هل الانبياء والرسل يحاسبون يوم القيامة؟

ايفےـلےـين

من الاعضاء المؤسسين
هل الأنبياء والرسل يُحاسبون يوم القيامة ؟

وما الحكَم من استغفار النبي كثيراً ؟

السؤال:


وفقاً لما جاء في القرآن الكريم فإن كل إنسان سيحشر يوم القيامة

ويُحاسب على ما كان منه ، والنبي صلى الله عليه وسلم سيكون شافعاً للخلائق في ذلك اليوم .

وأريد أن أعرف ما إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم سيحاسب

أيضاً في ذلك اليوم أم إنه معفيٌّ من الحساب كما يقول البعض ؟ .

وإذا كان الأمر كذلك فلماذا كان صلى الله عليه وسلم يستغفر في اليوم أكثر من سبعين مرة ؟

لقد قرأت فتاوى على موقعكم بهذا الخصوص ولكني لم أجد إجابة وافية تناسب تساؤلاتي ،

فأرجو الإجابة عن أسئلتي هذه تحديداً ، وجزاكم الله خيراً .





الجواب :



الحمد لله



أولاً:

ذهب بعض أهل العلم إلى أن الحساب يوم القيامة يشمل الخلق كلَّهم بمن فيهم الأنبياء والمرسلين ، وقد استدلوا بالعمومات الواردة في القرآن ، كمثل قوله تعالى ( فَلَنَسْأَ لَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَ لَنَّ الْمُرْسَل ِين) الأعراف/ 6 ، وقوله تعالى ( فَوَرَبِّك َ لَنَسْأَلَ نَّهُمْ أَجْمَعِين َ . عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُون َ) الحِجر/ 92 ، 93 ، وممن قال بهذا : الفخر الرازي في تفسيره ، حيث قال – في تفسير الآية الأولى - :

"الذين أرسِل إليهم هم الأمة ، والمرسلون هم الرسل ، فبيَّن تعالى أنه يسأل هذين الفريقين ، ونظير هذه الآية قوله ( فَوَرَبّكَ لَنَسْئَلَ نَّهُمْ أَجْمَعِين َ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُون َ ) الحِجر/ 92 ".

ثم قال :

"الآية تدل على أنه تعالى يحاسِب كل عباده لأنهم لا يخرجون عن أن يكونوا رسلاً أو مرسَلاً إليهم ، ويبطل قول من يزعم أنه لا حساب على الأنبياء والكفار" .انتهى من" تفسير الرازي " ( 14 / 20 ، 21 ) .

وقد ذهب جماهير العلماء إلى أن الأنبياء والمرسلين لا يُحاسبون يوم القيامة ، وأنهم إذا كانوا لا يُسألون في قبورهم فهو يعني أنه لا حساب عليهم ، وأنهم أولى ممن يدخل الجنة من غير حساب ، من المسلمين .

وأما ما ورد من عمومات فهي إما للكفار ، أو أنهم سيُسألون عن أقوامهم هل بلغوهم رسالة الله تعالى أم لا ، وليس هذا سؤال توبيخ وتقريع ، بل هو لإقامة الحجة على من خالفهم .

1. قال القرطبي – رحمه الله - :

"قوله تعالى ( فَلَنَسْأَ لَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ ) دليل على أن الكفار يحاسَبون ، وفي التنزيل ( ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم ْ ) الغاشية/ 26 ، وفي سورة القصص ( وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِم ُ الْمُجْرِم ُونَ ) القصص/ 78 يعني : إذا استقروا في العذاب ، والآخرة مواطن : موطن يُسألون فيه للحساب ، وموطن لا يُسألون فيه ، وسؤالهم تقرير وتوبيخ وإفضاح ، وسؤال الرسل سؤال استشهاد بهم وإفصاح ، أي : عن جواب القوم لهم ، وهو معنى قوله ( لِيَسْأَلَ الصَّادِقِ ينَ عَنْ صِدْقِهِمْ ) الأحزاب/ 8 ".انته ى من" تفسير القرطبي " ( 7 / 164 ) .

2. وقال ابن كثير – رحمه الله - :

"وقوله ( فَلَنَسْأَ لَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ ) الآية ، كقوله تعالى ( وَيَوْمَ يُنَادِيهِ مْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَل ِينَ ) القصص/ 65 ، وقوله ( يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ ) المائدة/ 109 ، فالرَّبُّ تبارك وتعالى يوم القيامة يسأل الأمم عما أجابوا رسله فيما أرسلهم به ، ويسأل الرسل أيضا عن إبلاغ رسالاته ، ولهذا قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسير هذه الآية ( فَلَنَسْأَ لَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَ لَنَّ الْمُرْسَل ِينَ ) قال : يسأل الله الناس عما أجابوا المرسلين ، ويسأل المرسَلين عمَّا بلَّغوا" .انتهى من" تفسير ابن كثير " ( 3 / 388 ) .



ثانياً:

صحَّ في الأخبار أن رسول الله كان يستغفر الله كثيراً ، ومن ذلك :

قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ :

سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ :

( وَاللَّهِ إِنِّي لأَسْتَغْف ِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً ) . رواه البخاري ( 6307 ) .

وعَنِ الأَغَرِّ الْمُزَنِى ِّ - وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ( إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِى وَإِنِّى لأَسْتَغْف ِرُ اللَّهَ فِى الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ ) . رواه مسلم ( 2702 ) .



ومن المعلوم المتفق عليه :

أن الله تعالى قد غفر للنبي صلى الله عليه وسلم ما تقدم من ذنوبه وما تأخر ، قال تعالى ( لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ) الفتح/ 2 .

غير أن وعد ضمان الله لنبيه مغفرة ذنوبه جميعا ، ما تقدم منها وما تأخر، لا يمنع أن يعمل النبي صلى الله عليه وسلم من العبادات ما يكون في نفسه سببا لهذه المغفرة التي قدرها الله له ، ووعده بها ، فإن الله تعالى إذا قدر الشي قدر له أسبابه الموصلة إليه ، والاستغفار من أعظم أسباب المغفرة .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" فصل

فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الحَدِيث الصَّحِيح الَّذِي قَالَ فِي آخِره عَن الله تَعَالَى {قد غفر لعبدي فليعمل مَا شَاءَ}

هَذَا الحَدِيث لم يَجعله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَاما فِي كل دنب ، من كل من أذْنب وَتَابَ وَعَاد ، وَإِنَّمَا ذكره حِكَايَة حَالٍ عَن عبد كَانَ مِنْهُ ذَلِك ، فَأفَاد أَن العَبْد قد يعْمل من الْحَسَنَا ت الْعَظِيمَ ة مَا يُوجب غفران مَا تَأَخّر من ذنُوبه ، وَإِن غفر لَهُ بِأَسْبَاب أخر .



وَهَذَا مثل حَدِيث حَاطِب بن أبي بلتعة رَضِي الله عَنهُ الَّذِي قَالَ فِيهِ لعمر :

( وَمَا يدْريك أَن الله اطلع على أهل بدر فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُم فقد غفرت لكم )

وَمَا جَاءَ من أَن غُلَام حَاطِب شكاه فَقَالَ : وَالله يَا رَسُول الله ليدخلن حَاطِب النَّار !!

فَقَالَ : ( كذبت ، إِنَّه قد شهد بَدْرًا وَالْحُدَي ْبِيَة ) ؛

فَفِي هَذِه الْأَحَادِ يث بَيَان أَن الْمُؤمن قد يعْمل من الْحَسَنَا ت مَا يغْفر لَهُ بهَا مَا تَأَخّر من ذَنبه ، وَإِن غفر بِأَسْبَاب غَيرهَا ، وَيدل عَلى أَنه يَمُوت مُؤمنا ، وَيكون من أهل الْجنَّة ، وَإِذا وَقع مِنْهُ ذَنْب يَتُوب الله عَلَيْهِ ، كَمَا تَابَ على بعض الْبَدْرِي ِّينَ كقدامة بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ لما شرب الْخمر متأولا واستتابه عمر وَأَصْحَاب ه رَضِي الله عَنهُ وجلدوه ، وطهر بِالْحَدِّ وَالتَّوْب َة ، وَإِن كَانَ مِمَّن قيل لَهُ : ( اعْمَلُوا مَا شِئْتُم ) .

ومغفرة الله لعَبْدِهِ لاتنافى أَن تكون الْمَغْفِر َة بأسبابها، وَلَا تمنع أَن تصدر مِنْهُ تَوْبَة ، إِذ مغْفرَة الله لعَبْدِهِ مقتضاها أَن لَا يعذبه بعد الْمَوْت ، وَهُوَ سُبْحَانَه ُ يعلم الْأَشْيَا ء على مَا هِيَ عَلَيْهِ ، فَإِذا علم من العَبْد أَنه يَتُوب أَو يعْمل حَسَنَات ماحية غفر لَهُ فِي نفس الْأَمر ، إِذْ لَا فرق بَين من يحكم لَهُ بالمغفرة أَو بِدُخُول الْجنَّة ؛ وَمَعْلُوم أَن بشارته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْجنَّة ِ إِنَّمَا هِيَ لعلمه بِمَا يَمُوت عليه المبشر ، وَلَا يمْنَع أَن يعْمل سَببهَا .



وَعلم الله بالأشياء وآثارها لَا ينافى مَا علقها عَلَيْهِ من الْأَسْبَا ب ، كَمَا أخبر أَن :

( مَا مِنْكُم من أحد إِلَّا وَقد كتب مَقْعَده من الْجنَّة أَو النَّار ) ،

وَمَعَ ذَلِك قَالَ : ( اعْمَلُوا فَكل ميسر لما خلق لَهُ ) .

وَلَا من أخبرهُ أَنه ينتصر على عدوه لَا يمْنَع أَن يَأْخُذ أَسبَابه ، وَلَا من أخبرهُ أَنه يكون لَهُ ولد

لَا يمْنَع أَن يتَزَوَّج أَو يتسرى ، وَكَذَا من أخبرهُ بالمغفرة أَو الْجنَّة لَا يمْنَع أَن يَأْخُذ بِسَبَب ذَلِك مرِيدا

للآخرة وساعيا لَهَا سعيها .

وَمن ذَلِك الدُّعَاء الْمَذْكُو ر فِي آخر سُورَة الْبَقَرَة فقد ثَبت أَن الله تَعَالَى

قَالَ قد فعلت وَمَعَ ذَلِك فَمن الْمَشْرُو ع لنا أَن نَدْعُوهُ .

وَمِنْه قَول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم : ( سلوا الله لي الْوَسِيلَ ة ) ؛

فحصول الْمَوْعُو د لَا ينافى السَّبَب الْمَشْرُو ع .

وَمِنْه قَوْله تَعَالَى لنَبيه سنة سِتّ من الْهِجْرَة :

{ ليغفر لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر} ، وَمَعَ هَذَا فَمَا زَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

يسْتَغْفر ربه بَقِيَّة عمره ، وَأنزل عَلَيْهِ فِي آخر عمره سُورَة النَّصْر :

{ فسبح بِحَمْد رَبك وَاسْتَغْف رهُ إِنَّه كَانَ تَوَّابًا } ،

وَكَانَ يتَأَوَّل ذَلِك فِي رُكُوعه وَسُجُوده ، أى : يمتثل مَا أمره ربه ... "









والله أعلم
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
الوسوم
الانبياء القيامة؟ والرسل يحاسبون
عودة
أعلى