئتم " ( فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ) [ آل عمران :36] . وعن ابن عباس : ليس من مولود إلا يستهل ، واستهلاله : يعصر الشيطان بطنه فيصيح إلا عيسى ابن مريم (1) . وعليه فيكون الأذان لكزة مضادة للشيطان الذي يسعى جاهداً لإفساد الذرية وتدمير النشء .

الإسلام يعد الأولاد من البشريات
والسلف يهنئون بعضهم بعضاً بوصول المولود

إن الأولاد نعمة من نعم الله سبحانة وتعالى ، يهبها لمن يشاء ويمسكها عمن يشاء ، ولما كانت هذه النعمة تسر الوالدين بشرت الملائكة بهم رسل الله من البشر ، قال تعالى : ( ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى ) [ هود : 69] إلى أن قال : ( وامراته قائمة .. فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ) [ هود : 71 ] ، وغير ذلك كثير من آيات القرآن التي تبشر الآباء من السنن الإلهية ، ولهذا ذم الله تعالى من تبرم من الأنثى واتسثقلها لأنه تعالى هو الذي وهبها كما وهب الذكر والحياة لا تستمر إلا بالذكر والأنثى معاًٍ فقال : ( ألا ساء ما يحكمون ) [ النحل : 59] .
وعن أبي بكر بن المنذر أنه قال : روينا عن الحسن البصري : أن رجلاً جاء إليه وعنده رجل قد ولد له غلام ، فقال : يهنك الفارس ، فقال الحسن : ما يدريك أفارس هو أم حمار ؟ قال الرجل : فكيف تقول ؟ قال : قل : ( بورك في الموهوب ، وشكرت الواهب ، ورزقت بره ، وبلغ أشده ) (2) .
فالتهنئة والهدايا تدخل السرور على أهل المولود وتشيع جواً من البهجة ، والمحبة والألفة ، والترابط بين المسلمين .

(6) والنبي صلى الله عليه وسلم يحنك المولود بالتمر ويدعو له ويبرك عليه :

وإنما المقصود ما شرع الله تعالى بهدي رسوله صلى الله عليه وسلم من تحنيك الطفل عند ولادته بشيء من التمر بعد مضغه وترطيبه ، ولعل في ذلك مع كونه سنة ما يطمئن الطفل ويجعله آمناً على استمرار غذائه والعناية به وبخاصة تحنيكه بالتمر الذي ترتفع فيه نسبة الحلاوة التي يتلذذ بها الطفل ، وفيه كذلك تمرين على استعمال وسيلة غذائية الجديدة ، وهي المص بالفم ليألفها .
عن عائشة رضي الله عنها أن ( النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤتي بالصبيان فيبرك عليهم ويحنكهم ) ( رواه مسلم )
وفي الصحيحين أتت أسماء رضي الله عنها بمولود لها ، تقول : ( حنكه بالتمرة ثم دعا له وبرك عليه.. ) ، أي دعا له بالبركة . وفي هذا بيان لمشروعية الذهاب بالمولود إلى أهل الصلاح لينال من دعائهم .
وفي الصحيحين أيضاً عن أنس رضي الله عنه قال : لما ولدت أم سليم غلاماً ، أرسلت به معي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وحملت تمراً ، فأتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه عباءة . . قالت : " هل معك تمر ؟" قلت : نعم ، فأخذ التمرات فألقاهن في فيه صلى الله عليه وسلم فلاكهن ثم جمع لعابه ثم فغر فاه فأوجره أياه فجعل الطفل يتلمظ ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حب الأنصار التمر " . فحنكه وسماه عبد الله ، فما كان في الأنصار شاب أفضل منه ، ( والتحنيك هو مضغ الشيء ووضعه في فم الصبي ، ودلك حنكة به ، يصنع ذلك بالصبي ليتمرن على الأكل ويقوى عليه ) .
(7) ويرشد صلى الله عليه وسلم الأبوين إلى تحصينه بالذكر من الآفات وشكر الله تعالى موهبته :
عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما أنعم الله على عبد نعمة من أهل أو ولد فيقول : الحمد لله رب العالمين ؛ إلا كان أعغطى خيراً مما أخذ " وفي لفظ آخر عن أنس أيضاً قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما أنعم الله على عبد نعمة فقال : الحمد لله رب العالمين إلا كان الذي أعطى الله خير من الذي أخذ" . ( اخرجه ضياء الدين المقدسي في الاحاديث المختارة وقال اسناده حسن )
ولا شك أن الدعاء مجلبة لكل خير ، وفيه شكر الرحمن ، الذي يزيد من شكره ، ( لئن شكرتم لازيدنكم ) [ إبراهيم 7] .

(8) ويقسم صلى الله عليه وسلم للمولود ميزاثه بمجرد ولادته :

فعن جابر بن عبد الله قال : قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يرث الصبي حتى يستهل صارخاً ، قال : واستهلاله ، أن يبكي ويصيح ، أو يعطس " ( ابن ماجه ) وعند الهيثمي باب متى يرث المولود ، عن المسور بن مخرمة وجابر قالا : قال رسول اله صلى الله عليه وسلم : " لا يرث الصبي حتى يستهل صارخاً واستهلاله أن يصبح أو يبكي أو يعطس " ( رواه ا لطبراني ) .
وعن ابن سيرين أن سعد بن عبادة قسم ماله بين بنيه في حياته ثم مات فولد له ولد بعدما مات فلقي عمرو أبا بكر فقال : ما نمن الليلة من أجل ابن سعد هذا المولود ولم يترك له شيئاً ، فقال له ابو بكر : وأنا والله ما نمت الليلة أو كما قال من أجله ، فانطلق بنا إلى قيس بن سعد فكلمه ، فأتياه فكلماه فقال قيس : أما شيء أمضاه قيس فلا أرده ولكن أشهد كما أن نصيبي له .( رواه الطبراني من طرق رجالها كلها رجال الصحيح إلا انها كلها مرسله لم يسمع احد منهم من أبي بكر )
وفي رواية عن مكحول قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يرث المولود حتى يستهل صارخاً وإن وقع حياً " ( رواه الدارمي )

(9) ويأمر بإخراج الزكاة عنه بمجرد الولادة أيضاً :

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان على كل نفس من المسلمين ، حر أو عبد ، أو رجل أو امرأة صغيرة أو كبيرة ، صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير( رواه مسلم ) .

(10) ويرحم صلى الله عليه وسلم طفولته ولو كان ولد زنا :

ومن رحمه النبي صلى الله عليه وسلم بالطفل وحرصه على أن يشب راضعاً من ثدي أمه ؛ أنه لما جاءته المرأة الغامدية التي زنت ، وأخبرته أنها حبلى من الزنا ، قال لها : " ارجعي حتى تلدي " ، فلما ولدت أتت به تحمله ، قالت : يا نبي الله هذا قد ولدته ، فقال لها صلى الله عليه وسلم : " فاذهبي فأرضعيه حتى تفطميه " ، فلما فطمته جاءت بالصبي وفي يده كسره خبز ، قالت : يا نبي الله ، هذا قد فطمته ، وقد أكل الطعام ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصبي فدفع إلى رجل من المسلمين ، وأمر بها فحفر لها حفرة إلى صدرها وأمر الناس فرجموها .
والناظر في هذا الحديث يرى أمور عجيبة :
1- أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تيقن أن المرأة حامل من الزنا ؛ لم يشر آية إشارة إلى محاورة إسقاط هذا الجنين ناقصاً أو كاملاً . كما تفعل من تزني وفوق زناها تقتل نفساً بغير حق .
2- بل على العكس فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرها أن تذهب وتبقى حتى تلد .
3- فلما ولدت أمرها صلى الله عليه وسلم أن تذهب لترضعه حتى تفطمه ، فأرضعته ثم فطمته وقد أكل الخبز .
4- أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع بالصبي إلى أحد المسلمين ليقوم على رعايته وتربته .
تلك رحمة نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم بولد الزنا وحرصه عليه من الضياع ، فما ذنبه أن يتحمل آثار جريمة غيره ؟ !
 
(11) ويحتفل بالأطفال في صغرهم فيوصي بالعقيقة عنهم :

عن سمرة بن جندب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كل غلام رهين بعقيقته ، تذبح عنه يوم سابعه ويحلق رأسه ويسمى ( رواه النسائي ) .
وعن أم كرز رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة فقال : " عن الغلام شاتان وعن الأنثى واحدة ، ولا يضركم ذكراناً كن أو إناثاً " ( رواه الترمذي ) ومن فوائد العقيقة : ذكر العلماء منهم ابن القيم رحمه الله في كتابه تحفه المودود ، أنها قربان لله تعالى ، وفيها الكرم والتغلب على الشح ، وفيها إطعام الطعام وهو من القربات ، وهي تفك ارتهان المولود عن عدم الشفاعة لوالديه أو شفاعة والديه له ، ومنها أنه ترسيخ للسنن الشرعية ومحاربة خرافات الجاهلية ، وفيها إشاعة نسب المولود وغيره .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى : ( فالذبح عن الولد فيه معنى القربان والشكران والغذاء والصدقة وإطعام الطعام عند حوادث السرور العظام شكراً لله وإظهاراً لنعمته التي هي غاية المقصود من النكاح ، فإذا شرع الإطعام للنكاح الذي هو وسيلة إلى حصول هذه النعمة ، فلأن يشرع عند الغاية المطلوبة أولى وأخرى ، وشرع بوصف الذبح المتضمن لما ذكرناه من الحكم ، فلا أحسن ولا أحلى في القلوب من مثل هذه ، فلا أحسن ولا أحلى في القلوب من مثل هذا الشريعة في المولود ، وعلى نحو هذا جرت سنة الولائم في المناكح وغيرها فإنها إظهار للفرح والسرور بإقامة شرائع الإسلام ، وخروج نسمة مسلمة يكاثر بها رسول الله e الأمم يوم القيامة ، تعبد الله ويراغم عدوه) (2) .

(12) ويغير صلى الله عليه وسلم عادات الجاهلية في الاحتفال بهم :

هذا أيضاً من اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم الشديد بالأطفال ، بحيث لا يفع حب الآباء لأبنائهم أن يفعلوا معهم أي شيء ولو كان من سنن الجاهلية .
فعن عبد الله بن بريدة قال : سمعت أبي ، بريدة يقول : " كنا في الجاهلية إذا ولد لأحدنا غلام ؛ ذبح شاة ولطخ رأسه بدمها ، فلما جاء الله بالإسلام ؛ كنا نذبح شاة ، ونحلق رأسه ، ونلطخه بزعفران " (3) .

(13) ويسميهم صلى الله عليه وسلم بأحسن الأسماء :

إن الله جميل يحب الجمال ، ومن الجمال تحسين اسم الصبي ، والبعد عن الأسماء القبيحة ، والإسلام دين يسر ( يريد الله بكم اليسر ) ، لذلك أراد اليسر حتى في الاسماء ، وكره العسر والعنف حتى في الأسماء ايضاً ، يظهر ذلك من نهيه عن اسم (حرب ) ، قال صلى الله عليه وسلم " أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن ، وأصدقها حارث وهمام ، واقبحها حرب ومرة " ( رواه ابو داود ) . وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول اله صلى الله عليه وسلم : " إن أحب اسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن " ( رواه مسلم ) .
وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم ابن أبي طلحة ( عبد الله ) . وكذلك ابن عباس سماه صلى الله عليه وسلم يوم ولادته ( عبدالله ) ، وكذلك سمى ابنه ( إبراهيم ) على اسم ابي الأنبياء إبراهيم صلى الله عليه وسلم ، وسمى ابن ابي أسيد ( المنذر ) ، وغير ذلك .
ومن المهم جداً أن ننبه هاهنا إلى أن بعض الناس يسمون بعض أبنائهم باسم قبيح ليمنع عنه الحسد ، أو ليعيش ولا يموت وهو صغير ، وهذا صغير ، وهذا الصنيع فيه جهل مركب ؛ ففوق قبح الاسم ، فهي عقيدة فاسدة لا تغني عن الولد شيئاً ، إضافة إلى أن العادة جرت أن يأخذ المسمى نصيباً من اسمه ، فإذا كان اسمه كئيباً كانت الكآبة فيه ، وإذا كان اسمه ذميماً رأيت من ذلك فيه .

(14) وينهي صلى الله عليه وسلم عن تسميتهم بأسماء قبيحة وغير جائزة :

عن سمرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لاتسمين غلامك يساراً ولا رباحاً ولا نجيحاً ولا أفلح ، فإنك تقول : أثمت هو ؟ ( يعني أهنا هو ") فلا يكون ، فيقال : لا" ( رواه مسلم ) وفي رواية عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم : " لأنهين أن يسمي رافع وبركة ويسار " وفي حديث جابر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن عشت زجرت أن يسمى بركة ويسار ونافع " . قال جابر : لا أدري ذكر رافعاً أم لا ، إنه يقال : هاهنا بركة ؟ فيقال : لا ، ويقال : هاهنا يسار ؟ فيقال : لا ، قال : فقبض رسول اله صلى الله عليه وسلم ولم يزجر عن ذلك ، فأراد عمر رضي الله عنه أن يزجر عنه ثم تركه .
قال الخطابي رحمه الله : قد بين النبي صلى الله عليه وسلم المعنى في ذلك ، وكراهة العلة التي من أجلها وقع النهي عن التسمية بها ، وذلك أنهم كانوا يقصدون بهذه الأسماء وبما فيها من معاني ؛ إما التبرك بها أو التفاؤل بحسن ألفاظها ، فحذرهم أن يفعلوا ، لئلا ينقلب عليهم ما قصدوه في هذا الأسماء إلى الضد ، وذلك إذا سألوا فقالوا : أثم يسار ؟ أثم رباح ؟ ، فإذا قيل : لا ، تطيروا بذلك وتشاءموا به ، وأضمروا الإياس من اليسر والنجاح ، فنهاهم عن السبب الذي يجلب لهم سوء الظن بالله سبحانه ، ويورثهم الإياس من خيره(1) .
وقد غير النبي صلى الله عليه وسلم أسماء كانت قبيحة ، وأسماء ليست قبيحة لكن لا يجوز التسمي بها ، فمثلاً غير اسم ( عاصية ) إلى جميلة (2)، وغير أسم ( أصرم) إلى زرعة (3) ، وغير اسم ( زحم ) إلى بشير(4) ، وغير اسم ( حزن) إلى سهل (5)، وكذلك غير اسم ( برة) إلى زينب ، وقال : " لا تزكوا أنفسكم ، الله أعلم بأهل البر منكم"(6) . وغير كنيه ( أبي الحكم ) إلى أبي شريح ، وقال له : " إن الله هو الحكم " ، وكان شريح أكبر أولاد ذلك الرجل (7).

( 15) ويأمر بحلق راس الطفل يوم سابعه وتنظيفه وإزالة الأذى عنه :

شرح الإسلام أن يحلق رأس الطفل يوم سابعة إيذاناً بالعناية به وإزالة ما يؤذيه ، بل وشرح التصدق عنه بوزن شعر رأسه ذهباً أو فضه . وكأن في ذلك إشارة إلى فدائه بالمال وعدم التفريط فيه ، وأن شعر رأسه الذي يؤذيه بقاؤه فيحلقونه ليس رخيصاً عند أسرته ، بل يوزن بالذهب الذي يحرص عليه الناس ، كما شرع ختانه ، وهو من خصال الفطرة التي حث عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال ابن القيم رحمه الله ، بعد أن ذكر نصوص خصال الفطرة :
( وقد اشتركت خصال الفطرة في الطهارة والنظافة وأخذ الفضلات المستقذرة ، التي يألفها الشيطان ويجاورها من بني آدم ، وله بالغرلة اتصال واختصاص ) .
وقد مر بنا في حديث بريدة قال : فلما جاء الإسلام كنا نذبح شاة ونحلق رأسه ونلطخه بالزعفران .
وعن علي رضي الله عنه قال : عق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن شاة ، وقال : يا فاطمة ، احلقي رأسه ، وتصدقي بزنه شعره فضة ، فوزناه فكان وزنه رهماً أو بعض درهم . قال ابن القيم رحمه الله : وهذا وإن لم يكن إسناده متصلاً فحديث أنس وابن عباس يكفيان . والحديث هو " أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن بكبش وعن الحسين بكبش وكان مولد الحسن عام أحد والحسين في العام القابل منه " ، ورواه النسائي بلفظ : " عق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين رضي الله عنهما بكبشين كبشين " ، ثم قال : أحاديث الشاتين عن الذكر والشاة عن الأنثى أو لى أن يؤخذ بها لوجوه :
أحدها : كثرتها .
الثاني : أنها من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، وأحاديث الشاتين من قوله ، وقوله عام وفعله عام وفعله يحتمل الاختصاص .. إلخ .
وهنا تنبيه :
وهو أن بعض الناس يعجبهم جمة الطفل وكثافة الشعر عليه ، فيترددون في الحلق له لأن رأسه ستصير جلحاء قرعاء ، والبعض يزيدهم تردداً بقوله : رأس الولد طريقة لا تتحمل الحلاقة ! ومما لا شك فيه أن هذا إما جهل بالشرع ، وإما ضعف في الالتزام بالشرع . والأمران خطيران .

(16) وينهي صلى الله عليه وسلم عن تشويه رأس الصبي بالقزع :

والقزع : هو أن يحلق رأس الصبي ويترك منه مواضع متفرقة غير محلوقة تشبيهاً بقزع السحاب(1) .
عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن القزع ، قال : قلت لنافع : وما القزع ؟ قال : يحلق بعض راس الصبي ويترك بعض ( رواه البخاري ) .
والمقصود أن يكون الحلق من جميع الرأس ، لأن حلق البعض وترك البعض الآخر يتنافى مع الشخصية الإسلامية التي يتميز بها المسلم عن بقية الملل والمعتقدات ، وعن سائر أهل الفسوق والميوعة والانحلال
وقد يكون في هذا القزع تشبهاً بالكفار ، وفي الصحيحين . أن معاوية رضي الله عنه رأى قصة من شعر كانت في يد أحد الحراس فقال : يا أهل المدينة ، أين علماؤكم ؟ سمعت رسول اله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذه ويقول : " إنما هلكت بنو إسرائيل حين أتخذها نساؤهم " ثم قال معاوية : ما كنت أرى أن أحداً يفعله إلا اليهود . أه فوجب تركة لأنه فعل اليهود .

(17) ويداعب صلى الله عليه وسلم الصبي الصغير بلسانه وفمه :

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ليدلع (3). لسانه للحسن بن علي ، فيرى الصبي حمرة لسانه ، فيبهش إليه . أي يعجبه ويسرع إليه .
وعنه أيضاً قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سوق بني قينقاع متكئاً على يدي فطاف فيها ثم رجع فاحتبى في المسجد ، وقال : " أين لكاع ؟ ادعو لي لكاع " ، فجاء الحسن رضي الله عنه فاشتد حتى وثب في حبوته ، فأدخل صلى الله عليه وسلم فمه في فمه ثم قال : " اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه ثلاثاً " . قال أبو هريرة : ما رأيت الحسن إلا فاضت عيني . ولكاع ولكع هو الصغير قليل الجسم ، وتطلق على قليل العلم الغبي الأحمق

(18) ويكني النبي صلى الله عليه وسلم أهل الطفل باسمه :

عن أبي شريح أنه كان يسمى أبا الحكم ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله هو الحكم ، وإليه الحكم " . فقال : إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني ، فحكمت بينهم فرضي كلا الفريقين ، فقال صلى الله عليه وسلم : " ما أحسن هذا ، فما لك من الولد ؟" فقلت : شريح ومسلم وعبدالله ، قال : " من أكبرهم ؟ قلت : شريح ، قال : " أنت أبو شريح " . وشريح من الشرح ، وهو الإنبساط وانشراح الصدر . قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم " ( ألم نشرح لك صدرك ( [ الشرح : 1]

( 19) ويهتم صلى الله عليه وسلم بختان الطفل ( سنة الفطرة ) :

عن أسامة عن أبيه رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الختان سنة للرجال مكرمة للنساء " . ويسميه البعض : الطهار . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " الفطرة خمس : الختان ، والاستحداد ، وقص الشارب ، وتقليم الأظافر ، ونتف الآباط " .
ولكن متى يكون الختان ؟
قال ابن عباس : كانوا لايختنون الغلام حتى يدرك . قال الميموني : سمعت أحمد يقول : كان الحسن يكره أن يختن الصبي يوم سابعه ، وقال حنبل : إن أبا عبد الله قال : وإن ختن يوم السابع فلا بأس ، وإنما كره الحسن ذلك لئلا يتشبه باليهود ، وليس في هذا شيء . قال مكحول : ختن إبراهيم ابنه إسحاق لسبعة أيام ، وختن إسماعيل لثلاث عشرة سنة ، ذكره الخلال . قال شيخ الإسلام ابن تيمية : فصار ختان إسحاق سنة في ولده ، وختان إسماعيل سنة في ولده ، وقد تقدم الخلاف في ختان النبي صلى الله عليه وسلم متى كان ذلك .
قلت : قد ذكر ابن القيم هذا الخلاف وخلاصته أنه :
قيل : أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد مختوناً ، وليس في ذلك حديث ثابت .
القول الثاني : أنه ختن يوم شق الملائكة قلبه عند مرضعته حليمة .
القول الثالث : أن جده عبد المطلب ختنه يوم سابعة ، وصنع له مأدبة وسماه محمداً . وكل ذلك لم يثبت بالدليل ، ثم ختم ابن القيم بقول كما الدين بن العديم أنه صلى الله عليه وسلم ختن على عادة العرب ، وكان عموم هذه السنة للعرب قاطبة مغنياً عن نقل معين فيها ، والله أعلم .
هذا مع ما في الختان من الطهارة والنظافة والتزبين وتحسين الخلقة وتعديل الشهوة ، التي إذا أفرطت ألحقت الإنسان بالحيوانات ، وإن عدمت بالكلية ألحقته بالجمادات ، فالختان يعدلها ، ولهذا تجد الأقلف من الرجال والقلفاء من النساء لا يشبع من الجماعة .. ولا يخفى على ذي الحسن السليم قبح الغرلة ، وما في إزالتها من التحسين والتنظيف والتزيين

( 20) ويجلسهم على حجره صلى الله عليه وسلم وعلى فخذه ويشفق على مرضاهم .

ومن الأخلاق الكريمة في رسولنا صلى الله عليه وسلم أنه كان يؤتي بالصبي الصغير فيجلسه في حجره صلى الله عليه وسلم حتى أن الصبي ليبول في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فلا يرفعه إلى أهله حتى لا يظنوا أنه تضجر من ذلك .
عن أم قيس بنت محصن قالت : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن لي لم يأكل الطعام ، فبال عليه ، فدعا بماء فرشه .
وعن أم كرز الخزاعية : قالت : أتى النبي صلى الله عليه وسلم بغلام فبال عليه ، فأمر به فنضح ، وأتي بجارية فبالت عليه فأمر به فغسل . وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال : كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يأخذني فيقعدني على فخذه ويقعد الحسن بن علي فخذه الأخرى ثم يضمنا ثم يقول : " اللهم ارحمهما فإني أرحمهما " وعن أم قيس بنت محصن أنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن لها لم يبلغ أن يأكل الطعام وقد أعلقت عليه من العذرة قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " علام تدغون أولا دكن بهذا الإعلان ؟ عليكم بالعود الهندي فإن فيه سبعة أسفيه منها ذات الجنب " . قال عبيد الله : وأخبرتني أن ابنها ذلك بال في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فنضحه ولم يغسله غسلاً .
من اهتمام الإسلام بالطفل أنه يوجب إرضاعه وكفالته حتى يستغني بنفسه ، كما يوجب السعي عن رزقه وكسوته
قال الله تعالى : ( والوالدات يرضعن أولدهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار ولده بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالا عن تراضي منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن اردتم أن تسترضعوا أولدكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما ءاتيتم بالمعروف واتقوا الله وأعلموا أن الله بما تعملون بصير ) [ البقرة : 233 ] .
لقد كان غذاء الطفل في رحم أمه يأتيه بلا اختيار منها ولا اختيار منه ، عن طريق سرته التي ربط الله له بها حبلاً يوصل إليه به ذلك الغذاء ، وغذا كان على أمه حق له في فترة الحمل ؛ فهو أن تناول الغذاء المناسب ولا تهمل نفسها إهمالاً يؤدي إلى الإضرار به ، كما أن على أبيه أن ينفق عليها نفقه تكفيها .
ولكنه عندما يتيسر سبيله فيخرج من رحله الرحم ليبدأ رحله الأرض ينقطع عنه ذلك الغذاء الأضراري ، ويجب على أبو يه أن يقوما بإرضاعه : الأم ترضعه من لبنها الذي حوله الله إلى ثدييها ليسهل على الطفل تناوله ، والأب ينفق عليها ويكفيها بما تحتاج إليه ، إن فقد أبو يه أو أحدهما وجب ذلك على من يقوم مقامهما ، إما من الأقارب ، وإما من ولاة أمور المسلمين .
قال ابن حزم رحمه الله : ( والواجب على كل والدة ، حرة كانت أو أمة ، في عصمة زوج أو في ملك سيد ، أما كانت خلواً منهما ، لحق ولدها بالذي تولد من مائة أو لم يلحق ، أن توضع ولدها ، أحببت أم كرهت ولو أنها بنت الخليفة ، وتجبر على ذلك ، إلا أن تكون مطلقة . فإن كانت مطلقة لم تجبر على إرضاع ولدها من الذي طلقها ، إلا أن تشاء هي ، فلها ذلك ، أحب أبوه أم كره ، أحب الذي تزوجها بعده أم كره ، فإن تعاسرت هي وأبو الرضيع أمر الوالد أن يسترضع لولده أمراً ولابد ، إلا أن لا يقبل الطفل غير ثديها فتجبر حينئذ ، أحبت أم كرهت ، أحب زوجها إن كان لها أم كره ، فإن مات أبو الرضيع أو أفلس ، أو غاب بحيث لا يقدر عليه أجبرت الأم على إرضاعه ، إلا أن لا يكون لها لبن ، أو كان لها لبن يضر به ، فإنه يسترضع له غيرها ، ويتبع الأب بذلك إن كان حياً وله مال ..) . وتجب كفالة الطفل حتى يبلغ أشده ويقدر على القيام بمصالحة ، قال ابن قدامة رحمه الله " ( كفالة الطفل وحضانته واجبه ، لأنه يهلك بتركه ، فيجب حفظه عن الهلاك ، كما يجب الانفاق عليه وإنجاؤه من المهالك ) .
عمر رضي الله عنه يهتم بأطفال المسلمين منذ ولادتهم
كان عمر رضي الله عنه في خلافته لا يفرض لمولود علاوة وزيادة من بيت المال حتى يفطم ، ثم تراجع عن ذلك القرار ، وفرض لكل مولود من حين ولادته ، لسبب بسيط ؛ رآه عمر سبباً خطيراً ، فقد سمع ذات ليلة بكاء صبي ، فقال لأمه : أرضعيه ، فقالت وهي لا تعرفه : إن أمير المؤمنين لا يفرض لمولود حتى يفطم ، وإني فطمته ، فقال عمر : إن كدت لأن أقتله ؛ أرضيه ، فإن أمير المؤمنين سوف يفرض له ، ثم فرض رضي الله عنه بعد ذلك للمولود حين يولد . رحم الله عمراً . كان من الله خوافاً ، وعند حدوده وقافاً ، فخرج منها سالماً معافاً .
 
(21) ويبكي صلى الله عليه وسلم على الأطفال عند موتهم ويعزي فيهم أهلهم :

عن أسامة بن زيد قال : أرسلت ابنة النبي صلى الله عليه وسلم إليه أن أبناً لي قد قبض فأتنا ، فأرسل يقرى السلام ويقول : " إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل عنده بأجل مسمى ، فلتصبر ولتحتسب " . فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينها فقام ومعه سعد بن عبادة ورجال من أصحابه ، فرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبي ونفسه تقعقع كأنها شنه ، ففاضت عيناه صلى الله عليه وسلم ، فقال سعد : يارسول الله ما هذا ؟ فقال : " هذه رحمة جعلها الله في قلوب عبادة ، وإنما يرحم الله من عبادة الرحماء " .
وعن أنس قال : دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ إبراهيم ابنه فقبله وشمه ، ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه ، فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذورفان ، فقال له عبد الرحمن بن عوف : وأنت يا رسول الله ؟ فقال : "يا ابن عوف " ، ثم أتبعها بأخرى ، فقال صلى الله عليه وسلم " إن العين تدمع والقلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون .
وعن أسماء بنت يزيد رضي الله عنهما قالت : لما توفي ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم ؛ بكى رسول اله صلى الله عليه وسلم فقال له المعزي إما أبو بكر وإما عمر : أنت أحق من عظم الله حقه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول ما يسخط الرب ، ولولا أنه وعد صادق ، وموعود جامع ، وأن الآخر تابع للأول ؛ لوجدنا علكي يا إبراهيم أفضل مما وجدنا وإنا بك لمحزونون " .

(22) ويخصهم بدعاء وهو يصلي عليهم صلى الله عليه وسلم :
قال سعيد بن المسيب رحمه الله : صليت وراء أبي هريرة على صبي لم يعمل خطيئة قط ، فسمعته يقول : " الهم أعذه من عذاب القبر " .
وكان الحسن يقرأ على الطفل بفاتحة الكتاب ويقول : " اللهم اجعل لنا فرطاً وسلفاً وأجراً " .
وإن قال : اللهم اجعله فرطاً وذخراً لو الديه ، وشفيعاً مجاباً اللهم ثقل به موازينهما ، وأعظم به أجورهما ، وألحقه بصالح المؤمنين ، واجعله في كفالة إبراهيم ، وقه برحمتك عذاب الحجيم ، وأبدله داراً خيراً من داره ، وأهلاً خيراً من أهله ، اللهم أغفر لأسلافنا وأفراطنا ومن سبقونا بالإيمان فحسن .
(23) ويبشر صلى الله عليه وسلم بشفاعتهم لأبويهم إذا صبروا على فقدهم :
عن أبي حسان قال : قلت لأبي هريرة : إنه قد مات لي ابنان ، فما أنت محدثي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث تطيب به أنفسنا عن موتانا ؟ قال : نعم ، صغارهم دعاميص الجنة يتلقى أحدهم اباه أو قال أبويه فيأخذ بثوبه أو قال بيده كما آخذ أنا بصنفة ثوبك هذا ، فلا يتناهى أو قال : فلا ينتهي حتى يدخله الله وإياه الجنة " .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من مسلمين يموت لهما ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث ، إلا أدخلهما الله وإياهم بفضل رحمته ، وقال : يقال لهم : أدخلوا الجنة ، قال : فيقولون : حتى يجيئ أبوانا ، قال : ثلاثة مرات فيقولون مثل ذلك ، فيقال لهم : أدخلوا الجنة أنتم وأبواكم "
(24) وكان صلى الله عليه وسلم يرحم بكاء الطفل في الصلاة فيخففها :
عن أنس رضي الله عنه قال : ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم من النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان ليسمع بكاء الصبي فيخفف عنه مخافة أن تفتن أمه . ويؤكد صلى الله عليه وسلم ذلك بنفسه فيقول : " إني لادخل الصلاة وأنا أريد أن أطيلها فأسمع بكاء الصبي فأتجاوز في صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه " .
(25) ويناديهم صلى الله عليه وسلم بكنيتهم تكريماً لهم :
وهذا من كريم أخلاقه صلى الله عليه وسلم . يقول أنس رضي الله عنه : كان رسول الله أحسن الناس خلقاً ، وكان لي أخ يقال له أبو عمير ، قال : أحسبه فطيماً ، وكان إذ ا جاء أي النبي قال : يا أبا عمير ... " . وكان أنس رضي الله عنه يجتني بقله وكانت حامضة فيها لذع وحموضه ، والشيء الحامض يقال له : حامز، والبقلة الحامضة التي جناها أنس سميت حمزة بفعل طعمها اللاذع ، فكنى الرسول صلى الله عليه وسلم أنساً ببقلته أبا حمزة يقول رضي الله عنه : كناني رسول الله صلى الله عليه وسلم بيقله كنت أجتنيها .
(26) ويحسن النداء صلى الله عليه وسلم للصغار حتى من الخدم :
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يقولن أحدكم : عبدي ، وأمتي ، كلكم عبيد الله ، وكل نسائكم إماء الله ، وليقل : غلامي ، وجارتي ، وفتاي ، وفتاي " .
والله لو التزم أكثرنا التواضع ؛ لصلحت أمور وأمور .
(27) ويحمله صلى الله عليه وسلم في صلاته :
عن عبد اله بن شداد رضي الله عنه قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشاء وهو حامل حسناً أو حسيناً ، فتقدم رسولالله صلى الله عليه وسلم فوضعه ثم كبر للصلاة فصلى فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها ، قال أبي . فرفعت رأسي وإذا الصبي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد ، فرجعت إلى سجودي ، فلما سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر وأنه يوحى إله ، قال : " كل ذلك لم يكن .
ولكن ابني ارتحلني فكرهن أن أعلجه حتى يقضي حاجته "
وعن أبي قتادة الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل لأمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولأبي العاص بن ربيعة بن عبد شمس رضي الله عنه فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها . وللنسائي : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤم الناس وهو حامل أمامة بنت أبي العاص على عاتقه ، فإذا ركع وضعها ، وإذا رفع من سجوده أعادها . وتوضح رواية النسائي أن حمله لأمامة كان في صلاة الفريضة .
(28) ويأمر صلى الله عليه وسلم بتلقين الطفل كلمة التوحيد:
فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " فتحوا على صبيانكم أول كلمة لا إله إلا الله ، ولقنوهم عند الموت لا إله إلا الله . " والمقصود أن هذا إنما يكون أول ما يفصح الطفل ، ويبدأ في تعلم الكلام . وقد قرأت في إحدى الصحف تحت رسم كاريكاتوري عبارة ، يقول المغني لزوجته وهو ينظر بإعجاب إلى ولده : ( أول ما نطق لم يقل يا بابا ، قال يا ليل !! ) وليس غريباً أن يصدر مثل هذا من أهل الغناء والموسيقى ، ولكن البلوى ، أن تعم البلوى ، فيمن ساروا خلفهم من المنتسبين إلى الإسلام فصاروا يلقنون أبناءهم ما قاله المغني الكاريكاتوري لزوجته . ولأمثلة كثيرة ومريرة ، وسأذكر مثالاً واحداً : رأيت رجلاً معه طفل صغير عمره أربع سنوات ، ورجل المغنين ، فقال له الرجل : وهل تستطيع أن تغني ولسانه لم يكمل بعد نطق بعض الحروف ، فكان ينطق الكاف تاءاً فيقول :
حلو وتداب ، ليه سدقتك ؟ الحق عليه اللي طاوعتك
والكلام لا يحتاج إلى تعليق ، وعلى كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ؛ أن يتساءل معي : إلى أين نسير بمثل هؤلاء الأطفال ؟ وأين هؤلاء الأطفال من أطفال سلفنا الذين كان أهلوهم يصطحبونهم إلى ميادين الحروب يركبونهم الخيل ويوكلون بهم من يقوم على أمرهم حتى تنتهي الحرب ؟
( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام .. ) [ الأنعام : 125] .
( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) [ ق : 18].
(29) ويقطع صلى الله عليه وسلم خطبته ويترك منبره ليرحم عثرتهم :
عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبنا إذ جاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران ، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر فحملهما وضعهما بين يديه ، ثم قال : " صدق الله ( إنما أموالكم وأولادكم فتنه ) ، فنظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما " .
(30) ويمازحهم صلى الله عليه وسلم مزاحاً لطيفاً بالقول والفعل :
يقول أنس بن مالك رضي الله عنه : إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخالطنا حتى يقول لأخ لي صغير : " يا أبا عمير !ما فعل النغير ؟ " .
وكان صلى الله عليه وسلم يصلي فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره ، فإذا أرادوا أن يمنعوهما أشار إليهم أن دعوهما . وهذا من سماحة الإسلام ، ويسر هذا الدين الذي يهتم بالأطفال هذا الاهتمام العظيم مراعاة لنفسية الطفل ومجاراة لميوله ورغباته .
(31) ويهتم صلى الله عليه وسلم بتهذيب مظهرهم وحلاقتهم :
عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى صبياً قد حلق بعض شعر رأسه وترك بعضه فنهاهم عن ذلك وقال : " احلقوه كله أو أتركوه كله ".
إن رسولنا صلى الله عليه وسلم لا يحب تشويه منظر الطفل ، ولا تشبيه مظهره بمظهر أبناء الكفار ، ولا أن يكون حبناً لأطفالنا دافعاً لنا أن نفعل فيهم الأفاعلي ،وإنما أراد لأبناء المسلمين أن يكون لهم مظهراً مميزاً وشخصية مستقلة ، غير مقلدة لوا محاكية لشخصيات غير مسلمة كما يرى في واقع كثير من الناس اليوم إلا من عافاه الله .
( 32) ويشرف بنفسه صلى الله عليه وسلم على حلاقتهم :
عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أمهل آل جعفر ثلاثاً أن يأتيهم ثم أتاهم فقال : " لا تبكوا على أخي بعد اليوم " يريد إنهاء الحداد عليه ، ثمقال " " ادعوا لي بني أخي " فجيئ بنا كأنا أفرخ ، فقال : أدوا لي الحلاق " فأمره فحلق رؤوسنا .وهذا فيه هدي وإرشاد للآباء أن يشرفوا بأنفسهم على حلاقة أبنائهم ، ويقرروا متى يحلقونه ومتى يتركونه ، ولا يتركون للأبناء الحرية في ذلك ، فربما قلدوا أصحاب القصة وصنعوا مثل أرباب الشوشة !! وتركوا هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم .
(33) ويحملهم على عاتقه وعلى دابته :
وعن عبد الله بن جعفر أيضاً قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم . إذا قدم من سفر تلقي بصبيات أهل بيته ، قال : وإنه جاء من سفر فسبق بي إليه فحملني بين يديه ، ثم جيء بأحد ابني فاطمة الحسن والحسين رضي الله عنهما فأردفه خلفه ، قال : فأدخلنا المدينة ثلاثة على دابه . وحمل صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين على عاتقيه وقال : " نعم الراكبان هما ، وأبوهما خير منهما " .
وعن عمر رضي الله عنه قال : رأيت الحسن والحسين على عاتقي النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : نعم الفرس تحتكما ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ونعم الفارسان " .
وعن جابر قال : دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يمشي على أربعة وعلى ظهره الحسن والحسين رضي الله عنهما وهو يقول : " نعم الجمل جملكما ونعم العدلان أنتما " .
وعن البراء بن عازب قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فجاء الحسن والحسين أو أحدهما فركب على ظهره فكان إلا رفع رأسه قال بيده فأمسكه أو أمسكهما قال: " نعم المطية مطيتكما " .
إنه التواضع من سيد الخلق ، والاهتمام بالنشيء لبناء شخصيتهم وربطهم بمعلمهم الأعظم وقدوتهم الأكرم ؛ محمد صلى الله عليه وسلم
(34) ويسرع في البحث عنهم إذا فقدهم :
عن سلمان رضي الله عنه قال : كنا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت أم أيمن رضي الله عنها ، فقالت : يارسول الله ، لقد ضل الحسن والحسين رضي الله عنهما ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " قوموا فاطلبوا بني " وأخذ كل رجل وجهة ، وأخذت نحو النبي صلى الله عليه وسلم فلم يزل حتى أتيى سفح جبل ، وإذا شجاع قائم على ذنبه ، يخرج من فيه شرر النار ، فأسرع إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فالتفت مخاطباً ثم أنساب فدخل في بعض الأجحار ، ثم أتاهما فأفرق بينهما ثم مسح وجوههما وقال : " بأبي وأمي أنتما ما أكرمكما على الله ، ثم حمل أحدهما على عاتقه الأيمن والآخر على عاتقه الأيسر " .. الحديث .
(35) ويعلمهم صلى الله عليه وسلم أدب اللباس :
عن عبد اللهبن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال : رأى النبي صلى الله عليه وسلم علي ثوبين معصفرين فقال : " أمك أمرتك بهذا ؟" قلت : أغسلهما ، قال : " بل أحرقهما " ، وفي رواية قال : " إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها " . فكيف لو رأى النبي صلى الله عليه وسلم من يلبسون أطفالهم ملابس عليها شعارات الكفر وراياته ، كعلم اليهود ، أو عليها صورة داعرة ، أو أمرأة كافرة ، أو وثنى لاعب كره ، وغير ذلك مما حرمته الملة الآخرة ؛ أو وثني لاعب كرة ، وغير ذلك مما حرمته الملة الآخرة ؛ الإسلام . .
وقد قالعمر لعتبه : إياكم والتنعم وذي أهل الشرك ، ولبوس الحرير ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبوس الحرير . وقال علي بن أبي صالح السواق : كنا في وليمة فجاء أحمد بن حنبل ، فلما نظر إلى كرسي في الدار عليه فضه ؛ فخرج فلحقه صاحب الدار فنفض يده في وجهه وقال رحمه الله : زي المجوس . وكذلك حذيفة بن اليمان ، لما دعي إلى وليمة قراى شيئاً من زي العجم خرج وقال : من تشبه بقوم فهو منهم
 
( 36) ويرحمهم صلى الله عليه وسلم بالبشاشة والقبلة ويرغب الآباء في رحمتهم :
عن أبي هريرة قال : قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي رضي الله عنه وعنده الأقرع بن حابس جالساً ، فقال الأقرع : إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً ، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : "من لا يرحم لا يرحم " ، وقال ثابت عن أنس : أخذ النبي صلى الله عليه وسلم إبراهيم فقبله وشمه .
ومن ترغيبه صلى الله عليه وسلم للآباء في رحمة الأبناء ما قاله أنس : أن امرأة جاءت إلى عائشة رضي الله عنها فأعطتها ثلاث تمرات ، فأعطت كل صبي لها تمرة ، وأمسكت لنفسها تمرة ، فأكل الصبيان التمرتين ونظرا إلى أمهما ، فعمدت الأم إلى التمرة فشقتها فأعطت كل صبي نصف تمرة ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته عائشة رضي الله عنها :" وما يعجبك من ذلك ، لقد رحمها الله برحمتها صبييها " . وفي الصحيح أن المرأة كان معها بنتان ، إلى نهاية القصة فلما أخبرته عائشة قال : " من ابتلي بشيء من هذه البنات فأحسن إليهن كن له ستراً من النار " .
(37) ويداعبهم صلى الله عليه وسلم بشتى الأساليب اللطيفة :
أخي المربي ، هل تتخيل أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو سيد البشر كان يتواضع للأطفال عامة ولأولاده خاصة ؟ فكان يحمل الحسن صلى الله عليه وسلم على كتفه كما تقدم ، ويضاحكه ويفتح فمه ويقبله ، ويريه أنه يريد أن يمسك به وهو يلعب فيفر الحسن هنا وهناك ، ثم يمسكه النبي صلى الله عليه وسلم . وكان يضطجع فيأتي الحسن والحسين فيلعبان على بطنة ، وكانا يركبان على ظهره وهو يصلي ، بل كان صلى الله عليه وسلم كما قال جابر يمشي على أربع ، وعلى ظهره الحسن والحسين وهو يقول : " نعم الجمل جملكما ، ونعم العدلان أنتما " .
وعنه أنه عليه الصلاة وأفضل السلام كان يرقص الحسن والحسين ويقول :
حزقه حزقه ترق عين بقه
فترقى الغلام حتى وضع قدميه على صدره صلى الله عليه وسلم ، والحزقة : هو الصغير الضعيف . وقيل : القصير العظيم البطن ، فذكرها له على سبيل المداعبة والتأنيس له ، وترق : بمعنى اصعدا ، وعين بقة : كناية عن صغر العين . والمعنى : أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يلعب الحسن بيديه الشريفتين ليرفعه على صدره ويقول له الذي معناه : أصعد يا صغيري على صدري، أصعد يا صغير العين مثل البقة . لكنه في ذلك الوقت ينهي صلى الله عليه وسلم عن الألفاظ غير اللائقة عند ممازحة الطفل ومداعبته ، فقد مر عليه الصلاة والسلام بامرأة سوداء ترقص صبياً وتقول :
ذؤاك يا بن القرم ذؤاله يمشي الثطا ويجلس الهبنقعه
فقال لها صلى الله عليه وسلم " لا تقولي ذؤاك فإنه شر السباع " . والمعنى أنها تقول لصبيها : يا ذئب يا بن سيد القوم ، مشيتك حمقاء وجلستك حمقاء لصغره ، وعدم قدرته على السير .
بهذا المداعبة والملاطمة للطفل والتصابي معه ومحاكاته ومجاراته ؛ كان يفيض صلى الله عليه وسلم حناناً وعطفاً وعاطفة صادقة يغذي بها نفوس الأطفال ، بعيداً عن الجفاء والقسوة ، والشدة والغلظة . وصدق الله فيه : ( وإنك لعلى خلق عظيم ) [ القلم : 4] .
(38) ويهاديهم بالهدايا ويعطيهم ويمسح رؤوسهم :
عن أبي هريرة قال : كان الناس إذا رأوا الثمر ، جاءوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أخذه قال :" اللهم بارك لنا في ثمارنا ، وبارك لنا في مدينتنا ، وبارك لنا في صاعنا ومدنا " ... إلى أن قال : " بركة مع بركة " ثم يدعو أصغر وليد يراه فيعطيه ذلك التمر .
وعن جابر بن عبد الله قال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر أو العصر فلما سلم قال لنا : " على أماكنكم " قال : جرة فيها حلوى ، فجعل يأتي على رجل رجل فيلعقه لعقة لعقة ، حتى أتى علي وأنا غلام فألعقني لعقة ، ثم قال : " أزيدك ؟ " قلت : نعم ، فألعقني لعقه ثم قال : " أزيدك ؟ " قلت : نعم ، فألعقني أخرى لصغري ، فلم يزل كذلك حتى أتى على آخر القوم .
وعن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلنا عليه أنا وغلمة معي فوجدناه يأكل تمراً في قناع ومعه ناس من أصحاب فقبض لنا من ذلك التمر قبضة قبضة ومسح على رؤوسنا .
(39) ويؤكد صلى الله عليه وسلم على الصدق معه وعدم الكذب عليهم :
عن عبد الله بن عامر قال : دعتني أمي ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا ، فقالت : ها تعال أعطيك ، فقال لها صلى الله عليه وسلم : " ما أردت أن تعطيه ؟" قالت : أعطيه تمراً ، فقال لها : " أما إنك لو لم تعطه شيئاً ، كتبت عليك كذبة " .
إن الأطفال يراقبون سلوك الكبار ويقتدون بهم ، فلا يجوز للوالدين خداع الطفل بأية وسيلة .
(40) ويترك للصغير فرصة يتلهى معه صلى الله عليه وسلم :
ربما يمزح الطفل الصغير مع الرجل الكبير ، وربما يعبث في ثوبه أو في لجيته ، وزجره في هذه الحالة كسر لنفسه وجرح لشعوره ، وتعويد له على الانطواء والوحدة ، لكن مقابلة ذلك بالابتسامة والإعجاب ؛ يدخل السرور على الطفل ، ويشجعه على مخالطة الكبار والاستفادة منهم ، كما يربي فيه الشجاعة الأدبية .
وقد حدث مثل هذا مع النبي صلى الله عليه وسلم فعن أم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص قالت : أتي النبي صلى الله عليه وسلم بثياب فيها خميصة سوداء صغيرة فقال : " من ترون أن نكسو هذه ؟ "
فسكت القوم ، قال : " ائتوني بأن خالد " ، فأتي بها تحمل فأخذ الخميصة بيده فألبسها . وفي الرواية الأخري : ثم قال صلى الله عليه وسلم : " سنة سنة " ، وهي بالحبشية بمعنى حسنة ، قالت : فذهبت ألعب بخاتم النبوة فزيرني أبي ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" دعها " ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أبلي وأخلقي ، ثم أبلي وأخلقي ثم أبلي وأخلقي " قال عبد الله : فبقيت حتى ذكر ، يعني من بقائها .
يعني : طال عمرها بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم أبلي وأخلقي ، والثوب الخلق : هو البالي . وكانت الطفلة الصغيرة أم خالد مع أهلها في هجرة الحبشة ، فلذلك داعيها النبي صلى الله عليه وسلم بلهجة أهل الحبشة التي تفهمها : " سنة سنة " .
 
الوسوم
الأعمار رسولنا كامل لكل منهج والأطفال
عودة
أعلى