المُعرَّبُ في القرآن الكريم

  • تاريخ البدء

رنون

من الاعضاء المؤسسين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

المُعرَّبُ في القرآن الكريم

شغلت هذه القضية أذهان العلماء قديما وحديثا؛ لمساسها بالقرآن الكريم،وتعلقها بأساسه المتين ، فوقع خلاف بينهم ،حيث قال بعضهم بمنع وقوع المعرَّب في القرآن الكريم ، و قال بعضهم بجوازه ، و توسط آخرون بين الرأيين ، وهذه محاولة للمشاركة برأي في هذه المسألة:

أولا:تعريف المعرَّب:

المُعرَّب هو : الكلمة الأعجمية التي نُقلتْ إلى العربية ، وتفوَّهت بها العرب على منهاجها، وأجرت عليها قوانينها.
وعرفه السيوطي بأنه :ما استعملته العرب من الألفاظ الموضوعة لمعان في غير لغتها.

ثانيا:آراء العلماء في وقوع المعرب في القرآن الكريم:

الرأي الأول
عدم وقوع المعرَّب في القرآن الكريم

أصحاب هذا الرأي:عُرف هذا الرأيُ برأي اللغويين ، ونسبه السيوطي إلى الأكثرين ، ومنهم : أبو عبيدة معمرين المثنى ( صاحب كتاب : مجاز القرآن) وأبو بكر الأنبا ري ( صاحب كتاب : البيان في غريب إعراب القرآن)وابن فارس (صاحب كتاب: الصاحبي – في فقه اللغة ) والإمام الشافعي ( صاحب كتاب : الرسالة) وابن جرير الطبري ( صاحب تفسير : جامع البيان في تفسير القرآن) وغيرهم.
وأيد هذا الرأي من المحدثين الأستاذ /أحمدمحمدشاكر ،والدكتور عبد العال سالم مكرم ، وغيرهما.
حجتهم:
أن في القرآن الكريم آيات كثيرة تقطع بأنه عربي ، والقول بأن فيه من لغات العجم ينافي ذلك.
ومن هذه الآيات :

قوله تعالى : (إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون)
[يوسف/2]
وقوله تعالى : (وكذلك أنزلناه حكما عربيا)
[الرعد/37]
وقوله تعالى: (لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين)
[النحل/103]
وقوله تعالى: (بلسان عربي مبين)
[الشعراء/195]
وقوله تعالى(قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون)
[الزمر/28]
وقوله تعالى: (ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أاعجمي وعربي )
[فصلت/44]
وقوله تعالى: (وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا)
[الشورى/7]
وقوله تعالى (إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون)
[الزخرف/3].

أما الألفاظ التي قيل بأنها معربة فهي ألفاظ عربية اتفق استعمال العرب لها مع غيرهم ، فهذا من توارد اللغات،فقد تتفق أمَّتان أوأكثر في استعمال كلمة واحدة لمعنى واحد أو مختلف.
كذلك فإن اللغة العربية لا يحيط بها إلا نبي ؛ فيحتمل أن تكون معاني هذه الكلمات قد خفيت على بعضهم ؛فظن أنها غير عربية الأصل.
بعض أقوالهم:
قال أبو عبيدة نافيا نفيا قاطعا وجود المعرب في القرآن الكريم:" إنما أنزل القرآنُ بلسان عربي مبين؛فمن زعم أن فيه غير العربية فقد أعظم القول ،ومن زعم أن كذا بالنبطية فقد أكبر القول"
وعلق ابن فارس على كلام أبي عبيدة قائلا: " فإن قال قائل : فما تأويل قول أبي عبيدة :فقد أعظم وأكبر؟ قيل له: تأويله أنه أتى بأمر عظيم وكبير؛ وذلك أن القرآن لو كان فيه من غير لغة العرب شيء لتوهم متوهم أن العرب إنما عجزت عن الإتيان بمثله ؛ لأنه بلغات لا يعرفونها ، وفي ذلك ما فيه ".
وقال أبو عبيدة أيضا:" وقد يوافق اللفظُ اللفظَ ويقاربه،ومعناهما واحد ،وأحدهما بالعربية والآخر بالفارسية"
وقال الطبري : " ماوردعن ابن عباس وغيره من تفسير ألفاظ من القرآن الكريم أنها بالفارسية والحبشية والنبطية ونحو ذلك ، إنما اتفق فيها توارد اللغات ،فتكلمت بها العرب والفرس والحبشة بلفظ واحد ".
وقدأفردالطبري في تفسيره مبحثا حول هذه المسألة تحت عنوان : القول في الأحرف التي اتفقت فيها ألفاظ العرب وألفاظ غيرها من بعض أجناس الأمم.
وقال أبوبكر الأنبا ري: " وقال بعض المفسرين
: (
صُرْهُنَّ)معناه:ق طِّعْ أجنحتهن. وأصله بالنبطية(صريه) ويحكى هذا عن مقاتل ، فإن كان أُثِرَ هذا عن أحد الأئمة فإنه مما اتفقت فيه لغة العرب ولغة النبط ؛ لأن الله (عزوجل)لا يخاطب العرب بلغة العجم ؛ إذ بيَّن ذلك في قوله : ( إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون) ".
وقال آخرون : " كل هذه الألفاظ عربية صرفة ، ولكن لغة العرب متسعة جدا ، ولا يبعد أن تخفى على الأكابر الجِلَّة ، وقد خفي على ابن عباس معنى فاطر وفاتح . قال الشافعي : لايحيط باللغة إلا نبي ".

الرأي الثاني
وقوع المعرَّب في القرآن الكريم

أصحاب هذا الرأي :عُرف هذا الرأيُ برأي الفقهاء،ومنهم : ابن عباس ،ومجاهد وعكرمة ،وسعيد بن جبير،وعطاء ، ووهب بن منبه،والجو يني، وغيرهم. ومال إليه ابن جني والسيوطي.
وأيد هذا الرأي من المحدثين الدكتور/رمضان عبد التواب ، وغيره.

حجتهم:
1-أن هذه الألفاظ القليلة بغير العربية لا تخرج القرآن عن كونه عربيا ، فالقصيدة الفارسية لا تخرج عن فارسيتها بلفظة عربية توجد فيها.
2-أن هذه الكلمات عُرِّبت ،وجرت عليها قوانين العربية،وطوَّعتها العربية لمنهجها في أصواتها وبنيتها؛فصارت ضمن مفرداتها التي يستخدمها العرب ،وذلك قبل نزول القرآن بسنوات طويلة.
3-وقوع الأعلام الأعجمية في القرآن الكريم باتفاق ؛ فلا مانع من وقوع غيرها من الأجناس.
4-أن معنى الآية الكريمة في سورة فصلت : " أكلامٌ أعجميٌّ ومخاطَبٌ عربيٌّ ".
5-أن القرآن الكريم حوى علوم الأولين والآخرين ؛ فلابد من وقوع الإشارة فيه إلى أنواع اللغات والألسن ليتم إحاطته بكل شيء؛ فاختير له من كل لغة أعذبها وأخفها وأكثرها استعمالا ، وإن كان أصله بلغة العرب .
6-أن الألفاظ المعرَّبة لا تقل في فصاحتها وبلاغتها عن الألفاظ العربية أصالة ، فكلمة ( إستبرق ) معناها : ماغلظ من الحرير،و لو اجتمع فصحاء العالم وأرادوا أن يأتوا بلفظة تقوم مقامها في الفصاحة لعجزوا.
واستدلوا بما أخرجه ابن جرير بسند صحيح عن أبي ميسرة التابعي الجليل أنه قال " في القرآن من كل لسان ".

الرأي الثالث
الجمع بين الرأيين السابقين

أصحاب هذا الرأي : صاحب هذا الرأي هو أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي ، ومال إليه أبو منصور الجواليقي ،وابن الجوزي ، وآخرون. وأيد هذا الرأي كثير من المحدثين . قال أبو عبيد بعد أن حكى الرأيين السابقين:" والصواب عندي مذهبٌ فيه تصديق القولين جميعا ،وذلك أن هذه الأحرف أصولها أعجمية كما قال الفقهاء ، لكنها وقعت للعرب فعرَّبتها بألسنتها ، وحوَّلتها عن ألفاظ العجم إلى ألفاظها ، فصارت عربية ، ثم نزل القرآن وقد اختلطت هذه الحروف بكلام العرب ، فمن قال إنها عربية فهوصادق ومن قال أعجمية فصادق".
وفي الحقيقة لو أنعمنا النظر في رأي أبي عبيد لوجدناه يتفق مع أصحاب الرأي الثاني القائل بوقوع المعرب في القرآن الكريم ،فهو يقرر أن هذه الأحرف أصولها أعجمية،لكنها عربت وحولت إلى العربية ، وهذا ما نفاه مطلقا أصحاب الرأي الأول فالمسألة في رأيي تدور بين المنع والجواز.

والذي أميل إليه: هو القول بوجود المعرَّب في القرآن الكريم ، وهذا لا ضير فيه مطلقا، ولا يقدح في عربية القرآن الكريم ؛ إذ إن هذه الألفاظ القليلة لا تخرج القرآن الكريم عن عربيته. فهل تُغيِّر قطرة ماء ملحة عذوبة نهر جار ؟ !!
بل إن الله ( جلت حكمته) خاطب القوم بلغتهم التي يتحدثونها ويفهمونها ، سواء أكانت عربية أصالة أوتحويلا.
كما أن هذا دليل اتساع آفاق هذه اللغة العظيمة ؛ إذ استطاع أصحابها أن يُطوِّعوا هذه الألفاظ التي تنحدر هي والعربية من أصل واحد ، ويخضعوها لمِنهاجهم ، ويجروا عليها قوانين لغتهم ، حتى صارت تجاري ألفاظها في الفصاحة والبلاغة ، فضُمَّتْ إلى مفرداتها،وغدت كأنها عربية صرفة وكان ذلك قبل نزول القرآن بسنوات طويلة.

الألفاظ المعربة في القرآن الكريم
بذل كثير من العلماء جهودا كبيرة في محاولة الوقوف على الألفاظ المعربة في القرآن الكريم ، وعلى رأس هؤلاء العلامة عبد الرحمن جلال الدين السيوطي أحد الجلالين صاحبَي التفسير، المؤرخ ،الأديب ، اللغوي ( ت 911هـ) فقد جمع في كتابه " المهذَّب فيما وقع في القرآن من المعرَّب " فوق مائة وعشرين كلمة ، رتبها هجائيا من الألف إلى الياء ، مبينا أصلها الأعجمي الذي ترجع إليه.
ثم قال في الختام : " فهذا ما وقفت عليه من الألفاظ المعربة في القرآن بعد الفحص الشديد سنين ، وسعة النظر والمطالعة "

وأشهرهذه الكلمات:
أباريق بعير
أبّ بِيـَع
أخلد تحتها (فناداها من تحتها)
الأرائك تنور
أسباط الجِبت
إستبرق جهنم
أسفار حرام(وحرام على قرية أهلكناها)
إِصْري حصب
أكواب حِِطة
أليم حُوبا
إِلا حواريون
إناه درستَ
آن دُرِّيّ
آنية ربانيون
أوَّاه رِبِّـيُّون
الرس
أوَّاب الرقيم
أوِّبي رَمْزا
سُجَّدا(ادخلوا الباب سجدا) رَهْوا
السجل الروم
الزنجبيل
سجيل عـَبَّدتَ
سرادق عدن
سَفَرة العرِم
سَكَر غسَّاق
سندس غيض
سيدها (وألفيا سيدها) الفردوس
سينا فوم
شطر القسط
صُرْهن القسطاس
صلوات(وبيع وصلوات) قسورة
طه قسِّيس
قِطنا
الطاغوت أقفال
طفقا القُمـَّل
طوبى قنطار
الطور
طُوى كفلين
مرقوم
مـُزْجاة كورت
مشكاة ناشئة الليل
مقاليد هدنا
ملكوت هونا
مناص هيت لك
مِنسأة وزَر
منفطر يحور
المُهل يس
اليم يَصِدون


أشهر المؤلفات في المعرَّب
1- المعرب من الكلام الأعجمي . لأبي منصور الجواليقي(ت 450هـ)
وهو أقدم مؤلَّف في هذا الباب ، جمع فيه صاحبه الألفاظ التي رأى أنها معربة ، ورتبها على حروف المعجم ، وتحدث في مقدمته عن الخلاف بين العلماء في المعرب ، والعلامات التي يعرف بها .
ومن أشهر طبعاته :طبعة دار الكتب العلمية – بيروت –تعليق ا/خليل عمران المنصور
2- المهذب فيما وقع في القرآن من المعرب .لجلال الدين السيوطي (ت911هـ) وهو من أهم الكتب في هذا الباب، تحدث في مقدمته عن آراء العلماء في وقوع المعرب في القرآن الكريم ،ثم ذكر الألفاظ التي رأى أنها معربة في القرآن الكريم مرتبة هجائيا، ثم ذكر في خاتمته أنه جمع هذه الألفاظ بعد فحص شديد دام سنين .
وقد لخص السيوطي فوائد هذا الكتاب في كتابيه:
ا- الإتقان في علوم القرآن.
ب- المزهر في علوم اللغة وأنواعها.
3- شفاء الغليل فيما في كلام العرب من الدخيل .لشهاب الدين الخفاجي(ت 1069هـ).
4- المهذب في محاسن اللغة العربية وخصائصها وما في القرآن الكريم من المعرب. للدكتور/عبد الحميد السيد عبد الحميد
5- المعرب والدخيل في اللغة العربية وآدابها. للأستاذ/ محمد التونجي

منقوووووووول
</b></i>
 
المُعرَّبُ في القرآن الكريم
 
الوسوم
القرآن الكريم المُعرَّبُ
عودة
أعلى