روايــة السفر إلى حيث يبكي القمر

[font=&quot]أمي وموت مازن وزواج أبي!.[/font]
[font=&quot] ورغم الحزن في نظرات الطفولة فقد اقترب ناجي من الحمامة البيضاء، مدّ يده كي يمسها، ارتعش، ثم ابتعد باسماً فضحك الجميع ما عدا جدتي التي ظلت واجمة يكسو الاضطراب ملامح وجهها. [/font]
[font=&quot] ولأني عدلت عن شراء سكين للذبح واشتريت حمامتين فقد ألقيت خطبة داخل سكون قلق روحي المظلمة قائلاً من دون أن أحرك شفتيّ :[/font]
[font=&quot]" أخوتي سامحوني، لا تراقبوني، لا تنظروا، فشيطان الانتقام يزمجر في داخلي بزمجرة تسدّ نوافذ إنسانيتي كلّها سأكون الآن أحد أبطال فيلم حقيقي، ينفذ مشهداً حياً"، وبقبضةٍ جنونيةٍ حاقدةٍ شديدة اللؤم أمسكت بعنق الحمامة البيضاء ولويته بعد أن صرخت:[/font]
[font=&quot]- هكذا تكون الحياة!.[/font]
[font=&quot] علا صراخهم فجأة من الرعب الذي انداح في قلوبهم فبدؤوا يصرخون بلوثٍ مثل المجانين، وأنا مغتبط النفس على صياحهم وارتجاف أيديهم، يفترسني ذلك الفرح الذي أثار ذعر جدتي عندما ألحقت بالحمامة البيضاء السوداء أيضاً!![/font]
[font=&quot] الأبيض والأسود ماتا، أيهما أبي؟ وأيهما زوجة المرحوم جارنا؟ أيهما جدتي ؟ وأيهما أمي ؟.[/font]
[font=&quot]اثنان لأربعة وأربعة في اثنين، عملية حسابية غير معقدة لا تحتاج إلى حل حسابي !.[/font]
[font=&quot]تركتهم في ذهولهم ضاجين بالبكاء، وخرجت بعد أن صفقت الباب بعنفٍ ومضيت نحو الحديقة العامة.[/font]
[font=&quot] كنتُ غاضباً لم أرتو مما فعلت، وكنتُ بحاجةٍ ماسةٍ إلى شخص ٍ يشبه إلى حدّ ما المرشد الاجتماعي لأقص عليه فعلتي التي لم ترو ظمأ الحقد الذي كان يغلي في داخلي، لم أكن بحاجةٍ إلى واحدٍ من الشلة لكنني وجدت أحدهم يتسكع كعادته، فناديته، استدار نحو صوتي واقترب مني، تصافحنا كما يفعل الرجال ثم سألني:[/font]
[font=&quot]- ما بك؟ تبدو متوتراً أصفر الوجه!.[/font]
[font=&quot] حكيت له ما فعلت، علني أزيح كابوس الحقد، أصابه الذعر من قوة أعصابي ومن فعلتي الدميمة!، فأكبرت فيه أن يعترف أني شديد البأس قاسي القلب!.[/font]
[font=&quot] كالعادة بدأنا ندور في الحديقة، نجلس تارة، ونمشي أخرى حتى وصلنا ناحية الباب الذي يطل على شركة الكهرباء فسولت إليّ نفسي بسرقة امرأة كانت تعبر الرصيف لتدخل من باب الحديقة، فغمزت صديقي، فهم عليّ، بسرعة خطفت محفظتها وجريت، تسلق صراخها أوجاعي، زاد من تدفق أحزاني وأحقادي، فأسأل نفسي أي ذنبٍ اقترفته هذه المطمئنة في سيرها لأخطف محفظتها وأجري يلازمني في الركض رفيقي علي، بعد أن ابتعدنا عنها المسافة التي ما عاد صياحها يصلنا!! [/font]
[font=&quot] بعد النزول من منعطف شارع المحطة، مشينا بهدوءٍ باتجاه الحديقة الصغيرة خلف مباني منطقة محطة بغداد، فتحنا المحفظة، لم نجد فيها سوى مئة ليرة وبعض أشياء تافهة فرميت بالمحفظة على الأرض، تابعنا المشي على رصيف جامع التوحيد ونحن صامتان، كان بائع الجوارب يمدّ بسطته وبائع الكتب يجاوره، أعطيت علياً المئة ليرة وتركته، ومضيت وحدي نحو حديقة ميسلون. [/font]
[font=&quot] قبل منتصف الليل عدت إلى المنزل معكر المزاج ورائحة النهر لا تغادر ذاكرتي، وكيف تغادرها وغيظي من جدتي وفعلة أبي بزواجه يُدوي في صدري مثل قنابل في صحراء خاوية!.[/font]
[font=&quot] تلبسني الأرق،[/font][font=&quot] تركت الفراش وصعدت إلى السطح، المداخن تحت ضوء القمر عرائس ترقص أمامي، تتعرى، استللت سيكارة من علبة التبغ، أشعلتها، ورحت أنفث الدخان، أمتص دخان السيكارة، أنفثه، يحلق في ضوء القمر مثل جنية، أضغط بشفاهي على السيكارة، أضغط عليها بأسناني، أقضمها كأنها شفاه نوال، الكون من حولي كله يجتمع في السيكارة،أرى فيها نوال، ألمس صدرها، أعتصره، وأنا أمتصها، أرفعها إلى أعلى، تنتصب بين أناملي، النار في رأسها تتقد حمراء لاهبة، نارها تسري في عروقي، تشتعل أعضائي، تلتهب، أطفئها، أدوسها بقدمي، أسحقها.[/font]
[font=&quot] أرجع إلى الفراش أنام، أحس أني فعلت شيئاً ما.[/font]
[font=&quot] صبيحة اليوم التالي استيقظت عند الضحى يأكل الإرهاق روحي، وحين رأيت وجهها استعذت بالله من هذه النظرة المريضة فتجاهلتها وأنا أكتم في داخلي حقداً لابدّ وأن تتجرع منه الألم الذي تستحق!! [/font][font=&quot][/font]
[font=&quot] نهضت أجتر قوتي بصعوبةٍ، اقتربت من آلة التسجيل، ضغطت على [/font]
 
[font=&quot]مفتاح الصوت، دورته حتى النهاية، فرقع الصوت بأنغام "الديسكو" التي يروق لي أن أستمع إليها، كانت الموسيقا صادحة ؛ هذا ما أريده، هيا يا أولاد، هيا سنحتفل اليوم، سنبارك زواج البابا، كنت غائباً يوم تزوج، ولن أنسى أن أبارك له، هيا سنرقص معاً !!.[/font]
[font=&quot] أرعدت الموسيقا في حيطان البيت، نظروا نحوي، بدأت أرقص، تكهربت أعصاب جدتي، زجرتني، وبختني، توبيخها أزعجني، لكني لم أكترث، لن أبالي بتهديدها:[/font]
[font=&quot]- سأشكوك، ولن أسكت على أفعالك!.[/font]
[font=&quot] استلقيت على الأرض وبدأت أهز جسمي، أحرك عضلاتي، يديّ رجليّ، يا للفرح!، انضم أخوتي إليّ يشاركوني الرقص ووجهها الممتقع يزداد صفرة عندما أجعل رجليّ تواجه مكان وقوفها متخشبة كأن صاعقة مستها، بودي أن أؤذي كبرياءها كما آذت مشاعرنا!.[/font]
[font=&quot]الرقص لذيذٌ وممتع[/font][font=&quot]ٌ، [/font][font=&quot]ما ألذ متعته في منزل مسكون بالقهر والهجر والضياع!، ما أجمل أن تكون ملك الضجيج! تتوافق مزاجية حركاتك مع أوتار الآلات الموسيقية، وقائد الفرقة بإشارة من عصاه يعطي التعليمات ( اقتل السوداء[/font][font=&quot]،[/font][font=&quot] احرق البيضاء، بقوةٍ اضربْ، اعزفْ ضرباً، لا، حنواً، أخيتي ارقصي، هزي الخصر بلين ٍ تعلمي فن الرقص لتكوني بارعة تفوق في رقصها أبهى راقصات العالم!.[/font]
[font=&quot] في السلم الموسيقي علامات هامة تشكل"نوتة" يعتمدها العازف في إيقاعه، وحين تتدحرج الأنغام في خلاياه وقد انداحت مثل بلسم، يهيم في عزفه وهو منخرطٌ انخراط الخلايا في الجسد، يتصبب عرقاً، لا يصحو من انغماره في ملكوت جوانيته حتى يتوقف عن العزف!.[/font]
[font=&quot] في هذه الدقائق الصارخة دخل علينا فجأة، لم نسمع صوت المفتاح وهو يدور في القفل، وبغضبٍ من تسلط النقمة والسخط صرخ فينا:[/font]
[font=&quot] - ما هذه الضجة؟ قلة أدب، هذا الذي كان ناقصاً !. [/font]
[font=&quot] نظرتُ في وجهه بالقسوة ذاتها، هارباً من نظراتي قال:[/font]
[font=&quot] - مساءً سأمر وآخذ المسجلة. [/font]
[font=&quot]قالت أختي:[/font]
[font=&quot]- ونحن بماذا نتسلى؟.[/font]
 
[font=&quot] اجترعت كأس القهر من ردة قولته:[/font]
[font=&quot] - بلا قلة أدب!.[/font]
[font=&quot] الآن واليوم بالذات وبعد هذا الحدث الشيق أعتقد أن عدة الصداقة قد انتهت مدتها، انكشفت براعته في كسب مودّتي بعض الوقت، هاهو يجرني وراءه مثل أضحية العيد، يتركني داخل المحل، وبادعاءٍ فيه كذب ما عاد خافياً على ذاكرتي يقول:[/font]
[font=&quot]- لن أتأخر سأقابل التاجر وأعود على الفور!.[/font]
[font=&quot] حين تركني ومضى، ضجت في داخلي سخرية حادة، مؤكد أنه اشتاق إلى رائحة جسدها، الرجل ما صدق! رائحتها مسكونة في عينيه كما تسكن رائحة النهر في ذاكرتي !.[/font]
[font=&quot] صدق حدسّي، الرجل تأخر، ولأني أردته أن يعيش لحظات غيظٍ مزعج ٍ، فقد استشعرت فرحاً خفياً وأنا أراه يصرخ فور دخوله المحل:[/font]
[font=&quot]- ما هذه الرائحة؟... أفْ... هل تبرزت هنا؟ ابن "الشرمو" وابتلعها!![/font]
[font=&quot] حدجته بنظرات تقتص منه وشائج اللذة التي سكنت في داخله وبهدوءٍ بارد ٍ قلت:[/font]
[font=&quot]- أصابني مغصٌ شديدٌ، لم أحتملْ ضبط نفسي، والجامع كان مغلقاً فاضطررت إلى أن... ![/font]
[font=&quot]- الله يأخذك، ولد وقح، هيا،انصرف من وجهي " اتفوووو" !.[/font]
[font=&quot] هززت رأسي ولويت رقبتي وأنا أخرج، فاحتضنت نظراتي القطة والرصيف، وخوف غامض تلاعبت به أوتار قلبي وعقلي في ذاكرة سكنتها رائحة النهر وأنا أسمعه يقول:[/font]
[font=&quot]- تدبرت لك عملاً، غداً ستعمل في ورشة خياطة بالسيد علي. [/font]
[font=&quot] المركب المثقوب ابتعد عن الشاطئ، تأرجحت من تسرب المياه هيبته، ما عاد يعنيني وجوده، اسمه، كلّ شيء فيه مال نحو التلاشي وكيف لا يتلاشى وهو كلّ مساءٍ يمر مرور الكلاب، يعوي ببضع كلماتٍ، ويقذف في حضن أمه فتاتاً من الغلة المعدنية، ويسارع إلى غرفة الهناءة في حضانة متعة الجسد الذي ُحرّم منه طوال أربعة عشر عاماً في معاشرته لأمي أما قال لي:[/font]
[font=&quot]- أنا وأمك تآخينا!. [/font]
 
[font=&quot] ولأنه تآخى مع أنانيته، تحولتُ أنا إلى ذئبٍ صغيرٍ شرير ٍ![/font]
[font=&quot] بلا مراوغة وبلا نفاق لا تأخذ من المتع المباحة أي شيءٍ، لهذا كان عليّ أن أستمر في تمثيل دور المحب الوله لأحقق مبتغى روحي في لقاءاتٍ من التلذذ ضمن فراغ الدرج وسط الظلام! وأمها هذه المعتوهة والتي كانت رهينة سهرات جدتي، خاصة عندما يكون عمل زوجها مسائياً لا تسأل عما إذا كانت بنتها داخل البيت أمْ خارجه! لهذا كانت تمارس مع من أحبت طقوس الحب !.[/font]
[font=&quot] نفذ قوله بالإكراه بعد أن تدبر لي العمل في ورشة خياطة كما قال، حينئذٍ كان لابدّ من اللعب على طريقتي، حتى دخل علينا كمن كان في عراكٍ مع الأبالسة، نظر في وجوهنا تفحصها، أشعل سيكارة حمراء طويلة، سارعت أختي ووضعت المنضدة الصغيرة أمامه. [/font]
[font=&quot] جلست جدتي أمامه تكاد أن تلتصق به، أدركتْ أن في الأمر شيئاً خطيراً يخصني، وبعد هدنة من الصمت والفحيح انطلق صوته كما الترياق من فم أفعى:[/font]
[font=&quot] - ولا... ك... ابن الكلب... أين كنت يوم الأحد الساعة العاشرة مساءً في حي الشيخ مقصود؟.[/font]
[font=&quot] شعرت بأرض الغرفة تدور، هوت بي أفكاري إلى بئرٍ مهجورٍ تعج فيه وطاويط الليل " من أين عرف أني كنت هناك؟ من أخبره؟ "[/font]
[font=&quot] ومن دون أن ترف عينه، كرر السؤال بصيغة أشد قسوة!.[/font]
[font=&quot] حلفت كذباً واستنكرت ما ذكره، وحتى لا يفقد توازنه في لحظة غضبٍ ونفورٍ، وحتى لا يبدو أكثر تفاهة مما مضى، نهض من مكانه شدني نحوه وهو يسألني بلهجة المحقق الغاضب:[/font]
[font=&quot]- قلْ الحقيقة، لن أضربك، فقط احكِ الصدق؟.[/font]
[font=&quot] الجواب عن سؤالٍ كهذا كان يحتاج إلى خلوةٍ انفراديةٍ بين أب وولده، أيعقل أن يكون غبياً إلى هذه الدرجة؟ أمْ أنه يحاول الإشهار بي كي تسقط مسؤولية جنحتي الشائنة عن هويته؟!.[/font]
[font=&quot] وقتئذٍ ضحك القلب ساخراً من غرابة موقفٍ كهذا، وكدت أصرخ وأنا بين ساعديه، أحاول الإفلات لأرقص، لأخطب بين الناس، من سيسأل من؟ هل أنت أبٌ؟؟ أتخاف على اسمك من عورة أفعالي ؟ يا رجل لا تقلها كي لا يضحك الناس عليك! القلب المسفوك دمه يضحك بصمتٍ، من المتخلي؟ من طلق المرأة التي [/font]
 
[font=&quot]تآخى جسده مع جسدها كما قال بتعسفٍ مخجلٍ لا يليق بإنسان يدعي الأبوة؟!.[/font]
[font=&quot] الحقيقة الظاهرة بعري قهرها المتعري علانية تقول غير هذا وتجعلني أشعر أن الصدأ النتن قد خيم على ذاكرتي، ولا بدّ من وجود فرصة للمواجهة من أجل القصاص، وقبل أن أفكر بطريقة تتناسب والقصاص، وبالجملة المباغتة التي تخترق صدر الأبوة النائم على النأي والهجران، جاءتني صفعة جعلتني أدور، كادت الرؤية تتلاشى ودون أن التقط أنفاسي توالت لكماته وصرخاته ولعناته، فأحسست بالصوت يئز في رأسي مثل رصاص ٍاندفع من قلب رشاش ٍ، وجدتي الصاغرة كلّ الذي فعلته أن قالت:[/font]
[font=&quot] - ياعيب " الشوم "![/font]
[font=&quot] وأخوتي المتكورون كانوا مثل أوراق ٍخريفيةٍ ذابلةٍ يذرفون الدموع بسكون ٍتحترق من أجله القلوب!.[/font]
[font=&quot] رغم الإهانة من تصلف هاربٍ متخلٍ عن اسمه في وجوده ووجوده في اسمه، ورغم الضرب المهين تحركت رائحة النهر في أنفي، فأيقظت ذاكرتي، فاستغربت مستهجناً صمت جدتي تلك التي كانت تتحدث بلا نهاية في زمن أمي!، وربما كانت هذه هي المرة الأولى التي آثرت فيها عدم التدخل كي لا تصاب بالجنون مما أفعل بها بعد مغادرة أبي!.[/font]
[font=&quot] أبو سليم شاهدني وأنا أخرج من البيت الذي كان يقصده هو الآخر! الرجل كان يخون زوجته وفي هذا لا يحق له أن يعتدي على حقوق غيره، لهذا أضرمت في صدري الحقد عليه، وأقسمتُ أن أرد على وشايته إلى أبي بإفشاء سره إلى زوجته ولكن في الوقت المناسب!.[/font]
[font=&quot] بعد خروجه، أسلمت جسدي المنهك إلى الفراش، فأحسستُ بالآلام تنغلُ في جسدي، جاهداً حاولت النوم، وحين نمتُ دخلت في عالم الأحلام،عالم لا تقدر أن تتحكم بقدراته، ولا حتى يمكنك أن تخطط لصورته في شيءٍ تشتهيه، فالذي يحصل وتراه ُيكتب رواية وهو في الحقيقة ومضة من عقل الحركة، العقل الذي ينقلك إلى عالم ٍ خاص ٍ ترتبط رؤاه الناطقة بأحاسيسك الباطنية لتشارك شخوصاً لا تعرفهم أو قد تعرفهم، هذا الكلام قرأته في مجلة عربية كنتُ قد اشتريتها من بائع "كشك" يوم عدتُ من البحر ؟!.[/font]
[font=&quot] في تلك الليلة الماطرة بالوجع المتمترس في الذاكرة شاهدت نفسي في صحراء خاوية، تلال رمالها الصفراء أثارت الذعر في قلبي كانت صفرتها [/font]
 
[font=&quot]فاقعة، ولا يوجد أحد غيري من بني البشر، أمرٌ مخيفٌ أن يجد الإنسان نفسه في مكان ٍ يشبه ذلك المكان وحيداً، فجأة انكمشت الأرض من تحت قدميّ واربدت السماء، صفر الهواء معلناً عن هبوبِ الرياح العاتية، فتكورت على بساطٍ من الرمال، تكومت سحبٌ رمادية ٌ تميل إلى الدكنة، ثم تساقط من السماء ما يشبه حبات البرد الكبيرة كما الحجارة يوم حادثة الفيل، كانت تجرحني وتسبب لي النزف، اصطبغ جسدي بلون الدم، فأحسست حينذاك بأني أفقد قوتي، وحين حاولت التحرك انشقت الأرض، خرج منها رجل قسماته مخيفة، كانت رائحته تشبه رائحة النهر، انقض مثل فيل على ظهري، وأمسك بأظافره الطويلة والتي شعرت بها وسخة بتـلابيب منكبيّ وراح يشدني نحو حفرته وهو يضحك بصوت كأنه جأر ثور، حاولت الصراخ وأنا أقاوم من أجل خلاصي من بين يديه، لم أجد عوناً لا من حنجرتي ولا حتى من قدرتي على المقاومة، حتى الأنين غاب صوته، فتراءى لي وجه أمي وهي تصلي، وحين تذكرتها وصلتني أصداء بسملة هل كانت تصلي من أجلي ؟ اقترب الصوت من أذني، ورويداً رويداً تراجع ذلك الرجل المخيف، دفعني بقوةٍ على الأرض وغاب عن ناظريّ فوقعت فوق كومةٍ من حبات البرد الباردة الجارحة، وحين فتحت عينيّ وجدتُ نفسي على الأرض أرتعش ![/font][font=&quot][/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]عدت إلى فراشي وانطويت تحت اللحاف لا أريد رؤية الوجه الممتقع دائماً، ولكن ما هذا الصباح المقيت ؟ ماذا تقول هذه الشوهاء البدينة؟ من الذي أخبرها أن أمي، أم غالب تزوجت من زوج أختها المتوفاة، وبعد أسبوعين ستسافر معه إلى روسيا!.[/font][font=&quot][/font]
[font=&quot] لن أضحك، ولن أرقص، جدي حريص على سمعة بنته، ولم يكن حريصاً على إيوائنا تحت جناح أمي، حين تدخلت الجارة أم نوري رفض جدي عودة أمي، وأصرّ على طلاقها قائلاً : [/font][font=&quot][/font]
[font=&quot]- التفاهم صار صعب، والأفضل أن يذهب كل واحد في سبيله ![/font]
[font=&quot] اليوم بالذات وبعد سماع ما أكره، أصبح في داخلي انتماء إلى شخص سكن ذاتي، فشعرت حينئذٍ بأني أتحصن بالقوة الباردة، لأنهض متململ[/font][font=&quot]ا[/font][font=&quot]ً، ومن دون أن أغسل وجهي أو أفكر حتى بتغيير ملابسي[/font][font=&quot]،[/font][font=&quot] أفتح الباب وأصفقه خلفي بعنفٍ وأخرج!. [/font]
[font=&quot] كانت شوارع منطقة "ميسلون" تعج بالناس،خاطبت نفسي "من أنا وسط هذه الجموع ؟، وإلى أية فئة من البشر أنتمي؟" وحتى أعرف وأحدد جاءني [/font]
 
[font=&quot]صوت من خلفي: [/font]
[font=&quot]- هيه، إلى أين؟ [/font][font=&quot][/font]
[font=&quot]- أهل[/font][font=&quot]اً[/font][font=&quot]، إبراهيم![/font]
[font=&quot]- كيف حالك ؟ [/font]
[font=&quot]- بخير. [/font]
[font=&quot] وبفطنة الحاذق سألني :[/font]
[font=&quot] - سمعت أن أباك تزوج؟!. [/font]
[font=&quot] أزعجني أن يعرف من أغار منه، أجل أنا أغار من إبراهيم الشخص الوحيد الذي أشعر أمامه بالنقص هو إبراهيم، ما من مرة التقيت به إلا وأحسست به يترصد وقائع حياتي ليشمت بي، ولأن موقفي ضعيف، فقد هززت رأسي والأسى المبتئس يزين ملامح وجهي وقسماته،وهرباً من نظراته وأسئلته المجهضة، ومن دون تفكير مسبق ٍ قلت :[/font]
[font=&quot]- ما رأيك برحلة؟ [/font]
[font=&quot]- إلى أين؟. [/font]
[font=&quot]- إلى البحر!.[/font]
[font=&quot] لحظات مرت قرأت فيها التردد والتململ، ثم واستعداداً باستقبال الفكرة التي جعلته ينشط في الحديث قال:[/font]
[font=&quot]- أجادٌ أنت فيما تقول؟!. [/font]
[font=&quot]- بكل الجدية التي عرفتني بها!.[/font]
[font=&quot]- طول بالك، دعني أفكر.[/font]
[font=&quot]- لا وقت عندي، أريد قرارك الآن.[/font]
[font=&quot]- لمَ؟[/font]
[font=&quot]- خصوصيات يا أخي.[/font]
[font=&quot]- موافق ولكن تريث حتى أقبض أجرتي.[/font]
[font=&quot]- ---------------[/font]
[font=&quot]- ---------------[/font]
[font=&quot]- الساعة السابعة في محطة القطار، لا تتأخرْ، سأكون في انتظارك.[/font]
 
[font=&quot]التسكع [/font][font=&quot]جعلني في ذلك اليوم أبدو كأني ولدت من جديد، لم أعدْ معتل المزاج، اكتشفت شخصاً آخر، نفسه تشبه نفسي وبسخطٍ فرح ٍ قلت لنفسي[/font][font=&quot]"اضرب ضربتك القاضية، واترك الطوفان يهدم من وخزك!".[/font]
[font=&quot]رائحة النهر أقنعتني أنه من المفروض عليّ بعد هذا اليوم أن أخون الرجل الذي أكره، لأفسد عليه نظام حياته الجديد، بعدما أفسد علينا رباطنا القدسي.[/font]
[font=&quot]حين قررتُ أن أفسد عليه حياته، راقبتُ الحارة، كنتُ محتفظاً بنسخ[/font][font=&quot]ةٍ[/font][font=&quot] من المفاتيح، لم أكن مثل لص وضح النهار والذي تركني أصدقه وأنتظره، والذي أوهمني أن زوجته موجودة في الطابق الرابع ولا تستطيع التحرك بسبب الحمل!.[/font]
[font=&quot] الرغبة في الانتقام تزداد إصراراً في نفسي، ورغم أنها رغبة منحطة وقذرة لكنها الحقيقة، الحقيقة التي امتدت جذور رداءتها في نفسي وروحي فقد تأصلت في داخلي بعطش ٍلابد من إشباعه.[/font]
[font=&quot] فكرة السفر إلى البحر فكرة جذابة ومريحة ولكن مع أهلك[/font][font=&quot]،[/font][font=&quot] فمن [/font][font=&quot]غيره[/font][font=&quot]م الحياة جافة ومدقعة، و[/font][font=&quot]على ال[/font][font=&quot]رغم [/font][font=&quot]من [/font][font=&quot]اعترافي بأن الحياة بلا أهل يسامرونك وتسامرهم[/font][font=&quot] لا معنى لها[/font][font=&quot]، فقد تمردت على الاعتراف بوجودهم لأخذ رأيهم لأنهم موجود[/font][font=&quot]و[/font][font=&quot]ن وغير موجودين! وأنا لا أعرف البحر، ولم يسبق لي زيارته، وقد تأتت معرفتي له من دروس الجغرافيا في المدرسة، لذلك فكرت بزيارته![/font]
[font=&quot] في ظل هذه التخاطرات المقلقلة والمؤنبة في بعض [/font][font=&quot]ال[/font][font=&quot]أح[/font][font=&quot]ي[/font][font=&quot]ان[/font][font=&quot]،[/font][font=&quot] تحولت إلى عدو ٍ كاسر ٍ يريد أن يسلب الطمأنينة من عين والده!.[/font]
[font=&quot] لم أنمْ في هذا المساء، ولم أذهبْ إلى البيت، بقيتُ واقفاً أراقب الحارة مثل نمس ٍ، حتى تأكدت أنها دخلت في سبا[/font][font=&quot]ت[/font][font=&quot]ٍ هادئ ٍ وعميق ٍ وبإلحاح ٍ من رائحة النهر تحكمتُ في وجيف القلب، ثم اقتربت من قفل "الدرابية" وبصعوبة حركت القفل وفتحته، وابتدأت في رفع "الدرابية " بهدوءٍ، حتى كادت تدمى يديّ، ألهبت جسدي بالعزم على ال[/font][font=&quot]زحف[/font][font=&quot] مثل أفعى! دفعت باب الألمنيوم، لأني كنتُ على يقين ٍ بأن قفله ما يزال عاطلاً !.[/font]
[font=&quot] في الداخل لم أتأخرْ، وفي الخارج الاختفاء في الجامع داخل دورة المياه لم يرقْ لي، بحثتُ عن مكان ٍقصي ٍأرتاح فيه من الوقوف[/font][font=&quot]،[/font][font=&quot] فأعصابي بدت مجهدة ومضطربة. فخطرت لي فكرة، حملت قطعة كرتون كانت مرمية على الأرض واعتليت فوق ظهر سيارة"سوزوكي"، غطيتُ جسمي بها ورحت أنتظر بزوغ الضوء.[/font]
[font=&quot] وقبل أن تتحرك الطيور من أعشاشها تحركت أنا وابتدأت المشي ببطءٍ باتجاه المحطة !.[/font]
[font=&quot] داخل القطار شعرت بالانقباض، ثمة إحساسٌ بالغبطة راودني، داهمتني مشاعر النشوة وأنا أتصوره كمن لدغه عقرب يصرخ:[/font]
[font=&quot]- "الحقوني"، خرب بيتي، الغلة مسروقة، والسندات طارت[/font][font=&quot]،[/font][font=&quot] السندات التي تؤكد على [/font][font=&quot]إ[/font][font=&quot]ني أدفع!.[/font]
[font=&quot] من رافقني لم يستطع الصمت، أخرجني صوته من غرق الشرود لأنه طلب مني وبوجهٍ ضارع ٍ أن أتحدث إليه! [/font]
[font=&quot] اعتبر شرودي جفاءً مني وإهانة لشخصه، فتملكني شعورٌ غريبٌ بأني أصبحت محترفاً في كلّ شيءٍ، لا أختلف عن لص وضح النهار ومراوغة أبي لزبائنه !![/font]
[font=&quot] في تلك اللحظات من القلق والاضطراب ارتسمت داخل روحي صورة الذي خدعني وجعلني أنتظره، ولكن بوجهٍ جديدٍ! [/font]
[font=&quot] هذه المرة لم يكن وجهه يملك هذه الوسامة التي دخل بها عليّ كان مصبوغاً بزرقةٍ تميل إلى الصفرة، أوداجه متورمة، ومنكباه كمنكبي من أثقلته السنون بالبؤس والقنوط.[/font]
 
[font=&quot] حين انكشف أمره بعد إلقاء القبض عليه، اعترف بكلّ السرقات للمحلات التجارية الصغيرة والكبيرة وبالطريقة ذاتها!!.[/font]
[font=&quot] وحين دخلوا علينا لم يكن والدي قد اكتشف بعدُ أن البضاعة ناقصة، لأنه كان غارقاً مع كاترين التي أصبحت سيدة المحل، الفتاة سلبته عقله وكلّ حساباته، و لحظة دخولهم في توجيه السؤال:[/font]
[font=&quot]- أنت صاحب المحل؟[/font]
[font=&quot] أجاب:[/font]
[font=&quot]- نعم أنا.[/font]
[font=&quot] وحين عرف، ثارت ثورته عارمة جارفة، وبدلاً من أن يصغي إلى حديثي في خوفي، وخوفي في حديثي راح يضربني، ويسبني كعادته، بعد عودتنا من قسم الغريزية، حتى أدمى وجهي، وأسكر ذاكرتي في اختزانها لرائحة النهر.[/font]
[font=&quot] في هذه اللحظات من الذكريات المريرة ضبطت نفسي حتى لا أثير شكوك إبراهيم في صمتي العميق فضحكتُ متملقاً جلوسنا هكذا أخرسين وأنا أتكلف في الابتسام فمسكته من يده بعد أن وقفت وهيأت نفسي لفعل شيءٍ ما!![/font]
[font=&quot] كنتُ أسمعُ صوت سرعة العجلات الحديدية تدك السكة دكاً سريعاً لكأنها تسبق الزمن الذي بدا لي أنه مرهق وثقيل وطويل.[/font]
[font=&quot] داخل العربات تفحصت الوجوه، فما وجدت من أعرفه لا من زبائن أبي، ولا حتى من أهل حارتنا، أو حتى من أصحاب الدكاكين المجاورة لمحل أبي، فشعرت بالطمأنينة.[/font]
[font=&quot] مع بداية القساطل دخلنا في نفق ٍ جبلي ٍ، شعرتُ بسرعة القطار تزداد قوة، وبالعتمة تمزق أنفاق قلبي المضطرب، لأحسّ بالضيق يكتم على أنفاسي حتى تنفرج الظلمة!![/font]
[font=&quot] وكأنه كان يريد أن يكون أفضل مني في معرف[/font][font=&quot]ة[/font][font=&quot] بعض الأمور الحضارية، التفت نحوي وبلهجة لا تشبه إلا نفسها قال : [/font]
[font=&quot]- حين نمر فوق الجسر المحمول على أعمدة ضخمة سأحدد لك العمود الذي وقع فيه ثلاثة خبراء من روسيا، وما خرجوا!.[/font]

[font=&quot] حدقت في وجهه دهشاً[/font][font=&quot]واستعرت من ذاكرتي اللزجة سؤالاً مهماً كي لا أبدو أمامه جاهلاً فأمقت نفسي:[/font]
[font=&quot]- وروسيا ماذا فعلت؟.[/font]
[font=&quot]- لم تفعلْ شيئاً، فالأمر كان قضاءً وقدراً. [/font]
[font=&quot] وكأنه كان يؤمن بالفلسفة الوجدانية أكثر من إيمانه بالسخرية السخيفة الساذجة تابع كلامه قائلاً وهو يحرك سلسلة مفاتيحه:[/font]
[font=&quot] - أنا وأنت مثلاً ألسنا مخطئين ولا نعرف عمق الخطر من الحماقة التي نمضي إليها!.[/font]
[font=&quot] رمقته بنظرة فاحصة جافة تشبه لزوجة الطقس ولزوجة ذاكرتي الشاب يتفلسف، من أغار منه بدأ في فلسفة ما لا أعرف، ولأن فلسفتي محلية فقد قلت له:[/font]
[font=&quot]- لا، لسنا مخطئين ولا تستخف بقدراتنا، فنحن ضحية أسر لا تفاهم فيما بينها لهذا تجدنا على هذا الشكل، دعنا نعش بعض [/font][font=&quot]ال[/font][font=&quot]وقت بعيداً عن القوانين التي تشوش علينا امتلاكنا للغبطة التي نسعى نحوها، ولو لمرةٍ واحدةٍ في العمر!.[/font]
[font=&quot] وتملصاً من فلسفته تركته واقفاً أمام النافذة ورغبت [/font][font=&quot]في[/font][font=&quot] النوم![/font]
[font=&quot] كانت فكرتي في السفر إلى البحر جريئة وغير [/font][font=&quot]متوق[/font][font=&quot]عة[/font][font=&quot]،[/font][font=&quot] وحين وصلنا هزني من كتفي، ففتحت عينيّ. كنت ما أزال واهناً، وبحاجة إلى النوم، نزلت من القطار، تنفست الصعدّاء وأطلقت الشهيق والزفير بصوتٍ مسموع ٍ، وأنا أفتح ذراعيّ كي أضمَ إلى ذاكرتي صورة أفق البحر وهدير موجه الذي اشتريته بسرقة أبي. ثم كمن كان مستعداً أن يبدو أمامي أرفع شأناً مما أتصور[/font][font=&quot]،[/font][font=&quot] قال :[/font]
[font=&quot]- خذْ سيارة إلى الأبراج.[/font]
[font=&quot]- أتعرف المكان؟.[/font]
[font=&quot]- نعم فقد زرته مع أخي غسان.[/font]
[font=&quot] خلال بضع دقائق كنا هناك، اخترنا مكاناً يطل على البحر، كان المنظر ساحراً وجميلاً، وقد تربعت على عرش[/font][font=&quot]ه[/font][font=&quot] البواخر والسفن.[/font]
[font=&quot]** ** ** **[/font]
 
[font=&quot]- عفواً، ما تطلبان ؟.( سأل النادل).[/font]
[font=&quot]- إبراهيم ما تطلب ؟. [/font]
[font=&quot]- صحن " لبنة " وكأس شاي. [/font]
[font=&quot] بتعبير ٍ أخلاقي ٍ رسم على شفتيه ابتسامة، ومضى لإحضار الطلب.[/font][font=&quot][/font]
[font=&quot] بعد الفطور أشعلنا الس[/font][font=&quot]ك[/font][font=&quot]ائر بطريقة حاولنا فيها أن نقلدَ ما يمارسه أولاد الأثرياء في تدخينهم للس[/font][font=&quot]ك[/font][font=&quot]ائر الأجنبية المهربة، وبين سحب الدخان حدقت في وجهه، شعرت به قانطاً متوتراً "ربما عجزه عن الدفع" خمنت في سري، وربما ما لم أكتشفه بعد!.[/font]
[font=&quot] كنتُ على يقين ٍ أن كل[/font][font=&quot]ي[/font][font=&quot]نا يخدع الآخر، وبما أنني كنتُ بحاجةٍ ماسةٍ إلى رفيق ٍ يشاركني خوفي واضطرابي في منزلق حياتي، كنت سعيداً برفقته لأثبت له أني سيد الدفع! [/font]
[font=&quot] وبما أني صاحب ذاكرةٍ تخيلية بارعة قلت له: [/font]
[font=&quot] - أتعرف لو أن هذا البحر كان موجوداً في حلب لزادت عراقتها وأهميتها، وأصبحت أجمل مدينة في العالم، تصور القلعة وسط بحرٍ يغطي امتداده كلّ الجهات المحيطة بها، قال نهر قويق، أف أحسُ برائحته تزكم أنفي الآن!. [/font][font=&quot][/font]
[font=&quot] استنكر أن أكون الآن قد شممت رائحة النهر! وبحرص ٍ على مجاراتي في الحديث قال:[/font]
[font=&quot] - معك حق، رائحة النهر تشكل معضلة بالنسبة للمباني والشوارع المجاورة له، ثم ومع آخر رشفة لفنجان القهوة بعد كأس الشاي قال:[/font]
[font=&quot] - هيا بنا، لن نقضي الوقت كله هنا.[/font]
[font=&quot] نزلنا بواسطة المصعد، خرجنا إلى الشارع سألنا عن سيارة أجرة تأخذنا إلى رأس البسيط، فاستغرب من سؤالنا بعض السائقين الذين سألناهم لأننا كنا في فصل الشتاء ولا أحد من الناس يفكر بالذهاب إلى رأس البسيط سوى أصحاب "الشاليهات" وذلك من أجل تفقد الأشياء الموجودة فيها، هذا ما قاله لي إبراهيم، وحين طال زمن السؤال، قررنا أن ننام في الفندق، أية حجة يمكنها أن تؤوينا في فندق، لهذا طلب مني إبراهيم أن نذهب إلى الشاطئ الأزرق، نجلس في الصالة الشتوية لنشاهد البحر عن قربٍ، ونتغذى سمك مشوي ثم نختار فندقاً أجره بسيط، رأيه أقنعني لأنه لم يسبق لي أن غادرت حلب أبداً ![/font]
[font=&quot] مع حلول المساء جلسنا نحدق في السقف والجدران وهذه النافذة الوحيدة، لأشعر بأننا لاشيء، مجرد أحمقين متهورين تخاصما مع الحياة والناس وخاصة الأهل، فتمردا عليهما بالانعزال ليعيشا كما يرغبان.[/font][font=&quot][/font]
[font=&quot] سرقت أبي، وجئت إلى هنا كي أب[/font][font=&quot]ت[/font][font=&quot]عد عن التشويش والتسفيه والتجريح. لأجد أن كلّ ما حلمت به كان مجرد وهم ٍ[/font][font=&quot]؛[/font][font=&quot] وأن حلم الإحساس بالراحة يتحول إلى جمرٍ يغلي في ذاكرتي وأوردة جسدي!.[/font]
[font=&quot] نام الرفيق وبقيت وحيداً تفترسني المخاوف، اقتربت من النافذة فتحتها، بدا لي المنظر مرعباً. سواد الليل يغطي المكان، وصوت سيول الأمطار التي نزلت في هذه الليلة بدت كأنها في حالة جنون. فتخيلتها نبالاً تخترق الأرض، وحفيف أوراق الشجر غاب بين موسيقا إيقاع المطر، وجنون قلقي[/font][font=&quot].[/font][font=&quot] فأوهمني ذلك المشهد أن جذوع الأشجار. التي كانت تحيط بالفندق ستنفصل عن جذورها كي تنقض عليّ وتخنقني تماماً كما حصل في أحد الأفلام التي [/font][font=&quot]سكنت[/font][font=&quot] ذاكرتي. أغلقتُ النافذة[/font][font=&quot]،[/font][font=&quot] وتكورتُ على السرير مرتعشا ً. [/font]
[font=&quot] في تلك اللحظة اكتشفت أن المتعة الحقيقية كانت كامنة فيما كنت أعيشه. خصومات بلا وفاق، مشاتمات بلا مشاعر[/font][font=&quot]،[/font][font=&quot] لقاءات سرية بلا رقيب، " ما تفعلين الآن؟ اشتقت إلى قبلاتك الدافئة[/font][font=&quot]،[/font][font=&quot] وصدرك الناهض. أحسُ بالشوق يدفعني إلى محاربة المطر والريح والبرد بقدرة عاشق ٍ يقوى على كلّ المعيقات الموجودة على سطح الأرض لأكون قربك وفي ذلك التوقيت بالذات!.[/font][font=&quot][/font]
[font=&quot] لم يطلْ إحساسي بالشوق نحو م[/font][font=&quot]ن [/font][font=&quot]ُأغرمت بملامسة أنفاسها وشفتيها[/font][font=&quot].[/font][font=&quot] صوته جعلني أقفز عن السرير مثل أرنبٍ مذعورٍ، لم ألتقطْ ما كان يدمدم به، كان جسده ينتفض[/font][font=&quot]،[/font][font=&quot] وشفتاه ترتجفان[/font][font=&quot]،[/font][font=&quot] فهززته من كتفه وأنا أقول:[/font]
[font=&quot]- إبراهيم، انهض، ما بك، اصحَ.[/font][font=&quot][/font]
[font=&quot] فتح عينيه بصعوبة وملامح الخوف تزيدني توتراً وبلبلة ً، وأياً كان خوفي مما أرى فهذا ما أريده! يا لروعة الوجه المبتئس، لن أضيع الفرصة سأل[/font][font=&quot]ت[/font][font=&quot]ه:[/font]
[font=&quot]- إبراهيم ما بك ؟ لقد أرعبتني![/font]
[font=&quot]- كا.. بو.. س... كابوس فظيع!.[/font]
[font=&quot] في أسى فرك عينيه، ثم نهض، نظر في وجهي[/font][font=&quot]،[/font][font=&quot] نظرات قرأت فيها اللوم [/font]
 
[font=&quot]والعتاب والشعور بالذنب. وبقوة ٍ حاول ألا تضيع منه قال:[/font]
[font=&quot] - غداً، نعود إلى حلب، أو أعود وحدي!.[/font][font=&quot][/font]
[font=&quot] كنتُ مثله مضعضعاً، اخترنا طريق العزلة عن المجتمع المحيط[/font][font=&quot]،[/font][font=&quot] لنكون مثل ذئبٍ مشلولٍ وثعلبٍ أعمى!.[/font][font=&quot][/font]
[font=&quot] حينئذٍ جلست قربه، وبدأنا نحكي عن همومنا، وعن ظلم الأهل لنا[/font][font=&quot].[/font][font=&quot] وبحكم فراستي، لم يطل زمن توقي لمعرفةِ ما ذكره عن كابوسه، نبش الحقيقة ما بقي خافياً عليّ، هو الآخر مطرودٌ من بيت أبيه، طرده أبوه وحلف يمين الطلاق على أمه أنه لن يدخل البيت ثانية!.[/font]
[font=&quot] أخفيت معالم النشوة التي خفق لها قلبي[/font][font=&quot]،[/font][font=&quot] وأنا أتلقف حديثه الشائق الجميل، الذي جعلني أحس أني[/font][font=&quot] لست[/font][font=&quot] الوحيد المغبون حقه في هذه الحياة!.[/font]
[font=&quot] حين قررنا العودة لم نعدْ في القطار، مساء اليوم التالي ركبنا في واحدة من باصات "الهوب، الهوب"، وحين أصبحنا في كراج حلب ودع كل واحدٍ منا الآخر، وحين ابتعد عني ترجلت خطواتي مثل حصان جامح ٍ أصابه مكروهٌّ، فشعرت بالضيق لأني عدتُ وحيداً لا شريك معي، أحسست بضوء مصابيح السيارات أعيناً نارية ً تريد أن تغتالني!.[/font][font=&quot][/font]
[font=&quot] أين سأذهب ؟ أعرف مصيري في بيت أبي !! فخطر في بالي أن أذهب إلى بيت جدي على الأقل أستعيد بعض قوتي[/font][font=&quot].[/font][font=&quot] [/font]
[font=&quot] عند الباب ترددتُ، ثم ضربت الباب " بالسقاطة" المعلقة في وسطه من الأعلى، بعد هنيهةٍ لاح جسد من طحنته السنون، وقف يُحملق في وجهي بشيءٍ من الذهول! [/font]
[font=&quot] جدي الذي أنكرني قال وهو يشحذ الكلام من بين "دكة" أسنانه بصوتٍ تآكلت منه الحروف:[/font]
[font=&quot]- نعم... خير إن شاء الله ما تريد؟!.[/font]
[font=&quot]- أريد أن أرى أمي؟.[/font]
[font=&quot] - أم... ك، الآن تسأل عن أمك! [/font]
[font=&quot] دفع الباب في وجهي يصدني من الدخول وهو يلعن البذرة الفاسدة والساعة التي جمعتنا وإياهم وختمها:[/font]
[font=&quot] - الله يرحمنا، أمك صارت في روسيا !.[/font]
[font=&quot] انخسفت بي الأرض، ونتأت خلاياي الراجفة برعشة باردة انعقد لساني، إذن ما قالته أم نوري صحيحٌ! ولكن إلى هذه الدرجة من الكراهية بدوت أمامه نكرة لا يقبل أن يعترف بوجودها؟!.[/font]
[font=&quot] اشتعل رأسي بالنار، وتكاثف الدخان من حولي،وتهالكت قواي أيقنت أني منبوذ، وعليّ أن أجابه مصيري بالطريقة التي تناسبني. وبعنفٍ وحشي ُيغلق الباب في وجهي، وبعيون خضلتها الدموع أستعرض سمفونية ضياعي بلا توقفٍ!.[/font][font=&quot][/font]
[font=&quot] الحياة لعبة مصير، فقررت أن أكون الغالب لا المغلوب ولكن على طريقتي، سأجعلهم يندمون، سأنتقم منهم جميعاً!.[/font][font=&quot][/font]
[font=&quot] طاش واحدٌ من القطيع الذي بددته حيزبون المآتم الأسرية، ولكن إلى أين أذهب؟ وأين أنام؟ وكيف أدخل البيت؟ ماذا لو كانت الشرطة في انتظاري ؟ [/font][font=&quot]وعلى الرغم من[/font][font=&quot] تمردي وحقدي شعرت بالخوف[/font][font=&quot]،[/font][font=&quot] فقلت في سري:"يا رب تدبر أمري"! [/font]
[font=&quot] خائفاً قررت مواجهة مصيري، مرتجف الخطوات صعدت ُ الدرج، وحين وصلت التقطت أنفاسي، نقرت الباب بأصابعي ففتحت أختي فريدة، من حسن حظي أنها لم تكن نائمة ومن خلال نبرتها المرتعشة انتبهت إلى ملامحها وسط بصيص ضوء الغرفة الذي انسل جزء منه إلى حيث أقف وسط ظلام الدرج، تصورت فيها ملامح أمي الذابلة! وبرفق ٍحزين ٍ قالت:[/font]
[font=&quot] - ادخل وبدون صوت، جدتك نائمة.[/font]
[font=&quot] في الشرفة أخبرتني بصوتٍ خفيض ٍ أن والدي متشبث برأيه في تسليمي إلى الشرطة، فأسلمت جسدي إلى أرض السطح بعد أن زودتني أختي بحرام ٍعتيق ٍ ومهمل ٍ كي لا تثير شكوك جدتي، وبدأت أفكر!؟[/font]
[font=&quot] لم يكن مساءً عادياً، كانت ليلة مشحونة بالأرق وبالتساؤلات المرعبة، ودموع أختي المخضلة [/font][font=&quot]ب[/font][font=&quot]الخوف أيقظت في نفسي مشاعر من نوع ٍ خاص ٍ، فتحول تفكيري إلى نمطٍ آخر، إلى تحدٍ جديدٍ، لأسأل نفسي" - لماذا [/font][font=&quot]لم أتكيف مع الواقع الذي[/font][font=&quot] فرضه[/font][font=&quot] عليّ[/font][font=&quot] القدر [/font][font=&quot]عندما[/font][font=&quot] انفصل الزوجان عن بعضهما تاركين ربيعاً من الطفولة يذبل قبل أوانه[/font][font=&quot].[/font][font=&quot] أختي تر[/font][font=&quot]يدن[/font][font=&quot]ي[/font][font=&quot] أن أكون[/font][font=&quot] رجل البيت، [/font][font=&quot]هذا[/font][font=&quot] التصور أعاد لي جزءاً من آدميتي، فأحسست أني سأنزل مسرعاً إليها كي أقبلها، وأضمها إلى صدري قائلاً لها ولأخ[/font][font=&quot]و[/font][font=&quot]ي[/font][font=&quot]ّ[/font][font=&quot] ناجي ورضوان :[/font]
 
[font=&quot] - سأكون رجل البيت شريطة أن تسمعوا كلامي!.[/font]
[font=&quot] أمام هذه الصورة من الجمال البريء عاهدت نفسي أني سأكون لها [/font][font=&quot]ولهما [/font][font=&quot]كلّ أهله[/font][font=&quot]م[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]وناسه[/font][font=&quot]م[/font][font=&quot]، فأنا الآن مشبعٌ بالرقة والسكينة[/font][font=&quot] على[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]ال[/font][font=&quot]رغم [/font][font=&quot]من [/font][font=&quot]وجود المخاوف المعششة في الأعماق.[/font]
[font=&quot] صبيحة اليوم التالي أعطتني أختي إشارة الدخول[/font][font=&quot]،[/font][font=&quot] فالمحروس حضر يسأل ومضى يفتش!.[/font][font=&quot][/font]
[font=&quot] وحين دخلت الغرفة[/font][font=&quot]،[/font][font=&quot] واجهني ذلك الوجه الموبوء بالسأم الممل، المشحون بثرثرة الأحقاد والترهات[/font][font=&quot]،[/font][font=&quot] قائلة وهي تخبط بيدها على صدرها:[/font]
[font=&quot] - من أين جئت ؟ بسم الله الرحمن الرحيم، أبوك خرب الدنيا! هي "عملة بتعملها"، والله بسْ يرجع ليكسر رجلك ويقطع يدك "يي"، يا لطيف * إن من أموالكم وأولادكم أعداء لكم فا حذروهم *. [/font]
[font=&quot] كأني لم أسمعها تتكلم، فصوتها الجليدي أكره سماعه ومن [/font][font=&quot]غير[/font][font=&quot] أن أرمم وجعها [/font][font=&quot]وأعطيها[/font][font=&quot] الجواب الذي يشفي من توترها قلت لها :[/font]
[font=&quot] - "أنت مادخلك، وسدّي بوزك" !.[/font]
[font=&quot] حركت يدها كأنها تشكوني قائلة:[/font]
[font=&quot]- طيب[/font][font=&quot]،[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]سنرى حتى[/font][font=&quot] يحضر، يا لطيف ولد مغضوب[/font][font=&quot]،[/font][font=&quot] الله ينجينا !. [/font]
[font=&quot] وهرباً من مواجهة الحقيقة، الحقيقة الذبيحة على بساطٍ من سرقةٍ، وسرقة من؟ سرقة أبيك! فتحت الباب وعيناي تحدقان في عالم مجهول[/font][font=&quot].[/font][font=&quot] [/font][font=&quot][/font]
[font=&quot] قضيت النهار في حديقة "ميسلون"، وتقريباً الساعة السابعة بدأت رحلة الطواف في شوارع المدينة، حتى أنهكني التعب، فعكفت إلى الشيخ مقصود حيث شاهدني أبو سليم وفي حوالي الثانية عشر ليلاً كنت أنقر الباب ثلاث نقراتٍ.[/font]
[font=&quot] حاولت النوم فأنا مجهدٌ، لكن الخوف الذي لازمني طيرَ النوم من أجفاني، فتخيلت هوائيات التلفزة ومداخن المدافىء، قد تحولت إلى أشباح ٍ تريد الاقتراب مني كي تهلكني!.[/font]
[font=&quot] كالقرد الهارب من قفصه نزلت، وأنا أتسحب على رؤوس أصابعي[/font][font=&quot]،[/font][font=&quot] حتى اندسست في الفراش قرب أخوتي.[/font]
[font=&quot] كان شخيرها مثل شخير محتضرٍ، وعيناها شبه مغمضتين وفمها نصف مفتوح ٍ، وشعرها القصير الأبيض منكوشٌ مثل صوف النعجةِ، ولشدة خوفي وفزعي مما رأيت أغمضت عينيّ، وأعتقد أني نمت[/font][font=&quot].[/font]
[font=&quot] في[/font][font=&quot] صبيحة اليوم [/font][font=&quot]التالي [/font][font=&quot]انتفضت مذعوراً، "يا لهذا الصباح الغائم"! رأيت وجهاً أثار الهلع في داخلي، كأني أول مرة أشاهده، كان محتقناً، ينمّ عن الحقد والغضب.[/font][font=&quot][/font]
[font=&quot] قرفصتُ كالمطعون في ظهره سائلا ًالملائكة أن تتنزل بالرحمة[/font][font=&quot].[/font][font=&quot] دقائق مرت وهي تحملق فيّ مثل ضفدعةٍ هرمةٍ، وبعد أن تلمظت وابتلعت ريقها قالت:[/font][font=&quot][/font]
[font=&quot]-[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]حرام عليك[/font][font=&quot]،[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]تريد[/font][font=&quot] تموته.[/font][font=&quot][/font]
[font=&quot]- [/font][font=&quot]ماذا قلت[/font][font=&quot]؟.[/font][font=&quot][/font]
[font=&quot]- يا حرام سرقت الغلة والسندات، كأنك ما فعلت [/font][font=&quot]أي [/font][font=&quot]شي[/font][font=&quot]ء[/font][font=&quot] !. [/font][font=&quot][/font]
[font=&quot]- أنا؟!.[/font]
[font=&quot]- آ، أنت! وما[/font][font=&quot]عندك[/font][font=&quot] خبر، مسكين يا حرام مظلوم !.[/font]
[font=&quot]- روحي على شغلك!. [/font]
[font=&quot] بدت ملتاثة، أصبحت تدور في أرض الغرفة وهي تدمدم:[/font]
[font=&quot]- آخ يا رأسي، الله يساعدنا، ولد مغضوب!. [/font]
[font=&quot] نكاية بها رميت بالمنفضة وبالكأس التي كانت على المنضدة الصغيرة، فتطايرت نتف الزجاج وأعقاب السجائر على الأرض فصرختْ بصوت ٍ مرعوب ٍ :[/font]
[font=&quot]- الله يأخذك، ويقصف عمرك يا مغضوب! [/font]
[font=&quot] وانقضت عليّ مثل ساحرة، وأخذتني بين يديها بعد أن غاصت أصابعها المعروقة داخل شعري، فضربتها فصرخت متوجعة:[/font]
[font=&quot]- الله يغضب عليك ويأخذك حتى نرتاح، والله، والله..... [/font]
[font=&quot] ولم تكمل جملتها[/font][font=&quot]،[/font][font=&quot] لأن صوت المفتاح أعلن عن حضور ولي الأمر[/font][font=&quot]!!.[/font][font=&quot] [/font][font=&quot][/font]
[font=&quot] بقسماته الغاضبة انتصب في أرض الغرفة، وما إن رآني حتى هجم عليّ وراح يضربني بلا وعي، فكاد يغمى عليّ! [/font]
[font=&quot] في[/font][font=&quot] تلك[/font][font=&quot] اللحظة تمنيت الموت، وكانت فكرة الموت على يديه تروق لي [/font]
 
[font=&quot]كثيراً. [/font][font=&quot]فقلت في نفسي:[/font][font=&quot] اضربْ، اضربْ بشدةٍ ما عدت أحسُ بالآلام، لن أموت[/font][font=&quot]،[/font][font=&quot] سأعيش حتى أراك حاملاً صندوق فقرك وعجزك، بعد ذلك يا مرحباً بالموت!.[/font]
[font=&quot] لن أكون الولد الرضي، كنت البادئ، والبادئ أظلم! أنت من علّمني غش الزبائن، أنسيت كيف كنت ُتبدل تسعيرة القطعة وأنت تقول[/font][font=&quot]:[/font][font=&quot] " الزبونة" لا تفهم بالمقاسات، قياس نمرة ثلاث سعره أغلى! ضعها على قياس نمرة واحد !!.[/font]
[font=&quot]والتي تنازلت لك عن حقها الشرعي، تنكره عليها [/font][font=&quot]و[/font][font=&quot]تقدمه إلى زوجة جديدة. اضربْ بقسوة أكثر، لن أعترف بما فعلت! ولن أخبرك أين ذهبتُ، وكم صرفتُ؟ وكم بقي معي، وأين أخفيته؟!.[/font]
[font=&quot] - ما فائدة ضربك الآن؟ تحجرت أوجاعي، ما عدتُ أحسُ بالآلام، لن تسمع صوت أنيني أو بكائي!، أصبحتُ مثل حجر، أصم ثقيل، لا يتحرك"!!!.[/font]
[font=&quot] رضوان وناجي وفريدة وقفوا يصرخون ببكاءٍ مطير وهم يشاهدون الدماء تنفر من أنفي وشفتي، وأم نوري التي صعدت إلينا على صوت الضجيج والصراخ دخلت تسأل ما الخبر؟ كانت هي الأخرى واهنة، راجفة اليدين[/font][font=&quot].[/font][font=&quot] وبدلاً من أن تصدّه جدتي، وقفت المرأة الغريبة حائلاً بيني وبينه، تمنع يده القاسية عني، فقد أدمى وجهي! وبلا مراعاةٍ للخواطر خواطر الذين كانوا يبكون على أخيهم، خرج وهو ُيهددُّ بإخبار الشرطة!!. [/font]
[font=&quot] بعد ساعة عاد كمن كان في حربٍ مع الهنود الحمر،عاد وغضبه النافر واضح الملامح وبلهجةٍ متوعدةٍ قال:[/font]
[font=&quot]- إذا اعترفت لن أخبر الشرطة، سأعطيك فرصة، معك نصف ساعة قل ماذا فعلت بالسندات ومبلغ الخمسة آلاف ليرة؟ فقط احكِ الحقيقة! لن أضربك، سأنسى، ويا دار ما دخلك شر!!.[/font]
[font=&quot] اقترب ناجي يتوسل[/font][font=&quot]ه[/font][font=&quot] في أن يعفو عني. انضمت إليه فريدة، [/font][font=&quot]و[/font][font=&quot]ظل معاندا[/font][font=&quot]ً[/font][font=&quot]، [/font][font=&quot]لن[/font][font=&quot] يغفر لي فعلتي، وإذا اقتضت الضرورة فهناك شرط واحد، شرط واحد فقط ولا تراجع عنه، أن أخرج من البيت ومن دون رجعة إليه!.[/font][font=&quot][/font]
[font=&quot] ركعت أختي تحت قدميه ترجوه وتتوسل إليه أن يعفو عني، قبلت ساقه، فأبعد رأسها بيده وقال :[/font]
[font=&quot]- مبسوط يا ابن ال، خذ حوائجك وامض ِ، هيا لن أقبل بوجودك، من يعرف كيف يسرق ؟ يعرف كيف يعيش وحده، هيا اخرج، اذهب من دون رجعة، يا الله "لابره اتفوووو".[/font]
[font=&quot] حين طردني خرجت مهيض الجناحين، متورم الوجه حاملاً في صدري الجرح والألم، ولأني لا أعرف مكاناً غير حديقة "ميسلون" فقد بحثت عن مكان ٍ لا يراني فيه أحدٌ من المارة، وخواطر سوداء راحت تدور في عقلي ونفسي. لن أسكت على إهانته لي بهذا الشكل أمام جارتنا وأخوتي، سأردُّ المبلغ إلى العقاب الكبير، سأجعله بلا أجنحة، وسأجعله يندم على طرده لي أمام الجارة، سأكون أنا الرجل الذي يعاقب، وسيكون هو الطفل النادم، لن أدعه يرتاح، سأهدم حياته كما هدم حياتي[/font][font=&quot].[/font][font=&quot] [/font][font=&quot][/font]
[font=&quot] في دوامة الصراع [/font][font=&quot]بين[/font][font=&quot] احتمال الألم والطرد[/font][font=&quot]،[/font][font=&quot] شاهدني علي[/font][font=&quot]ّ[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]ف[/font][font=&quot]جفت دموع قلبي. [/font][font=&quot][/font]
[font=&quot] ابتسامته جعلتني أشعر بالكراهية نحوه أكثر من كل مرةٍ لكنه فيما عرضه عليّ طيبَ خاطري، وألزمني بمرافقته!.[/font]
[font=&quot] في المقبرة أسندت ظهري [/font][font=&quot]إ[/font][font=&quot]لى واحدة من الشواهد! عبارته أرجعت ذاكرتي، ورسمت صورته، وأعادت صوته "بدي ماما"، "أين قبرك أيها الطفل الصغير؟! تعالَ لأضمك إلى صدري مثلما فعلت يوم غادرت البيت أمي! [/font]
[font=&quot] اخرج من قبرك، دعني أقبلك، قلْ أريدُ " لفة الزيت والزعتر"! في هذه اللحظة القاسية ورغماً عن[/font][font=&quot]ي[/font][font=&quot] انهمرت دموعي التي كانت متحجرة، فأخفيت وجهي براحتي[/font][font=&quot]َّ[/font][font=&quot]، وكأنه عرف بإدراكه ما أحتاجه [/font][font=&quot]في هذه [/font][font=&quot]اللحظة [/font][font=&quot]ف[/font][font=&quot]أخرج من جيب قميصه حبة وقدمها قائلاً: [/font][font=&quot][/font]
[font=&quot]- خذْ، ابتلعها، تنسى وتصبح ملكاً!.[/font]
[font=&quot] حبة واحدة صغيرة[/font][font=&quot]،[/font][font=&quot] جعلتني أشعر بالخدر يسري في عروقي وأنسى، حبة واحدة أرقدت ضجيج الحقد والغضب في ثقوب ذاكرتي فتهاديت مثل قشةٍ وضعتها الريح. حبة واحدة جعلتني أتعلق بعلي وأنفذ له كلّ طلباته، لأجعل من لغة القصاص في داخلي وأنا أحاور من لا وجود لشخصه أمامي بل في ذاكرتي نافذة في الدخول إلى العالم الذي بدأ " لخوفك من كلام الناس باتهامهم لك بالفشل وبالعجز من تربيتي تطردني، تتكتم على سرقتي لمحلك ضاغطاً على أعصابك بجبروت القاتل، تطردني لأنك أصبحت تخاف مني، وهذه الأخيرة أضافت إلى أفعالي شيئاً قوياً، شيئاً لا يمكنك أن تقدر ثمنه، جعلتني أشعر بأني قد انتصرت عليك !.[/font]
 
[font=&quot] تباً لك يا أبا لهبٍ، تبا ً لك يا أبا غالبٍ، كلّ الذي استطعت أن تفعله، وفعلته أنك طردت ولدك من البيت، فهنيئاً لأبوتك بما فعلت"[/font]
[font=&quot] وحين لكزني عليٌ بطرف حذائه، انتفضت من مكاني وسألته :[/font]
[font=&quot]- ما الأمرْ ؟ [/font]
[font=&quot] أجاب بصوتٍ خفيض ٍ: [/font]
[font=&quot] - هسْ، يوجد رجالٌ قادمون، ازحف ورائي نحو الشجرة!.[/font]
[font=&quot] ما أرهب هذه اللحظات؟! وما أسوأ برودة أعصابه؟!.[/font]
[font=&quot] زحفت معه نحو الوراء كما تزحف السحالي، وعند جذع الشجرة تمددنا، وانتظرنا هبوط الظلام، فنظرت من حولي كانت القبور راقدة في جوف صمتها كما القوقعة، والظلام يتسربل عميقاً في قلب الصمت[/font][font=&quot]![/font][font=&quot] [/font][font=&quot][/font]
[font=&quot] ما أقسى النوم بين ظلال القبور والشواهد! وما أحوجني في تلك الساعة إلى أريكةٍ من قش ٍ أو إسفنج ٍ أو قطن ٍ أو حتى خرق ٍ باليةٍ[/font][font=&quot]،[/font][font=&quot] المهم أن أجد ما أضع عليه رأسي "انقلع لبره، يلعنك ابن حرام!".[/font]
[font=&quot] هذه الجملة ثقبت أذني وسكنت فيها، فأشعر في تلك اللحظات أني أكرهه بجنون، بعد أن تراءى لي أن الحياة متآمرة معه ضد [/font][font=&quot]جميع[/font][font=&quot] حقوقي الإنسانية![/font][font=&quot][/font]
[font=&quot] حين خرجت من البيت مجلجلاً باليأس ومكبلاً بفجيعة الطرد أحسست أني ابتلع جبلاً وعراً، كان الطريق مشغولاً بضجيج السيارات وبأصوات الباعة وبحركة بعض المارة وكنت مشغولاً بضجيج ٍ من نوع ٍخاص ٍ، من نوع ٍلا يظهر!.[/font]
[font=&quot] في هذا المكان تجاهلت أني كنت أراقبه، وحين أخرج من جيب بنطاله مفكاً صغيراً وراح يحفر عند الجذع سألته:[/font]
[font=&quot]- ماذا تفعل؟.[/font]
[font=&quot]- هسْ، لا ترفع صوتك!. [/font]
[font=&quot] جعلني أجلس مذهولاً أراقبه، ما الذي أخرجه من تحت التراب؟ ما هذه الأعصاب القوية ؟ إني أراه يجلس مثل نمس ٍ متمرن ٍ يلف سي[/font][font=&quot]ك[/font][font=&quot]ارة، وكان لابدّ من سؤاله:[/font]
[font=&quot]- ما هذا؟.[/font][font=&quot][/font]
[font=&quot]- " كيف "[/font][font=&quot][/font]
[font=&quot]- ما معنى "كيف"؟.[/font][font=&quot][/font]
[font=&quot]- حشيش!.[/font][font=&quot][/font]
[font=&quot] حين سمعت بكلمة حشيش توارت قوتي[/font][font=&quot]،[/font][font=&quot] كما توارت داخل القبور الأكفان والأجساد والعظام. كنت في [/font][font=&quot]تلك [/font][font=&quot]اللحظة متأرجحاً بين الخوف وبين الهروب. بين م[/font][font=&quot]ا[/font][font=&quot]أحس به من ضحكٍ، فأطلق أصداءه المتعفنة داخل أفنان روحي المتكسرة لأوقظ كلّ الأموات علهم يشاركون غالبٍ المقهور الضحك [/font][font=&quot]على كلامه لأمي:[/font]
 
[font=&quot] - آ... حاجة بقى ما في واحد مات ورجع على الدنيا، وحكى للناس عن عذاب القبر!.[/font]
[font=&quot] فأصيخ السمع علني أسمع ما ينافي ما كان يقوله لأمي: [/font]
[font=&quot] - " آ... ست مفتي "خانم"... بيعينا سكوتك!".[/font]
[font=&quot] ولأني كنتُ ساكتاً أعيد ترتيب الكلمات لماض ٍ [/font][font=&quot]لا[/font][font=&quot]ي[/font][font=&quot]زال مغروساً في الذاكرة وقد بدأت أدخن سيكارة الحشيش، التفت إليّ يسألني:[/font]
[font=&quot]- [/font][font=&quot]هل ارتحت؟.[/font]
[font=&quot]- [/font][font=&quot]بل "انصطلت" !.[/font]
[font=&quot] فجأة سمعنا صوت قعقعة عصا، تنبهت حواسي نحو مصدر الصوت، فرفعت جسدي قليلاً، ونظرت من خلف الشاهدة التي كنت أجلس بجوارها، كانت الشمس تحاول اختراق الغمام، وثمة رجلٌ يضرب زوايا الشواهد بعصاه[/font][font=&quot].[/font][font=&quot] قررنا[/font][font=&quot] أنا وعليّ[/font][font=&quot] الانفصال حتى المساء، [/font][font=&quot]على [/font][font=&quot]أن نلتقي بعد المغرب في المكان ذاته، عند الشجرة الموازية لعمود الكهرباء[/font][font=&quot].[/font]
[font=&quot] لم أنزل من الطرف الشرقي، لحقت بالرجل صاحب العصا، وحين أصبحت قريباً منه، نظرت إليه، فرأيته مغمض العينين، فتشجعت في أن أمدّ له يد العون قائلاً :[/font]
[font=&quot]- على مهلك يا عم، هات يدك ![/font]
[font=&quot] خامرني إحساس غريب وأنا أمسك بيده [/font][font=&quot]ب[/font][font=&quot]أني أعرفه منذ زمن بعيد[/font][font=&quot]،[/font][font=&quot] أحسست كأنه يعرفني منذ زمن بعيدٍ أيضاً! أبدى[/font][font=&quot] الرجل[/font][font=&quot] ارتياحاً من وجودي إلى جانبه، وقبل أن يترك أحدنا الآخر سألني:[/font]
[font=&quot] - أتزور أحداً؟.[/font]
[font=&quot] وكان عليّ أن أكذب : [/font]
[font=&quot]- نعم كنت أزور قبر أخي الصغير!.[/font]
[font=&quot]- لا حول ولا قوة إلا بالله. [/font]
[font=&quot]ضرب الأرض[/font][font=&quot] بعصاه[/font][font=&quot]،[/font][font=&quot] وبصوتٍ جهوري راح يردد:[/font]
[font=&quot] - لله يا محسنين... لله.... [/font][font=&quot]![/font]
[font=&quot] تمنيت أن يكون ذلك الرجل والدي [/font][font=&quot]و[/font][font=&quot]تخيل[/font][font=&quot]ت[/font][font=&quot]ه يناديني:[/font]
[font=&quot]- غالب، تعالَ ساعدني، أريد دخول الحمام!.[/font]
[font=&quot] بعد نزولنا من المقبرة نقدت الرجل عشر ليرات فسمعته يدعو لي بطول العمر، تركته ووقفت على الرصيف أفكر إلى أين سأمضي؟! [/font]
[font=&quot] داهمتني فكرة العودة إليهم للسؤال عنهم، عن أخوتي فهذا حقي![/font]
[font=&quot] استراحت[/font][font=&quot] الفكرة [/font][font=&quot]في رأسي المتعب، فسابقت الريح وحين وصلت، أسرعت في الصعود [/font][font=&quot]إلى البيت [/font][font=&quot]بحذرٍ[/font][font=&quot]. [/font][font=&quot]فقد بدا لي أني سأواجه مصيراً متعباً، [/font][font=&quot]و[/font][font=&quot]جهي لم يشف بعد! طرقت الباب طرقاً خفيفاً، [/font][font=&quot]و[/font][font=&quot]بعد هنيهة من الانتظا[/font][font=&quot]ر[/font][font=&quot] المزعج[/font][font=&quot]، [/font][font=&quot]فتِحَ البابُ وبصوتٍ [/font][font=&quot]مهذبٍ [/font][font=&quot]قالت:[/font]
[font=&quot]- ادخل، جدتك، عند أم نوري.[/font]
[font=&quot]نظرت في وجهها أتأمل قسماته، [/font][font=&quot]كانت [/font][font=&quot]عيناها غارقت[/font][font=&quot]ي[/font][font=&quot]ن بالدمع [/font][font=&quot]ف[/font][font=&quot]سأل[/font][font=&quot]تها عن السبب، فقالت:[/font]
[font=&quot]- بابا لن يرسلني إلى المدرسة، قال[/font][font=&quot]:[/font][font=&quot]واجبي أن[/font][font=&quot] أتعلم شؤون البيت والطبيخ، [/font][font=&quot]و[/font][font=&quot]مستقبلي في الزواج وليس في طلب العلم.[/font]
[font=&quot] ضربت رأسي بنخوة ٍأيقظت كلّ الكبرياء الهامد في نفسي:[/font]
[font=&quot]- ي[/font][font=&quot]ريد أن [/font][font=&quot]تشتغلي خادمة، أما يكفيه ما فعله بي؟!.[/font]
[font=&quot] مسحت دموعها التي انسلت من عينيها على خديها من اختزان الألم ثم رمتني بابتسامة مشحوذة، وكأنها تدرك أكثر مني أبعاد الوقيعة[/font][font=&quot]،[/font][font=&quot] قالت[/font][font=&quot]:[/font]
[font=&quot]- أنس[/font][font=&quot]يت أني سأخدم إخوتي؟!.[/font]
[font=&quot] أخرستني وأخرست نبض الدم في عروقي، أكانت تقصدني؟[/font]
[font=&quot]أكانت تلمح إلى علاقة أبي بي، وعلاقتي بأبي!؟ شعرتُ بالتوتر يغزو ملامحي الجافة، الضيق يتشعب في الصدر وبنظرة خاطفة حانية قلت :[/font]
[font=&quot]- بوسي رضوان وناجي، وخذي بالك منهما ولسوف أسأل عنكم، لقد تأخرت!.[/font]
[font=&quot] في ظهيرة ذلك اليوم شعرت بتغيرات الطقس تشبه تغيرات نفسي فنحن مع بدايات دخول فصل الصيف، بلا عافية رحت أمشي، أجتر خطواتي اجتراراً دبقاً وأنا ألف وأدور في الشوارع والحواري وقد اعتراني اليأس الذي اغتصب فرح العقاب الصغير!.[/font]
 
[font=&quot] ولحظة قرأت الإعلان المعلق على واجهة المحل الزجاجي ترددتُ في الدخول، ترددتُ في السؤال، ترددتُ في أن أكون أجيراً مرة أخرى فعدلت عن الدخول للسؤال عن عمل ٍ، فما زال معي من المال ما يفي حاجتي!.[/font]
[font=&quot] دخلت إلى دكان الفوال أبو عبدو طلبت صحن فول بالطحينة مع فحل بصل كما يقولون وجلست أفطر، كانت شهيتي إلى الطعام قوية[/font][font=&quot]،[/font][font=&quot] مسحت الصحن كله ورغبت في طلب المزيد لكنني خجلت![/font]
[font=&quot] وحين خرجت من عند دكان الفوال[/font][font=&quot]،[/font][font=&quot] رأيت إبراهيم وهو يخرج من محل تصليح الساعات، ندهته، التفت نحوي قائلاً: [/font]
[font=&quot] - أهلاً غالب، كيف حالك؟.[/font]
[font=&quot] - الحمد لله.[/font]
[font=&quot] تنبهتُ إلى شيءٍ مهم ٍ، شيء كان يجب ألا يغيب عن ذاكرتي فسألت بلهفةٍ:[/font]
[font=&quot]- صحيح، ما أخبار أمك وأبيك؟ هل طلق أبوك أمك؟!.[/font]
[font=&quot]- فأل الله ولا فألك، انحلت.[/font]
[font=&quot]- كيف؟.[/font]
[font=&quot]- تدخل صهري بالموضوع،لا تؤاخذني مستعجل، إنه ينتظرني.[/font]
[font=&quot]- من؟.[/font]
[font=&quot]- صهري.[/font]
[font=&quot] في الحقيقة لم أكن أريد له هذه النهاية، كنت أريده أن يكون مثلي ولأنه كان غير مضطر أن يجود عليّ بتفاصيل الأشياء فقد تملص بحنكةٍ وركض يقطع الشارع، وأنا أراقب ظلاله التي صارت بعيدة عن عيني، شاهدت الرجل الأعمى يحاول أن يعبر الشارع فركضت نحوه مسكته من يده وقلت:[/font]
[font=&quot]- مرحباً يا عم، أتريد عوناً.[/font]
[font=&quot]- كأني سمعت هذا الصوت!.[/font]
[font=&quot]- أنا غالب الذي كنت أزور قبر أخي هذا الصباح. [/font]
[font=&quot]- أهلاً، بارك الله في سعيك. [/font]
[font=&quot] ومشى على الرصيف ينادي " لله يا محسنين لله " بعد أن ترك يدي، فعرفت [/font]
 
[font=&quot]أنه لا يريد أن يظل بقربي، فقررتُ مطاردته! [/font]
[font=&quot] بدأ خط سيره من منعطف مفرق "الجابرية" إلى شارع "الحميدية فالنيال"، وعند كلّ زاوية كان يقف بعض الوقت ينادي "لله يا محسنين" حتى وصلنا الجامع الكبير!، وحين ابتدأت الشمس تميل نحو المغيب خرج الرجل من الباب الرئيسي للجامع الكبير، ما أثقل الزمن الذي كان يمر ببطءٍ على رأسي وقدميّ وأنا واقف أتعقب كلّ حركاته وردود أفعاله مع الذين يدفعون، والذين لا يدفعون[/font][font=&quot]. [/font]
[font=&quot] حين خرج الرجل وقفت أمامه وقلت بكل جرأة :[/font]
[font=&quot]- مساء الخير يا عم، أتريد عوناً ؟[/font]
[font=&quot]- أنت ثانية ؟[/font]
[font=&quot]- نعم، أنا غالب وأرغب [/font][font=&quot]أن أساعدك[/font][font=&quot] في عبور الشارع!![/font]
[font=&quot] شعرتُ بروحه ُتحدقُ بي وهو مغمض العينين، إحساسٌ غريبٌ دفعني إلى التفكير بملاحقته، حاجة ملحة دفعتني وبكل جرأة في أن أقول له وأنا أمسك بكوع يده:[/font]
[font=&quot]- لديّ مشكلة ولن يساعدني على حلها أحدٌ غيرك، أرجوك أعطِ المغلوب على أمره فرصة البوح والفضفضة، فأنا مطرود من بيت أبي! [/font]
[font=&quot]- مطرود! لا حول ولا قوة إلا بالله. [/font]
[font=&quot] فرقع الرجل بعصاه وهو ينقر حجر الرصيف وقد اهتزت أوداجه ولحيته الكثة، وتركني أمشي إلى جانبه من [/font][font=&quot]غير[/font][font=&quot] أن يقول شيئاً، أو حتى يسحب كوع[/font][font=&quot]ه[/font][font=&quot] من بين أصابعي !.[/font]
[font=&quot] من الطرف الشمالي للمقبرة مقبرة "ميسلون"، وتحت الدرج دخلنا إلى مكان ٍ يشبه المغارة، كان يعرف الطريق جيداً [/font][font=&quot]و[/font][font=&quot]كأنه مبصر. [/font]
[font=&quot] ثمة حمارٌ أبيض كان يقف في طرف المغارة، وحين شاهد صاحبه [/font][font=&quot]ي[/font][font=&quot]دخل راح ينهق. ربما من الفرح [/font][font=&quot]ل[/font][font=&quot]أنه لم يعد وحيداً[/font][font=&quot]،[/font][font=&quot] وربما لأني دخلت معه. كانت رائحة الرطوبة تضغط على الأنفاس، وأمام الفعل الجميل و[/font][font=&quot]على ال[/font][font=&quot]رغم [/font][font=&quot]من [/font][font=&quot]وجود كلّ الأنات الهاصرة لأحلامي، توقف الضجيج المعربد [/font][font=&quot]في رقعة هذا المكان المخيف[/font][font=&quot]و[/font][font=&quot]سمعته يقول:[/font]
[font=&quot]- أهلاً بك في بيتي المتواضع. [/font]
[font=&quot]- يسلمْ البيت وأصحابه. [/font]
[font=&quot] مع بداية هذه العلاقة أعترف أن زمن الاكتشاف العجيب لم يكن طويلاً، فالرجل لم يكن أعمى[/font][font=&quot].[/font][font=&quot] كان مبصراً ولشدة دهائه جعل من نفسه أعمى كي يُلقط رزقه كما كان عليٌ يُلقط رزقه بالسرقة ليدخن- الكيف- وأنا الوليد الحديث العهد بينهما، لأكون فيما بعد الشريك والمشترك فيما أفعله وفيما لم أفعله. [/font]
[font=&quot] مددت الحصير المهترىء على الأرض وجلست قربه أسندت ظهري إلى تجاويف الحائط البني الداكن، وببشاشة طيبة النبرة سألني:[/font]
[font=&quot]- هل أنت جائعٌ؟.[/font]
[font=&quot] حقيقة، كنت جائعاً لمعرفة السبب الذي جعله يمثل دور الأعمى على الناس، وحين أيقنت أن الخير والشر وجهان لعملةٍ واحدةٍ أحسست بشوق ٍ عارم ٍلنوال، راودتني مشاعر الشوق في أن نلتقي معاً في هذا المكان القصي، نختبر فضاء روحينا بلقاء العاشق بحبيبته داخل كهفٍ لا يهتك الستر فأذكر ما كانت تقوله "أنت تكذب علي لا تحبني"![/font]
[font=&quot] في اللحظة تلك يورق ذراعاي فيورق الحلم السرمدي المخضب بدخان نرجيلة الشيخ محمد فأسمع تردد نأمة الإخلاص في عذوبة ضمها إلى صدري:"- أنا بحبك، بحبك حتى الموت".[/font]
[font=&quot] أتلقف رضاب كلماتها من ريق فمها وأعصر شفتيها بين شفتيّ، وبحركة ما[/font][font=&quot]تفلت من بين يدي وتغيب وراء سكون الباب وهدوء الليل! [/font][font=&quot]و[/font][font=&quot]يظل عطرها الأخاذ معششاً في خلايا روحي وأنفاسي، حتى أتنبه من حلمي لأواجه ضمن هذه الرقعة الصغيرة ما أفزعني لحظة حدقت [/font][font=&quot]إلى [/font][font=&quot]مخبئه التحتي و[/font][font=&quot]إلى [/font][font=&quot]نظرات عينيه الشهلاوين المحدقتين بي!.[/font]
[font=&quot] - ما تريد أن تعرفه عني؟ قصة حياتي، يوم ولادتي، شجار أمي مع جدتي، وجدتي مع أمي![/font]
[font=&quot] كره أبٍ زرع اللؤم والحقد والتمرد في الصدر والقلب والجبين نغمات حبٍ خفي ٍ لن يزهر أبداً! إذن اسمع تفاصيل قصتي، ولا تفوت حرفاً.[/font]
[font=&quot] بإمعان ٍ راح يستمع إلى التفاصيل بعد أن ارتسمتْ على شفتيه ابتسامة جذابة، شممت منها رائحة حنان ٍ، جعلتني أطمئن إلى مجالسته في مسكن أحزانه!.[/font]
[font=&quot] أغمض الحمار عينيه، وأغمض الشيخ محمد عينيه بعد أن استلقى بجسده [/font]
 
[font=&quot]على فراش من الإسفنج مليءٍ بالبقع والدهون تفوح منه رائحة العفن، بينما ركب رأسي القلق لأشعر في هذه الليلة برغبةٍ في أن أنهزم إلى حيث ينام علي[/font][font=&quot]ٍّ[/font][font=&quot]، لكن الطمأنينة التي انداحت في داخلي جعلتني أندس تحت اللحاف المهترىء بعد أن و[/font][font=&quot]ضعت[/font][font=&quot] الرأس على أريكةٍ من قش ٍ.[/font]
[font=&quot]وهنٌ شديدٌ بعثرَ كلّ أفكاري وآلامي، وشدني إلى نومٍ على الرغم من جراح النفس. [/font][font=&quot][/font]
[font=&quot] صبيحة اليوم التالي استيقظت مثقل الرأس، موجع الظهر وجلست أسأل روحي "تُراني سأتعرف [/font][font=&quot]إ[/font][font=&quot]لى أرواح جديدة ممن تحفظهم المقبرة داخل تراب[/font][font=&quot]ها[/font][font=&quot] ؟!. أم سأتعرف [/font][font=&quot]إ[/font][font=&quot]لى أشخاص أحياء لا يهجرونني ولا يوزعون الشماتة في أشلاء روحي؟! أم سأصاب بالهول من فظائع الأمور حين أسمع صوت أحدهم يخاطبني من [/font][font=&quot]غير[/font][font=&quot] أن أراه ؟!.[/font][font=&quot][/font]
[font=&quot] كانت كلّ الأفكار تجيء و تتوارى بغمضة عين ٍ! والشيخ محمد خرج يلملم رزقه بعد أن تركني وحيداً أغط في نوم لا يشبه النوم. [/font]
[font=&quot]تأملت المكان والحمار جيداً، تمنيت أن انقلب إلى حمار مثله كي أعيش بلا ألم وبلا توبيخ ضمير، فتقشف هذا المكان ارحم بملايين المرات من سرير وفراش دافئ نظيف يقض من هدوئه ثرثرة عجوز لا ترحم، لهذا قبلت بهذا القدر الذي فرض نفسه علي.[/font]
[font=&quot]علاقة غريبة توطدت بيني وبين الشيخ محمد، محورها الهروب من واقع الأخطاء المفروضة علينا، يجمعنا الليل ويؤنس وحدتنا حمار أبيض. هكذا وبلا مقدمات مادية تجد نفسك في مكان غير مكانك الأصلي، مكان فرضته عليك ظروف أسرة لم يكن الحب ديدنها، بل النكد والحرد والطلاق والزواج، وحين كنت سجيناً في دار الأحداث يدفعك إلى التوبة مدير الدار والمرشد النفسي. فينتهز والدك فرصة عدم وجودك ويتزوج!.[/font][font=&quot][/font]
[font=&quot] وحين ُشفيَ وجهي من أثر علامات الضرب التي أحدثها أبي[/font][font=&quot]،[/font][font=&quot] بدأت البحث عن عمل ٍ! ولن أقبل أن أكون عالة على صاحب المأوى الجديد![/font][font=&quot].[/font]
[font=&quot] حين خرجت من المغارة رأيت الضوء الحقيقي، فنور مصباح زيت الكاز كان يجعلني أشعر بالسأم والقنوط، ونهيق الحمار يسرق مني الهدوء[/font][font=&quot]،[/font][font=&quot] فأشعر بالخوف[/font][font=&quot].[/font]
 
[font=&quot] في شارع "النيال" درتُ على أصحاب المحلات لبيع الألبسة الولادية والنسائية، وحين قرأتُ الإعلان المعلق على واجهة اللوح الزجاجي ترددتُ في الدخول، ترددتُ في السؤال، ترددتُ في أن أكون أجيراً مرة أخرى، لكنني مضطر، [/font][font=&quot]ف[/font][font=&quot]دفعت الباب، ودخلت.[/font]
[font=&quot] كان جالساً وراء منضدة كبيرة يشرب فنجان قهوة[/font][font=&quot]،[/font][font=&quot]رده البارد[/font][font=&quot] أزعجني[/font][font=&quot] لكنه عندما قال : نجرب[/font][font=&quot]، فكر[/font][font=&quot]ت[/font][font=&quot] في القبض على صلعته ذات الانحدارات المتنافرة كي أقبلها. [/font]
[font=&quot] كانت مهمتي أن أمسح الغبار [/font][font=&quot]عن[/font][font=&quot] خشب الموبيليا بقطعة قماش من القطن الناعم[/font][font=&quot]، في هذا المكان الواسع[/font][font=&quot] تخيلت [/font][font=&quot]أبي [/font][font=&quot]يقف أمامي معتذراً عما بدرَ منه في حق[/font][font=&quot]ي[/font][font=&quot] وأنا أدفع إليه المبلغ الذي سرقته من المحل، [/font][font=&quot]وهو[/font][font=&quot] ن[/font][font=&quot]ا[/font][font=&quot]دم على [/font][font=&quot]قبوله[/font][font=&quot] شرط الزوجة الجديدة " مالي علاقة بالأولاد".[/font]
[font=&quot] بعد التاسعة أذن الرجل لي بالانصراف وقد أبدى ارتياحاً من خبرتي في التنظيف.[/font]
[font=&quot] مضيت ناحية دكان الفوال أبو عبدو أريد العشاء وما إن دخلت وجلست على الكرسي، ثمة يدٌ وضعت يدها على كتفي فاستدرتُ :[/font]
[font=&quot]- مَنْ علي ؟ يا مرحباً. [/font]
[font=&quot] دعوته، فشاركني العشاء، وحين أردت الدفع سبقني في دفع الحساب وخرجنا معاً، حاولت أن أتملص منه فلم أقدرْ، حاولت التهرب من أسئلته ففشلت، ووقعت في الاعتراف الصعب! فأخذته معي إلى المغارة، لم يكن الشيخ محمد قد عاد بعدُ! فنفضت الحصير، ثم مددته[/font][font=&quot]ا[/font][font=&quot]، ووضعت المساند المحشوة بالقش، وجلست قربه أنتظر عودة الشيخ محمد لينظر في هذه الورطة. وحين أخرج من جيب قميصه السي[/font][font=&quot]كارة[/font][font=&quot] شعرت نحوه بمقت يتجدد في داخلي، رفيق السوء يشدني معه إلى رائحة الحشيش، فأدخن وأغيب مع خيالي، لأسرح مع نوال على سلالم الدرج، في المطبخ، في بيتهم تعتصر شفت[/font][font=&quot]ا[/font][font=&quot]ي شفتيها[/font][font=&quot]،[/font][font=&quot] أضغط على صدرها بصدري النحيل فأحس بنشوة ٍ تعتريني، ويدخل الشيخ محمد، يرى الدخان يملأ المكان، يشم الرائحة فلا يبدي انزعاجاً[/font][font=&quot]،[/font][font=&quot] يرحب بالضيف الجديد ويقول بصوت مبتهج :[/font]
[font=&quot]- دخن عليها تنجلي! [/font]
 
[font=&quot] اكتشاف جديد[/font][font=&quot] آخر[/font][font=&quot] أضاف إلى قائمة أحزاني الإدمان على سكائر الحشيش، لأكتشف فيما بعد أن المعسل من التنباك الذي كان يضعه الشيخ محمد على النرجيلة لم يكن خالياً من ذلك الشيء الممنوع[/font][font=&quot].[/font]
[font=&quot] رويداً، رويداً بدأت ُأدمنُ على تعاطي الحشيش، مرة من علي ٍ وأخرى من الشيخ محمد، في الوقت الذي كانت فيه شهيتي على الطعام تثير دهشتي، والكثير من الأسئلة !.[/font]
[font=&quot] في محل الموبيليا وحيث أتقنت العمل جيداً، أصبحت أتقاضى الأجر الذي يفي بحاجتي إلى سدّ مصاريف طعامي وسكائري بصنفيها الممنوع والمسموح به، ولأني كنت صاحب أنفة وكبرياء، فقد انزعجت من المعلم صاحب المحل، حين دخلت سيدة أنيقة ذات جمال ٍ يسلب العقل[/font][font=&quot]، [/font][font=&quot]زاغت عيناه بساقيها المملوءتين والمكشوفتين حتى الركبة[/font][font=&quot].[/font]
[font=&quot]وحين أمرني أمامها بطلب السيد من الأجير، استنفرتُ وتكهرب[/font][font=&quot]ت[/font][font=&quot] أعصابي، وتوترت أنفاسي، فحدقت بالاثنين، ثم حدقت بالمرأة "هيْ أنتِ انظري في وجهي، أنا لست أجيراً، أنا ابن صاحب محل أيضاً احتواني هذا الأصلع بعد أن اختلقت عليه الكذب قائلاً له : يا عم أنا أبحث عن عملٍ كي أساعد أمي على مصروفنا،[/font][font=&quot]تركت المدرسة بسبب موت والدي بمرض السُكر،لم يترك لنا ما يحمي طفولتنا من غوائل الفقر والحرمان، من أجل أخوتي وأمي ضحيت بمستقبل دراستي".[/font]
[font=&quot] في ذلك اليوم المشمس نقدتني المرأة بخشيش الغرفة التي دفعت ثمنها نقداً، خمسمائة ليرة، وحين التقيت بعلي قلت له :[/font]
[font=&quot]- تصور يا علي خمسمائة ليرة بخشيش !![/font]
[font=&quot] برقت عينا علي ٍ[/font][font=&quot]وسَهُمَ بنظراته عني، ثم انشغل بلف سيكارةٍ، دخنت السيجارة في المقبرة ونقدته [/font][font=&quot]ما[/font][font=&quot]ئة ليرة ومضيت نحو بيتنا القديم[/font][font=&quot].[/font]
[font=&quot] وما إن وجدتني أدخل البيت حتى رشقتني بنظرة لئيمة كتلك التي لا تتوانى عن اجتثاثها من أخاديد تصهر روحها[/font][font=&quot]،[/font][font=&quot] فسألت نفسي حينئذٍ " ما الحدث الجديد الذي يجعلك تحدقين [/font][font=&quot]إل[/font][font=&quot]ي[/font][font=&quot]ّ[/font][font=&quot] ب[/font][font=&quot]هذه[/font][font=&quot] النظرات اللئيمة التي جعلتني أكرهك أكثر من كلّ مرةٍ!؟ "[/font]
[font=&quot] حين دخلت البيت[/font][font=&quot]،[/font][font=&quot] فجعني أن أرى أخي رضوان يئن من ارتفاع الحرارة. أزهرت المرارة في روحي البائسة بالأسى والاكتئاب فخرجت مسرعاً، وعدت
[/font]
[font=&quot]مسرعاً، نبهت أختي إلى ضرورة العناية به وبإعطائه الدواء كل ست ساعات كما أشار الصيدلي!.[/font][font=&quot][/font]
[font=&quot] لم أفكر بمغادرتهم،[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]كنت مشحوناً بالشوق، ومشحوناً بالحقد أطحن اعتلال النفس برؤيته وقد أفجعه الله بوليده الجديد، فأختي أبلغتني أن زوجه حامل وفي الشهر الرابع!.[/font][font=&quot][/font]
[font=&quot] بوجع ٍ غارق في الألم غادرت البيت، وقبل أن أغلق الباب ورائي قلت:[/font][font=&quot][/font]
[font=&quot]- فريدة بأمانتك رضوان وناجي.[/font][font=&quot][/font]

 
الوسوم
إلى السفر القمر حيث روايــة يبكي
عودة
أعلى