موعد مع القدر

جانا

الاعضاء
بيت ريفيّ صغير يتكئ بصمت بحضن تلة وارفة الظلال ، دافئ كأشعة الشمس ، ربيعي رغم الشتاء ..تحيط به الورود وتعشعش بين جنباته الطيور . كان يغفو بأمانٍ تاركاً هموم الحياة تنزلق عبر جدرانه الخارجية لتمحوها حبات المطر .
هذا البيت بناه أبو مروان لعائلته .. كان كالزائر بحكم سفره المتواصل ..كلما عاد من سفره ، كان يقول : ( لن أسافر مجدداً) ويعود عن قراره بحكم الأعباء المثقلة على كاهله بسبب إبنته( مروى) التي منذ ولادتها وهي تعاني من تشوهات خلقية بأسفل ظهرها مما أدى الى تقلص عضلاتها وبالتالي باتت كالمقعدة .
البارحة فقط كان هو وعائلته والقرية بأكملها على موعد مع الفرح ..فرح طالما أنتظره ( زفاف إبنته الكبرى مايا ) لأول مرة يشهد هذا البيت فرحاً كبيراً ..الأنوار تلألأت وباقات الورود انتشرت في كل ركن منه والزغاريد تناثرت مع نسيم الليل للقرية المجاورة .

كان أبو مروان بطوله الفارع وبوسامته يبدو كأميراً ، ابتسامته العريضة لم تفارق شفتيه ، كان كالفراشة ينتقل بين عائلته يضم العروس ويقبلها ..يثني على مايا وفستانها الأنيق ، يحملها بين ذراعيه ويدور بها وهي تصرخ ( بابا كم أحبك ) .

كان الفرح يسبق خطواته ويرسمه على وجوه كل المعازيم ، وصل العريس وأهله فتعالت أصوات الطبول وتشابكت الأيدي وتمايلت الأجساد بحركات أستعراضية راقية ( رقصة فلوكلورية تسمى الدبكة ) كانت الأرض تهتز تحت وقع أقدامهم طربة ..إمتد العرس لساعات الصباح الأولى وبعدها أوصلوا العروس لمنزلها الزوجي و ذهب كل في حاله وعادت العائلة لتنام قريرة العين ما عدا أبو مروان الذي جافاه النوم لفترة ثم استسلم كرهاً .
أفاقت العائلة والقرية إلا أبو مروان نام ولم يفق .. رحل بثوب الفرح وعلى وجهه ابتسامة .. أمر لا يصدق ولكنه وقع فعلاً ..الذهول عم القرية الكل يتساءل ( أمعقول )!!!!!!!!!! منذ ساعات كان يرقص وكان يضج حيوية !!!!!
دخلت العروس بثوب أسود وهي ترتجف من هول الصدمة ، فوقعت عيناها على أختها مروى وهي تحضن جثة والدها وتشم رائحة عطره وتصرخ ( أبي أرجوك استيقظ ) لأجلي قم . تعالت أصوات البكاء من كل حدب وصوب فكل الذين شاركوا في الفرح نصيبهم كنصيب هذه العائلة كم هائل من الحزن .
..جثت مايا ( العروس) التي أصابتها يد القدر برصاصة أدمت قلبها ووضعت يدها على صدره وصارت تقرأ وتمتم الى أن غابت عن الوعي .
صرخت إحدى النسوة ( ماء ماء بسرعة ) وبدأت بإنعاشها وحملها الى سريرها .
رفعت مايا نظرها وتفحصت كل الوجوه ، واسترجعت شريط الحفلة ، هذه كانت ترقص وهذا كان يشرب الشيشة وهذا كان يضحك ، هزت رأسها وهي تقول ( ما أقساك أيها القدر )
دخل الشيخ وقال للجميع ( وحدوا الله ) فتعالت الأصوات ( لا إله إلا الله )

غادر أبو مروان بيته محمولاً على الأكف التي تشابكت البارحة لترسم الفرح ببيت كان على موعد مع القدر
 
الوسوم
القدر مع موعد
عودة
أعلى