القاسم المشترك للجمال

[font=times new roman (arabic)]يختلف كل إنسان عن الآخر، من حيث المزاج والشخصية والخبرة الحياتية والجمالية والمشاعر والانفعالات والذوق والانطباعات كما تختلف وتتباين تكويناتهم وتراكماتهم ومصالحهم وأهدافهم وقناعاتهم، نفسيا واجتماعياً وقيمياً وايديولوجيا، حسياً ومعنوياً، ربما باختيارهم وربما رغماً عنهم.[/font]
[font=times new roman (arabic)]ولكن، وعلى الرغم من هذا الاختلاف الواضح الذي يشمل كل صغيرة وكبيرة، ألا يوجد بينهم قاسم مشترك ولو نسبياً فيما يخص تقييمهم للإبداع، أو احساسهم بالجمال، أو مجرد المعرفة، ودون الاستطراد في اسباب هذه المعرفة، حتى ولو كانت حدسية بما يجعل الابداع إبداعا والجمال جمالاً، أو ربما يضفي على أي أثر فني سمات الإبداع أو الجمال وينفيها عن الآخر؟[/font]
[font=times new roman (arabic)]قد يكون هذا القاسم المشترك موجودا كحاسة إنسانية خاصة بالجمال أو المتعة الروحية أو سمو المشاعر، ومهما تباينت أمكنة الناس وأزمنتهم أو رؤاهم ومواقفهم التي قد تكون شكلية فقط أو معيارية قيمية أو ادراكية حسية او علمية أو شعورية حدسية انطباعية، أو تجريبية تقوم على الاستدلال والتفسير أو تطبيقية تهتم بطبيعة الأشياء وقيمها وتجاربها أو نفسية أو اخلاقية أو ايديولوجية، أو قائمة على المنفعة المادية البحتة او تمزج بين هذه الخبرات أو بعضها بشكل أو بآخر.[/font]
[font=times new roman (arabic)]إذا نجح المبدع في نقل حالته النفسية أثناء الإبداع إلى المتلقي فإن المتلقي يشعر بانتقال الحالة إليه، وهذا هو المقياس الأول والمبدئي لنجاح التجربة الإبداعية، والثاني إذا بدأ المتلقي يستمتع بها في الآن نفسه، أي يشعر بجمالها، ويكون شعوره خالصاً، أي دون توجيه مسبق أو منفعة أو هدف.[/font]
[font=times new roman (arabic)]إذاً، قد يكون هناك حد أدنى لوجود مثل هذا القاسم المشترك، ولكن دون حدود وأعراف وقواعد توقعنا مجدداً في النمطية والتكرار واجترار الأشكال والمضامين والخبرات.[/font]
[font=times new roman (arabic)]وإذا هذا القاسم المشترك، لا توجد له مقاييس أو حدود معينة او ما هية مستقلة عن الابداع.[/font]
[font=times new roman (arabic)]الجمال والابداع هما مصدر هذا القاسم المشترك، لأنهما، إن كانا جمالا وابداعا ظهرت فيهما سمات وميزات خاصة لأن لهما ما هية وجوهرا وطابعا مشتركاً.[/font]
[font=times new roman (arabic)]هذه الخاصية تستعصي على التحديد أو القياس او التعريف، ولكنها موجودة وجوداً محسوساً وليس ملموساً، وغامضاً ويستحيل خضوعه لتفسير محدد ومع ذلك، وجودها متفق عليه بين الناس جميعاً، وفي كل زمان ومكان وتحت أي مظلة فلسفية أو فكرية، وحتى ولو اختلفت أذواق الناس وانطباعاتهم فبينهم اتفاق انساني مشترك حول الإبداع وحول الجمال.[/font]
[font=times new roman (arabic)]قد يخلط بعض الناس أحياناً بين الإبداع وبين صفات قد تقترن به أحياناً وقد لا تقترن به في أحيان أخرى.[/font]
[font=times new roman (arabic)]وقد يخلطون بينه وبين عناصر تشارك في وجوده أحياناً ولكنها ليست شرطاً من شروط هذا الوجود، وبخاصة إذا طغت على أحد الآثار الإبداعية عناصر معينة في نماذج معينة، ربما غير مدركين ان الابداع قادر على توظيف كل عناصر الكون الحسية والمعنوية وقادر على مزجها في وحدته العضوية وبطريقة لا تخضع إلا لمنطق العمل الإبداعي نفسه، ولكن دون أن يقع هذا الابداع تحت سيطرة هذا العنصر أو ذاك.[/font]
[font=times new roman (arabic)]من هنا ثار ويثور الجدل والاختلاف، وسيبقى ثائراً حول الفنون والآداب وأنواعها وحدودها وتراسلها وتألق بعضها وسيادة بعضها وضعف واندثار بعضها الآخر وحسب ظروف كل عصر وإنسانه، ولكن سيبقى الاتفاق المضمر حول الجمال والإبداع نظراً لوجود قاسم مشترك ولكنه عصي على التحديد.[/font]

[font=times new roman (arabic)]من كتاب : من أين لهم هذه القوة , ومن يكسب الرهان ؟ عبدالله سعد اللحيدان . طبعة 2009 . بيروت . بيسان للنشر .[/font]
 
الوسوم
القاسم المشترك للجمال
عودة
أعلى