نعمات احمد فؤاد

املي بالله

نائبة المدير العام
هي متفردة منذ بداية تخصصها في الأدب‏,‏ فقد كانت صاحبة أول رسالة ماجستير في الأدب الحديث‏,‏ بعد تخرجها في كلية الآداب جامعة القاهرة‏,‏ عن أدب المازني

وربما كان عشقها لنهر النيل سببا لاختياره موضوعا لتحصل به علي رسالة الدكتوراه عام‏1952,‏ بعنوان النيل في الأدب والذي تناولته أيضا في كتابين ضمن أكثر من ثلاثين كتابا قدمتها للمكتبة العربية في مجالات‏:

‏ الأدب والفن والنقد والسياسة والدين‏,‏

لعل أهمها كتب

قمم أدبية وخصائص الشعر الحديث
ودراسة في أدب الرافعي والأخطل الصغير‏,‏
وأعيدوا كتابة التاريخ‏
,‏ ومن عبقرية الإسلام وغيرها

كما كتبت العديد من المقالات الصحفية في مصر والعالم العربي كشفت من خلالها كثيرا من القضايا المهمة منها ما وصل إلي ساحة القضاء‏,‏ ووقفت ضد دفن النفايات الذرية في مصر‏,‏ وقدمت إلي وزارة الخارجية المصرية قائمة بالآثار التي استولت عليها إسرائيل من أرض سيناء أثناء الاحتلال‏.‏
وقد عرفت بمواقفها المعارضة لسياسة وزارة الثقافة‏,‏ فرفضت إهداء وسفر الآثار المصرية إلي الخارج الذي يعرضها للنهب ودافعت عن الآثار الإسلامية‏,‏ ومعارضتها لمشروع هضبة الهرم‏,‏ كما طالبت بمنع المساس بماء النيل أو مد قطرة منه لإسرائيل‏,‏ وكذلك رفضت التعديات الداخلية عليه‏.‏

ولعل مواقفها الوطنية في الدفاع عن قضايا الأمة هو ما جعل جمعية لسان العرب تختارها في‏30‏ نوفمبر‏1999‏ لتكون أم العرب

وبرغم كثرة انتقادها لسياسة وزارة الثقافة فإن فاروق حسني قام بتكريمها في إبريل‏2006‏ في احتفال وزارة الثقافة بيوم التراث العالمي‏,‏ وحينها أعلنت أنها مع هذا التكريم لن تتردد في نقد السلبيات إن وجدتها تضر بالبلد‏,‏ وأنها ستواصل الدفاع عن التراث المصري والفرعوني والمسيحي والإسلامي‏,‏ وقد أهلتها مواقفها في الدفاع عن قضايا الوطن لاختيارها عضوا في لجنة العلوم والحضارة بالمجلس الأعلي للشئون الإسلامية‏,‏ وعضو اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية ورئيس الجمعية العلمية للمحافظة علي التراث والآثار التاريخية‏.‏

وقد شغلت عدة مناصب‏,‏ فضلا عن قيامها بالتدريس في جامعات دولية‏,‏ وهاهي أخيرا تحصل علي جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية‏.‏



مؤلفاتها حالة من الإبداع الممزوج بالفكر والفلسفة .. وتمرد علي المعتاد
لم تكن كلماتها في مؤلفاتها مجرد عبارات تسطرها يداها بأمر من عقلها، كانت تسكب علي الورق من روحها، وتضيف له من خبراتها المدعومة بقراءات متعددة في كتب من سبقوها، دون أن تشترط تقديم المألوف والمعتاد أو المتفق عليه، بل يمكنها أن تقدم لقارئها صورة جديدة تاركة له خيار التأمل والقبول أو الرفض.
من أوائل أعمال دكتورة نعمات أحمد فؤاد كانت رسالتها لنيل الماجستير وكانت عن أدب المازني والتي تحولت فيما بعد لكتاب طبع وبيع في الأسواق. ويعد هذا الكتاب أول رسالة علمية في الجامعات المصرية تتناول شخصية من الأدب الحديث، حيث كان الجميع يركن إلي البحث في الأدب العربي القديم أو الآداب الغربية والمقارنة.
ومن بين مؤلفات الدكتورة نعمات نذكر كتاب «رسائل إلي ابنتي» الذي بدأت فيه في نحو العام ١٩٥٥، قصة الكتاب كما ترويها لنا بدأت منذ لحظة معرفتها بأنها باتت علي شفا خطوة من الأمومة، فبدأت في كتابة ما يطرأ علي بالها من عبارات تعبر عن مشاعرها تجاه جنينها، وعقب الولادة العسرة التي ألمت بها، شعرت بالخواطر تنهال علي رأسها وبخاصة بعد علمها بأن المولودة أنثي، فطلبت من الممرضة أوراقاً وقلماً فكتبت ما كتبت وليحوي الكتاب إلي جانب المشاعر، المعلومات التي تزرع في النفس الانتماء، وتنشط في الروح العزة، وتفتح للعقل الآفاق.
فبعد فصول الأحاسيس، تتنقل بالحديث بين الفلاحة المصرية إلي المرأة العربية، ثم تأخذك لتحكي عن قيمة المال، وقيمة الصداقة، ومعني الدين والثقافة، وفن اختيار الزوج.
الطريف أن هذا الكتاب رغم بدئها الكتابة فيه منذ الخمسينات، فإنه لم يخرج للنور بطبعته الأولي إلا في العام ١٩٨٤، حيث انتظرت لتكتب مشاعرها تجاه ابنتها الثانية «فينان»، وولدها الوحيد ذي الاسم المركب «أحمد فؤاد»، الذي حمل اسم والدها.



ومن بين كلماتها في فصل الكفاح تقول:

«الحصول علي ورقة يانصيب قيمتها بضعة آلاف من الجنيهات لذيذ ومريح، ولكني لا أتمني لك يا ابنتي أن تربحي ورقة يانصيب فمثل هذا المال يذهب بسهولة كما جاء، وإن مكث فلا طعم له ولا بركة فيه، إن خير المال المندي بالعرق».
وتهدي كلماتها للفلاحة المصرية في فصل خاص بها قائلة:

«إلي تلك التي امتزجت بوادينا وحملت طابعه فجمعت في كيانها النحيل طيبة الأرض، وعذوبة السماء، وصبر الصحراء الذي لا ينفد».
وتعرف الصداقة في فصلها فتقول:

«الإنسان خامة..وتشغيل الخامة هو الصداقة».
ثم تقول في موضع آخر محدثة إياها عن الإيمان وأثره:


«علمتني الحياة أن الإيمان مرفأ ترسو عليه بشرية الإنسان بأوهامه ومخاوفه وأحلامه أيضاً، ولا يؤنس الإنسان شئ كصلته بربه، مهما حلق في الفضاء وهبط علي سطح كوكب أو آخر فما أوتي من العلم إلا قليلا».
من روائع نعمات أحمد فؤاد كتاب «الجمال والحرية والشخصية الإنسانية في أدب العقاد» تحدثت فيه عن شخصية هذا المبدع الذي تملأ الكتب طرقات وغرف منزله الذي يعيش فيه بمفرده بلا زوج تؤنس وحدته. وهو ما عبرت عنه بقولها:
«وكأنه منذور للمعبد....فقد وهب نفسه للكتابة ووهبت نفسها له»،
وتقول في موضع آخر:
«مسكين الكاتب العملاق في توحده... نخلة سامقة وسط الحجر».
وتقول عن أسلوبه:
«هو خير من تتمثل عنده دقة اللفظ العربي ومطابقته للفكرة..الكلمة عنده قفاز محبوك».
ولنعمات أحمد فؤاد العديد من المؤلفات التي تقترب من الأربعين كتاباً من بينها «أزمة الشباب»، «الأدب والحضارة»، «أم كلثوم وعصر من الفن» وهو الكتاب الذي تقول عنه: «عند انتهائي من كتابة هذا المؤلف الذي لم أكتبه كسيرة ذاتية فقط ولكن كتأريخ لعصر شامل، ذهبت إلي الست أم كلثوم كي أعرضه عليها قبل طبعه، فقرأته ونال إعجابها ولكنها تحفظت علي بعض نقاط وردت به أذكر منها ما كتبته عن مكانتها وقت أن كانت منيرة المهدية سلطانة الطرب، احتكمنا لشاعر الشباب أحمد رامي فجاء في صفي».
كتاب آخر لنعمات أحمد فؤاد هو «من عبقرية الإسلام»، الذي تقول في مقدمته:

«كم قرأت لأكتب هذا الكتاب عن الإسلام، كم تأملت وكم تمليت، كم وعيت وكم استوحيت، وبعد هذا كله جاء مجرد لمحة من نوره ونفحة من هداه»
وتقول في موضع آخر عن شخصية المجتمع في الإسلام:
«إذا ضممنا آيات الشوري في القرآن إلي آيات المجادلة الحسنة، فإننا نلمح حض القرآن علي وجوب دور الرأي العام، وأن الرأي العام له رقابة نفسية بمعني أنه إذا صلح هذب الآحاد والجموع وإذا فسد وتقاعس فسد المجتمع، ووسيلة المجتمع إلي إيجاد مجتمع فاضل هو الحياء والاستتار، فالحياء قيد اجتماعي، والاستتار حصر للشر».

الطريف أن ممتلكات الدكتورة نعمات أحمد فؤاد من الكتب تجاوزت كما تقول ابنتها حنان الأربعين ألف كتاب وهو ما دفع بها للتضحية بميراثها وبناء مكتبة ضخمة علي الطراز العربي في قطعة أرض يمتلكها زوجها الأستاذ محمد طاهر في طريق الهرم حفاظاً علي ذلك التراث النادر الذي ضاق به المنزل.
وقد سجلتها مؤسسة الأغاخان الثقافية كإحدي المكتبات النادرة التي أسسها فرد.
معارك طرقت بابها:
من «هضبة الهرم» إلي دفن النفايات مروراً بسياسات وزارة الثقافة
قالوا عنها إنها امرأة ما فتأت تخرج من معركة إلا لتدخل أخري جديدة، لا يعنيها الجهد بقدر ما تعنيها النتيجة.
تارة تحارب الفساد الذي أراد يوماً بيع هضبة الأهرام لمستثمر كندي لبناء منتجع سكني بها،


وأخري تحارب الجهل الذي لم يمانع في أن تكون مصر مدفناً للنفايات النووية

، وثالثة تعادي الأمية التعليمية والثقافية علي صفحات الجرائد رافضة بيع العقل والموروث المصري.
هي تقول عن نفسها:
«لم أختر يوماً معركتي بل كانت معاركي هي التي تختارني، ولم أظن أنني في يوم ما سأخوض أي معركة، كانت البداية في منتصف السبعينيات عندما أرسل لي أحد طلابي حينما كان مبتعثاً في كندا، مجلة كندية علي غلافها صورة لرجل علي هيئة صقر يفرد جناحيه علي الأهرامات، وعنوان الغلاف «عودة بيتر مونك»، بينما تروي صفحات المجلة من الداخل كارثة بيع عشرة آلاف فدان من هضبة الأهرامات لهذا المستثمر الكندي مقابل نحو ٢ مليون دولار، بالمشاركة مع شركة مصر لتنمية السياحة، وهو رجل كما قالت المجلة سبق طرده من إحدي الولايات الكندية وتغريمه مبلغ طائل لخداعه لهم.
جن جنوني حين علمت الخبر وسألت عن الشركة وعنوانها وتتبعت أساس الموضوع ووجدت أن صحيفة «التيمس» أطلقت صيحة في عام ١٩٧٥ لحماية الأهرامات وهضبتها من تلك الصفقة أي قبل معرفتنا بهذه الكارثة بنحو عامين، تأكدت من المعلومات التي جمعتها وبدأت معركتي بمقال في جريدة الأهرام نشر بتاريخ السابع من يوليو عام ١٩٧٧ كان بعنوان «مدينة سياحية عند الهرم» أكدت فيه رغبتي في إعمار كل شبر في مصرنا، خاصة بعد أن كثر الحديث عن المدن والقري السياحية، ولكن هذا لا يعني أن نأتي بعدد البناء لتدك وتحفر وتوصل أنابيب المياه والصرف إلي منطقة الأهرامات. مؤكدة أن أصحاب الأموال غير أصحاب الحضارة.
بعد مقالي هذا حادثني رئيس مجلس إدارة الشركة علي الهاتف ورجاني أن أزور المشروع قبل مهاجمته معلنا عن يقينه بتغييري رأيي في حال مشاهدة الورق الخاص به، فحددت موعد لقائي به فعرض علي كتالوج المشروع بما فيه من صور المباني وملاعب الجولف التي ينوون إقامتها، فكان أول ما لفت نظري أن الطراز المعماري الذي اختاروه للمنتجع هو الطراز الأندلسي، وعندما تساءلت في سذاجة عن السبب قيل لي إن ذلك جاء بسبب رخص التكاليف حيث إن إقامة المشروع علي الطراز الفرعوني مكلف للغاية. وهالني ما أري وأسمع فكل بلاد العالم المتحضر تحرص علي الزمن في كل مبني قديم وتمنع قيام الحديث إلي جانبه لتحقيق وحدة الطابع ومحاولة اصطناع العراقة، فكيف نفكر عكس ذلك؟».
بالطبع فشل المسؤول في منح دكتورة نعمات أحمد فؤاد إجابة مقنعة فلجأ للتهديد تارة بإخبارها بأسماء كبار المسؤولين الحاجزين لفيلات في المشروع، وتارة أخري بإغرائها بمنحها فيلا هي الأخري في حال التزامها للصمت. فانصرفت ليكون مقالها في اليوم التالي الموافق ١٣ يوليو عام ١٩٧٧ بجريدة الأخبار تحت عنوان «ارفعوا أيديكم عن هضبة الأهرام».
أكدت فيه أن الهضبة ليست ملكاً لوزارة أو نظام أو لشركة، ولكنها ملك للهرم والتاريخ والحضارة الإنسانية، مشيرة إلي أن المصريين يعيشون علي عنصرين النيل الذي يطعم ويسقي، والهرم الذي يشد إليه الرحال من كل بلاد الدنيا فيعطي لمصر المال والقيمة الحضارية.
واختتمت مقالها بعبارة

«إن الآثار أعراضنا فابقوا لنا الماضي.. إبقوا لنا شيئاً».
لم يأت المقال بالنتيجة التي رجتها فلم يتحرك أحد، فسارعت لكتابة سلسلة من المقالات «أصدرت وزارة السياحة بيانا للرد علي مقالاتي نشر في جريدة الأخبار بتاريخ ٤ سبتمبر من عام ١٩٧٧ أكدت فيه أن العقد الخاص بالمشروع يتضمن حق الانتفاع بالأرض لا بيعها بسعر ٤٠ قرشاً للمتر وهو سعر مناسب،
كما أشار البيان إلي أن المشروع سيحقق أرباحاً تقدر بستة ملايين دولار في السنة الأولي، تصل إلي ٤٠ مليون دولار في سنته السادسة، إلي جانب ما سيوفره من فرص عمل، إلي جانب العديد من البنود التي فندتها في مقالي التالي، وأكدت فيه أن وزارة السياحة تستخف بعقلية المصريين وبرلمانهم بعد موافقتها علي مشروع كهذا من دون الرجوع إلي مجلس الشعب، مستندة في رأيي علي الوثائق التي حصلت عليها وتشير إلي خداع المستثمر الكندي».
كان لهذا المقال دوره في تدخل مجلس الشعب بعد تكاتف الرأي العام والمثقفين مع مقالات دكتورة نعمات أحد فؤاد ليصدر قرار رئاسي فيما بعد في مطلع الثمانينيات بوقف المشروع.
استغرقتها معركة جديدة بدأت بعدما نما لعلمها عن توقيع مصر والنمسا لبروتوكول اتفاقية في العام ١٩٧٨ يقضي باستقبال أول شحنة نفايات ذرية كانت قادمة من النمسا لدفنها في صحراء مصر الشرقية.
وهي المعركة التي كتبت فيها المقالات وحاضرت في الندوات بالتعاون مع الدكتور حامد عبد الله ربيع، الذي كان يشغل وقتها رئاسة قسم السياسة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، تلك الواقعة تقول عنها دكتورة نعمات: «وقع تحت يدي بنود الاتفاقية فوجدتها يشوبها حالة من الغموض والتنازلات من الجانب المصري بلا أي مقابل، وكأنه من دواعي سرورنا وإحساسنا بالمكانة الدولية أن نتقبل نفايات النمسا الذرية، بينما تدل القراءة الجيدة للاتفاقية علي أن بنودها لا تعدو إلا أن تكون تأجير لبعض الأراضي المصرية لصالح الطرف النمساوي.
وبهذا وجدتني وقد دخلت معركة جديدة لم أسع لها، فكنت أصور الأوراق والمستندات وأوزعها علي الحاضرين لإطلاعهم علي خطورة الاتفاقية وهو ما أثار الرأي العام العالمي وبالطبع وصل الأمر للرأي العام في النمسا، حتي فوجئت في أحد الأيام بسفير النمسا في القاهرة يأتي لزيارتي في منزلي مقدماً اعتذار بلاده، ومؤكداً عدم المضي في المشروع من قبل حكومته».
وتضيف دكتورة نعمات متذكرة

: «كان لمناهضتي لمشروع الهضبة واتفاقية دفن النفايات في مصر، أثرهما في وضع اسمي في قائمة الاعتقالات التي طالت مصر في سبتمبر ١٩٨١، وكنت أتوقع ذلك إلا أن اسمي رفع في اللحظة الأخيرة بعد زوال أسباب الصدام.
في عصر الرئيس مبارك خاضت نعمات أحمد فؤاد معارك لا معركة واحدة ضد وزير الثقافة فاروق حسني معترضة علي ما يقيمه من معارض للآثار المصرية خارج مصر، مؤكدة أن في سفر الآثار الكثير من الأخطار عليها، وأن علي من يريد رؤية آثارنا المجيء لها، وأنه لا توجد دولة في العالم تفعل ما نفعله مقابل حفنة من الجنيهات،

كتبت نعمات أحمد فؤاد الكثير ولكنها خسرت المعركة التي لم يستمع لها فيها أحد، إلا أن عروس النيل كسبت احترام الجميع
 
حلا

نعمات احمد فؤاد
 
الوسوم
احمد فؤاد نعمات
عودة
أعلى