الحلال والحرام ليوسف القرضاوي

[font=&quot]فــي العلاقـــــة بيــن الزوجيـــــن

[/font]
[font=&quot]في العلاقة الحسية بين الزوجين[/font]
[font=&quot]ولكن القرآن مع هذا لم يغفل الجانب الحسي والعلاقة الجسدية بين الزوج وزوجته، وهدى فيها إلى أقوم السبل التي تؤدي حق الفطرة والغريزة، وتتجنب -مع ذلك- الأذى والانحراف[/font][font=&quot].[/font]
[font=&quot]فقد روي أن اليهود والمجوس كانوا يبالغون في التباعد عن المرأة حال حيضها، والنصارى كانوا يجامعونهن، ولا يبالون بالحيض، وإن أهل الجاهلية كانوا إذا حاضت المرأة لم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجالسوها على الفراش ولم يساكنوها في بيت كفعل اليهود والمجوس[/font][font=&quot].[/font]
[font=&quot]لهذا توجه بعض المسلمين بالسؤال إلى النبي صلى الله عليه وسلم عما يحل لهم وما يحرم عليهم في مخالطة الحائض فنزلت الآية الكريمة[/font][font=&quot]: ([/font][font=&quot]ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) سورة البقرة:222[/font][font=&quot].[/font]
[font=&quot]وقد فهم ناس من الأعراب أن معنى اعتزالهن في المحيض ألا يساكنوهن فبين النبي صلى الله عليه وسلم لهم المراد من الآية وقال: إنما أمرتكم أن تعتزلوا مجامعتهن إذا حضن ولم آمركم بإخراجهن من البيوت كفعل الأعاجم، فلما سمع اليهود ذلك قالوا: هذا الرجل يريد ألا يدع شيئا من أمرنا إلا خالفنا فيه[/font][font=&quot].[/font]
[font=&quot]فلا بأس على المسلم إذا أن يستمتع بامرأته بعيدا عن موضع الأذى[/font][font=&quot]. [/font][font=&quot]وبهذا وقف الإسلام -كشأنه دائما[/font][font=&quot]- [/font][font=&quot]موقفا وسطا بين المتطرفين في مباعدة الحائض إلى حد الإخراج من البيت، والمتطرفين في المخالطة إلى حد الاتصال الحسي[/font][font=&quot].[/font]
[font=&quot]وقد كشف الطب الحديث ما في إفرازات الحيض من مواد سامة تضر بالجسم إذا بقيت فيه، كما كشف سر الأمر باعتزال جماع النساء في الحيض. فإن الأعضاء التناسلية تكون في حالة احتقان، والأعصاب تكون في حالة اضطراب بسبب إفرازات الغدد الداخلية، فالاختلاط الجنسي يضرها، وربما منع نزول الحيض، كما يسبب كثيرا من الاضطراب العصبي[/font][font=&quot].. [/font][font=&quot]وقد يكون سببا في التهاب الأعضاء التناسلية[/font][font=&quot].[/font]
[font=&quot]
اتقاء الدبر[/font]
[font=&quot]ونزل في شأن العلاقة الحسية قوله تعالى[/font][font=&quot]: ([/font][font=&quot]نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين) سورة البقرة:223[/font][font=&quot].[/font]
[font=&quot]ولنزول هذه الآية سبب وحكمة ذكرها علامة الهند ولي الله الدهلوي قال: كان اليهود يضيقون في هيئة المباشرة من غير حكم سماوي. وكان الأنصار ومن وليهم يأخذون سنتهم، وكانوا يقولون: إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها كان الولد أحول فنزلت هذه الآية -فأتوا حرثكم أنى شئتم- أي أقبل وأدبر ما كان في صمام واحد -وهو القبل موضع الحرث- وذلك لأنه لا شيء في ذلك تتعلق به المصلحة المدنية والملية[/font][font=&quot]. [/font][font=&quot]والإنسان أعرف بمصلحة خاصة نفسه، وإنما كان ذلك من تعمقات اليهود، فكان من حقه أن ينسخ[/font][font=&quot].[/font]
[font=&quot]فليس من شأن الدين أن يحدد للرجل هيئات المباشرة وكيفيتها، إنما الذي يهم الدين أن يتقي الزوج الله ويعلم أنه ملاقيه، فيتجنب الدبر، لأنه موضع أذى وقذر وفيه شبه باللواط الخبيث، فكان من حق الدين أن ينهى عنه. ولذا قال عليه السلام: "لا تأتوا النساء في أدبارهن" وقال في الذي يأتي امرأته في دبرها[/font][font=&quot]: "[/font][font=&quot]هي اللوطية الصغرى" وسألته امرأة من الأنصار عن وطء المرأة في قبلها من ناحية دبرها، فتلا عليها قوله تعالى: (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) صماما واحدا وسأله عمر فقال: يا رسول الله! هلكت. قال[/font][font=&quot]: [/font][font=&quot]وما أهلكك؟ قال: حولت رحلي البارحة [/font][font=&quot]-[/font][font=&quot]كناية عن الوطء من الدبر في القبل[/font][font=&quot]- [/font][font=&quot]فلم يرد عليه شيئا حتى نزلت الآية السابقة، فقال له: أقبل وأدبر، واتق الحيضة والدبر[/font][font=&quot].[/font]
[font=&quot]
حفظ أسرار الزوجية[/font]
[font=&quot]أثنى القرآن على الزوجات الصالحات بأنهن (قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله) سورة النساء:34. ومن جملة الغيب الذي ينبغي أن يحفظ ما كان بين الزوجة وزوجها من علاقة خاصة، فلا يصح أن تكون حديثا في المجالس أو سمرا في الندوات مع الأصدقاء أو الصديقات، وفي الحديث الشريف[/font][font=&quot]: "[/font][font=&quot]إن من شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة وتفضي إليه ثم ينشر سرها[/font][font=&quot]".[/font]
[font=&quot]وعن أبي هريرة قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سلم أقبل علينا بوجهه فقال: مجالسكم، هل منكم الرجل إذا أتى أهله أغلق بابه وأرخى ستره، ثم يخرج فيحدث فيقول[/font][font=&quot]: [/font][font=&quot]فعلت بأهلي كذا وفعلت بأهلي كذا؟[/font][font=&quot]! [/font][font=&quot]فسكتوا.. فأقبل على النساء فقال: هل منكن من تحدث؟ فجثت فتاة كعاب على إحدى ركبتيها وتطاولت ليراها رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسمع كلامها فقالت: إي والله… إنهم يتحدثون، وإنهن ليتحدثن فقال عليه السلام: هل تدرون ما مثل من فعل ذلك؟. إن مثل من فعل ذلك مثل شيطان وشيطانة لقي أحدهما صاحبه بالسكة فقضى حاجته منها والناس ينظرون إليه[/font][font=&quot]".[/font]
[font=&quot]وكفى بهذا التشبيه تنفيرا للمسلم من ارتكاب هذه الحماقة، وذلك الإسفاف[/font][font=&quot]. [/font][font=&quot]فليس يرضى مسلم لنفسه أن يكون شيطانا أو كالشيطان[/font]
 
فــي تحديـــــد النســـــل





تنظيم النسل

لا ريب أن بقاء النوع الإنساني من أول أغراض الزواج أو هو أولها. وبقاء النوع إنما يكون بدوام التناسل. وقد حبب الإسلام في كثرة النسل، وبارك الأولاد ذكورا وإناثا ولكنه رخص للمسلم في تنظيم النسل إذا دعت إلى ذلك دواع معقولة وضرورات معتبرة, وقد كانت الوسيلة الشائعة التي يلجأ إليها الناس لمنع النسل أو تقليله -في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم- هي العزل (وهو قذف النطفة خارج الرحم عند الإحساس بنزولها) وقد كان الصحابة يفعلون ذلك في عهد النبوة والوحي كما روي في الصحيحين عن جابر: "كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل" وفي صحيح مسلم قال: "كنا نعزل على عهد رسول الله فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا".


وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إن لي جارية وأنا أعزل منها، وإني أكره أن تحمل وأنا أريد ما يريد الرجل. وإن اليهود تحدث: أن العزل الموؤودة الصغرى!! فقال عليه السلام: "كذبت اليهود، ولو أراد الله أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه". ومراد النبي صلى الله عليه وسلم أن الزوج -مع العزل- قد تفلت منه قطرة تكون سببا للحمل وهو لا يدري.


وفي مجلس عمر تذاكروا العزل فقال رجل: إنهم يزعمون أنه الموؤودة الصغرى. فقال علي: لا تكون موؤودة حتى تمر عليها الأطوار السبعة؛ حتى تكون سلالة من طين ثم تكون نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما ثم تكسى لحما ثم تكون خلقا آخر. فقال عمر: صدقت أطال الله بقاءك




مسوغات تنظيم النسل

ومن أول هذه الضرورات: الخشية على حياة الأم أو صحتها من الحمل أو الوضع، إذا عرف بتجربة أو أخبار طبيب ثقة. قال تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) سورة البقرة:195، وقال: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) سورة النساء:29.


ومنها الخشية في وقوع حرج دنيوي قد يفضي به إلى حرج في دينه، فيقبل الحرام، ويرتكب المحظور من أجل الأولاد، قال تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) سورة البقرة:185. (وما يريد الله ليجعل عليكم من حرج) سورة المائدة:6.


ومن ذلك الخشية على الأولاد أن تسوء صحبتهم أو تضطرب تربيتهم. وفي (صحيح مسلم) عن أسامة بن زيد أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني أعزل عن امرأتي. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم تفعل ذلك؟ فقال الرجل: أشفق على ولدها -أو قال- على أولادها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كان ضارا لضر فارس والروم.


وكأنه عليه السلام رأى أن هذه الحالات الفردية لا تضر الأمة في مجموعها بدليل أنها لم تضر الأمة في مجموعها بدليل أنها لم تضر فارس والروم -وهما أقوى دول الأرض حينذاك.


ومن الضرورات المعتبرة شرعا الخشية على الرضيع من حمل جديد ووليد جديد، وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم الوطء في حالة الرضاع وطء الغيلة أو الغيل لما يترتب عليه من حمل يفسد اللبن ويضعف الولد، وإنما سماه غيلا أو غيلة؛ لأنه جناية خفية على الرضيع فأشبه القتل سرا.


وكان عليه الصلاة والسلام يجتهد لأمته فيأمر بما يصلحها، وينهاها عما يضرها. وكان من اجتهاده لأمته أن قال: "لا تقتلوا أولادكم سرا فإن الغيل يدرك الفارس فيدعثره" ولكنه عليه السلام لم يؤكد النهي إلى درجة التحريم.. ذلك لأنه نظر إلى الأمم القوية في عصره فوجدها تصنع هذا الصنيع ولا يضرهم -فالضرر إذا غير مطرد- هذا مع خشيته العنت على الأزواج لو جزم بالنهي عن وطء المرضعات. ومدة الرضاع قد تمتد إلى حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة. لذلك كله قال: "لقد هممت أن أنهى عن الغيلة ثم رأيت فارس والروم يفعلونه ولا يضر أولادهم شيئا".


قال ابن القيم رحمه الله في بيان الصلة بين هذا الحديث والحديث السابق -لاتقتلوا أولادكم سرا-: "أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في أحد الجانبين أنه -أي الغيل- يفعل في الوليد مثل ما يفعل من يصرع الفارس عن فرسه كأنه يدعثره ويصرعه، وذلك يوجب نوع أذى ولكنه ليس بقتل للولد وإهلاك له، وإن كان قد يترتب عليه نوع أذى للطفل، فأرشدهم إلى تركه ولكنه لم ينه عنه -أي نهي تحريم- ثم عزم على النهي سدا لذريعة الأذى الذي ينال الرضيع، فرأى أن سد هذه الذريعة لا يقاوم المفسدة التي تترتب على الإمساك عن وطء النساء مدة الرضاع، ولا سيما من الشباب وأرباب الشهوة التي لا يكسرها إلا مواقعة نسائهم، فرأى أن هذه المصلحة أرجح من مفسدة سد الذريعة. فنظر ورأى الأمتين -اللتين هما من أكثر الأمم وأشدها بأسا- يفعلونه ولا يتقونه مع قوتهم وشدتهم فأمسك عن النهي عنه".


وقد استحدث في عصرنا من الوسائل التي تمنع الحمل ما يحقق المصلحة التي هدف إليها الرسول صلى الله عليه وسلم -هي حماية الرضيع من الضرر- مع تجنب المفسدة الأخرى -وهي الامتناع عن النساء مدة الرضاع وما في ذلك من مشقة.


وعلى ضوء هذا نستطيع أن نقرر أن المدة المثلى في نظر الإسلام بين كل ولدين هي ثلاثون أو ثلاثة وثلاثون شهرا لمن أراد أن يتم الرضاعة.


وقرر الإمام أحمد وغيره أن ذلك يباح إذا أذنت به الزوجة؛ لأن لها حقا في الولد، وحقا في الاستمتاع. وروي عن عمر أنه نهى عن العزل إلا بإذن الزوجة. وهي لفتة بارعة من لفتات الإسلام إلى حق المرأة في عصر لم يكن يعترف لها بحقوق



إسقاط الحمل

وإذا كان الإسلام قد أباح للمسلم أن يمنع الحمل لضرورات تقتضي ذلك فلم يبح له أن يجني هذا الحمل بعد أن يوجد فعلا.


واتفق الفقهاء على أن إسقاطه بعد نفخ الروح فيه، حرام وجريمة، لا يحل للمسلم أن يفعله لأنه جناية على حي، متكامل الخلق، ظاهر الحياة، قالوا: ولذلك وجبت في إسقاطه الدية إن نزل حيا ثم مات، وعقوبة مالية أقل منها إن نزل ميتا.


ولكنهم قالوا: إذا ثبت من طريق موثوق به أن بقاءه -بعد تحقق حياته هكذا- يؤدي لا محالة إلى موت الأم، فإن الشريعة بقواعدها العامة تأمر بارتكاب أخف الضررين فإذا كان في بقائه موت الأم، وكان لا منقذ لها سوى إسقاطه، كان إسقاطه في تلك الحالة متعينا، ولا يضحي بها في سبيل إنقاذه؛ لأنها أصله، وقد استقرت حياتها، ولها حظ مستقل في الحياة، ولها حقوق وعليها حقوق، وهي بعد هذا وذاك عماد الأسرة. وليس من المعقول أن نضحي بها في سبيل الحياة لجنين لم تستقل حياته، ولم يحصل على شيء من الحقوق والواجبات.


وقال الإمام الغزالي يفرق بين منع الحمل وإسقاطه: "وليس هذا -أي: منع الحمل- كالإجهاض والوأد؛ لأن جناية على موجود حاصل. والوجود له مراتب. وأول مراتب الوجود أن تقع النطفة في الرحم وتختلط بماء المرأة، وتستعد لقبول الحياة وإفساد ذلك جناية، فإن صارت نطفة مغلقة، كانت الجناية أفحش، وإن نفخ فيه الروح واستوت الخلقة، ازدادت الجناية تفاحشا، ومنتهى التفاحش في الجناية هي بعد الانفصال حيا".
 
فــي الطـــــلاق
في حقوق المعاشرة بين الزوجين
والزواج -كما أسلفنا- عهد وثيق ربط الله به بين رجل وامرأة، أصبح كل منهما يسمى بعده (زوجا) بعد أن كان (فردا) هو في العدد فرد، وفي ميزان الحقيقة (زوج) لأنه يمثل الآخر، ويحمل في حناياه آلامه وآماله معا.
وقد صور القرآن الكريم مبلغ قوة هذا الرباط بين الزوجين فقال: (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) سورة البقرة:187. وهو تعبير يوحي بمعاني الاندماج والستر والحماية والزينة يحققها كل منهما لصاحبه.
ولهذا كان على كل من الزوجين حقوق لصاحبه لا بد أن يرعاها، ولا يجوز له أن يفرط فيها. وهي حقوق متكافئة إلا فيما خصت الفطرة به الرجال كما قال تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة) سورة البقرة:228. وهي درجة القوامة والمسؤولية.
وقد سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ماحق زوجة أحدنا عليه؟ قال: "أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت".
فلا يحل للزوج المسلم أن يهمل النفقة على زوجته وكسوتها، وفي الحديث النبوي: "كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت".
ولا يحل له أن يضرب وجه زوجته لما فيه من إهانة لكرامة الإنسان ومن خطر على هذا العضو الذي يجمع محاسن الجسم.
وإذا جاز للمسلم عند الضرورة أن يؤدب زوجته الناشزة المتمردة فلا يجوز له أن يضربها ضربا مبرحا أو ضربا يصيب وجهها أو مقاتلها.
كما لا يحل للمسلم أن يقبح زوجته، بأن يؤذيها بلسانه، ويسمعها ما تكره ويقول لها: قبحك الله وما يشابهها من عبارات.
وفي حق الزوج على الزوجة قال صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله أن تأذن في بيت زوجها وهو كاره،
ولا تخرج وهو كاره،
ولا تطيع فيه أحدا،
ولا تعتزل فراشه،
ولا تضربه (إذا كانت أقوى منه جسدا) فإن كان هو أظلم فلتأته حتى ترتضيه، فإن قبل منها فبها نعمت وقبل الله عذرها، وأفلج (أي: أظهر) حجتها، وإن هو لم يرض فقد أبلغت عند الله عذرها".
على كل من الزوجين أن يصبر على صاحبه
ويجب على المسلم أن يصبر على زوجته إذا رأى منها بعض ما لا يعجبه من تصرفها، ويعرف لها ضعفها بوصفها أنثى، فوق نقصها كإنسان، ويعرف لها حسناتها بجانب أخطائها، ومزاياها إلى جوار عيوبها. وفي الحديث: "لا يفرك -أي: لا يبغض- مؤمن مؤمنة إن سخط منها خلقا رضي منها غيره". وقال تعالى: (وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا) سورة النساء:19.
وكما أوجب الإسلام على الزوج الاحتمال والصبر على ما يكره من زوجته أمرت الزوجة هي الأخرى أن تعمل على استرضاء زوجها بما عندها من قدرة وسحر، وحذرها أن تبيت وزوجها غاضب.
وفي الحديث: "ثلاثة لا ترتفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبرا: رجل أم قوما وهم له كارهون، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وأخوان متصارمان (متخاصمان)".
عند النشوز والشقاق
وبما أن الرجل هو سيد البيت ورب الأسرة، بحكم تكوينه واستعداده ووضعه في الحياة، وبذله للمهر، ووجوب النفقة عليه، فلا يحل للمرأة أن تخرج عن طاعته وتتمرد عن سلطانه، فتفسد الشركة، وتضطرب سفينة البيت أو تغرق ما دام لا ربان لها.
وإذا لاحظ الزوج على زوجته مظاهر النشوز والعصيان له، والترفع عليه، فعليه أن يحاول إصلاحها بكل ما يقدر عليه مبتدئا بالكلمة الطيبة والوعظ المؤثر والإرشاد الحكيم.
فإن لم تجد هذه الوسيلة هجرها في مضجعها، محاولا أن يستثير فيها غريزة الأنثى لعلها تنقاد له ويعود الصفاء.
فإن لم تجد هذه ولا تلك جرب التأديب باليد مجتنبا الضرب المبرح مبتعدا عن الوجه، وهو علاج يجدي في بعض النساء في بعض الأحوال بقدر معين. وليس معنى الضرب هنا أن يكون بسوط أو خشبة، وإنما هو من نوع ما قاله عليه السلام لخادم عنده أغضبته في عمل: "لولا القصاص يوم القيامة لأوجعتك بهذا السواك".
وقد نفر عليه السلام من الضرب وقال: "علام يضرب أحدكم امرأته ضرب العبد ولعله أن يجامعها في آخر اليوم". وقال في شأن من يضربون نساءهم: "لا تجدون أولئك خياركم".
قال الإمام الحافظ ابن حجر: "وفي قوله صلى الله عليه وسلم: لن يضرب خياركم" دلالة على أن ضربهن مباح في الجملة، ومحل ذلك أن يضربها تأديبا إذا رأى منها ما يكره فيما يجب عليها فيه طاعته، فإن اكتفى بالتهديد ونحوه كان أفضل ومهما أمكن الوصول إلى الغرض بالإيهام لا يعدل إلى الفعل، لما في وقوع ذلك من النفرة المضادة لحسن العشرة، المطلوبة في الزوجية، إلا إذا كان في أمر يتعلق بمعصية الله، وقد أخرج النسائي في الباب حديث عائشة: "ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة له ولا خادما قط، ولا ضرب بيده شيئا قط إلا في سبيل الله أو تنتهك حرمات الله فينتقم الله".
فإن لم ينفع هذا كله، وخيف اتساع الشقة بينهما تدخل المجتمع الإسلامي وأهل الرأي والخير فيه يحاولون الإصلاح، فيبعثون حكما من أهله، وحكما من أهلها من أهل الخير والصلاح، عسى أن تصدق نيتهما في لم الشعث وإصلاح الفاسد فيوفق الله بينهما.
وفي هذا كله قال تعالى: (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا، وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا) سورة النساء:34،35.
هنا فقط يباح الطلاق
وهنا -بعد أن فشلت تلك التجارب كلها، وخابت تلك الوسائل جميعا، يباح للزوج أن يلجأ إلى وسيلة أخيرة شرعها الإسلام، استجابة لنداء الواقع، وتلبية لداعي الضرورة، وحلا لمشكلات لا يحلها إلا الفراق بالمعروف.. تلك هي وسيلة (الطلاق).
أجاز الإسلام اللجوء إلى هذه الوسيلة على كره، ولم يندب إليها ولا استحبها، بل قال عليه السلام: "أبغض الحلال إلى الله الطلاق".
"ما أحل الله شيئا أبغض إليه من الطلاق". والتعبير بأنه حلال مبغوض إلى الله يشعر بأنه رخصة شرعت للضرورة، حين تسوء العشرة، وتستحكم النفرة بين الزوجين، ويتعذر عليهما أن يقيما حدود الله وحقوق الزوجية وقد قيل: إن لم يكن وفاق ففراق. وقال تعالى: (وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته) سورة النساء:130.
الطلاق قبل الإسلام
وليس الإسلام هو الدين الفذ الذي أباح الطلاق، فقبل الإسلام كان الطلاق شائعا في العالم كله -إذا استثنينا أمة أو أمتين- وكان الرجل يغضب على المرأة فيطردها من داره محقا أو مبطلا، دون أن تملك المرأة له دفعا، أو تأخذ منه عوضا، أو تجد لنفسها عنده حقا.
ولما نبه ذكر الأمة اليونانية وازدهرت حضارتها كان الطلاق شائعا فيها بلا قيد ولا شرط.
وكان الطلاق لدى الرومانيين معتبرا من كيان الزواج نفسه، حتى إن القضاة كانوا يحكمون ببطلان الزواج إن اشترط كلا الطرفين عدم الطلاق فيه.
وكان الزواج الديني لدى الأجيال الأولى للرومانيين يحرم الطلاق، ولكنه في الوقت نفسه يمنح الزوج على امرأته سلطانا لا حد له. فيبيح له أن يقتلها في بعض الأحوال ثم رجعت ديانتهم فأباحت الطلاق كما كان مباحا أمام القانون المدني.
الطلاق في الديانة اليهودية
أما الديانة اليهودية، فقد حسنت من حالة الزوجة، ولكنها أباحت الطلاق وتوسعت في إباحته. وكان الزوج يجبر شرعا على أن يطلق امرأته إن ثبتت عليها جريمة الفسق، حتى ولو غفر لها تلك الجريمة، وكان القانون يجبره أيضا على أن يطلق امرأته إن لبثت معه عشر سنين ولم تأته بذرية.
الطلاق في الديانة المسيحية
والمسيحية هي الديانة التي شذت عما ذكرنا من ديانات، وخالفت الديانة اليهودية نفسها وأعلن الإنجيل على لسان المسيح تحريم الطلاق، وتحريم زواج المطلقين والمطلقات ففي إنجيل متى 5 :31،32: "قد قيل: من طلق امرأته فليدفع إليها كتاب طلاق. أما أنا فأقول لكم: من طلق امرأته إلا لعلة الزنى فقد جعلها زانية، ومن تزوج مطلقة فقد زنى. وفي إنجيل مرقس 10: 11،12: من طلق امرأته وتزوج بأخرى يزني عليها. وإذا طلقت المرأة زوجها، وتزوجت بآخر، ارتكبت جريمة الزنى".
وقد علل الإنجيل هذا التحريم القاسي بأن "ما جمعه الله لا يصح أن يفرقه الإنسان".
وهذه الجملة صحيحة المعنى، ولكن جعلها علة لتحريم الطلاق هو الشيء الغريب فإن معنى أن الله جمع بين الزوجين؛ أنه أذن بهذا الزواج وشرعه، فصح أن ينسب الجمع إلى الله، وإن كان الإنسان هو المباشر لعقد الزواج. فإذا أذن الله في الطلاق وشرعه لأسباب ومسوغات تقتضيه، فإن التفريق حينئذ يكون من الله أيضا، وإن كان الإنسان هو الذي يباشر التفريق. وبهذا يتضح أن الإنسان لا يكون مفرقا ما جمعه الله، وإنما المجمع والمفرق هو الله جل شأنه، أليس الله هو الذي فرق بينهما بسبب الزنى؟ فلماذا لا يفرق بينهما بسبب آخر يوجب الفراق.
اختلاف المذاهب المسيحية في شأن الطلاق
ورغم أن الإنجيل استثنى من تحريم الطلاق ما إذا كان السبب (علة الزنى) فإن أتباع المذهب الكاثوليكي يؤولون هذا الاستثناء، ويقولون: "ليس المعنى هنا أن للقاعدة شذوذا، أو أن هناك من القضايا ما يسمح فيه بالطلاق. فلا طلاق البتة في شريعة المسيح والكلام هنا (في قوله إلا لعلة الزنى) عن عقد فاسخ في ذاته، فليس له من شريعة العقد وصحته إلا الظواهر، إنه زنى ليس إلا. ففي هذه الحالة يحل للرجل، لا بل يجب عليه أن يترك المرأة".
أما أتباع المذهب البروتستانتي؛ فيجيزون الطلاق في أحوال معينة منها حالة زنى الزوجة وخيانتها لزوجها وبعض حالات أخرى زادوها على نص الإنجيل، ولكنهم وإن أجازوا الطلاق لهذا السبب أو ذاك، يحرمون على المطلق والمطلقة أن ينعما بحياة زوجية بعد ذلك.
وأتباع المذهب الأرثوذكسي قد أجازت مجامعهم الملية في مصر الطلاق إذا زنت الزوجة كما نص الإنجيل، وأجازوه لأسباب أخرى، منها العقم لمدة ثلاث سنين والمرض المعدي والخصام الطويل الذي لا يرجى فيه صلح. وهذه أسباب خارجة على ما في الإنجيل، ومن أجل ذلك أنكر المحافظون من رجال هذا المذهب اتجاه الآخرين إلى إباحة الطلاق لهذه الأسباب، كما أنكروا إباحة الزواج للمطلق أو المطلقة بحال من الأحوال. وعلى هذا الأساس رفضت إحدى المحاكم المصرية المسيحية دعوى زوجة مسيحية تطلب الطلاق من زوجها لأنه معسر، وقالت المحكمة في حكمها: "إنه من العجيب أن بعض القوامين على الدين من رجال الكنيسة وأعضاء المجلس الملي العام، قد سايروا التطور الزمني، فاستجابوا لرغبات ضعيفي الإيمان، فأباحوا الطلاق لأسباب لا سند لها من الإنجيل.. وحكم الشريعة المسيحية قاطع في أن الطلاق غير جائز إلا لعلة الزنى. وترتب على زواج أحد المطلقين بأنه زواج مدنس، بل هو الزنى بعينه".
نتيجة تزمت المسيحية في الطلاق
ولقد كان من نتيجة هذا التزمت الغريب من المسيحية في أمر الطلاق، وإهدار الطبيعة الإنسانية والمقتضيات الحيوية التي توجب الانفصال في بعض الأحيان- كان من نتيجة ذلك تمرد المسيحيين على دينهم ومروقهم من وصايا أناجيلهم، كما يمرق السهم من الرمية. ولم يستطيعوا إلا أن "يفرقوا ما جمعه الله"! فاصطنع أهل الغرب المسيحي قوانين مدنية تبيح لهم الخروج من هذا السجن المؤبد، ولكن كثيرا منهم كالأمريكان أسرفوا وأطلقوا العنان في إباحة الطلاق -كأنهم يتحدون الإنجيل- وبذلك يوقعونه لأتفه الأسباب وأصبح عقلاؤهم يشكون من هذه الفوضى التي أصابت هذه الرابطة المقدسة، والتي تهدد الحياة الزوجية ونظام الأسرة بالانهيار، حتى أعلن أحد قضاة الطلاق المشهورين هناك، أن الحياة الزوجية ستزول من بلادهم وتحل محلها الإباحة والفوضى في العلاقة بين النساء والرجال في زمن قريب، وهي الآن كشركة تجارية ينقضها الشريكان لأوهى الأسباب، خلافا لهداية جميع الأديان، إذ لا دين ولا حب يربطهما، بل الشهوات والتنقل في وسائل المسرات.
كفر فريد في بابه
"وهذه الظاهرة وهي السير في الأحوال الشخصية وفق قانون مدني، يختلف عن تعاليم الدين، لا تكاد توجد في غير شعوب الغرب المسيحي، فجميع أهل الملل والنحل الأخرى حتى البرهميون والبوذيون والوثنيون والمجوس، يسيرون في أحوالهم الشخصية وفق تعاليم دياناتهم. وقد نجد من بينهم من استحدث في الأحوال العينية قوانين مدنية تختلف عن تعاليم دينه. ولكننا لا نجد من بينهم من استحدث قوانين مدنية في الأحوال الشخصية -أي في شؤون الزواج والطلاق وما إلى ذلك- وأمكن لهذه الملل والنحل أن تساير الحياة العملية، وتجاري طبيعة البشر في هذه الشؤون. والمسيحيون وحدهم هم الذين كفروا بدينهم من الناحية العملية في الأحوال الشخصية على العموم، وفي شؤون الطلاق على الخصوص؛ لأنهم هم أنفسهم قد وجدوا أن تعاليمه في هذا الصدد تنكر الواقع، وتتجاهل طبيعة الإنسان ولا تصلح للتطبيق في الحياة".
المسيحية كانت علاجا مؤقتا لا شريعة عامة
وإن صح ما جاء في الإنجيل بشأن الطلاق، ولم يكن هذا من التغيير الذي أصاب الأناجيل في قرونها الأولى.. فلا شك أن الذي يتأمل في الأناجيل -حتى بوضعها الحاضر- يتبين له أن المسيح عليه السلام، لم يكن يقصد إلى وضع شريعة عامة خالدة للناس جميعا. وإنما جاء ليقاوم تجاوز اليهود حدودهم فيما رخص الله لهم فيه، كما صنعوا في أمر الطلاق. فقد جاء في الفصل التاسع عشر من إنجيل متى أن المسيح حين انتقل من الجليل وجاء إلى تخوم اليهودية إلى عبر الأردن، دنا إليه الفريسيون ليجربوه قائلين: هل يحل للإنسان أن يطلق زوجته لأجل كل علة؟ (أي سبب)، فأجابهم قائلا: أما قرأتم أن الذي خلق الإنسان في البدء ذكرا وأنثى خلقهم، وقال: لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلزم امرأته، فيصيران كلاهما جسدا واحدا، فليسا هما اثنين بعد، ولكنهما جسد واحد، وما جمعه الله فلا يفرقه الإنسان، فقالوا له: فلماذا أوصى موسى أن تعطى (أي المرأة) كتاب طلاق وتخلي؟ فقال لهم: إن موسى لأجل قساوة قلوبكم أذن لكن أن تطلقوا نساءكم، ولم يكن من البدء هكذا. وأنا أقول لكم: من طلق امرأته إلا لعلة زنى، وأخذ أخرى فقد زنى ومن تزوج مطلقة فقد زنى. فقال تلاميذه: إن كانت هكذا حال الرجل مع امرأته فأجدر له ألا يتزوج (متى 19 :1-10).
فالواضح من هذا الحوار أن المسيح إنما أراد أن يحد من غلو اليهود في استعمال الإذن في الطلاق الذي أعطاهم موسى، فعاقبهم بتحريم الطلاق عليهم، إلا إذا زنت المرأة، فهو علاج مؤقت لفترة مؤقتة حتى تأتي الشريعة العامة الخالدة ببعثة محمد.
وليس من المعقول أن المسيح يريد هذا شرعا أبديا لكل الناس، فإن حواريه وأخلص تلاميذه أنفسهم أعلنوا استثقالهم لهذا الحكم العنيف وقالوا: "إن كان هذا شأن الرجل مع امرأته فأجدر له ألا يتزوج" فإن مجرد الزواج من امرأة يجعلها في عنقه غلا لا يمكن الانفكاك عنه بحال. مهما امتلأ قلبه من البغض لها والضيق بها والسخط عليها، ومهما تنافرت طباعهما واتجاهاتهما.
وقديما قال الحكيم: إن من أعظم البلايا مصاحبة من لا يوافقك ولا يفارقك.
وقال الشاعر العربي:
عدوا له ما من صداقته بد
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى
 
قيود الإسلام للحد من الطلاق
هذا وقد وضعت الشريعة الإسلامية الغراء قيودا عديدة في سبيل الطلاق حتى ينحصر في أضيق نطاق مستطاع.
فالطلاق بغير ضرورة تقتضيه، وبغير استنفاد الوسائل الأخرى التي ذكرناها طلاق محرم محظور في الإسلام؛ لأنه -كما قال بعض الفقهاء- ضرر بنفسه وبزوجته، وإعدام للمصلحة الحاصلة لهما من غير حاجة إليه فكان حراما كإتلاف المال، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار".
وأما ما يصنعه الذواقون المطلاقون، فهذا شيء لا يحبه الله ولا رسوله، قال عليه السلام: "لا أحب الذواقين من الرجال والذواقات من النساء". وقال: "إن الله لا يحب الذواقين ولا الذواقات".
وقال عبد الله بن عباس: إنما الطلاق عن وطر.
طلاق المرأة وهي حائض حرام
وإذا وجد الوطر والحاجة التي تسوغ الطلاق، فليس مباحا للمسلم أن يسارع إليه في أي وقت شاء، بل لا بد من تخير الوقت المناسب.
والوقت المناسب -كما حددته الشريعة- أن تكون المرأة طاهرا، ليس بها حيض ولا نفاس، وألا يكون قد جامعها في هذا الطهر خاصة، إلا إذا كانت حاملا قد استبان حملها.
ذلك أن حالة الحيض -ومثله النفاس- توجب اعتزال الزوج لزوجته، فربما كان حرمانه أو توتر أعصابه، هو الدافع إلى الطلاق، لهذا أمر أن ينتظر حين ينتهي الحيض ثم تطهر، ثم يطلقها قبل أن يمسها.
ويحرم عليه أن يطلقها في وقت الحيض كما يحرم عليه أيضا أن يطلقها وهي طاهر بعد أن يكون قد اتصل بها، فمن يدري لعلها علقت منه في هذه المرة، ولعله لو علم بحملها لغير رأيه في فراقها، ورضي العشرة معها من أجل الجنين الذي في بطنها.
فإذا كانت طاهرا لم يمسسها، أو كانت حاملا قد استبان حملها، عرف أن الدافع له إلى الطلاق إنما هو النفرة المستحكمة، فلا حرج عليه حينئذ أن يطلقها. وفي (الصحيح) أن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض، وعلى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عمر بن الخطاب عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: "مره فليراجعها ثم إن شاء طلقها وهي طاهر قبل أن يمس، فذلك الطلاق للعدة، كما أمر الله تعالى في قوله تعالى: (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) أي مستقبلات عدتهن، وذلك في حالة الطهر".
وفي رواية: "مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا".
ولكن هل ينفذ الطلاق ويقع، أم لا يقع؟
المشهور أنه يقع ويكون المطلق آثما.
وقال طائفة من الفقهاء: لا يقع؛ لأنه طلاق لم يشرعه الله تعالى البتة، ولا أذن فيه فليس من شرعه؛ فكيف يقال بنفوذه وصحته؟
وقد روى أبو داود بسند صحيح أن ابن عمر سئل: "كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضا؟ فقص على السائل قصته حين طلق وهي حائض، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ردها عليه ولم يرها شيئا".
الحلف بالطلاق حرام
ولا يجوز للمسلم أن يجعل من الطلاق يمينا يحلف به على فعل هذا أو ترك ذاك، أو يهدد زوجته؛ إن فعلت كذا فهي طالق.
فإن لليمين في الإسلام صيغة خاصة لم يأذن في غيرها، وهي الحلف بالله تعالى؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حلف بغير الله فقد أشرك". "من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت".

المطلقة تبقى في بيت الزوجية مدة العدة
المطلقة في بيتها -أي بيت الزوجية- مدة والواجب في شريعة الإسلام أن تبقى العدة، ويحرم عليها أن تخرج من البيت، كما يحرم على الزوج أن يخرجها منه بغير حق، وذلك أن للزوج -طوال مدة العدة- أن يراجعها ويردها إلى حظيرة الزوجية مرة أخرى -إذا كان هذا هو الطلاق الأول أو الثاني- وفي وجودها في البيت قريبا منه إثارة لعواطفه وتذكير له أن يفكر في الأمر مرة ومرة قبل أن يبلغ الكتاب أجله، وتنتهي أشهر العدة التي أمرت أن تتربصها استبراء للرحم، ورعاية ليحق الزوج وحرمة الزوجية، والقلوب تتغير، والأفكار تتجدد، والغاضب قد يرضى، والثائر قد يهدأ، والكاره قد يحب.
وفي ذلك يقول الله تعالى في شأن المطلقات: (واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه، لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) سورة الطلاق:1.
وإن كان لا بد من الفراق بين الزوجين، فالمطلوب منهما أن يكون بمعروف وإحسان بلا إيذاء ولا افتراء ولا إضاعة للحقوق. قال تعالى: (فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف) الطلاق:2. وقال: (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) البقرة:229. وقال: (وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين) سورة البقرة:241.
الطلاق مرة بعد مرة
وقد منح الإسلام للمسلم ثلاث تطليقات في ثلاث مرات، على أن يطلقها كل مرة في طهر لم يجامعها فيه طلقة واحدة، ثم يدعها حتى تنقضي عدتها، فإن بدا له أن يمسكها في العدة أمسكها، وإن لم يراجعها حتى انقضت عدتها، أمكن أن يردها إليه بعقد جديد، وإن لم يكن له فيها غرض لم يضره أن تتزوج بزوج غيره.
فإن أعادها إلى عصمته بعد الطلقة الأولى، ثم حدث بينهما النفور والشقاق مرة ثانية وعجزت الوسائل الأخرى عن تصفية الجو بينهما، فله أن يطلقها للمرة الثانية -على الطريقة التي ذكرناها- وله أيضا أن يراجعها في العدة بغير عقد أو يعيدها بعد العدة بعقد جديد.
فإذا عاد فطلقها للمرة الثالثة كان هذا دليلا واضحا على أن النفرة بينهما مستحكمة، والوفاق بينهما غير مستطاع. لهذا لم يجز له بعد التطليقة الثالثة أن يردها إليه، ولا تحل له بعد ذلك حتى تنكح زوجا غيره زواجا شرعيا صحيحا مقصودا لذاته لا لمجرد تحليلها للزوج الأول.
ومن هذا نرى أن المسلم الذي يجمع هذه المرات الثلاث في مرة واحدة أو لفظة واحدة قد ضاد الله فيما شرعه، وانحرف عن صراط الإسلام المستقيم. وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا فقام غضبان ثم قال: "أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟" حتى قام رجل فقال: يا رسول الله ألا أقتله.

إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان
وإذا طلق الزوج زوجته وبلغت الأجل المحدد لها -أي قاربت عدتها أن تنقضي- كان على الزوج أحد أمرين:
إما أن يمسكها بمعروف. ومعنى ذلك يرجعها بقصد الإحسان والإصلاح، لا بقصد المشاكسة والإضرار.
وإما أن يسرحها ويفارقها بمعروف، بأن يتركها حتى تنقضي عدتها ويتم الانفصال بينهما بلا تشويش ولا مضارة، ولا مشاحة فيما لأحدهما على الآخر من حقوق.
ولا يحل له أن يراجعها قبيل انقضاء عدتها منه، قاصدا إيذاءها بإطالة العدة عليها، وحرمانها من التزوج بغيره أطول مدة يستطيعها. وهكذا كان يفعل أهل الجاهلية.
وقد حرم الله هذه المضارة للمرأة في محكم كتابه، بأسلوب ترعد منه الصدور وتجل القلوب. قال تعالى: (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فامسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف.. ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا.. ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه… ولا تتخذوا آيات الله هزواواذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به. واتقوا الله… واعلموا أن الله بكل شيء عليم) سورة البقرة:231.
وبالتأمل في هذه الآية الكريمة نجدها قد اشتملت على سبع فقرات، فيها تحذير بعد تحذير، وتذكير يتلوه تذكير، ووعيد على إثر وعيد، وكفى بذلك ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
لا يجوز منع المطلقة عن الزواج بمن ترضى
لزوجها أو وليها أو أحد غيرهما أن يعضلها عن وإذا انقضت عدة المطلقة. فلا يحل الزواج بمن تريد، ولا يعترض طريق رغبتها ما دام الخاطب والمخطوبة قد تراضيا بينهما بالطريق المعروف شرعا وعرفا.
فما يصنعه بعض المطلقين من محاولة لفرض سيطرته على مطلقته، وتهديدها أو تهديد أهلها إذا تزوجت بعده، إنما هو من عمل الجاهلية الجهلاء.
ومثل هذا وقوف أهل المرأة وأوليائها في سبيل رجوعها إلى مطلقها إذا أراد مراجعتها، وتراضيا معا أن يتراجعا بالمعروف، ويرتقا ما كان بينهما من فتوق (والصلح خير) سورة النساء:128، كما قال الله تعالى.
وفي هذه المعاني جاءت الآية: (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف. ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر. ذلكم أزكى لكم وأطهر. والله يعلم وأنتم لا تعلمون) البقرة:232.
حق الزوجة الكارهة
وللمرأة إذا كرهت زوجها ولم تعد تطيق عشرته أن تفدي نفسها منه، وتشتري حريتها برد ما كان دفع لها من مهر وهدايا أو أقل منها أو أكثر حسب تراضيهما، والأولى أن يأخذ منها أكثر مما بذل لها من قبل. قال تعالى: (فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به) سورة البقرة:229.
وقد جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالت: يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعيب عليه في خلق ولا دين، ولكني لا أطيقه بغضا، فسألها عما أخذت منه فقالت: حديقة، فقال لها: "أتردين عليه حديقته؟" قالت: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لثابت: "اقبل الحديقة وطلقها تطليقة".
ويحرم على الزوجة أن تسارع إلى طلب الطلاق من زوجها بغير ما بأس من جهته، ولا داع مقبول يؤدي إلى التفريق بينهما. قال عليه السلام: "أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة".
مضارة الزوجة حرام
ولا يحل للزوج أن يضار زوجته ويسيء عشرتها لتفتدي نفسها منه برد ما آتاها من المال كله أو بعضه، ما لم تأت بفاحشة مبينة. وفي ذلك يقول الله تعالى: (ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) سورة النساء:19.
ويحرم عليه إذا كان هو الكاره الراغب في فراقها طموحا إلى غيرها أن يأخذ منها شيئا كما قال سبحانه: (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا، وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا؟) النساء:20-21.
الحلف على هجر الزوجة حرام
ومن روائع الإسلام في رعاية حق المرأة تحريمه على الزوج أن يغاضب زوجته فيهجر فراشها، ويمتنع عن قربانها مدة لا تحتمل أنوثتها. فإذا أكد هذا الهجر بيمين منه ألا يقربها (لا يجامعها) أعطي مهلة أربعة أشهر، عسى أن تهدأ فيها نفسها، وتسكن ثائرة غضبه ويراجع ضميره. فإذا عاد إلى رشده واتصل بها قبل انقضاء الأشهر الأربع أو في آخرها، فإن الله يغفر له ما فرط منه، ويفتح له باب التوبة الفسيح. وعليه أن يكفر عن يمينه.
وإذا مضت هذه المدة ولم يرجع عن عزمه، ويتحلل من يمينه، فإن امرأته تطلق منه جزاء وفاقا على ما أهمل في حقها.
ومن الفقهاء من يطلقها عليه بمضي المدة المذكورة بغير انتظار لقضاء قاض أو حكم حاكم.
ومنهم من يشترط رفع الأمر إلى الحاكم بعد مضي المدة، فيخيره بين مراجعة نفسه وإرضاء زوجه وبين الطلاق، وليختر لنفسه ما يحلو.
وهذا الحلف على عدم قربان الزوجة هو المعروف في الشريعة باسم (الإيلاء) وفيه جاء قول الله تعالى: (للذين يؤلون من نسائهم -أي يحلفون على البعد عنهن- تربص أربعة أشهر، فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم. وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم) سورة البقرة:226،227.
وإنما حددت المهلة بأربعة أشهر، لتكون فرصة كافية ليراجع الرجل فيها نفسه ويثوب إلى رشده، ولأنها في العادة أكثر ما تصبر المرأة عن زوجها. وفي هذا يروي المفسرون قصة عمر رضي الله عنه حين كان يعس بالليل فسمع امرأة تنشد:
وأرقني ألا خليل ألاعبه
لقد طال هذا الليل واسود جانبه
لحرك من هذا السرير جوانبه
فوالله، لولا الله تخشى عواقبه

وقد بحث عمر عن قصتها فعرف أن زوجها غائب في كتائب المجاهدين من زمن طويل، فسأل ابنته حفصة: ما أكثر ما تصبر المرأة عن زوجها؟ قالت: أربعة أشهر.
وعندئذ عزم أمير المؤمنين ألا يغيب زوجا عن امرأته أكثر من أربعة أشهر
 
مرجع قيم جزاك الله خيرا
فيه أحكام أول مره تمر علي في بعض الامور عرفنا
حكمها على العادات لكن ظهر لي حكمها ...
بارك الله فيك وجعله في ميزان حسناتك ....
أنا اطلعت ع الباب الثاني أكثر ولي عودة ان شالله كي اطلع
على باقي الموضوع ....
 
الحلال والحرام ليوسف القرضاوي
 
الوسوم
الجمال القرضاوي ليوسف والحرام
عودة
أعلى