مايلحق المؤمن من عمله

جانا

الاعضاء
ما يلحق المؤمن من عمله


‏عَنْ ‏ ‏أَبِي هُرَيْرَةَ ‏ ‏قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُعَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "‏إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَمِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُوَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ أَوْبَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ أَوْ صَدَقَةًأَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِمَوْتِهِ".

أخرجه ابن ماجه (1/88 ، رقم 242) ، قال المنذرى (1/55) : إسناده حسن . وأخرجه أيضًا : ابن خزيمة (4/121 ، رقم 2490) ، والبيهقى فى شعب الإيمان (3/247 ، رقم 3448) . وحسنه الألباني في "التعليق الرغيب" ( 1 / 57 - 58 ) ، والأحكام ( 176 - 177 ) ،والإرواء ( 6 / 29 ) ، والروض النضير ( 1013 )



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله المحمود على كل حال , الموصوف بصفات الكمال والجلال ,له الحمد في الأولىوالآخرة , وإليه الرجعى والمآل .

أما بعد : فإن من عظيم نعمة الله على عباده المؤمنين أن هيأ لهم أبوابا من البروالخير والإحسان عديدة , يقوم بها العبد الموفق في هذه الحياة , ويجري ثوابها عليهبعد الممات , فأهل القبور في قبورهم مرتهنون , وعن الأعمال منقطعون , وعلى ما قدموافي حياتهم محاسبون ومجزيون , وبينما هذا الموفق في قبره الحسنات عليه متوالية , والأجور والأفضال عليه متتالية , ينتقل من دار العمل , ولا ينقطع عنه الثواب , تزداد درجاته , وتتناما حسناته وتتضاعف أجوره وهو في قبره , فما أكرمها من حال , وما أجمله وأطيبه من مآل .

وقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم أمورا سبعة يجري ثوابها على الإنسان في قبره بعدما يموت , وذلك فيما رواه البزار في مسنده من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنالنبي صلى الله عليه وسلم قال : « سبع يجري للعبد أجرهن وهوفي قبره بعد موته :من علم علما, أو أجرى نهرا , أو حفر بئرا , أو غرس نخلا , أو بنىمسجدا , أو ورث مصحفا , أو ترك ولدا يستغفر له بعد موته» [ حسنه الألبانيرحمه الله في صحيح الجامع برقم :3596].

وتأمل أخي المسلم – مليا هذه الأعمال , واحرص على أن يكون لك منها حظ ونصيب مادمتفي دار الإمهال , وبادر إليها أشد المبادرة قبل أن تنقضي الأعمار وتنصرم الآجال .

وإليك بعض البيان والإيضاح لهذه الأعمال :

أولا : تعليم العلم , والمراد بالعلم هنا العلمالنافع الذي يبصر الناس بدينهم , ويعرفهم بربهم ومعبود هم , ويهديه إلى صراطهالمستقيم , العلم الذي به يعرف الهدى من الضلال , والحق من الباطل والحلال منالحرام , وهنا يتبين عظم فضل العلماء الناصحين والدعاة المخلصين , الذين هم فيالحقيقة سراج العباد , ومنار البلاد , وقوام الأمة , وينابيع الحكمة , حياتهم غنيمة , وموتهم مصيبة , فهم يعلمون الجاهل , ويذكرون الغافل , ويرشدون الضال , لا يتوقعلهم بائقة , ولا يخاف منهم غائلة , وعندما يموت الواحد منهم تبقى علومه بين الناسموروثة , ومؤلفاته وأقواله بينهم متداولة , منها يفيدون , وعنها يأخذون , وهو فيقبره تتوالى عليه الأجور , ويتتابع عليه الثواب , وقديما كانوا يقولون يموت العالمويبقى كتابه , بينما الآن حتى صوت العالم يبقى مسجلا في الأشرطة المشتملة على دروسهالعلمية , ومحاضراته النافعة , وخطبه القيمة فينتفع به أجيال لم يعاصروه ولم يكتبلهم لقيه . ومن يساهم في طباعة الكتب النافعة , ونشر المؤلفات المفيدة , وتوزيعالأشرطة العلمية والدعوية فله حظ وافر من ذلك الأجر إن شاء الله .

ثانيا :اجراء النهر , والمراد شق جداول الماء منالعيون والأنهار لكي تصل المياه إلى أماكن الناس ومزارعهم , فيرتوي الناس , وتسقىالزروع , وتشرب الماشية , وكم في مثل هذا العمل الجليل والتصرف النبيل من الإحسانإلى الناس , والتنفيس عنهم بتيسير حصول الماء الذي به تكون الحياة , بل هو أهممقوماتها , ويلتحق بهذا مد الماء عبر الأنابيب إلى أماكن الناس , وكذلك وضع براداتالماء في طرقهم ومواطن حاجاتهم .


ثالثا : حفر الآبار , وهو نظير ما سبق وقد جاء فيالسنة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «بينما رجل في طريقفاشتد عليه العطش , فوجد بئرا فنزل فيها فشرب , ثم خرج , فإذا كلب يلهث يأكل الثرىمن العطش , فقال الرجل : لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني , فنزلالبئر فملأ خفه ماء فسقى الكلب , فشكر الله له فغفر له , قالوا يا رسول الله وإنلنا في البهائم أجرا ؟ فقال : في كل ذات كبد رطبة أجر » متفق عليه .
فكيف إذا بمن حفر البئر وتسبب في وجودها حتى ارتوا منها خلق , وانتفع بها كثيرون .


رابعا : غرس النخل , ومن المعلوم أن النخل سيدالأشجار وأفضلها وأنفعها وأكثرها عائدة على الناس , فمن غرس نخلا وسبل ثمرهللمسلمين فإن أجره يستمر كلما طعم من ثمره طاعم , وكلما انتفع بنخله منتفع من إنسانأو حيوان , وهكذا الشأن في غرس كلما ينفع الناس من الأشجار , وإنما خص النخل هنابالذكر لفضله وتميزه .


خامسا :بناء المساجد التي هي أحب البقاع إلى الله , والتي أذن الله جلا وعلا أن ترفع ويذكر فيها اسمه , وإذا بني المسجد أقيمت فيهالصلاة , وتلي فيه القرآن , وذكر فيه الله , ونشر فيه العلم , واجتمع فيه المسلمون , إلى غير ذلك من المصالح العظيمة , ولبانيه أجر في ذلك كله , وقد ثبت في الحديث عنالنبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «من بنى مسجدا يبتغي بهوجه الله بنى الله له بيتا في الجنة » متفق عليه


سادسا : توريث المصحف , وذلك يكون بطباعة المصاحف أوشرائها ووقفها في المساجد , ودور العلم حتى يستفيد منها المسلمون , ولواقفها أجرعظيم كلما تلا في ذلك المصحف تال , وكلما تدبر فيه متدبر , وكلما عمل بما فيه عامل .


سابعا :تربية الأبناء , وحسن تأديبهم , والحرص علىتنشأ تهم على التقوى والصلاح , حتى يكونوا أبناء بررة وأولاد صالحين , فيدعونلأبويهم بالخير , ويسألون الله لهما الرحمة والمغفرة , فإن هذا مما ينتفع به الميتفي قبره .


وقد ورد في الباب في معنى الحديث المتقدم ما رواه ابن ماجه من حديث أبي هريرة رضيالله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم«إن مما يلحقالمؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما علمه ونشره , وولدا صالحا تركه , ومصحفا ورثهأو مسجدا بناه , أو بيتا لابن السبيل بناه , أو نهرا أجراه , أو صدقة أخرجها منماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته» [ حسنه الألباني رحمه الله في صحيحابن ماجه برقم 198 ]

وروى أحمد والطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول صلى الله عليه وسلم« أربعة تجري عليهم أجورهم بعد الموت : من مات مرابطا فيسبيل الله , ومن علم علما أجرى له عمله ما عمل به , ومن تصدق بصدقة فأجرها يجري لهما وجدت , ورجل ترك ولدا صالحا فهو يدعو له» [ وانظر صحيح الجامع حديث رقم 890 ] .

وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية , أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له» وقد فسر جماعة من أهل العلم الصدقةالجارية بأنها الأوقاف , وهي أن يحبس الأصل وتسبل منفعته , وجل الخصال المتقدمةداخلة في الصدقة الجارية .
وقوله : «أو بيتا لابن السبيل بناه » فيه فضل بناءالدور ووقفها لينتفع بها المسلمون سواء ابن السبيل أو طلاب العلم , أو الأيتام , أوالأرامل , أو الفقراء والمساكين . وكم في هذا من الخير والإحسان .


وقد تحصل بما تقدم جملة من الأعمال المباركة إذا قام بها العبد في حياته جرى لهثوابها بعد الممات , وقد نظمها السيوطي في أبيات فقال :


إذا مات ابن آدم ليس يجري
عليه من فعال غير عشر
علوم بثها , ودعاء نجل
وغرس النخل , والصدقات تجري
وراثة مصحف , ورباط ثغر
وحفر البئر , أو اجراء نهر
وبيت للغريب بناه يأوي
إليه , أو بناء محل ذكر

وقوله : ورباط ثغر " شاهده حديث أبي أمامة المتقدم , وما رواه مسلم في صحيحه منحديث سلمان الفارسي رضي الله عنه : قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول« رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وإن مات جرى عليهعمله الذي كان يعمله وأجري عليه رزقه , وأمن الفتان»أي ينمو له عمله إلىيوم القيامة , ويأمن من فتنة القبر .

ونسأل الله جل وعلا أن يوفقنا لكل خير , وأن يعيننا على القيام بأبواب الإحسان, وأن يهدينا سواء السبيل , وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
 
الوسوم
اللولو عمله مايلحق
عودة
أعلى