روايه بــــ الحب والواقع ـــين


بـــ الحب (19) والواقع ـــين
:: خطر::


رفع عزام انظاره الى هشام وباقي افراد فرقة المقاومة الذين اختيروا للمشاركة في المهمة الاخيرة.. واستمع باهتمام الى هشام الذي قال: لقد حددت لكم ما علينا فعله تقريبا.. وشرحت لكم الخطة التي نفكر في تنفيذها بعد عدة ايام.. انتم فقط من يجب ان تكونوا على علم بها.. هل هذا مفهوم؟..
اومأ الاغلبية برؤوسهم.. ونطق البعض قائلا: اجل ..
في حين قال عزام متسائلا: ماذا عن مقر المبنى البريطاني؟..
قال هشام مجيبا بهدوء وهو يتطلع اليه: لقد طلبت من عهد الانضمام الينا.. وسيأتي الينا بعد قليل ليخبرنا بكل ما يعرفه عن المبنى البريطاني..
اومأ عزام برأسه بصمت.. والتفت الى باب المكتب بشرود في انتظار قدوم عهد...
:
:
(الى اين؟)
التفت عهد الى ناطق العبارة بضيق .. وزفرت بكل حنق يعتمر في اعماقها وهي تقول: لقد رأيت بنفسك ان القائد طلب ان اذهب اليه بالمكتب..
نهض فارس من مكانه وقال وهو يسير باتجاهها: سآتي معك اذا..
ارتفع حاجباها وقالت بحدة وهي تعقد ذراعيها امام صدرها: لقد طلب ذلك مني انا على ما اعتقد..
قال فارس بسخرية: وماذا في هذا؟..انا وانت شخص واحد..
قالت عهد باستنكار: هل تريد ان اقضي على نفسي حينها؟.. انا ادعى عهد.. وانت فارس.. نحن شخصين مختلفين كما هو واضح..
والتفتت عنه وهي تردف: ساذهب الى القائد..
قال فارس ببرود: حسنا..
وتقدمها ليتجه الى غرفة المكتب اولا..فاستشاطت عهد منه غضبا .. لكنها كبتت كل ذلك في نفسها.. فما الذي عساها ان تفعله؟.. سوى الصبر واحتمال هذا الشخص الثقيل ..
واخذت تسير بخطوات عصبية حتى وصلت اخيرا الى غرفة المكتب.. دلفت اليها وهي تقول بصوت حاولت ان تجعله هادئا: لقد جئت يا ايها القائد..
واختلست النظرات الى فارس الذي كان يقف على مقربة من المكان ويتطلع اليها بسخرية.. فقال هشام : اقترب يا عهد.. اود سؤالك عن امر ما..
تقدمت عهد عدة خطوات حتى صارت امام هشام تقريبا.. فقال هذا الاخير : ما اود ان اسألك عنه هو امر تعرفه جيدا.. ولو استطعت ان تجيبني فستساعدنا جميعا في هذه الفرقة.. وقبل كل هذا ستساعد وطنك..
توترت عهد لوهلة وهي تشعر بأهمية الموقف الذي وضعت فيه.. هذا غير تخمينها للسؤال الذي سيسألها اياه هشام.. في حقيقة الامر هي لا تعرف بم تجيبه لو سألها اياه.. سيكون موقفا عسيرا جدا..
واخيرا قال هشام وعيناه تتطلعان الى عهد باهتمام وترقب: اين يقع المبنى البريطاني بالتحديد؟؟..
لحظة صمت مرت على الجميع.. لم يسمع خلالها الا صوت الانفاس.. وعهد التي تجمدت كالتمثال.. بالنسبة لها ان ما مر عليها ليس لحظة ربما هي ساعة.. هذا هو ما كانت تخشاه.. ان يسالوها عن مقر المبنى البريطاني.. ولو اجابتهم ستضع ألكس بيديها في قلب الخطر.. ما الذي بيدها ان تفعله؟ ..افراد الفرقة يتطلعون اليها بريبة وشك..وكأنها متعاونة مع البريطانيون ضدهم.. وهي التي تحملت كل ذلك التعذيب لاجلهم..
ألكس سيكون في خطر.. وافراد الفرقة في حاجة الى تعاونها.. ربما سيفيدهم ما ستقوله كثيرا.. يا الهي ساعدني.. لا اريد ان يصاب ألكس بمكروه بسببي.. ولا اريد ان اقف ساكنة امام نظرات الشك التي ينظر الي بها الجميع هنا ..
ودارت عيناها بينهم جميعا قبل ان تقول وهي تزدرد لعابها بتوتر: سأخبرك..
واخذت تصف كل ما تعرفه عن المبنى.. متجاهلة نداء مشاعرها .. وهتاف قلبها الذي ينعتها بالغباء والحماقة لوضعها انسان مهم بالنسبة لها في هذا الموقف.. وقد يكون موته نتيجة ما قالته الآن...
حاولت ان تخمد ذلك الصوت في اعماقها.. الذي ما فتأ يتهمها بالحماقة .. وتحاملت على نفسها وهي تتذكر ان كل هذا لمصلحة فرقة المقاومة.. ووطنها.. الم تكن تريد الانتقام ممن قتلوا والديها؟.. ها قد جاءتها الفرصة الآن..
اما فارس الذي تطلع الى كل هذا باستغراب شديد.. والى كل ما يدور من حوله.. لحظة يا ايها الناس.. فليخبرني احدكم كيف لعهد ان تعرف بموقع المبنى البريطاني الذي يحتل اراضي هذه البلاد ولم يعرفه أي احد حتى الآن؟؟.. هل حدث امر لم اعرفه بعد ام ان دورها في هذه الفرقة ساعدها على اكتشاف ذاك المقر و...
أي هراء اقوله.. بالتأكيد في الامر سرا ما.. امر اخفته عني عهد.. وسأعرفه بكل تأكيد ..
وافاق من شروده على عهد التي تحولت ملامحها الى الجمود وتتوقف عن الشرح.. فقال هشام بابتسامة واسعة: شكرا لك يا عهد.. اشكرك على هذه المعلومات التي ستفيدنا حقا..
اكتفت عهد بأن اومأت برأسها وقالت بصوت خافت: هل يمكنني الذهاب الآن؟..
قال هشام مجيبا: اجل..
التفتت عهد عنه.. وسارت خارجة من المكتب.. لحظة دعوها تستعيد ما فعلته.. لقد قالت موقع المبنى البريطاني لهشام.. وهذا يعني انه سيعد خطة ما لاقتحامه ربما.. وبذلك سيتضرر من هناك وقد يقتل بعضهم ومن بينهم ألكس.. ألكس الذي ساعدها منذ اول مرة رآها فيها و منع جندي من قتلها وهي التي كانت تفكر في قتله.. وبعدها انقاذها من الموت عندما وجدها جريحة..واخيرا تركها تهرب بكل بساطة من بين ايديهم وهو يعلم جيدا انها قد تكون سببا في وصول افراد المقاومة الى هناك.. لقد فعل كل هذا من اجلها.. وتجازيه بارسالهم اليه.. وقد يحاولون قتله وبعدها...
(مسكين هو من تفكرين به)
التفتت الى صاحب الصوت بضيق .. قبل ان تمضي في طريقها دون ان تأبه به.. لكن قبضة يده التي امسكت بذراعها بقوة .. اجبرتها على الوقوف في مكانها.. وفارس يتساءل بجدية: كيف لك انت ان تعلمي بموقع المبنى البريطاني؟..
توترت بل ارتبكت في شدة وهي تتطلع اليه.. قبل ان تجذب ذراعها من يده وتقول متلعثمة: سأخبرك.. لكن.. بعد ان اخرج من دورة المياه..
واسرعت تهرب الى دورة المياه وتغلق على نفسها الباب.. ربما حقا هو هروب.. ليس من سؤال فارس فقط.. بل بسبب ما فعلته ايضا..
ورفعت هاتفها المحمول لتتطلع اليه قبل ان تقول بندم متحدثة الى نفسها: (أي عقل احمل في رأسي؟.. اهذا جزاء من ساعدني؟.. ان ارميه بلامبالاة في التهلكة.. ماذا عساني ان افعل؟.. لن اظل صامتة هكذا.. وسأبحث عن أي وسيلة تحميه بما يتربص به من خطر.. حتى لو كان ما سأفعله سيؤدي الى طردي من هذا المكان.. لن آبه .. المهم ان يكون ألكس بخير)
:
:
تطلعت سوزي من بعيد الى فارس الواقف وحيدا .. ويبدوا انه في حيرة من امره وهو يفكر في امر ما.. لم تعلم من هو هذا الشاب الذي انضم حديثا للمجموعة.. فاتجهت لتسأل احدهم قائلة : لو سمحت.. هل لك ان تخبرني من هو ذاك الشاب الذي يقف وحيدا هناك؟..
التفت اليها وقال مجيبا: الم تعرفي بعد؟.. انه ابن عم عهد.. وقد انضم الى فرقة المقاومة اليوم..
اومأت برأسها بفهم وقالت : لقد فهمت الآن.. شكرا لك..
وابتعدت عنه وهي تقول متحدثة الى نفسها: الآن فقط فهمت لماذا كان يلازم عهد طوال تلك المدة..
وبخطوات حازمة اتجهت الى فارس الذي كانت الافكار تتقاذفه دون ان يجد الجواب لأسئلته.. وانقطع حبل افكاره اثر ذلك الصوت وتلك اللهجة الانجليزية التي كانت صاحبتها تقول: من فضلك..
التفت لها فارس باستغراب شديد وهو يرى الملامح البريطانية لتلك الفتاة وقال بلهجة انجليزية بدوره: اجل.. هل تريدين أي مساعدة؟..
قالت بابتسامة: انت فارس.. ابن عم عهد صحيح؟..
اومأ برأسه ايجابيا واستغرابه يزداد .. فقالت هي مردفة: في الحقيقة اردت ان اخبرك انني الوحيدة هنا التي اعلم بأن...
بترت عبارتها واكملتها بصوت خافت: بأن عهد فتاة..
اتسعت عيناه بدهشة وهو يشعر بالذهول من معرفة فتاة بريطانية بحقيقة عهد.. وقال بصوت طغت عليه الدهشة: وكيف علمت بهذا الامر؟..
قالت متسائلة: الم تخبرك عهد بأمر اسرها في المبنى البريطاني؟؟..
لحظة.. ماذا قالت هذه الفتاة؟..اقالت ان عهد قد اسرت؟ .. واين في المبنى البريطاني؟.. اهذا ما قالته حقا ام انني لم اعد اميز الكلمات؟؟..
وحاول ترتيب الكلمات وهو يقول متسائلا بذهول: اقلت المبنى البريطاني؟؟!..
اومأت سوزي برأسها.. وقالت وهي تستغرب دهشته: اجل.. الم تخبرك بأنها قد اسرت هناك لفترة؟..
هز رأسه نفيا وقال بحدة: لم تنطق بحرف واحد من هذا.. لقد اخفت عني الامر برمته..
واردف وهو يتطلع الى سوزي: والآن.. ارجو منك ان تخبريني بكل ما حدث.. منذ البداية.. وبسبب وجودها في المبنى البريطاني..
حكت له سوزي كل ما تعرفه عن عهد.. منذ بداية اصابتها ووصولها الى المبنى البريطاني.. وحتى هروبها الذي لا تعرف عنه الكثير.. واستمع اليها فارس بانصات شديد.. وتفاوتت ملامح وجهه بين الالم والحزن على ما جرى لها.. الى الغرابة والدهشة من هروبها.. وهتف قائلا بحيرة: تقولين انها هربت من المبنى البريطاني؟..
اومأت سوزي برأسها.. فقال هو وكأنه يتحدث الى نفسه: كيف لها ان تهرب من المبنى؟..لا اظن ان عهد بمثل هذا الذكاء والقوة لتهرب من مبنى يملؤه الجنود..
قالت سوزي بابتسامة باهتة: لقد اخبرتك .. لقد هربت بعد خروجها من المبنى ..
- ولو.. لقد هربت من قائد للجيش الـ...
بتر عبارته وغرق في تفكير عميق.. دون ان ينتبه لسوزي التي ابتعدت عن المكان.. وارتفعت انظاره الى باب دورة المياه.. وقال متحدثا الى نفسه هذه المرة: (سأعلم منك كل شيء يا عهد.. )
:
:
التقطت انفاسها اخيرا.. وهي تخرج من دورة المياه.. لا تزال تشعر بأن شيء ما يجثم على صدرها وان الهواء بالكاد يصل الى رئتيها..تريد ان ترتاح.. ان تنسى كل ما جرى.. ان تنام لشهر او حتى عام.. لقد ملت...
ورفعت انظارها الى ذلك الواقف امامها ويتطلع اليها بنظرات صارمة.. يارب الهمني الصبر.. وقالت بضجر: هل هناك شيء سيد فارس؟؟..
قال بصرامة : لماذا لم تخبريني بأمر اسرك في المبنى البريطاني؟؟..
توترت بشدة وجاهدت لالتقاط انفاسها .. من اين علم بهذا الامر؟.. ونقلت سؤالها الى لسانها وهي تقول بارتباك: وكيف علمت بهذا الامر؟..
قال وهو يعقد ذراعيه امام صدره ببرود: اخبرني احدهم بذلك.. والآن هلاّ اجبت عن سؤالي..
قالت وهي تزدرد لعابها وابتسامة مرتبكة تتراقص على شفتيها: كنت سأخبرك في الوقت المناسب..
ارتفع حاجباه وقال بعصبية: اظن ان هذا الوقت المناسب لن يأتي الا بعد عام.. ولو لم اعلم بهذا الامر اليوم لما كنت ستخبريني به ابدا..
قالت عهد في سرعة: اخفض صوتك ارجوك.. ولا تتحدث الي بهذه الطريقة..
تضاعفت عصبيته وهو يقول: أي عقل تحملينه في رأسك؟.. اتحدث عن اسرك في المبنى البريطاني ..فتحدثيني عن طريقة حديثي لك..
قالت عهد وهي تحاول تهدئة ثائرته: فارس.. لقد انتهى الامر .. وها انا ذا هنا.. لا داعي لان اتطرق في هذا الموضوع اكثر..
قال فارس وهو يهز رأسه: كلا.. لم ينتهي شيء.. اريد معرفة التفاصيل..
قالت وهي تمط شفتيها: لقد اصبت في مهمة.. فنقلت للمبنى البريطاني.. اسرت هناك.. وحاولوا استجوابي .. وبعدها هربت.. هل ارتحت الآن؟.. دعني وشأني من فضلك..
- مع الاسف طلبك هذا مستحيل..
قالت بتحدي: ولم مستحيل؟..
قال ببرود وهو يتطلع اليها: لانني الوحيد الذي ظللت لك من اسرتك.. وهذا معناه انه لم يعد لك احد سواي من العائلة ليهتم بشئونك.. هل فهمت الآن لم طلبك يعد مستحيل؟؟..
لم يعد لك احد سواي.. ترددت هذه العبارة ربما لمئات المرات في عقل عهد.. انه صادق في كل حرف نطق به..فلم يعد لها احد في هذا العالم من اهلها فيما عداه ليقف الى جانبها.. ويهتم بكل ما يخصها.. لقد ظنت انه قد قتل في الحرب.. لكن ها هوذا امامها.. حي يرزق ولم يصب بمكروه.. ربما اراد القدر ان يعوضها به بعد ان فقدت والداها وجميع اهلها..
وألكس ماذا عنه؟..ألكس سيكون بعيدا عني وانا بعيدة عنه مهما فعلنا.. لا يمكن لأحدنا ان ينسى اننا اعداء قبل كل شيء..وستظل المسافة بينهما تزداد بعدا مع كل يوم سيمضي...
لهذا عليك يا عهد ان تعترفي بهذه الحقيقة.. فارس هو الوحيد المتبقي لك من العائلة..
وتنهدت بحزن.. وهي تطرق برأسها.. محاولة اخفاء الالم الذي يطل من عينيها عن فارس..وظن هو انه السبب في هذا الحزن .. وانه قد قسى عليها بما قاله.. فابتسم وقال مازحا: ما بالك يا فتى؟.. لم تبدوا حزينا هكذا؟..
التقطت عهد نفسا عميقا قبل ان تقول: لقد استوعبت منطقك ليس الا..
والتفتت عنه لتسير مبتعدة بخطوات سريعة.. لكنها وجدته يوقفها وهو يمسك بمعصمها قائلا : عهد.. لم اقصد ان اثير حزنك بما قلته..
التفتت له وقالت بابتسامة باهتة: لقد تذكرت والداي.. ليس لك أي علاقة بالامر..
قال متسائلا: احقا؟..
اومأت برأسها ومن ثم قالت: والآن .. هل يمكن ان اجلس بمفردي لبعض الوقت؟..
ترك معصمها وقال بابتسامة:كما تشائين.. افعلي ما يريحك..
واستدرك قائلا وابتسامته تتسع وهو يغمز لها بعينه: اعني كما تشاء.. افعل ما يريحك..
ارتسمت ابتسامة على شفتيها .. وهي تبتعد بخطواتها عنه.. وسرعان ما انتقل تفكيرها من فارس.. الى ألكس.. الذي سيقع في خطر بسببها.. ولا زال عقلها يبحث عن حل لهذه المشكلة التي وضعت ألكس فيها بيديها...
###########
في مكان آخر يبعد عن مقر المقاومة بمسافة طويلة.. جلس القائد الاعلى للجيش البريطاني خلف مكتبه وهو يزفر بحدة وتعب .. فقال ذلك القائد الذي جلس على المقعد المواجه له: ما بك؟..
رفع رأسه اليه .. ومن ثم اجاب بضيق: اشعر بالضيق والضجر.. وانا ارى نفسي اعامل هكذا من مدير الجيش.. لقد رأيته بنفسك يا جون.. كيف القى الاوامر ويريدني ان القي القبض على فرقة المقاومة في اسبوع واحد..
قال جون بابتسامة : دعك منه.. لا يستطيع ان يتخذ أي اجراءات الا اذا كان السبب قويا.. وبعد موافقة سيادة الوزير نفسه..
نزع ألكس قبعته العسكرية ورماها على طاولة المكتب .. قبل ان يقول وهو يدس اصابعه بين خصلات شعره : لقد تعبت من اسلوبه المستفز ذاك.. يظن ان الناس جميعا سينفذون اوامره بطاعة عمياء.. دون ان يكون لهم الحق في الرفض او التراجع ..
قال جون وهو ينهض من مكانه: انك تخدم معه منذ اربعة اعوام.. وتعرفه اكثر مني.. فلا تقل لي انك لم تعتد على تصرفاته هذه..
- لكنه هذه المرة يتجاوز الحد .. وخصوصا واننا في حالة حرب.. ولا نحتاج للمزيد من التوتر ..
قال جون وهو يلوح بكفه: فقط نفذ ما يريد دون ان تهتم به او باسلوبه..
واردف بابتسامة: والآن اسمح لي .. ساذهب لارتاح بغرفتي..
لم يعلق ألكس وهو يرى جون يبتعد مغادرا المكتب.. ورفع هاتفه وهو يتطلع اليه بحيرة وتردد.. من واجبه ان يشكرها او حتى يرسل لها رسالة يعبر فيها عن امتنانه لأنها حذرته وخشت على حياته.. صحيح ان الوقت قد تأخر الآن.. لكن هذا لا يهم.. سيرسل لها رسالة ويشكرها على موقفها معه...
:
:
كانت مستلقية على الاريكة وتتطلع الى هاتفها المحمول بتردد.. هل ترسل له رسالة تسأل فيها عن احواله؟.. صحيح انها قد حذرته.. لكن من الواجب عليها ان تطمئن عليه على الاقل..قلبها يحثها على ارسال الرسالة وعقلها يأمرها بأن لا تستجيب لهذا القلب..
انها الساعة الحادية عشرة مساءا .. هل سيكون مستيقظا في وقت كهذا يا ترى؟..
انعقد حاجباها وهي ترى ان رسالة قد وصلت الى هاتفها المحمول..استغربت ممن قد تكون هذه الرسالة.. وفضولها حثها على الاسراع لمعرفة محتواها..
وضغطت زر فتح الرسالة.. لتقرأ فحواها ..(شكرا على تحذيرك..واهتمامك)..
لا تعرف لم شعرت بخجل لدى قراءتها لهذه الرسالة المرسلة من ألكس..ربما لانها كانت تود ان ترسل له رسالة بدورها لتطمئن عليه في الوقت ذاته.. لكن ها هوذا قد سبقها وارسل اليها.. وكأنه كان يشعر بما يعتمر في نفسها..
وبعيدا عن عهد وتلك الرسالة التي عاودت قراءتها لأكثر من مرة.. وقف فارس يتطلع من بعيد الى عهد..بجوار احدى الغرف وهو يعقد ذراعيه امام صدره ويستند الى الجدار من خلفه..
يعلم انه ما يفعله يعد تهورا وغباءا وجنون لا تستحقه عهد.. لكن مع هذا لا يستطيع ان يتركها هكذا.. تنام في ردهة وحيدة بينما الشباب يتجولون خارجين وداخلين من والى الغرف.. الوضع اصعب من ان يتقاضى عنه.. يشعر بقبضة باردة تعصر قلبه كلما تذكر انهم قد يلمحونها وهي نائمة...
صحيح انهم يظنونها شابا.. لكن هذا لا ينفي كونها فتاة.. وابنة عمه ومن واجبه ان يحميها..سيقف هنا حتى الفجر ان اقتضى الامر لذلك..المهم ان لا يتجرأ احدهم ويقترب منها او...
(فارس.. ما الذي يوقفك هنا حتى هذه الساعة؟)..
التفت الى رائد ناطق العبارة.. وقال مجيبا وهو يتنهد: لا اشعر برغبة في النوم..
قال رائد بابتسامة: هذا لتغيير المكان ليس الا.. ستعتاد على هذا الوضع بعد ايام..
اومأ فارس برأسه دون ان يعلق.. في حين انسحب رائد وتوجه الى دورة المياه.. فازدرد الاول لعابه وهو يتطلع الى عهد.. الى اين سيوصلني جنونك يا عهد؟.. لست اعلم حتى الآن لم وافقت على حماقتك ببقاءك في هذه الفرقة..وانضممت انا الآخر الى هنا لأكون الى جوارك.. ربما لانني حقا اريد ان اقرب المسافة بيننا .. بدلا من ان تتباعد اكثر من هذا..
مشاداتنا وشجاراتنا لازالت تبعد المسافة بيننا واكثر من السابق.. تظن انني افكر في ان افرض سيطرتي عليها.. واحاول التحكم في كل ما يخص شئون حياتها.. ربما لانها لا تعلم من هي بالنسبة لفارس.. انها امله الذي ظن انه قد فقده الى الابد.. انها ابتسامته التي كادت ان تختفي من على شفتيه لو لم يراها من جديد.. انها قلبه الذي قد يتوقف لو اختفت من حياته بعد ان وجدها..عهد.. انت سبب وجود فارس في الحياة.. لم لا تفهمين ان كل ما افعله هو لأجلك ومن اجل خوفي عليك؟.. لم تفسرينه بأنه سيطرة وتحكم؟.. بدلا من ان تقولي انه اهتمام وخوف عليك من نسمة الهواء..عهد.. هذا وعد اقطعه على نفسي الآن.. سأبقى الى جوارك دائما.. ولن اتخلى عنك ما حييت.. لانك بحاجة لي.. وانا بحاجة لك بأكثر مما تظنين او تتخيلين...
############
توجهت بخطوات واثقة الى مارك.. تريد ان تنهي الموضوع بأية طريقة.. الى متى سيستمر هذا الامر؟.. تريد العودة الى المبنى البريطاني.. لم لا يفهمها مارك ويفهم رغباتها كما كان في السابق؟..
وتوقفت امامه لتقول بجدية: هل حدثت شقيقك؟؟..
تطلع اليها بنظرات باردة ومن ثم قال: بشأن؟..
قالت وهي تمط شفتيها بضيق: عودتي الى المبنى البريطاني..
قال مارك ببرود اشد: الذي لن تحصل ابدا..
قالت بحدة على الرغم منها: لماذا تصر على سجني في مكان كهذا؟.. اريد العودة الى هناك.. انه مكاني الصحيح ..بدلا من هذا المنزل الذي أكل عليه الدهر ومضى ..
قال مارك وهو يصطنع التفكير ويضع اصبعه عند ذقنه: لقد فهمت.. تريدين الذهاب الى مكان اكثر تطورا.. ويكون جديد الى درجة يليق بالآنسة سوزي..
قالت بعصبية وهي تلوح بكفها: لا تحدثني بهذه الطريقة..
قال باستهزاء: وانت لا تحلمي احلاما غبية..
اتسعت عيناها وقالت بغضب: الغبي هو الذي يقبل على نفسه الجلوس في هذا المكان..
تطلع مارك اليها.. ومن ثم تلفت حوله وقال وهو يحاول التحكم في اعصابه: فليكن.. نحن هنا جميعا اغبياء لاننا نحاول الدفاع عن وطننا.. اما انتم.. فعباقرة زمانكم لمحاولتكم الاستيلاء على ما ليس لكم..
تطلعت اليه بذهول وقالت غير مصدقة من طريقة حديثه: نحن وانتم؟؟.. من تعني بقولك هذا؟.. منذ متى كنت منهم يا مارك؟؟..
قال وهو يتطلع اليها بعينيه شزرا وبملامح غاضبة: منذ ان اشتركت في هذه الفرقة وانا منهم.. لكنك لم تنتبهي الى ذلك.. ظننت ان رغم دفاعي عن هذه الارض سأظل مخلص لبريطانيا.. لكن كلا.. سأظل ادافع عن بلد شقيقي وامي حتى آخر قطرة من دمي.. ضد العدو المحتل..
اشارت سوزي الى نفسها وقالت بصدمة: وماذا عني انا؟؟..
قال مارك وهو يرمقها بنظرة مليئة باللوم والعتاب: ان عدت الى هناك .. فستكونين منهم.. وسنكون اعداء..
هزت رأسها بغير تصديق وهي تردد قائلة: هذا مستحيل.. مستحيل.. مارك انت تعلم اني ..اني احبك..
تنهد وقال: وانا الآخر احبك.. وتدركين جيدا الالم الذي خلفته بابتعادك عني طوال عام كامل.. لكن ان فكرت في العودة الى المبنى البريطاني.. فالوضع سيكون بيننا اقرب الى الاعداء منا الى زملاء حتى.. انت ستعالجين جراحهم وانت تعلمين انني سبب في تلك الجروح.. ستحاولين انقاذ من نحاول نحن القضاء عليه .. ستقفين الى جوارهم .. في حين سنقف نحن ضدهم.. سيسيل الدمع من عينيك لو اصاب احدكم مكروه.. بينما سيرتسم الفرح على وجوهنا ..
عضت سوزي على شفتيها بألم دون ان تعلق.. وبحزن على حالتها وحالة مارك..وما وصلت اليه علاقتهما من حب الى عداء..يا ترى ما الذي يخبؤه لنا القدر اكثر من هذا؟...
############
فتحت عينيها بتعب وهي تحاول ان تنفض النعاس عنها وان تنهض من نومها ..شعرت بالبداية بضوء الشمس يؤلم عينيها .. لكنها ما لبثت ان اعتادت عليه.. ونهضت جالسة وهي تهم بالنهوض من على الاريكة..لولا ذلك الصوت الذي جعلها تتجمد في مكانها وتتذكر وجوده في هذا المكان: صباح الخير يا ايتها الجميلة النائمة..
التفتت اليه في حدة لترى فارس يقف خلف الاريكة وعلى ثغره ابتسامة ساخرة.. ويحمل في يده كوبا من الشراب الساخن.. فقالت متسائلة بعصبية: ما الذي تفعله بالقرب من الاريكة؟؟..
قال بسخرية: اتسكع..
تساءلت بعصبية اكبر: ومنذ متى وانت هنا؟..
قال وهو يتعمد استفزازها: لم اكن ارتدي ساعة وقتها لاعرف الوقت..
زفرت بحدة وهي تحاول ان تتمالك اعصابها ومن ثم قالت وهي تقف في مواجهته: لا تحاول الوقوف بالقرب من هنا مرة اخرى..
قال ببرود وهو يلوح بكفه الاخرى: الجميع هنا يقفون حيثما يريدون.. هذه حرية شخصية على ما اظن..
عقدت حاجبيها بحنق والتفتت عنه.. لكنها سمعته يهمس لها قائلا: يدهشني انهم لم يكتشفوا امرك حتى الآن..
اتسعت عيناها والتفتت له وهي تستعد لحرب كلامية معه.. لكنها رأته يبتعد عن المكان وهو يبتسم لها بطريقة استفزتها.. وابتعدت عنه في سرعة وهي تحاول ان تبتعد عنه وعن المتاعب التي تصيبها بسببه..
اما هو فقد اتجه الى حيث سوزي متعمدا وهو يشرب كوب الشاي الذي في يده ببطء وتفكير.. وما ان رأته سوزي حتى قالت بابتسامة: اهلا سيد فارس.. تفضل..
جلس على مقعد مواجه لها وقال بتساؤل: هل لي ان اسألك؟..
اومأت برأسها وقالت: اجل.. بالتأكيد..
قال وهو يلتقط نفسا عميقا: كيف كانت تتصرف عهد مع الشباب الذين يملؤون المكان هنا؟؟..
قال سؤاله هذا بضيق لم يفت على سوزي.. فاجابت قائلة بهدوء: بشكل عادي جدا.. تماما كما تتعامل معك ومعي.. ثم انها قد كانت منطوية على نفسها اغلب الوقت..
واردفت قائلة بخبث: لم هذا السؤال؟؟..
قال فارس وهو يرتشف من كوب الشاي بضع رشفات: لانني ابن عمها اولا.. والوضع هنا لا يساعد على ان اظل صامتا وان ارى كيف يتعامل معها الجميع من افراد الفرقة..
قالت سوزي بابتسامة واسعة: هل اسمي هذا اهتمام ام..غيرة؟؟..
قال فارس بسخرية: اطلقي عليه لقب كره وحماقه.. فلو لم اكن احمقا لما تركتها هنا لحظة اخرى..
قالت سوزي وهي تهز كتفيها: لا اظنك ستفعل.. ثم لا اظن ان عهد ستقبل الخروج من هذه الفرقة.. كما واني لم ارها تتجاوز حدودها مع احد..
قال فارس وهو ينهض من مكانه بضيق: لكنهم هم من يتجاوزون حدودهم معها...
وقبل ان يسمع تعليق سوزي على ما قاله.. ابتعد عن المكان وهو يبحث بعينيه عن عهد..يريد ان يراها قبل ان يذهب الى الشركة..
:
:
ازدردت عهد لعابها بارتباك وهي تستمع الى هشام وخطته التي اعتمد فيها على اوصافها للمبنى البريطاني.. وقرر ان يرسل احدهم الى هناك لمراقبة المبنى.. قبل القيام بأي خطوة .. ما يريده هو اسقاط اكبر قدر من الضحايا دون ان ينتبه له احد ..لكن كل هذا يحتاج الى دراسة لمدة اربعة او خمسة على الاقل..
اما عهد التي شعرت بالخوف والقلق في اعماقها وهي تستمع الى ما يخططون له.. هذا يعني انهم يفكرون في قتل اكبر عدد من الجنود والقادة وجميع من هناك.. وربما ألكس كذلك.. كيف لي ان اساعده؟.. كيف؟؟.. لا اريد له ان يصاب بمكروه بسببي انا.. والا لن اسامح نفسي ابدا ..يكفيني انني قد ورطته وكشفت سر المبنى للمقاومة.. والآن اعرضه للخطر كذلك.. لا.. سأساعده بكل تأكيد..
(عهد..)
افاقت عهد من شرودها على صوت عزام الذي نطق بالكلمة السابقة .. ومن ثم اردف قائلا عندما لاحظ انتباهها له: القائد يسألك عما اذا كنت تملك اي معلومات عن خارج المبنى.. وعن مواقع الجنود حوله..
ازدردت عهد لعابها بتوتر.. الم يكفيهم ما قالته عن المبنى ومكانه وكل ما تعرف عن ممراته؟.. واجابت قائلة وهي تهز رأسها نفيا: كلا.. كل ما اعرفه انهم لا يسمحون لاحد بالدخول والخروج الا اذا كان منهم..
هز هشام رأسه متفهما وواصل شرح الخطة .. ومن سيختاره لكي يقوم بمراقبة المبنى البريطاني.. وتنهدت عهد وهي تفكر ان تنسحب من كل هذا الذي يدور امامها.. وانقذها ذلك الصوت الذي قال: عهد.. اريد الحديث معك للحظة..
التفت الى فارس الذي يقف بجوار الباب.. واومأت براسها قائلة: حسنا..
وعادت لتلتفت لهشام والبقية وتقول: بالاذن..
سارت باتجاهه وهي تتطلع اليه والى نظراته الباردة التي يوجهها نحوها.. وقالت متسائلة: ما الامر؟..
قال بهدوء: سأذهب الى الشركة الآن..
تطلعت اليه بنظراتها الحائرة وكأنها تتساءل في اعماقها عما هو المطلوب منها..فأكمل فارس قائلا: ارجو منك الانتباه لمن حولك في فترة غيابي.. وان تنتبهي لنفسك جيدا..
عقدت حاجبيها بضيق ومن ثم قالت: من قال لك اني طفلة؟..
دفع جبينها باصبعه السبابة وقال بابتسامة: طفل وليس طفلة.. كم مرة علي قولها لك؟..
ارتفع حاجباها باستغراب ثم ما لبثت ان ابتسمت بالرغم منها وهي تقول: انا يخطئ الآن.. وماذا عن حديثك السابق معي؟.. تتحدث بحرية وكأنك تقف وحيدا في هذا المكان..
قال ونظراته مثبتة عليها: المهم الآن.. احذري من الجميع ولا تتركي المجال لأحد ان يتجاوز حدوده معك..
قالت عهد وهي تمط شفتيها بحنق: أي اوامر اخرى؟..
قال مازحا: واعدي لي وجبة غداء عند عودتي..
قالت باستنكار: في احلامك..
قال مبتسما: حتى في احلامي لا اظن انك ستنفذين لي مطلبي هذا..
ولوح لها بيده قائلا: الى اللقاء..
اسرعت تستوقفه قائلة: لحظة..
التفت لها وقال متسائلا: ماذا هناك؟..
قالت متسائلة بدورها في سرعة: ااخبرت القائد برغبتك في المغادرة؟؟..
تطلع لها بحيرة في البداية ومن ثم قال: اخبر القائد؟.. ولم؟.. هل انا سجين هنا حتى يمنعوني من الخروج من المقر؟..
قالت عهد وهي تعقد ساعديها امام صدرها: كلا ولكن يفترض بك اخباره.. فهو القائد هنا اولا.. وتحركاتنا قد تعرض المقر للخطر..
تأفف فارس بصوت مسموع.. ومن ثم قال وهو يسير باتجاه هشام: سأذهب للشركة حيث هو عملي.. هل هذا ممكن؟..
تطلع له هشام باستغراب في البداية.. ومن ثم ابتسم قائلا: لا اعلم لم اشعر ان لهجتك تنطوي على الامر منها الى الطلب؟..
قال فارس وهو يدس اصابعه بين خصلات شعره: لم اعتد ان اكون سجينا في مكان هكذا.. لقد توقعت انه يمكنني الخروج كما اشاء منه..
قال هشام بهدوء وبلهجة جادة: جميعنا يمكننا الخروج من هنا .. لكن في اوقات معينة.. وبعد ان نتخذ حذرنا جيدا.. يمكنك ان تغادر الآن الى عملك.. وعندما تعود احرص على ان تتأكد ان احدهم لا يتبعك.. وسواء سـتأتي بسيارة اجرة او بسيارتك .. فارجو ان تهبط منها على بعد معين من المقر..
اومأ فارس برأسه بصمت وهو يشعر بداخله بالملل من هذه القوانين.. وهذا السجن الذي اقحم نفسه فيه.. ما الذي يجبره ان يحتمل حياة كهذه بين افراد فرقة المقاومة ولديه شقته الخاصة والنظيفة؟.. الى الآن لا يمكنه ان يجيب على هذا السؤال الا بكونه خائف على عهد ومن وجودها في فرقة المقاومة...
وابتعد مغادرا فرقة المقاومة.. والافكار تتقاذفه يمنة ويسرة.. وخصوصا تلك المتعلقة بعهد ووضعها في ذلك المنزل.. وسط عدد من الشباب الذين سيتبسطون معها في حديثهم ومعاملتهم لها...
:
:
يتبع
 
بـــ الحب (20) والواقع ـــين
::رسالة قصيرة::


(اتمنى ان اكون انا من يشغل تفكيرك الى هذه الدرجة)
رفع فارس انظاره بدهشة الى حازم ناطق العبارة السابقة الذي كان يقف امام مكتبه وعلى شفتيه ابتسامة مرحة.. وتساءل فارس قائلا بدهشة: كيف دخلت الى هنا؟..
قال حازم وهو يشير الى الباب ببساطة: من الباب بالتأكيد.. فلم استغني عن حياتي بعد لأدخل من نافذة بالطابق الثالث..
قال فارس بضيق: لا تستخف بدمك من فضلك..
قال حازم بابتسامة مرحة وهو يجلس على الكرسي المواجه لمكتبه: ما هذه النفسية؟.. يبدوا ان ابنة عمك هي السبب..
قال فارس ببرود: لا شأن لك..
مال نحوه حازم وقال : لقد قلت انك ستخبرني بكل ما جرى معك..أليس كذلك؟..
قال فارس وهو يستند الى مسند المقعد ويحرك قلم الحبر بين اصابعه: بلى.. ولكني لست في وضع يسمح لي بالتحدث..
قال حازم وهو يمثل الصدمة: لا تقل لي انك طلبتها للزواج ولم توافق..
قال فارس بعصبية وهو يمسك بكوب الشاي ويهدده برميه عليه: انهض من هنا قبل ان احطم رأسك ومافيه من افكار سخيفة..
قال حازم وهو يغمز بعينه: لكنك انت من ستدفع ثمن هذا الكوب لو تحطم..
صرخ فيه فارس: حازم.. اخرج حالا ولا تثير اعصابي اكثر من هذا..
شعر حازم وقتها بأن فارس متضايق بشكل كبير من شيء ما.. ففي العادة.. يتخذ الامور بسخرية ومزاح.. لكن وهو في مزاج كهذا.. اظنه لن يتأخر في القائي خارج المكتب لو واصلت في مزاحي هذا !..
فقال حازم بجدية وبنبرة اهتمام: اعلم ان هناك ما يضايقك يا ...
قاطعه فارس بحنق: اخبرتك اني لا اريد ان اتحدث في شيء الآن ..
قال حازم باصرار: لقد وعدتني ان تخبرني بما جرى لك..
صمت فارس دون ان ينطق بكلمة.. اما حازم فهو يدرك ان فارس سيتحدث عن هذا الامر له بعد لحظات فقط ما دام يضايقه.. ليس من عادة فارس ان يخفي أي موضوع عنه هو بالذات ..وخصوصا اذا كان يريد ان يفضفض عن همومه واحزانه..
وكما توقع حازم.. قال فارس وهو يتطلع الى نقطة وهمية على طاولة مكتبه: التقيت بها اخيرا بعد كل هذا البحث.. لكن ما عرفته عنها جعلني اتمنى لو لم اعرف شيئا منذ البداية.. وظللت على جهلي ذاك..
اسرع حازم يقول: لا تتحدث بالالغاز .. اريد ان افهم الامر..
تنهد فارس وآثر الصمت لدقائق وحازم يتطلع اليه بنظرات تحثه على الحديث.. واخيرا قال فارس بصوت خافت وبذهن شارد: اكتشفت انها عضوة في فرقة المقاومة..
تطلع له حازم بعدم فهم وفغر فاهه وهو يقول متسائلا: ماذا تقول؟.. انا اسألك عن ابنة عمك..
قال فارس بحدة بسيطة وهو يكور قبضة يده: وانا اخبرتك انها من اعضاء فرقة المقاومة..
قال حازم بشك وهو يضيق عينيه: انت تمزح..
زفر فارس بضيق ومن ثم قال: صدق ما تشاء..
شعر حازم بالحيرة وقد شعر بصدق ما يقوله فارس.. وقال متسائلا: لكنها فتاة.. هل لك ان تخبرني كيف لفتاة ان تشترك في فرقة المقاومة؟..
قال فارس وقد ازداد ضيقه: وهنا تكمن المشكلة..
انتظر منه حازم تفسيرا .. ولما لم يكمل حديثه قال مبتسما: هل لك ان توضح اكثر؟..
تردد فارس طويلا على ان يقول الحقيقة لحازم.. صحيح ان حازم مثل اخ له واكثر.. لكن عهد هي ابنة عمه.. ومن غير اللائق ان يفضح امرها له.. لكن.. ربما وجد حلا ليساعده ويعينه على الخلاص من فرقة المقاومة هذه..
ولما طال صمت فارس قال حازم بجدية: فارس انت تعلم جيدا انك اخي وما يضرك يضرني.. اتظن اني لا استحق ثقتك حتى تخبرني بما يضايقك؟..
قال فارس وهو يلتفت له في سرعة: الامر ليس هكذا ..ولكن.. الامر يتعلق بابنة عمي هذه المرة..
واردف بقهر مكبوت: فهي قد اشتركت بفرقة المقاومة على انها .. شاب.. وليست فتاة..
قال حازم وهو يردد بعدم فهم: شاب وليست فتاة؟؟.. لم افهم شيئا ابدا ان اردت الصدق..
زفر فارس بقوة.. واخذ يشرح له كل ما جرى لعهد وجعلها تنظم لفرقة المقاومة.. ومن ثم قال وهو يختم حديثه بعصبية: والآن ما رأيك بما تفعله ابنة عمي المجنونة؟!..
قال حازم بابتسامة مرحة: وكأنني اشاهد فلما سينمائيا .. افعلت كل هذا لأجل ان تنتقم لوالديها؟؟.. جريئة هي ابنة عمك تلك.. ولكنها شجاعة ايضا .. بصراحة لم اسمع بفتاة قامت بكل ما فعلته ابنة عمك.. تخلت عن كل شيء وفضلت العيش بين الشباب.. بصراحة انت محظوظ بها.. وفي الوقت ذاته اشاركك في وصف ما فعلته بالجنون و...
قاطعه فارس بعصبية: هل جئنا الى هنا لتعطيني تحليلا لشخصية ابنة عمي؟.. اريدك ان تجد لي حلا لهذه المشكلة التي انا بها .. كيف لي ان اقف مكتوف اليدين وانا اراها تعيش بين رجال يتعاملون معها على انها رجل بينهم؟..
فكر حازم قليلا ومن ثم قال بغتة متسائلا كمن تذكر امر ما: صحيح .. ماذا فعلت انت عندما عرفت بحكايتها هذه؟؟..
ابعد فارس نظراته عن حازم.. يعلم انه لن يتركه في حاله ان علم بما فعل.. لكن فعله هذا جعل حازم يشك بالامر .. ويقول بخبث: لا تقل لي انك تبعتها الى هناك.. واشتركت بدورك في فرقة المقاومة..
قال فارس بعصبية اكبر: اجل هذا ما جرى.. اسخر كما تشاء..
ضحك حازم بمرح ومن ثم قال وهو يميل نحوه ويغمز بعينه: كل هذا من اجل الحب..تضع نفسك في قلب الخطر من اجلها..
نهض فارس من مكانه وقال بغضب: سأترك لك الشركة بأكملها .. واقضي وقتك انت في السخرية مني بعدها..
اسرع حازم ينهض من مجلسه ويتجه نحوه ويقول معتذرا: اسف .. لقد كنت امزح.. ما بالك؟.. لقد اصبحت لا تقبل المزاح ابدا..
قال فارس بغضب وهو يدس اصابعه بين خصلات شعره محاولا التحكم باعصابه قدر الامكان: تعلم اني لست في مزاج يسمح لي بالحديث وانت لا يهمك سوى السخرية مني.. وتلك المجنونة الاخرى.. تركتها وحدها هناك.. والله اعلم ما الذي يجري لها هناك.. وكيف يتعاملون معها اولئك الاشخاص؟..
ابتسم حازم وقال وهو يربت على كتفه: لا تضايق نفسك .. اعلم انها لن تفعل ما قد يضرها او يسيء اليها.. ستلتزم بحدود بينها وبينهم.. صدقني كل فتاة في هذا العالم تخشى على نفسها وتكره ان يتجاوز رجل غريب معها حدود الادب ..
قال فارس بغيظ وقهر ونظراته توحي بما يعتمل في نفسه: لكنها بينهم على اساس انها شاب.. هل لك ان تخبرني كيف لهم ان لا يتجاوزوا حدودهم معها وقتها؟..
قال حازم وهو يتنهد: يبدوا وانك تحتاج وقت لكي تهدئ اعصابك.. عد الآن وسأعتبر هذا اليوم اجازة لك..
قال فارس وهو يلتقط هاتفه المحمول ويضعه في جيبه: حسنا .. سأغادر اذا.. واشكرك على الاجازة..
قال حازم بابتسامة واسعة: وكأنك لم تصدق..
ابتسم فارس ابتسامة باهتة وقال وهو يستعد للخروج: احتاج لمراقبة الاوضا ع هناك.. وقد لا احضر غدا ايضا.. الى اللقاء الآن واراك بخير..
قال حازم مبتسما وهو يودعه: الى اللقاء..
وما ان ابتعد فارس عن المكتب حتى اسرع واتصل بعهد.. وانتظر ان تجيبه باهتمام.. وعندما اجابت قائلة: اهلا فارس.. ما الامر؟..
قال في سرعة وهو يضغط على زر المصعد: كيف حالك؟.. وكيف تجري الامور عندك؟..
قالت ببرود: كل شيء على ما يرام.. اخبرني ما سر اتصالك؟..
قال متسائلا بضيق وهو يدخل الى المصعد ويضغط زر الطابق الارضي: هل تجاوز احدهم حدوده معك؟..
قالت بحنق: فارس انني هنا منذ شهر تقريبا..
قال بعصبية وهو يشد على قبضة يده: وهذا ما يجعلهم يأخذون راحتهم في الحديث والتعامل معك..
قالت عهد وهي تجاهد لكي لا تنفلت اعصابها: شكرا لاهتمامك.. هل تريد شيئا آخر ام اغلق الخط؟؟..
اغضبه ردها عليه.. وهو الذي اتصل بها ليطمئن عليها .. تتحدث اليه باسلوب كهذا.. وقال بحدة: كلا..
قالها واغلق الخط دون ان ينتظر ان تجيبه بحرف واحد.. وعلى الطرف الآخر قالت عهد بحنق وهي تراه قد اغلق الخط دون كلمة وداع واحدة حتى: تافه وسخيف.. ومتسلط.. ولا يفكر الا بنفسه..
(من هذا المسكين الذي تشتمه كل هذه الشتائم؟)
رفعت عهد برأسها بخوف الى صاحب الصوت ان كان قد استمع الى المكالمة ام لا.. وشعرت بالقلق وهي تتطلع الى سامر ( احد افراد فرقة المقاومة) الذي ابتسم لها بخبث ..فقالت وهي تتطلع اليه وتحاول ان تصطنع الشجاعة: لا شأن لك..
ارتفع حاجبا سامر قبل ان يقول بمكر: سنرى ان كان لي شأن ام لا.. ايها .. الهارب ..
تطلعت اليه عهد مستغربة من وصفها بهذه الصفة.. اما هو فابتعد بعد ان القى عليها نظرة اخيرة اوحت لعهد انه يفكر في امر ما في غير صالحها.. وتضاعفت ضربات قلبها وهي تشعر بالتوتر من كشف امرها بينهم بعد ان جاهدت لاخفاءه طويلا...
###########
تطلع الى شقيقه بتردد كبير وهو يراه يشرح خطته لافراد الفرقة.. واخذ يقلب الحديث في راسه مرارا وتكرارا .. عسى ان يجد الكلمات المناسبة ليشرح لشقيقه الامر.. وظل واقفا بجوار غرفة المكتب حتى انتهى شقيقه من الشرح ..وغادر افراد الفرقة الغرفة اخيرا.. فرآه يلتفت له في تلك اللحظة ويقول بابتسامة باهتة: قل ما جئت من اجله يا مارك..
ابتسم مارك بتوتر ومن ثم قال وهو يحك رأسه بحرج: وكيف عرفت اني جئت لسبب ما؟..
قال هشام وهو يشير له بأن يتقدم: الست شقيقي؟.. هيا تقدم واخبرني ما عندك..
تقدم منه مارك وقال بتردد: اريد ان اخبرك.. بأمر يخص سوزي..
قال هشام بهدوء وهو ينتظر ما سيقوله: ماذا بها؟..
ازدرد مارك لعابه ومن ثم تحاشى النظر الى اخيه وقال: اعلم اني فعلت المستحيل لاقناع الجميع ببقاءها هنا.. لكن ..لكنها تريد العودة الآن..الى هناك..
لم يغضب هشام او ينفعل على عكس ما توقع مارك.. واستغرب ردة فعله هذه .. وقال الاول ببرود: لقد توقعت هذا.. ان يأتي اليوم الذي تتطالب فيه بالعودة الى المبنى البريطاني ..
قال مارك في سرعة : لقد رفضت مطلبها هذا تماما.. واخبرتها انه لن يقتنع احدهم بما طلبته واولهم انا.. فبعودتها ستجعل الشكوك تدور حولنا.. وقد يصبحون قاب قوسين او ادنى من كشف مكاننا..
قال هشام وهو يتطلع اليه ويضع يده على كتفه: مارك اريدك ان تفهم امرا واحدا.. وان تفكر من زاوية اخرى للامور.. لو كنت اسيرا في المبنى البريطاني.. هل ستقبل ان تبقى هناك؟ .. ام ستعمل على العودة قدر المستطاع؟..
قال مارك مجيبا وقد استغرب سؤاله: بالطبع سأحاول العودة..
قال هشام ببساطة: هكذا تفكر سوزي.. فهي ترى نفسها اسيرة هنا بين اعدائها وتفكر في العودة الى مكانها الاصلي ..ولهذا توقعت منها ان يأتي يوم وتطلب فيه العودة الى المبنى ..
قال مارك باستنكار: الامر مختلف.. فهنا لم يأذها احد او يعاملها على انها اسيرة.. على العكس.. انها تعيش بيننا وكأنها فرد من فرقة المقاومة.. اما هناك.. فسيرمى الشخص فينا في اقذر السجون ويتلقى اشكالا من العذاب..
صمت هشام للحظات مفكرا ومن ثم قال: لكن هذا لا يعني ان لا يراودها التفكير بشأن وجودها بين اعداء لها.. وتركها للمبنى البريطاني.. على اية حال.. ساسمح لها بالمغادرة...
قال مارك بصدمة: ماذا؟؟؟!...
ابتسم هشام وقال بمكر: لكن في الوقت الذي نختاره نحن..وبالوسيلة التي نختارها..
قال مارك برفض وحدة: كلا.. لن اسمح لها بالذهاب.. لن تحلم سوزي بالعودة الى هناك مجددا .. لن تغادر من هنا مهما حاولت..
قال هشام وهو يتطلع له بحيرة: ربما ستساعدنا في مهماتنا القادمة .. لكن دون ان تدرك هي بذلك.. افهمني.. اريدها ان تكون كعين لنا هناك ..
قال مارك وهو يعقد حاجبيه وبعصبية هذه المرة: انت الذي عليك ان تفهمني.. لقد فقدتها مرة.. ولا اريد ان افقدها مرة ثانية.. لقد جئت لاخبرك بالامر لأنني ظننت انك ستعارض.. لكن يبدوا وانك تفكر في امر هذه الفرقة فقط.. متجاهلا مشاعري تجاهها..
قال هشام بغضب يراه عليه مارك لأول مرة: بل انت الذي اصبحت تفكر في نفسك.. متجاهلا هذه الفرقة بأكملها .. يبدوا ان سوزي جعلتك تنسى اهدافنا في هذه الفرقة.. وتفكر في فتاة احببتها في يوم.. وتفكر ان تتخلى عنك الآن بكل بساطة..
قالها وابتعد عن مارك وهو يلقي عليه نظرة اخيرة.. اما مارك فقد رمى نفسه على احد المقاعد.. وهو يفكر في كل كلمة قالها هشام.. وحيرته تزداد بما عليه فعله...
############
كانت شاردة الذهن.. تتطلع من النافذة الى الطريق الترابي الممتد امامها.. وافكارها تتصارع بعقلها.. تريد ان تشعر بالراحة .. وان يرحمها احدا من هذه الحيرة التي تعيشها.. امخطأة هي فيما تفعل ؟.. ام انها على حق؟.. اتتبع مشاعرها ام عليها ان تفكر بعقلانية دون ان تنجرف وراءها؟..
تريد شخصا ينصحها.. يكون الى جانبها دائما.. شخص يفهما ويعلم ان ما تفعله بالرغم منها .. لكن من هو هذا الشخص؟..
قطع حبل افكارها تلك اليد التي شعرت بها على كتفها.. فشهقت بخوف قبل ان تلتفت الى صاحبها الذي قال مبتسما: في من تفكرين؟..
تنهدت براحة ومن ثم قالت وهي ترفع احدى حاجبيها محاولة اغاظته: لست انت على اية حال يا سيد فارس..
قال فارس بسخرية: ومن قال اني اريدك ان تفكري بي؟.. لم استغني عن حياتي بعد..
التفتت له عهد بجسدها كله وقالت وهي تتطلع اليه باستهزاء: حقا؟.. اذا لم كنت تسأل هذا السؤال اذا؟..
قال وهو يهز كتفيه: فضول.. او ربما شفقة على المسكين الذي تفكرين به..
قالت متسائلة فجأة: صحيح.. الا يفترض بك ان تكون في عملك الآن كما قلت؟.. فما الذي جعلك تعود من جديد الى هنا بعد ساعة؟..
قال بابتسامة ساخرة: حصلت على اجازة.. فابنة عمي بحاجة للمراقبة ولمن يرعى امورها..
قالت وهي تحاول التظاهر بالهدوء: لست وصيا علي على ما اظن..
قال فارس وهو يدخل كفه في جيب بنطاله: ولم يعد لك احد سواي على ما اظن ليهتم بكل ما يعنيك..
قالت وهي تتلفت حولها بقلق: كم مرة علي ان اخبرك بأن تخفض صوتك؟..
ابتسم بسخرية وقال متعمدا: معذرة يا آنسة..
قالت عهد بحدة: لماذا تتعمد استفزازي واثارة حنقي هكذا؟ ..
هز كتفيه قائلا: سأتوقف عن هذا ان خرجت معي من هنا..
قالت ببرود: هذا هو المستحيل بعينه..
رفع احد حاجبيه دون ان يهتم بما قالته .. فأردفت قائلة بحنق: وصحيح.. لا اريد رؤيتك بجوار الاريكة عندما استيقظ غدا صباحا..
قال بخبث: لم؟.. اتخشين على نفسك؟..
ارتبكت بالرغم منها.. لكنها تمالكت نفسها سريعا قائلة: كلا.. ولكني لا اريد رؤيتك ..
قال ببرود: ولا انا اريد رؤية وجهك القبيح..
تطلعت له بحنق.. قبل ان تمضي في طريقها ..وهناك شاهدت الجميع قد اجتمعوا حول طاولة مستديرة .. وقد بدأ هشام بشرح الخطة القادمة لهم.. اسرعت تتقدم وتقف على مقربة لتستمع وترى كل ما يخطط له..
اما هشام فقد كان يشير الى بقعة ما ويقول بجدية: هنا هو المبنى البريطاني حيث سنضرب ضربتنا القادمة..كما اخبرتكم سابقا .. سيقوم احد افراد المقاومة بقيادة سيارة ملغمة وتركها على مقربة من سيارتهم حين تحين الفرصة المناسبة في فترة تبديل حراس المبنى..وذلك عند منتصف الليل او بعده بقليل..وعندما يبتعد مسافة مناسبة عن المكان.. يقوم بضغط زر التفجير الذي سيفجر سيارته وبالتالي سياراتهم العسكرية..ومن ثم المبنى البريطاني الذي سيتضرر بكل تأكيد...
بالكاد استطاعت عهد ان تمنع شهقة من بين شفتيها وهي تستمع الى تخطيطاتهم.. ألكس.. لن يكون بخير اذا.. ربما يصاب بمكروه..ربما يصاب في الانفجار.. علي ان احذره.. لكن كيف؟.. لا اريد ان اكون سببا في فشل هذه المهمة..ولا اريد ان اكون سببا في ان يصاب بمكروه..
اما هشام فقد اكمل قائلا : سيكون هذا بعد يومين من الآن..ولا تنسوا خطورة هذه المهمة.. لا اريد تعريض احدكم للخطر سو ى بنية صادقة منه و...
عهد التي لم تكن تستمع الى بقية ما قاله من حديث.. فقد كانت ضربات قلبها الخائفة والمتوترة تطغى على مسامعها من سماع أي شيء آخر..كيف لها ان تحميه من الاصابة بأي اذى؟.. كيف؟..
شعرت بغتة بهاتفها يهتز في جيب سترتها..فأخرجته وهي تتطلع الى الرسالة التي كانت مجرد اعلان من شركة الاتصالات و ...
واضاءت الفكرة بغتة في رأسها.. هي تعلم انها فكرة مجنونة.. لكنها ستنفذها وستتهور من اجله..
اسرعت تتوجه الى دورة المياه وتقفل الباب خلفها.. وبدأت بكتابة رسالة قصيرة لألكس قالت فيها: ( احتاج الى مساعدتك للضرورة.. قابلني بعد يومين عند شاطئ البحر.. القريب من المنطقة (...)..سأنتظرك بعد منتصف الليل)..
وضغطت زر الارسال وهي تبتسم بتوتر هامسة لنفسها: سأنتظرك.. ولكن.. هنا..
###########
وفي المبنى البريطاني وفي غرفة ألكس بالتحديد.. طغت السعادة على كل لمحة من ملامحه وهو يرى رسالة عهد اليه.. هذه الرسالة التي انتظرها طويلا منها.. اشتاق لرؤيتها حقا.. يريد ان يراها بأية وسيلة.. وها قد جاءته الفرصة الآن..
لكن تخلل فرحته الدهشة من موعد لقاءهما.. الم تجد سوى منتصف الليل ليلتقيا فيه؟.. صحيح ان المكان آمن ليلا.. لكن هذا لا يعني ان يلتقيا في وقت متأخر كهذا.. هو يعرف عهد جيدا.. ويظن انها اضطرت لأن تختار هذا الوقت بالذات لتقابله.. ربما كان الوقت الوحيد الذي يمكنها فيه الخروج من فرقة المقاومة دون ان يلاحظها احد..
وعقد حاجبيه وهو يفكر في امر آخر ايضا بدأ يجعل الشكوك تراوده عن هذا الامر.. لماذا لم تخبره بما تريد على الهاتف.. اليس هذا آمن لها؟؟.. لماذا اختارت اللقاء وقد يعرضها هذا للمخاطر.. لو كنت مكانها لاكتفيت بالاتصال.. لكن من يدري ما هي ظروفها في فرقة المقاومة؟ ..
وارتسمت ابتسامة على شفتيه عبرت عما في قلبه من سعادة ولهفة وشوق لرؤيتها.. ان الاسباب التي جعلتها تحدد ذلك الوقت لا تهمه.. ما يهمه هو انه سيراها قريبا.. بات يتمنى ان يلتهم عقرب الثواني عقرب الدقائق والساعات ..ويتوقف عند الساعة الثانية عشرة بعد غد..
وبشرود تمدد على فراشه والافكار تتصارع في ذهنه.. لحظة ربما لا تكون بخير.. لقد قالت انها تريد ان تلقاني للضرورة.. هل اتصل بها واطمئن عليها؟.. ام اكتفي بارسال رسالة؟.. لم يعد يعرف ما عليه ان يفعله..
وغط في تفكير عميق وهو ذهنه منشغل بعهد وحدها.. متناسيا أي شيء آخر...
###########
جاهدت عهد لان تتمالك اعصابها وهي تتطلع الى فارس الذي كان يلاحقها بنظراته اينما ذهبت.. ويقترب من مكان وجودها كلما ابتعدت.. شعرت وكأنها متهم تحت المراقبة.. وتقدمت له وهي تتطلع اليه بنظرات باردة قبل ان تقول: هلاّ كففت عن اللحاق بي من فضلك..
ابتسم لها بسخرية دون ان يعلق على عبارتها.. فاستثارها تجاهله وقالت بحدة: ليتني لم اسمح لك بالقدوم الى هنا..
قال بسخرية: لا بأس حينها كنت انت من سيأتي معي..
قالت عهد بعصبية: لا تعاملني بهذه الطريقة.. لو كان والداي لا يزالان على قيد الحياة لما عاملتني هكذا.. لما قمت بالتحكم والسيطرة بكل ما يعنيني..
قال بهدوء وقد خطر على ذهنه ما مرت به عهد قبل ان يراها: عهد.. انا لا اتحكم او اسيطر كما تقولين.. كل ما هنالك ان وجودك في هذه الفرقة يدفعني لمراقبة تصرفات من يتعاملون معك..
قالت بضيق: لكن ليس بهذه الطريقة.. انت تتجاوز الحد.. لقد بدأت اشعر بالاختناق من حصارك الدائم لي..
قال مبتسما: الم تشعري بالظمأ من كثرة الحديث بعد؟..
قالت وهي تلقي عليه نظرات غاضبة: ان كان الحديث معك.. فسأشعر بالظمأ بكل تأكيد من نقاش عقيم معك..
قالتها والتفتت عنه.. لكنها عادت لتلتفت له وتقول: ولا تحاول اللحاق بي من فضلك.. حتى لا تزد الشكوك من حولي..
وابتعدت عنه وهي تتوجه الى المطبخ الصغير في زاوية المنزل ..وما ان وصلت اليه حتى التقطت لها كأسا من احد الادراج ..وغسلته لتشرع بصب الماء فيه.. لكن سماعها لصوت خطوات خلفها جعلها تتوقف عن صب الماء وتلتفت بضيق وهي تظن ان فارس من قد لحق بها.. قائلة : ألم اقل لك ان...
توقفت الكلمات في حلقها وهي ترى سامر يتقدم منها ويقول بابتسامة خبيثة: ان ماذا؟.. تحدث.. لم صمت فجأة هكذا؟ ..
لم تجبه عهد.. واكتفت بأن تطلعت اليه بنظرات باردة.. ومن قم ما لبثت ان تحركت من مكانها وهي تهم بالخروج من المطبخ.. لكن ما ان مرت بجانبه حتى امسك بذراعها وقال بمكر: الى اين ايها الهارب؟..
نزعت عهد ذراعها من كفه وقالت بحدة: ماذا تريد؟..
قال وهو يتطلع اليها بنظرات ثاقبة: لا تظن اني احمق كي اصدق حكاية هربك تلك .. كما صدقها البقية.. انا في يقين من انك عميل للبريطانيين وقد تركوك تحوم بيننا هنا كي تنقل اخبارنا اليهم..
اتسعت عيناها بصدمة وهي تقول غير مستوعبة: ماذا تقول؟؟..
قال بابتسامة ماكرة: يدهشك معرفتي بالحقيقة.. اليس كذلك يا ايها الهارب؟.. ام اقول يا ايها.. الخائن...
شعرت عهد بالذهول من كل كلمة تسمعها .. وظلت تتطلع اليه لبضع ثوان وصدرها يعلو ويهبط.. قبل ان تتمالك نفسها وتقول بعصبية: أي هراء تتفوه به؟.. لو كنت جاسوسا كما تقول لما تعاونت معكم في مهماتكم..
لوح سامر بكفه وقال ببرود: لا يهمني أي شيء من هذا.. من المحتمل ان تكون قد انضممت معنا لتبعد الانظار من حولك..
عقدت حاجبيها وقالت وقد ازدادت عصبيتها من اتهامها بالخيانة: لم اذا اخبرتكم بمقر المبنى البريطاني اذا كنت انا منهم كما تقول؟؟!..
قال وهو يميل نحوها ويتطلع اليها بنظرات حادة: ما رأيك ان نقلب الادوار وان اسألك انا.. هل لك ان تخبرني كيف هربت من المبنى البريطاني بهذه السهولة؟.. واي عقل يمكنه ان يصدق انهم لم يرسلوا معك سوى جندي واحد لحراسة اسير لديه معلومات عنهم وعن مبناهم؟..
قالت عهد وهي تشيح بوجهها عنه وتهم بالمغادرة: لا يهمني ان صدقت ام لا.. لكن هذا ما حدث حقا ...
اوقفها وهو يمسك بذراعها مرة اخرى قائلا بحدة: لم ينتهي حديثنا بعد.. ستخبرني بكل شيء والآن..
هتفت فيه عهد قائلة: اخبرك بماذا؟.. ان كان الصدق لا يرضيك.. فأنت تريد مني ان اكذب عليك..
قال سامر بخشونة وهو يعقد حاجبيه : يالك من فتى لقد احسن البريطانيون اختيار جواسيسهم جيدا..
حاولت عهد ان تجذب ذراعها من كفه وهي تقول: دعني وشأني من فضلك..
لكنه امسك بياقة سترتها بغتة ليجذبها نحوه قائلا: ليس بعد يا ايها الفتى.. عليك ان تخبرني بالحقيقة يا ايها الجاسوس..
شعرت عهد بالتوتر والارتباك من قربه.. والضيق لانه يصر على اتهامها باتهامات كهذه .. وهي التي ذاقت الامرين من اجل وطنها.. ان كان لا يصدقها فهذا لا يهمها.. المهم عندها ان القائد هشام والبقية قد صدقوا ما قالته ووثقوا بها.. هذا الشاب ليس سوى واحد من عشرون.. فلهذا لن تهتم به.. او تلفت له بالا...
( من هذا الجاسوس الذي تتحدث عنه؟)
التفت سامر الى مصدر الصوت.. ومن ثم قال بسخرية: جاء ابن عم الجاسوس..
تطلع فارس ببرود يغلفه بركان من الغضب الى يد سامر التي تمسك بياقة سترة عهد..وقال: ابعد يدك عن عهد..
قال سامر بلامبالاة واستهزاء: وان لم افعل؟..
قال فارس في سرعة وهو يكور قبضة يده: فليكن انت من اردت هذا..
قالها ووجه قبضة يده الى فك سامر الذي تراجع بالرغم منه تاركا سترة عهد.. وهو يتأوه من لكمة فارس التي لم يتوقعها ابدا..ورفع رأسه لينظر الى فارس الذي اقترب من عهد حتى اصبحت خلف ظهره تقريبا.. وقال وهو يعقد ساعديه امام صدره: لقد حذرتك.. واياك والاقتراب من عهد مرة اخرى ..
عهد التي وقفت مدهوشة تتطلع الى كل ما جرى امامها بنظرات متجمدة..كانت تعرف ان طبيعة فارس عصبية.. لكنه لم يكن يحل أي شيء بالضرب الا للضرورة القصوى ..لقد ادخل نفسه في مشاكل هو في غنى عنها.. وكل هذا بسبب سامر.. او لتصدق القول .. لتقل انه بسببها...
اما سامر الذي امسك بفكه بألم ونظراته تحمل كل الحقد الذي يوجهه الى فارس قائلا: اجل ولم لا تدافع عن هذا الجاسوس وانت ابن عمه كما تقول؟..
قال فارس وهو يتطلع اليه بنظرات تشتعل غضبا.. ولو كانت النظرات تقتل لكان سامر صريعا منذ مدة: واين دليلك على انه جاسوس كما تقول يا هذا؟؟..
قال سامر وهو يشير باتجاه عهد التي تتطلع الى كل شيء بصمت: يكفي اننا لا نعرفه هنا.. ولا نعرف من اين جاء ومن هي اسرته..
قال فارس وهو يمسك بمعصم عهد: حقا؟.. وانا ايضا لا اعرفك.. ولا اعرف اسرتك ومن اين جئت.. فلم لا تكون انت الجاسوس مثلا..ياله من دليل قوي هذا الذي تملكه ..
واردف بغضب: ولآخر مرة احذرك.. اياك والمساس بعهد مرة اخرى.. والا سيكون تصرفي القادم كفيل بقتلك..
والتفت الى عهد قائلا بصرامة: وانت.. هيا..
سارت عهد معه بهدوء دون ان تنطق او تعترض على ما قاله.. فقد ادركت ان غضب فارس سيلحق بها هي الاخرى.. لو تحدثت وهو على هذه الدرجة من الانفعال والعصبية...
############
ابتسم جون وهو يضيق عينيه ويضع كفه عند جبهته ليحمي نفسه من اشعة الشمس قائلا: مرحى يا ألكس.. لم اعد تحت امرتك.. ولدي مجموعة من الجنود ينفذون اوامري الآن..
قال ألكس بابتسامة باهتة: لا تنسى انني لا ازال القائد الاعلى ..
قال جون بمرح: بل مجرد قائد شارد الذهن.. لا تكف عن التفكير والتطلع الى هاتفك المحمول.. حتى بت اشك احيانا انك قد جننت..
رفع ألكس احدى حاجبيه وقال ببرود: اما ان تذهب لتمارس عملك فورا.. او تحمل ما سيصيبك..
قال جون وهو يؤدي التحية العسكرية: سأهرب بكل تأكيد..
واتسعت ابتسامته وهو يبتعد قائلا: اتمنى لك النجاح في مهمتك..
قال ألكس بسخرية: اشك في هذا..
والتفت الى الجنود قائلا بجدية: فليستعد الجميع.. سنتخذ الطريق الغربي على الشارع (25) وسنبدأ البحث من هناك..
قالوا في صوت واحد جهوري: امرك..
واتجهوا كلا منهم الى سياراتهم العسكرية..وما ان صعد ألكس الى سيارته هو الآخر.. حتى قال متحدثا الى نفسه: (ففي الواقع انا اتمنى ان تفشل هذه المهمة وان تنتهي قبل ان تبدأ.. فنجاح مهمتي يعني.. ضياع عهد مني الى الابد)..
وشد بقبضته على مسدسه.. وهو يحاول ان يتمالك مشاعره وان ينسى عهد التي تملكت تفكيره وكيانه ولو لثوان...
#########
تردد طويلا قبل ان يتجه بخطوات هادئة الى تلك الغرفة الصغيرة .. ورفع يده وهو يهم بطرق الباب..لكنه ما لبث ان تراجع وهو يعيدها الى جانبه ويتنهد بألم.. بم يبرر طرقه للباب؟.. ايقول انه اشتاق اليها مثلا وهي التي تفكر في الابتعاد عنه؟..يريد ان يتحدث اليها لكنه يخشى ان تزداد الامور سوءا بينهما..ربما لو تحدثا بهدوء تقتنع هي بعدم العودة الى المبنى البريطاني وتبقى معه هنا..
وعاد ليرفع يده ويطرق الباب بهدوء عدة طرقات..ولم تمض لحظات حتى فتحت سوزي الباب وهي تتطلع اليه باستغراب قائلة: مارك..
تطلع اليها بنظرات صامتة تخفي الشوق الذي يلهب كيانه..ومن ثم قال بعد برهة بجدية: اود الحديث معك..
قالت ببرود متعمد: بشأن؟..
رفع احدى حاجبيها بضيق من برودها.. ومن ثم قال وقد بان الضيق على نبرات صوته: بشأن موضوع عودتك الى المبنى البريطاني ..
قالت وهي تمط شفتيها: ان كنت ستطلب مني البقاء هنا.. فلا داعي للحديث في ...
قاطعها مارك وهو يتطلع اليها ببرود : الن تندم لانك منحتني ثقتك هذه كلها في يوم؟..
كانت عبارة قالتها سوزي لمارك عندما سمح لها بدخول مقرهم.. ومنحها ثقته كلها لتكون بينهم .. اما سوزي فاستغربت عبارته ومن ثم مالبثت ان تذكرت جملتها له في ذلك اليوم.. كانت سعيدة يومها لانه وثق بها وامنها على هذا المقر واصحابه..
وظلت تتطلع له بصمت.. فقال هو حينها مردفا وهو يتطلع اليها بسخرية مريرة: يبدوا وانه قد جاء الوقت الذي اندم فيه حقا..
قالت سوزي وقد اذهلها قوله: ماذا تقول؟؟!..
اما هو فقد اكمل غير آبه بها.. وهو يرمي كلماته بغير تفكير : لم اتخيلك انانية في يوم يا سوزي..
اشارت الى نفسها قائلة بصدمة كمن لم يتوقع قولا كهذا: انا انانية؟؟..
قال مارك وقد اثارته تصرفاتها: اجل انانية.. عندما تفكرين في نفسك فقط تكونين انانية.. عندما تفكرين في العودة الى المبنى البريطاني متناسية ما قد يسببه هذا للجميع من خطر تكونين انانية..
قالت سوزي وقد شعرت بغصة في حلقها: اكون انانية عند افكر بأن اعود الى مكاني المعتاد .. الذي اخترته واشعر بالراحة فيه..
قال مارك بحدة وهو يكور قبضته بشدة: لقد اخترت البقاء هنا كذلك بملئ ارادتك ايضا..
قالت سوزي مدافعة عن نفسها: لانه لم يكن لدي أي خيار آخر حينها..
قال مارك منفعلا وهو يلوح بكفه: ستقتلين الجميع هنا لو عدت الى هناك.. اتفهمين معنى هذا جيدا؟..
قالت سوزي وهي تلتقط نفسا عميقا: لقد اقسمت ان لا انطق بحرف واحد عن هذا المكان.. وانت تعرف اني لن احنث بقسمي هذا ابدا..
حاول مارك تهدئة ثائرته وهو يقول: على اية حال.. هشام قد وافق على عودتك.. ولا اعلم لم وافق في الحقيقة؟.. لكنه يريد ان يجد الوقت المناسب اولا..
واستطرد وهو يلقي عليها نظرة تجمع ما بين الغضب والعتاب: اذهبي يا سوزي وعودي الى المبنى البريطاني من جديد.. لكن تأكدي قبلها انك قد خسرت مارك بعودتك اليهم..
اتسعت عيناها بقوة من قوله هذا.. ورأته يستدير عنها مبتعدا متجاهلا نظراتها الحائرة التي تحمل الكثير من الدهشة والالم .. لا تريد ان تخسره.. لا تريد.. هو الوحيد الذي احبها بصدق من بين كل الذين عرفتهم.. هو الوحيد الذي منحها مشاعر صادقة لم يتخللها زيف او كذب او خداع.. فلم يكون هذا الواقع قاسيا عليهم هكذا.. لم الانسان الذي احبته يكون اشبه بعدو لها الآن؟.. لم الانسان الذي انتظرت لقاءه لعام كامل تلقاه الآن في ظروف قاسية وهو يقاتل ضد وطنهما؟ ..
جمعتهما قصة حب قديمة.. نسجت خيوطها منذ عام كامل.. فرقهما القدر لمرة وعاد ليجمعهما من جديد.. ويبدوا ان الواقع كان اقسى من ان يظلا معا الى الابد.. وتحت ضغوط هذه الحرب.. وشعور كل منهما بأنه هو من على حق.. سوزي بعودتها الى مكانها الاصلي.. ومارك بخوفه على مقر فرقة المقاومة.. سيكون لكل هذا دور كبير في أن تخبت شمعة الحب تدريجيا.. وربما حتى تتلاشى تماما!!..
:
:
يتبع..
 
بـــ الحب (21) والواقع ـــين
::انذار::

(عميلة للجيش البريطاني.. خائنة لوطنك وجاسوسة.. مرحى يا عهد انك تتخطين الارقام القياسية في انتساب كل هذه الالقاب اليك بعد يوم واحد فقط من وجودنا هنا)..
قالها فارس بكل الغضب الدنيا وهو يتطلع اليها بنظرات قاسية .. اما عهد فلم تحاول الاتيان بحرف واحد وهي تحاول ان تجد وسيلة لتهدئة ثائرة فارس.. فهي تدرك جيدا ان هذا الامر لن يمر بمثل هذه السهولة.. وعليها ان تحاول التصرف قبل ان تتفاقم المشاكل اكثر من هذا..
وانفعل فارس وهو يرى صمتها على ما قاله: ماذا سيقولون عنك غدا اذا؟.. عضوة في عصابة..ام عميلة مخابرات؟؟..
تنهدت عهد بقوة وهي تتحاشى الالتفات له او النظر اليه..وهذا ما جعل فارس ينفجر في وجهها قائلا وهو يمسك ذراعها بكل قوته: ماذا كان سيحدث لو لم اكن هنا؟.. هل لك ان تخبريني؟.. هل كنت ستسعدين بطردك من هنا بسببه؟.. وكيف ستتصرفين لو لم ابعده عنك في تلك الاثناء؟؟..
قالت عهد وهي تزفر بحدة: فارس ارجوك.. يكفي ما سببته من مشاكل حتى الآن..
صرخ فيها غير مبالي بما قالته: اجيبي..
قالت حتى تتفادى عصبيته: اولا ليس من حق أي انسان هنا طردي ما عدا القائد.. وثانيا كنت سأتصرف واحاول ان اقنعه بالحقيقة دون ان استخدام العنف..
قال بخشونة: حقا وهل كنت تريدني ان انتظر لأرى ما سيفعل وهو يمسكك على ذلك النحو؟..
قالت وهي ترفع رأسها اليه و تحاول ان تجذب ذراعها من كفه: اترك ذراعي من فضلك.. فأنت تؤلمني..
قال وهو يضغط على ذراعها بقوة اكبر متعمدا: استمعي الي لقد تجاوزت الامور هنا حدها الاقصى.. ولم اعد قادر على الصبر اكثر من هذا.. اما ان تخرجي معي والآن.. او اجبرهم على ان يطردوك من هنا باخبارهم حقيقتك..
توترت عهد من قوله وخشت ان يفعلها حقا .. لكنها ما لبثت ان قالت وهي تشيح بوجهها: وهذا ما تريده.. لكن اقسم لو انك فعلتها فلن ترى وجهي بعد الآن ابدا..
رفع احد حاجبيه وقال بتحدي: والى اين ستذهبين؟.. هل لك ان تخبريني؟.. هل هناك مكان تذهبين اليه او شخص يعيلك غيري؟..
قالت وهي ترفع رأسها له بثقة: لا يهم.. المهم ان اعيش بكرامة ..دون ان يتحكم بتصرفاتي احد ويفرض سيطرته علي..
قال فارس بعصبية: وهل طالبتك انا بشيء واحد؟.. كل ما افعله هو لمصلحتك..
- انا الاعلم بمصلحتي..
وما ان انتهت عبارتها.. حتى تعالى صوت صفارات الانذار في المكان ليرمي الخوف في قلوب كل من في المقر.. وليدب الرعب في اوصالهم.. ولسان الكل ينطق: ما الذي يجري؟؟..
كان البعض منهم يقف مدهوشا .. والبعض الآخر يسرع بالتحرك ليخبر زملائه..وهشام الذي خرج من غرفة المكتب قال سريعا: اغلقوا الستائر واي اضواء.. ولتتجمعوا في الغرف..
اسرع فارس يقول: المكان هنا خطر بأكمله..
قال هشام وهو يدعو في سره ان يمر الامر على خير: باذن الله لن يحدث شيء.. لقد اعتدنا على صفارات الانذار هذه خصوصا واننا قريبين من الحدود.. والخروج في وقت كهذا يعد اخطر من البقاء..
زفر فارس والتفت الى عهد التي تتطلع الى كل شيء بصمت .. وتحدث اليها قائلا: هيا.. فلنذهب الى احدى الغرف نحن ايضا ..
التفتت له وقالت بشرود: كان كمثل هذا اليوم تماما.. اصوات صفارات انذار تملأ المكان.. والانفجارات تكاد تصم الآذان.. كنت اريد الخروج لاعلم ما جرى.. وحاول والداي منعي.. لكني كنت حمقاء وخرجت.. وليتني لم افعلها.. لكنت الآن معهم على الاقل..
شعر فارس بقبضة باردة تعتصر قلبه من كلماتها.. اتتمنى الموت هذه المجنونة؟.. وقال وهو يصطنع الابتسامة: من كان سيبقى لي حينها؟.. كنت سابقى وحيدا بلا اهل .. على الاقل انت هنا معي الآن..
ترقرقت الدموع في عينيها ومشهد الامس يتكرر امام عينيها: اريد ان اذهب اليهم.. اشتقت اليهم يا فارس.. ارجوك خذني اليهم..
قال فارس وقد تملكه الحنان تجاهها .. فدفعه لأن يمسك كفها ويقول بابتسامة شاحبة: وترحلين عني .. هذا محال..
وسار معها بهدوء وهي تتبعه دون ان تقوى على الاعتراض ..حتى اخذها الى غرفة المعيشة الجانبية.. ورأى عدد من الشباب منشغلين بغلق الستائر.. واكتفى هو بأن التقط نفسا عميقا وهو يتطلع الى عهد شاردة الذهن والتي تتطلع الى اللامكان..وهمس لها قائلا: عهد..
التفتت له بصمت.. فقال مبتسما: ستبقين هنا.. لن تذهبي معهم ولو تمنيت هذا.. هل هذا مفهوم؟..
تطلعت له طويلا .. قبل ان تضغط باناملها على كفه وتقول بصوت مختنق: سأحاول..
قال وهو يضغط على كفها بدوره: انا هنا بجانبك دائما..
قالت والدموع تعود لتترقرق في عينيها: لكنهم جميعهم قد رحلوا عنا..
قال بجدية: ونحن بقينا هنا.. وعلينا ان نكمل مسيرة الحياة.. لا اريد ان تذكري الموت مرة اخرى.. اتفقنا؟..
اومأت برأسها بصمت.. وهي تشعر بالبرودة تسري في اوصالها وترجف جسدها.. وتعالى وسط كل هذا اصوات الانفجارات لترج المكان رجا..ولتضاعف الخوف في القلوب..
ورائد الذي تولى تهدئة الموقف: ارجو من الجميع الهدوء.. لقد اعتدنا على مثل هذه المواقف.. بعد ان يستقر كل شيء سنعرف ما جرى..
اما عهد فقد قالت بعصبية وكفها تضغط على كف فارس بكل قوتها: تبا لهم.. تبا.. يكفيهم دمار.. يكفيهم قتل للابرياء.. يكفيهم ما يصنعونه من بحيرات الدماء..
قال فارس وهو يحاول تهدئتها: اهدئي يا عهد.. اهدئي..كل شيء سيكون على ما يرام باذن الله..
قال عبارته واقترب منها اكثر.. لعلها تستمد منه الامان الذي تنشده.. وتنسى خوفها ولو للحظات...
:
:
وفي غرفة اخرى تجمع فيها باقي فرقة المقاومة.. حيث كان هشام يحاول ان يبث الطمأنينة لهم قائلا: ارجو من الجميع الهدوء ..كل شيء سينتهي على خير .. فقط التزموا بما سأقوله..
واخذ يشرح لهم اهمية التزامهم بالهدوء وعدم الصراخ او الخوف عند حدوث أي انفجار آخر.. والبقاء في مكان واحد.. والخطوات التي يجب عليهم القيام بها في حالة الطوارئ القصوى.. أي عند حدوث أي انفجار بالقرب او في هذا المنزل..
مارك الذي استمع الى بعضا مما كان يقوله هشام.. رفع رأسه وهو يتنهد ويدعو الله بأن يمر الامر على خير.. ووقعت عيناه بغتة على سوزي التي تجلس في ركن المكان.. ويبدوا عليها الخوف والجزع.. وهي وتضم انامل كفيها معا وتشد عليهم كلما شعرت بالخوف.. والى عينيها التي كانت تغمضهما بخوف كلما سمعت صوت انفجار ..
لم ينتبه احد اليها او لم يهتم احد بها.. وهشام الذي كان يحاول تهدئتهم بالعربية.. نسي امر سوزي التي لا تفهم حرفا منها ..
ورق قلبه تجاهها.. ونهض من مكانه وهو يجذب كرسيه معه.. ويجلس بالقرب منها قائلا بهدوء: سوزي..
شهقت بخوف بالرغم منها ورفعت رأسها اليه قائلة بخوف: ما الذي جرى؟..
قال بابتسامة هادئة وهو يشبك اصابع كفيه ويميل قليلا في جلسته: لا شيء.. لكني اردت الحديث معك قليلا..
رفعت رأسها اليه باستغراب.. فبعد آخر خلاف لهما لم يتحدثا ابدا.. فقال هو وابتسامته تتسع: هل لك ان تخبريني ماهي امنيتك؟..
ارتفع حاجباها بحيرة من سؤاله..لكنها قالت مبتسمة وقد بدأت عضلات يدها ترتخي: امنيتي ان اعيش بسعادة.. واسكن في منزل كبير مع الشخص الذي احب..
قال بمرح وهو يشير الى نفسه: ان كنت تقصديني فأمنيتك لم تحقق..فليس لدي المال لمنزل كبير..
ضحكت بخفوت وقالت: لا بأس.. يمكنك ان تقترض من اجلي..
وظل مارك معها على هذه الحال.. يشغلها بالحديث حتى تنسى ما يحيط حولها من خطر.. ذكرني بما تفعله بالأم التي تقرأ لأطفالها حكاية ما قبل النوم.. لكي يناموا بهدوء وينسوا مخاوفهم من ظلمة المكان.. كم كبير هو قلبك يا مارك ..
###########
تحدث ألكس عبر جهاز اللاسلكي بعصبية قائلا : من الذي يقوم بهذه الانفجارات؟..
جاءه عبر الجهاز صوت جون وهو يقول: لم نقم بأي انفجارات يا ألكس..ربما كان القائد مايكل..
عاد ألكس ليضغط على جهاز اللاسلكي ويقول بحدة: القائد مايكل.. هل تسمعني؟.. اجب..
جاءه صوت مايكل وهو يقول: امرك يا ايها القائد..
قال ألكس بصوت مرتفع متسائلا: هل انت من قام بهذه التفجيرات في المنطقة؟..
قال مايكل مجيبا وهو يحمي وجهه وانفه باحدى كفيه من الغبار ورائحة البارود:اجل انا.. لم السؤال؟..
قال ألكس بعصبية: وكيف تقوم بتفجيرات في المنطقة دون اذن مني؟..
قال مايكل بحزم: لقد اوكل الي مدير الجيش ان اقوم بالبحث عن الممرضة المختطفة.. وهذه هي وسيلتي في البحث..
قال ألكس وقد شعر بقلق خفي يتسلل الى اعماق اعماقه: ابحث في المباني والمنازل وحتى المتاجر.. لكن دون ان تقوم بهذه التفجيرات..
قال مايكل بخبث: وكيف اضمن اذا ان لا تكون موجودة في هذا المكان.. على الاقل لو لم يعثر عليها الجنود.. يمكن لهذا الانفجار ان يقتلها ويقتل اسرارنا التي تحملها..
استغرب ألكس طريقة تفكيره.. فهو لم يهتم بحياة مجندة منهم حتى.. وقال بصرامة: استمع الي يا ايها القائد.. على ما اذكر لقد طلب منك القائد ان تجد الممرضة وتعيدها الى المبنى.. لا ان تقتلها..
قال مايكل في سرعة: المهم ان نمحي أي اثر قد يوصلهم الينا..
قال ألكس بصرامة اكبر: لا مزيد من التفجير.. هذا امر..
قالها وانهى الاتصال بينهما.. فقال ما يكل بحنق وهو يوجه الاوامر لجنوده: سنبحث في مبنى اخر دون أي تفجير.. هذه هي اوامر القائد الاعلى..
اسرع الجنود بتنفيذ الاوامر.. وعلى الطرف الآخر ..ارتسمت ابتسامة شاحبة على شفتي ألكس وهو يتحدث الى نفسه قائلا: ( لا اعلم الى متى سأظل احميك يا عهد.. متجاهلا اية امور أخرى)..
###########
شعر حازم بالجزع وهو يتطلع الى شاشة التلفاز وما تنقله من انفجارت حدثت خلال نصف الساعة الاخيرة.. ونهض من مكانه كالملسوع..وهو يردد بخوف: فارس.. فارس..
واسرع يبحث عن هاتفه في كل مكان من الغرفة .. واخيرا وجده بجانب سريره.. فالتقطه وهو يزدرد لعابه ويحاول الاتصال به..قائلا: لا اعلم لم اشعر انك قد تكون هناك يا فارس ..
واتصل به اخيرا منتظرا الرد بلهفة وقلق يسري في اعماقه.. وما ان سمع صوت فارس يقول: الو.. اهلا حا...
حتى قاطعه حازم قائلا بلهفة: هل انت بخير؟.. هل اصابك أي مكروه؟.. لقد شاهدت الانفجارات الاخيرة.. هل كنت هناك؟.. واين انت الآن؟.. وكيف هي الاوضاع عندك؟..
قال فارس بابتسامة: انتهيت؟..
ابتسم حازم بحرج عندما شعر انه قد انفعل اكثر من اللازم وقال: اجل.. والآن اجب..
قال فارس بهدوء: كل ما استطيع قوله لك.. هو انني بخير حتى الآن ولم اصب بأية مكروه.. والانفجارات قد توقفت منذ فترة..
قال حازم وهو يرمي بنفسه على السرير ويتنهد براحة: حمدلله..
قال فارس بمرح: لا تقل لي انك قد شعرت بالخوف علي..
قال حازم في سرعة ليغطي على حرجه: ولم لا؟.. الست اخي؟..
قال فارس وهو يضحك بهدوء: كارثة لو كنت شقيقك حقا..
رفع حازم احد حاجبيه وقال: ولم؟.. الا اعجبك سيد فارس؟..
ابتسم فارس وقال ساخرا: انا صديقك الآن واراك عشر ساعات يوميا واتحدث اليك في العشر الاخرى.. فماذا لو كنت اخي الحقيقي.. لن تتركني انام حتى حينها..
قال حازم بحنق: اتعرف شيء؟.. انا المخطئ الذي خشيت ان تصاب مكروه في هذه الانفجارات واتصلت بك..
قال فارس بمرح: وكيف عرفت انني من الممكن ان اكون بالقرب من هذه الانفجارات؟..
قال حازم بابتسامة باهتة: احساسي..
قال فارس وهو يبتسم بدوره: احساسك هذه المرة كان في محله.. واشكرك لاهتمامك وخوفك علي يا.. اخي حازم ..
قال حازم بسخرية: رغما عن انفك انا شقيقك..
ضحك فارس وهو ينهي الاتصال بينهما بعد ان طلب منه حازم ان يطمأنه عليه كلما سنحت له الفرصة.. وعهد التي كانت تجلس على احد المقاعد.. قالت متسائلة: مع من كنت تتحدث؟..
قال فارس بهدوء: صديقي حازم..
قالت عهد وهي تحاول ان تتذكر هذا الاسم: حازم.. اليس هو الصبي الذي كان يأتي الى منزلكم؟ .. ويلعب معك كرة القدم.. وتتجاهلا انتما الاثنان وجودي عندها..
قال فارس مبتسما: بلى هو.. هل تذكرينه؟..
قالت عهد وهي تهز كتفيها: ليس تماما.. لكن اذكر ان هناك صبي كان يلازمك كظلك اينما ذهبت ..
قال فارس وابتسامته تتسع: هذا هو حازم.. شقيقي الذي لم تلده امي..
قالت عهد محاولة ان تضفي جوا من المرح بدورها وتحاول ابعاد الخوف عن نفسها بعد ان توقفت تلك الانفجارات فجأة كما بدأت: وانا؟؟..
عقد فارس عاجبيه وقال متسائلا: وانت ماذا ؟؟..
قالت مبتسمة: اذا كان حازم شقيقك.. فماذا اكون انا بالنسبة اليك؟..
صمت لفترة .. قبل ان يقول بهدوء: ابنة عمي..
ارتفع حاجباها وقالت بسخرية: يا للكرم.. ياله من لقب هذا الذي منحتني اياه..
ابتسم فارس لها وقال وهو يدفع جبينها بسبابته: لا شأن لك.. واذهبي للنوم الآن.. لابد وانك متعبة..
عقدت ذراعيها امام صدرها وقالت بعناد: كلا..
قال بغير مبالاة: هذا شأنك..
قالت عهد وهي تتطلع اليه بطرف عينها: لم لا تذهب انت الى النوم؟..
قال فارس وهو يسند ظهره لمسند المقعد: ليس قبلك..
اكتفت عهد بالصمت.. وهي ترى ان عدد من افراد المقاومة بدأوا ينسحبون من غرفة المعيشة ويتجهون للغرف..وآخر يتحدث عبر الهاتف ويتأكد عن الاوضاع بالخارج.. والبقية يتطلعون عبر النوافذ وهم يبعدون الستائر بشكل طفيف ..حتى يمكنهم رؤية ما قد جرى بالخارج..
واهتز هاتف عهد النقال الذي يسكن جيب سترتها بغتة.. مما جعلها ترتبك بشكل واضح وتنهض من مكانها قائلة: سأذهب الآن..
قال فارس بشك وهو يتفحص ملامح وجهها: لقد قلت قبل قليل انك لن تذهبي للنوم..
اسرعت تقول وهي تبتعد: غيرت رأيي..
زفر فارس بحدة وهو يتبعها بنظراته .. وعهد التي ما ان وصلت للخارج حتى اسرعت تفتح الرسالة القصيرة التي وصلتها للتو ..(طمأنيني على احوالك)..
ابتسمت بحنان وهي تقرأ رسالته.. يربكني اهتمامك الذي توجهه لي يا ألكس.. الى متى ستظل تهتم بي كلما حدث شيء؟.. هل سيأتي اليوم الذي ستمل فيه من اهتمامك بعدوة لك؟.. ام سيأتي اليوم الذي تصحو فيه وتدرك ان لكل منا عالمه الخاص؟..
واسرعت بضغط الازرار وهي ترسل له رسالة قائلة فيها (على ما يرام.. شكرا لسؤالك)...
واتجهت الى حيث الاريكة وعدلت من وضع الوسادة كالعادة وتوسدت عليها وهي تستعد للنوم..متناسية في غمرة افكارها ان تغطي نفسها بغطاء يدفء جسدها من برودة الجو الذي يبدأ في التغير وتنخفض درجة حرارته ليلا...
############
يقال وغدا يوم آخر.. وها قد جاء الغد.. فهل سيكون يوم آخر يا ترى؟.. آخر بأحداثه.. آخر بأشخاصه.. آخر بمفاجآته.. لا احد يعلم ما الذي يحمل له الغد من اخبار مفرحة او حتى مؤلمة؟.. ومع هذا فجميعنا ننتظره بكل لهفة وترقب ..
وها قد اشرقت شمس يوم جديد على نلك الدولة التي انهكها الاحتلال.. وشوهها الدمار.. وخنقتها رائحة البارود التي ملأت هواءها الذي كان نقيا يوما ما.. لكن.. قد يكون الغد يوم آخر.. وقد تتحرر هذه الارض يوما ممن احتلوها بغير حق.. بجبروتهم واسلحتهم .. ليقتلوا هذا وذاك دون ذنب ارتبكوه.. ويسيلوا الدمع قبل الدماء.. وغدا لناظره قريب .. ومهما تجبرت ايها المحتل فهناك من هو اكبر منك.. هناك الجبار القادر على كل شيء..سيأتي اليوم الذي قد تطردون فيه ورؤوسكم منكوسة.. وستتمنون حينها ولو لم يأتي هذا الغد ابدا...
وفي ذلك المنزل الذي يحتل اطراف المدينة.. والذي يسكنه افراد المقاومة.. كان البعض قد صحى للتو من نومه..ومن بينهم هشام ورائد.. ومارك وسوزي..
سوزي التي كانت تحاول الوصول لحل يرضيها ويرضي مارك .. حل يرضي الطرفين كما يقولون.. كانت تدير الافكار في رأسها لمئات المرات ربما.. ويمكن ان يكون ما حدث بالامس نقطة في صالحها.. لكن هل سيفهم مارك شعورها ويقدره؟..
وبحثت عنه بعينيها في كل ارجاء الردهة.. وعندما لم تجده .. توجهت الى المطبخ ولمحته يتناول شطيرة الجبن.. وتراقص شبح ابتسامة على شفتيها وهي تتذكر انه لا يستطيع ان يستغني عن شطيرة الجبن في افطاره مهما حدث..
فقالت بعد برهة صمت وهي تحاول ان تجعل الحديث وديا بينهما: الا زلت تحب تناول شطائر الجبن؟..
قال مارك ببرود وهو يتطلع الى سوزي بطرف عينه والذي انتبه اليها منذ دخولها الى المطبخ .. لكنه تعمد ان يصطنع عدم رؤيتها : اجل.. لكن لا شيء يظل على حاله .. وربما يأتي اليوم الذي اكره فيه تناوله..
صمتت والالم يطفو على سطح عينيها وقد شعرت انه يعينها بكلامه..كانت تتمنى لو انه قد تقبل رغبتها خاصة بعد حديثه بالامس معها.. لكن يبدوا ان ما فعله كان نتيجة لظرف قد مروا به وحسب.. وعضت شفتها السفلى بمرارة قائلة: هل لنا ان نتحدث يا مارك؟..
قال مارك وهو يرمي بشطيرته في سلة المهملات عامدا: لقد وافق هشام على مغادرتك.. لكنه ينتظر الوقت المناسب كما اخبرتك.. فلم لا تنتظرين؟.. ام انك لا تستطيعين الصبر وتودين العودة بكل لهفة الى هناك؟..
قالت سوزي وهي تزدرد لعابها محاولة ابتلاع غصة المرارة التي غص بها حلقها: لا اريد ان اخسرك يا مارك.. لا اريد..
قال مارك وهو يمر من جانبها ببرود.. وكأنه لم يهتم لوجودها حتى.. بعد ان كان يتحين الفرص لرؤيتها والبقاء معها لاطول فترة ممكنة: ستخسرينني لو عدت الى هناك..
اسرعت تتمسك بذراعه وتقول بلهجة اقرب الى الرجاء: استمع الي ارجوك.. اريد ان اتحدث معك بهدوء.. اريدك ان تفهمني بدل ان تصدر علي حكمك القاسي هذا..
جذب ذراعه وقال بلامبالاة: انا استمع اليك.. هيا تحدثي..
قالت سوزي وهي ترتب كلماتها قدر الامكان: لو جاء اليوم الذي تكون فيه اسير في المبنى البريطاني.. فهل ستقبل هذا على نفسك؟.. ام ستفكر في الحرية وفي الخروج منه في اسرع وقت؟..
التفت لها باستغراب وكأنه يستمع مرة اخرى الى شقيقه ..والى نفس منطقه.. اما هي فقد قالت وقد شعرت ببعض الامل عندما التفت اليها: هل لك ان تجيبيني عن سؤالي بكل صراحة؟..
تنهد وقال: الحرية ..سأحاول البحث عن الحرية..
قالت بابتسامة باهتة وهي تتطلع اليه: وهذا ما اريده يا مارك بكل بساطة.. ان اشعر بحريتي.. انت لا تعرف كم بقاءي هنا يثير في نفسي مشاعر القلق والخوف من المستقبل الذي ينتظرني ..وجودي بين اناس يعتبروني عدوة لهم اولا.. وجلوسي مكتوفة اليدين هنا ثانيا.. وبعدي عن المكان الذي اعتبره موطني..هل تفهمني الآن يا مارك؟..
قال مارك بهدوء: الحرية ليست بالمكان يا سوزي.. قد نحيا في هذه الدنيا ونظن اننا احرار.. لكننا نسجن انفسنا وسط هموم وآلام.. وربما نتقوقع على انفسنا ونمنع أي شخص من التدخل في خصوصياتنا.. دون ان ندرك اننا بذلك نسجن انفسنا ونمنع عنها حريتها.. وان كنت تظنين انك بعودتك الى هناك ستستعيدين حريتك.. فمن وجهة نظري فأنت مخطأة.. لأن الحرية ليست بالمكان كما اخبرتك.. بل بمشاعر الحرية الحقيقة التي نشعر بها في اعماقنا..
قالت سوزي وهي تتطلع اليه بنظرات طويلة: اعرف اني سأشعر بالحرية عندما اكون وسط اهلي وجنود موطني..
تغضن جبين مارك بضيق عند لفظها لكلمة (جنود).. بات يكره هذه الكلمة بعد هذه الحرب التي اقتلعوا فيها الاخضر واليابس.. ودمروا كل مبنى ومنزل دون ان يأبهوا بمن يسكنه .. او الى أي مكان سيلجأ اولئك الذين كانوا سكانه..
واردفت قائلة وهي تتذكر ما جرى بالامس: ولا تنسى الانفجارات التي حدثت بالامس بالقرب من هذا المكان.. لقد كدت اموت رعبا وانا اسمع صوت الانفجارات التي صمت اذنيّ.. وكنت ارتجف جزعا من ان يكون مصيرنا هو التالي.. اعذرني يا مارك.. لكن لا استطيع البقاء هنا .. وانا اجد الجميع هنا يحملون ارواحهم على كفوفهم..
قال مارك وهو يتطلع اليها بعتاب ولوم: الانفجارات انتم من كان سببها.. وشعورك هذا ليس سوى قطرة في بحر ما جرى من بداية هذه الحرب..
قالت وهي تحاول ان تستعطفه: لكني لم اعتد هذا.. اما انتم فمكانكم هو هنا.. وتستطيعون التأقلم مع كل ما جرى ..لأنكم من اخترتوه ببساطة..
قال مارك بصوت حاول ان يجعله هادئ قدر الامكان: ستعودين يا سوزي الى حيث تريدين.. ولننهي هذا النقاش..
قالت في سرعة: وانت؟..
قال وهو يلتقط نفسا عميقا: ربما الايام تكون لها دور في تضميدجرحا آخر من جروحك.. او ربما يكون النسيان هو الحل..ولربما يجمعنا القدر من جديد.. بمكان آخر وفي وقت آخر.. وحينها قد لا تفرق المشاكل بيننا ولا تزيد من خلافاتنا.. و من ثم سنجتمع حقا ويكتب لحبنا هذا نهاية اخيرا...
###########
شعرت بدفء غريب يسري في جسدها بعد ان كانت تشعر ببعض البرد عندما نامت.. وفتحت عينيها بتعب تبحث عن مصدر هذا الدفء.. ورأت امامها غطاء يغطي جسدها ويحميها من الجو البارد..
اخرجت هاتفها المحمول لتعرف الوقت الآن.. ووجدتها انها الثامنة والربع صباحا..تثاءبت بتعب وهي تغمض عينيها من جديد ..تود ان تنام وتحصل على اكبر قدر من الراحة و...
لحظة.. اليوم.. اليوم سينفذون خطتهم في المبنى البريطاني .. ألكس.. انه في خطر.. في خطر ويحتاج اليك يا عهد .. لكني حذرته.. ارسلت له رسالة ليخرج من المبنى قبل حدوث أي شيء له.. ماذا لو تأخر؟.. ماذا لو لم يلبي رغبتك ويغادر؟.. ماذا سيكون مصيره ؟.. سيصاب او سيــ.. سيقتل...
واسرتها تلك الافكار السوداء لتحرمها من النوم.. وتجعلها تنهض جالسة وهي تشعر بقلق وخوف غير طبيعي وكأنها ستفقد ألكس الى الابد.. ذلك الانسان الذي كان له اكبر الاثر في حياتها.. كان لوجوده بجانبها بصمة خاصة.. لا يمكنها ان تنساها.. اثر على قلبها قبل ان يؤثر على افكارها.. حماها اكثر من مرة وتجاهل وظيفته كقائد من اجلها..
رتبت خصلات شعرها بتعب.. وابعدت يديها بغتة وهي ترى انهما لا تقومان بالغرض المطلوب منهما.. وفهمت لماذا بعد ان وقعت عيناها عليهما.. يداها ترتجفان تماما كما هو قلبها.. خوفها عليه سيطر عليها ..وقلبها بات ينبض نبضات سريعة حتى انها تكاد لا تسمع غيرها من حولها..ومعدتها اصبحت تتقلص بشكل غريب.. ربما لخوفها او قلقها او...
(كان قلقا عليك)
رفعت رأسها الى عادل الذي نطق عبارته السابقة.. وقالت متسائلة: من تعني؟..
قال مبتسما وهو يشير بيده نحو الغرفة: ابن عمك ذاك.. لم ينم حتى تأكد اننا قد احضرنا لك غطاءا.. وغطاك بنفسه.. وليس هذا فقط.. لم يتحرك من مكانه حتى تأكد انك قد بدأت تشعر بالدفء..
ابتسمت عهدفي سرها.. تعلم ان لفارس قلبا ابيضا كالثلج ..صحيح انه عصبي المزاج ويريد ان يفرض اوامره في احيان اخرى.. لكنها رغم هذا لا تستطيع ان تنكر حنانه الذي يظهره في اوقات نادرة جدا..
وسمعت عادل يقول في تلك اللحظة بمرح: حتى اننا لم نتركه وشأنه .. وظللنا نعلق على تصرفاته..ونقول له انه لو كان لديه ابن او شقيق لما عامله بكل هذا لاهتمام..
قالت عهد بابتسامة: انه اخي حقا..
هذه هي الحقيقة.. رغم كل شيء..فهي تعتبر فارس كأخ لها تماما لا اكثر ولا اقل.. ربما لأنها اعتادت وجوده الدائم في حياتها .. حتى انها كانت تخبره بكل مشاكلها تقريبا.. فبعض المشاكل نشعر بالخوف من البوح بها لأحد افراد اسرتنا.. فنبحث عن شخص نثق به وبعيد عن هذه المشكلة.. نضمن اولا ان لا نحصل على التوبيخ منه.. وثانيا ان يمنحنا النصح بطريقة هادئة ومقنعة..
ونهضت من مكانها وهي تتجه الى دورة المياه وتغسل وجهها محاولة ابعاد اثر النوم عنه.. وهي تفكر في ما سيحدث اليوم وتحاول ابعاد أي فكرة سوداء عن ذهنها.. لقد فعلت ما عليها وحذرته.. فما الذي عساها ان تفعله اكثر من هذا؟.. لا يمكنها ان تخبره ولو بخطوة من خطوات المهمة وتعريضها للفشل.. او تعريض أي شخص للخطر.. لكن في الوقت ذاته...
قطع افكارها صوت خطوات تقترب منها .. فارتفعت نظراتها حتى استقرت عليه ورأته يبتسم لها قائلا: صباح الخير..
قالت بابتسامة باهتة وهي تخرج من دورة المياه بعد ان جففت المياه التي انعشت روحها قليلا: صباح الخير..
قال وهو يتطلع اليها : يبدوا وان هناك امرا ما يشغل ذهنك .. اصحيح؟..
اضطربت بالرغم منها عند سماع عبارته.. وقالت وهي تلوح بكفها نفيا: لا.. ابدا..
قال فارس وهو يقترب منها ويتطلع اليها بنظرات متفحصة: لم تشعري بنفسك وانت شاردة الذهن وتطلعين الى صنبور المياه وكأنه ليس موجود امامك..
قالت عهد باستهزاء: حتى تحركاتي ستراقبها في هذا المكان..
قال وهو يبتسم بسخرية : وحتى افكارك..
ابتعدت عنه وهي تتأفف بصوت مسموع.. قبل ان ترمي بجسدها على مقعد في الردهة وتضم كفيها الى جوارها ..وألكس يشغل تفكيرها ويشله عن التفكير بأي شيء آخر.. اليوم سيقوم افراد المقاومة بتنفيذ الخطة التي اتفقوا عليها..وهي تائهة بينهم.. لا تعرف ما هو موقعها بعد كل ما حدث.. فقط لو يعود الزمن الى الوراء.. لربما...
قطع تفكيرها ذلك الصوت الذي اعتادته والذي عرفت انه لن يتركها وشأنها.. وصاحبه يقول: لم تبدين متوترة هكذا؟..
لم تستطع ان ترفع نظراتها اليه.. تعلم انه سيكشفها ويعرف بقلقها وخوفها ان لمح نظرات عينيها.. وقالت وهي تنظر الى كفيها : لست متوترة ابدا..
قال وهو يجلس على مقربة منها: حقا.. ولم نبرة صوتك مضطربة هكذا اذا؟.. ولم...
قطع عبارته بغتة ليقول وهو يمسك كفها على حين غفلة منها: ولم كفك ترتجف بهذه الطريقة؟..
رفعت رأسها بدهشة..وخوفها لا يزال يسيطر عليها.. وجذبت كفها من بين اصابعه لتقول بصوت تكاد تخنقه غصة حلقها: انت تتوهم..
مال نحوها قليلا .. وقال بهدوء متسائلا: عهد .. ماذا بك؟..
اشاحت بوجهها قائلة وهي تلتقط نفسا عميقا تملأ به صدرها.. لعل القليل من ذلك الخوف يتلاشى فحسب: فارس ارجوك.. اخبرتك بأني على ما يرام..
تطلع الى وجهها متفحصا.. ورأى التوتر جليا في عينيها على الرغم من اشاحتها لوجهها..واستطاع أن يلمح من بين خصلات شعرها القصيرة المتمردة.. بعض قطرات العرق الذي تصفدبه جبينها.. فقال وهو يضع كفه على جبينها متسائلا باهتمام وقلق: هل انت مريضة؟..
لم تحتمل عهد اسئلته واصراره على معرفة ما بها .. وهي في حالتها هذه.. واسرعت تبعد كفه عن جبينها وقالت بعصبية خلفها توترها وخوفها: اخبرتك اني بخير.. لست طفلة لتعاملني بهذه الطريقة؟..
نهضت من مكانها بغضب.. واندفعت لتجد مكانا غير هذا.. عله يتوقف عن مضايقتها ولو للحظات.. اما فارس فقد استغرب الحالة التي بدت عليها.. وقال متسائلا وهو يراها تبتعد عنه: الى اين تذهبين؟..
هتفت قائلة بحدة: الى الجحيم..
قال بابتسامة باهتة: حسنا اذا سلمي لي على اصدقائك هناك..
قالت بسخط وهي تلتفت له: تافه..
واكملت طريقها .. ولا يزال خوفها يسيطر عليها لما هو قادم..وصوت بداخلها يدعو ويتردد: (كن بأمان يا ألكس.. كن بأمان)..
:
:
يتبع..
 
بـــ الحب (22) والواقع ـــين
::انفجار::

ابتسم جون وهو يسند رأسه الى مسند المقعد .. قبل ان يقول وهو يختلس النظرات الى ألكس: لو لم نكن في ظروف الحرب هذه.. لقلت انك على موعد ..
ارتفع حاجبا ألكس وقال وهو يلتفت له: ولم تظن اني على موعد مثلا..
اشار جون بأصبعه السبابة نحو ساعة الحائط قبل ان يقول بمرح: نظراتك التي لا تفتأ تتطلع الى ساعة الحائط بين الحين والآخر..
قال ألكس بثقة مصطنعة غلف بها كذبه: انني انتظر وقت انتهاء العمل ليس الا..
قال جون وهو يهز رأسه ايجابيا ويتظاهر بالتصديق: اجل صدقتك.. فأنا لا اعرفك الا بالامس..
تطلع اليه ألكس بنظرات باردة قبل ان يلتفت عنه ويواصل عمله خلف مكتبه.. فقال جون بابتسامة واسعة: لقد بت اخشى من نظراتك هذه.. احيانا اشعر انك ستخرج مسدسك وتطلق على رأسي مباشرة ان لم اصمت..
قال ألكس بسخرية: ربما يكون شعورك هذا في محله..
ونهض من مكانه قائلا وهو يعيد بعض الاوراق الى مكانها: سأذهب الى الغرفة الآن.. احتاج الى بعض الراحة..
قال جون وهو ينهض من مكانه بدوره: سارافقك حتى غرفتك اذا..
هز ألكس كتفيه بعدم اهتمام.. والتقط مسدسه من فوق طاولة المكتب ليضعه في حزامه.. وعاد ليلتقط قبعته العسكرية ويضعها على رأسه..
وغادرا المكتب ليسيرا في الممر.. حتى وصلا الى نهايته حيث ذلك المصعد الذي سيقلهم الى الطابق الاعلى..واستقلاه لينتقل بهم الى الطابق الرابع.. ليخرج كلاهما منه.. ويبتعد كلا منهما نحو غرفته بهدوء..
ألكس الذي خلع حذاءه وقبعته العسكرية وهو يلقي بجسده على فراشه.. شعر ان هناك شيء ما بالاعماق يهتف به ان ينهض.. ان لا يظل جالسا هكذا يترقب مرور الوقت فقط.. ويتطلع الى عقرب الدقائق الذي كان جامدا لا يكاد يتحرك.. لماذا يمر الوقت بطيئا عندما نرغب نحن في ان يمر سريعا؟؟..
واستلقى على فراشه وهو يغمض عينيه.. عهد.. اشتقت اليك.. اقولها بكل صراحة ووضوح.. اشتقت لعنادك ولعصبيتك.. اشتقت لقوتك وضعفك.. اشتقت لابتسامتك التي لم ارها الا مرة واحدة فقط .. ومع هذا شعرت انني قد رأيت ابتسامة طفلة لم تتجاوز العاشرة من العمر..
أي قلب تحملينه بين ضلوعك يا عهد.. جعلك تقاتلين جيشا بأكمله وانت فتاة تتظاهر بعكس ذلك.. لقد استطعت ان تهزميني بقوتك ونظراتك الواثقة وعدم استسلامك لليأس بسهولة.. صدقيني لقد هزمتيني.. وهزمت مشاعري ..احيانا اتمنى لو لم ارك.. واحيانا اخرى اتمنى لو تظلي بجواري الى الابد.. أي واقع مؤلم هذا الذي جعلنا من عالمين مختلفين؟.. أي واقع هذا؟؟..
وتنهد بألم وهو يفتح عينيه.. على الاقل سيراها اليوم وسيطفئ لهيب شوقه لها.. لكن متى سيمر الوقت؟ .. متى؟؟!..
:
:
(انه اقرب لما يكون مبنى لشركة يا هشام)
اومأ هشام برأسه وقال موافقا وهو يلتفت لصاحب العبارة السابقة: هذا صحيح.. لقد اتخذوا مبنى لشركة مقرا لهم حتى لا تثار الشكوك من حولهم.. لكن انظر هناك يا رائد..
نظر رائد عبر زجاج السيارة الذي اوقفها هشام على بعد مناسب لا يثير الشكوك حوله ..وهذا الاخير يردف: الحراسة غير طبيعية عليه.. هناك اكثر من عشرة حراس عند المدخل فقط.. وهذا ما يثبت لنا اهمية هذا المكان.. غير اننا قد راقبنا هذا المبنى جيدا خلال الايام السابقة واستطعنا ان نلمح السيارات العسكرية الخاصة بالجنود البريطانيون وهي تخرج منه..
قال رائد في رجاء: الا زلت مصرا على تنفيذ المهمة وحدك؟ ..
قال هشام بابتسامة وكأن ليس هناك أي خطر ينتظره: لقد تناقشنا في هذا الموضوع سابقا.. واخبرتك اني قادر على تنفيذ هذه المهمة.. فقط راقب انت الوضع جيدا.. واعطني اشارة تحذير عن اللزوم..
اومأ رائد برأسه وقال وقلقه يتضاعف: فقط اهتم بنفسك جيدا.. نريدك ان تعود لنا سالما..
قال هشام وهو يلتفت عنه: اطمئن..
غادر رائد السيارة بعد ان القى نظرة اخيرة على هشام..قبل ان ينظر الى ساعته باهتمام شديد.. خمس دقائق فقط تفصلان عن وقت تغيير الحراسة.. وبعدها سينشغل الجميع بهذا التبديل وسيغادر الحراس مواقعهم حتى يأخذ آخرون مكانهم.. وهذا قد يأخذ وقتا يقارب العشر دقائق لكنه يفي بالقرض كما شرح لهم هشام مرارا.. فليحفظك المولى يا هشام.. ولتعد الينا سالما.. فوطننا بحاجة اليك...
:
:
نهض من مكانه بلهفة وعيناه تتطلعان الى الساعة .. انها الحادية عشرة والنصف.. وهو لن يستطيع الانتظار اكثر من ذلك.. سينتظرها هناك على ذلك الشاطئ.. فربما حينها يطفئ شيئا من شوقه لها.. لانه يعلم انها ستأتي اخيرا وسيراها..
وتطلع الى ورقة التصريح بالخروج من المبنى.. صحيح ان خروجه من المبنى لن يتعدى الساعة .. لكنه سيحاول استغلال كل ثانية تمضي..فعهد ستكون معه..
وارتسمت ابتسامة على شفتيه وهو يضع قبعته العسكرية على رأسه ويغادر الغرفة بخطوات سريعة وبقلب مشتاق لتلك التي تنتظره هناك.. بجانب شاطئ البحر...
#############
(كلااا!!)
هبت عهد من نومها مذعورة وهي تهتف بعبارتها تلك.. وتشعر بجسدها يرتجف خوفا بالرغم منها..ولسانها لا يكف عن الترديد: كلا.. كلا.. هذا مستحيل..
وذلك الواقف كعادته عند احد اطراف الردهة .. اسرع يقترب منها ويقول بقلق: عهد مابك؟.. عهد..
صاحت به قائلة والدموع تترقرق في عينيها: لقد مات.. لقد قتلوه.. قتلوه..
اتسعت عيناه بدهشة وتساءل قائلا وهو يمسك بكتفيها : عمن تتحدثين؟.. من هذا الذي قتلوه؟..
هتفت به وهي تشعر ان دموعها تنذر بالسيل: لقد مات ..مات قبل ان اراه..
لوهلة اراد فارس ان يواصل اسئلته واستفسارته عن هذا الذي تعنيه.. لكنه لاحظ ان جسدها يرتجف بكامله بين اصابعه وانها تحاول ان تهدئ من نفسها دونما فائدة .. فابتسم بشحوب وهو يقول: عهد.. انه حلم ليس الا.. نامي الآن..
هزت رأسها نفيا وهي تقول باصرار وبصوت متهدج: اريد ان اراه..
ربما لم تكن في وعيها لحظتها او ربما خوفها وجزعها من ذلك الكابوس الذي رأت فيه ألكس يقتل امام ناظريها.. جعلها تتفوه بعباراتها تلك.. متجاهلة فارس الذي يقف امامها ويحاول ان يفهم ما ترمي اليه..
ولم يجد هذا الاخير من حل سوى ان يجذب له مقعدا ويجلس الى جوارها ويقول بهدوء وهو يحاول ان يطمئنها: لقد كان كابوسا ..لم يمت احد.. ولم يقتل احد..
شعرت بغصة في حلقها تمنعها من الحديث بشكل جيد عندما قالت: انت لم ترى ما رأيته.. لقد مات.. مات في ذلك الحريق ..
امتدت كفه لتضغط على كفها بحنان ويقول بابتسامة: كل هذا كان حلما.. لم يحدث أي حريق..ونحن جميعنا هنا بخير ..
قالت والدموع تعود لترقرق في عينيها: لكنه هو .. قد مات..
قال فارس وهو يتنهد: من هو هذا الذي تقصدينه؟..
لم تجبه.. ربما لانها استوعبت لتوها الى من تتحدث.. والتقطت نفسا عميقا تحاول ان تبعد به الخوف الذي يسكنها..وضربات قلبها تبدوا كالدوي في اذنيها..والافكار السوداء لا تزال تسيطر على تفكيرها.. هل هو كابوس ليس الا؟.. هل هو بخير يا ترى؟.. هل مات في الانفجار ام انه ما يزال على قيد الحياة؟..
(خذي..)
رفعت رأسها الى ذلك الصوت.. ووقعت عيناها على كوب الماء الذي يمده اليها فارس.. متى نهض من مكانه واحضر لها الماء؟!.. لم تنتبه ابدا..
التقطته من كفه وهمست بصوت بالكاد يسمع: شكرا..
اما هو فقد قال وهو يعود للجلوس على مقعده قريبا منها: اشربيه فربما يزول هذا التوتر.. منذ الصباح وانا اشعر بأنك لست طبيعية ابدا.. اانت بخير حقا؟..
اومأت برأسها بهدوء وشفتيها تستقران على حافة الكأس.. فتجرع الماء ببطء وافكارها تأخذها الى البعيد.. الى حيث ألكس ومصيره الذي ينتظره...
############
جالسا بسكون على رمال ذلك الشاطئ.. وعيناه تتطلعان الى امواج البحر الساكنة كسكونه.. لحظات وشعر بالهواء يلفح وجهه ويحرك بعضا من خصلات شعره الاشقر من تحت القبعة ..ولتتحرك مع تلك النسائم امواج البحر الهادئة..
ازاح القبعة عن راسه وهو يلتقط نفسا عميقا يملأ به صدره.. كم هو منعش نسيم البحر.. وكم هو رائع هو منظر تلك الامواج التي بدأت تشتد وتضرب الصخور بقوة.. فتفتتها وتحول جزءا منها الى حبات رمل تغوص في ماء البحر بكل خضوع..
متى ستأتي؟.. انه منتصف الليل تماما.. وهو ينتظرها قرابة الربع ساعة..صحيح انه قد جاء مبكرا..لكنها هي قد اختارت هذا الوقت للقاءه.. وظن انها ستاتي لانتظاره هنا قبله.. لكن ظنه قد خاب عندما رأى الشاطئ خاليا من أي بشر..
وتنهد وهو يرفع انظاره الى السماءالحالكة السواد.. والى ذلك الهلال الذي بدد شيئا من ذلك السواد بضوئه الفضي.. الى متى سأظل انتظر يا عهد؟؟.. ألن تأتي؟.. الا تشعرين بالشوق كما اشعر انا به الآن؟.. افتقدك يا عهد.. واشعر ان شيئا غاليا انتزع من روحي منذ رحيلك.. اريد ان استعيده.. فقط لو اراك يا عهد..لو اسمع صوتك...
واخرج هاتفه المحمول وهو يفكر ان يتصل بها.. ربما واجهت مشكلة ما ولن يمكنها القدوم.. وربما ستتأخر لظروف ما.. وربما .. وربما.. الى متى سأظل اعطيك الاعذار؟.. الست انت من حدد هذا الوقت بالذات يا عهد؟.. فلم لم تأت حتى الآن؟؟..
ونهض من مكانه وهو يشعر بشيء من الامل برؤيتها يتسرب من اعماقه.. ونفض كفيه عن حبات الرمل وهو يغمض عينيه ويغرق في تفكير عميق.. ربما لن تأتي.. فربع ساعة اخرى قد مرت وهو لم يرها حتى الآن.. هل عليه ان يتصل بها ويطمئن عليها ام...؟..
توقفت كل افكاره بغتة.. كل عبارة او كلمة او حرف تلاشى من على لسانه.. مع ذلك الصوت القوي والمدوي الذي اقتحم سكون الليل ليبدده.. ويجعله يلتفت مصعوقا لما هناك.. لحريق بدد حلكة الليل.. واضاءه بلون احمر دامي مقيت.. ما الذي حدث؟..تلك منطقة المبنى.. فكيف يمكن لأي احد الوصول اليها وتفجيرها؟؟.. كيف؟؟..
وعاد ذهنه بغتة الى الوراء.. لترن عبارة جون في رأسه.. ((لا بأس.. سأحاول اقناع نفسي بما قلته.. لكن لو تمكن أي احد من الوصول الى هذا المبنى.. ستكون هذه الفتاة هي السبب .. وستكون انت المسئول امام القضاء ..لقد تم ايقافك عن العمل لمدة اسبوع هذه المرة.. ولا احد يعلم ما الذي سيكون موقفك في المرة القادمة؟..))
اتكونين انت السبب حقا يا عهد؟؟.. اتكونين انت؟؟! ..
:
:
قال رائد بسعادة: عمل رائع ايها القائد..
قال هشام بابتسامة وهو ينطلق مع رائد في سيارته: لم افعل ما هو رائع .. كل هذا حصيلة جهودكم جميعا..
قال رائد بابتسامة: كف عن التواضع.. يكفي انك قد خاطرت بحياتك من اجل نجاح هذه المهمة..
قال هشام وهو يسند رأسه لمسند المقعد: كل شخص في فرقة المقاومة يخاطر بحياته.. كما انني لا انسى فضلك في مراقبة المكان ..وتفجير السيارة في اللحظة المناسبة تماما..
قال رائد بمرح: لقد كنت انفذ اوامرك يا ايها القائد فحسب..
قال هشام وبريق غريب يلمع في عينيه: لقد كانت هذه اولى مهماتنا يا رائد في ضرب مركز قوتهم.. والقادم سيكون اقوى بكثير..
قال رائد وهو يشعر بالراحة: يبدوا واننا قد اقتربنا من النصر يا هشام..
هز هشام رأسه نفيا وقال: ابدا يا رائد.. الطريق ما زال طويلا.. لكن يمكنك القول اننا قد خطينا اولى خطواتنا للنصر.. ولندعو الله تعالى ليوفقنا في مهماتنا القادمة .. لنسترد حقنا الذي انتزعه منا هؤلاء المستعمرون..
قالها وكور قبضته في عزم واصرار على تحقيق النصر.. حتى وان كلفه هذا حياته التي سيدفعها ثمنا لحرية الوطن..
############
تطلع فارس بحنان طغى على كل لمحة من ملامحه وهو يتطلع الى عهد التي نامت بهدوء بعد ذعرها من ذلك الحلم الغريب الذي جعلها تهتف بكلماتها تلك.. والتي لم يفهم من كان المقصود بها حتى الآن...
ربما كانت قد رأت والدها في حلمها ذاك بعد ان مات في تلك الانفجارات.. لكن لم لم تذكر والدتها كذلك؟..
شعر بالملل وهو يرجع رأسه للوراء ويسنده لمسند المقعد.. ولاح شبح ابتسامة على شفتيه وهو يغمض عينيه ويعود بالزمن الى سنين ولت ..ولن تعود...
:
:
اسرعت تلك الطفلة ذات السنوات الخمس تجري بكل سرعة لديها وهي تتوجه نحو ذلك الصبي قائلة : فارس .. فارس..
التفت لها وهو لا زال يحرك الكرة بين قدميه: ما الامر يا ايتها المزعجة؟..
تقوس فمها للاسفل وقالت بحزن: لست مزعجة ابدا.. انت من يزعجني دائما.. ولا تتركني العب..
زفر بضجر قبل ان يقول وهو يرفع رأسه لها: ماذا تريدين الآن؟..
اسرعت تقول وقد نست حزنها سريعا: اريد الذهاب الى متجر الحلويات..
فكر قليلا ومن ثم قال بمكر: مقابل ماذا؟..
ظهرت دهشة طفولية على وجهها قبل ان تقول متسائلة بحيرة: ماذا تريد؟..
ابتسم بخبث وهو يتطلع اليها.. قبل ان يقول وهو يشير الى وجنته: قبّليني اولا..
عقدت حاجبيها بضيق واشاحت بوجهها قائلة : لا اريد..
قال وهو يحمل كرته بيده ويبتعد عنها: اذا لن آخذك الى المتجر ..
اسرعت تقول: انتظر..
التفت لها وقال مبتسما: ماذا؟..
قالت وهي تبتسم بدورها: اذا اخذتني الى هناك.. سأفعل ما تريده..
قال وهو يلوح بكفه: لست اثق بوعود طفلة بلهاء مثلك.. والآن اتركيني اذهب.. فحازم ينتظرني بالخارج لالعب معه كرة القدم..
شعرت بالغضب وهو ينعتها بالبلهاء.. ولمعت عيناها في شقاوة وهي تقترب منه وتقول: انتظر يا فارس.. سأفعل ما تريد..
توقف في مكانه والتفت لها وعلى شفتيه ابتسامة ماكرة ومنتصرة..في حين قالت هي وهي تشير الى رأسه: انت طويل جدا.. اهبط قليلا حتى اصل الى رأسك..
ضحك وقال بمرح: فليكن..
مال نحوها برأسه.. اما هي فقد لمعت نظرة الشقاوة في عينيها من جديد.. قبل ان تركل ساقه بكل قوتها وهي تهتف قائلة بغضب طفولي: هذه حتى تعلم اني لست بلهاء..
فارس الذي اندهش من تصرفها هذا.. تطلع اليها باستغراب قبل ان يشعر بالغضب من ضربها له ويقول بحدة: سأريك يا عهد.. اقسم على ان تندمي..
اخرجت له لسانها قائلة: لن تستطيع فعل شيء ابدا.. يا احمق..
قالتها واسرعت بالابتعاد وهي تخشى ان يضربها كما كان يحدث في كل مرة .. عندما تضايقه او تشتمه.. فبالتأكيد سيكون نصيبها هذه المرة اكبر بعد ان ضربته وهربت بكل بساطة هكذا..
:
:
افاق فارس من ذكرياته وهو يشعر ان ابتسامته قد اتسعت بعد تذكره لهذا الموقف.. لا يزال يذكر كيف لحق بها وكاد ان يضربها حقا لولا ان رأى الذعر في عينيها وهي تلتصق بجدار الردهة.. وتتوسل اليه ان لا يضربها فضربه مؤلم كما كانت تصفه دائما..ودون ان يشعر رأى قبضته التي قد رفعها لضربها.. ترتخي الى جواره وهو يتطلع اليها بصمت قبل ان يصرخ عليها مهددا بأن لا تفعل هذا ثانية والا ضربها بقوة..
وتذكر دموع الخوف التي ترقرقت في عينيها وهي تومئ برأسها نفيا وتردد بــ ( لن اضربك مرة ثانية.. لن اضربك مرة ثانية)..وتذكر شعوره بالحنان الذي شعر به نحوها وقتها وهو يرى دموعها وخوفها الذي كان بسببه..قبل ان يبتعد عن المكان ويخرج من المنزل متوجها الى حازم الذي ينتظره بالخارج ..
وتنهد فارس وهو يتطلع الى قبضة كفه ويهمس لنفسه: ايام يا عهد..ايام سرقناها من الزمن.. وحفرنا فيها اجمل ذكريات ومواقف جمعتنا..اتذكرينها كما اتذكرها انا؟..
ونهض من مقعده ليتوجه نحو نافذة الردهة وهو يلمح اول خيوط الفجر قد بدأ بالظهور.. وهو يبدد ذلك الظلام الدامس الذي كسى السماء لفترة.. واشعة الشمس الذهبية بدأت تنشر نورها على تلك الاراضي البعيدة..يبدوا ان مهمته قد انتهت.. وحان الوقت ليحصل على قدر من الراحة الآن..
وتوجه ببطء الى حيث عهد.. ليلقي عليها نظرة طويلة .. وعادت كلمات تلك الطفلة لتتردد في ذهنه..( هذه حتى تعلم اني لست بلهاء).. لست بلهاء فقط يا عهد.. بل متهورة ومجنونة كذلك.. ومع هذا.. فأنت جزء لا يتجزأ من حياتي .. جزء مهم جدا ولا يمكنني الاستغناء عنه ابدا..
##########
انطلقت تلك السيارة العسكرية بسرعة كبيرة تجاوزت الــ 180 .. وهي تعبر الشوارع وتتجاوز السيارات غير آبهة بأي شيء مما حولها.. وقائدها الذي كان يحاول مضاعفة سرعته وهو يضغط على دواسة الوقود بقدمه بكل طاقة لديه ويردد بغضب: ابتعدوا عن طريقي.. ابتعدوا..
كانت سرعته جنونية لدرجة انه لم يأبه بالمنعطفات او يخفض من سرعة السيارة وهو ينعطف بالسيارة.. حتى كادت السيارة ان تنقلب به لو انه لم يسيطر على السيارة في الوقت المناسب...
وما ان وصل الى المبنى البريطاني وتأكدت له مخاوفه وهو يرى سيارات الاطفاء والاسعاف والشرطة تملأ المكان.. حتى ضغط الفرامل بكل قوة لديه حتى ان اطارات السيارة قد اطلقت صرخات حادة..وخرج منها على عجل وهو يندفع الى احد الجنود قائلا : ما سبب هذا الانفجار؟..
التفت له الجندي وقال بدهشة: القائد ألكس.. اين كنت؟ .. الجميع يبحث عنك..
قال ألكس في سرعة مجيبا وهو يتطلع الى المبنى الذي تحطم سوره الايمن بفعل الانفجار واحترقت جدرانه .. هذا غير بعض السيارات العسكرية التي انفجر الوقود بداخلها مما سبب انفجارها وبالتالي سبب اضرارا للمبنى: لقد خرجت قبل الانفجار بنصف ساعة.. والآن اخبرني ماذا كان سبب هذا الانفجار وماهي الاضرار الذي ترتبت عليه؟؟..
قال الجندي وهو يشير الى سيارة مدنية كانت بالقرب من السور الايسر وقد احترقت حتى آخرها: يقول رجال الشرطة ان السبب هو تلك السيارة فقد كانت تحتوي على عدد ضخم من المتفجرات.. قد ادت الى تدمير سور المبنى وبالتالي ما بالداخل من سيارات..
قال ألكس متسائلا باهتمام: هل عثروا على جثة احد بالسيارة؟؟..
هز الجندي رأسه نفيا وقال: كلا.. لقد كانت السيارة خالية من أي شخص..
قال ألكس وهو ينقل بصره بين الجنود والقادة الذين يتطلعون الى المبنى.. منهم من هو جريح ومنهم من هو خائف مما حدث.. ومنهم من هو يتحدث الى الشرطة: وما هي الخسائر التي حدثت في الارواح؟..
قال الجندي وهو يتنهدبأسف وحزن: الطابق الاول فقط قد تضرر.. وبالتالي فقد قتل وجرح عدد من الحراس والجنود.. على ما اظن اربعة منهم قد قتلوا وعشرة آخرين جرحى او في حالات خطرة..
قال ألكس في سرعة متسائلا باهتمام بالغ: وماذا عن القائد جون؟؟..
قال الجندي مجيبا بهدوء: على ما يرام..
على الرغم من ألكس قد شعر بالراحة لأن جون لم يصب بمكروه .. الا انه عقد حاجبيه بحدة وغضب بعد ان استمع لكل ما قيل.. وصك على اسنانه وهو يشعر بالقهر مما حدث ..ومن تسبب فرقة المقاومة بقتل عدد من الجنود والحراس واصابة آخرين.. وهتف قائلا بانفعال: الموت لهم.. الموت لتلك المجموعة الحقيرة التي تجرأت وسببت هذا الانفجار.. الموت لهم ..
واردف بصرامة قائلا : لكني سأعرف الحقيقة مهما كان الثمن...
واستطرد وهو يكمل عبارته محدثا نفسه: (منك انت يا عهد) ..
############
شعرت عهد بأنامل تهزها بخفوت لتوقظها من نومها..وسمعت صوت همس يتردد ويحثها على النهوض من نومها: عهد .. عهد.. استيقظي..
احست بثقل جفنيها.. قبل ان تفتحهما بتعب..وطالعها وجه فارس حينها وهو يقول مبتسما: صباح الخير..
لم تبادله الابتسامة واكتفت بأن قالت وهي تعتدل بجلستها: الم اطلب منك الا تمكث بجوار الاريكة؟..
قال بسخرية وهو يعقد ساعديه امام صدره: وهل جننت حتى ابقى بانتظارك لست ساعات كاملة؟..
اتسعت عيناها بدهشة وهي تهتف قائلة: لم؟.. كم الساعة الآن؟..
تطلع الى ساعة يده وقال بابتسامة: الثانية عشرة والنصف..
قالت وهي تزفر بحدة وتحاول ترتيب خصلات شعرها المبغثرة: ما كان عليك تركي لانام كل هذا الوقت؟.. لم لم توقظني؟..
قال وابتسامته تتسع: شاهدتك متعبة.. وخشيت اذا اوقظتك ان اتلقى ركلة في معدتي..
قالت متسائلة وهي تنهض من مكانها: ولم لم تذهب الى عملك اليوم؟..
قال وهو يراها تتجه نحو دورة المياه: بامكانك القول انها اجازة مؤقتة..
كانت قد تناست ما حدث بالامس ومخاوفها التي تعلقت بألكس ومصيره بعد حديثها مع فارس.. فقد دخلت بهدوء دورة المياه واغلقت على نفسها الباب.. وبعد ان اغتسلت .. تذكرت بغتة احداث الامس.. ومر شريط ذعرها امام عينيها من ما ينتظر ألكس في ذلك الانفجار.. واسرعت باخراج هاتفها من جيب بنطالها وتطلعت الى شاشته.. لا رسائل ولا مكالمات من ألكس.. وهذا ما يفزعها.. لقد انتهت المهمة.. فهل نجا يا ترى كما خططت ام تراه اصيب؟..
خرجت من دورة المياه وهي تشعر بالقلق تجاهه وقلبها يزيد من خوفها وهو يخفق خفقات قوية وسريعة تشعر انها مسموعة للجميع.. تفكر ان ترسل له رسالة قصيرة لتطمئن عليه.. لكن تخشى ان يشك في امرها لو فعلت.. فهي الوحيدة ربما التي تعلم بموقع المبنى البريطاني..ستننتظر لبعض الوقت وبعدها ستفكر بما عليها فعلـــ...
(اتأتين معي؟؟)
التفت الى صاحب العبارة وتساءلت بغرابة: الى اين؟..
قال بخبث: الى مطعم تمتلأ اجواءه بالرومنسية..
ابتسمت باستخفاف قائلة: مطعم ورومنسية وفارس..اشعر ان هناك خطأ في الموضوع..
قال بابتسامة ماكرة: لم ؟.. هل تظنيني متبلد الاحساس لا اعرف ما معنى الرومنسية؟..
قالت عهد وهي تتطلع اليه بنظرات ساخرة: انا لا اظن ذلك.. بل متأكدة منه..
هز كتفيه وقال : فليكن.. سأثبت لك ان اردت..
وتقدم منها بخطوات واثقة.. وقد عقدت هي ذراعيها امام صدرها وكأن الامر لا يعنيها.. لكنها توترت بغتة وهي تراه يميل نحوها وقد شعرت بانفاسه قريبة من اذنها.. وصوته الهامس وهو يقول: عهد.. انا...
شعرت عهد بالدفء فجأة.. ربما لنبرة صوته الحانية.. وربما لأنه ولاول مرة يتحدث اليها بهذا الاسلوب.. وبالرغم منها وجدت يديها تسقط الى جوارها وهي تزدرد لعابها بارتباك .. وسمعته يكمل وعلى شفتيه ابتسامة غامضة: اكرهك..
عقدت حاجبيهابغضب من كلمته.. من يظن نفسه ليسخر مني بهذه الطريقة؟.. وقالت بعصبية: شعور متبادل سيد فارس..
ابتسم فارس وهو يعتدل في وقفته وكاد ان يهم بقول شيء ما..لولا ان ارتفع صوت هشام وهو يهتف به: فارس.. هلاّ اتيت هنا للحظة..
قال فارس وهو يلتفت لهشام بضجر: فليكن..
وعاد ليلتفت الى عهد ليقول وهو يغمز بعينه: سأعود اليك.. انتظريني..
قالت عهد بسخط: سأكون مجنونة حقا لو انتظرتك..
وابتعدت عن المكان بخطوات غاضبة.. ربما من كلمته.. وربما من تلاعبه بالالفاظ.. وربما لانها شعرت انه يسخر منها بطريقته تلك..وربما لانها اعتادت منه الاهتمام.. صحيح انه كان يسخر منها دائما ولكن لم يكن ابدا يجرح مشاعرها بسخريته..
اما فارس فقد قال بصوت لم يسمعه غيره وهو يلقي عليها نظرة اخيرة: حمقاء.. ولا تفهمين أي شيء يا عهد..
واستدار ليتجه الى هشام.. الذي قال ما ان اغلق الباب خلفهما: ما الذي حدث بينك وبين سامر؟..
ارتفع حاجبا فارس قبل ان يقول بسخرية: هل جاء للشكوى؟..
قال هشام بجدية: كلا.. بل هناك من شاهد ما حدث واخبرني بأمر الشجار الذي جرى بينكما.. لا لشيء.. فقط لاني لا اريد ان تحدث المشاكل في هذه الفرقة.. واريد ان نكون يد واحدة دوما..
واردف متسائلا: والآن اخبرني ما سبب شجارك مع سامر؟ ..
قال فارس ببرود: ولم لم تسأل من شاهد الشجار؟.. او تسأل سامر نفسه؟..
عقد هشام حاجبيه بضيق قبل ان يقول: سأنادي سامر.. حتى اعرف سر هذا الشجار منكما انتما الاثنان..
واتجه نحو الباب ليغادره ويعود بعد دقائق مع سامر الذي ما ان وقعت عينا فارس عليه حتى شعر بغضب يتأجج في صدره وهو يتذكر موقفه مع عهد..
وقال هشام في تلك اللحظة: والآن فليخبرني احدكما ما سبب الشجار الذي حدث بينكما..
قال فارس وهو يرمق سامر بنظرات غاضبة: انه يتهم عهد بأنـــ..بأنه جاسوس في هذه الفرقة..
قال سامر ببرود: ما قلته هي الحقيقة ليس الا.. فعهد هذا مجرد جاسوس.. لقد اتفق مع البريطانيون لكي يمنحوه حريته على ان يحصلوا منه على المعلومات التي...
قاطعه فارس وهو يتقدم منه بصوت حاد وصارم: انتبه لكلماتك يا هذا.. عهد هذا الذي تتهمه بأنه جاسوس..قد تحمل وعانى الكثير من اجلك ومن اجل باقي افراد الفرقة.. بدءا بأسره وزجه في السجون البريطانية.. ونهاية بتعرضه للخوف لملايين المرات وهو يخشى ان يكتشف من قبل الجنود البريطانيون في اية لحظة.. اخبرني لو كان عهد جاسوس كما تقول.. فلم لم ينطق بكلمة واحدة في المبنى البريطاني واصر على الصمت؟.. لم اخبركم بموقع المبنى البريطاني وهو يرى ان في ذلك ما يضر من تعاون معهم كما تقول؟..
قال سامر باصرار:ربما اصر على الصمت في البداية فقط وبعدها...
هتف به فارس بغضب وهو يكور قبضتيه محاولا التحكم باعصابه: الا تملك عقلا في رأسك؟.. لو كان عهد جاسوس لوجدتم انفسكم في السجون البريطانية منذ مدة.. ما الذي يمنعه من الحديث واخبارهم بموقع هذا المنزل؟.. هل لك ان تخبرني لم يساعدكم في كل مهمة ويعرض نفسه للخطر؟.. وبعد كل ما فعلــ.. فعله عهد من اجل هذه الفرقة.. وكل ما بذله الا تزال تصر انه جاسوس.. اجزاؤه انه آثر السجن في المبنى البريطاني وربما التعذيب كذلك على ان ينطق بكلمة واحدة تخصكم؟.. اهذا جزاؤه ؟..
قال هشام اخيرا وهو يرى الوضع متكهرب بين الاثنين: والآن بعد ان سمعت وجهة نظر كل منكما فمن حقي ان اتحدث وان اقرر بصحة وجهة نظر أي منكما بما انني القائد هنا..
والتفت الى سامر وهو يقول: خوفك على الفرقة شيء جيد يا سامر ولكن هذا ليس معناه ان ترمي الناس بالاتهامات جزافا دون أي دليل.. وعهد جميعنا نشهد انه قد ساعدنا لمرات عديدة .. ولا يمكننا ان ننكر فضله على هذه الفرقة وخصوصا في المهمة الاخيرة..
والتفت الى فارس هذه المرة ليقول مردفا: وانت يا فارس.. قلقك على ابن عمك ورغبتك في حمايته لا تمنحك الحق في ضرب أي احد.. وعهد كان ولا زال احد اعضاء هذه الفرقة الذين يتميزون بالشجاعة ..
ارتسمت ابتسامة خافتة على شفتي فارس .. وهو يرى ان الكفة قد رجحت لصالحه.. وتطلع الى سامر بنظرات منتصرة قبل ان يغادر الغرفة ...
:
:
عهد التي كانت تكاد تحترق في مكانها خوفا وقلقا على ألكس.. قررت اخيرا ان ترسل له رسالة.. على الاقل تطمئن فيها عليه.. تخشى ان يكون قد اصيب بمكروه لا قدر الله...
واسرعت تضغط على ازرار هاتفها وهي تكتب رسالتها القصيرة.. لكنها فوجئت برنين هاتفها الذي قطع عليها ما تفعله وجعلها تنتفض خوفا.. وازدردت لعابها بارتباك واضح وهي ترى رقم المتصل يضئ على شاشة هاتفها..والذي كان لــ (ألكس) ...
:
:
يتبع...
 
بـــ الحب (23) والواقع ـــين
::اتصال::

اسرعت عهد تضغط على ازرار هاتفها المحمول وهي تكتب رسالتها القصيرة لألكس والتي ترغب فيها ان تطمئن على الاخير فحسب من ذلك الانفجار.. لكنها فوجئت برنين هاتفها الذي قطع عليها ما تفعله وجعلها تنتفض خوفا.. وازدردت لعابها بارتباك واضح وهي ترى رقم المتصل يضئ على شاشة هاتفها..والذي كان لــ (ألكس) ...
لا تعلم ما الذي دفعه للاتصال.. لكنها المرة الاولى التي يفعلها.. كانت العلاقة مقتصرة بينهما على الرسائل القصيرة.. فلم يتصل بها الآن؟.. هل هناك امر قد جد؟.. هل يتعلق بالمبنى البريطاني؟.. ام يتعلق بي وبالخطر الذي يتربص بي في كل مكان؟.. او ربما يتعلق بالمهمة الاخيرة.. لكن .. لكني لا استطيع ان اجيبه هنا.. لا اريد ان ازيد الشكوك من حولي واثبت صحة ما قاله سامر..
وتوقف الهاتف عن الرنين.. فتنهدت براحة .. لو كان يريد الحديث معها في امر هام فليرسل لها رسالة اولاً تتعلق بالامر .. ولكن.. شعور في داخلها يخبرها انه يتعلق بما حدث في المبنى البريطاني بالامس بعد منتصف الليل.. ربما لانها ارسلت له رسالة وطلبت لقاءه قبل الانفجار.. وهذا قد جعله يشك بامر تلك الرسالة.. او ربما...
عاد الرنين من جديد ..ليجعل خوفها من ان يلحظ احد هذه الاتصالات يتضاعف.. وتحركت بعد ان تمالكت نفسها لتدلف الى أي غرفة جانبية وجدتها خالية من أي شخص..
لم ترد الاجابة عليه .. فعلاقتهما تنحصر في اطار الرسائل فقط.. لا تريد ان تتحرك مشاعرها وتخونها اكثر من هذا .. يكفيها انها بالكاد تسيطر عليها الآن.. فماذا لو تطور الامر الى مكالمات ايضا؟.. لا تريد الاجابة عليه.. لا تريد ..
لكن هاتفها ابى الا ان يعاود الرنين كلما توقف ..وشعرت عهد بقلبها ينتفض كطير بلله المطر.. ربما خوفا من المجهول.. وربما قلقا على ألكس.. وربما ترددا من أن تشعر بالخيانة تجاه نفسها ووطنها اكثر من هذا بقلبها الذي يهتف باسم ألكس ..
وتوقف الهاتف عن الرنين بغتة بعد المكالمة الخامسة.. حتى ان عهد قد تنهدت براحة وهي تهتف: واخيرا...
لكن راحتها هذه لم تدم وهي ترى ان رسالة قصيرة قد وصلت الى هاتفها المحمول.. وبأصابع متوترة.. ونظرات قلقة.. فتحت تلك الرسالة وقرأت كلماتها التي كانت تقول (اجيبي على اتصالي .. الامر هام ولا يحتمل التأجيل)..
وكأنه يأمرها على ان تجيب دون ان يمنحها مجالا للرفض.. والتقطت نفسا عميقا وهي تستعد لاتصاله السادس.. ولم يخب ظنها ابدا.. فلم تمض لحظات حتى عاد هاتفها للرنين من جديد ..وترددت طويلا قبل ان تضغط زر قبول المكالمة بانامل مرتجفة .. وتضع الهاتف على اذنها دون ان تنبس بحرف واحد ..
وجاءها صوته الحازم النبرات الذي ينطوي على بعض الحدة وهو يقول بلغة انجلينزية: واخيرا اجبت..
لم تجب عهد.. لكن انفاسها المضطربة كانت مسموعة لألكس وهو يستمع اليها بانصات قائلا: ما بالك؟.. تبدين قلقة؟.. مما يا ترى؟..
شعرت عهد انه يعني شيئا بكلماته تلك.. فقالت متجاهلة اسئلته وهي تزدرد لعابها بارتباك: ما الامر؟..
وكان لصوت عهد اثر السحر على ألكس.. فقد تلاشت حدته وحزمه بغتة.. ليتحول صوته الى الهدوء وهو يقول: اردت ان اشكرك..
ارتفع حاجبا عهد بغرابة قبل ان تقول بحيرة وقلبها يخفق بخفقات سريعة ومتوترة: على ماذا؟..
تحولت نبرة ألكس الى السخرية هذه المرة وهو يقول: على رسالتك التحذيرية.. التي دفعتني للخروج من المبنى قبل ربع ساعة فحسب من الانفجار..
تنهدت عهد براحة واطمئنان.. حمدلله .. اذا لم يصب ألكس بأي مكروه كما تمنت ودعت الله طويلا..قالت باضطراب وهي تحاول ابعاد التهمة عن نفسها: عن أي شيء تتحدث؟..
قال ألكس بحزم: عن الرسالة القصيرة التي ارسلتها وطلبت ان نلتقي دون ان تحضري هذا اللقاء.. ااخبرك لم لم تحضري؟.. لانك كنت تريدين مني مغادرة المبنى وحسب حتى لا اصاب بمكروه في الانفجار..اليس ما اقوله صحيحا؟؟..
شعرت ان صوتها على الرغم منها ظهر متوترا .. ربما لانها كانت تكذب على ألكس..ألكس الذي لا يمكنها ان تتخيل هذه الحياة من غير ان يكون فيها: لا ابدا.. لقدكنت اريد ان التقي بك.. حقا..
قال ألكس ببرود: اثبتي لي اذا واخبريني.. ما السبب الذي دعاك لان تطلبي لقائي في ساعة متأخرة كتلك؟..
ازدردت عهد لعابها عدة مرات ومن ثم قالت وهي تحاول ان ترتب كلماتها: لا يمكنني اخبارك على الهاتف..
قال ببرود اشد: اذا ما رأيك ان نلتقي؟..
قالت عهد باستنكار وصدمة: ماذا تقول؟؟..
قال ألكس بصوت حاد: الم تكن هذه رغبتك منذ البداية؟.. ثم لا تظني اني احمق لاصدق مصادفة في العالم تجعلك ترسلين لي رسالة قبل ان يقع الانفجار بدقائق..
قالت عهد وقد شعرت بالارتباك: ربما كان هذا هو قدرك ..
قال ألكس بسخرية: بل رسالتك هي التي غيرت قدري كما تقولين.. وضعي في حسبانك انك ستأتين اليوم لذات المكان الذي اخترته انت..وعند الساعة السادسة مساءا..
اتسعت عينا عهد بقوة ودهشة.. ماذا يقول؟.. يريد ان يلتقي بها؟ .. ايقول الصدق ام انه يمزح؟..
وقالت ودهشتها تتفاقم: لا استطيع .. انت اعلم بالاوضاع .. وانني هاربة و...
قاطعها بصرامة قائلا: فليكن.. بالامكان ان آتي اليك انا ..وتكونين السبب في ان اجد فرقة المقاومة وزج افرادها بالسجون..
اسرعت عهد تقول : لا دخل لفرقة المقاومة.. لا تقحمهم في هذا الامر..
قال ألكس متسائلا: اذا سأنتظرك في المكان المحدد وعند الساعة السادسة مساءا.. ان لم تحضري بعد عشر دقائق فقط .. فاعلمي اني سأجدك بسهولة واصل اليك.. وداعا..
قالها ألكس واغلق الخط .. دون ان يسمح لعهد فرصة لشرح موقفها او ان توضح سبب عدم قدرتها على الحضور.. هي في فرقة المقاومة الآن وحركاتها محسوبة اولا.. هذا غير شكوكهم حولها في الآونة الاخيرة.. وامر آخر ايضا وهو انها هاربة من السجون البريطانية.. والجنود يبحثون عنها في كل مكان.. هي لم تصدق انها قد وجدت حريتها اخيرا.. لا تريد ان ينتزع احد حريتها منها من جديد بكل قسوة..
وظلت واقفة تفكر فيما ينبغي عليها فعله..لو لم تذهب كما طلب منها او أمرها ان صح القول.. فستكون فرقة المقاومة في خطر.. وقد يصل اليهم عن طريقها.. وتكون هي السبب في كل ما سيحدث لهم..وعندها لن تتحمل نظرات الاتهام الموجهة نحوها من أي منهم..
لذا فالحل الوحيد من وجهة نظرها هو ذهابها بقدميها الى القائد البريطاني .. فلتتضرر وحدها بدلا من ان تكون سببا في ما قد يحدث لهم جميعا.. لكن.. كيف يمكنها الخروج؟ .. وبأي عذر تغادر؟..
وتطلعت الى الهاتف الذي يحتل كفها وهي تطلق تنهيدة من اعماق قلبها .. حيرتها تتضاعف وترددها يزداد مع مرور الوقت .. ما الذي عليها فعله لتحل هذا الامر؟.. امامها خياران احلاهما مر..فايهما تختار؟!..
وقطع حيرتها واضطرابها ذاك.. صوت فارس الذي جاء من خلفها وصاحبه يقول: ما الذي تفعلينه وحدك هنا؟..
انتفضت عهد بالرغم منها واستدارت له بخوف من ان يكون قد استمع الى مكالمتها.. او ربما خوفا من ان يكتشف اضطرابها هذا.. وربما لانها قد ارتكبت خطئا بمكالمتها تلك.. وتخشى ان تتلقى العقاب في اية لحظة.. فهكذا نحن دائما عندما نرتكب الاخطاء نخشى دائما من ان يكتشف امرنا.. دون ان ننتبه اننا لو لم نفعل الا كل ما هو صحيح لما عشنا في جو الخوف هذا ..
عقد فارس حاجبيه وهو يرى صمتها الذي طال على سؤاله.. وشعر بالشك وهو يلمح توترها في نظرة عينيها له.. وقال مكررا: قلت ما الذي تفعلينه وحدك هنا يا عهد؟..
ازدردت عهد لعابها لعل اضطرابها وارتباكها من هذا الموقف يختفي وهي تقول محاولة ترتيب حروف كلماتها: لا شيء.. ابدا..
استغرب تحولها السريع.. فبعد ان كانت قبل قليل معه تشعر بالغضب من سخريته منها.. يراها الآن متوترة وتخشى ان تلتقي عينيها بعيناه.. وكأنها تخشى ان يرى فيهما شيء ما..
وتقدم منها وقال متسائلا: ما الذي جرى لك فجأة؟..
اسرعت تقول مدافعة عن نفسها: لا شيء.. لا شيء ابدا..
قال فارس بسخرية: الست تملكين سوى هذه العبارة؟.. المهم الآن لا يهمني ما بك.. اود سؤالك فقط.. هل تودين المجئ معي ام لا؟..
قالت وقد استغربت سؤاله: الى اين؟..
ابتسم قائلا: ليس الى المطعم .. لا تقلقي.. سأذهب لتحصيل ايجارات هذا الشهر.. ما رأيك لو ترافقينني؟..
صمتت عهد وهي غارقة في تفكير عميق.. اتذهب معه؟.. ربما لو ذهبت تستطيع الخروج من فرقة المقاومة دون شكوك من أي احد.. لكن لو ذهبت فمن المستحيل ان يتركها فارس وشأنها.. سيظل ملازم لها كظلها واكثر.. فما الذي عليها ان تفعله؟..
قالت عهد بعد تفكير عميق وقد حسمت امرها اخيرا: لا.. لا اريد ذلك..
مط فارس شفتيه وقال : فليكن هذا شأنك.. لكن انتبهي لنفسك جيدا من كل شخص هنا..
قالت عهد بضجر: ما رأيك ان تضع كاميرات مراقبة للمقر لترصد كل تحركاتي كذلك؟..
قال فارس بجدية: صدقيني يا عهد.. لو كنت استطيع لفعلتها.. ولو كنت استطيع اكثر من ذلك لفعلته.. المشكلة اني احاول مجاراة فتاة حمقاء حتى اعرف نهاية هذه اللعبة التي تستمع بها..
لم تعر كلامه بالا .. فالقى هو عليها نظرة باردة قبل ان يدير ظهره لها.. وينصرف مغادرا المكان..وفي عقل عهد دارت فكرة مجنونة..فكرة جعلتها تنطلق الى هشام بعد دقائق من مغادرة فارس وتقول بسرعة: هل يمكنني المغادرة يا ايها القائد؟..
قال هشام متسائلا: الى اين؟..
قالت عهد وهي تختطف النظرات نحو الباب الخارجي: سألحق بفارس.. فأريد الذهاب معه..
قال هشام بهدوء: يمكنك الذهاب اذا.. وانتبه لنفسك.. فانت تعلم ان الجنود يبحثون عنك في كل مكان..
قالت عهد وهي تزدرد لعابها: سأفعل.. بالاذن..
قالتها وهي تبتعد عن هشام .. متوجهة نحو باب المدخل وتهم بالخروج منه.. لولا ان شاهدتها سوزي وقالت باستغراب: الى اين يا عهد؟..
التفتت لها عهد وقد ظهر التوتر جليا على وجهها قائلة: دقائق واعود..
قالتها وغادرت المنزل وانزوت في زاوية ما وهي تنتظر ان يمر الوقت قليلا وان تتأكد ان فارس قد غادر..وعندما شعرت ان ربع ساعة قد مضت.. شعرت ان هذا الوقت المناسب لتغادر فرقة المقاومة..وتذهب للشاطئ حيث ستلتقي بألكس هناك...
########
(هل يهمك عهد الى هذه الدرجة؟)
التفتت سوزي الى ناطق العبارة.. ولاح في عينيها بريق شوق وهي ترى مارك يقترب منها وعلى وجهه تبدوا امارات الضيق بعد ان سمع حديثها مع عهد..
وابتسمت بمكر وهي تريد التلاعب باعصابه.. فمنذ متى وهو يتجاهل وجودها تماما في فرقة المقاومة.. ويقتصر الحديث بينهما على الاشياء الضرورية فقط..وقالت وهي تهز كتفيها وتتطلع اليه بنظرات ماكرة: ربما...
عقد مارك حاجبيه بقوة وحنق .. وشعر ان اجابتها قد تعني الايجاب على سؤاله .. وقال وهو يمسك ذراعها بعصبية: ماذا تعنين بكلمة (ربما) هذه.. اما انه يهمك او لا يهمك..
قالت سوزي وهي تتطلع الى عينيه: ولم تسأل سؤالا كهذا؟..
قال ببرود: مجرد فضول..
قالت سوزي وهي تنظر الى يده الممسكة بذراعها: وهل يدعوك الفضول للامساك بذراعي على هذا النحو من القوة؟..
ترك ذراعها وقال وهو يحاول ان يمسك اعصابه: والآن اجيبي..
قالت وهي تستدير عنه وتحاول ان تخفي ابتسامة تجاهد لان تطفو على سطح شفتيها: لن افعل..
فوجئت به يقف امامها ويمنعها من مواصلة طريقها ويقول بحدة: وانا لن اتحرك قبل ان تخبريني بما بينك وبين عهد..
قالت سوزي وهي تضغط على حروف كلماتها: كالذي بيني وبينك تماما...مجرد صداقة..
اتسعت عينا مارك بصدمة عندما نطقت اولى كلماتها .. لكن ارتخت عضلاته وشعر بالراحة عندما سمعها تكمل بالصداقة.. لكن ما الذي تعنيه بقولها بأن ما يربطني بها مجرد صداقة؟؟..
قال مارك بغيرة دون ان يشعر: لكن ما يربطني بك ليس الصداقة ابدا..
شعرت سوزي بالسعادة لحظتها.. هذا ما كنت تود الوصول اليه.. وقالت متسائلة بحيرة مصطنعة: اذا؟.. ما هو؟..
قال مارك بحنق: لا تتغابي من فضلك.. انت تدركين ان ما يربطني بك اكبر من الصداقة.. تدركين ان قلبي يهتف باسمك..
ابتسمت سوزي بارتياح.. لكن سرعان ما اخفت ابتسامتها وهي تقول بهجوم: اذا لماذا ابتعدت عني كل هذه الفترة؟.. لماذا تركتني اعاني الوحدة وانت تعلم اني لا اعرف احدا هنا سواك؟.. وبعد كل هذا تريد مني الا اطلب العودة الى المبنى .. لم لا تفهمني يا مارك وتقدر موقفي؟.. انا ضائعة في هذا المكان.. ضائعة .. لا اجد نفسي في مكان اشعر واني كالسجينة فيه..لا اجد نفسي بين اشخاص لا اعرف حتى لغتهم ..
بهت مارك من كلماتها في البداية.. لكنه قال عندما افاق من دهشته.. وكأنه قد فهم ما ترمي اليه: انني افهمك يا سوزي.. والا لما وافقت ان تبتعدي عني من جديد.. وتعودي الى المبنى البريطاني..
قالت وهي تعقد ذراعيها امام صدرها بضيق: وافقت مرغما..
قال بابتسامة باهتة وهو يقترب منها: بل لأجلك.. ولاجل ان تفهمي اني سأقبل بكل ما يسعدك..حتى وان كان على حساب سعادتي انا..
قالت سوزي بعينين مترجيتين: اذا.. لن نفترق لو عدت الى هناك.. أليس كذلك؟..
قال وهو يهز رأسه وابتسامة مرحة تعلو شفتيه: مجنون لو تركتك تضيعين من بين يدي بعد ان وجدتك..
قالت سوزي وقد ارتسمت على شفتيها ابتسامة واسعة: اتعلم شيء؟..
قال متسائلا بلهفة: ماذا؟..
قالت بهمس: احبك..
ضحك مارك بالرغم منه.. وقال وهو يغمز بعينه: اعلم ذلك جيدا.. اصبح هذا الامر قديما بالنسبة لي..
ارتفع حاجبا سوزي لوهلة ومن ثم لم تلبث ان ضحكت بدورها لعبارته.. وهي تشعر انها لم تعرف طعما للسعادة منذ فترة...
###########
تطلع حازم الى فارس الذي كان يطلب من احدى الشقق دفع ايجار هذا الشهر.. وسمع الساكن يطلب من فارس ان يمهله اسبوع واحد فقط حتى يستطيع ان يحصل على المبلغ كاملا ويسلمه للاخير.. وابتسم فارس منهيا الحوار: لا بأس يا سيد.. لديك مهلة حتى نهاية الشهر.. بالاذن الآن..
ابتسم الرجل بفرح وقال : اشكرك يا بني.. اشكرك..
لوح فارس له بيده مودعا قبل ان يمضي هو وحازم مغادرين المبنى بكامله.. وقال الاخير بهدوء: موقفك كان نبيلا مع الرجل .. لكن البعض منهم يستغل هذه النقطة عند المؤجر حتى يحتالوا عليه ..
قال فارس بعد ان ركب سيارته وادار محركها: لا تقلق علي.. اعرف جيدا معدن الشخص من نظرتي الاولى له..
قال حازم بسخرية بعد ان استقر الى جواره بالسيارة: لم اكن اعلم ان صديقي محلل نفسي..
قال فارس بابتسامة: صدقني.. الامر ليس له علاقة بالتحليل النفسي.. فمثلا هذا الشخص يسكن في هذه الشقة منذ عام .. لم يتأخر في دفع الايجار سوى هذه المرة.. الا يستحق مني ان اتحلى بالصبر حتى يستطيع تدبير بقية المبلغ فحسب؟..
اقتنع حازم بوجهة نظر فارس وقال مغيرا دفة الحديث: بالمناسبة .. متى ستعود الى الشركة؟..
قال فارس بجدية: ربما اقدم استقالتي قريبا..
قال حازم وهو يستدير نحوه بحدة وعيناه متسعتان بدهشة كبيرة: انت تمزح؟؟..
هز فارس رأسه نفيا قائلا: انت لم تقصر معي.. لكني حقا اريد ان اقدم استقالتي.. وان ابدأ في وظيفة خاصة بي..
قال حازم وهو يعقد حاجبيه بتساؤل: ماذا تعني بقولك هذا؟..
قال فارس بابتسامة: مكتب او شركة صغيرة او ما شابه .. سأدخل فيه رأس المال الخاص بي والخاص بابنة عمي..فلقد مللت وظيفتك المتعبة والمليئة بالارقام ..
ابتسم حازم قائلا: الآن اصبحت وظيفتي مملة ومتعبة .. هاا.. على العموم.. تفكيرك هذا جيد.. وانصحك بمكتب للعقارات مثلا.. ثم انك تملك مباني يمكنك ان تستغل شقة احدها وتحولها لمكتب..
قال فارس وهو يمسك بذقنه بتفكير: فكرة جيدة.. اتصدق لأول مرة اعرف ان لك عقل تجاري؟..
قال حازم بفخر: منذ صغري وانا استمع الى والدي والى عالم التجارة ورجال الاعمال.. حتى خضت هذا المجال مؤخرا.. واستطعت ان اكتسب خبرة منه..
قال فارس بسخرية وهو يختطف له بعض النظرات: وكأنك لم تصدق ان يمتدحك احدهم..
قالها وانعطف بالسيارة يسارا.. فقال حازم متسائلا: الى اين تذهب؟..
قال فارس وهو يتطلع الى الطريق بتركيز: الى منزلك بكل تأكيد..
قال حازم بضيق: على الاقل فلنذهب الى مطعم.. نادي ..مجمع تجاري.. شيء من هذا القبيل.. لم اعهدك تحب العودة الى المنزل بهذه السرعة..
قال فارس بحنق لم ينتبه له حازم: المشكلة في اني لن اعود الى المنزل..
قال حازم بتساؤل واهتمام: اذا؟..
قال فارس وهو يلتفت له بعد ان توقف عند منزل حازم: وكأنك لا تعلم اني سأعود الى هناك.. الى حيث ذلك المنزل المهجور..
قال حازم مبتسما : اتصدق لو اخبرتك انني ارغب في رؤية هذا المقر؟..
قال فارس بسخرية: مع الاسف .. المعلومات سرية جدا.. ولن نستطيع ان نعطيها لأي غرباء..
واردف باستخفاف: اشعر وكأنني اصبحت عميلا للمخابرات ..
ضحك حازم وقال وهو يغمز بعينه: اخشى ان سيارتك ايضا اصبحت مزودة بمدافع وقنابل ورشاشات..
ارتفع احد حاجبي فارس وقال مستهزءا: اجل و بضغطة زر مني سيرميك المقعد الذي تجلس عليه خارج السيارة ..
ضحك حازم قائلا: يالك من ماكر..
قال فارس ببرود: غادر فقط.. ودعني اسرع للوصول لتلك المجنونة هناك..
قال حازم وهو يفتح باب السيارة ويستعد للهروب: اشتقت لرؤية مجنونتك التي تتحدث عنها..
وقبل ان يستوعب فارس ما قاله حازم.. كان هذا الاخير قد فر هاربا وهو يضحك بصوت عال ويسرع بالدخول الى المنزل.. اما فارس فقد تطلع له بضيق.. قبل ان ينطلق مغادرا المكان .. وهو يشعر بشعور غريب بدأ يكتم على انفاسه...
###########
البحر ممتد امام ناظريها بلا نهاية.. بأمواجه التي اخذت تثور مع كل نسيم يمر.. والشمس تعلن موعد رحيلها لتغوص بكل حرية وهدوء في اعماق البحر.. وذرات من الرمل تجمعها في كفها كلما شعرت بالتوتر لتتركها تنساب وتتناثر كيفما تأخذها الرياح..قلبها لا يزال يرتجف كطير ذبيح .. وعقلها يدور به الف سؤال عن سبب طلبه لها للمجيء الى هنا .. ولا زال الوقت يمضي.. وعقارب الساعة تتحرك معلنة ان الزمن يمر ولا ينتظر احدا..
ضمت ركبتيها الى صدرها واحاطتهما بذراعيها وكأنها ترغب في الحصول على اكبر قدر من الامان.. ذاك الذي لم تحصل عليه منذ ان رحلت اسرتها امام ناظريها عن الدنيا ..شعور فقدان الاهل شعور صعب ومؤلم وقاتل..تشعر بأنك قد فقدت كل شيء بفقدانهم الملجئ والحضن الدافئ والأمان ..
وهناك من بعيد لاح هو بقامته الرياضية الممشوقة وبجسده الذي يوحي لكل من يراه انه صامد كالجبال.. لا تهزه الرياح.. تقدم بخطوات هي اقرب للسرعة من تلك الفتاة.. وتبين للتو ملامحه التي لا توحي الا بالبرود والجمود.. واخيرا قفز من اعلى الصخر ليصل اليها ويستقر خلفها تماما.. لكنها لم تنتبه له.. لا تزال غارقة في عالم من الآلام والحزن والضياع.. واضطر هو لان يقول بصوت بارد: عهد...
التفتت عهد بحدة عندما سمعت ذلك النداء.. هو.. انه صوته.. لقد جاء.. فما الذي سيكون مصيرها؟.. حياتها او موتها بين يديه الآن.. ولا تظن هي انه سيتوانى عن قتلها لو علم انها هي من كانت وراء وصولهم الى المبنى البريطاني..
ونهضت من مكانها لتنفض الغبار عن يديها .. وتستدير له وهي تضع على وجهها قناعي الشجاعة والثقة بالنفس ..وتحركت شفتاها لتقول بصوت هادئ: ها انذا قد جئت ..كما طلبت مني..
تطلع اليها بنظرات متفحصة.. هي.. لا تزال هي.. لم يتغير فيها أي شيء.. حتى تلك النظرة الحزينة في تلك العينين.. يراها قد تضاعف الالم فيهما هذه المرة..فما السبب يا ترى؟..
تبخر أي اتهام كان يود توجيهه لعهد في تلك اللحظة.. لا يعلم لم لم يصرخ في وجهها؟.. لم لم يتهمها بكل شكوكه نحوها؟.. لم لم يعاتبها على الاقل عما فعلته؟.. كل هذا تبخر منذ ان وقعت عيناه عليها .. ربما شوقه هو السبب.. ربما تعلق قلبه بهذه الفتاة هو السبب.. وربما لانه لم يرد ان يزد من احزانها ..
ووجد نفسه يتجه كالمأخوذ نحوها ويتطلع اليها بنظرات طويلة تحمل معاني الحب والحنان.. اما عهد التي استغربت نظراته فوجئت به يضع كفيه على كتفيها ويهمس لها قائلا: اشتقت اليك..
تعالت ضربات قلبها .. وارتجفت اطرافها لمسمع العبارة.. وهي تشعر بالحرارة قد انتشرت في جسدها.. وبالرغم منها وجدت نفسها تطرق رأسها بارتباك.. وتبعد كفيه عن كتفيها وهي تقول : ألكس ارجوك.. اخبرني ما تريد فقط.. فعلي العودة سريعا..
شعر بخيبة الامل تتملك مشاعره.. وتمنى لو انها بادلته شعوره هذا .. ولو جاملته بنطق كلمة واحدة فقط تطفئ من نار شوقه وحبه..
وعادت ملامح الجمود لتكسو وجهه .. وهو يقول: انت من قادهم الى المبنى البريطاني.. صحيح؟..
اتسعت عينا عهد بصدمة .. ورفعت رأسها له وهي تتطلع اليه بتوتر.. اذا فهو يدرك ما فعلت..ويدرك انها على الرغم من مساعدته لها .. لا تزال تبدي كل شيء لصالح وطنها..
وظلت صامتة لدقيقة كاملة قبل ان تقول بثقة مصطنعة: لن اجيب..
قال ألكس وهو يتطلع الى عينيها مباشرة باتهام: اعرف الاجابة مسبقا.. وقد اكدتها لي الآن.. عندما لم تدافعي عن نفسك .. هل لك ان تخبريني لم فعلت هذا؟..
قالت عهد وهي تلتقط نفسا عميقا: هل سيكفيك ان قلت انني احاول تحرير وطني بأية وسيلة؟..
اشار الى نفسه وقال بصدمة: لكني انقذتك مسبقا.. فهل تجازينني بذلك بتدمير المبنى الذي يسكنه الآلاف؟؟!..
قالت عهد باندفاع: وانا انقذتك ايضا..وهؤلاء الآلاف الذي تتحدث عنهم يدمرون ويقتلون .. ولو لم ندمر اليوم مبناهم.. لدمروا غدا ديارنا ووطننا بأكمله..
قال ألكس وهو يعقد ذراعيه امام صدره: لكنني منهم.. ممن يقتلون ويدمرون كما تقولين.. فلم تنقذيني اذا؟..
قالت عهد بشحوب: كما انقذتني انت بالماضي..
قال ألكس وهو يعقد حاجبيه: لكنها المرة الثانية.. التي تحذريني فيها من خطر ما..
لم تعلق عهد على عبارته واكتفت بأن قالت بتوتر: سأذهب الآن ..
قال ألكس وهو يتأملها : لم تمض دقائق على وجودك هنا..
قالت عهد بتوتر اكبر: لا استطيع البقاء اكثر..
واستدارت عنه لتمضي في طريقها لكنها فوجئت بكفه تمسك كتفها وهو يقول برنة غريبة: الن نلتقي مرة أخرى؟..
ارتفع حاجباها وقالت وهي تعض شفتيها: لا اعلم..
قال متسائلا: اذا هل لي بسؤال اخير؟..
اكتفت عهد بهز رأسها دليل الموافقة.. فقال هو باهتمام: لم انقذتني هذه المرة ايضا؟.. لو كان الامر هو رد جميل كما وصفته.. لاكتفيت بانقاذي مرة واحدة فقط.. لكنك هذه المرة ايضا بادرت بتحذيري من الخطر الذي يتربص بي..
اتسعت عينا عهد كمن لم يتوقع سؤالا كهذا.. واكتفت باشاحة وجهها نحو ذلك البحر الذي ازدادت امواجه قوة.. وقالت بهدوء: ربما لانني كنت سببا في ما حدث..
قال ألكس باصرار وهو يضغط على كتفها: وربما لانك تريدين انقاذي ولا تريدينني ان اصب بأذى..
التفتت له عهد بصدمة .. كيف استطاع ان يفهم ما يدور بعقلها؟.. هل افكارها كانت مسموعة ام ماذا؟..وقال هو مردفا بابتسامة وهو يترك كتفها: تماما كما حاولت انا انقاذك لانني لم ارد لك ان تصابي بأي اذى..
ارتسمت ابتسامة شاحبة على شفتيها..وعادت لتلتقط نفسا عميقا وهي تقول : مضطرة لأن اذهب الآن..
قال بهدوء: فليكن.. وخذي حذرك جيدا..
اومأت برأسها وابتعدت عنه.. وسارعت بخطواتها وهي لا تفكر حتى بالالتفات لمن يقف هناك.. يتطلع الى البحر كتمثال جامد.. ويتطلع الى السماء التي كستها حلكة الليل..وتفكيره ينحصر على ما جرى بينهما..لأول مرة يدور بينهما حوار طويل كهذا دون ان يتخلله أي مشادات كلاميةعنيفة..و دون ان توجه الاتهامات نحوه ا.. وها هي ذي قد غادرت الآن مع رحيل الشمس.. لكنها لن تعود مع اشراقها ابدا ...
############
(ماذا تقولين؟؟!)
قالها فارس بثورة تملكت كل خلية في جسده وهو يتطلع الى سوزي التي بدت مرتبكة امام نظراته وصوته المرتفع قائلة: ارجوك اهدئ قليلا..لم اتوقع ان اخباري لك بالامر سيدعو الى كل هذا الانفعال منك..
قال بغضب وهو يشد على قبضتيه: تقولين ان ابنة عمي المجنونة قد غادرت من فرقة المقاومة الى مكان لا اعرفه.. وتطلبين مني الهدوء بعدها..
قالت سوزي بقلق: قد يستمع اليك احد افراد الفرقة.. فهم يظنون انها معك كما اخبرتهم و...
قاطعها بعصبية وهو يضرب قبضته في كفة يده الاخرى: تبا الى اين يمكن ان تكون قد ذهبت؟.. ليس لها مكان تلجأ اليه..
قالت سوزي بتوتر: ليس هذا بيت القصيد يا فارس.. المشكلة تكمن في ان الجنود يبحثون عنها في كل مكان .. وقد يقبضون عليها لو وجدوها او حتى يطلقون عليها النار لو حاولت الهرب..
اتسعت عينا فارس بصدمة.. قبل ان يقول وهو يستدير عنها: سأذهب للبحث عنها بنفسي..
قالت سوزي في سرعة: الى اين ستذهب؟.. واين ستبحث عنها؟.. اتصل بها اولا لتعلم اين هي.. وان لم تجبك.. فبعدها اذهب للبحث عنها..
وكأن فارس قد تقبل الفكرة.. فأسرع يخرج هاتفه المحمول ويتصل بها قائلا: وهذا ما سافعله..وارجو ان تكون تلك المجنونة بخير..
وتعالى رنين الهاتف واستمع له هو في انصات شديد .. وقد فهم الآن فقط سر شعوره الغريب بالضيق طوال طريقه الى هنا...
:
:
يتبع..
 
بــ الحب (24) والواقع ــين
::ارث::

اخذت عهد تحث خطاها على الاسراع والوصول الى فرقة المقاومة.. قبل قدوم فارس الى هناك واكتشاف كذبتها بعدها من قِبلهم.. وبعدها سيحدث ما لا يحمد عقباه.. اما من قبل فارس او فرقة المقاومة.. الذي سيظنون انها خدعتهم و ...
قطع تفكيرها هذا اهتزاز هاتفهما المحمول في جيب سترتها ..وهذا ما دفعها للتوقف بغتة.. وهي تشعر بالقلق والخوف من ان يكون فارس هو الذي يتصل بها؟.. فبعدها ستعلم ان كذبتها قد كشفت حقا في الفرقة.. وان فارس لن يسمح ابدا بأن يمر الامر على خير..
واخرجت هاتفها وهي تتطلع الى اسم المتصل.. هاقد تأكدت مخاوفها .. فما العمل الآن؟.. تنهدت بارهاق وهي ترفع رأسها وتحاول التفكير.. واخيرا قررت ان تجيب سريعا حتى لا تثير شكوك فارس عن مكان تواجدها..
واجابت عليه وهي تسير في سرعة وقد باتت فرقة المقاومة على بعد خطوات منها فحسب: اهلا فارس..
على الرغم من ان فارس قد ارتاح نسبيا من اجابتها على مكالمته .. وهذا معناه انها بخير ولم تصب بمكروه.. الا انه قال بعصبية وانفعال شديدين: اهلا؟!.. بكل هذا البرود؟؟ .. كيف تخرجين هكذا؟.. والى أي مكان ذهبت ايتها المجنونة؟!..
قالت في سرعة: فارس انا بالقرب من المكان.. لقد ذهبت لاستنشق بعض الهواء فحسب..
قال بغضب: اذا كان الامر هو مجرد استنشاق هواء كما تقولين.. فلم لم تأتِ معي اذا؟..لا اظن اني كنت ذاهب الى القمر..
توقفت عن مواصلة السير وقالت بارتباك حاولت اخفاءه: اردت البقاء بمفردي..
زفر بعصبية قبل ان يقول: اين انت الآن؟..
قالت مجيبة وهي تهم بمواصلة السير مجددا: بالقرب من المكان.. على بعد خطوات معدودة من المقر..
قال فارس بحدة: ابقي حيث انت اذا.. سآتي اليك..
قالت عهد بقلق: لكن...
قاطعها قائلا: انت لا تريدين ان يعلموا بكذبك.. وانك لم تكوني معي منذ البداية.. فمن الافضل ان نعود معا.. اليس كذلك؟..
اقتنعت بفكرته ولم تعلق.. فقال هو منهيا المكالمة: مع السلامة..
وقفت عهد في مكانها تزفر بحدة وضجر وهي تنتظر خروجه من منزل الفرقة.. وحاولت ان تشغل نفسها بركل الحجارة الصغيرة المتناثرة على الارض الترابية.. او برسم اشكال عشوائية في الرمال..
وشعرت بغتة بظله يسقط قريبا منها.. فرفعت رأسها وتطلعت اليه بهدوء..اما هو فقد تطلع لها بنظرات طويلة..اراد فيها ان يتأكد انها بخير حقا.. وانها لم تصب بمكروه.. وقال وهو يعقد حاجبيه: مرة اخرى لا تخرجي هكذا وحدك.. دون ان تخبري احد على الاقل.. لست مستعد لأرى جثتك ومائة رصاصة قد اخترقتها..
رفعت عهد حاجبيها وقالت باستخفاف: لا تقلق لن ادعك ترى جثتي.. سأطلب من احدهم دفنها في الوصية قبل ان تراها.. فأنا اعلم انك تكره منظر الدم...
قال فارس بضيق: لكني قادر الآن على ارتكاب جريمة في ابنة عمي المجنونة نظرا لاستهتارها اولا.. واستخفافها بي ثانيا..
قالت عهد وهي تعقد ذراعيها امام صدرها وتشيح بوجهها: لا تقل لي مثلا انك كدت تموت رعبا علي..
قال وهو يمط شفتيه: بل كدت اموت رعبا على المبالغ التي سأدفعها لمراسيم جنازتك..
قالت بابتسامة وهي تلتفت له: الافضل ان تجمع لي المبلغ من افراد فرقة المقاومة.. فهم لن يبخلو علي بأي...
قاطعها قائلا: ولم اجمع مبالغ لفتاة لديها ثروة واملاك مثلك؟..
اشارت الى نفسها قائلة باستغراب: انا املك ثروة؟؟.. هل تسخر مني؟؟..
هز رأسه نفيا وقال بهدوء وهو يشير لها بان تتبعه: تعالي معي..
اسرعت تلحق به وهي تسمعه يقول: انت تعلمين ان املاك والدك اصبحت ملكا لك منذ الآن .. هذا غير رصيدك في البنك.. وغير الارباح التي ستؤول اليك من تلك الاملاك..
قالت عهد بابتسامة باهتة: لم افهم شيئا سوى ان لدي رصيد في البنك.. واعلم هذا جيدا.. ولكني فقدت بطاقتي الائتمانية في الانفجار.. ولم افكر في استخراج اخرى.. وربما لم يخطر على ذهني حينها..
قال فارس بهدوء وهو يواصل سيره: هذا امر بسيط.. المهم الآن هو ان تعرفي ان لديك مبنيان هو الارث الذي تركه لك والدك.. غير رصيده هو ووالدتك في احد البنوك..هذه المبالغ كلها ستكون ملكا لك من بعدهما...
شعرت عهد بقبضة باردة تعتصر قلبها.. وهو يذكرها بموت والديها من جديد.. وباملاكهما التي ستصبح لها من بعدهما.. وقالت بضيق والم: لا اريد شيئا.. خذ النقود ان اردت.. او امنحها للجمعيات الخيرية..
قال فارس بحدية وهو يتوقف في مكانه ويتطلع اليها: هذا نصيبك من الميراث .. فلا تضيعيه من بين يديك ببساطة.. وبامكانك ان تبني مستقبلك عليه.. ان اردت منح الجمعيات الخيرية .. فامنحيها بعضا مما لديك.. فلا تنسي انك الآن بحاجة لتكوين مستقبلك.. وخصوصا وانت بلا عمل او .. اهل..
لمح نظرة حزن تحتل عيناها..فاسرع يقول محاولا تلطيف الجو بابتسامة: فيما عداي طبعا..
اما عهد فقد التقطت نفسا عميقا وهي تحاول ان تستعيد رباطة جأشها وتقول بلامبالاة: اذا افعل ما تشاء بها..
قال وهو يواصل طريقه من جديد: اتثقين بي وبمنحي كل ما لديك حقا؟..
اكتفت بأن قالت: اجل..
توقف في تلك اللحظة عند سيارته وقال وهو يفتح بابه بالمفتاح: اركبي..
قالت متسائلة: الى اين؟..
- اركبي اولا.. وبعدها سأخبرك..
استسلمت لمطلبه.. ودارت حول مقدمة السيارة لتحتل المقعد المجاور.. وانطلقت بهما السيارة الى مكان تجهله هي.. وقالت محاولة ان تروي فضولها: الى اين تذهب؟..
قال مبتسما: الى المبنى البريطاني..
رفعت حاجبيها.. ومن ثم لم تلبث ان خفضتهما وهي تقول: ظريف جدا..
قال وابتسامته تتسع: اعلم..
عقدت ذراعيها امام صدرها وغاصت في مقعدها وشعور بالضيق يسيطر عليها.. وبغتة شعرت باهتزاز هاتفها في جيب معطفها.. وارادت ان تتجاهله لكنها خشت ان ينتبه فارس لصوت الاهتزاز.. فالتقطته ووجدت انها رسالة قد وصلت اليه..
سارعت بفتحها وقرأت كلماتها على عجل والتي كانت تقول..( اتمنى ان تكوني قد وصلت بأمان)..
لا زال يهتم بأمرها.. بعد كل ما فعلته.. لا زال يخشى عليها.. اتكون تعني له شيئا ما في حياته؟.. لكن هذا خطأ.. تفكيرك به في حد ذاته اكبر خطأ..
واكتفت بأن اجابت عليه بكلمة واحدة فقط ..(نعم) ..وارسلتها دون ان تنتبه لنظرات فارس التي كانت تختطف النظرات اليها بين الحين والآخر.. وقال متسائلا : ممن كانت الرسالة؟..
التفتت له بحدة.. كيف علم انها رسالة؟.. هل كان يراقبها ام ماذا؟..وقالت بصوت حاولت ان تخفي به رنة التوتر: من شركة الاتصالات..
قال متسائلا وهو يضيق نظراته: اذا لم قمت بالرد على الرسالة؟؟ ..
أي عقل يملك هذا الشاب؟..ايراقب كل حركة تقوم بها؟.. اكتشف انها قامت بالرد ايضا.. يبدوا انها كانت غبية عندما فكرت بالرد وهي معه..وقالت بعد ان فكرت بكذبة: لاني اردت الاشتراك في الخدمة التي قدمتها شركة الاتصالات..
لمحته يختطف النظرات اليها مجددا.. وكأنه متشكك من ما قالته.. يالك من داهية يا فارس..وقالت محاولة تغيير دفة الحديث وهي تتطلع من نافذة السيارة: الى اين سنذهب يا فارس؟.. لا يبدوا لي المكان مألوفا..
قال بسخرية: ربما سأختطفك..
قالت بسخرية مماثلة: لن تجد من يدفع لك فدية في مقابل ارجاعي ..
قال بابتسامة ساخرة: ومن قال اني اريد مالا؟.. سأكتفي بتخليص فرقة القاومة من مجنونة مثلك..
قالت وهي تلتفت اليه: انا جادة .. الى اين نذهب؟..
تطلع الى ما امامه وقال مبتسما: انظري امامك..
تطلعت الى حيث يتطلع هو وقالت متفاجأة : مطعم الشاطئ..
قال وابتسامته تتسع: اتذكرينه؟..
قالت بمرح: كيف لا وقد تركتك تنتظرني فيه يومها لمدة تزيد على الساعة..
قال بسخرية: وما ادراك انها ساعة؟.. انني لم احضر اساسا.. لقد كذبت عليك عندما اخبرتك انني قد حضرت وانتظرتك هناك ..
قالت عهد مبتسمة: كاذب..اذا لم اتصلت بي يومها واخذت تتشاجر معي لاني لم احضر وتركتك تنتظر وحدك هناك لساعة كاملة؟؟..
اوقف السيارة جانبا في احد المواقف الخاصة بالمطعم.. وقال دون ان يعلق على عبارتها وهو يطفئ محركها: هيا..فقد بدأت اشعر بالجوع..
تطلعت الى ساعة السيارة الرقمية وقالت : انها السابعة.. الوقت مبكر جدا على العشاء..
قال بضيق: ومن قال اني تناولت طعام الغداء اصلا.. هيا اهبطي وكفاك ثرثرة..
هبطت من السيارة وقد احنقتها كلماته الاخيرة.. وسارت بجاوره حتى وصلا الى المطعم فاحتلا احد الطاولات.. وقال فارس حينها وهو يتطلع اليها بحنق: وكأنني اجلس مع احد اصدقائي..
فهمت ما يعنيه وقالت بحدة: لم يطلب احد منك اصطحابي معك.. انت من فعل..
قال بضيق: ليس لأجل شيء..فقط لكي انهي بعض المسائل المالية التي تتعلق بك كما اخبرتك..
زفرت بضيق وضجر قائلة وهي تضع يدها اسفل ذقنها: اكان من الواجب علي ان احضر؟.. الم يكن بامكانك انهاءتلك الامور دون وجودي؟..
- مع الاسف كلا..
وقام بنداء النادل وطلب منه احضار وجبتي عشاء.. فقالت عهد وهي تشيح بوجهها وتحرك اصابعها على الطاولة بعصبية: لا اريد أي شيء.. اطلب منه ان يلغي وجبتي..
وكأنه لم يستمع اليها وقال بهدوء: سأوظف اموالك في مشروع تجاري.. اما ايجارات الشقق .. فستكون في رصيدك الخاص..
تطلعت له عهد بنظرات متضايقة قبل ان تقول : لا يهمني أي شيء مما قلته.. اريد العودة الى الفرقة.. فلتنهي طعامك بسرعة..
تطلع بنظرة ساخرة قبل ان يقول: جيد انك اخبرتني بهذا.. حتى اطلب من النادل التأخير في احضار الطلب..
هزت كتفيها وقالت ببرود: سأعود وحدي حينها..
قال بلهجة تنطوي على التحدي: وكيف؟..
قالت بتحدي مماثل: باحدى سيارات الاجرة..
قال مستهزءا: هذا ان وجدت سائق اجرة مجنون.. يوصلك الى حيث حدود الدولة..
تمللت في جلستها واخذت تتطلع اليه بضيق شديد.. وهي تتمنى مرور الوقت سريعا.. حتى تتخلص من سخريته ومضايقته الدائمة لها...
#########
كان ينتظر جوابا على رسالته.. ينتظر ان ترد عليه بكل لهفة.. لكنه لم يتوقع انها كلمة واحدة لن تزيد.. لقد حطمت آماله في ان تتحرك مشاعرها ولو قليلا تجاهه..لم هي قاسية هكذا؟.. ام انها هي من تجعل قلبها يقسى عليه؟.. لم كل هذا؟.. وهو الذي تغاضى عن اشياء كثيرة لاجلها.. لم؟!..
ربما انه الوقت الخطأ والمكان الخطأ.. وفي ظروف هي اشد ما تكون على كليهما.. فتجبرهما على الابتعاد كل ما حاول احدهما ان يخطو خطوة نحو الامام..كل شيء بينهما هو النقيض بحد ذاته.. بدءا بعالمه وعالمها.. حياته وحياتها.. دينه ودينها.. كل شيء مختلف.. كل شيء.. وكأن القدر يبني الحواجز بينهما ليبتعدا اكثر عن بعضهما.. لكن هل بامكان المشاعر ان ترضخ؟..هل بامكانها ان تستسلم لهذا الاختلاف؟..ام تقاوم وتفضل ان تنعم ولو بالقليل بدلا من ان تنحرم الى الابد؟..
ربما ألكس لا ينظر للغد.. لا ينظر لنهاية الطريق.. نظرته تنحصر على حيث يقف هو.. مشاعره تحكمه.. متناسيا ومتجاهلا عقله الذي به سيضبط مشاعره تلك..
حاول ابعاد تلك الافكار عن رأسه وهو يتطلع الى الخريطة التي امامه.. لا يزال عليه ان يكمل المهمة.. وان يجد افراد فرقة المقاومة.. عليه ان يقبض عليهم خلال مدة قصيرة كما اقتضت الاوامر.. متجاهلا أي شيء آخر..
لو كان الامر بيده لوصل الى تلك الفرقة في اسرع وقت ممكن.. لكن من الذي يستطيع ان يجعل قلبه يفهم ان عمله هو من اولوياته؟.. وعليه ان يواصل المهمة متجاهلا عهد...
لماذا وضعها القدر له في طريقه؟.. ألتكون عقبة في سبيل تحقيق الانتصار؟.. لماذا التقى بها وتحركت مشاعره لاجلها؟.. لماذا؟؟..
زفر بحدة واغمض عينيه وهو يحاول ابعاد تلك الافكار التي ارهقت ذهنه...
##########
شعور بالملل والضجر سيطر على عهد وهي تجلس وحيدة في سيارة فارس.. بعد ان هبط منها هو وتوجه لانهاء بعض الامور والاجراءات التي يترتب عليهاحصولها على نصيبها من الميراث.. لا يهمها المال .. لكن بحسب ما قاله انه يستطيع توظيف اموالها في مشروع ما.. ويمكنها بعدها ان تضمن مستقبلها المجهول ...
اغمضت عينيها بضجر.. دون ان تعلم بما عليها فعله.. مرت نصف ساعة تقريبا وهو لا يزال داخل ذاك المبنى.. طلب منها المجئ معه وهي من رفض.. ولسبب واحد تدركه جيدا.. لا تريد تجديد الاحزان.. لا تريد العودة الى الماضي.. يكفيها جراحا..
اما هو الذي انتهى من تلك الاجراءات اخيرا وغادر المبنى.. ليتوقف امام سيارته ويفتح بابها ويدخل اليها بهدوء..وهنا التفت لعهد وهم بقول شيء ما.. لكن توقفت الحروف على طرف لسانه.. ربما لشكلها البريء لحظتها.. وربما لانه لم يرد ازعاجها وهو يرى ان ملامح التعب واضحة من انعقاد حاجبيها ..
لكن لمعة خبث في عينيه جعلته يميل نحوها .. ويهتف قائلا فجأة: عهد ..
انتفضت عهد كمن افاقت من حلم ما.. والتفتت له وقالت وهي تزفر بجدة: ما بالك؟.. لا تعرف حتى ان تنادي شخص بطريقة افضل..
قال بابتسامة سخرية وهو يدير المحرك: مع الاسف كلا..
وانطلقت بهما السيارة تشق شوارع العاصمة عائدين بها الى حيث الحدود..وعهد التي لم تكن تعلم الى اين تنطلق السيارة بهما .. لم تستطع ان تمنع نفسها من التساؤل: الى اين تذهب الآن؟ ..
قال بمكر وهو يفكر في التلاعب باعصابها: لدي شقة خالية في احد المباني.. يمكنك الاقامة بها.. اما انا فسأقيم في اخرى..
عقدت حاجبيها وقالت بلهجة امر: اوقف السيارة حالا.. او اعدني الى فرقة المقاومة..
قال بابتسامة ساخرة: ومن سينفذ طلباتك..
قالت وهي تشير الى الخارج بتحدي: سأفتح الباب وسأغادر السيارة..
قال فارس بابتسامة: وكيف يمكنك فعل ذلك اثناء انطلاق السيارة..
قالت عهد بحدة: اقسم انني سأفعلها وسأخرج من السيارة ان لم تأخذني الى فرقة المقاومة حالا..
ضحك بسخرية وقال وهو يهز رأسه: طفلة يا عهد.. ولن تتغيري ابدا..
قالت بعصبية وهي تلوح بكفها: لست غبية حتى تخدعني وتجعلني اعود معك بكل ...
قاطعها فارس قائلا: يكفي صراخا ايتها الفتاة.. وانظري للطريق جيدا.. نحن ذاهبون الى حيث تريدين..
تطلعت الى الطريق بشك.. ومن ثم لم تلبث ان انتبهت للطرق المؤدية لفرقة المقاومة.. فقالت وهي تلتفت له: لم كذبت علي اذا؟.. اتحب ان تثير غضبي فقط؟..
هز كتفيه وقال ببرود: ربما...
وتوقف بعد دقائق على بعد مسافة مناسبة من فرقة المقاومة ..ففتحت عهد باب السيارة واستعدت للهبوط منها.. قبل ان تشعر بقطرة ماء تسقط على كفها.. وابتسمت قائلة وهي ترفع رأسها الى السماء: المطر..
قال فارس بابتسامة هادئة: هيا اهبطي اذا قبل ان بشتد..
التفتت له وقالت: أتذكر اخر مرة رأيت فيها المطر؟.. كانت هناك دعوة على الغداء في منزلنا لكل افراد العائلة .. لم نصدق خبرا عندما شاهدنا المطر.. وانطلقنا جميعا للخارج ..
قال فارس مبتسما: وتلقيتم نصيبكم من التوبيخ بعد ان شاهدوكم بثيابكم المبللة..
قالت عهد بضيق: الا تتذكر الا التوبيخ من الامر برمته؟..
ضحك قائلا: وماذا افعل اذا كانت تصرفاتك مجنونة تستحقين عليها التوبيخ؟..
رفعت احدى حاجبيها بضيق قبل ان تغادر السيارة.. وغادر هو بدوره بعد ان اقفل السيارة.. وطرق الباب ثلاث طرقات اعتاد عليها في الآونة الاخيرة.. ففتح الباب وظهر من خلفه عزام وهو يفسح لهما للدخول..
وما ان دخل الاثنان حتى وقع بصرهما على اولئك الثلاثة الذين لم يروهم من قبل في فرقة المقاومة والدهشة تعتلي وجهيهما وسمعا الحوار الذي دار في تلك اللحظة..
قال احدهم: هذا واجبنا ليس الا..
وهشام الذي قال بكل فخر: سعيد واشعر بالفخر لوجود افراد مثلكم في ادارة الشرطة..
قال الآخر وهو يختلس النظرات للفتاة الثالثة التي كانت معهم: ان اردت الصدق لم نكن نستطيع فعل شيء من غير الرائد غادة ..
رفعت تلك الفتاة حاجبيها ومن ثم قالت بلهجة حازمة: لم نكن نستطيع فعل شيء من غير تعاون الجميع..
واردفت بهدوء: والآن اسمح لنا سيدي المقدم.. علينا المغادرة.. فأنت اعلم بالظروف..
ابتسم لها هشام قائلا: مقدم سابق ان صح القول.. اشكركم مرة اخرى على تعاونكم.. واتمنى ان اراكم بين افراد الفرقة من جديد..
قال احدهم الذي بدت نظرة جامدة في عينيه.. ولا احد يمكنه ان يكتشف ما تخفيه اعماق هذا الشاب: سنقدم لكم كل ما تحتاجونه من ذخيرة واسلحة .. يكفينا اتصال منك.. وسيكون كل شيء جاهزا..
ابتسم له هشام بامتنان ومن ثم قال وهو يتلقط نفسا عميقا: انتم فخر لهذا الوطن حقا..
وانهوا حوارهم بكلمة (الى اللقاء)..واستداروا جميعا متوجهين نحو الباب الرئيسي.. لكن غادة التي توقفت بغتة عن مواصلة طريقها..جعلت استغراب الشرطيين الآخرين يلتفتان لها ويتطلعان لها بحيرة لوقوفها المفاجئ.. وشاهدوا نظراتها المتوجهة ناحية فارس وعهد.. لكن الاخيرة شعرت ان النظرات متوجهة نحوها هي بالذات.. وطالت نظرات غادة لعهد وفارس.. حتى ان عهد شعرت بالدهشة من نظرات غادة.. فلا تذكر ابدا انها قد رأت او التقت بهذه الفتاة من قبل.. فلم تنظر اليها هكذا؟!..
فارس بدوره قد استغرب نظرات غادة التي لا يعلم ان كانت متوجهة له هو او عهد.. وقال بهدوء: هل هناك شيء؟..
التفتت غادة عنهما وقالت بهدوء: كلا..
واصلت طريقها نحو الباب الخارجي مغادرة فرقة المقاومة.. تحت وطأة نظرات الاستغراب التي شيعتها بها عهد...
##########
(لم كنت تتطلعين اليهما هكذا؟)
قالها احد الشرطيين المرافقين لغادة .. التي قالت بهدوء: بل كنت اطلع الى احدهما فقط..
تساءل قائلا: لم؟.. هل تعرفينه؟..
قالت غادة وهي تسترخي في مقعدها مجيبة: كلا.. ولكن ربما اعرفه يوما ما..
قال وهو يعقد حاجبيه: لم افهمك..
قالت بابتسامة ضئيلة: لا يهم.. المهم ان افهم انا نفسي..
اما الآخر الذي كان يقود السيارة قال: كانت تتطلع الى الفتى صغير السن..
استغربت معرفته بالامر.. لكنها قالت وهي تهز كتفيها: ربما..
واستمرت السيارة منطلقة في طريقها.. وهي تحمل بداخلها ثلاثة.. ربما تمضي الايام دون ان نراهم.. او نلتقي بهم مرة اخرى في ظروف لم يتوقعها احد..
############
ارتسمت ابتسامة على شفتي مارك وهو يقترب من سوزي قائلا: اظن انني لم اخلف بوعدي لك؟..
تطلعت له باستغراب قائلة: أي وعد تعني؟..
قال وهو يغمز لها بعينه: بأن لا اشترك في المهمة السابقة.. الم تقولي انك تخشين ان اصاب بمكروه؟.. وقد وعدتك ان احمي نفسي من أي خطر.. وها انذا لم اشترك في المهمة وفضلت البقاء لأجلك و...
قطع عبارته صوت رنين هاتفه.. فاستغرب ان يتصل به احد في وقت كهذا.. وخصوصا ان لم توافيه أي اتصالات في الآونة الاخيرة.. والتقطه من جيب بنطاله وتطلع الى شاشته.. ومن ثم لم يلبث ان ابتسم بفرحة امام عيني سوزي المندهشتين ويقول بصوت متلهف: اهلا بك.. اشتقت اليك كثيرا..
صمت قليلا ومن ثم قال بمرح: كفاك دلالا.. طلبت منك المجئ معي لكنك لم تقبلِ بذلك.. والآن تطلبين مني ان آتي واصطحبك معي مرة اخرى..لكن مع الاسف الامر مستحيل في ظل هذه الظروف..
صمت مرة اخرى ومن ثم قال وهو يتنهد: اجل لا تزال الحرب كما هي .. وما افعله ليس سوى دفاع عن وطن شقيقي و...
قاطعته نظرات سوزي له التي تحمل له كل اتهام.. وقال بهدوء متحدثا عبر الهاتف: لحظة واحدة..
وما لبث ان قال لسوزي: ما بك؟..
قالت سوزي بشك: الى من تتحدث؟؟..
قال مارك بتلقائية: مع شقيقتي ايما..
قالت سوزي بحنق واستخفاف: صدقتك..
وكادت ان تستدير عنه.. لكنه امسك بمعصمها واجبرها على عدم التحرك من مكانها .. وبيده الأخرى ضغط على زر تحويل المكالمة الى (ميكروفون).. وقال بصوت ذا نبرة اعلى: اخبريني يا ايما.. كيف هي احوال والدي ووالدتي؟.. وكيف هي احوال الدراسة معك؟..
انطلق صوت ايما وهو يحمل بين طياته الشوق واللهفة: كلنا مشتاقين اليك يا اخي.. فقط عد الينا..
اعاده مارك الى الوضع الاعتيادي ونظر الى سوزي نظرة عتاب .. وابتعد قليلا ليتحدث الى شقيقته بحرية..اما سوزي فقد اطرقت براسها وهي تشعر بالندم.. لم راودتها الشكوك عمن يتحدث اليها؟.. اهي الغيرة يا ترى التي اعمت بصيرتها عن حب مارك لها؟؟..
وبخطوات مترددة ومرتبكة تبعته وانتظرته ينتهي من مكالمته ومن ثم قالت: لم اقصد ..لقد.. لقد..
قال مارك بنبرة هادئة: افهم ما تريدين قوله.. لكن لست الشخص الذي تشكين بأمره ولا تثقين به بعد كل ما حدث بيننا ..
قالت سوزي وهي تبعثر نظراتها يمينا ويسارا: اقسم اني لم اقصد..
قال مارك بابتسامة باهتة: لم يجدث شيء.. ثم ان علينا عدم ترك مثل هذه الخلافات تتفاقم بيننا ..خصوصا واننا قد نفترق بين لحظة واخرى..
همت سوزي ان تستفسر عن عبارته التي شعرت انها غامضة بعض الشيء..لكن مارك قال بهدوء: هشام يريدني معه الآن .. بالاذن..
قالها ومضى في طريقه.. تاركا سوزي تفكر في ما قاله بحيرة شديدة..
########
وقفت عهد وهي تسند ظهرها الى جدار الردهة.. غارقة في افكارها كالعادة.. تفكر فيما يخبؤه لها مصيرها المجهول .. تفكر في الماضي الذي حفر في قلبها جراحا لن تلتئم .. وفي حاضر يحمل لها بين كل لحظة واخرى خطرا قد يميتها.. وفي مستقبل لا تعرف عنه شيئا ولا يمكنها حتى ان تتخيل ما قد يخفيه لها..
وبينما كانت كذلك سمعت صوت ذلك الشاب وهو يهتف بها: عهد..
رفعت رأسها اليه وقالت متسائلة: ما الامر؟..
قال مبتسما: خذي هذه..
قالها وهو يرمي لها بتفاحة .. فاسرعت تلتقطها بين كفيها باستغراب.. فقال فارس بهدوء: انك لم تتناولي شيئا منذ الامس.. بسبب عنادك..
رسمت ابتسامة على شفتيها وقالت:شكرا..
وقلبت التفاحة بين يديها وهي تشعر بالامتنان تجاه فارس .. ربما يكون متسلطا.. لكن وجوده يشعرها بالامان والـ...
قطع تفكيرها تلك الاصوات التي انطلقت من الردهة.. اثر اجتماع افراد فرقةالمقاومة.. واسرعت تتجه الى هناك وبجوارها فارس..وسمعا صوت هشام الذي قال في تلك اللحظة: والآن يا شباب.. نريد ان نعد العدة لخطوتنا القادمة..
قال رائد بدهشة: لم يمض يومين على آخر مهمة لنا.. لا تنسى اننا اصبنا مبناهم.. وهذا سيفتح العيون علينا.. وسيجعلهم مترقبين لنا في اية لحظة..
قال هشام وهو يلتفت له: لم اقل اننا سننفذ.. قلت اننا سنبدأ بالتخطيط منذ الآن.. ثم ان لدينا نقطة في صالحنا .. فنحن نعلم موقعهم بالمقابل هم لا يملكون اي طرف خيط يقودهم الينا..
ابتسم رائد قائلا: لقد فهمتك ..
قال هشام وهو يدور بانظاره بين افراد المقاومة: والآن اسمحوا لي بأن اطلب ممن يود الاشتراك بالمهمة.. التطوع لنعلمه بالتفاصيل..
رفع عدد من افراد المقاومة ايديهم.. وتبعتهم عهد التي ما ان همت برفعها.. حتى امسك فارس ذراعها بقوة وقال بهمس غاضب: انزلي ذراعك والا قطعتها لك..
اتسعت عيناها بقوة وقالت بحدة: لا شأن لك بي.. اترك ذراعي..
قال بغضب اكبر: اتودين قتل نفسك ام ماذا؟..
قالت وهي تتلفت حولها بقلق: اخفض صوتك..
قال فارس بحدة: ليس قبل ان تعديني بعدم الاشتراك في هذه المهمة..
(ما الذي يجري هنا؟)
التفتت عهد بخوف الى هشام ..وهي تخشى ان يكون قد سمع شيئا ما.. وقال هشام مردفا وهو يعقد حاجبيه: لم هذه المشادة التي بينكما؟..
قالت عهد بصوت هادئ وان غلفه التوتر: انه يرفض اشتراكي بالمهمة..
التفت هشام الى فارس وقال بجدية: خوفك عليه ليس مبررا يجعلك تمنعه من الاشتراك في كل مهمة.. ان كنت ارى ان من الخطر عليه الاشتراك ..فسأكون اول من يمنعه..
قال فارس بضيق شديد: يكفي ما جرى لعهد من بداية تواجده في فرقة المقاومة..
فهم هشام ما يرمي اليه وقال ببرود: يمكنك ان تسأل عهد بنفسه .. الخطأ لم يكن خطأنا.. هو من ترك المكان وابتعد عنا.. مما ادى الى القبض عليه من قبل الجنود البريطانيون..
قال فارس وهو يعقد ذراعيه امام صدره: المهم ان عهد لن يشترك في هذه المهمة..
قال هشام وهو يتطلع الى فارس بنظرات قوية: هذا ليس قرارك انت.. بل قراري انا كقائد..
والتفت الى عهد قائلا: ستشترك يا عهد كما تريد..
ابتسمت عهد ولمع في عينيها بريق انتصار..وقالت: شكرا يا ايها القائد..
وقبل ان ينطق فارس ببنت شفة او بكلمة اعتراض.. التفت له هشام وقال بهدوء: وانت ستكون معه في المهمة.. اظن ان هذا يرضي جميع الاطراف على ما اعتقد ..
واستدار عنهما دون ان يسمع تعليق اي منهما.. لكن فارس الذي كان يحاول كبت الغضب الثائر في اعماقه قدر الامكان.. قال : فليكن يا عهد انت من بدأ.. وستندمين لفعلتك هذه..
قالها ومضى في طريقه.. تاركا عهد في قلق مما قد يفعله فارس ردا على اشتراكها بالمهمة...
:
:
يتبع..
 
بـــ الحب (25) والواقع ـــين
::خوف وقلق::

جلست عهد على الاريكة وهي تشعر بقلق يسيطر عليها.. وهي تحاول ان تراقب فارس دون ان ينتبه لها..لكن هذا الاخير كان يحدجها بين لحظة واخرى بنظرات غاضبة وثائرة.. وهذا ما كان يضاعف قلقها.. تخشى ان يتصرف أي تصرف مجنون نتيجة لاشتراكها بالمهمة..تخشى ان يفضح امرها ويخبر الجميع بانها فتاة .. وبعدها ستطرد من هذا المكان بأكمله..
ضربات قلبها تتسارع بخوف وهي ترى نظرات الغضب التي يوجهها لها فارس وكأنها اسهم تخترقها.. ازدردت لعابها وهي تشيح بوجهها عنه.. وتحاول ان تتناسى هذا الموضوع ولو قليلا.. وتأكد لنفسها ان فارس لن يفضحها فقد وعدها قبل كل شيء ...
ومضت لحظات ثقيلة على الاثنين.. قبل ان تلمح عهد رائد وهو يقترب من فارس ويقول وهو يمد له علبة ما: فارس.. هذه لك..
رفع فارس رأسه وقال وهو يتطلع الى العلبة باستغراب: وما هذه العلبة؟..
قال رائد مبتسما: اقراص منومة.. الم تقل انك مصاب بالارق دائما ولم تعتد المكان بعد؟..فأردت ان امنحك هذه الاقراص لعلها تساعدك على النوم..
اخذ فارس الاقراص من رائد وهو يشعر باضطراب بسيط.. واختطفت عيناه النظرات الى عهد.. التي كانت مستغربة من قول رائد.. فرائد ينام في غرفة وفارس في غرفة اخرى .. ايكون اخبره احد ما بالامر؟.. ربما..
وتقدمت من رائد لتتساءل بحيرة: وكيف علمت انه يشعر بالارق؟..
التفت لها رائد وقال ببساطة: امر طبيعي.. فهو لا ينام الليل بطوله.. ويكتفي بالتجول بالردهة..
اتسعت عينا عهد بقوة وذهول والتفتت الى فارس الذي رمقها بنظرة قوية.. وكأنه يقول لها انه كان من الواجب عليه فعل ذلك من البداية..
فقال رائد وهو يهم بالانصراف: ارجو ان تساعدك الاقراص على النوم.. بالاذن..
عهد التي كانت تنتظر ان يبتعد رائد عن المكان.. قالت بعصبية ما ان ابتعد الاخير : ما الذي تقصده بفعلتك هذه؟؟..
قال ببرود كمن لم يفعل شيئا ابدا: لا شيء..
قالت وهي تكور قبضتها محاولة ان تسيطر على اعصابها: لم تقف طوال الليل بالردهة اذا؟؟!..
قال فارس وهو يقف في مواجهتها: يمكنك القول انها محاولة مني في حمايتك من كل ممن حولك..
قالت بهمس غاضب وهي تشير حولها: الكل هنا لا يعلم حقيقة انني فتاة.. لا احد هنا يعلم اني فتاة سواك..
قال فارس وهو يعقد ذراعيه امام صدره بلامبالاة: حسنا وبعد؟..
تطلعت اليه بنظرات منفعلة هاتفة بعصبية: الم تفهم معنى تصرفك بعد؟..
قال وهو يهز كتفيه: انني اخشى عليك من الجميع..
قالت وهي تحاول ان تسيطر على اعصابها من بروده: جميعهم هنا يظنونني شابا.. اما انت فتعلم بالحقيقة.. هم لا يمكنهم اذيتي اما انت...
بترت عبارتها وهي تحاول تمالك نفسها .. اما هو فقد قال بصدمة: اما انا ماذا؟..قوليها.. لم صمت فجأة؟.. قولي انني انا من يرغب بأن يؤذيك ويمسك بسوء.. قولي ان ابن عمك الذي هو اقرب الناس اليك .. هو من يفكر في اذيتك.. هذا بدلا من ان تشكريني على كل ما فعلته لك منذ البداية.. بدءا بصمتي على وجودك في هذا المكان واستمرار هذه المهزلة.. وانتهاءا باشتراكك في مهمة ستودي بحياتك ..اهكذا تفكرين بي يا عهد؟.. اهكذا تفكرين؟ ..
قالت وقد بدأت تشعر ببعض الندم مما قالته: انا لم اعني هذا.. لكن تصرفاتك تبرهن لي عكس ما تقول..
قال وهو ينظر لها بعتاب: لم اعد موضع ثقة حتى بالنسبة لك.. وكل هذا لاني فكرت في حماية فتاة حمقاء .. وخشيت عليها ممن يحيطون بها..
قالت وهي تشيح بنظراتها بعيدا عنه: ليس لخوفك هذا أي معنى .. فأنا استطيع حماية نفسي.. ومن فضلك.. لا تقف في الردهة مرة اخرى..
قال بحدة: لست مستعدا لتنفيذ طلباتك..
وقبل ان تهم عهد بقول كلمة اخرى.. سمعا نداء هشام الذي كان يقول من غرفة المكتب: ارجو ممن تتطوعوا في المهمة ان يأتون لغرفة المكتب .. لنشرح لهم كافة التفاصيل التي اتفقنا عليها مبدئيا..
سارت عهد بجوار فارس .. وهي تجمع ما بين القلق والندم.. القلق من فارس ووقوفه الدائم بالردهة.. والندم لكلماتها التي نطقتها في لحظة غضب..لم تكن تدرك أي تصرف كان صحيحا في موقف كهذا.. وهي تراه يراقبها في الردهة اثناء نومها.. لم تعلم ما الذي عليها ان تفكر فيه او تقوله لحظتها.. وقد قالت ما قالته نتيجة لقلقها وخوفها من تصرف فارس .. لكن ايكون سببه لذلك هو الخشية عليها فقط؟؟.. هي تعرف فارس جيدا.. لكن تصرفه هذا يقلقها و يوترها كثيرا...
############
(الفرقة (أ) توجهوا شمال المنطقة.. الفرقة (ب) على بعد سبع كيلومترات من شرق المنطقة.. هيا تحركوا)
قالها ألكس بصرامة وهو يتطلع الى جنوده.. في حين صاحوا هم جميعا بكلمة (امرك) قبل ان ينطلقوا لتنفيذ الاوامر..
اما جون فقد اقترب من ألكس وقال وهو يعقد حاجبيه بتفكير: وماذا عن غرب المنطقة وجنوبها؟..
قال ألكس مجيبا: سأترك البحث في هذه الاتجاهات لوقت لاحق..
قال جون بهدوء: فليكن.. سأذهب انا الآخر.. فكما تعلم لم انجح بالمهمة بعد بايجاد تلك الهاربة..
قال ألكس وهو يلتقط نفسا ويزفره: ربما تكون قد فارقت الحياة أو...
قاطعه جون قائلا: كلا.. وصول فرقة المقاومة الى المبنى يعني امرا واحدا.. انها قد ارشدتهم اليه.. وهذا يعني ان كلينا نقوم بالمهمة ذاتها تقريبا.. سواء بالوصول الى فرقة المقاومة او اليها.. سيكون الامر سيان.. فهي منهم قبل كل شيء ..
قال ألكس بلامبالاة مصطنعة: على العموم.. ربما تكون هي قد اخبرتهم او شخص آخر غيرها.. لا يهم هذا الامر بقدر ما يهم نجاحنا في المهمة الموكلة الينا..
قال جون بهدوء: اظن ان نجاحنا في المهمة تعني مصيرنا بأكمله ..فلو قبضنا على فرقة المقاومة.. نكون قد قطعنا رأس الافعى.. وبعدها يمكننا استعمار هذه البلاد دون مقاومة..
قال ألكس وهو يتنهد: ربما تظهر بعدها فرقة مقاومة اخرى .. وربما يستمر الصراع بعدها الى ما لا نهاية..
قال جون وهو يهز كتفيه: لا اظن.. فربما لو قمنا بتنفيذ حكم الاعدام بهذه الفرقة.. سيخشى الناس من تشكيل فرقة اخرى.. يكون لها المصير ذاته..
قال ألكس بسخرية: لا تنسى اننا في الحالتين نقوم بقتل البشر.. سواء من وقف ضدنا او لم يقف..
قال جون بابتسامة باهتة: ادرك هذا جيدا.. انها دواعي الاستعمار.. والآن بالاذن.. واتمنى لك التوفيق في مهمتك ..
قال ألكس وهو يمط شفتيه بعد مغادرة جون للمكان: اما انا فلا..
وشخص ابصاره تجاه تلك السيارات المنطلقة نحو الاتجاه الشرقي .. وصعد الى سيارته هاتفا بالجندي الذي يحتل مقعد السائق: انطلق نحو الشرق.. خلفهم..
ادار الجندي المحرك وانطلق بالسيارة منفذا الامر..دون ان يدرك أي منهما بتلك العيون التي كانت تراقب كل خطوة يخطون بها بحذر شديد...
############
لم تستطع عهد النوم في تلك الليلة.. كانت تتقلب على تلك الاريكة لمرات عديدة.. دون ان تغفو لها عين ولو لدقائق معدودة.. وكلمات رائد ترن في اذنها.. وتجبرها على ان تبقى متيقظة كلما تسلل النوم الى عينيها...
وزفرت بحدة وهي تعتدل في جلستها وتغطي وجهها بكفيها محاولة التفكير بطريقة سليمة.. وابعاد أي وساوس عنها.. لكن وجود فارس معها يثير مخاوفها حقا..
رفعت ناظريها تبحث عنه في كل مكان.. انه ليس موجودا هنا.. لكنه بالتأكيد يراقبها من مكان ما..
ونهضت من على الاريكة وهي تلقي بالغطاء عن جسدها وتتجه لدورة المياه.. لتغسل وجهها عدة مرات.. لعلها تستعيد انتعاشها وصفاء ذهنها.. لا تريد التفكير بفارس.. تريد ان تنام بكل هدوء كما في كل ليلة.. .
وخرجت من دورة المياه.. وهي تمسك جبينها بتعب.. وجفناها تشعر بهما كثقلان من الحديد.. لا تريد ان تنام.. الخوف يسيطر عليها والحاجة الى النوم كذلك.. فأيهما سينتصر؟..
وما ان رفعت رأسها حتى لمحت ذاك الشخص الذي ينظر لها بنظرات مستغربة وهو يتساءل: الم تنامي بعد؟؟..
قالت وهي تزفر بحدة: كلا.. والفضل يعود لك..
قال فارس بحيرة: وما شأني انا؟..
قالت عهد وهي تغمض عينيها بتعب: وقوفك في الردهة يمنعني من الشعور بالراحة او الاستغراق في النوم..
قال فارس بحدة: أي جنون تتفوهين به؟.. انني اقف بالردهة منذ مجيئي الى هنا؟.. هل اذيتك او اقتربت منك حتى؟.. هيا اذهبي للنوم وكفي عن سخافاتك..
قالت وهي تشعر بصداع برأسها: بل اذهب انت للنوم اولا..
زفر بحدة وقال وهو يمرر اصابعه بين خصلات شعره: لا يمكنني ذلك وانا اراك تنامين وحيدة بالردهة..
قالت بضيق وصداع رأسها يشتد: لا شأن لك بي.. اذهب انت فقط للنوم.. واتركني لانام..
قال فارس بحنق: واذا لم اذهب للنوم.. ستظلين مستيقظة طوال عمرك مثلا؟؟..
تنهدت بتعب قائلة: هذا شأني..
قال وهو يتطلع اليها بنظرات متضايقة: فليكن.. ابقي هكذا.. انت من ستذهبين للنوم وحدك بعد قليل بعد ان تشعري بالتعب..
قالت بعناد: لن افعل..
استدار عنها وقال وهو يبتعد عن المكان: هذا شأنك ..
وابتعد عنها .. في حين فكرت هي في حل.. وما ان خطرت فكرة ما على ذهنها.. حتى توجهت الى المكتب .. وجلست خلف الطاولة وهي تسند رأسها اليها بتعب.. وتحاول باستماتة مقاومة النوم الذي اخذ يتسلل الى جفنيها..
#########
(ألن تأتي الى العمل اليوم ايضا؟؟)
قالها حازم وهو يتحدث الى فارس عبر الهاتف صباحا.. واجابه هذا الاخير قائلا: لا اعلم..
قال حازم مستغربا: ما الذي تعنيه بلا تعلم.. اما ان تحضر او لا..
قال فارس وهو يتنهد: في الحقيقة.. انني افكر حقا بالمجيء للابتعاد عن هذا الجو قليلا.. لكن في الوقت ذاته.. لا استطيع ان اترك ابنة عمي وحيدة هنا..
قال حازم بضيق: ابنة عمك هذه.. تستطيع ان تتصرف افضل منك.. فقط دعك منها وتعال الى الشركة..
قال فارس بتردد: كلا.. سأبقى هنا.. او ما رأيك في ان ابدأ في عمل الاجراءات اللازمة للمشروع؟..
قال حازم بهدوء: افعل ما يريحك..
قال فارس بعد تفكير: اين انت الآن؟.. سآتي لاصطحابك معي..
قال حازم بابتسامة: بالشركة بكل تأكيد..
اسرع فارس يقول: ربع ساعة واكون بالقرب من هناك.. انتظرني..
قال حازم بمرح: واخيرا سأتخلص من اعباء الشركة.. اسرع بالقدوم من فضلك..
قال فارس مبتسما: فليكن.. الى اللقاء..
انهى المكالمة وكاد ان يغادر الفرقة.. لكنه اراد ان يطمئن على عهد اولا.. توجه الى حيث الاريكة التي تنام عليها.. واستغرب عندما وجدها خالية من أي شخص..
وتذكر بغتة الحوار الذي دار بينهما بالامس.. وتذكر غضبها من تصرفه الاخير وتوجهها الى غرفة المكتب مبتعدة عن المكان.. اتكون قد نامت هناك تلك الحمقاء؟؟..
واسرع يفتح باب تلك الغرفة وما ان اطل برأسه من خلفه.. حتى ارتفع حاجباه بدهشة.. وهو يرى عهد نائمة خلف المكتب وهي تسند رأسها لذراعيها اللذين على الطاولة.. وهمس قائلا بضيق: غبية..
وخرج من الغرفة ليتناول غطاءها.. ويعود الى المكتب من جديد ليغطيها به ويقول بضيق اكبر: فقط لو تفهمين اني اخشى عليك ليس الا..
وابتعد بعدها مغادرا غرفة المكتب وفرقة المقاومة باكملها ..لينطلق بسيارته الى حيث شركة والد حازم.. ويوقفها بجوار المبنى.. ليتصل بحازم ويقول بهدوء: انا انتظرك بالمواقف.. هيا اسرع بالنزول..
قال حازم في سرعة: حسنا..
انهى فارس المكالمة وهو يتطلع الى الشارع الجانبي والى السيارات التي تنطلق فيه بكل سرعة احيانا.. او تتجاوز بعضها الآخر احيانا اخرى..وبينما هو شارد الذهن فتح حازم باب سيارته المجاور.. وصعد الى السيارة وهو يقول: هيا .. انطلق..
استيقظ فارس من شروده والتفت الى حازم قائلا: متى صعدت الى السيارة؟..
قال حازم بابتسامة: بينما كنت تفكر فيها..
قال فارس وهو يرفع حاجبيه بضيق: بل كنت افكر في نفسي..
قال حازم وهو يظن ان فارس يمزح ليس الا: ولم كنت تفكر في نفسك؟.. ما الذي ينقصك يا اخي؟..تكاد تكون اغنى مني..
قال فارس وهو يدير محرك السيارة وينطلق بها: انا لا امزح يا حازم .. لقد كنت افكر حقا في نفسي.. فقد وضعتني المجنونة تلك في موقف لا احسد عليه..
قال حازم متسائلا وهو يلتفت له باهتمام: هلاّ شرحت لي ما الامر بالتفصيل؟..
قال فارس وهو يشد من قبضته الممسكة بمقود السيارة: رفضت اشتراكها بمهمة.. ولهذا كان علي ان ادفع ثمن خوفي عليها.. بأن اشترك معها انا الآخر..
قال حازم بضيق: لا تتحدث بالالغاز.. اشرح لي الامر بالتفصيل كما طلبت منك..
اخبره فارس بما حدث باختصار.. فقال حازم مبتسما: في الحقيقة.. لم يتمكن احد من تغيير طريقة تفكيرك غيرها.. فمنذ متى كنت ترضخ لامر ترفضه بكل هذه القوة؟..
قال فارس بعصبية: عندما يكون لدي ابنة عم غبية.. تفكر بالهروب ان رُفضت مطالبها..
قال حازم باستخفاف: وهل صدقتها؟.. انه حديث ليس الا .. فالى اين ستهرب مثلا؟..وكما قلت انت انها لا تملك أي مكان تلجأ اليه..
قال فارس وهو يمط شفتيه: مشكلتك انك لا تعرف عهد.. والا ما قلت مثل هذا الكلام.. صدقني لو عرفتها بشكل جيد .. ستدرك انها فتاة مجنونة.. قد تفعل أي شيء لتحقق رغباتها ..
واردف وهو يتذكر امر ما: وان كنت لم تصدقني بعد.. فسأذكر لك موقف حدث بيني وبينها قبل اربعة اعوام..يومها كانت تريد الخروج من المنزل ليلا وهي مصابة بالحمى من اجل ان ترى احتفالا كان بالقرب من المكان.. حاول والداها معها للعدول عن رغبتها لكن دون فائدة.. كانت تصر على الذهاب بشدة..فهي كل عام معتادة على الذهاب الى هذا الاحتفال الذي يقام سنويا ورؤية صديقاتها هناك..
قال حازم متسائلا: وبعدها حاولت انت اقناعها.. اليس كذلك؟..
قال فارس وهو يومئ برأسه: بلى.. لكنها لم تقتنع بما قلته .. ولم تخشى ان يزداد مرضها اكثر لو ذهبت.. ولهذا اضطررت ان اقفل باب الغرفة وهي بداخلها..
قال حازم بدهشة: يالك من شخص شرير.. اتقفل الغرفة وتسجنها بالداخل؟..
ابتسم فارس وقال وهو يهز كتفيه: لم يكن باليد حيلة سوى هذه.. ثم اتدري ما فعلت لتثبت لنا بعدها ان ما فعلناه لن يمنعها من الذهاب؟..
قال حازم وهو متلهف لسماع ما فعلته: ماذا؟..
قال فارس وهو يضحك بخفة: كسرت زجاج النافذة .. وارادت الهروب منها..ولهذا فقد آذت نفسها يومها.. واصيبت بجرح في ذراعها.. لا تزال آثاره واضحة حتى الآن..
قال حازم باستغراب: لقد بدأت اصدقك بوصفها بالمجنونة حقا ..
قال فارس بابتسامة: حتى لا تلومني مرة اخرى..
قال حازم وهو يبادله الابتسامة: وفي هذه المرة اوصلك جنونها للاشتراك بمهمة خطرة.. قد تصبح بطلا بعدها..
قال فارس بضيق بعد ان تذكر هذا الامر: قد يقتلها ويقتلني جنونها هذا.. كيف تفكر هذه الفتاة؟.. ألا تخشى على نفسها من الموت؟..
قال حازم وهو يفكر: ربما كانت تود الانتقام لمقتل والديها ..
قال فارس بضيق وهو يوقف سيارته في الموقف التابع لاحد الوزارات: الى متى؟.. ستظل تقاتل حتى تقضي على الجيش بأكمله مثلا..
قال حازم بهدوء: انسى هذا الامر الآن.. ولتفكر في مشروعك القادم وما تحتاجه لانجاحه..
زفر فارس بحدة وقال: معك حق.. لكن ليت الامر بهذه السهولة..
وغادر سيارته ليتوجه مع حازم الى المبنى الوزاري.. ليقوم بأول خطوات مشروعه..
##########
قال عزام وهو يتطلع الى هشام بتفكير: لقد فهمت ما تعنيه تقريبا بشأن خطوات المهمة القادمة..
قال هشام وهو يحتل مقعدا في الردهة: وستفهم اكثر لو احضرت خريطة المنطقة..
قال عزام متسائلا: واين هي؟..
اجابه هشام وهو ينظر الى باب المكتب: في تلك الغرفة..
قال عزام وهو يلتفت عنه وينظر باتجاه الغرفة: سأحضرها لك اذا..
واتجه بخطوات سريعة نحو غرفة المكتب.. وادار مقبض الباب قبل ان يفتحه ويدلف الى الداخل.. وهناك دار بانظاره في الغرفة.. قبل ان يرتفع حاجباه بدهشة عندما وقعت ابصاره على ذلك الجسد النائم على المكتب..
استغرب نوم احدهم في الغرفة.. واستغرب وجوده في هذا المكان.. في هذه الساعة من الصباح.. ترى لم ينام هنا؟..
واتجه اليه ليهزه بهدوء .. وسمع صوت عهد وهي تهمهم في نومها همهمة غير مفهومة.. فقال عزام وهو يميل برأسه : عهد.. عهد.. افق..
قالت عهد وهي ما بين الوعي والنوم: دعني انام يا فارس..
قال عزام مبتسما وهو يعود ليناديها: لست فارس.. هيا انهض واخبرني .. لم تنام هنا؟..
فتحت عهد احدى عينيها وقالت بصوت ناعس: ماذا؟..
كرر عزام جملته وقال وهو يتطلع لما حوله بنظرة سريعة: لم تنام في غرفة المكتب؟..
رددت عهد وهي ترفع رأسها قليلا عن الطاولة : غرفة المكتب؟؟..
وتطلعت لما حولها باستغراب بعد ان تأكدت انها تنام بالمكتب حقا .. وبغتة استعاد ذهنها ما جرى بالامس.. فقالت وهي تعتدل في جلستها وتمسك رقبتها التي تشعر بها بآلام من طريقة نومها الخاطئة: اجل.. لقد تذكرت..
وبحثت عن أي وسيلة لتخفي السبب الحقيقي الذي دفعها للنوم هنا .. وقالت ببعض التوتر وهي تدلك رقبتها: لقد سمعت اصوات بالخارج.. وخشيت ان يجري امر ما.. فأسرعت بالقدوم الى هنا .. ويبدوا انني دون ان اشعر غفوت على الطاولة..
قال عزام متسائلا وهو يعقد حاجبيه: اصوات مثل ماذا؟..
ازدردت عهد لعابها قبل ان تقول وهي ترفع رأسها اليه: اصوات كلاب على ما اظن..
قال عزام بحيرة: اتخشى من الكلاب الى هذه الدرجة؟.. ثم لقد كان الباب مقفلا.. فلم يكن هناك أي داع لمجيئك الى هنا..
قالت عهد وهي تهز كتفيها: لم استطع النوم في ظل تلك الاصوات.. فجئت الى هنا..
قال عزام وقد بدأ بعض الشك يراوده: لم نعهدك تخشى اصوات الحيوانات يا عهد.. اخبرني هل هذا هو السبب الحقيقي كما تقول؟..
اومأت عهد برأسها قبل ان تنهض من مكانها بتوتر..وابتعدت وهي تهم بمغادرة غرفة المكتب.. اما عزام فقد لمح الغطاء الذي سقط على المقعد باهمال..فأسرع ينادي عهد قائلا: غطائك..
التفتت له عهد وهمت بأن تتساءل عن هذا الغطاء الذي يتحدث عنه.. لكن عندما وقعت عيناها عليه.. ادركت انه غطاءها حقا.. واقتربت من عزام لتلتقط الغطاء وتقول بهدوء: شكرا..
واستدارت عنه لتتجه مغادرة غرفة المكتب مرة اخرى .. وفي عقلها دار سؤال.. من الذي قام بتغطيتها بغطاءها عندما كانت بغرفة المكتب؟.. من؟..
#########
اسرع عادل يضغط ازرار هاتفه المحمول.. وهو يقوم بالاتصال بهشام .. منتظرا الرد في لهفة.. وما ان سمع الاجابة على الطرف الآخر.. حتى قال بمرح: لقد تمكنا من تتبعهم جميعا دون ان يشعروا بنا.. تستطيع الاعتماد علينا في كل مرة يا ايها القائد.. سنكون عند حسن الظن دائما.. وسيكون لمراقبتنا وتتبعنا للجيش البريطاني خطوة نجاح للمهمة..
قال هشام بابتسامة: بعد ان انتهيت من محاضرتك الطويلة.. اخبرني ما تريده من اتصالك بالضبط..
قال عادل مستنكرا: لا تقل انك لم تفهم ما قلته.. فلن اعيد أي كلمة قلتها..
قال هشام بلامبالاة: فليكن.. سأتصل بسامر ليخبرني بكل ما جرى بالتحديد..
قال عادل في سرعة: انتظر قليلا.. سأخبرك بكل شيء تريد..وهل قلت شيئا غير ذلك؟..
ابتسم هشام بمرح وقال: هيا اخبرني بما لديك..
قال عادل بجدية: لقد تتبعانهم من بعد خروجهم من المبنى البريطاني حتى انطلقوا نحو الاتجاه الشرقي والشمالي من المنطقة المجاورة للمبنى.. وسمعت قائدهم يقول انهم سيواصلون البحث غدا في الاتجاه الغربي والجنوبي..
قال هشام وقد لمعت عيناه بحماس: هذا امر ممتاز.. يمكننا ان نستغل هذه النقطة في صالحنا.. لقد قمتما بعمل رائع انت وسامر .. عودا الآن الى المقر..
قال عادل بفخر: نعلم ان عملنا رائعا وسيحقق لكم النجاح.. ونحن في طريقنا الآن الى المقر حقا..
قال هشام بابتسامة واسعة: ونحن في انتظاركم..
وانهى المكالمة والتفت الى عزام قائلا بسعادة: لن تصدق كيف ان الامور تجري في صالحنا هذا اليوم..
قال عزام متسائلا بلهفة: ماذا تعني؟..
قال هشام وهو يتنهد بارتياح: عادل وسامر .. استطاعا ان يتتبعا الجيش.. ويعرفوا خط سيره غدا.. وهذا يعني ان نسرع في عملنا وفي تنفيذ مخططنا القادم..
قال عزام بابتسامة واسعة: هذا اكثر من رائع.. الامور تجري حسبما نريد حقا..سنتمكن منهم هذه المرة ايضا..
قال هشام ولا يزال يحتفظ بابتسامته: باذن الله..
ما ان انهى عبارته حتى تعالى صوت ثلاث طرقات على الباب.. فقال بحيرة: هل وصلا بهذه السرعة؟..
واتجه بخطوات سريعة نحو الباب ليقول من خلفه بصوت هادئ: من بالباب؟..
جاءه صوت فارس وهو يقول: انه انا ..
فتح له هشام الباب وتنحى جانبا عنه وهو يقول: تفضل بالداخل..
دخل فارس الى داخل المقر وجال بنظره في المكان قبل ان يتساءل قائلا: اين عهد؟..
قال عزام وهو يهز كتفيه: لا نعلم..
زفر فارس بحدة قبل ان يتجه ليبحث عنها في الغرف.. واخيرا بعد بحث في غرفة المعيشة والمكتب.. وجدها جالسة خلف طاولة مستطيلة الشكل بالمطبخ..وهي تشرب كأس من الماء بشرود.. فاقترب منها وقال متسائلا: عهد.. ما الذي تفعلينه وحدك هنا؟..
التفتت له عهد قبل ان تقول وهي تعيد انظارها الى كاس الماء بحنق: وما الذي تراني افعله؟..
ابتسم فارس وهو يرى ضيقها منه.. وادرك ان السبب هو ما حدث منذ ان علمت بأمر وقوفه بالردهة.. وقال متسائلا بابتسامة ساخرة: كيف كانت ليلتك بالامس؟..
اشاحت بوجهها عنه وهي تشعر بالغيظ من سخريته.. فوق ما يفعله بها يسخر منها ايضا.. الا يكفيها ما هي فيه حتى الآن؟ ..
في حين اردف هو وهو يقترب منها ويجذب له مقعدا امامها ليجلس عليه: هل كانت مريحة؟..
تطلعت اليه بغضب قبل ان تقول: دعني وشأني من فضلك.. الم يكفيك ما فعلته حتى الآن؟..
قال ببرود: ما فعلته امر طبيعي بالنسبة لفتاة تنام وحيدة بالردهة ..
تطلعت الى باب المطبخ بقلق من ان يسمعهم احد قبل ان تقول: هم لا يعلمون ذلك.. كم مرة علي ان اقولها؟..
قال فارس وهو يتطلع اليها ويضع يده اسفل ذقنه: والمطلوب الآن..
قالت وهي تمسك بكاس الماء بكلتا يديها: انت تعلم ما اريده ..
قال وهو ينهض من مكانه: فليكن.. لن اقف في الردهة هذه الليلة..
تطلعت له بشك.. فقال مبتسما وهو يضع كلتا يديه على الطاولة:ليس هناك سبب يدفعني لخداعك.. انت تعلمين انني ان اردت فعل شيء سأفعله دون خوف من احد..
وابتعد عنها ليغادر المطبخ.. اما هي فقد تطلعت الى النقطة التي اختفى فيها وهي تفكر.. ايمكنها ان تصدق فارس حقا بعد ما قاله؟..
#########
اقتربت غادة من احد المكاتب بمركز الشرطة وقالت وهي تطرق الباب: هل يمكنني الدخول؟..
قال احد الشرطة الذي يجلس خلف مكتبه ويضع كفيه خلف رأسه: بكل تأكيد.. تفضلي..
اما الآخر الذي كان يقف بجوار خزانة تعتلي رفوفها مجموعة من الملفات وقد كان بمسك بأحدها ويتصفحه قبل دخولها.. اكتفى بأن ان القى عليها نظرة قبل ان يواصل عمله بالتطلع الى الملف الذي بين يديه..
واقتربت هي لتجلس خلف المكتب وتقول : لقد اتصلي بي المقدم هشام يا (غسان).. يريد دعما منا في اسرع وقت لخطته القادمة..
مال نحوها غسان الشاب الذي كان يجلس خلف المكتب وقال متسائلا باهتمام: ماذا يريد بالضبط؟..
قالت مجيبة: مجموعة من الالغام والقنابل ان امكن..
( سأأمنها له..)
التفت كلاهما للآخر الذي يقف بجوار خزانة الملفات.. والتفتت له غادة لتتساءل قائلة: هل يمكنك ذلك حقا يا ايها الرائد؟..
قال بثقة وهو يغلق الملف الذي بين يديه ويعيده الى مكانه: بلا شك..
قالت مبتسمة: فليكن.. ساخبر المقدم هشام بأن يعتمد عليك في ذلك..
لم يزد حرفا على ما قاله واكتفى بأن غادر المكتب .. فالتفتت غادة الى غسان وقالت متسائلة: لدي سؤال لك.. كيف لديك القدرة على احتمال صمت هذا الشاب؟..
ابتسم غسان وقال: لقد اعتدت عليه.. وربما يأتي اليوم الذي ترينني فيه هادئا مثله..
قالت غادة باستنكار: سأجن حينها بالتأكيد.. يكفينا شخص واحد لا يتحدث ولا يبتسم في هذا المكان..
اتسعت ابتسامته وهو يقول: اذا اشكري الله على انني لا ازال كما انا..
بادلته الابتسامة قبل ان تنهض من مكانها وتلوح بيدها قائلة: انا ذاهبة الآن..
قال بمرح: اراك بخير.. ولتزورينا مرة اخرى في مكتبنا المتواضع..
اومأت برأسها وهي لا تزال محتفظة بابتسامتها .. واستدارت عنه وهي تسرع بخطواتها مغادرة المكتب..
:
:
يتبع..
 

بـــ الحب (26) والواقع ـــين
::ساحة المعركة::


وفى فارس بوعده ولم يحاول حتى تفقد عهد طوال تلك الليلة ..وهذه الاخيرة قد شعرت بالاطمئنان بعد ان رأته يدلف الى غرفته المشتركة مع عدد من الافراد.. ولم يخرج منها حتى الآن..
لا تزال تعرف ان فارس ان اراد شيئا فلن يحاول اللجوء الى الكذب او الخداع.. لانه ببساطة لا يخشى من احد عندما يقوم بتصرف مقتنع به تماما..
وعندما فتحت عيناها صباحا لم تجده بجوار الاريكة كما في كل مرة..زفرت بحدة قبل ان تنهض من مكانها وهي تتجه الى دورة المياه.. وتحاول ان تستعيد نشاطها ..
غسلت وجهها عدة مرات ورفعت وجهها لتنظر الى انعكاس صورتها بالمرآة..وابتسامة استهزاءتعلو شفتيها.. ولسان حالها يقول: اهذه هي انا حقا؟.. انني لا اكاد اعرف هذه الفتاة.. شعر قصير.. ملابس تخص الشباب.. عيون ذابلة ووجه شاحب .. وجسد هزيل.. أي فتاة اصبحت بعد تلك الفاجعة؟!..
غادرت بعدها دورة المياه وهي تهم بالاتجاه نحو الردهة.. لكن تلك الاصوات التي سمعتها تصدر من غرفة المكتب.. جعلتها تتجه الى هناك بكل سرعة واهتمام..
وسمعت عزام وهو يقول ويشير على المكان المشار اليه بعلامة "×" على الخارطة: كما اخبركم هشام .. هذا هو موقع المبنى البريطاني كما اشير اليه على الخارطة..
وحرك اصبعه السبابة الى جهة الغرب لمسافة بسيطة ومن ثم اردف: وهنا سيتم زرع عدد من الالغام كما اتفقنا..
شدت تلك الكلمات كل حواسها وجعلتها تنقاد في سرعة الى حيث يقف المتطوعين بالمهمة .. وتستمع الى ما يقول عزام بكل اهتمام..
اما هذا الاخير فقد كان يستطرد وهو يحرك سبابته نحو اتجاه الجنوب هذه المرة: وهنا سنقوم باعداد بعض الافخاخ باستخدام عدد من القنابل..
تساءل احدهم قائلا: ولم لا نستخدم الالغام للمنطقتين؟..
قال هشام هذه المرة مجيبا: كما اخبرتكم سابقا.. عدد الالغام لا تكفي للمنطقتين.. سنقوم باستخدامها في منطقة واحدة وحسب..
عهد التي كانت تستمع الى كل هذا بقلق شديد.. تساءلت قائلة: ومتى سيكون تنفيذ هذه المهمة؟..
(اليوم..)
التفتت الى صاحب الصوت ومن ثم قالت بحيرة: فارس..
قال بهدوء: ماذا؟..
قالت بحيرة اكبر: استغربت وجودك هنا واستماعك للخطة بنفسك..
قال بابتسامة ساخرة: هذا لانني اضطررت ان اشترك بالمهمة بسببك ..
تساءلت قائلة وكأنها تذكرت امر ما: هل المهمة اليوم حقا كما قلت قبل قليل؟..
اومأ برأسه .. فعادت تنظر معه الى عزام الذي واصل الشرح .. وهي تشعر بتوتر كبير وبخوف يسيطر على افكارها .. وفي اعماقها ترددت امنية (لا تكن معهم يا ألكس.. لا تكن معهم..)
#########
بدأت الاستعدادت على قدم وساق للمهمة القادمة.. ألكس الذي كان يشرح لأهم عناصر جنوده الخطة ويرشدهم الى كيفية تنفيذها اليوم.. وما هي استراتيجيتهم للبحث القادم عن فرقة المقاومة..
وقال اخيرا بعد ان رفع انظاره اليهم: والآن هل هناك سؤال؟..
لم يبد على احد ان لديه استفسارا ما حول الخطة..وقال احدهم بمكر: خطتك جيدة يا سيدي .. قد تتيح لنا الانتصار عليهم هذه المرة..
لم يعلق ألكس على ما قاله.. انما قال في سرعة: فلتستعدوا جميعا اذا.. سننطلق بعد ساعة من الآن..
شدوا قامتهم وقالوا في صوت واحد: امرك..
وانطلقوا جميعا مغادرين الغرفة ما عدا شخص واحد ظل واقفا في مكانه لم يتحرك.. وهو يراقب ألكس يرمي بثقله على المقعد ويحاول ان يسترخي قليلا..
وسمع صوت ذلك الواقف وهو يقول: سيدي القائد..
التفت له ألكس وقال متسائلا: ماذا؟..
قال الجندي وهو يقترب منه: القائد جون طلب مني ان اخبرك بأنه راغب في ان يكون معك في مهمتك هذه..
اغمض ألكس عينيه بتفكير .. قبل ان يقول وهو يفتحهما ويتطلع الى الجندي: اخبره اني لست بحاجة لمساعدة من احد..
(لست بحاجة الى مساعدة من من؟)
التفتا كلاهما الى مصدر الصوت وتطلع ألكس الى جون الذي كان يبدوا الضيق على محياه من قوله ذلك.. في حين قال الاول وهو يتطلع الى الجندي: اذهب انت الآن..
شد قامته وادى التحية العسكرية قبل ان ينصرف مغادرا المكتب..اما جون فقد اقترب من المكان وقال بحنق اكبر: اصبحت احدا ايضا بعد ان كنت صديقك المقرب..
قال ألكس ببرود: لا تفسر الأمور حسبما تشاء..
قال جون وهو يلوح بيده: اذا ماذا عنيت بقولك لا تحتاج مساعدة من أحد تلك؟..
قال ألكس وهو يزفر بحدة: مجرد كلمة تقال.. لم اعني فيها شيء ما..
قال جون وهو يعقد حاجبيه: استمع الي..سأكون معك في المهمة يا ألكس سواء شئت او ابيت..
قال ألكس وهو يتطلع الى عينيه مباشرة بحزم: القوانين هنا تقتضي منك تنفيذ اوامر الاعلى رتبة ..
قال جون بعصبية: انا احدثك كصديق..
قال ألكس وهو ينهض من مكانه ويلتقط قبعته العسكرية: وانا احدثك كقائد اعلى.. لا احتاج الى مساعدة من أي شخص كان.. سأنفذ المهمة وحدي مع الفرقة (أ)..
قال جون وهو يقترب منه وبلهجة اقرب للرجاء: ألكس لا تكن مجنونا.. فرقة المقاومة تستهدفك..
قال ألكس بضيق: لا تخيفني تلك المجموعة ابدا..
قال جون باصرار: سآتي معك..
هتف فيه ألكس بصرامة: قلت لا.. وهذا أمر..
ومضى عنه ليلتقط مسدسه من على طاولة المكتب.. وبينما هو كذلك.. سمع جون يقول بصوت هادئ: اعدك ان احميك حتى الموت..
وقف ألكس عما يفعله.. وشدت قبضته على سلاحه بقوة وضيق.. كلمات مضى عليها زمن .. لا يزال يذكرها جون ويصر على تذكيره بها..
وقال جون بصوت حازم: أليس هذا الوعد الذي قطعناه سويا؟ .. ان يحمي كلا منا الآخر حتى الموت ..
قال ألكس وهو يلتفت له ويتنهد: جون ارجوك..
قال جون بعصبية: بل ارجوك انت .. دعني انضم اليك..
صرخ فيه ألكس فجأة: ارجوك انت افهم.. لا اريد ان اعرض حياتك للخطر معي.. لا اريد ان اكون سببا في ان افقد صديقا عزيزا علي..
بهت جون لوهلة.. قبل ان يبتسم ويقول بهدوء: حياتي معرضة للخطر في كل لحظة.. لن يضر ان عرضتها للخطر من اجلك ..
قال ألكس وهو يزفر بحرارة: لم تصر بهذه الطريقة الغريبة؟ ..
قال جون مجيبا وهو يؤدي التحية العسكرية: لانني ارغب بحماية القائد الاعلى وصديقي العزيز ألكس..
ابتسم ألكس لتصرفه..واقترب منه ليقول وهو يربت على كتفه: فليكن.. لقد انتصرت انت.. يمكنك الانضمام معنا..
قال جون وهو يهتف فيه باسلوب مرح : واخيرا..
هز رأسه ألكس ومن ثم مضى في طريقه.. في حين اسرع جون يقول: انتظرني يا ألكس..
واسرع يلحق بألكس استعدادا لأن ينضم بالمهمة معه..ترى ما الذي ينتظرهم جميعا فيها؟...
##########
قال رائد وهو يشير على الصناديق: فليأخذ كل شخص منكم سلاحا ليدافع عن نفسه عند الخطر..
اسرع كل شخص منهم يأخذ اسلحة متفرقة كمسدس صغير او خنجر..واقتربت من بينهم عهد لتلتقط مسدسا صغير الحجم .. وتحشوه بثلاث رصاصات..
(اترك مابيدك يا فتى حتى لا تؤذي نفسك..لا تزال صغيرا على حمل مثل هذه الاسلحة)..
التفتت عهد بحنق الى قائل العبارة السابقة.. وجذبت مشط المسدس وهي تقول بسخط: هل تريد ان تتأكد ان كنت حقا استطيع استخدام هذه الاسلحة ام لا؟..
قال فارس بسخرية استفزتها: وكيف ذلك؟..
قالت ببرود: بتصويب رصاصة الى رأسك..
قال فارس بسخرية اكبر: هذا ان لم تصوبيها الى رأس شخص آخر غيري بسبب حماقتك..
عقدت حاجبيها بغضب اولا نتيجة لما قاله وثانيا لطريقة حديثه اليها امام الجميع دون ان يهتم بأحد من الموجودين.. وابتعدت قليلا عن مكان تجمعهم.. حتى لا يفتضح امرها بسبب فارس..
اما فارس الذي اكتفى بأن يلقي نظرة سريعة على الصناديق التي لم يتبق فيها سوى مسدس واحد وخنجرين.. ثم هم بالابتعاد عن المكان.. لولا ان هتف فيه رائد: الى اين؟.. الن تأخذ لك سلاحا؟..
قال فارس بهدوء: يمكنني الدفاع عن نفسي دون استخدام هذه الاشياء..
ارتفع حاجبا رائد باستغراب.. قبل ان يتطلع اليه بنظرة طويلة .. يشعر ان فارس مرغم على الاشتراك في هذه الفرقة منذ اليوم الاول الذي جاء فيه الى هنا..بدءا بعدم اشتراكه بأي مهمة.. وانتهاءا برفضه لاستخدام أي اسلحة..
اما عهد التي كانت مكتفية بالنظر الى مسدسها.. سمعت صوته يقترب منها ويقول: الن تغيري رأيك بالاشتراك في هذه المهمة؟..
قالت عهد ببرود: ولا حتى بعد مائة سنة..
قال فارس بضيق: ولم كل هذا العناد؟.. لاتنسي ان حياتك معرضة للخطر وقد يُقبض عليك..
قالت وهي تتطلع اليه: لو كنت اخشى كل هذا لما اشتركت في فرقة المقاومة منذ البداية..
زفر بحدة ومن ثم قال: فليكن..كما تشائين ايتها المجنونة .. افعلي ما تريدين..
ومال نحوها ليقول بابتسامة: لكن لو حدث لي أي شيء.. تذكري انك ستكونين السبب.. فلولا اصرارك العجيب هذا لما اشتركت في هذه المهمة..
تطلعت اليه بهدوء دون ان تعلق.. ومن ثم شاهدته يمضي في طريقه مبتعدا.. وفي رأسها عصفت آلاف الافكار المرتبطة بألكس.. تريد ان تحذره .. تريد ان تحميه.. لكن لا تريد ان تطفئ ذلك الحماس والفرح الذي يبرق في عيون افراد المجموعة.. لا تريد ان تمحو ابتساماتهم من على شفاههم ..لا تريد ان تكون سبب في فشل المهمة.. وفي الوقت ذاته.. لا تريد ان تكون سببا ان يصاب هو بمكروه ..
هي بين نارين.. كلاهما تحرقها بلهيبها.. اما فرحة الانتصار وفقده.. واما حياته وحزن الفشل..لا تعلم ما عليها ان تفعله.. وكيف تفكر في هذا الامر؟.. تريد ان تخبره بأي شيء لعله يبعده عن المكان فحسب.. لكن لقد شك بالامر المرة السابقة.. وربما اثارت شكوكه هذه المرة ايضا..
وسمعت صوت هشام الحازم وهو يهتف بهم جميعا: استعدوا جميعا.. سنغادر في ثلاث سيارات وحسب..بعد ربع ساعة من الآن..
############
قالت بدهشة كبيرة وهي تتطلع الى ملامحه الجامدة: وكيف استطعت تأمين كل هذه الاسلحة بهذه السرعة؟!..
رفع رأسه اليها وقال: اظن انه يكفي ان تعرفي انني قد قمت بتأمينها وحسب..
قالت غادة بضيق: حسنا .. لا يهم.. والآن من سيقوم بنقلها الى المقدم..
قال غسان بابتسامة: سأتصل به اولا.. وسأسأله..
واردف وهو يضغط ارقام هاتفه في سرعة: ونسيت ان اقول.. رائع هو عملك يا ايها الرائد (جهاد)..
اكتفى جهاد بأن عاد الى مكتبه وجلس خلفه دون ان يهتم بقول أي شيء آخر..في حين ما ان استمع غسان الى الاجابة حتى قال: اهلا ايها القائد.. هل هزمت الجيش البريطاني ام لا زلت تحاول ذلك؟..
ضحك هشام بمرح وقال: لو تمت مراقبة الهواتف لن اتمكن من هزيمة جندي في الجيش البريطاني.. لاني سأكون رفيقك في السجن حينها..
قال غسان في سرعة: عذرا سأصلح الخطأ فورا.. مرحبا ايها القائد الا زلت تساعد الجيوش البريطانية على تحقيق مخططاتها ..
اكتفى هشام بأن ابتسم وقال: اخبرني ما تريد بسرعة.. لانني في طريقي للمغادرة ..
قال غسان وهو يتطلع الى صناديق الاسلحة: الرائد جهاد تمكن من تأمين عدد جيد من الاسلحة..
قال هشام وابتسماته تتسع براحة وسرور: هذا ممتاز.. اشكره بالنيابة عني على الجهد الذي بذله في سبيل الحصول على تلك الاسلحة.. واخبره انه لا يزال يذهلني كالعادة ..
قال غسان بابتسامة واسعة: سأخبره .. طلب آخر..
قال هشام في سرعة: كلا.. وشكرا لكم جميعا لوقوفكم معنا.. الى اللقاء..
اغلق غسان وهو يغلق الخط وتتجه انظاره الى جهاد: هناك رسالة لك من المقدم هشام..
رفع جهاد ناظريه وكذلك غادة التي استمعت باهتمام لما سيقوله القائد هشام عن الاول.. في حين اردف غسان بابتسامة مرحة: يقول لك انك لا تزال تذهله كالعادة.. اخبرنا ما الذي فعلته سابقا لتذهله بهذه الطريقة؟.. هل لديك وساطة قوية في مركز الشرطة ام ماذا؟..
قال جهاد وهو يهز كتفيه: ربما..
غادة التي تطلعت الى جهاد لوهلة قبل ان تقول وهي تميل نحو غسان: الا تعلم ان والده كان عقيد سابق في الشرطة؟..
قال غسان بابتسامة واسعة: لهذا السبب اذا.. لابد وان والده يقوم بالاتصال بكل زملاؤه هنا لكي...
بتر غسان عبارته عندما رأى انعقاد حاجبي جهاد بضيق كبير .. قبل ان ينهض الاخير من مكانه ويغادر المكتب بأكمله .. فقال غسان وهو يرفع حاجبيه بحيرة وغرابة شديدة: هل قلت ما ازعجه؟؟..
قالت غادة بضيق وحنق: الم اخبرك ان والده كان عقيد سابق في الشرطة؟..
قال غسان وحيرته تزداد: وماذا في هذا؟.. الا يمكن له ان يتصل بأحد بعد تقاعده من الشرطة أو...
قاطعته غادة وهي تهز رأسها نفيا: كلا.. لان والده لم يتقاعد.. بل...
بترت عبارتها وصمتت للحظة.. وغسان ينتظرها ان تكمل عبارتها باهتمام شديد.. قبل ان تقول وهي تزدرد لعابها وتشعر بالتأثر وهي تتذكر ايام قد مضت: بل انه قد مات في اثناء اداء واجبه..
تراجع غسان في مقعده بحدة وكأنه اصيب بصعقة كهربائية .. واتسعت عيناه بغير تصديق.. قبل ان يلتفت الى باب المكتب الذي غادر منه جهاد قبل لحظات وهو يشعر بالتأثر من اجل ذاك الاخير ...
##########
ساحة المعركة.. هي كأي ساحة واسعة.. لكن هواءها هو البارود.. وشرابها هو الدم.. وطعامها هو الجثث .. لا تسمع فيها الاحاديث المتفرقة بين الناس كالعادة.. بل اصوات صرخات خائفة وملتاعة.. ولا نسمع صوت ابواق السيارات.. او اصوات موسيقى تتسلل من محل ما.. بل اصوات القنابل والرصاص المدوية...
ليست كأي ساحة فهي تحمل على عتباتها عنوان هو الخطر .. وتجعلك تدرك انك اذا دخلتها قد لا تخرج منها ابدا.. تلك هي ساحة الحرب والمعركة.. تلك التي تبث الخوف وترمي الرعب في اقوى القلوب.. ولربما لمن اعتادوا عليها حتى وعلى اجواءها تلك...
وهاهم هؤلاء فرقة المقاومة يتوجهون اليها.. وهو يرمون خلف ظهورهم أي شعور بالخوف او الجبن..ويحملون أرواحهم على اكفهم..
وبداخل احدى السيارات المنطلقة الى الموقع.. كان فارس يشعر بالضيق الشديد من انطلاقه الى مكان للقتال.. وهو الذي لم يعتد في حياته قتل حيوان حتى.. فكيف سيمكنه قتل بشر من لحم ودم؟.. او كيف يمكنه ان يكون سببا في موتهم ؟..والتفت الى تلك الجالسة بجواره في المقعد الخلفي.. ورآها هادئة الاعصاب على عكسه تماما.. وزفر بضيق وهو يتساءل عن كيفية محافظة هذه الفتاة على هدوءها على الرغم من انها ذاهبة الى الموت بقدميها..
واخرج هاتفه المحمول من سترته.. وتطلع اليه لوهلة قبل ان يسرع بكتابة رسالة قصيرة قال فيها (ذاهب الى مكان لا اعرفه لأفعل شيء لا اعرفه وقد اموت لسبب لا اعرفه ايضا...)
توقف عن الكتابة بغتة وابتسم بسخرية.. قبل ان يكمل رسالته بجدية هذه المرة واصبعه يتقافز على ازرار الهاتف ( لو حدث لي شيء يا حازم.. وصيتك هي عهد .. وادرك جيدا انك ستكون قادرا على تحمل المسئولية.. وان كانت ستثير جنونك بحماقتها.. لكن احتملها لاجل صديقك فارس)
واسرع بارسالها وكأنه يخشى ان يحدث له أي شيء يمنعه من ارسال تلك الرسالة.. وما ان تأكد انها وصلت الى حازم.. حتى تنهد بارتياح شديد وهو يسترخي في مقعده..
عهد التي شعرت بتنهديته التفت اليه بغرابة.. ورأت هاتفه بين يديه .. وتساءلت قائلة: مابك؟..
التفت اليها وتطلع اليها بنظرة صامتة.. قبل ان يقول ببطء: اشعر بالخوف..
قالت عهد بابتسامة: جميعنا هنا نشعر بالخوف.. ولو لم تشعر بالخوف لن تكون بشرا..
قال بحيرة وهو يتطلع اليه: لكنك هادئة الاعصاب بأكثر من اللازم..
ارتفع حاجبا عهد بحنق عندما نطق كلمة "هادئة" خصوصا وانهم في سيارة صغيرة قد يسمع ما يقال بينهم بسهولة.. لكنها تغاضت عن هذا الامر وقالت بهدوء: ربما لانها ليست المرة الاولى التي اذهب فيها لأقاتل.. وربما لان لدي هدف يدفعني للقتال ويجعلني اتناسى أي امر آخر..
هم فارس بقول شيء ما.. لكن رنين هاتفه بنغمة قصيرة جعله يسرع بفتح الرسالة المرسلة اليه.. ويقرأها بسرعة واهتمام والتي كانت مرسلة من حازم وكلماتها تقول ( لا ترسل لي رسائل لا افهمها يا اخي.. ثم لم انت متشاءم هكذا؟ .. ها هي ابنة عمك لم تصب بمكروه وهي فتاة.. فكيف انت الرجل؟.. اثبت لها انك تقوى على مواجهة ما تواجهه هي حتى تقدر مشاعرك وتفهمها مستقبلا وانك فعلت المستحيل لأجلها ..ثم لا تقلق على ابنة عمك هي في ايدي امينة.. بعد ان تفارقنا سأتزوجها فورا واتركك تتحسر في قبرك لأنك لم تتزوجها وانت على قيد الحياة p: ..)
عقد فارس حاجبيه بضيق قبل ان يرسل لحازم كلمة واحدة فقط.. (احمق)..وتوقفت السيارات بعدها بجوار الموقع المحدد.. وبدأوا بالنزول جميعا منها وتفرقوا الى مجموعتين احداهما ستتجه الى المنطقة الغربية والاخرى الى المنطقة الجنوبية..
والتفت اخيرا الى عهد وفارس قائلا: لا نريد ان تتعرض لأي مواجهات مع الجيش البريطاني.. لهذا ستكون انت وفارس خط دفاع اول لنا.. راقبوا المكان جيدا من بعيد.. وما ان تروهم يتقدمون من المنطقة الجنوبية او الغربية.. اتصلوا بنا في الحال وابلغونا بكل ما يحدث..
اومأت عهد برأسها في حين اكتفى فارس بزفرة تعبر عن ضجره وارهاقه من وجوده في مكان لا يعلم عنه شيئا..
واردف هشام بعد ان اعطى الاوامر للمجموعتين اللتين انطلقتا نحو مواقعهم لزرع الالغام والاستعداد للهجوم بالقنابل..قائلا وهو يشير الى منطقة بالاتجاه الشرقي : اختبئا في تلك المنطقة..وابلغانا بكل ما يستجد..
اسرعت عهد في طريقها لتنفيذ اوامر هشام.. اما فارس فقد سلك الاتجاه الذي توجهت اليه بخطوات بطيئة.. وعهد التي كانت تتلفت حولها في كل لحظة وهي تراقب الاتجاه الذي اخبرهم هشام بأن الجيوش البريطانية ستأتي منه.. وهي تدعو الله ان لا يكون ألكس من بينهم...
:
:
انطلقت سيارة احد الفرق البريطانية وهي على بعد عشرة كيلومترات من غرب المنطقة.. متوجهة بحسب اوامر القائد ألكس الى هناك.. وكانت سيارة اخرى تتقدمها تخلو الا من سائقها الوحيد.. وسيارة اخيرة تتبعها كخط دفاع أخير..
انطلقت كل تلك السيارات عابرة تلك المنطقة الوعرة.. حتى بدأت بالتسلل الى اطراف المدينة الغربية.. وبعدها اعطى ألكس اوامره بالتوقف.. واشار لقائد السيارة الامامية ان ينفذ خطته ..فأسرع الجندي يهبط من السيارة ويضع قطعة صلبة من الحديد على دواسة الوقود.. قبل ان يغير وضع السيارة الى حالة التحرك..
وفي سرعة بطيئة نسبيا انطلقت السيارة في البداية قبل ان تتسارع تدريجيا.. وألكس يبتسم بمكر وهو يشير للسيارة الاخيرة بتنفيذ الامر ذاته عند المنطقة الجنوبية..
اما جون الذي كان يتطلع الى كل هذا باعجاب قال مندهشا: انه حل ممتاز لأفخاخهم تلك..
قال ألكس وهو يلتقت له: لن اكون غبيا لأقع في ذات الفخ مرتين..
ابتسم جون وعاد يلتفت لتلك السيارة التي تواصل طريقها عبر المنطقة الغربية ..
:
:
قال فارس وهو يدقق النظر لمسافة بعيدة نسبيا: سيارة تقترب من المكان يا عهد..
التفتت عهد الى حيث ينظر بسرعة واهتمام وتابعت نظراته حتى تأكدت ان ما يقوله صحيح.. فأسرعت بالاتصال بهشام وما ان اجاب حتى قالت: سيارة تتقدم من المنطقة الغربية يا ايها القائد..
قال هشام في سرعة: سنكون لها بالمرصاد..
وانتهت المكالمة على وجه السرعة..وفارس الذي كان يتطلع الى تلك السيارة التي بدأت تقترب تدريجيا قال بغرابة: انها سيارة فقط..
قالت عهد بحيرة متسائلة: ماذا تعني؟..
التفت لها وقال وهو يشير الى السيارة: انظري جيدا.. هل ترين بداخلها احد او حتى سائق لها؟..
عهد التي عقدت حاجبيها في شدة.. ودققت النظر حتى تمكنت من ان تكتشفت ان السيارة خالية من أي شخص فعلا قالت بدهشة: حقا انها خالية من أي شخص.. كيف تسير اذا؟..
قال فارس بعد برهة تفكير: ربما كانت سيارة يمكن التحكم بها عن بعد.. او ربما ...
بتر عبارته بغتة قبل ان يقول بغتة: او ربما قد وضع شيء على دواسة الوقود جعلها تندفع بهذه الطريقة.. انظري الى السيارة جيدا.. انها لا تخفض سرعتها او تغير مسارها..
قالت عهد بقلق: معك حق.. ما العمل الآن؟..
قال بضيق: ابلغي هشام.. وانظري ما يجب عليهم فعله في هذه الحالة..
اسرعت بالاتصال به.. لكنه لم يجب على اتصالها.. وكررت الاتصال لعدة مرات لكن من دون فائدة.. فقالت في سرعة: فارس.. انه لا يجيب.. ما الذي علي فعله الآن؟..
قال فارس وهو يهز كتفيه بضيق اكبر: لست اعلم..
قالت عهد في سرعة: سأذهب اليه..
التفت لها فارس وعيناه متسعتان عن آخرهما قبل ان يقول بعصبية:امجنونة انت؟..
قالت عهد وهي تزدرد لعابها بتوتر: فارس افهم.. انها سيارة خالية من أي شخص.. لابد انه فخ من البريطانيين.. ثم اننا نعاني قلة الاسلحة.. لا يمكنني ان ادع الالغام تتفجر على سيارة فارغة.. على الاقل علي ان احذره..
قال فارس بحنق وهو يلتقط هاتفه ويتصل بهشام: انتظري قليلا.. سأتصل به عدة مرات.. وان لم يجب.. بعدها افعلي ما بدا لك..
لم يكن هناك جوابا على ما قاله.. فظن انها قد اقتنعت بوجهة نظره.. ولما لم يتلقى جوابا على الاتصال ..التفت الى عهد وقال وهو يزفر بحدة: لم يجب على...
بتر عبارته مجبرا ومصعوقا من المكان الفارغ الى جواره.. لم يدم ذلك الا لحظات فأين اختفت تلك المجنونة؟؟..
اسرع ينهض من مخبئه ويبحث عنها بعينيه قبل ان يهتف بكل قلق وخوف: عهد.. اين انت؟.. عهد..
لكن لم يتلقى أي جواب على هتافه ذاك.. سوى صوت ضربات قلبه المتسارعة...
:
:
قال جون متسائلا وهو يتطلع الى السيارة الوحيدة المتبقية: والآن وقد بقينا نحن فقط.. هل ننطلق بالسيارة؟..
قال ألكس مجيبا: لن تكفينا السيارة جميعا.. لهذا لدي حل افضل..
قال جون متسائلا باهتمام شديد: ما هو؟؟..
اشار ألكس الى السماء قبل ان يقول بابتسامة واسعة: المروحية..
قال جون بحيرة: المروحية؟..
اومأ ألكس برأسه قبل ان يقول : لقد لاحظت ان فرقة المقاومة لا تملك أي موارد تساعدها على القتال جوا.. لهذا سنكون بأمان ان عبرنا المنطقة من الاعلى..
قال جون بابتسامة: هذا صحيح.. لكن كيف استطعت تأمين مروحية لهذا الجيش.. وخصوصا وانت تدرك ان الجيش البريطاني الذي يقاتل عند الحدود بحاجة ماسة الى الطائرات الحربية والمروحيات ..
قال ألكس وهو يلتقط نفسا عميقا: لا تنسى انني القائد الاعلى للجيش البريطاني.. واستطعت ان اقنعهم بوجهة نظري بحاجتنا الماسة لمروحية واحدة على الاقل..
قال جون بحماس: هذا رائع جدا.. لن يوقفنا احد بعد الآن ولا تلك الفرقة المليئة بالحمقى..
قال ألكس وهو يخلع قبعته العسكرية ويفكر في امر ما: اتمنى ان يمر الامر على خير حقا..
قال جون متسائلا . لم تقول مثل هذا الكلام؟..
قال ألكس بهدوء: لا اعلم.. اشعر ان شيء ما قد يحدث.. او ربما مجرد شعور كاذب و...
عقد حاجبيه وهو يدقق النظر في منطقة ما.. قبل ان يبتسم بخبث قائلا: وجدت احدهم..
قال جون وهو يلتفت الى حيث ينظر ألكس ويقول في سرعة: اين؟؟..
قال ألكس بسخرية: سأتولى امره.. ابقى انت هنا..
قال جون باستنكار: سآتي معك يا ألكس.. لم نتفق على ان اتركك وحيدا..
قال ألكس بضيق وهو يعد سلاحه: ان اصررت اكثر فلن ترافقني في مهمة مرة اخرى..
قال جون وهو يعقد ذراعيه امام صدره بضيق كبير: فليكن اذهب وحدك..لن اعترض طريقك..
رمى له ألكس قبعته وقال في سرعة: احتفظ بها ريثما اعود..
واسرع في خطواته وهو يقترب من مكان ذلك الشخص المقصود...
:
:
تنهد هشام قائلا: اشكرك يا عهد.. سنأخذ حذرنا جيدا.. وسنحاول ان نرى امر تلك السيارة الغامضة والتي لا يقودها احد..
قالت عهد في سرعة: ربما تكون فخا.. او يحاولون بها اكتشاف الافخاخ المعدة لهم..
اومأ هشام برأسه قائلأ: اعلم هذا.. والآن عد الى موقعك.. ولا تتركه مرة اخرى.. فالمكان خطر عليك هنا..
قالت عهد وهي تهم بالذهاب: حسنا..
واستدارت عنه وهي تسرع في خطواتها عائدة الى الموقع السابق.. وقد اطمأنت بعض الشيء بعد ان اخبرت هشام بأمر تلك السيارة الغريبة..
وتنهدت براحة وهي تلمح الموقع السابق التي تواجدت فيه هي وفارس.. لكن نبضات قلبها تسارعت في قلق.. وهي لا ترى له أي اثر.. اين ذهب ذلك الاحمق؟.. ولم ترك موقعه؟.. انه لم يشترك في مهمة في حياته؟.. فلم يترك موقعا آمنا كهذا؟..
اخذت تسرع في خطواتها وتتلفت حولها بحثا عنه..وانفاسها تتسارع في خوف شديد على فارس الذي حياته باتت معرضة للخطر في اية لحظة..
وتوقفت في مكانها بعد ان شعرت بالتعب واخذت تلهث وهي تهتف بانفعال ومرارة: الاحمق.. لم غادر المكان؟.. لم؟.. ان كان للبحث عني فهو غبي.. انا اعرف ان اهتم بشؤوني.. لقد اعتدت اوضاعا كهذه.. اما هو.. فهو لا يملك حتى سلاحا يدافع به عن نفسه.. الاحمق ..
واردفت بصوت عالي: فارس.. فارس.. اين انت يا فارس؟.. اين انت؟..
واسرعت تبحث عنه في كل مكان تقودها اليه قدماها.. غير عابئة بانكشاف مكانها.. او بالخطر الذي قد تتعرض له.. وعبارة فارس الاخيرة تتردد في ذهنها..
(لكن لو حدث لي أي شيء.. تذكري انك ستكونين السبب.. فلولا اصرارك العجيب هذا لما اشتركت في هذه المهمة)..
وبعد ان مرت دقائق شعرت ان التعب قد انهك جسدها.. وخصوصا بعد عودتها من موقع هشام الذي يبعد مسافة طويلة نسبيا عن موقعها السابق.. وتوقفت بالرغم منها وهي تلتقط انفاسها.. وبغتة عاد الى ذهنها شريط ذكريات طويل قد مر بينها وبين فارس.. كان لا يكاد يفارقها ولا حتى هي .. كان كالاخ بالنسبة لها واكثر.. صحيح ان حياتهما كانت مليئة بالشجار والصراخ والغضب.. لكن رغم كل شيء سيظل فارس ابن عمها القريب منها.. ابن عمها الذي كان يستمع اليها بكل اهتمام سواء في أفراحها او احزانها.. سيظل فارس قريبا الى قلبها كأخ عزيز لم تلده امها.. سيظل فارس شخصا مهتما بها حتى وان كان متسلطا.. شخصا...
تلاشت افكارها كلها بغتة وهي ترى ذلك الجندي البريطاني الذي يبعد عنها مسافة معينة والذي لا ترى منه الا ظهره..يصوب مسدسه باتجاه معين بكل انتباه..
وتبعت الاتجاه الذي يصوب مسدسه اليه.. وهنا شهقت بكل قوة .. وهي ترى فارس الذي لم يكن منتبها لأي شيء وهو يبحث عنها في كل مكان.. كاشفا مكانه بكل بساطة للعدو..
ودون ان تشعر رفعت مسدسها تجاه ذلك الجندي وعيناها تترقرقان بالدموع وهي تهتف بكل ما جاءتها من قوة: اياك والمساس بفارس.. اياك..
وفي نفس الوقت تقريبا كان ذاك الواقف هناك يستعد للاطلاق بكل انتباه ودقة.. والتصويب على فارس الذي توقف عن الحركة واصبح في مرمى الهدف تماما..
وانطلقت الرصاصة.. لتصيب الهدف تماما.. وتناثرت قطرات الدماء على ارض ساحة المعركة ...
:
:
يتبع..
 
بـــ الحب (27) والواقع ـــين
::رصاصة::

تلاشت افكارعهد كلها بغتة وهي ترى ذلك الجندي البريطاني الذي يبعد عنها مسافة معينة والذي لا ترى منه الا ظهره..يصوب مسدسه باتجاه معين بكل انتباه..
وتبعت الاتجاه الذي يصوب مسدسه اليه.. وهنا شهقت بكل قوة .. وهي ترى فارس الذي لم يكن منتبها لأي شيء وهو يبحث عنها في كل مكان.. كاشفا مكانه بكل بساطة للعدو..
ودون ان تشعر رفعت مسدسها تجاه ذلك الجندي وعيناها تترقرقان بالدموع وهي تهتف بكل ما جاءتها من قوة: اياك والمساس بفارس.. اياك..
وفي نفس الوقت تقريبا كان ذاك الواقف هناك يستعد للاطلاق بكل انتباه ودقة.. والتصويب على فارس الذي توقف عن الحركة واصبح في مرمى الهدف تماما..
وانطلقت الرصاصة.. لتصيب الهدف تماما.. وتناثرت قطرات الدماء على ارض ساحة المعركة ...
ولتسمع عهد لصوت صراخ وتأوه انطلق من فم احدهم.. لم تدرك من هو في البداية.. لكنها سرعان ما ميزت الصوت وهي تضع كفها على شفتيها.. وتقول بصوت مرتجف: ألكس...
تلك الرصاصة التي انطلقت لم تنطلق الا من مسدس عهد.. فقد ضغطت الزناد دون ان تشعر ودون ان تهتم بما سيجري من اطلاقها لتلك الرصاصة.. كل ما كان يهمها لحظتها هو حماية فارس وحسب من خطر الموت الذي يتربص به...
واصابت تلك الرصاصة جسد ألكس الذي تراجع عدة خطوات وهو يصرخ متألما ويمسك بكتفه الدامي الذي اصيب ..بعد ان اخطأت رصاصته هدفها ولم تصب فارس.. بل عبرت بجواره على بعد سنتيمترات منه فحسب.. وجعلت الاخير يلتفت الى مصدر طلق الرصاص وعيناه متسعتان عن آخرهما بقلق وتوتر شديدين..
ورأى ذلك البريطاني يتراجع من مكانه ليستند الى جدار احد المباني .. ويحاول ان يحتمل آلامه التي تلهب جسده وهو يشعر ان الرصاصة قد مزقت عضلات ذراعه عندما اصابته..
اما من بعيد فكانت عهد تلوم نفسها وتطلع الى المسدس بندم شديد وهي تقول : يا لغبائي.. كيف لم اعرفه؟.. كيف؟..
وحركها شعورها بتأنيب الضمير تجاهه .. وشعور ما بداخلها ترفض الاعتراف به.. لكي تتجه الى حيث ذهب ألكس لتطمئن عليه وتعرف ما اصابه بسبب رصاصتها الطائشة..
وألكس الذي كان يحاول التماسك في مكانه ويلتقط انفاسه ليغادر المكان.. سمع صوت خطوات بطيئة تقترب منه.. فرفع خنجره بيده السليمة- بعد ان فقد مسدسه عندما اصيب- وقال بقوة: من هناك؟..
لكن ملامحه لانت عندما وقعت عيناه عليها.. ونسي آلامه للحظات وهو ينطق حروف اسمها بكل اللهفة التي في قلبه قائلا: عهد...
لم تنبس عهد ببنت شفة واقتربت منه بصمت.. وانتبه هو لحظتها لبريق الدموع في عينيها.. فقال متسائلا باهتمام وهو يعيد خنجره الى حزامه: ماذا هناك؟..
ازدردت لعابها وهي تحاول ابتلاع غصة المرارة التي غص بها حلقها.. وشعور بالندم يعتصر قلبها عندما رأت كتفه الدامي من ما فعلته بيديها..
اما ألكس فقد كرر سؤاله باهتمام اكبر وهو يحاول ان يحتمل آلام كتفه التي يشعر بها كنيران تحرق جسده: عهد ماذا هناك؟.. ما بك؟..
قالت بصوت متحشرج وهي تتطلع الى كتفه الدامي: انا سبب هذا..
التفت ليتطلع الى جرحه لا اراديا.. ومن ثم التفت اليها وقال بابتسامة شاحبة: لا بأس بجرح الجسد فهو سيلتئم وسيشفى..
واردف وهو يتطلع اليها: وصدقيني على الرغم من اني اشعر بالألم الآن لكن سيظل هناك ذكرى منك في جسدي..
قالت عهد وهي تعض على شفتيها بمرارة وتغمض عينيها: لقد كدت ان اقتلك.. بيدي هاتين..
قال ألكس وهو يعود ليمسك بكتفه: لم يحدث شيء يا عهد.. انا على ما يرام الآن.. سيتم معالجتي بالمبنى.. فقط عليك انت ان تغادري هذا المكان حالا..
تطلعت اليه بتساؤل فقال في سرعة: صوت الرصاص قد ملأ الارجاء.. جميع الجنود سيتجهون الى هنا.. غادري المكان قبل ان يروك..
قالت وعيونها تعود للترقرق بالدمع: لكن كتفك ينزف بقوة .. لن...
قاطعها قائلا بحزم: قلت لك سيتكفلون بعلاجه.. فقط غادري هذا المكان وفورا..
تطلعت اليه بنظرة طويلة قبل ان تقول بصوت متقطع: انا آسفة ..على ما حدث.. ارجو ان.. تكون بخير..
واستدارت عنه تأهبا للمغادرة.. لكن صوت ألكس جعلها تتوقف في مكانها عندما قال: اهتمي بنفسك جيدا يا عهد..
تنهدت بقوة وبحرارة.. رغم كل شيء.. وكل ما فعلته به.. لا يزال يفكر بأمرها.. والتفتت له لتقول بصوت مختنق: سأفعل.. الوداع..
قالتها واسرعت تجري مبتعدة.. دون ان تشعر بتلك الدموع التي سالت على خديها بكل مرارة والم وحزن..
##########
طرقات متتابعة على باب فرقة المقاومة.. جعلت مارك يسرع بالاتجاه نحو الباب الرئيسي للمقر ويقول بجدية: من؟..
جاءه صوت شاب يقول: انه انا غسان..
رغم ان مارك اصبح يعرف غسان في الآونة الاخيرة الا انه قال بابتسامة: من غسان؟.. لست اعرف احدا بهذا الاسم ..
قال غسان بحنق: ان لم تفتح الباب الآن.. سأعود ادراجي مع الاسلحة التي جلبتها ..
اسرع مارك يقول وهو يفتح الباب: انتظر.. هل تريد من هشام ان يقتلني؟..
قال غسان بابتسامة وهو يدلف الى داخل المقر: وكيف له ان يقتل شقيقه؟..
قال مارك دون ان يعلق على عبارة غسان: دعني ارى ما جلبته من اسلحة..
قالها وهو يتطلع الى الصندوق الذي يحمله غسان.. فقال هذا الاخير وهو يضع الصندوق على الارض: ليست هذه كل الاسلحة.. هناك صندوق آخر مع جهاد..
وما ان اكمل عبارته حتى دخل جهاد من الباب وهو يحمل صندوق آخر بيده.. وغادة من خلفه التي قالت بابتسامة: اوصلنا الاسلحة التي قمتم بطلبها بسلام..
قال غسان وهو يرفع احدى حاجبيه: لا تتحدثي بصيغة الجمع.. انت لم توصلي أي شيء واكتفيت بالمراقبة..
قالت بمرح وهي تلوح بكفها: يكفي انني كنت اراقب الاسلحة كي لا تسقط من الصناديق..
قال مارك مبتسما في تلك اللحظة: اشكركم جميعا.. على هذه الاسلحة.. لقد كنا نحتاجها بحق..
قال غسان وهو يوجه نظره باتجاه جهاد: واي اسلحة اخرى.. سيكون جهاد بالخدمة..
قالت غادة وهي تضع يدها عند خصرها: ولم لا تقوم انت بفعل شيء جيد واحضار الاسلحة هذه المرة؟..
قال غسان وهو يحك رأسه بحرج: ربما لاني اخشى العقوبة اذا كشف امري..
قالت غادة بضيق وهي تلتفت الى جهاد الواقف بصمت: ولم لا يخشاها جهاد اذا؟..
قال غسان في سرعة: لا تنسي ان لديه علاقات قوية في جهاز الشرطة..
قالت غادة وهي تهز رأسها نفيا: كلا هذا ليس هو السبب الحقيقي.. بل لأنك...
قاطعها جهاد قائلا بهدوء: بل انه السبب الحقيقي..لدي من العلاقات في جهاز الشرطة ما يمكنني من الحصول على ما اريد دون اثارة أي تساؤلات..
التفتت له غادة بحدة وقالت متسائلة بدهشة: لكنك تقول دائما انك تحصل على الاسلحة عن طريق جهودك الخاصة فحسب..
هز جهاد كتفيه وقال : ولم اكذب.. انه جهدي الخاص في النهاية..
تطلعت اليه غادة بشك قبل ان تلتفت عنه وتسأل مارك قائلة: اين المقدم هشام؟..
قال مارك : ذهب هو وعدد من الاعضاء لتنفيذ خطة اعددنا لها طويلا واتمنى ان ينجح فيها..
قال جهاد متسائلا وهو يعقد حاجبيه: متى غادر؟..
اجابه مارك وهو يرفع رأسه ويتطلع الى ساعة الحائط: قبل ثلاث ساعات...
- اهو معتاد على عدم الاتصال طوال وجوده بالمهمة؟..
قال مارك بعد برهة تفكير: احيانا نعم..واحيانا عندما يطول وجوده بالمهمة.. يتصل بي ليطمئنني انه بخير..
قال جهاد بعد ان التقط نفسا عميقا: اذا لم يتصل بك بعد ساعة من الآن.. اتصل بي واخبرني بتفاصيل المهمة ومكانها وسأحاول ان ارسل اليهم أي دعم .. او اذهب اليهم بنفسي ان تطلب الامر..
قال مارك بجدية:انا اثق بهشام.. حتى لو لم تنجح مهمته فسيعود سالما الينا..
واردف قائلا وهو يشرد ببصره للخارج: ثم لا اظن ان ذهابك اليه هي فكرة جيدة.. فهو الآن يقاتل هناك.. على ارض ساحة المعركة..
##########
كان الاضطراب يعم الارجاء بعد سماع صوت الرصاص الذي تردد لمرتين اثنتين..فالجيش البريطاني من جهة يريد ان يعرف سبب انطلاق ذلك الرصاص وان كان شخص منهم هو الذي اطلق او اُطلق عليه النار..
ومن جهة اخرى كانت فرقة المقاومة تشعر بالقلق.. فأوامر هشام نصت على ان تستخدم المسدسات في حالة الدفاع عن النفس فحسب.. فهذا يعني ان احدهم يحاول الدفاع عن نفسه..
وهتف فيهم هشام قائلا: عزام اتصل برائد والبقية..عماد اتصل بسامر وتأكد من سلامتهم..اما انا فسأتصل بفارس وعهد..
اسرع الجميع ينفذون اوامر هشام.. الذي قام بدوره بالاتصال بفارس وهو ينتظر بلهفة الرد على مكالمته.. وما ان سمع جواب فارس على الطرف الآخر حتى قال: فارس.. ما هي الاحوال عندك؟..
قال فارس وهو يتظاهر بالهدوء: حاول احدهم اصابتي بطلق ناري لكنه اخطأ في ذلك..
قال هشام متسائلا في سرعة: والطلقة الاخرى؟.. هل كنت انت من اطلقها؟..
قال فارس نافيا: لا ..
قال هشام وهو يتنهد: فليكن.. عد الآن انت وعهد.. فسنغادر المكان.. الخطة فشلت هذه المرة..
قال فارس بحزم: عهد ليست.. اعني ليس معي الآن.. ولست اعرف اين هو.. اذا استدللت على مكانه سنعود ادراجنا معا ..
قال هشام بصرامة: المكان خطر هناك يا فارس بما انه قد تم اطلاق عيار ناري فيه.. فهذا يعني ان مكانك قد كُشف .. عد ادراجك انت.. وسوف نحاول العثور على عهد في اسرع وقت ممكن..
قال فارس ببرود: لن اعود دون عهد..الى اللقاء..
قالها وانهى المكالمة دون ان يستمع لرد هشام..وواصل بحثه عن عهد.. على الرغم من الخطر الذي كان يتهدده منذ لحظات..
واخيرا.. وقعت عيناه عليها .. تقف وحيدة في المكان الذي اختبئا فيه سابقا..واسرع نحوها لعله كان يتخيل انها تقف امام عينيه الآن وانها بخير..وما ان وصل في مواجهتها حتى هتف بها: عهد..
رفعت عهد عيناها اليه بعد ان تمالكت نفسها.. ورأت في عينيه نظرات توحي بالقلق .. بالخوف..بالاهتمام .. بالحنان..نظرات تشعرها انه سعيد لرؤيتها وهي بخير.. ومتلهف لأن يتأكد من انها امامه سالمة حقا..
وقبل ان تنطق او تجيبه بأي كلمة.. وجدت ذراعاه تطبقان على ذراعيها و هو يقول بغضب وانفعال: اين كنت؟.. اين ذهبت ايتها الحمقاء المجنونة؟.. كيف تغادرين هكذا دون ان تخبريني حتى؟؟..
حاولت عهد تمالك نفسها وحاولت ان تمتص غضبه هذا وهي تقول: فارس لقد كنت احاول مساعدة فرقة المقاومة وانقاذهم من خطر الموت..
قال بعصبية كبيرة: وتقتليني انا ..أليس كذلك؟..
تذكرت بغتة تلك الرصاصة التي انطلقت نحوه من مسدس ألكس.. وعاد شريط ما حدث امام عينيها مرة اخرى..تذكرت ما فعلته لانفاذه وكيف خاطرت باطلاق النار لحمايته من خطر الموت دون ان تأبه بأي شيء..
واخفضت عينيها وهي تقول بندم: لم اقصد.. لقد رأيت تلك الرصاصة تنطلق نحوك و...
قال وهو يترك ذراعيها بخشونة: لا اعني تلك الرصاصة .. بل اعني مغادرتك للمكان وتركي وحيدا ابحث عنك هنا وهناك.. اكاد اجن لا اعلم اين انت وما اصابك..
قالت عهد بلهجة اقرب الى التوسل: فارس ارجوك.. يكفي مابي.. لقد اخبرتك سبب ما فعلت .. لا داعي لان تلومني اكثر ..
قال فارس باستنكار شديد: لا داعي لأن ألومك؟؟.. اجل بكل تأكيد فالشخص الملام هو انا لو اصابك أي مكروه .. لا يعلمون أي فتاة متهورة ومجنونة هي انت..
قالت بصوت مختنق: فارس ارجوك.. لقد انتهى الامر.. انتهى..لا اريد التحدث فيه اكثر...
قال فارس بعصبية: وما الذي يهمك انت؟.. لا تريدين ان يضايقك شيء.. فلست انت من كان يبحث في المنطقة كلها .. ولست انت من عاش الخوف والقلق وهو يتمنى ان يلمحك ولو من بعيد..
قالت عهد وهي تتنهد بمرارة: لقد عشت لحظات اقسى من كل ما عشته في حياتي..
القى عليها نظرة ساخطة قبل ان يقول وهو يستدير عنها: هشام يطلب منا العودة.. فلنغادر الآن..
تبعته عهد وهي تراه يسرع بالعودة..وهي تشعر بحزن دفين تحاول اخفاءه وكتمانه عن الجميع.. وموقفان لا يزالان يتكرران بذهنها.. اولهما هو ألكس عندما صوب مسدسه تجاه فارس ويريد القضاء عليه.. وثانيهما هو ألكس والدماء تلوث قميصه وسترته.. ولا تزال تتذكر انها بيدها هاتين كادت تقضي على ألكس وتحمي فارس.. لكن لو كانت تدرك ان ذلك الذي ظنته جنديا هو ألكس نفسه.. هل كانت ستخاطر بنفس الشجاعة وتطلق النار عليه لحماية فارس؟؟..بالنسبة لي فلست اعلم الاجابة...
###########
(سمعت صوت انطلاق الرصاص من هناك.. اسرعوا ..)
كان هذا جون الذي نطق عبارته في سرعة وهو يلقي الاوامر لعدد من الجنود ليلحقوا به الى المنطقة الذي سمع منها صوت انطلاق الرصاص..
واخذ يسير هنا وهناك وهو يمنح الاوامر للجنود للبحث على انفراد لتقليص الوقت ومعرفة ما جرى على وجه السرعة.. نفذ الجنود الاوامر تاركينه ينطلق بين تلك المباني والاشجار القصيرة منها والطويلة.. وهو يتمنى من كل قلبه ان يكون ألكس بخير...
وسمع فجأة صوت احدهم يهتف به: القائد جون.. من هنا..
اسرع جون يتبع مصدر الصوت حتى وصل الى حيث ذلك الجندي.. وهاله ما رآه.. فوقف بصدمة عدة دقائق قبل ان يتمكن من استيعاب ما جرى.. ويهتف بالجندي: ما الذي تنتظره؟.. لنحمله حالا الى قسم الطوارئ بالمبنى..
اسرع الجندي يهبط الى مستوى ألكس الذي كان جالسا مستندا الى احد الجدران مغمض العينين.. وهو يمسك بكتفه بألم وتعب .. وقال وهو يفتح عينيه بعد ان سمع حوارهما ويحاول الوقوف على قدميه: انا بخير.. واستطيع السير وحدي..اظن انني قد اصبت بكتفي وليس قدمي..
اسرع جون نحوه وهو يقول بقلق وخوف: دعني اساعدك على الاقل..
قال ألكس وهو يشعر بالدوار يكتنف رأسه من كمية الدماء التي فقدها: اخبرتك بأنه يمكنني السير وحدي..
وسار وهو يحاول السيطرة على نفسه وان لا يستسلم تحت الدوار الذي بدأ يشتد عليه..
وجون الذي كان يسير الى جواره قدر الامكان.. كان يختطف اليه النظرات بين الحين والآخر.. وهو يراقب كل حركة يقوم بها.. قلقا وخوفا من ان يحدث له أي شيء وهو يسير مقاوما آلامه ومكابرا ضعفه..
ولم يمض وقت طويل حتى شعر ألكس ان الدوار قد تغلب عليه .. ورأى جون جسد الاول يترنح قبل ان يتهاوى ويكاد يسقط على الارض.. لولا ان اسرع اليه ورفع جسده بعد ان وضع ذراع ألكس حول رقبته ويقول بضيق: عنيد..
قال ألكس وهو يفتح احد عينيه بتعب: لا شأن لك.. فقط اوصلني الى المشفى.. اشعر بالتعب الشديد..
قال جون ببرود: جيد انك اعترفت اخيرا انك انسان تشعر بالتعب وتتألم..
واسرع يهتف بالجندي قائلا: تعال وساعدني في ايصال القائد الى السيارة..
اسرع الجندي ينفذ الامر.. وتحرك الثلاثة الى السيارة.. وهم يحاولون الاسراع بايصال الفائد ألكس الى المشفى.. فهل سيكون على ما يرام ؟..
############
كانوا كالنقيض تماما عن كل مرة يدخلون فيها الى المنزل.. في السابق كانوا يدخلونه وعلى وجوههم ابتسامة الفرح وفي أعينهم يلمع بريق الانتصار.. او على الاقل يهتفون بكلمات مثل (سنقضي عليهم وسننتصر)..(سنهزمهم ونخرجهم من بلادنا قريبا)..
لكن في هذه المرة كان الصمت يغلفهم جميعا .. وجوههم تحمل معنى الوجوم.. وعيونهم تحمل عنوان الانكسار ومرارة خطة فشلت قبل ان تبدأ.. خطة درسوها طويلا.. وخططوا لها لأيام واسابيع..
لم يقوى احدهم على التفوه بكلمة ليواسي الآخر بما حدث.. لأن كل شخص فيهم الآن بحاجة لأن يواسيه الغير.. فهو قد كان جزء من الخطة قبل كل شيء.. وقد عمل على نجاحها طويلا...
حاول احدهم لحظتها ان يبث روح العزيمة في قلوبهم من جديد .. وان ينهض من مجلسه وهو يقول بابتسامة باهتة: في الحقيقة يا اصحاب نحن نعرف جيدا ان الانتصار لن يكون من نصيبنا في كل مرة.. وان الخسارة او الفشل امر وارد ..على الاقل نحن لم نخسر احد افراد المقاومة او يتعرض للاصابة .. كل ما هنالك ان الخطة قد فشلت.. وعلينا ان نبدأ في خطة أخرى ستكون افضل من هذه بمئات المرات .. أليس كذلك ايها القائد هشام؟؟..
كان هذا عادل الذي حاول ان يتمالك صدمته وان يتحدث للجميع ليبث روح الامل فيهم وليساعدهم على المقاومة والنهوض من جديد.. والتفت الى هشام عند نهاية قوله منتظرا رده باهتمام.. فقال هذا الاخير ببرود: لا خطط او مهمات في الوقت الحالي..
قال عادل مستنكرا: ما هذا الذي تقوله ايها القائد؟.. انت من يجب ان تشجعهم على المواصلة لتحقيق هدفنا.. وهو الانتصار .. وليس الوقوف امام اول عقبة تصادفك..لست انت القائد الذي اعرفه ان كان هذا هو رأيك حقا..
قال هشام وهو ينهض من مكانه بدوره: ما حدث اليوم هو مجرد خسارة.. اما بالنسبة للخطط فحتى اشعار آخر.. فلا يمكنني حتى التفكير في الوقت الحالي..
قالها ومضى في طريقه مبتعدا عن الجميع.. فقال عادل وهو يعقد ذراعيه امام صدره بحنق: ليحدثه احدكم.. لا نريد ان يكون قائدنا مكتئب هكذا..
قال عزام وهو يقترب منه ويربت على كتفه: دعك من هذا الموضوع.. هشام يشعر انه المسئول الآن عما حدث.. يعرف انه هو من قام بالتخطيط طويلا لمهمة لم تبدأ حتى..
قال عادل وهو يلتفت له: لا شأن للقائد وجميعنا نعلم بذلك.. الامر كله هو خط دفاع من الجيش البريطاني.. حتى يكتشفوا افخاخنا المنصوبة لهم...
هز عزام كتفيه واكتفى بتنهيدة قبل ان يبتسم بشحوب قائلا: اعلم ذلك جيدا.. لكن هشام يحمل نفسه المسئولية رغم ذلك.. سأتحدث اليه بنفسي بعد ان يهدأ قليلا..
اكتفى عادل بأن هز رأسه بحنق.. ومن بعيد كانت عهد تراقب حزن افراد الفرقة جميعا..ومرارتهم على الفشل في هذه المهمة.. مع انها لم تتدخل هذه المرة.. رغم انها قد تسببت في اصابة القائد الاعلى وانسحاب قوات الجيش البريطاني من ساحة المعركة.. كان الفشل هو حليفهم هذه المرة..
تنهدت بمرارة وبألم وهي تكور قبضة يدها وتشد عليها بكل قوة.. لقد حاولت ان تساعدهم هذه المرة.. متجاهلة عواطفها ومشاعرها الخائفة على ألكس.. ومع هذا المهمة تكللت بالفشل..
هناك شيء ما يجثم على صدرها.. شيء يقول لها.. بدلا من ان تفكري في احوال افراد الفرقة الذين جميعهم على ما يرام.. فكري بأحوال من اصابته طلقتك وانزفت جسده ..فكري بأحوال من يتألم بسبب اصابتك.. فكري بمن كدت ان تكوني سببا في قتله..فكري بأحوال من...
ابعدت تلك الافكار عن رأسها والتي تشعرها بعذاب وتأنيب الضمير ألاف المرات بسبب ما اقترفته يداها.. واسرعت تخرج هاتفها المحمول من جيبها.. لترسل رسالة قصيرة اليه تقول فيها (كيف حالك الآن؟..اتمنى ان تكون بخير.. ارسل لي ردا بعد ان تقرأ رسالتي هذه)..
واسرعت بارسالها قبل ان تتردد في ذلك.. وهي تشعر بضربات قلبها التي تتسارع خوفا وقلقا على ذلك القائد هناك في المبنى البريطاني..
وما ان تأكدت من وصولها الى هاتفه حتى اخذت تتلهف لقراءة رده لكي تطمئن على احواله بعد ساعتين من اصابته في ذلك المكان..
وبينما كان الهاتف بين يديها .. ممسكة به بأعصاب مشدودة وحواسها منصبة نحو من قد يرسل رسالة في اية لحظة لها.. تعالى رنين هاتفها المحمول ليجعل جسدها ينتفض ..وهي تتطلع الى المتصل بفضول ولهفة.. قبل ان تزفر بحدة وتقول وهي تجيب على هاتفها: اهلا..
جاءها صوت محدثها وهو يقول بصوت هادئ: اهلا بك..
قالت متسائلة: اين انت؟.. لقد تأخرت كثيرا بعد مغادرتك للمنزل بعد المهمة..
قال فارس دون ان يجيب على تساؤلاتها: قد لا اعود اليوم الى المنزل.. واذا عدت.. قد يكون الوقت متأخرا..
قالت عهد متسائلة باهتمام وهي تعقد حاجبيها: ولم كل هذا؟..
قال باقتضاب: انه العمل..
قالت وهي تهز كتفيها: فليكن هذا شأنك..
قال منهيا المحادثة: الى اللقاء..
قالت بحيرة: الى اللقاء..
وشعرت بحيرتها تتضاعف من تصرفه.. يبدوا هادئا على غير المعتاد.. لم يسخر.. لم يحاول استفزازها.. لم يحاول حتى اثارة ضيقها.. فلم هذا التغير المفاجئ؟؟..
##########
ضحك حازم بصوت مسموع بعد ان انهى فارس مكالمته .. وقال وهو يغمز بعينه: اتعلم؟.. لا يناسبك دور الشخص الجاد والهادئ ابدا..
قال فارس بصوت متعب وهو يرمي بجسده على الاريكة: تتحدث هكذا.. لانك لا تشعر بما اشعر به.. لقد انتهت تلك المهمة الانتحارية على خير بعد ان استنفذت كل قواي.. ولم اكد انال دقائق للراحة حتى اتصلت بي وطلبت مني القدوم فورا للتعاقد مع احد رجال الاعمال..
قال حازم بابتسامة: لقد كان رجل اعمال لا يمكنني تفويته بهذه البساطة.. وسيسعدك التعامل معه بصراحة..
واردف قائلا: والآن اخبرني ..ماذا حدث بالمهمة بالتفصيل؟ ..
تمدد فارس على الاريكة ..وقال وهو يغمض عينيه بتعب: كنت اشعر بالقلق والخوف من ان يكون مصيري هو الموت المحتم.. وكدت ان اصاب برصاصة حقا.. لولا عناية الله تعالى..
قال حازم بصدمة وعدم تصديق: انت تكذب..
قال فارس ببرود: صدق ما تشاء..
اسرع حازم يقول وهو يهتف به: انهض .. انهض واخبرني بالتفاصيل هيا..لا تقل الغازا من فضلك..
زفر فارس بحدة قائلا: دعني انام لساعة واحدة فقط.. وبعدها سأخبرك بما تشاء..
قال حازم وهو يجذبه من ذراعه: الآن ستهض وستخبرني كيف كادت ان تصيبك تلك الرصاصة..
فتح فارس احدى عينيه وقال بصوت مرهق: لقد اخبرتك.. دعني وشأني..
قال حازم باصرار: بل ستخبرني بكل شيء والآن..
قال فارس باستسلام: حسنا.. فقط دعني قليلا.. وعد للجلوس على مقعدك..
ترك حازم ذراعه وعاد ليجلس على مقعده وهو يعقد ذراعيه امام صدره قائلا : هيا انا اسمعك..
قال فارس وهو يعتدل في جلسته قليلا: في البداية لمحنا سيارات فارغة دون أي شخص يقودها.. وادركت انه فخ لحظتها.. فتركتني تلك المجنونة دون ان انتبه لتخبر القائد بما حصل.. وهذا ما دفعني لترك مخبئي انا الآخر والبحث عنها.. وبعد ربع ساعة تقريبا من البحث عنها لم اشعر الا برصاصة تنطلق نحوي.. وعندما التفت لارى ما يجري.. وجدت احد الجنود البريطانيون تخلت يده عن مسدسه التي كان مصوبا نحوي.. ورأيت الدماء على كتفه لحظتها.. اظن ان احدهم اطلق نحوه..
قال حازم وهو يميل نحوه باهتمام شديد: الم ترى من اطلق نحوه وانقذ حياتك؟؟..
هز فارس رأسه نفيا وقال: كلا.. لم اكترث الا بمواصلة البحث عن ابنة عمي..
قال حازم باستنكار: بعد كل ما اصابك بسببها .. واصلت البحث عنها..
قال فارس وهو يلتفت له: في النهاية هي فتاة لم تبلغ العشرون بعد.. لا تفهم حقيقة تصرفاتها جيدا..
قال حازم بحنق: ليست طفلة لتتحدث عنها هكذا..
قال فارس وهو يتساءل : لو رأيت امام ناظريك منزلك يحترق بكل من فيه.. ويقتل اهلك جميعا بسبب اشخاص تعرفهم.. ألن يحركك الانتقام لمن فعلوا هذا بك وشردوك دون اهل او مأوى؟..
قال حازم وهو يومئ برأسه: بلى.. لكن كل هذا لا يعد مبررا لها لتركك وحيدا في مكان لا تعرف عنه شيئا..وهي تدرك انها المرة الاولى التي تقاتل فيها.. على الاقل كان ينبغي عليها اخبارك..
ابتسم فارس وعاد ليستلقي على الاريكة قائلا: لو اخبرتني لما سمحت لها بالتحرك خطوة واحدة بعيدا عني..
قال حازم وهو يتطلع اليه بخبث: وتقول انك لا تفكر فيها ولا تحمل لها اية مشاعر ايضا..
قال فارس وهو يلتفت عنه ويغمض عينيه: مشكلة تفكيرك الخاطئ دوما..
قال حازم بابتسامة واسعة: فليكن قل ما تشاء.. لكن سأثبت لك صدق قولي هذا قريبا..
لم يكترث فارس بما قاله حازم.. ولم يحاول التعليق على ما قاله.. ذلك لانه كان مرهقا طوال هذا اليوم.. وما ان شعر بالاسترخاء يتسلل الى جسده.. حتى غط في نوم عميق.. .
###########
ابتسامة واسعة اعتلت شفتي جون وهو يتطلع الى ألكس الذي تم معالجة جرحه ونقله الى غرفة خاصة .. وقال هذا الاخير وهو يرفع حاجبيه: ما بالك وكأنك لم ترى وجهي منذ عام؟..
قال جون وهو يضع قبضته تحت ذقنه: لقد كنت اراك في خطر يا ايها القائد.. دعني امتع ناظري برؤيتك وانت على ما يرام..
هز ألكس رأسه والتفت عنه وهو يتطلع الى السماء التي تطل عليها نافذة غرفته.. قبل ان يستمع الى جون الذي قال بخبث: على فكرة لقد كنت تهذي طوال فترة استغراقك تحت تأثير المخدر..
التفت له ألكس وقال بصدمة حاول ان لا تتضح على ملامح وجهه: وبم كنت اهذي؟..
قال جون وهو يتطلع الى عيني ألكس مباشرة وبلهجة ماكرة: بها..
ازدرد ألكس لعابه بالرغم منه وقال متسائلا بتوتر: بمن تعني؟؟..
قال جون بابتسامة : انت الاعلم مني بهذا الامر..
التقط ألكس نفسا ملأ به صدره ..فآلمه جرح كتفه الغائر ودفعه لأن يتأوه بصوت مسموع.. قبل ان يقول متسائلا وهو يعقد حاجبيه: وماذا كنت اقول؟..
قال جون وهو يتصنع الشرود: احتاجك.. ابقي الى جواري.. لا تبتعدي عني.. وغيرها كثير...
تنهد ألكس بارتياح لانه لم ينطق باسم "عهد" خلال هذيانه.. فقال جون متسائلا بخبث ومكر: من هي؟.. اخبرني من تلك التي شغلت تفكيرك.. هل اعرفها؟.. ام انها حب سابق .. ام...
تطلع له ألكس نظرة طويلة قبل ان يقول باقتضاب: حب سابق يتجدد مع كل نفس اتنفسه..
تطلع اليه جون قائلا بمرح: ما هذا؟.. قائدنا اصبح يتحدث برومنسية فجأة بدلا من الاوامر والهتافات ..
لم يهتم ألكس كثيرا بما قاله.. لكن صوت نغمة وصول رسالة الى هاتف هذا الاخير.. جعلت كلاهما يلتفتان الى مصدر ذلك الصوت الذي قطع عليهما حوارهما.. وجون يقول بابتسامة خبيثة: ربما تكون هي..
واسرع باختطاف الهاتف المحمول قبل ان تمتد يد ألكس اليه.. وهو يقول بابتسامة واسعة: سأرى ما تكتبه تلك الفتاة حتى جعلت قائدنا يقع اسير هواها..
وقبل ان ينبس ألكس ببنت شفة كان جون قد اسرع بضغط الزر لفتح الرسالة وقرأ فحواها...
:
:
يتبع...
 
بــ الحب (28) والواقع ــين
::فراق::

لم يهتم ألكس كثيرا بما قاله.. لكن صوت نغمة وصول رسالة الى هاتف هذا الاخير.. جعلت كلاهما يلتفتان الى مصدر ذلك الصوت الذي قطع عليهما حوارهما.. وجون يقول بابتسامة خبيثة: ربما تكون هي..
واسرع باختطاف الهاتف المحمول قبل ان تمتد يد ألكس اليه.. وهو يقول بابتسامة واسعة: سأرى ما تكتبه تلك الفتاة حتى جعلت قائدنا يقع اسير هواها..
وقبل ان ينبس ألكس ببنت شفة كان جون قد اسرع بضغط الزر لفتح الرسالة وقرأ فحواها...
لكن علامات الضيق ظهرت على وجهه بغتة واختفت ابتسامته من على شفتيه.. وهو يرفع عينيه الى ألكس قائلا: ما هذا؟..
تطلع له ألكس ببرود.. فقال وهو يشير نحو شاشة الهاتف: لم تضع رمزا للقفل؟.. لا اظن ان لديك اسرار تريد اخفاءها عنا..
قال ألكس وهو يمد يده ويلتقط هاتفه قائلا: اولا.. لا شأن لك ان كان لدي اسرار ام لا.. وكل شخص حر في اشياءه.. وثانيا لا تكن فضوليا وتعبث فيما لا يخصك..
قال جون وهو يعقد ذراعيه امام صدره: كل ما هنالك اني اردت ان اعرف من هي تلك الفتاة التي كنت تهلوس بها اثناء نومك..
قال ألكس وهو يتطلع اليه بطرف عينه: ثالثا.. لا تتدخل فيما لا يعنيك..
واسرع بضغط رمز القفل ليفتح الهاتف المحمول.. ليرى ان رسالتين قد وصلت الى هاتفه.. الاولى كانت من عهد وقبل نصف ساعة من الآن والتي كانت تقول فيها (كيف حالك الآن؟..اتمنى ان تكون بخير.. ارسل لي ردا بعد ان تقرأ رسالتي هذه)..اسرع يقرأها وهو يحمل على شفتيه شبح ابتسامة.. اما الاخرى والتي وصلت للتو كانت من احد اقاربه ببريطانيا..
واسرع يضغط على ازرار هاتفه لكتابة رسالة قصيرة الى عهد .. ارسلها اليها فورا.. واعاد اغلاق الهاتف ووضعه الى جواره.. فتساءل جون قائلا بفضول وهو يرفع حاجبيه: ممن كانت الرسالة؟..
قال ألكس مجيبا بصدق: من احد اقاربي..
خاب امل جون وزفر بحدة قبل ان يقول وهو ينهض من مجلسه: فليكن.. سأغادر انا الآن.. اتريد مني أي شيء آخر؟..
هز ألكس رأسه نفيا.. فغادر جون الغرفة حتى يواصل اعماله بالمكتب...
###########
(فارس.. فارس.. انهض.. انها الحادية عشرة مساءا)
فتح فارس عينيه بارهاق وتعب شديدين.. دون ان يستوعب صاحب ذلك الصوت الذي يهتف به..ويحاول ان يوقظه من نومه.. وعاد ذلك الصوت ليتكرر وصاحبه يهتف به: فارس.. فارس.. هيا.. ينبغي علي العودة الى منزلي..
بدا يستوعب ما يقال.. ويستوعب صاحب تلك الكلمات .. وقال بتعب وهو يعود ليغمض عينيه: اذهب الى منزلك يا حازم.. لم اجبرك على البقاء معي..
قال حازم بحدة وهو يزيح الغطاء عنه: انت من طلب مني ايقاظك حتى تذهب لفرقة المقاومة .. ام نسيت هذا؟..
قال فارس وهو يفتح احدى عينيه بارهاق شديد: وكم الساعة الآن؟..
قال حازم وهو يقرب ذراعه منه ويريه ساعة يده: انظر بنفسك.. انها الحادية عشرة والربع..
فتح فارس كلتا عينيه بقوة وقال بصدمة: ماذا؟.. الحادية عشرة والربع؟.. الم اطلب منك ايقاظي عند الساعة العاشرة ..
قال حازم باستهزاء: بلى قلت لي.. لكن ماذا افعل بشخص كسول هنا.. كاد ان يضربني وانا احاول ايقاظه منذ ساعة كامله.. حتى انني كدت اتركك واعود الى المنزل..
نهض فارس من على الاريكة التي كان مستلقي بها على وجه السرعة وقال وهو يسرع بخطواته تجاه دورة المياه: لو كنت فعلتها لما سامحتك ابدا..
قال حازم بسخرية: اسرع انت فقط للحاق بابنة عمك.. قبل ان يقترب منها احدهم هناك..
جاءه صوت فارس من داخل دورة المياه وهو يغسل وجهه: لا تستهزأ بالامر.. انا جاد بعودتي الى هناك..
قال حازم وهو يلوح بكفه بلا مبالاة: اسرع فقط.. وكفاك حديثا.. سنتأخر هكذا..
قال فارس بصوت عال حتى يصل الى مسامع حازم الذي يجلس بالردهة بعد ان اغلق عليه باب الغرفة واسرع باستبدال ثيابه: يمكنك العودة الى منزلك ان اردت.. لا تنتظرني..
قال حازم وهو يزفر بحدة: فليكن سأغادر بعد ان نهبط معا من الشقة.. لا اظن انك ستتأخر..
فتح فارس الباب لحظتها وقال في سرعة: هيا اذا..
واسرع يلتقط مفتاح الشقة من الطاولة الصغيرة الموجودة بالردهة وهو يسرع باتجاه الباب الرئيسي.. فقال حازم بمرح وهو يتبعه: انتبه جيدا قد تكون قد لبست قميصك مقلوبا بسبب عجلتك ..
حدجه فارس بنظرة باردة قبل ان يسرع بمغادرة الشقة واغلاق الباب خلفه بالمفتاح بعد ان غادرها حازم ايضا.. وقال هذا الاخير وهو يتجه ناحية المصعد: تعال من هنا..
قال فارس بضيق: المصعد سيتأخر الى ان يصل الى هذا الطابق.. سأهبط على درجات السلم اسرع واوفر للوقت..
قال حازم بحيرة: أي تأخير.. هيا تعال .. لن تضرك دقائق قليلة ستنتظر فيها المصعد..
قال فارس وهو يبتعد عنه باتجاه الدرج: بل ستضرني .. ولنرى من يصل قبل الآخر..
ابتسم حازم وقال بصوت عالي وهو يراقب ابتعاد فارس السريع عنه: فليكن انه تحدي بيننا..
واسرع يتجه بدوره ناحية المصعد.. ليضغط الزر المجاور وينتظر بلهفة وصوله.. وما ان وصل حتى استقله وهبط الى الطابق الارضي.. واسرع يتجه الى المواقف وهو شبه متأكد انه وصل قبل فارس..
وما ان وصل الى سيارته وهم بفتح بابها حتى سمع صوت بوق سيارة .. وصوت فارس من بعيدوهو يهتف به: انتصرت انا هذه المرة.. وداعا..
ورأى فارس ينطلق بالسيارة مبتعدا في سرعة عن المكان .. فابتسم قائلا وهو يصرخ باعلى صوته لعل فارس يسمعه: لا تسرع في الطريق..
لم يسمع جوابا من فارس الذي ابتعد بسيارته اكثر عن المكان .. واسرع بدوره يستقل سيارته وينطلق بها عائدا الى منزله.. وامر ما يشغل تفكيره ويجعل تلك الابتسامة الواسعة ترتسم على شفتيه...
###########
عادت عهد لتتطلع الى الرسالة التي ارسلها لها ألكس الى هاتفها المحمول للمرة الثالثة او ربما هي الرابعة..وفي كل مرة كان يسري في جسدها شعورا غريبا يجمع ما بين السرور والالم على ما اصابه بسببها..
وقرأت كلماتها بصوت هامس.. وكأنها تريد ان تغذي اذنيها بها كما غذت عينيها بتلك الكلمات وهي تقول بهمس خفيض: ( انا بخير لا تقلقي بشأني.. المهم انك على ما يرام.. ولدي امنية اتمنى لو استطعت تحقيقها لي.. في أي وقت تشائين ارسلي لي رسالة حتى اتصل بك.. اريد سماع صوتك.. لقد اشتقت اليك يا عهد.. اقسم لك )..
عضت على شفتيها بألم وبمرارة ومعاناة وهي تتحدث الى نفسها قائلة: ( وانا اشتقت اليك ايضا يا ألكس.. لكن صدقني.. لا فائدة من كل ما نفعله..الواقع سيظل حاجزا بيني وبينك.. ارجوك افهم اني لا اريد ان اعذب نفسي واعذبك معي في قصة ليس لها اية نهاية)
وكأن كلماتها هذه قد وصلت الى مسامع ألكس.. فلم تمض لحظات حتى تعالى رنين هاتفها وهو يضيء باسم ألكس .. وبارتباك نهضت من جلستها وهي تحول وضع الهاتف الى الصامت .. وتسرع للذهاب الى المطبخ الموجود عند احد زوايا المنزل ..
وما ان وصلت الى هناك حتى ترددت كثيرا وقد انتابها الخوف من الاجابة عليه..وانتقل بصرها اكثر من مرة بين هاتفها وبين باب المطبخ وهي تخشى دخول احد وسماع محادثتها التي ستكون بلغة اجنبية..
وبعد ان تكرر الاتصال لثلاث مرات.. التقطت نفسا عميقا وقررت الاجابة عليه.. ففي النهاية ستنفذ له رغبته .. وربما هي رغبتها ايضا!..
وضغطت زر قبول المكالمة وهي تضع الهاتف على اذنها فحسب دون ان تنبس ببنت شفة... وألكس الذي كان على الطرف الآخر استطاع ان يسمع صوت انفاسها المتوترة ويقول وهو يتنهد: اعلم اني لم انفذ وعدي بانتظارك انت كي ترسلي لي رسالة حتى اتصل بك.. لكن ماذا عساي ان افعل؟.. انه الشوق الذي لا يمكنني ان اتحكم به..
ظلت عهد على صمتها مما وتر ألكس وجعله يقول بجدية: عهد ان كان احد بجانبك فاغلقي الهاتف فورا..
قالت بارتباك وبحروف متقطعة: لا.. لا احد بجانــ.. بجانبي..
تنهد بارتياح .. قبل ان يقول مبتسما: اذا هل كان وقتي مناسبا للاتصال.. ام كنت نائمة؟..
قالت وهي تعود لتتطلع الى باب المطبخ بقلق شديد: لا.. لم اكن نائمة..
وقالت مبررة اجابتها على الهاتف: في الحقيقة لقد اجبت عليك.. لاني اشعر بتأنيب الضمير.. لما سببته لك اليوم.. واردت ان اطمئن عليك.. فحسب..
قال بهدوء: ان كان هذا هو السبب الحقيقي.. فأظن ان الرسالة التي ارسلتها اليك قد جعلتك تطمئنين على انني بخير.. ولم يعد هناك ما يدعوك للاجابة على المكالمة..
قالت وهي تلتقط نفسا عميقا: لقد اجبت حتى.. حتى اتأكد انك بخير حقا..
قال وابتسامة واسعة ترتسم على شفتيه: أتخشين علي؟..
قالت وهي تدس اصابعها بين خصلات شعرها القصير بتوتر: لانني كنت سبب ما اصابك.. وانت انقذتني لمرات عديدة..
قال متسائلا: بالمناسبة.. عندما اطلقت النار .. كنت تودين ان تنقذي زميلك في الفرقة أليس كذلك؟..
ظلت صامتة دون ان تجيبه بحرف فقال بلامبالاة: على العموم لم اسأل هذا السؤال حتى اتأكد ان كان ذلك الشاب من فرقة المقاومة ام لا.. المغزى من سؤالي هو اني اردت ان اعرف ان كان يستحق ذلك الشاب قتلي من اجل حياته..
عقدت حاجبيها وقالت : انت ايضا كنت تريد قتله..
قال ببرود: لانه من فرقة المقاومة.. وهو احد اسباب...
اسرعت تقول مقاطعة: انه ليس من فرقة المقاومة.. صدقني..
قال بسخرية مريرة: اعلم انك تدافعين عن ابناء وطنك.. وهذا من حقك بكل تأكيد.. لكن ما لا تعرفينه انني لم اكن انوي قتله.. كان مسدسي موجه نحوه وكنت اود ان اثير خوفه فحسب من اجل ان يدلني على فرقة المقاومة.. او ان يتم القبض عليه كأسير..
قالت باستخفاف شديد: تماما كما حدث معي.. ثم ان ذلك الشاب التي تتحدث عنه.. انه احد اقربائي..وقد اشترك في المهمة من اجل حمايتي..
قال وهو يعقد حاجبيه: لكن ما حدث هو العكس..فأنت من قمت بحمايته..
قالت عهد وهي تعود بذهنها للوراء: لانه لم يكن منتبها لك.. بسبب بحثه عني ..
قال ألكس بضجر: لا اريد ان اسمع أي شيء عن هذا الشاب..
قالت عهد بهدوء: فليكن ..وبالمناسبة لقد حققت لك امنيتك.. وعليّ الذهاب الآن..
قال ألكس في سرعة ولهفة: انتظري يا عهد.. متى استطيع الاتصال بك مرة اخرى؟؟..
قالت في سرعة: لا تتصل انت.. اذا كان الامر مهما سأرسل لك رسالة قصيرة فحسب..
قال بخيبة امل: فليكن.. اراك بخير..
لم تقوى على ان تقول سوى: الى اللقاء..
أي كلمة اخرى كانت تخشى الخروج من بين شفتيها.. فتلك الكلمة ستكون من اجل عدوها ألكس.. او لنقل من كان عدوا لها..فكل كلمة ستحسب عليها.. سواء ان كانت على مستوى وفاءها لوطنها.. او على مستوى انتقامها لوالديها.. او على مستوى هذا الواقع الذي تعيشه..
وعادت تتطلع الى باب المطبخ وهي تتنهد براحة من عدم وجود أي احد ونوم الجميع في هذه الساعة.. وحتى فارس نفسه.. لو كان موجودا اليوم.. لما تمكنت من الرد على ألكس..
ووضعت الهاتف في جيب بنطالها.. وسارعت بمغادرة المطبخ.. لكنها شهقت بقوة واتسعت عيناها وهي تلمح ذلك الجسد التي كادت ان تصطدم به لولا ان توقفت في آخر لحظة.. وسمعت صوت ذلك الواقف امامها وهو يقول: رويدك .. لم انت مستعجل هكذا؟..
ظهرت علامات الارتباك على وجهها قبل ان تقول بهدوء مصطنع: لا شيء.. لكن ظهورك المفاجئ هو ما جعلني اكاد اصطدم بك..
قال عماد مبتسما: لقد كنت اود شرب كاس من الماء والعودة للنوم مرة أخرى..
اومأت عهد برأسها دون ان تهتم.. واتجهت مغادرة المطبخ.. قبل ان تشعر باهتزاز هاتفها المحمول في جيبها.. وبالرغم منها خفق قلبها بقوة وخوف..من ان يكون ألكس هو المتصل هذه المرة ايضا..
واخرجت الهاتف من جيبها وهي تحاول تمالك اعصابها.. وشعرت بالراحة تتسلل اليها بعد ان رأت ان المتصل هو فارس هذه المرة.. واجابت قائلة بصو ت منخفض: اهلا ..
جاءها صوته وهو يقول بهدوء: انا اقف بالخارج.. افتحي الباب ..
قالت متسائلة وهي تتجه الى الباب الرئيسي: ولم تأخرت حتى هذه الساعة؟..
قال فارس بضيق: ليس هذا وقت اسئلتك السخيفة.. افتحي الباب.. وبعدها سأخبرك بكل شيء..
عقدت حاجبيها بحنق.. قبل ان تغلق الهاتف دون ان تقول أي كلمة اخرى.. وتفتح له باب المنزل قائلة بضيق: كان بامكاني ان ادعك تنام في الطرقات اليوم .. لكن لانني طيبة القلب فتحت لك الباب وتركتك تدخل..
ابتسم بسخرية وهو يدخل الى المنزل ويغلق الباب خلفه قائلا: ولم انام على الطرقات ولدي بدلا من المبنى ستة مباني؟.. وبالنسبة لطيبة قلبك فهذا امر مشكوك فيه منذ زمن..
رمقته بنظرة باردة قبل ان تقول وهي تهم بالابتعاد عنه: وطريقة تفكيرك مشكوك فيها ايضا..
قال بابتسامة وهو يتبع خطواتها: الا تريدين ان تعرفي اين كنت كل هذا الوقت؟..
التفتت له وقالت ببرود وهي تعقد ذراعيها امام صدرها: لا اريد ان اسئلك اية اسئلة سخيفة اخرى..
اتسعت ابتسامته وقال وهو يدفع جبينها باصبعه: فليكن ايتها السخيفة.. سأذهب للنوم الآن.. تصبحين على خير..
ابتسمت على الرغم منها وقالت وهي ترفع رأسها اليه: تصبح على خير انت ايضا..
ظل محتفظا بابتسامته قبل ان يستدير عنها ويبتعد عن المكان ..وذهنه منشغل بطريقة ووقت اعلان امر المشروع لعهد..
###########
بعد مرور ايام على ما حدث..كان هشام يفكر بقرار سيتخذه لصالح الفرقة والوطن ..حتى وان كان على حساب أي شخص كان..فهدفه اسمى من أية امور اخرى..
وبعد ان قام بنداء مارك.. واخبره بالامر كله.. رأى نظرات الذهول في عيني هذا الاخير وهو يتساءل كأنه لم يسمع حرفا مما قاله هشام: ماذا تقول؟؟..
قال هشام وهو يلتقط نفسا عميقا يملأ به صدره: ما سمعته.. واظن انك كنت تعلم ان هذا سيحدث لكني كنت ابحث عن الفرصة المناسبة فقط..
قال مارك وهو يحاول ان يتمالك اعصابه: ما افهمه هو اننا سوف نعيد سوزي الى المبنى البريطاني.. لكن ما لا افهمه هو ان استغلها للحصول على أي معلومات قد تفيدنا..
قال هشام في سرعة: انت اكثر شخص قريب من سوزي .. وهي لن تشك في امرك ابدا.. حاول ان تكون طبيعيا عندما تتحدث اليها وتستفسر عن أي شيء بشكل اقرب الى التلقائية..
قال مارك وهو يعقد ذراعيه امام صدره بضيق وعقله يرفض تلك الفكرة تماما: سوزي ليست غبية..
قال هشام وهو يومئ برأسه: اعلم انها فتاة ذكية.. لكنها في الوقت ذاته تحكمها مشاعرها تجاهك.. وهذا لن يجعلها تشك في امرك ان استطعت ان تستفسر عما تريد بطريقة غير مباشرة منها..
زفر مارك بحدة وقال باستنكار: لا استطيع.. صدقني.. امر فضيع ان تستغل مشاعر الناس لاغراضك الشخصية..
قال هشام بحزم: هذا ليس غرضا شخصيا.. انها حرية وطن بأكمله.. والجميع يسعى لذلك..
قال مارك بتوسل ورجاء: صدقني لا استطيع.. كيف لي ان اخدع من احب؟.. كيف؟؟..
قال هشام محاولا اقناع مارك بالفكرة: هذا لا يعد خداعا.. انت ستحدثها بشكل عادي جدا.. ويمكنك خلال محادثتك هذه ان تستفسر بشكل غير مباشر عن مثلا أي تجهيزات لخطط جديدة للمبنى البريطاني.. أي استعدادات وهكذا..
قال مارك باصرار: اعذرني يا هشام.. لكني حقا لا استطيع ..
قال هشام وقد شعر ان الطريق لا زال طويلا حتى يقنع مارك بفكرته: حسنا لا بأس.. سنتحدث في هذا الموضوع لاحقا .. لكن في ما يخص سوزي .. فسوف نقوم باعادتها للمبنى كما اتفقنا..
اومأ مارك برأسه وغصة مرارة غص بها حلقه.. لا يريدها ان تعود.. يريدها ان تكون الى جواره..هو لم يصدق خبرا انها قد عادت الى حياته من جديد.. فكيف يقبل ان تخرج منها بسرعة هكذا؟ ..
وغادر الغرفة ليسير في الردهة وهو يشعر بالتعب من التفكير في عودة سوزي الى المبنى البريطاني.. وبينما هو كذلك سمع صوتها يهتف به: مارك..
رفع رأسه متسائلا.. فقالت: يبدوا انك شارد الذهن.. لقد ناديتك اكثر من ثلاث مرات..
ابتسم بشحوب قائلا: ربما..
اقتربت منه وقالت: مابك؟..
تنهد بألم.. قبل ان يبتسم بشحوب وسط حزنه: ستتحقق امنيتك قريبا ..
قالت متسائلة بغرابة: عم تتحدث بالضبط؟..
قال مارك وهو يتطلع اليها وعيناه تفضحان حزنه والمه على فراقها: ستعودين الى حيث تريدين قريبا ..
قالت سوزي بدهشة : تعني المبنى البريطاني..
اومأ براسه قبل ان يقول بابتسامة مريرة: وبالتأكيد انت سعيدة لعودتك هذه .. اليس كذلك؟..
قالت بصدق: اجل سعيدة ولكن سعادتي هذه لن تكتمل لاني سأكون بعيدة عنك ..
- انت من اخترت ان نفترق..
- ذاك مكاني الطبيعي وانت تعلم ذلك..
قال بحنق وعصبية خلفها تفكيره برحيلها: اجل اعلم انه مكانك الطبيعي.. واعلم انك بعد ان تعودين الى هناك.. سنكون اشبه بالاعداء..ولن يمكنني حتى رؤيتك او الحديث اليك..
مدت كفها له وقالت بابتسامة باهتة: اعطني هاتفك المحمول..
استغرب طلبها هذا وشعر انها لم تسمع حرفا مما قاله.. وتسائل قائلا وهو يعقد حاجبيه: ولم؟..
قالت مكررة: اعطني هاتفك المحمول ومن دون اسئلة..
اخرج هاتفه المحمول من جيبه وقدمه لها وهو يراقب كل حركة تقوم بها.. وشاهدها تضغط ارقام معينة قبل ان تقول مبتسمة: لقد حفظت لك هذا الرقم في هاتفك.. تحت اسم "انا احبك".. ويمكنك تغيير الاسم ان اردت في أي وقت..
قال وهو لم يستوعب ما قالته: ماذا تقولين؟..و ما هذا الرقم الذي قمت بحفظه في الهاتف؟..
اتسعت ابتسامتها قبل ان تقول: رقم هاتفي بكل تأكيد.. هذا ان كان لا يزال هاتفي باقيا في الغرفة ولم يتخلصوا منه؟ .. وان لم يكن موجودا سأحاول شراء هاتفا ورقما جديدا ..
واردفت قائلة بمرح: وها انذا اخبرك لا تتجاهل أي رقم غريب يتصل بك.. واعلم انه قد يكون انا...
لم يشاركها مرحها.. ففكرة مغادرتها وان يفترقا من جديد سيطرت على ذهنه.. وجعلته يقول : سأحاول ان اتذكر ذلك ..
قالت له وقد انتابها الحزن بدورها .. وكأن حزن مارك انتقل اليها : مارك انا ايضا حزينة لاننا سنفترق و...
قاطعها بعصبية: لكنك انت من اخترت ذلك.. دون ان تعرفي أي انسان ستحطمين برحيلك..
زفرت سوزي بحدة وقالت وهي تمسك بجبهتها بقلة حيلة: ماذا علي ان افعل اذا؟.. ابقى هنا حتى آخر يوم في حياتي..
قال مارك بسخرية مريرة: بل اذهبي هناك.. ولنكن اشبه بالاعداء لا يرى احدا منا الآخر او يتحدث اليه حتى..وكل هذا من اجل حبك لعملك ومكانك الطبيعي كما تقولين..
قالت سوزي في سرعة: مارك لم لا تفهمني؟..
قال وهو ينظر الى عينيها مباشرة بلوم وعتاب: بل لم لا تفهمنيني انت يا سوزي ؟.. وان هذا القلب الذي احمله في صدري يرفض رحيلك بعيدة عنه..
لم تعرف سوزي ما تقول وقالت بابتسامة شاحبة: سأكون على اتصال دائم معك.. اعدك.. وربما نلتقي عن طريق المصادفة يوما..
ابتسم بسخرية واستخفاف قائلا: اجل سنلتقي في معركة .. ستكونين انت تعالجين الجنود البريطانيين والذين نكون نحن السبب في جراحهم.. ومن يدري ربما اصبح اسيرا في المبنى البريطاني واراك هناك..
عقدت حاجبيها وقالت مستنكرة: لم تسخر من ما قلته؟..
قال بحدة: لانه يدعو للضحك.. ما تقولينه جنون..اي لقاء هذا الذي سيجمع بيننا بعد ان تصبحي هناك؟.. هل تستطيعين الخروج من المبنى حتى؟..
اومأت برأسها وقالت بتحدي: اجل.. ان كان ذلك بتصريح ..
قال ببرود: وستقولين سبب مغادرتك للمبنى هو لقاء صديق قديم في فرقة المقاومة .. اليس كذلك؟..
قالت بضيق: مارك يكفي ارجوك.. لست انت الوحيد الذي تشعر بلوعة الفراق.. انا ايضا اشعر بالالم يعتصر قلبي.. لكنه الوضع المناسب لكلينا..
زفر بحدة وقال ببرود اكبر: فليكن افعلي ما تشائين.. لقد شعرت بحزن رحيلك المفاجئ سابقا..وتجرعت من المرارة ما يكفي.. اظن الآن اني قد اعتدت على هذا الامر واصبح شيئا عاديا بالنسبة لي..
تنهدت سوزي ولم تعلق على ما قاله.. ورأته يستدير عنها دون ان يلقي أي نظرة عليها.. لقد كان موافقا على مغادرتها مسبقا .. فلم غير رأيه الآن؟.. الأنه شعر بدنو رحيلها عنه؟.. ام لأنه قد وافق من اجلها فقط ولم يدرك أي حزن سيشعر به عندما يصبح الامر واقعا؟.. لا تعلم ابدا.. لكن يوما ما سيفهم انها لم تفعل هذا الا لأجلهما هما الاثنين ...
########
تلفتت عهد حولها بحثا عن فارس الذي لم تره منذ الصباح.. وتساءلت في سرها عن المكان الذي ذهب اليه في هذا الوقت المبكر من الصباح..وقررت في النهاية ان تتصل به لتعلم عن مكان وجوده على الاقل وتتأكد انه بخير ولم يصب بأي مكروه..
واخرجت هاتفها المحمول من جيبها لتتصل به بسرعة.. وما ان اجابها حتى قال بصوت منخفض: ماذا هناك؟..
قالت متسائلة: اين انت؟..واين ذهبت منذ الصباح؟..
زفر بحدة قبل ان يقول: وانا الذي توقعت ان هناك امرا ما قد حدث.. واين سأكون في رأيك غير في العمل؟..
قالت وهي تعقد حاجبيها بحيرة: ليس من عادتك الخروج في وقت مبكر من الصباح..
قال ببرود: لقد كانت لدي اعمال مضاعفة هذا اليوم..
قالت عهد وهي تتنهد: حسنا ومتى ستعود؟..
قال بابتسامة: الم اطلب منك بالامس ان لا تسألي اية اسألة سخيفة؟ ..
قالت عهد بحنق: فارس انا جادة بالامر..
قال فارس بعد برهة تفكير: ربما اعود مساءا..
قالت وهي تشعر بالضيق من عودته في وقت متأخر طوال الايام السابقة: فليكن افعل ما تشاء..
اسرع يقول: هناك امر اود ان اطلعك عليه..
قالت متساءلة بفضول: ما هو؟..
صمت للحظات قبل ان يقول: اذا تمكنت من العودة مبكرا اليوم سأصطحبك معي لتريه بنفسك..
قالت باستغراب: حسنا..
قال منهيا المحادثة: الى اللقاء..
انهت المحادثة بدورها وهي تشعر بفضول شديد لكي تعرف عن ذلك الامر الذي يريد فارس اطلاعها عليه...
############
(يوم جميل .. اليس كذلك؟)
رفعت غادة التي كانت تجلس خلف جهاز الحاسوب ناظريها لناطق العبارة قبل ان تقول مبتسمة: ان كنت تعتبر ان الملل يضفي على اليوم جمالا فأنا معك في ما قلته..
قال غسان الذي كان واقفا امام مكتبها مبتسما وهو يرتب سترته : بما ان اليوم ممل كما تقولين.. ما الذي يدفعك للبقاء خلف جهاز الحاسوب ومواصلة العمل حتى هذه اللحظة؟...
قالت غادة وهي تمدد ذراعيها بتعب: لان هناك تقرير لم انتهي من كتابته بعد..
قال جهاد وهويعقد حاجبيه ويستعد للمغادرة: من الافضل ان تغادري المكان.. الاوضاع غير مستقرة بالخارج..
قال غسان مؤيدا: انا من رأي جهاد ايضا.. هناك انفجارات على مقربة من المكان..
قالت غادة بلامبالاة وهي تواصل كتابتها على ازرار لوحة المفاتيح: انها بعيدة بقدر لا بأس به.. وثم من يجرأ على تفجير مركز للشرطة محاط بكل وسائل الامن تلك..
قال جهاد بهدوء وهو يلتفت لها ويقول قبل ان يغادر: البريطانيون..
لم تهتم غادة كثيرا بما قاله.. وفضلت مواصلة عملها .. فغادر كلا من غسان وجهاد مركز الشرطة حين يأس الاول من مغادرتها قبل ان تنهي عملها..
وبعد مرور عشر دقائق كانت غادة تكاد تنهي كتابة التقرير.. فاسرعت في كتابتها قبل ان يقطع عليها ما تفعله صوت رنين هاتفها معلنا وصول رسالة قصيرة.. فتنهدت بارهاق وهي تلتقطه من على مكتبها لتقرأ الرسالة..
وارتفع حاجبها باستغراب وهي تقرأ تلك الكلمات (اسرعي بمغادرة المركز.. الوضع اصبح خطيرا).. كانت الرسالة مرسلة من رقم مجهول.. ايكون احد زملاؤها؟ .. انه شخص يعلم انها لا تزال في المركز.. يعني انه ربما يكون احد اولئك الذين شاهدتهم بعد انتهاء فترة عملها.. لكنها ترجح ان يكون مرسل الرسالة غسان او جهاد.. فهم من اشار اليها بالاوضاع الخطرة بالمنطقة..
والتفتت الى جهاز حاسوبها لتنهي اخر ما تبقى لها بالتقرير.. قبل ان تقوم بحفظه.. والنهوض من خلف مكتبها لتسرع بالمغادرة .. وبينما هي كذلك حاولت الاتصال اكثر من مرة بصاحب الرقم.. لكن لم يجبها احد وهذا ما زاد في استغرابها..
فاسرعت تمضي في طريقها مغادرة..وقد بدأ القلق والخوف يدب في قلبها واوصالها وكأنه قد انتقل لها من تلك الرسالة.. وبينما هي كذلك.. اقتحم صوت الانفجار هدوء الليل.. وجعلها تشهق بقوة ورعب وهي تتجمد في مكانها غير قادرة على الحركة..
وتلفتت حولها مرارا لتعرف مكان ذلك الانفجار وهي تشعر ان ضربات قلبها قد باتت مسموعة للجميع..قبل ان تستجمع قوتها وتسرع بالجري مسرعة حتى وصلت الى الباب الرئيسي اخيرا.. فتنفست الصعداء..وكادت ان تخرج وتغادر .. لولا ان سمعت صوت انفجار آخر يكاد يصم اذنيها من قوته.. ويجعل قلبها يقفز من بين ضلوعها وهي تصرخ بخوف .. دون ان تدرك ما يحدث حولها ومن اي مكان تأتي تلك الانفجارات المتتابعة.. وشعرت بالندم لوهلة لانها لم تستمع لما قاله غسان وجهاد بشأن مغادرتها من المركز..
ومضت لحظات قبل ان تهم بمغادرة المركز من جديد .. لكنها لم تشعر الا بانفجارثالث وهذه المرة كان اقوى من سابقيه فقد اصاب قلب مركز الشرطة.. الامر الذي جعل النيران تشتعل في كل مكان .. وضغط الانفجار يدفع غادة –قبل ان تفهم أي شيء مما حدث- نحو الامام بكل قوة ويجعلها تصطدم بشيء صلب و تشهق متألمة قبل ان تشعر بالظلام يحيط بها من كل جهة.. وبعدها لم تشعر بشيء ابدا ولا يمكنها ان تعرف ما حدث بعدها.. لانها فقدت الوعي تماما وسط ما ينتظرها من خطر تلك الانفجارات ...
:
:
يتبع..
 
بــ الحب (29) والواقع ـــين
::مفاجأة::

فتحت عيناها فجأة بخوف وقلق وهي تتلفت حولها محاولة لمعرفة مكان وجودها.. واستعاد ذهنها صفاءه سريعا مما دفعها لان ترفع يديها لتنظر اليهما لتتأكد انها سليمة ولم تصب بمكروه في الانفجار.. واسرعت تلمس وجهها ورأسها قبل ان تتنهد براحة وهي تغمض عينيها بتعب.. لا تعرف ما الذي حدث لها بالضبط.. لكن كل ما يهمها الآن هو ان تكون بخير..
وتنبهت بغتة للمكان الذي هي فيه .. كانت مستلقية على فراش ابيض.. وجهاز قياس ضغط الدم على الطاولة المجاورة لها.. فاعتدلت في جلستها وقد تأكدت انها بالمشفى.. وتساءلت عن كيفية مجيئها الى هنا؟.. وعن السبب الذي دفعهم لاحضارها الى المشفى.. اتكون مصابة دون ان تعلم؟..
وازاحت الغطاء عنها وهي تهم بالنهوض من على فراشها لولا ان سمعت صوت فتح الباب .. فرفعت رأسها الى من دخل الغرفة .. ولمحت طبيب وممرضتين.. والاول يقول بهدوء: حمدلله على سلامتك ..
لم تعلق على عبارته .. لكنها قالت متساءلة بقلق شديد: لم انا هنا؟.. وما الذي اصابني؟..
قال الطبيب وهو يمسك معصمها ليتأكد من انتظام دقات قلبها: لا تقلقي.. لقد فقدت الوعي فقط في انفجار مركز الشرطة.. ولم تصابي الا بكدمات ورضوض بسيطة..
تنهدت غادة براحة قبل ان تقول: حمدلله..
دخلت ممرضة اخرى الى الغرفة وهي تقول: سيدي الطبيب احد الشرطيين الذين بالخارج.. يطلب رؤية الآنسة..
قال الطبيب بهدوء: فلأنتهي من فحصي لها اولا..
تساءلت غادة قائلة وقد شدها ما قالته الممرضة: بالمناسبة من قام بنقلي الى المشفى؟.. اهي سيارة الاسعاف؟..
اجابتها الممرضة التي دخلت للتو وهي تقيس لها ضغط الدم: لا.. واظنه احد الشرطيين الذين ينتظران بالخارج..
عقدت غادة حاجبيها بتفكير شديد..من هما هذين الشرطيين؟.. ربما يكونان زميلاها بالمركز وقت حدوث الانفجار.. وقد رأوها فاقدة الوعي وقتها فقررا اسعافها سريعا و...
لم تكتمل افكارها لأنها سمعت صوت الطبيب وهو يقول للمرضة: اسمحي لهما بالدخول الآن..
تعلقت انظار غادة بالباب بفضول.. تريد ان تعرف اولئك الذين طلبوا رؤيتها.. واتسعت عيناها بصدمة ممزوجة بالفرح وهي تهتف: غسان .. جهاد.. هذا انتما..
قال غسان وهو يقترب منها ويقول بلوم: اجل نحن ايتها الشرطية المتهورة..
ابتسمت لقوله هذا قبل ان تقول متسائلة باهتمام شديد: اود ان اعرف.. كيف جئت الى هنا وماذا حدث لي بعد الانفجار؟..
قال غسان وهو يعقد حاجبيه: بل نحن من نريد ان نعرف.. ماذا حدث لك بالضبط بعد ان تركناك في مركز الشرطة؟..
قال الطبيب في تلك اللحظة : عذرا على المقاطعة .. لكن قبل اي شيء.. اردت ان اقول ان الآنسة في حالة جيدة الآن ويمكنها ان تغادر وقتما تريد..بالاذن..
قال غسان وهو يلتفت له: شكرا..
قال الطبيب وهو يغادر الغرفة مع الممرضتين اللتين انتهيتا من عملهما: هذا واجبي..
تاركين الغرفة لغسان وغادة وجهاد الذي لم ينطق بحرف واحد منذ ان دخل الى الغرفة ..وقالت غادة مجيبة على تساؤل غسان: في الحقيقة بعد ان غادرتما بربع ساعة ..واصلت عملي لولا ان وصلتني رسالة الى هاتفي المحمول تنبئني ان الوضع بالخارج اصبح خطرا للغاية..
قال غسان مبتسما وهو يظنها تمزح: ومنذ متى اشتركت في خدمة الطوارئ؟..
قالت بجدية: اقسم لك ان هذا ما حدث ولو ان هاتفي في عهدة المشفى.. يمكنني تأكيد قولي هذا لك..
قال غسان وهو يجذب له مقعدا ويجلس عليه: ومن مرسل هذه الرسالة؟..
هزت كتفيها وقالت : لست اعلم.. وظننته انت او...
بترت عبارتها ورفعت رأسها الى جهاد الذي لا يزال واقفا واكملت قائلة: او جهاد..
قال غسان نافيا: ابدا لم ارسل اية رسائل.. ثم انني لا املك رقم هاتفك حتى..
والتفت الى جهاد متسائلا: الست انت مرسل الرسالة؟..
قال جهاد باقتضاب: لا..
قالت غادة بدهشة شديدة: اذا من يكون ذلك الذي علم اني موجودة بالمركز ذلك الوقت وحاول تحذيري من الانفجارات؟! ..
قال غسان مداعبا: ملاكك الحارس..
عقدت حاجبيها من قوله قبل ان تقول وهي تتنهد: المهم انني بعدها قررت اكمال ما بدأته من عمل.. وبعد ان انتهيت اردت مغادرة المركز سريعا.. لكني شعرت بضغط احد الانفجارات يرمي بجسدي الى الامام وبعدها لم اشعر بشيء سوى وانا هنا بالمشفى..
قال غسان وهو غير مستوعب: لحظة.. لحظة.. اكملت عملك حتى بعد ان وصلتك تلك الرسالة.. اي تهور هو هذا؟ .. ثم ودّعي عملك ذاك الآن والذي فضلتيه على حماية نفسك من الموت.. فقد اختفى هو وحاسوبك واصبحا رمادا..
تطلعت له بضيق قبل ان تقول: ايجب ان تذكرني بهذا؟..
قال مبتسما وهو يتطلع اليها: اهم شيء الآن انك على ما يرام..وليذهب العمل الى الجحيم..
قالت غادة متسائلة بفضول: صحيح اخبرني.. كيف علمتما انني هنا؟..
ضحك غسان قبل ان يقول: نحن من نقلناك الى هنا..
ارهفت سمعها باهتمام وهي تقول: اذا قل لي ما حدث بالتفصيل..
قال غسان مبتسما وهو يلتفت الى جهاد: ما رأيك؟.. انخبرها ام نترك الفضول يحرق اعصابها قليلا؟...
قال جهاد مجيبا: الافضل ان تخبرها..
قال غسان وهو يعود ويلتفت الى غادة ويقول وهو لازال محتفظا بابتسامته: فليكن اذا .. سأخبرك ما حدث.. في البداية كنت مغادرا الى منزلي .. لولا ان سمعت صوت انفجار قريب جدا من المنطقة.. شعرت حينها ان ذلك الانفجار قد يصيب المركز او اي انفجار آخر يليه.. فقررت العودة حتى اطمئن على جميع الزملاء.. واحاول المساعدة ان تطلب الامر.. وبينما كنت في طريقي الى هناك سمعت صوت انفجار آخر اقرب من سابقه.. فزدت السرعة.. لكن ضغط على الفرامل بقوة عندما وجدت انفجار ثالث قد اصاب المركز هذه المرة.. اوقفت سيارتي بعيدا عن المركز وقررت النزول من سيارتي لارى ما حدث..
وبلل شفتيه قبل ان يواصل: وعندها وجدتك فاقدة الوعي خارج المركز.. لم اعرفك في البداية لان وجهك لم يكن واضحا من زاوية رؤيتي.. لكن صوت جهاد الذي لم اعرف من اين ظهر اثناءها جعلني اعرف انها انت وهو يهتف بي قائلا في سرعة (انها غادة.. فلنسرع وننقلها الى المشفى ).. وبعدها نقلناك الى هنا لنطمئن عليك..
اومأت غادة برأسها وقد فهمت الامر .. لكنها تساءلت بغتة: وماذا عن بقية الزملاء؟.. ما هي اخبارهم؟.. هل اصابهم مكروه؟..
اجابها جهاد هذه المرة قائلا: هناك جرحى وقتلى ايضا..
اتسعت عينا غادة بصدمة قبل ان تقول بقهر: تبا.. كل هذا بسبب البريطانيون الاوغاد..
ومرت دقيقة صمت بعد عبارتها دون ان يقطعها اي منهم.. لكن بعد ان شعر غسان بعمق تفكير غادة قال متسائلا: فيم تفكرين الآن؟..
التفتت له وقالت وهي تجيب على سؤاله بسؤال آخر: ماذا عن المركز الآن؟.. كيف سنعود الى اعمالنا من جديد؟..
اجابها قائلا: لا اظن اننا سنعود الى اعمالنا.. على الاقل حتى تهدأ الاوضاع..
قالت غادة بجدية وحزم: اذا يمكنني ان انفذ الفكرة التي تشغل ذهني الآن...
#########
تعالى رنين هاتفها لاكثر من مرة وباصرار..مما جعلها تخرجه من جيبها و تجيبه قائلة وهي تزفر بحدة: اهلا فارس..
قال فارس بهدوء: كيف الحال؟..
قالت بلا مبالاة: لقد كنت معي قبل ان تخرج على ما اظن.. وتعرف انني على ما يرام.. لا داعي لمثل هذه المكالمات حتى تفرض جو من الرقابة حولي..
صمت لحظات قبل ان يقول وكأنه لم يسمع اي شيء مما قالته: اتذكرين ما اخبرتك به بالامس؟..
قالت وهي تتذكر: اتعني ذاك الشيء الذي تود اطلاعي عليه؟..
قال مجيبا: اجل .. وسآتي لأخذك بعد ساعتين من اجل ذلك ..
خشت عهد انها احدى خططه لاخراجها من فرقة المقاومة عنوة.. وقالت في سرعة: اخبرني ما هو الشيء الذي تود ان تطلعني عليه اولا؟.. فلست ساذجة ابدا لكي تخرجني من فرقة المقاومة دون ان اعلم الى اين ستأخذني حتى.. فمن يدري ربما تخرجني من هذا المنزل ولا تعيديني اليه ابـ...
قاطعها قائلا بحنق: هل لك ان تتوقفي عن ثرثرتك هذه قليلا وتستمعي الي؟.. لو اردت اخراجك من فرقة المقاومة.. فاعلم ان طريقة خداعك ليست هي الحل المناسب.. وانسب الطرق هي ان اخبرهم بكل بساطة ان عهد الذي يجلس بينهم هو فتاة وليس شاب..
قالت بعصبية: اتهددني بذلك؟.. ثم لا تنسى انك قد وعدتني بأن لا يعلم احد بالامر ..
قال فارس بحدة: لم انسى.. وها انذا قلتها لك.. فكفاك سخافة وغباء وفكري بطريقة افضل مرة اخرى.. سأكون عندك بعد ساعتين من الآن.. وستأتين معي ..
قالت وقد احنقتها لهجته الآمرة: وان قلت انني لن آتي معك.. ولتفعل ما تشاء..
قال ببرود: ستكونين انت من جنى على نفسه.. فلن يهمني احد لو دخلت واخرجتك بالقوة من الفرقة..
قالت بتردد وقد شعرت انه صادق بتهديده: اقسم اولا انك لا تفكر باخراجي من مقر المقاومة الى الابد..
قال بعصبية: لماذا اتناقش مع طفلة مثلك منذ الصباح؟.. سواء صدقت او لم تصدقي.. فسآتي لاصطحابك وهذا امر مفروغ منه.. مع السلامة...
وانهى محادثته دون ان يسمع ردا منها.. وعهد التي حاولت ان تمسك اعصابها ولا تثور قدر الامكان قالت بحدة وعصبية وكأنها تحدثه: تبا لك.. ايها السخيف التافه .. الاناني المتسلط.. اكرهك...
وارسلت له رسالة قصيرة اودعت فيها غضبها وحنقها منه وهي تقول فيها (اكرهك ايها المتسلط والسخيف والاناني) ..فلعل ذلك يخفف من عصبيتها على ما فعله بها والا قد تنفجر غضبا في اية لحظة.. ووصلها الرد منه بعد دقائق ففتحت الرسالة في سرعة والتي كان يقول فيها ( لم يطلب احد منك ان تحبيني ايتها الطفلة الحمقاء) ..
وازدادت عصبيتها اضعافا فبدلا من ان تثيره وتستفزه برسالتها .. هو من استفزها برسالته.. وضغطت على هاتفها المحمول بكل قوة لعلها تفرغ غضبها وحنقها فيه..
ومرت الساعتين عليها بشكل سريع على الرغم من انها كانت تود ان يتوقف الزمن حتى لا تذهب مع فارس الذي تشك ان في نيته اجبارها على مغادرة فرقة المقاومة..
وتعالى رنين هاتفها المحمول وهو يضيء باسم فارس.. فقررت في البداية ان تتجاهله حتى تثير حنقه كما اثار غضبها هو.. لكنها خشت ان يدخل الى فرقة المقاومة ويتسبب في موقف محرج لها امام الجميع..
واجابت عليه اخيرا دون ان تنطق بكلمة وهي لا تزال تشعر بالعصبية من تصرف فارس معها.. وسمعت صوت هذا الاخير وهو يقول: انا بالخارج.. اخرجي بسرعة..
قالت بضيق واضح: لا اريد الذهاب معك الى اي مكان..
- خمس دقائق لا غير.. ان لم تخرجي سأخرجك انا بنفسي ..
قالت بحنق: لا اظن ان الامر الذي تود اطلاعي عليه مهم الى هذه الدرجة.. الآن فقط تأكدت انك تريد اخراجي من فرقة المقاومة..
حاول ان يمسك اعصابه قدر الامكان وهو يزفر بحدةقائلا: كلا لن اخرجك من الفرقة يا ايتها الذكية كما تعتقدين.. واقسم على هذا.. اتريدين اكثر من القسم حتى تصدقي ما قلته؟..
عهد بتردد: اذا .. ماذا هناك؟..
التقط فارس نفسا عميقا ملأ به صدره وهمس لنفسه ( اصبر يا فارس .. اصبر.. من تتعامل معها ليست الا طفلة).. وقال ببرود: لو جئت معي ستعلمين ماذا هناك؟..
ظللت مترددة لفترة طويلة قبل ان تقول: حسنا.. سآتي..
وذهبت لتخبر هشام برغبتها للمغادرة حتى تذهب مع فارس الذي ينتظرها بالخارج..وغادرت بعدها وهي تتجه الى سيارته التي تقف على مسافة مناسبة من مقر المقاومة..قبل ان تدلف اليها وتجلس على مقعدها بتوتر .. وفكرة اخراجها من المقر لا تزال تسيطر على ذهنها على الرغم من ان فارس قد اقسم لها انه لن يفعل..
وفارس الذي لاحظ التوتر على وجهها قال بسخرية: ما بالك يا آنسة؟.. لن اختطفك.. سأريك امر يتعلق بالعمل وبعدها سأعيدك من حيث أخذتك..
التفتت له وقالت بحدة: اذا لم لا تخبرني ما هو هذا الامر على حد قولك؟..
قال بابتسامة غامضة: سترينه بنفسك بعد لحظات.. فقط انتظري..
غاصت في مقعدها بحنق وهي تعقد ذراعيها امام صدرها وتلتفت لتتطلع من النافذة الى اي شيء تقع عيناها عليه..قبل ان تقول وهي تزفر بحدة: لقد مللت من الانتظار..
قال فارس بسخرية: وانا ايضا مللت سماع صوتك..
قالت متسائلة بلهجة اقرب الى الرجاء: الى اين تأخذني؟.. اخبرني ..
قال فارس وهو يتطلع اليها بطرف عينه وعلى شفتيه شبح ابتسامة: الا تعرفين شيء يسمى صبرا؟..
قالت بضيق: لقد سأمت الانتظار.. اريد ان اعرف ما هذا الامر الذي استدعى حضوري شخصيا حتى اراه؟..
قال بابتسامة: بالتأكيد امر يخصك..
قالت باستهزاء: حقا امر يخصني؟.. يالها من معلومات قيمة افدتني بها...
اوقف السيارة على بعد عدة امتار من احد المباني قبل ان يلتفت لها ويقول مبتسما: وصلنا..
قالت وهي تتطلع من نافذة السيارة: هذا احد مبانيك..
قال وهو يطفئ محرك السيارة: اعلم.. فلست اعمى..
التفتت له وقالت بحيرة: حسنا.. وما الذي تريد مني رؤيته في هذا المكان؟..
قال باقتضاب: مفاجأة..
قالت عهد بتوتر: لقد بدأت اشعر بالقلق حقا..
قال مبتسما: لا داعي لكل هذا.. انه امر يتعلق بمستقبلك..وتأمين حياتك..
قالت عهد التي شعرت بحيرتها تتضاعف: لم افهم..
قال فارس وهو يشير لها بالنزول من السيارة: اهبطي اولا من السيارة وتعالي معي لتفهمي كل شيء..
هبطت من السيارة وتبعت خطواته وهو يدلف الى المبنى.. قبل ان يستقلا المصعد الى الطابق الثالث .. وهنا عادت وعد لتسأل: الن تخبرني ما الامر حقا؟..
قال فارس ببرود: اكل الفتيات لا يعرفن الصبر مثلك؟..لقد ازعجتني باسئلتك المتكررة.. فقط انتظري وسترين بنفسك ..
وصلا في تلك اللحظة الى الطابق الثالث.. فغادرا المصعد وعهد تحمل على وجهها ملامح التوتر والفضول..قبل ان تجد نفسها امام شقة تحمل الرقم (6).. وقبل ان تنطق بأي حرف وجدت فارس يلتفت لها ويقول بابتسامة: اغمضي عينيك..
تطلعت له بحيرة واستغراب.. فقال مردفا: لا تقلقي .. انها مفاجأة فقط..
ظهر التردد جليا في عينيها فتنهد فارس قبل ان يقترب منها ويضع كفه على كتفها ويقول بلهجة هادئة: انظري الي يا عهد..
رفعت عينيها لتنظر اليه كما طلب منها .. فقال بابتسامة مطمئنة: انت تعرفينني جيدا ومنذ صغرك.. وتعرفين من هو فارس ايضا.. وقد كنت صديقك قبل ان اكون ابن عمك.. لهذا اسألك والآن.. اتثقين بي؟..
اومأت برأسها ايجابيا.. انها الحقيقة فهي تثق به وتعلم أي شخص هو فارس.. فقال مستطردا وابتسامته تتسع: اذا فيم التردد؟.. هيا اغمضي عينيك.. انها مفاجأة وحسب..
اغمضت عينيها هذه المرة كما طلب منها.. وقد شعرت بتوترها يتلاشى بعد كلماته تلك.. وسمعت في تلك اللحظة صوت المفتاح وهو يدور في ثقب الباب وصوت فتح هذا الاخير.. فقالت بابتسامة باهتة: أأفتح عيني الآن؟..
قال وهو يسرع باشعال الاضواء: لا ليس بعد..
وجذبها من كفها لداخل الشقة قبل ان يقول مبتسما: الآن يمكنك فتح عينيك..
فتحت عهد عيناها وهي تشعر بالضوء يؤذي عينيها قليلا.. قبل ان تتسع عيناها بدهشة وهي تتطلع الى الشقة والى تلك المفاجأة التي كانت تنتظرها...
##########
قال مارك بصوت على الرغم منه ظهر حزينا وهو يتطلع الى سوزي: هل فهمت ما عليك فعله يا سوزي؟..
اومأت سوزي برأسها قبل ان تقول بحماس: اجل..
قال مارك وهو يتنهد بمرارة: اذا انت مستعدة الآن للرحيل..
عادت لتومئ برأسها .. فالتفت هو الى هشام الذي يجلس على مقربة من المكان.. فنهض هذا الاخير من مجلسه وقال وهو يقترب منها: لا تنسي ما اخبرناك به طويلا.. انت لا تعرفين شيئا عن هذا المكان.. ولا عن أي شخص هنا..
قالت سوزي بحزم: ثق بأنني لن انطق بأي كلمة تدينكم.. فلقد امتعنتم عن اذيتي على الرغم من انكم كنتم تستطيعون ذلك.. فكيف احاول اذيتكم انا؟..
ابتسم هشام بهدوء قبل ان يسلم مارك حبلا غليظا ويقول: اربط ذراعيها جيدا من الخلف حين نصل الى السيارة..
قال مارك في سرعة: لا داعي لمجيئك انت ايضا وتعريض نفسك للخطر.. سأنفذ الخطة بحذافيرها لاعادة سوزي الى المبنى ..وسأكون بخير..
قال هشام وهو يتطلع اليه: ومن قال انني سآتي معكم؟ .. انني اعتمد عليك في تنفيذ الخطة كما اخبرتك.. وسأكتفي انا بالاطمئنان عليكما قبل المغادرة..
ابتسم مارك بشحوب قبل ان يقول: سأكون عند حسن الظن بي..
والتفت الى سوزي قائلا: هيا يا سوزي..
قالت وقد شعرت بالقلق يتسلل اليها: حسنا .. هيا..
غادروا جميعا فرقة المقاومة وهناك سلم هشام مارك المفاتيح وقال بلغة عربية لا تفهمها سوزي: لا تنسى ما اتفقنا عليه يا مارك ..
قال مارك وهو يتنهد بألم: لن انسى ولا داعي لأن تذكرني به في كل لحظة..
قال هشام وهو يربت على كتفه: كن بخير.. وعد الينا سالما ..
قال مارك بهدوء: لا تقلق علي.. الى اللقاء الآن..
تطلع له هشام وهو يغيب عن ناظريه هو وسوزي ويبتعدان باتجاه تلك السيارة المتوقفة على مسافة بعيدة نسبيا من فرقة المقاومة.. قبل ان يتنهد وهو يلتفت عنهما ويعود ادراجه وهو يحاول ان يتناسى قلقه على مارك وعلى تنفيذه للخطة كما اتفقا..دون ان يصاب بأي مكروه او يكشف امره..
ومن جانب آخر كانت سوزي قد جلست على المقعد المجاور وهي تقول بهدوء: سوف تتوقف بالسيارة في مكان قريب من المكان الذي اختطفت فيه مسبقا.. اليس كذلك؟..
اومأ مارك برأسه وهو يشعل المحرك .. فقالت سوزي متسائلة باستغراب: لقد طلب منك شقيقك ان تقيد ذراعي اولا..
قال مارك وهو يرمي بالحبل الى الخلف بلامبالاة: لا داعي لربطهما .. يكفي ان تقولي ما اتفقنا عليه في الفرقة..وهو انك كنت محتجزة في مكان لا تعلمين عنه أي شيء.. وقد استطعت الهرب منهم بصعوبة اليوم..
قالت سوزي وهي تتنهد وترى مارك يهم بقيادة السيارة: يا الهي اشعر ان خدعة كهذه لن تنطلي على الجنود البريطانيون الذين سيظلون يتساءلون عن مكان فرقة المقاومة..
والتفتت له وهي تقول بابتسامة باهتة: لكن اطمئن لن انطق بحرف واحد كما وعدتكم..
وجدت مارك يلتفت لها ويقول بابتسامة شاحبة: سوزي انا آسف..
قالت سوزي بحيرة : ولم الاسف؟.. انت لم...
وقبل ان تنطق بأي حرف او تستطيع ان تستوعب ما يجري حولها .. شعرت بيد مارك التي تحمل منديلا يحوي مادة ما يكمم به انفها.. وسرعان ما تذكرت تلك الرائحة المخدرة التي كان لها نصيب في اختطافها للمرة الاولى.. وقفز الى ذهنها سؤال وهي تحاول ان تبعد يد مارك عنها وهو "لماذا فعلت هذا يا مارك؟"..وشعرت ان مصيرها بات مجهولا تماما قبل ان تفقد الوعي في السيارة..
ومن جانب آخر تطلع مارك الى سوزي التي تراخت ولم تعد تحاول ابعاد يده عنها ..وطفى الالم والمرارة على سطح عينيه وهو يهمس لها: اعذريني يا سوزي.. كان لابد لي من ذلك.. انا اثق بك.. لكنها اوامر هشام الذي اراد حماية افراد الفرقة من جهة.. ومن جهة اخرى وجدت انه محق فيما قاله.. فبهذه الطريقة لن تعرفي الطريق حقا الى فرقة المقاومة.. ولن تستطيعي ان تدلي احد عليه ..
واسرع ينطلق بالسيارة وهو يشق شوارع المدينة.. متأملا ان ينجح في اعادة سوزي الى المبنى دون ان يواجه اية مشاكل ...
#############
( ما رأيك بكل صراحة؟)
قالها فارس بابتسامة واسعة وهو يتطلع الى عهد.. وبادلته هذه الاخيرة الابتسام وهي تقول بسرور: رائع...
وعادت لتنظر حولها.. الى ذلك المكتب والى غرفة الانتظار التي تضم بضع مقاعد.. والى غرفة ترى من خلال بابها المفتوح مكتبين.. وغرفة اخرى مغلقة الباب.. وعادت لتلتفت الى يمينها لتتطلع الى مطبخ صغير في ركن المكان.. والى الجدار الذي تغير لون طلاءه الى لون جميل ويتناسب مع جو العمل ..
وتساءلت قائلة بابتسامة: افهم من هذا.. ان هذا هو المشروع الجديد..
اومأ فارس برأسه قبل ان يقول وهو يلقي نظرة سريعة على المكان: اجل.. شركة صغيرة للعقارات.. نصفها لي والآخر لك..
قالت بحماس: اذا فلي نصف الشركة.. هذا شيء يجعلني من اصحاب الاملاك وسيدات الاعمال اليس كذلك؟..
رفع احد حاجبيه باستغراب قبل ان يقول بمرح: لا تنسي انني من سيدير هذه الشركة بكاملها.. وانت ستكونين مجرد مساهمة في رأس المال..
قالت متسائلة: اتعرف كيفية ادارة شركة مثل هذه حقا؟..
قال مجيبا: سيساعدني صديقي حازم .. فهو يمتلك خبرة واسعة في هذا المجال..
قالت مشيرة نحو الباب المغلق: اريد رؤية ذاك المكتب..
قال بغرور مصطنع: انه مكتب المدير.. ولهذا فلن يدخله احد سواي..
قالت عهد بمرح: سنرى..
واسرعت تجري وهي تنطلق نحو تلك الغرفة وما ان وصلت اليها حتى فتحت بابها.. وتطلعت اليها باعجاب شديد وهي ترى اثاث المكتب الفخم الذي اختاره فارس لهذا الغرفة.. وقالت وهي تلتفت الى الاخير الذي لم يتحرك من مكانه ويتطلع اليها بابتسامة: يالهذه الانانية.. اخترت لنفسك افضل وافخم انواع الاثاث..
قال فارس وهو يقترب منها: انسيت انه مكتب من سيباشر العمل وسيبرم العقود والصفقات؟.. فلابد ان يكون له مكتب فخم يستقبل فيه رجال الاعمال..
اومأت عهد برأسها قبل ان تقول بتفكير: كم كلفك هذا المكتب ؟..
قال فارس وهو يعقد ذراعيه امام صدره: وما شأنك انت؟..
قالت عهد وهي تبتعد عنه بضع خطوات : لا تنسى اني قد ساهمت في رأس المال.. وبالتأكيد قد انفقت نصف النقود على مكتبك هذا..
قال فارس بسخرية: من هذه الناحية لا تقلقي .. فقد انفقت نقودك كلها من اجل شراء سيارة جديدة.. فكما تعلمين انا الآن رجل اعمال ولابد لي من شراء سيارة فخمة تليق بي..
رفعت حاجبيها وقالت بدهشة مصطنعة : وما ذنبي انا لأتحمل اعباء مصاريفك الخاصة؟..
هز كتفيه وقال مبتسما: انك ابنة عمي..
تراجعت الى الخلف وقالت وهي تجلس خلف المكتب: انها اكبر مصيبة قد حدثت في حياتي..
رفع فارس احد حاجبيه بحنق .. قبل ان يقول وهو يقترب منها: انا اصبحت مصيبة الآن.. فليكن يا عهد..
وقبل ان تفهم عهد ما هناك.. وجدته يختطف قبعتها من على رأسها ويقول بسخرية: ودّعي قبعة الاخفاء هذه..
اسرعت تنهض من خلف المكتب وتقول: اعطني اياها يا فارس..
قال وهو يتراجع وبعناد: في احلامك فقط..
قالت بغيظ: فليكن..
اسرع يبتعد عنها مسرعا.. وعهد التي تلحق به ازدادت اصرارا على ان تحصل على قبعتها.. وخصوصا وهي تراه يفوقها سرعة بمراحل..وتوقفت في مكانها بتعب وهتفت به وهي تحاول ان تلتقط انفاسها: اعطني اياها يا فارس..
قال وهو يضحك : حاولي ان تحصلي عليها لوحدك..
قالت بتحدي: فليكن..
واسرعت بخطواتها وهي تجري نحوه من جديد دون ان تنتبه لقضيب الستائر المعدني الذي لم يقم العمال بوضعه في مكانه بعد.. ووجدت رجلها بغتة تصطدم بذلك القضيب المعدني.. وشهقت بخوف واغمضت عينيها وهي تشعر بجسدها يهوي ارضا و انها ستسقط لا محالة..
لكن ذراعين كالفولاذ امسكتا بذراعيها بكل قوة وحمتها من السقوط.. ورفعت عهد ناظريها لتنطق بأي كلمة .. لكن رأت في عيني ذلك الذي انقذها.. خوف صادق وحقيقي عليها وهو يهتف بها: عهد.. هل تأذيت؟..
كانت تريد ان تجيبه حقا.. لكن عيناه جذبتها بالرغم منها.. كانت تغوص في بحر عينيه دون ان تنتبه لما تفعله ..شيء ما جديد راته في تلك العينين؟.. ما هو؟.. لا تعرف .. شيء جعلها غير قادرة على رفع عينيها عنهما...
لكن قطع افكارها صوت فارس من جديد وهو يهتف بها قائلا: عهد.. اجيبيني .. هل تأذيت؟..هل انت على مايرام؟..
اغمضت عهد عينيها بقوة قبل ان تنفض عن راسها تلك الافكار .. وهي تشعر انها تفيق للتو من احد احلامها.. واعتدلت في وقفتها وهي تقول: اجل انا بخير..
واسرعت تختطف القبعة التي لم ينتبه لها فارس في غمرة انقاذ عهد من سقطتها.. وقالت بمرح: ها قد حصلت عليها وحدي..
لم يكن فارس منتبها لما قالته بقدر ما كان يتطلع الى القضيب المعدني بضيق وهو يقول: لابد ان انادي احد العمال غدا لينهو عملهم في هذه الشقة.. حتى لا يتسبب ذلك في اذى اشخاص آخرين..
وقبل ان تعلق عهد على ما قاله.. سمعا صوت جرس الباب.. فقالت عهد مستغربة: من هذا الذي يأتي في هذا الوقت؟..
قال فارس بسخرية: وهل اخبرك احد انه بامكاني اختراق الباب بنظراتي.. سأفتح الباب وستعرفين من يكون بعدها .. مع انني اكاد اجزم انه حازم .. فلا شخص يعرف انني قد اكون في هذا المكان سواه..
وابتعد عن عهد ليتجه الى الباب ومن ثم يتطلع من خلال " العين" الى من يقف خلف الباب.. وقال : الم اقل لك بأنه هو؟..
ومن ثم لم يلبث ان فتح الباب .. وسمع صوت حازم الذي قال بضيق: لماذا لا ترد على هاتفك يا اخي؟..لقد تعبت وانا اتصل بك اكثر من عشرين مرة..ومن ثم ذهبت للبحث عنك في شقتك قبل ان آتي الى هنا اخيرا ..
قال فارس بلامبالاة: هل انتهيت من رواية قصة حياتك؟ .. اذا سأخبرك الآن ان هاتفي قد نسيته في السيارة .. ولم اكن اعلم انك تبحث عني منذ البداية..
قال حازم وهو يتقدم ويدخل الى الشقة: على الاقل اخبرتني مسبقا انك ستكون هنا.. فأنت تعلم اننا سنكون مشغولين خلال الايام القا....
بتر عبارته وهو يتطلع الى ذلك الواقف امامه.. وعقد حاجبيه باستغراب قبل ان يقول: من هذا؟..
قال فارس بسخرية: صديقي..
شعرت عهد بالضيق مما قاله فارس وكأنه يستهزأ بها.. اما حازم فلم يستطع ان يتبين ملامح هذا الفتى الذي امامه بسبب قبعته..لكنه كان يبدوا صغير السن.. وقال متسائلا: هل تود توظيفه هنا يا فارس ام ماذا؟..
ابتسم فارس ابتسامة واسعة وقال وهو يهز كتفيه: ربما..
مطت عهد شفتيها بحنق وعقدت ذراعيها امام صدرها.. ووجدت حازم يقترب منها ويقول وهو يتطلع اليها : لكنه صغير السن.. لا اظن ان أي عمل يناسبه.. سوى ان كنت تفكر في توظيفه في المطبخ لاعداد الشاي والقهوة...
حاولت عهد السيطرة على اعصابها وقد اغاظها ما قاله حازم.. وقالت ببرود: من هذا الشاب يا فارس ؟.. بالتأكيد هو حارس هذا المبنى ولم انتبه له عندما دخلت.. اليس كذلك؟..
ضحك فارس على الرغم منه لتعليق عهد هذا.. وحازم الذي شعر بالغضب من ما نطقته.. قال بعصبية: هيي انت تعلم كيف تتحدث مع رؤسائك بالعمل؟..
قالت عهد وهي ترفع رأسها.. وبتحدي: بل تعلم انت كيف تتعامل مع مالكي هذا المكتب..
وكأن علامة استفهام كبيرة قد رسمت على وجه حازم وجعلته يلتفت الى فارس ويقول بدهشة: فارس من هذا الفتى؟.. واي هذيان يهتف به؟.. اليس هذا المكتب ملكا لك ولابنة عمك؟؟..
قال فارس وهو يتقدم منهما ويضع يده على كتف عهد ويقول بابتسامة واسعة: اعرفك.. عهد ابنة عمي...
اتسعت عينا حازم غير مصدقا..وهتف به : انت تكذب..
قال فارس وكأنه لم يستمع لما قاله: وهذا حازم صديقي الذي حدثتك عنه كثيرا..
خلعت عهد قبعتها عن رأسها وقالت مبتسمة: بلى اتذكره جيدا.. وكيف لا وهو الذي يلازمك .. اما انا فتمنعني من اللعب معكما..
حازم الذي اتضحت له ملامح عهد هذه اللحظة.. ووجد نفسه يتفحص ملامح وجهها ليكتشف انها لفتاة حقا.. وهتف قائلا بابتسامة باهتة: انت عهد اذا.. الذي ازعجني فارس بها..
قالت عهد في سرعة: وماذا كان يقول عني؟..
قال حازم بخبث : يقول انك فتاة مزعجة..
قال فارس بلا مبالاة: هذا لا شيء.. انها تعلم بكل ما اصفها به..لانني اقوله بكل بساطة امامها ايضا..
قالت عهد ببرود: لا يهمني ما تقوله.. المهم رأيي في نفسي..
قال حازم هذه المرة: ما اردت قوله.. هو انني منذ زمن كنت متلهف لرؤيتك لكن لم تتح لي الفرصة الا الآن..
قالت عهد بابتسامة باهتة: وانا كنت اود رؤيتك ايضا من حديث فارس عنك..
قال فارس ببرود: وكأنني لست موجود بينكم.. استمع الي انت اولا يا حازم.. انهي العمل هنا كما اتفقنا.. سأعيد عهد الى فرقة المقاومة.. ومن ثم اعود الى هنا..
قال حازم بخبث: ولم انت مستعجل هكذا؟.. انني لم التقي بك الا منذ دقائق..وبالتأكيد ابنة عمك تريد معرفة كيفية سير العمل هنا..
وقبل ان تجيبه عهد.. قال فارس في سرعة: لا تريد رؤية شي.. وان ارادت فيمكنها سؤالي ..
والتفت الى عهد ليقول بلهجة حازمة: هيا .. سأعيدك الى فرقة المقاومة..
قالت عهد وهي تتطلع حولها: لكن اود حقا ان اعرف عن...
قاطعها قائلا : ان اردت البقاء هنا هذا شأنك.. ولكن ابحثي عمن يعيدك الى فرقة المقاومة بعدها..
كورت عهد قبضتها بضيق قبل ان تقول بهمس لم يسمعه سوى حازم لان فارس ابتعد باتجاه الباب وهو يدرك ان الاولى ستتبعه بكل تأكيد: متسلط..
وهذا ماحدث حقا.. فقد تبعته عهد وهي تهتف به: انتظرني..
قال حازم متعمدا بصوت عالي: انتظرها يا ايها المتسلط..
توقفت عهد في مكانها بغتة وقد شعرت بالدهشة من انه قد سمعها.. فابتسم وقال بمرح: سعدت بمعرفتك يا عاملة المطبخ..
التفتت له عهد قبل ان ترفع حاجبيها وتقول : وانا كذلك يا حارس المبنى..
وهنا قال فارس بعصبية: الى متى سأنتظر آنسة عهد؟..
اسرعت عهد تتبعه.. ليغادرا الشقة.. اما حازم فقد ارتسمت على شفتيه ابتسامة خبيثة.. فها هو ذا يحقق اولى نتائج خطته.. وفي طريقه ليكشف حقيقة فارس..وحقيقة ما يخفيه بداخله.. والتي ربما
لا يعلمها هو نفسه...
:
:
يتبع...
 
بـــ الحب (30) والواقع ـــين
::عودة::

فتحت سوزي عينيها بتعب وهي تشعر بالدوار لا يزال يكتنف رأسها.. وهتفت قائلة دون ان تشعر: اين انا؟؟..
سمعت صوتا وكأنه يأتيها من بعيد ومن اعماق بئر سحيقة وصاحبه يقول: هل افقت؟..
امسكت رأسها بارهاق قبل ان تقول مكررة سؤالها: اين انا؟ ..
جاءها صوته هذه المرة اكثر وضوحا وهو يهتف: سوزي.. مابك الم تتعرفي على صوتي؟..
التفتت له سوزي وارتفع حاجبها بدهشة قبل ان تقول: الا ازال معك بالسيارة؟..
قال مارك بابتسامة شاحبة: لم اقوى على الرحيل دون ان اطمئن عليك واودعك..
قالت سوزي بسخرية مريرة: توقعت منك ان ترميني وتبتعد .. فانهض واجد نفسي في مكان اجهله..
قال مارك بهدوء: هذا ليس مكان تجهلينه .. انظري بنفسك ..
نظرت من خلال النافذة لتقع عيناها على عدد من المباني القريبة من المبنى البريطاني.. وقال مردفا: هل تأكدت؟..
قالت بقلق وهي تلتفت له في سرعة: عليك ان ترحل مسرعا .. فالجنود البريطانيون يجولون حول هذا المكان ليل نهار...
قال مارك وهو يتطلع اليها وبنبرة حانية: سأرحل لكن بعد ان اطمئن عليك..
قالت سوزي وهي تزدرد لعابها بتوتر: شكرا لك لانك اوصلتني .. مع انني لا اعرف حتى الآن السبب الذي دفعك لتخديري بعد ان وجدت نفسي معك في السيارة من جديد..
قال مارك وهو يتنهد: لقد كنت مرغما .. صدقيني..
لم تعلق سوزي على عبارته.. وقالت وهي تمسك بمقبض الباب: سأغادر الآن اذا..
قال مارك وهو يعود ويتنهد بألم هذه المرة: الن تودعيني حتى؟.. فربما لا ترينني بعد الآن ابدا..
التفتت له وشهقت قائلة: ما هذا الكلام يا مارك؟!..
تطلع اليها وغص حلقه بالمرارة وهو يحاول ان يحفر صورتها في ذهنه.. فربما تكون هذه المرة الاخيرة التي يراها فيها..
ورأى يد سوزي ممدودة اليه وهي تقول بابتسامة باهتة: الى اللقاء يا مارك..
تجاهل يدها المدودة اليه وقال وهو يتطلع الى وجهها بكل مرارة مدفونة في قلبه: اتظنين ان يكون بيننا لقاء مستقبلا؟..
قالت وهي تلتقط نفسا عميقا وتنزل ذراعها الممدودة: ولم لا؟..
قال مارك وهو يرسم خط وهمي في الهواء يفصل بينه وبين سوزي: لان مصيرنا منذ الآن اصبح مختلفا.. واصبح يفصل بيننا هذا الخط..
تطلعت له باستغراب .. فقال مستطردا بحزن: قد نكون قريبين جدا من بعض..وقد نسير بجوار بعض .. لكن لا يمكن لأحدنا ان يعبر هذا الخط ويتجه للآخر.. تماما كما الخطان المتوازيان.. الذين يسيران في اتجاه واحد دون ان يلتقيا في النهاية ابدا..
ترقرقت الدموع في عينيها وقالت بمرارة: يكفيني ما بي يا مارك.. لا تحملني عذاب فراقك.. وعذاب آلامك ايضا.. يكفيني ما اشعر به من الم يعتصر قلبي.. فلا تجعل عقلي هو الآخر اسيرا للتفكير بك..
امسك بكفها وقال وهو يضغط عليها بحنان شديد: عديني الا تنسيني ابدا..
قالت سوزي والدموع قد سالت على وجنتيها هذه المرة: كيف لي ان انساك يا مارك وانت تحيا بقلبي منذ سنين؟..
رفع كفها الى شفتيه ليطبع عليه قبلة حانية قبل ان يقول وهو يعض على شفتيه بمرارة وعذاب: اتمنى لك حظا موفقا ..
قالت سوزي بصوت متحشرج: ولك ايضا .. اهتم بنفسك وحاول ان تكون بخير لاجلي..
منحها ابتسامة شاحبة تخفي وراءها الحزن ولوعة الفراق التي تدمي قلبه.. فقالت مردفة محاولة اضفاء بعض السرور على نفسيهما : وصحيح.. لا تنسى قد اتصل بك.. في اية لحظة ..
اومأ برأسه دون ان يعلق.. فقالت وهي تطرق برأسها بألم: الى اللقاء..
قال مارك بصوت هامس: الى اللقاء يا سوزي...
اطالت سوزي النظر اليه وهي غير قادرة على مغادرة السيارة وكأنها تريد ان تبقى اطول فترة مع مارك قبل ان تغادر لتكون لها ذكرى اخيرة معه.. ولم يطلب منها مارك الخروج.. لانه هو الآخر كان يريدها ان تبقى الى جواره.. وقال بغتة برجاء: الا تفكرين في ان تغيري رايك يا سوزي ونبقى معا الى الابد؟..
قالت سوزي وهي تمسح دموعها وتهز رأسها نفيا: ليتني استطيع .. لكن لا يمكن ذلك.. انا مجندة لديهم.. ومصيري هو هناك معهم..
مال مارك نحوها وقال وهو يربت على وجنتها ويمسح دموعها برفق:سأشتاق اليك..
لم تقو سوزي على تحمل المزيد فقررت الرحيل قبل ان تخونها مشاعرها وتضعف امامه..لتجد نفسها تغير رأيها وتطلب منه اعادتها الى الفرقة.. فقالت في سرعة لتخفي ارتباك مشاعرها: وانا ايضا.. اراك بخير..
وفتحت باب السيارة لتغادرها.. ولم يمنعها مارك من ذلك.. بل ظل يتطلع اليها بعينين تحملان كل الالم والعذاب لفراق حبه الاول..بعد ان تبادلا بضع جمل في لقاء قد يكون هو الاخير الذي يجمعهما..
وبالرغم منه وجد صوته يختنق وهو يهمس قائلا وطيفها لا يزال يلوح امام ناظريه: احبك يا معذبتي..
وانطلق بالسيارة مبتعدا دون ان يقوى على ابعاد سوزي عن ذهنه ولو للحظة واحدة..
ومن بعيد كانت سوزي تصطنع عدم الاهتمام وتمضي في طريقها مبتعدة عنه.. لكن ما ان سمعت تلك السيارة تبتعد عن المكان ويرحل معها مارك.. اول شخص اقتحم حياتها وعلمها معنى الصدق والاخلاص والحب.. منحها قلبه واحبها بكل اخلاص لتعيش معه اجمل قصة حب ربطت بين قلبيهما..
حتى وجدت نفسها تهتف بصوت مختنق ودموعها تسيل على وجنتيها بلوعة وهي تستدير وتنظر الى سيارته المبتعدة: مارك ابقى معي.. لا ترحل .. اريدك الى جواري.. انا احتاج اليك.. انا احبك يا مارك..
وترددت صدى كلماتها في المنطقة كلها دون ان تصل الى مسامع ايا كان...
#########
توقفت سيارة فارس بجوار احد المتاجر.. مما جعل عهد تنقل بصرها بين المتجر باستغراب وبين فارس قبل ان تقول: لماذا توقفت هنا؟..
قال بسخرية: لكي القي بك هنا وارحل..
ارتفع حاجباها بحنق فقال مردفا وهو يشير للمتجر: متجر لبيع الملابس .. وقد توقفت عنده .. فما هو السبب الذي دفعني للتوقف في رايك سوى انني اود شراء ملابس منه..
تذكرت عهد بغتة انها هي الأخرى تفتقر للملابس التي تلزمها.. فقالت: انا الاخرى احتاج لشراء ملابس ايضا..
قال وهو يطفئ المحرك: فليكن اهبطي واشتري ما تريدين..
خرجت من السيارة واغلقت الباب خلفها وسارت برفقة فارس الى داخل المتجر.. وشاهدت انه يحوي على قسمين.. قسم مخصص للنساء وآخر للرجال ..وسمعت صوت فارس وهو يقول لحظتها ويشير الى قسم النساء: انتقي ما تريدين من هناك.. وانا سأكون في قسم الرجال..
كادت ان تذهب حقا.. لكنها توقفت بغتة وارتسمت ابتسامة سخرية على شفتيها .. فقال فارس وهو يعقد حاجبيه: ما الامر؟..
قالت بابتسامة وهي تمسك بمقدمة قبعتها بمرح: من قال بأنني فتاة؟..
قال فارس ببرود: لم افهم ما تعنينه..
قالت عهد وهي تتجه الى قسم الرجال: اعني انني فتى بين افراد الفرقة.. اليس كذلك؟.. لهذا علي شراء ما اريد من هنا..
قال فارس بحنق وضيق: فلتفعلي ما تشاءين..
وابتعد عنها ليشتري بعض الملابس .. بالاضافة الى زي رسمي..وبعدها اتجه الى عهد وهو يقول متسائلا: الم تنتهي بعد؟ ..
قالت في سرعة وهي تبحث بعينيها عن قميص اسود اللون: قريبا ..
فارس الذي تأفف بملل.. واستدار عنها وهو يتجه للقسم الآخر.. وعهد التي وجدت القميص اخيرا.. اسرعت تتجه الى حيث يقف فارس وتقول بابتسامة: ها قد انتهيت .. هيا لنذهب..
قال متجاهلا عبارتها وعيناه تتطلعان الى مكان ما: ما رايك به؟..
التفتت لترى ما يتطلع اليه ..وشاهدت فستان بتدرجات الارجواني يضيق عند الخصر ويتسع تدريجيا عند الساق..له اكمام قصيرة جدا ويزينه الكرستالات المبعثرة وسط الفستان بطريقة مميزة..
وابتسمت قائلة وهي تهز كتفيها: جميل.. لم السؤال؟..
قال بابتسامة وهو يلتفت لها: ما رأيك ان تجربيه؟..
شعرت بالدهشة من طلبه وقالت بحيرة: ولم اجربه وانا لن اشتريه؟ ..
قال في سرعة وهو يلتقطه من مكانه: اشعر انه يناسبك.. ارتديه فقط وجربيه.. وان اعجبك.. يمكنك شراؤه..
ازداد استغرابها من اصراره على تجربة الفستان.. وقالت وهي تلتقطه من يده: فليكن.. ساجربه.. لكن لا افكر ان اشتريه ابدا.. فلست في حاجة اليه..
ودخلت غرفة القياس لفترة.. انشغل فارس فيها بدفع قيمة ملابسه وملابس عهد.. قبل ان يسمع صوت هذه الاخيرة وهي تناديه.. فاقترب من غرف تبديل الملابس.. فقالت بحنق من داخل الغرفة: انه طويل بعض الشيء.. لا يمكنني السير وانا ارتديه..
قال بهدوء: دعيني ارى..
فتحت الباب وقالت وهي ترفع الفستان قليلا حتى لا تتعثر: ما رأيك؟..
اهذه عهد حقا؟.. اهي تلك الفتاة التي ترتدي فستانا؟.. ام انه اخطأ الغرفة؟.. وارتفع حاجباه بدهشة وهو يتطلع اليها لم يخفي فيه بريق الاعجاب.. وعهد التي شعرت انه اطال في اجابتها.. رفعت رأسها اليه وقالت مكررة: لم تخبرني ما هو رأيك بعد؟..
اقترب منها وقال وهو يعقد ذراعيه امام صدره وابتسامة واسعة: اجمل بكثير..
قالت بدهشة مما قاله: ما هو الاجمل بكثير؟..
همس قائلا وهو يغمز بعينه: انت تبدين اجمل بكثير وانت ترتدين هذا الفستان..
ارتبكت لمديحه الصريح لجمالها.. لطالما اعتادت منه على الاستهزاء والسخرية والشتم.. فكيف انقلبت الموازين
اليوم؟ ..
والتفتت عنه قائلة ببعض الاضطراب: ساغير ملابسي واعيده الى مكانه.. انتظرني لحظات فقط..
صمت وهو يراقبها حتى دخلت الى غرفة القياس.. وبعدها اتجه بكل بساطة الى حيث شاهد ذاك الفستان.. ليلتقط آخرا ومن نفس القياس قبل ان يتجه الى الموظفة لكي يدفع قيمته...
########
(كيف حال ذراعك اليوم؟)
قالها جون وهو يتطلع الى ألكس الذي كان جالسا على فراشه بغرفته و لا تزال ذراعه معلقة برباط حول رقبته.. وقال بهدوء مجيبا: افضل قليلا..
تساءل جون الجالس امامه على مقعد قائلا: ومتى ستعود لمباشرة عملك؟..
- بعد ان تشفى ذراعي بكل تأكيد..
قال جون بابتسامة واسعة: يالك من محظوظ.. حصلت على اجازة في مثل هذه الاوضاع..
قال ألكس متسائلا باهتمام: ماسر تلك الانفجارات التي حدثت في مراكز الشرطة مؤخرا؟ ..
قال جون وهو يهز كتفيه: محاولة للسيطرة على مراكز القوة في هذه البلاد..
ظهر الضيق في عيني ألكس كمن لم يرضيه هذا التصرف .. فللسيطرة على مراكز الشرطة .. قرروا تدميرها حتى آخرها وقتل موظفيها بدم بارد...
وصوب جون نظراته على ذراع ألكس المصابة.. قبل ان يقول بابتسامة: اتعرف بم تذكرني ذراعك المصابة الآن؟..
نقل ألكس بصره بين ذراعه وعينا جون قبل ان يقول وهو يهز رأسه نفيا: لا..
قال جون وهو يميل نحوه ويغمز بعينه: بالايام الاولى التي تعرفت فيها عليك..
عقد ألكس حاجبيه محاولا التذكر.. فقال جون مبتسما وهو يعقد ذراعيه امام صدره: انسيت؟.. عندما انضممت انا لأول مرة لفرقة في الجيش ترأسها انت.. قبل ان تتم ترقيتك لقائد اعلى..
لاحت الذكريات في ذهن ألكس قبل ان يقول بابتسامة باهتة: كلا لم انس.. لكن من كان يتصور ان بعد كل تلك المواقف التي مرت بيننا ان نصبح اصدقاء في النهاية ..
قال جون وهو يرفع احد حاجبيه: الخلافات التي بيننا كانت بسببك.. فأنت من كنت لا تتقبلني في الفرقة بين جنودك..
قال ألكس بجدية: بل انت الذي لم تكن تتقبلني كقائد على الفرقة..
قال جون في سرعة: كنت تنظر الي بنظرات تحقيرية.. تجعلني اكره حتى التطلع اليك..
ابتسم ألكس وقال بثقة: لقد كنت تتوهم.. كنت اتطلع اليك .. كما كنت اتطلع الى الجميع ..
قال جون ببرود: هذا لأنك لست انت من كان المظلوم وقتها ..
قال ألكس وقد اتسعت ابتسامته: وايضا اصبحت مظلوما..
قال جون وهو يومئ برأسه: سأذكرك بكل شيء.. وبعدها ستعلم اينا كان المظلوم واينا كان الظالم..
قال ألكس وهو وهو يعتدل في جلسته قليلا: فليكن.. فليست وراءي اية اعمال..
تطلع جون اليه وقال بضيق: لا تذكرني كل دقيقة ان ليس لديك أي عمل تقوم به.. واستمع الي قبل ان تنتهي فترة الاستراحة التي اقضيها معك..
وبدأ بسرد اول لقاء جمعهما معا.. وهو يستعيد مع ألكس ذكريات كان يعيشها كل منهما بضجر وضيق حينها.. لكنها الآن اصبحت ذكريات ترسم على شفتيهما الابتسامة كلما لاحت في ذهنيهما..
:
:
(الجندي جون ادوارد.. جندي جديد قد انضم مؤخرا الى الجيش.. سيكون في فرقتك يا ايها القائد)
هز ألكس رأسه بضيق وهو يستمع الى احد رؤساءه وهو يخبره بانضمام جندي جديد الى الفرقة .. يكفيه ما عاناه في تدريب هؤلاء الجنود.. ايضا ينضم جندي جديد لهم لا يتمتع بأي خبرة وعليه تدريبه من الصفر..
وتوجه ببرود الى حيث فرقته.. وقال بصرامة: اجتماع..
اجتمع جميع الجنود الى جوار بعضهم.. ولمح من بينهم ذاك الوجه الجديد.. فتقدم منه وقال وهو يعقد ذراعيه خلف ظهره: عرف عن نفسك..
لم يرتح جون لنظرات قائده لكنه قال: جون ادوارد.. انضممت اليوم للجيش..
قال ألكس ببرود: وما الذي دفعك للانضمام يا جون؟..
قال جون بثقة: حب الوطن يا ايها القائد..
ارتسمت على شفتي ألكس ابتسامة ساخرة.. قبل ان يمضي في طريقه مبتعدا وهو يهتف بهم: بعد ساعة من الآن سنجتمع في ساحة التدريب.. هل هذا مفهوم؟..
هتفوا جميعهم بصوت واحد ما عدا جون الذي استغرب ابتسامة ألكس الساخرة قائلين: امرك يا ايها القائد ..
ومضت الساعة سريعا ليجتمعوا كما امرهم ألكس في ساحة لتدريب الجنود على تحمل اصعب الظروف وقهر المصاعب التي قد تواجههم في ساحة المعركة الحقيقية..
وسرعان ما هتف فيهم ألكس وهو يتطلع بنظراته الى حاجز يتجاوز طوله الاربع امتار ويستقر خلفه نيران مشتعلة لا تكاد تنطفأ حتى يشعلها احد الجنود من جديد: هذه هي مرحلة تدريبكم الثالثة.. عليكم تجاوز هذا الحاجز وعبور تلك النيران المشتعلة ايضا..
استغرب جون مما قاله.. فهذا هو اليوم الاول له في التدريب.. ولابد له ان يخضع لأولى المراحل منه.. لكن كما سمع القائد ألكس .. فانها المرحلة الثالثة من التدريب وعليه ان يخوضها معهم..
وعقد حاجبيه وهو يتطلع الى ألكس بضيق وحنق.. ويتحدث الى نفسه قائلا: (اهو يتعمد ذلك ام ماذا؟)..
وعاهد نفسه ان يتحدى ألكس ..ويريه انه يستطيع مواجهة التدريب والنجاح فيه.. حتى وان كان لم يخضع لأي من المراحل السابقة..
اصطف الجنود بتنظيم.. وهتف فيهم ألكس وهو ينظر الى اول جندي: انطلق..
لكن صوت احد الجنود جعل الجندي الاول يتوقف في مكانه دون ان يتحرك ويلتفت الى ما وراءه باستغراب.. وهو يستمع الى الجندي الآخر وهو يهتف: لحظة واحدة..
انشد انتباههم لما سيقوله ذلك الجندي الذي قطع لحظة تدريبهم.. فقال هذا الاخير وهو يتطلع الى ألكس بمكر: بما ان هذه هي المرحلة الثالثة من التدريب.. فلابد انك ايها القائد قد اجتزتها بنجاح..
انتاب الجنود شعور اشبه بالحيرة والدهشة من ما قاله الجندي.. ومن جرأته ليتحدث مع القائد بهذه الطريقة.. اماألكس فقد وعيناه تقع على جون بتحدي: اجل .. لقد اجتزته وبنجاح..
قال جون ببرود: اذا هذا لا يمنعك من ان تقوم بهذا التدريب امامنا.. هذا لكي نفهم أكثر عن كيفية اداء مثل هذا التدريب..
عقد ألكس حاجبيه بضيق شديد.. في حين اتسعت عيون الجنود وهي مصوبة تجاه جون وهم يشعرون بالذهول لجرأة جندي قد انضم اليهم للتو ويتحدث الى قائدهم بهذه الطريقة.. وتيقنوا تماما من انه سيخضع للعقوبة لا محالة..
لكن تلك النظرات المتبادلة بين ألكس وجون والتي توحي بالتحدي .. جعلت الاول يهتف بحزم: فليكن.. لك هذا يا ايها الجندي.. سأقوم بأداء هذا التدريب امامكم..
وانطلق باتجاه ذلك الحاجز ليتسلقه بمهارة ورشاقة وهو يرفع جسده متمسكا بتلك الحلقات البارزة.. قبل ان يصل الى اعلى الحاجز ويقفز بكل خفة عابرا السنة اللهب.. تحت انظار جنوده الذين تابعوا خطوات قائدهم باعجاب شديد..
نفض ألكس يديه وهو يهتف بهم من بعيد: والآن حان دوركم..
واردف هاتفا في اولهم: انطلق..
انطلقوا واحدا تلو الآخر واستطاع عدد يعادل النصف منهم ان يتجاوز هذا التمرين بنجاح.. ومن بينهم كان الجندي جون.. الذي لمعت عيناه ببريق انتصار وهو يتطلع الى ألكس والذي لم تغب عليه مثل تلك النظرات.. وقال وهو يشير لمن نجحو في التدريب: اتبعوني لمرحلة التدريب الرابعة الآن ..
تبعوه منصاعين لأوامره..حتى وصلوا اخيرا لما يشبه المنحدر الصخري.. وقال ألكس وهو يلتقط حبلا غليظا خاص للتسلق: اولا ستربطون هذا الحبل بذلك العمود.. ومن ثم ستعقدونه حول انفسكم .. وتحاولون الهبوط من هذا المنحدر ..
شعر بعض الجنود بالخوف وهم يتطلعون الى اسفل المحندر والى ما قد يتعرضون له من خطر واصابات لو ان الحبل قد انقطع مثلا..
وقطع جون افكارهم ليقول مرة اخرى بتحدي: بصراحة لم افهم طريقة شرحك.. واحتاج لأن ارى ذلك بعيني..
انعقد حاجبا ألكس بقوة قبل ان يقول ببرود: لست مجبرا على شرح التدريب عمليا..
قال جون باستخفاف: ربما تكون انت مثلنا اذا.. خائف من هذه التجربة الصعبة..
شعر ألكس بالغيظ.. كيف لا وجندي يتحداه امام جميع الجنود.. ويستخف بقدراته.. لهذا قال ليثبت للجميع انه قادر على تنفيذ هذه التدريبات: لعلمك.. لقد اجتزت هذا التدريب لمرتين اثنتين.. ولكن من اجل ان تفهم انت وزملاءك طريقة ادائه.. سأعيد تنفيذه امامكم من جديد..
واسرع يربط نفسه بالحبل امام نظرات الجنود الذين شعروا بذهول لا يضاهى من تحدي جون لقائدهم واستخفافه به اولا ..ومن جرأته للحديث مع القائد بهذه الطريقة.. لكنهم علموا ان هناك عاصفة ستثار عاجلا او آجلا بين هذين الاثنين..
وسرعان ما بدأ ألكس بهبوط المنحدر برشاقة.. وقال وهو يدفع الصخر بقدميه: عليكم الهبوط من اعلى المنحدر .. ببطء وثقة..ومرونة كذلك..ادفعوا الارض الصخرية بأقدامكم.. وحاولوا ان توازنوا ذلك مع ....
تلاشت الكلمات مع الريح القوية التي اجبرت ألكس على الصمت ودفعته لأن يتمسك بكل قوة .. دون ان يطيع الريح في دفعها له لمسارها.. وربما نتيجة لهذا الضغط.. لم يعد يحتمل الحبل ثقل ألكس ومقوامته للرياح.. مما نتج عنه انفلات عقدة الحبل من احدى الحلقتين المعدنيتين اللتين ربط بهما جسم الكس..
وهكذا وجد ألكس جسده يهوي لبضع سنتيمترات ..وذراعه تصطدم بكل قوة بالصخور الصلبة.. مما دفعه لان يطلق آهة ألم على الرغم منه..قبل ان ويتأرجح في الهواء وهو معلق بجانب واحد من الحبل فقط..
وهنا فقط استوعب الجنود ما يحصل ..فهتف بعضهم: يا الهي.. تمسك يا ايها القائد.. سنجلب المساعدة..
وانطلق آخرون لمحاولة ايجاد وسيلة لمساعدتهم.. لكن جون هتف بهم في حنق: ان انتظرنا أكثر ربما تنحل العقدة الثانية وبعدها لن يستطيع القائد ان يرفع جسده.. وذراعه قد اصيبت على ما يبدوا..
سأله احد الجنود قائلا بقلق: والحل؟.. ما الذي علينا فعله؟..
قال جون في سرعة وهو يشير الى اسفل المنحدر: ان يهبط احدنا الى القائد ويحاول رفعه معه...
قال الجندي وعيناه متسعتان: امجنون انت؟.. الم ترى بنفسك ان القائد نفسه لم يستطع قهر الرياح التي بالاسفل؟ .. مما ادى ذلك الى انحلال احدى العقد..ومن يدري ربما لو هبط له احدنا..لا يستطيع الوصول اليه ويسقط ضحية هذا المنحدر...
قال جون بضيق شديد: سأهبط اليه انا.. لا احتاج لمساعدة من جبناء مثلكم..
وهكذا ربط جون نفسه بأحد الحبال الغليظة.. وعاد ليربطها حول العمود بقوة.. قبل ان يلتقط نفسا عميقا ويستعد لنزول المنحدر.. وذاك الجندي يهتف به: ستصل المساعدة بعد قليل.. فالتصبر لدقائق ولا داعي لتعريض نفسك للخطر..
قال جون بحنق وضيق: انسيت انني السبب فيما اصابه؟.. فلو لم استخفف بقدراته وتحديته لهبوط المنحدر .. لما فعلها..
لم يقو الجندي على قول اي شيء بعدها.. وخصوصا وهو يرى جون مصر على موقفه..وشاهده يهبط امام عينيه متسلقا المنحدر الصخري نحو الاسفل,, واخيرا وصل الى ألكس دون مشقة كبيرة.. وهتف قائلا في سرعة: ايها القائد تمسك بي.. وسوف يتم سحبنا نحو الاعلى..
قال ألكس بدهشة: انت!.. ما الذي جعلك تخاطر بنفسك وتهبط هذا المنحدر متحديا ما به من اخطار؟!..
قال جون بابتسامة باهتة: حتى لا اشعر بعذاب الضمير على انني كنت السبب في ما اصابك..
قال ألكس وهو يرفع احد حاجبيه بحنق ويحاول التمسك بالحبل بكل قوة: اتظن انك بطل بما فعلته؟.. انك شخص احمق باقحام نفسك في هذا الخطر..
قال جون وهو يمد ذراعه لألكس: لا داعي لهذا الحديث.. اعطني يدك الآن ..
قال ألكس وهو يمد ذراعه لجون: لو سقطنا كلانا من ثقل جسدينا.. فلا تلومني حينها..
قال جون وهو يمسك ذراع ألكس الممدودة اليه بكل قوة: لا تقلق لن اجد الوقت للومك.. سأكون حينها قد فارقت الحياة..
ابتسم ألكس بهدوء..ودفع جسده ليتمسك بجون.. وحينها قال جون وهو يهتف بقوة بالجنود في الاعلى: اسحبوا الحبل الآن..
تعاون اربعة جنود على سحب الحبل ورفعهم من ذلك المنحدر الصخري.. واخيرا وصلا الى اعلى المنحدر.. فألقى جون بجسده على الارض وهو يزفر بتعب وارهاق.. في حين قال ألكس وهو يلتقط نفسا عميقا وهو يمسك بذراعه بألم: رغم انك السبب في خوضي مثل هذه التجربة.. الا اني اشكرك على مخاطرتك لانقاذ حياتي..
قال جون وهو يتطلع الى ألكس: لا شكر على واجب يا ايها القائد.. انه واجبي..
واردف بمرح: واعدك لو انك وقعت في اي خطر مرة اخرى يا ايها القائد.. ان اخاطر بنفسي واحاول انقاذك..
ابتسم ألكس وان اكتست ملامحه بالتعب والالم وهو يمسك بذراعه.. وقد كان لهذا الحدث كل الدور في خلق الصداقة بين شخصين بدآ علاقتهما بتحدي وغضب وكره..
:
:
قال جون وهو يعقد ذراعيه امام صدره ويبتسم ابتسامة واسعة: والآن ما رأيك؟.. من هو الظالم؟.. ومن هو المظلوم؟..
قال ألكس وهو يرفع احد حاجبيه ببرود: بالتأكيد انا المظلوم الذي جعلتني اخاطر بنفسي مرتين.. فقط لكي اقبل تحديك.. وتسببت في اصابة ذراعي يومها..
قال جون في سرعة: وماذا عني انا الذي عرضتني لمرحلة التدريب الثالثة على الرغم من انها المرة الاولى لي؟.. وماذا عن ضيقك من وجودي و...
صمت جون فجأة وانعقد حاجباه بقوة وهو يستمع الى الضجة التي عمت المبنى البريطاني فجأة.. وقال باستغراب: ما الذي يحدث؟..
قال ألكس وهو ينهض من مجلسه: تعال لنرى بأنفسنا..
واسرعا كلاهما مغادرين الغرفة.. ليروا تجمعات من الجنود في كل مكان.. ويتبادلون الاحاديث بكل اهتمام.. فاقترب منهم ألكس وقال بجدية واهتمام متسائلا: ما الذي حدث؟.. وما سبب هذه الضجة وتجمعات الجنود في كل مكان؟..
التفت له الجندي وقال وهو يزدرد لعابه محاولا تمالك اعصابه: ألم تعرف يا سيدي؟..لقد حصل ما لم نكن نتوقعه.. لقد عادت الى المبنى بعد ان ظننا اننا فقدناها ولن تعود ابدا..
قال ألكس باستغراب شديد: من هذه التي عادت؟..
قال الجندي بحماس: سوزي.. الممرضة سوزي يا سيدي..
واتسعت عينا ألكس وجون في دهشة شديدة كمن لم يتوقعا خبرا كهذا ابدا...
########
(اهلا بك يا غادة..)
قالها هشام وهو يصافح غادة التي جاءت للتو لمقر المقاومة.. واردف قائلا بتساءل: كيف حالك وحال غسان وجهاد؟..
قالت غادة بهدوءمجيبة: جميعنا بخير..
قال متسائلا باهتمام هذه المرة: ماذا عن مركز الشرطة؟.. كيف تسير الاوضاع هناك بعد الانفجار الذي حدث؟ ..
قالت غادة بحزن ممزوج بالقهر: لقد دمروا المركز ..وتسببوا في قتل عدد من الزملاء..
كور هشام قبضته في غضب وقال وهو يشعر بقلة حيلته : سحقا لهم.. انهم يدمرون بلادنا ونحن واقفين دون حراك.. نتطلع اليهم بصمت فحسب دون ان نتمكن من ايقاف ما يفعلونه ..
اسرعت غادة تقول: ايها المقدم.. انك تبذل حياتك في سبيل الوطن.. انت والجميع هنا تضحون بكل شيء من اجل الدفاع عن الوطن والناس..
تنهد هشام وظل صامتا لفترة.. قبل ان يقول: وهل ستستمر الاعمال بمركز الشرطة بعد الانفجار؟..
هزت غادة رأسها نفيا وقالت بأسف: كلا.. سنتوقف عن العمل حتى تستقر الامور قليلا..
اومأ هشام برأسه متفهما قبل ان يقول: لم تخبريني بعد عن سبب زيارتك يا غادة..
قالت غادة وهي تلتقط نفسا عميقا: لقد جئت من اجل ما حدث مؤخرا في المركز وتوقف العمل فيه..
عقد هشام حاجبيه وقال: لم افهم..
قالت غادة بابتسامة: اعلم ان هذا الامر غير وارد هنا في فرقة المقاومة .. لكني حقا ارغب بالاشتراك معكم..
ارتفع حاجبا هشام بدهشة قائلا:ماذا؟.. تريدين الاشتراك؟؟..
قالت في سرعة: اجل.. ولا تتسرع في قرارك الآن.. لا تنسى انني شرطية اولا مدربة على القتال اليدوي.. وثانيا على استخدام الاسلحة.. ولا تشغل بالك لن اكون هنا طوال اليوم.. سآتي صباحا واغادر مساءا.. اريد ان اعاونكم في رسم الخطط وقتال البريطانيين..
قال هشام وهو يمسك بذقنه بحيرة: لكن يا غادة.. نحن جميعنا هنا رجال.. الوضع صعب عليك بعض الشيء.. وسيسبب لك الاحراج..
قالت بابتسامة باهتة: لقد اعتدت على العمل مع الرجال.. قليلون هم السيدات بالمركز.. وطوال حياتي وانا اعمل مع الرجال من حولي..
صمت مفكرا.. فأبتسمت قائلة وهي تخرج مسدسها من حزامها: كما وان لدي مسدس مرخص.. ويمكنني ان احصل على ذخيرة له في اي وقت اشاء..
ابتسم هشام وقال في هدوء: الموضوع يحتاج لفترة للتفكير.. واستشارة اعضاء الفرقة.. وبعدها سأخبرك بقراري..
قالت وابتسامتها تتسع: لا يهمني قرارك.. سآتي لمساعدتك في كل وقت.. فكما قلت انت قبل قليل.. لا احب ان اقف مكتوفة اليدين وبلادي يدمرها المحتل امام عيني..
نظر لها هشام باعجاب بمنطقها قبل ان يقول: لي الفخر ان تنظمي لنا يا غادة.. لكن يحتاج الامر فقط لبعض التفكير واستشارة الاعضاء..
قالت وقد شعرت بالسرور لأنه قد اقتنع تقريبا باشتراكها بالفرقة: فليكن.. سأنتظر..
وقالت مودعة وهي تلتفت عنه: الى اللقاء الآن..
قال هشام بهدوء: الى اللقاء..
غادرت غادة من فرقة المقاومة وهي تلتقط نفسا عميقا.. قبل ان تبتسم وتتجه الى سيارتها وقد شعرت في اعماقها بصواب القرار الذي اتخذته..
###########
انطلقت تلك السيارة الرمادية اللون في شوارع المدينة.. متجهة الى جنوب البلاد وهي تحمل بداخلها راكبين صامتين .. لم يتبادلا حرف واحد منذ اكثر من ربع ساعة.. لكن كسر حاجز ذلك الصمت.. رنين الهاتف المحمول المستمر.. فرفعه قائد السيارة وهو يقول: اهلا حازم..
قال حازم في سرعة: لقد تأخرت يا فارس.. وانا هنا وحدي من اباشر العمل.. اخبرني متى ستعود؟..
قال فارس بهدوء: سأوصل عهد واعود اليك..
قال حازم باستنكار: ماذا؟.. الم توصلها بعد؟.. لقد غادرت الشقة منذ ساعة كاملة تقريبا..
قال فارس بضجر: لقد ذهبت الى احد المتاجر لشراء بعض الملابس..
قال حازم مبتسما: لقد فهمت.. اردت شراء زي رسمي للحفل..
قال فارس بلا مبالاة: اجل قمت بشراء زي رسمي للحفل.. وماذا بعد؟..
- لا شيء.. فقط عد سريعا..
قال فارس وهو يحاول ان ينتهي من ازعاج حازم له والحاحه على العودة: حسنا .. حسنا.. اي امر آخر؟..
قال حازم بابتسامة: اجل .. سلم لي على ابنة عمك..
ارتفع حاجبا فارس قبل ان يقول ببرود: حسنا.. سأفعل في احلامك فقط..
اتسعت ابتسامة حازم وهو يقول: فليكن.. سأذهب الآن .. الى اللقاء..
انهى فارس المكالمة دون ان يعلق على ما حدث.. بينما التفتت له عهد وقالت متسائلة: عن اي حفل تتحدث؟..
قال فارس مجيبا: حفل عشاء لرجال الاعمال..
قالت مبتسمة: لقد اصبحت اذا من رجال الاعمال..
قال فارس بهدوء: ليس بعد.. لكنه عشاء عمل يخص شركة عائلة حازم وقد دعاني اليه لكي اتعرف على رجال الاعمال .. واحاول ان اتعاون معهم ..
قالت بعد برهة تفكير: اظن ان حفل العشاء سيكون فخما جدا..
قال بابتسامة: بأكثر مما تتصورين.. عائلة حازم هي عائلة ثرية ومعروفة في عالم رجال الاعمال..
اكتفت عهد بأن قالت: حقا؟..
اومأ برأسه.. وقال بعد برهة صمت: ما رأيك في المجيء معي؟..
لم تفهم الى اين يعني بذهابها معه..فقالت متسائلة: الى اين؟..
قال وهو يهز كتفيه: الى الحفل بكل تأكيد..
ابتسمت ابتسامة واسعة قبل ان تقول: اتسخر مني؟..
قال وهو يتطلع اليها بطرف عينه: ولم تقولين هذا؟..
قالت وهي تتطلع الى ملابسها: تدرك جيدا انني لا املك ملابس تصلح للحفل اولا.. وثانيا انه حفل عشاء لرجال الاعمال.. فما الداعي لحضوري؟..
قال وهو يشير بأصبعه السبابة: اولا .. لا داعي لان تكترثي بشأن ملابس الحفل.. فلديك ما بناسبه.. وثانيا حفل رجال الاعمال.. يكتظ بالنساء وسيدات الاعمال او زوجات واخوات رجال الاعمال ..
قالت متسائلة بحيرة: ماذا تعني بأن لا اكترث بشأن ملابس الحفل؟..
قال بابتسامة وهو يشير الى المقاعد الخلفية: القي نظرة على الاكياس التي بالخلف..
التفتت في سرعة وفضول لتفهم ما يعنيه.. وشاهدت ثلاث اكياس تخص المتجر الذي اشتروا منه الملابس.. فقالت عهد بحيرة: انها اكياس الملابس.. ماذا بها؟..
قال وهو يحاول التركيز على الطريق امامه: افتحي الكيس الذي خلفك ..
اسرعت تستدير بجسدها وتمد يدها لتلتقط الكيس في سرعة.. وتعود لتعتدل في جلستها..وتفتح الكيس قبل ان يرتفع حاجباها بدهشة وتقول: متى اشتريته؟..
قال وهو يتوقف بسيارته ويلتفت لها وعلى شفتيه ابتسامة: عندما كنت في غرفة تبديل الملابس..
قالت وهي تلتفت له مستغربة: اشتريته لي من اجل حفل رجال الاعمال؟..
اومأ برأسه وهو لازال محتفظا بابتسامته.. فقالت متسائلة بشك: اكنت تثق اني سأوافق على القدوم معك الى الحفل؟..
قال بثقة: بكل تأكيد..
رفعت حاجبيها باستخفاف قبل ان تقول: لعلمك لقد وافقت على القدوم.. فقط كي ارى ما ستفعله لتطوير شركة المقاولات..
قال وابتسامته تتسع: حسنا ولكن...
بتر عبارته صوت وصول رسالة قصيرة الى هاتف عهد المحمول.. فتطلع لها بشك مما جعلها تتوتر على الرغم منها وتقول باضطراب: مابك؟..
قال وقد بدأ يساوره الشك بأمر الرسائل التي تصلها: انها ليست المرة الاولى التي تصلك رسالة الى هاتفك المحمول..
قالت وهي تهز كتفيها مصطنعة اللامبالاة: ربما تكون من شركة الهواتف.. او اعلان ما..
اطال النظر اليها وكأنه يريد ان يعرف فيم تفكر بالضبط.. وان كانت تخفي عنه شيء ما ام لا.. قبل ان يقول وهو يلتفت عنها: لا بأس سأصدقك هذه المرة.. هيا اخرجي من السيارة..
اسرعت تخرج من السيارة.. وكأنها لم تصدق ان يطلب منها ذلك.. لتهرب بتوترها وقلقها وخوفها بعيدا عنه.. وقبل ان تمضي في طريقها سمعته يقول: اهتمي بنفسك جيدا حتى اعود..
اومأت برأسها دون ان تعلق.. فانطلق بسيارته عائدا الى الشركة.. اما هي فقد زفرت براحة وكأن حملا ثقيلا كان يكتم على انفاسها قبل ان تفتح الرسالة وتقرأ ما جاء فيها..
وانتبهت ان هاتفها يحمل رسالتين وليست واحدة.. لم تنتبه لوصول الاولى ابدا.. فتحت الاخيرة وكانت من شركة الاتصالات كما قالت لفارس.. لقد صدقت كذبتها هذه المرة!..
اما الاولى فقد كانت منه.. من ألكس.. ارسلها قبل ساعتين.. وكان يقول فيها (لا تزال ذراعي تؤلمني بسبب رصاصتك.. اطالب بتعويض.. اريد ان القاك او اسمع صوتك على الاقل)..
ارتسمت ابتسامة شاحبة على شفتيها.. انه يطلب المستحيل كالعادة.. وكأن الامر في يدها.. وكأنها تملك حق ان تفعل او لا تفعل.. الا يعلم انهما ابعد من السماء عن الارض.. الا يعلم انهما لا يفعلان شيئا سوى تحدي واقع سيسخر منهما في النهاية...
وتنهدت وهي تتطلع حولها.. انها خارج الفرقة الآن.. ستتصل به وتطمئن على ذراعه فحسب.. وبعدها ستغلق الخط.. ففي النهاية هي من كانت سبب في آلامه..
وبعد تردد دام بضع دقائق.. ضغطت رقم هاتفه واتصلت به وهي تنتظر الاجابة منه.. لكن الغريب في الامر انه لم يجب.. توقعت ان يجيب عليها منذ بداية اتصالها.. ربما كان منشغل بأمر ما..
لم تشأ ان تعيد الاتصال.. وقررت ان تحسم امرها بالعودة الى الفرقة.. وهي تشعر بضيق لم تستطع تفسير سببه...
:
:
يتبع..

 
بـ الحب (31) والواقع ــين
::نظرات::

اسرع ألكس يعبر الممرات هو وجون.. متوجهان الى حيث غرفة المدير حيث سوزي.. يريدان التأكد من انها هناك حقا.. انها عادت الى المبنى البريطاني وليس ما يقوله الجنود مجرد اشاعة..
ووصلا اخيرا الى غرفة المدير وشاهدا تجمع الجنود حولها.. وصوت المدير وهو يقول: وكيف تمكنت من العودة الى المبنى؟..
اسرع ألكس باختراق تجمع الجنود ومن خلفه جون الذي حذا حذوه.. وسمع الاول في تلك اللحظة صوتا انثويا وصاحبته تقول: لقد تم تخديري وبعدها وجدت نفسي بالقرب من هنا.. فأسرعت بالقدوم الى المبنى فورا..
قال المدير وهو يتطلع اليها بشك: الم تري وجه احدهم؟.. ثم كيف لهم ان يتركوك تعودين بهذه البساطة الى المبنى البريطاني؟..
قالت سوزي في سرعة: انت لا تعلم يا سيدي انهم لم يحاولوا حتى استجاوبي خلال فترة وجودي معهم.. يقولون ان عاداتهم وتقاليدهم ودينهم لا يسمح لهم باستخدام العنف مع النساء.. لهذا قرروا ابقاءي معهم حتى يجدون الفرصة المناسبة لاعادتي الى المبنى..
كانت عينا ألكس قد وقعت على ظهر سوزي في تلك اللحظة.. فهتف بها: سوزي..
التفت له وقالت وقد ارتسمت ابتسامة على شفتيها لمرآه: القائد ألكس..
قال بابتسامة: سعيد لاني اراك بخير..
قالت وهي لاتزال محتفظة بابتسامتها: اشكرك..
اما مدير الجيش فقد قال بحزم: دعونا من الترحيب الآن.. واخبريني يا سوزي.. الم تري وجه احد اولئك الذين قاموا باختطافتك؟..
عادت سوزي لتلتفت الى مدير الجيش.. قبل ان تهز رأسها نفيا وتقول: لا.. فمع الاسف كنت اقبع وحيدة في غرفة.. لا يدخلها سوى شخص واحد لم استطع تبين ملامحه بسبب اخفاءه المتعمد لها.. ولم اكن اسمع سوى صوته..
عاد ليسأل قائلا: ماذا عن من قاموا بنقلك الى هنا؟..
قالت سوزي وهي تزفر بحرارة: اخبرتك يا سيدي انني كنت واقعة تحت تأثير التخدير وقتها..
قال مدير الجيش وهو يشعر انه لم يستفد اي شيء من عودة سوزي هذه.. بعد ان توقع ان تفيده بمعرفة موقع فرقة المقاومة على الاقل: يمكنك الانصراف الآن الى غرفتك.. وسأعاود توجيه الاسئلة لك في وقت لاحق بعد ان تنالي قسطا من الراحة.. وتذكري ان اي معلومة قد تكتشفينها عن اولئك الذين قاموا بخطفك ستخدمين بها وطنك..
اومأت برأسها متفهمة وقالت قبل ان تستدير عنه: بالتأكيد يا سيدي...
وابتعدت مغادرة المكتب وهي تتنهد بتعب وتحاول المرور من بينهم وهي تهتف فيهم قائلة: من فضلك.. اريد ان امر..
تطلعوا اليها غير مصدقين وقال احدهم: لا ازال غير مصدق انك هنا..
وقال آخر: الم يأذوك؟..
وقال ثالث: كيف عدت الى هنا بالضبط؟..
عقدت سوزي حاجبيها بضيق.. فأسرع ألكس يهتف فيهم: ابتعدوا عن الطريق.. ودعوا سوزي تمر..
ابتعدوا عن الطريق ماثلين لأوامر قائدهم.. ومرت سوزي من بينهم لتغادر غرفة مكتب المدير.. واسرع ألكس يتبعها وهو يهتف بها: انتظري قليلا يا سوزي..
التفتت له سوزي وقالت متسائلة: هل من امر يا ايها القائد؟..
قال بجدية: تعالي الى مكتبي لنتحدث بهدوء اكثر..
تبعته الى مكتبه .. فأشار لها بالجلوس على المقعد قبل ان يقول بهدوء: كنت محتجزة في فرقة المقاومة.. اليس كذلك؟..
هزت سوزي كتفيها قائلة: لست اعلم.. فكما قلت لم اعرف المكان الذي احتجزت فيه ولا اي شيء عنهم..
عقد ألكس حاجبيه وقد شعر انها تخفي الكثير باعماقها: سوزي.. لا تتحدثي الي بكوني قائد اعلى.. بل بكوني زميل او صديق.. اريد ان اعرف .. هل كنت محتجزة في فرقة المقاومة؟؟..
قالت سوزي مكررة: لست اعلم يا سيدي.. صدقني..
قال ألكس وهو يميل نحوها: عهد كانت موجودة هناك ايضا.. وبالتأكيد قد رايتها..
استغربت سوزي معرفته بوجود عهد في فرقة المقاومة.. ولكن ارجعت ذلك الى رؤيته لها وهي تقاتل..ولهذا ظن انها من فرقة المقاومة.. وقالت مجيبة ببطء: لست اعلم يا سيدي.. لم ار وجه اي احد منهم ..
زفر ألكس بقوة قبل ان يقول بضيق: سوزي .. انا اسألك كصديق.. لن يعلم احد بما سيدور بيننا.. اخبريني الحقيقة..
صمتت سوزي للحظات قبل ان تقول بهدوء: ما اخبرتك به هو الحقيقة يا سيدي..
قال ألكس بضيق اكبر: فليكن.. هذا شأنك.. يمكنك الذهاب الآن..
وتابعها بنظراته وهي تغادر المكتب..وفي اعماقه همس لنفسه قائلا: ( اشعر انك تخفين الحقيقة يا سوزي لكي تحمين شخصا ما .. تماما كما افعل انا)..
########
يتنهد بألم وضيق وعيناه تتطلعان للفراغ.. يشعر بأنه يحمل جبلا على صدره.. وان لا معنى لوجوده في هذه الدنيا.. ابتسامته اختفت.. وبريق عيناه انطفأ.. على قيد الحياة لكنه يقتل نفسه ببطء حزنا وهما وكدرا.. كيف لا؟.. وهو قد فقدها برحيلها.. لن يراها.. لن يسمع صوتها.. لن يتفاءل بابتسامتها.. ولن يتضايق لحزنها.. لن يحاول ان يثير غيرتها.. فهي ببساطة لن تكون موجودة.. غادرت ولكن بملئ ارادتها..
تمنى ان تعود.. ان تهتف به ان يتوقف.. ان تصرخ به اريد البقاء معك.. لكن يبدوا ان امنيته هذه مستحيلة.. فسوزي تفكر في امر آخر الآن.. وربما قد نسته ايضا..
عاد ليتنهد وهو يمسك برأسه بتعب.. اتعبه التفكير بها.. في كل ركن من هذا المكان له ذكرى معها حتى لو كانت بسيطة.. يراها تغضب هنا وتبتسم هناك.. تحزن هنا وتضحك هناك.. تخبره انها لا تهتم به ومن ثم لا تلبث ان تلحق به وتقول انها تحبه.. لقد فقدها اليوم.. وفقد معها قلبه الذي رحل معها.. لا يريد التفكير اكثر.. لكنها لا تزال تلح على مخيلته.. بصورتها وصوتها وابتسامتها...
( لا ترهق نفسك هكذا..)
رفع رأسه الى عزام ناطق العبارة السابقة.. والذي كان يقف بجوار مقعده وهو يتطلع اليه باشفاق.. فقال مارك بضيق شديد: لا احد يشعر بي هنا.. لا يعلمون انني قد فقدت روحي برحيلها..
قال عزام وهو يهز راسه نفيا: من قال هذا؟.. جميعنا نعلم اي حب تحمله في قلبك لها؟.. والا لما تحديتنا بكل هذا الاصرار من اجل بقاءها بيننا.. لكن ما اطلبه منك هو ان لا ترهق نفسك بالتفكير فيها.. فهي من طلبت الرحيل في النهاية..
قال مارك وهو يزفر بحرارة: ليتني استطيع ان ابعدها عن ذهني ولو لثواني.. كل ركن يذكرني بها.. كل لحظة تمر تجعلني اتمنى رؤيتها وسماع صوتها...
قال عزام وهو يجلس بجواره ويربت على كتفه: انت لن تستطيع ان تغير الواقع.. لكن بامكانك ان تتحمل وتصبر,, وتحاول تناسيها باشغال نفسك في امور اخرى اهم..انظر الينا فجميعنا نحاول فعل المثل لكي نشغل نفسنا عن اهلنا وزوجاتنا..
التفت له مارك وفي عينيه سؤال عن هذا الامر الاهم.. فقال عزام بابتسامة: الدفاع عن وطن شقيقك ووالدتك.. او دعني اقل وطنك..
ارتسمت ابتسامة شاحبة على شفتي مارك قبل ان يقول: لقد فهمت ما تعنيه.. وسأحاول قدر الامكان ان ابعدها عن ذهني ولو لثوان..
قال عزام وهو يتطلع اليه: كن قويا وحاول ان تتناسى.. وهيا تعال معي.. فهشام يعد خطة جديدة..
قال مارك بحيرة: حقا؟..
اومأ عزام برأسه قائلا: اجل.. تعال معي.. قبل ان يغير رأيه.. فبالكاد وافق على اعداد خطة جديدة..
نهض مارك معه وتوجه الى حيث هشام الذي كان يقومون بشرح الخطة للاعضاء.. واسرعا بالانضمام بينهم..
ومن جانب آخر كانت عهد تقف تستمع بدورها للخطة.. قبل ان ترى فارس يقترب منها ويقول: ماذا هناك؟..
قالت دون ان تلتفت له وتحاول ان تركز حول ما يدور في الخطة: خطة جديدة..
قال فارس بلا مبالاة: ولم تقفين وتستمعين لها؟..
التفتت له بحيرة قبل ان تقول: ماذا تقصد؟..
قال وهو يعقد ذراعيه امام صدره: وفي النهاية لن تشتركي فيها..
انعقد حاجباها بقوة.. قبل ان تقول بتحدي: لن تستطيع ان تمنعني..
قال وهو يهز رأسه نفيا: اخطأت .. بل استطيع منعك.. بكلمة واحدة مني..
قالت بضيق وحنق: دعني وشأني من فضلك.. لا تجعلني اندم على اني جعلتك تنضم للفرقة معي..
قال ببرود وهو يضع كفيه في جيبي بنطاله: كان هذا بالرغم منك.. فلو لم آتي الى هنا.. كنت انت ستأتين معي..
تلفتت حولها بقلق قبل ان تقول: ارجوك.. لا تتحدث معي بهذه الطريقة ..
قال متعمدا وهو يضغط على حروف كلماته: سأظل اتحدث بهذه الطريقة حتى تتراجعي عن فكرة الاشتراك في المهمة القادمة..
قالت بهمس متضايق: انا لم اشترك بعد اولا.. وثانيا ربما لا يوافق هشام على اشتراكي..
قال فارس وهو يهز كتفيه: دعينا نستبق الاحداث.. ونجعل قرار عدم انضمامك في المهمة امر مفروغ منه..
مطت شفتيها بحنق.. قبل ان تبتعد عن المكان وهي تحاول ان تكظم غيضها.. وفارس الذي دارت نظراته بالمكان.. قبل ان يتبعها مبتعدا.. ورآها تعقد ذراعيها امام صدرها وتتطلع اليه بضيق شديد.. فارتفع حاجباه وهو يقول باستخفاف: كل هذا الضيق لاني لم اتركك تشتركين في المهمة وتقتلين نفسك.. يكفي اني في المرة الاولى تركتك تشتركين واشتركت معك انا الآخر.. وكدت ان اُُقتل بسببك..
ازدردت لعابها قبل ان تقول: لكني بعكس ما تفكر.. فبامكاني ان اتدبر اموري اثناء المعركة..
قال بحدة: واضح جدا..والدليل اسرك في المبنى البريطاني..
قالت مدافعة عن موقفها: كانت حادثة وحسب..ولقد حدث هذا بالرغم مني..
قال فارس بملل: لا اريد الحديث في هذا الموضوع اكثر..
قالت بحنق: تريد فقط التحكم بتصرفاتي و...
انبترت عبارتها اثر دقات الباب المتتالية..فتوجه فارس لفتح الباب بحكم انه الاقرب اليه.. وقبل ان يفتح تساءل قائلا: من هناك؟..
سمع صوتا انثويا يأتي من خلفه وصاحبته تقول: انها انا غادة..
حاول فارس ان يسترجع الاسم في ذهنه.. قبل ان يتذكر انها من جاءت مع اثنين من الشرطة لامدادهم بالاسلحة.. ففتح الباب وهو يطل من خلفه.. وشاهد غادة وهي تدلف الى داخل المنزل.. وتتساءل قائلة: اين المقدم هشام؟..
قال فارس وهو يتطلع بعينه تجاه الغرفة: هناك.. يعد خطة جديدة..
قالت غادة في سرعة: سأذهب لانضم اليهم..
وقبل ان تتحرك من مكانها لمحت عهد واقفة في زاوية المكان.. فالتفتت لها وتطلعت اليها لفترة.. قبل ان ترتسم على شفتيها ابتسامة وتقول: اهلا..
قالت عهد وقد استغربت حديث غادة اليها ورفعت حاجبيها وهي تقول باستغراب: اهلا...
قالت غادة وهي تقترب بضع خطوات منها: كيف حالك؟..
ازداد استغراب عهد .. وقالت بحذر وهي تريد ان تعرف مغزى غادة من وراء اسئلتها: بخير.. ما الامر يا آنسة؟..
ضحكت غادة بمرح قبل ان تقول: لا شيء.. اراك بعد قليل يا...
بترت عبارتها واردفت متسائلة:بالمناسبة ما هو اسمك؟..
عقدت عهد ذراعيها امام صدرها قبل ان تقول بحنق: لا ارى ان هناك ما يضحك يا آنسة؟..
قالت غادة بابتسامة: المعذرة.. انا ادعى غادة..وانت؟..
مطت عهد شفتيها دون ان تجيب وهي تشعر ان غادة تستهزأ بها.. في حين تدخل فارس قائلا بابتسامة باهتة: عهد..
اومأت غادة برأسها قبل ان تقول وهي تستدير عنهما: فليكن.. اراك بعد قليل يا عهد..
وانصرفت عنهما .. فقالت عهد بضيق وهي تراها تبتعد: لم كانت تتطلع الي بتلك الطريقة؟.. وتحدثني وكأنها تستهزئ بي..
قال فارس وهو يلتفت لها: نظراتها لك كانت واثقة.. وكأنها ترمي الى شيء ما..
قالت عهد بحنق: لا تهمني.. ولن اجيبها لو تحدثت الي باسلوبها المستفز هذا مرة اخرى..
قال فارس بابتسامة: من يدري؟.. ربما اسلوبها المستفز في رأيك دلالة على معرفتها بأمر ما..
قالت عهد بحيرة: امر؟.. مثل ماذا؟..
- دعينا لا نستبق الامور...
وابتعد هو بدوره عن عهد.. تاركا اياها في حيرة من امرها بأمر غادة التي بدأت تثير ريبتها بما تفكر فيه...
#######
منذ دقائق فقط كان ألكس قد انتبه لاتصال عهد به.. وبقدر ما شعر بسعادة كبيرة باتصالها.. بقدر ما شعر بالضيق من نفسه لانه ترك هاتفه المحمول في غرفته ولم ينتبه له عندما تعالى بالرنين..
لم يعرف كيف يتصرف.. ايتصل بها ام يكتفي بارسال رسالة؟.. وحتى ان ارسل ماذا يقول في رسالته؟..واخيرا قرر ان يرسل لها رسالة يقول فيها ( لم استطع الاجابة على اتصالك.. فقد كنت مشغولا بعض الشيء.. اتصلي بي مرة اخرى عندما تجدين الفرصة لذلك.. سأكون على انتظار)..
وارسلها الى رقم هاتفها المحمول وهو ينتظر اجابة منها.. ولم تمض دقائق حتى وصلت رسالة الى هاتفه.. اسرع يفتحها ويقرا ما فيها ( فليكن.. سأحاول.. لكني لا اظمن لك ان استطيع الاتصال بك اليوم)..
وبدلا من ان يفرح بردها على رسالته.. شعر بالضيق لانها قد لا تتصل به اليوم.. وقد بلغ شوقه اليها مبلغه.. الى متى سيظل ينتظر؟.. الى متى سيحاول ان يسرق لحظات من الزمن ليتحدث اليها او يلتقي بها؟.. اليس هناك نهاية لهذه العلاقة؟..
:
:
وفي غرفة اخرى من المبنى البريطاني كان ذات السؤال ينطرح في عقل سوزي ..وهي تفتح درجها الصغير وتخرج منه هاتفها المحمول وهي تهمس لنفسها قائلة: كلانا اتخذ طريق مختلف الآن.. واصبحت له حياته الخاصة به وافكاره المختلفة.. فهل هناك نهاية لهذه العلاقة؟..
وتنهدت وهي تمسك بهاتفها المحمول وتضغط على خيار انشاء رسالة.. كتبت فيها ( مارك.. انها انا سوزي.. اردت ان اخبرك اني قد وصلت للمينى.. واني على ما يرام.. شكرا لك ولكل من ساعدني واعادني للمبنى.. هذا رقمي .. سأتصل بك كل ما سمحت لي الفرصة.. ولا تتردد في الاتصال بي في اي وقت تشاء)..
واخيرا ارسلتها الى مارك دون ان تشعر بأي تردد وهي تنتظر الاجابة منه بفارغ الصبر...
#########
(انها تتطلع اليك بغرابة شديدة)
قالها فارس ونظراته تنتقل بين غادة وعهد بحيرة.. التي قالت وهي تمط شفتيها: اعلم.. لكني لن اهتم لنظراتها بعد الآن ابدا..
قال فارس وهو يشبك اصابع كفيه: ربما كانت تريد اخبارك بشيء ما.. او ربما هي تعرفك..او تشبهين احد تعرفه..
قالت عهد وهي تزفر بحدة: لو ارادت اخباري بشيء.. فلم لا تقوله؟.. ولم ارها من قبل حتى تعرفني او اعرفها.. وبالنسبة لشبهي لاحد تعرفه.. فربما يكون ذلك صحيح.. لكن هذا لا يدفعها للنظر لي طويلا هكذا وبهذه النظرات التي اشبه بالسخرية..
قال فارس مفكرا: اتعلمين؟.. معك حق..ما رأيك ان اسألها عن سبب نظراتها اليك؟ ..
قالت عهد وهي تلتفت له في سرعة: كلا.. لا تفعل.. لا اريد لها ان تشعر ان نظراتها تلك تثير اهتمامنا..
قال فارس وهو يهز كتفيه: فليكن كما تشائين.. سأذهب لاشرب كأسا من الماء.. اترغبين بالماء انت الاخرى؟..
هزت رأسها ان لا.. فنهض فارس من مكانه متوجها الى المطبخ ليصب له كأس من الماء وما ان هم بشربه حتى سمع صوتا عند الباب يقول له: فارس..اليس كذلك؟..
التفت الى باب المطبخ ليرى غادة واقفة عنده.. فاستغرب حديثها اليه وقال: اجل.. انا فارس.. ماذا هناك؟..
قالت غادة بابتسامة: اردت ان اسألك عن عهد؟..
قال متسائلا: ما الامر؟..
قالت متسائلة بدورها: اهو من اقربائك؟..
اومأ برأسه ايجابيا.. في حين تسائلت هي: ومنذ متى انضم الى هذه الفرقة؟..
قال وهو يعقد حاجبيه وقد بدأ يستغرب اسألتها عن عهد: منذ شهر.. لم؟..
صمتت غادة ولم تجب.. لكنها بعد اكملت متسائلة: وكم عمره؟..
قال فارس بضيق: اهو تحقيق ام ماذا؟.. يبدوا انك لم تنسي طبيعة عملك في ظل وجودك هنا..
قالت غادة بابتسامة: معذرة ان ضايقتك بكثرة الاسئلة.. بالاذن الآن..
قالتها وابتعدت دون ان تمنح لموقفها هذا اي تفسير.. وفارس الذي عاد ليشرب كأس الماء دون اي مبالاة بما حدث.. وهم بالخروج من المطبخ بعدها لولا ان تعالى رنين هاتفه.. فأجابه بعد ان شاهد اسم المتصل: اهلا حازم.. ماذا هناك؟..
قال حازم وهو يزفر بحدة: ما رأيك ان نخرج معا؟.. اشعر بالملل.. طوال اليوم اما في شركة والدي.. او اساعدك في شركتك الجديدة..
قال فارس متسائلا: والى اين تود الخروج؟..
قال حازم في سرعة: اي مكان.. لا يهمني.. المهم ان اغير من جو الملل هذا..
قال فارس بابتسامة: فليكن سأكون عند المبنى الموجود به الشقة الخاصة بي.. بعد ربع ساعة من الآن.. قابلني هناك..
قال حازم بحماس: لن اتأخر..الى اللقاء..
انهى فارس المكالمة وبعدها توجه الى عهد ليقول بهدوء: سأغادر مع حازم بعد قليل.. اترغبين بشيء قبل خروجي؟..
هزت رأسها نفيا وقالت: لا..
قال فارس وهو يتطلع بطرف عينه الى غادة: على فكرة لقد جاءت لتسألني عنك..
فهمت عهد انه يقصد غادة بكلامه.. فقالت بدهشة: حقا؟.. وبم سألتك عني؟..
قال فارس وهو يتذكر: سالتني ان كنت من اقاربك ام لا.. ومنذ متى اشتركت في الفرقة.. وكم عمرك.. وبالتأكيد كانت تفكر بتوجيه المزيد من الاسئلة.. لكني استنكرت اسألتها هذه.. فغادرت وهي تبتسم..
قالت عهد وهي تختطف النظرات الى غادة: انها غريبة حقا.. ماذا تريد مني هذه الفتاة؟..
قال فارس بابتسامة: ما رأيك ان تسأليها بنفسك؟..
التفتت له وتطلعت اليه بغرابة.. فلوح بكفه وابتعد مغادرا الفرقة.. فهزت هي كتفيها ولم تهتم بما قاله بل اخرجت هاتفها المحمول وتطلعت اليه ان كان يوجد لديها اي رسالة جديدة.. لكنها تذكرت انها قد وعدت ألكس بالاتصال به.. لكن الوقت غير مناسب ابدا الآن..
وظلت هي على هذه الحال دون ان تنتبه لنظرات غادة المتفحصة لها...
#########
هي.. لقد ارسلت اخيرا..لم تمض ساعات على مغادرتها لكنه قد بدأ يشتاق لها.. لقد تذكرته برسالتها.. هذا يعني ان هناك وسيلة لاتصالهما على الاقل.. بدلا من ان يبتعد عنها نهائيا..
ولم يكذب خبرا بل اتصل بها على الفور.. وانتظرها ان تجيب بلهفة وشوق كبيرين.. وبعدها سمع صوت اجابتها على الهاتف وهي تقول بصوت متعب: اهلا..
قال مارك بابتسامة واسعة: سوزي.. كيف حالك؟..
فركت سوزي عينيها بتعب وقالت: مارك.. هذا انت..
انتبه مارك لصوتها المتعب فقال بحرج: معذرة.. يبدوا انك كنت نائمة..
اعتدلت في جلستها وقالت بابتسامة مرهقة: لا عليك.. اخبرني انت ماهي احوالك؟..
قال مارك بصدق ولهفة: مشتاق اليك..
قالت سوزي وابتسامتها تتسع: وانا كذلك..
قال مارك وصوته يحمل رنة رجاء: صدقيني يا سوزي.. كل شيء هنا يذكرني بك..عودي .. ارجوك...
قالت وهي تشعر بغصة مرارة في حلقها: انت اعلم بالظروف يا مارك.. فلا تضغط علي...
قال مارك وهو يتنهد بألم: اخشى ان تغيرك الظروف في يوم..
قالت سوزي بثقة: لو غيرتني الظروف على العالم اجمع..فلن تجعلني اتغير عليك..
قال مارك بابتسامة حانية: فليكن عودي للنوم الآن.. وسأتصل بك في وقت آخر..
قالت في سرعة: لا داعي لقد نهضت من نومي الآن..
- اعلم انك لم تنامي جيدا.. انت بحاجة للنوم الآن.. سأعاود الاتصال بك في وقت لاحق..
قالت مبتسمة: حسنا.. كما تشاء..
قال وهو لا يريد انهاء هذه المكالمة: احبك.. الى اللقاء..
تورد وجهها خجلا وقالت وهي تبتسم بخجل: وانا ايضا احبك.. الى اللقاء..
قالتها وانهت المكالمة.. لتغمض عينيها وتعود لعالم الاحلام من جديد.. متمنية ان يكون بطلها فيها هو مارك ولا احد سواه...
#######
اطلق حازم صفيرا من بين شفتيه وهو يتطلع الى الطريق الذي امامه.. قبل ان يلتفت الى فارس الذي يقود السيارة ويقول له: الى اين سنذهب؟..
لم يجبه فارس وقد كان تركيزه على الطريق.. فأعاد حازم سؤاله قائلا: فارس.. الى اين سنذهب؟..
انتبه له فارس هذه المرة وقال وهو غير مركز لما قاله: ماذا قلت؟..
ابتسم حازم وقال وهو يسند ذقنه على قبضة يده: قلت .. فيمن تفكر كل هذا الوقت حتى انك لم تستمع الي وانا اتحدث؟...
قال فارس بسخرية: فيك بكل تأكيد..
قال حازم وهو يغمز بعينه: بل قل فيها..
قال فارس بلا مبالاة: ومن هي التي تتحدث عنها؟..
قال حازم بمكر: من سلبت عقلك وتفكيرك..
قال فارس وهو يرفع احد حاجبيه باستخفاف: ومن هذه التي لم توجد بعد على الكرة الارضية؟..
قال حازم بابتسامة: مغرور.. لكن عاجلا ام آجلا ستعترف ان قلبك يهتف باسمها..
قال فارس وهو يلتفت له بضيق: من هي تلك التي تتحدث عنها؟..
قال حازم وابتسامته تتسع: الفتاة التي تشغل تفكيرك..
عاد فارس ليتطلع الى الطريق قبل ان يقول: ان ظللت تتحدث بالالغاز هكذا.. فلن اواصل حديثي معك..
قال حازم وهو يغمز بعينه: لا تقل لي انك لم تكتشف عمن اتحدث حتى الآن.. عاملة المطبخ بكل تأكيد...
قال فارس وهو يعقد حاجبيه: تعني عهد..
اومأ حازم برأسه قائلا: اجل هي.. وهل يوجد فتاة سواها تعرفها في هذه الاثناء..
هز فارس رأسه باستخفاف قبل ان يقول: وطوال الطريق تحاول ان تقول لي انني افكر في عهد.. وان يكن.. هذا امر طبيعي..
قال حازم وفي لهجته رنة خبث: لكن تفكير عن تفكير يختلف..
صمت عنه فارس ولم يعلق فقال حازم بابتسامة: اليست هي من تشغل عقلك وقلبك...
قال فارس بجدية: حازم.. تفكيري بعهد ينحصر على امر واحد.. انني المسئول عنها.. ولم يعد لها احد سواي في هذه الدنيا.. ولهذا علي ان اقف بجوارها واحميها واهتم بكل ما يعنيها..
قال حازم بمكر: وماذا عن الصورة؟..
انقعد حاجبا فارس بقوة وهو يحاول التذكر قائلا: اي صورة؟!..
التفت له حازم وهو يقول: تلك التي تحتفظ بها في محفظتك.. صورتك عندما كنت طفلا معها..
قال فارس بابتسامة: وما ادراك انها هي؟..
قال حازم في سرعة: انا متأكد انها هي.. فالوحيدة التي كانت تلازمك اينما كنت ونحن صغارا هي عهد...
قال فارس وهو يهز كتفيه: لقد احتفظت بصورتي انا وليس صورتها هي.. فهي الصورة الوحيدة لي وانا في ذلك العمر..
قال حازم بشك: تحاول الكذب على من؟..
قال فارس بابتسامة باهتة هذه المرة: اقسم لك انها الصورة الوحيدة لي وانا في الثالثة عشرة من عمري...
واردف وهو يتنهد محدثا نفسه: ( فجميع الصور قد احترقت الآن وتحولت الى رماد.. بعد تلك الكارثة)
:
:
يتبع...
 

بــ الحب (32) والواقع ــين
::حفل::


اهتزاز هاتف مستمر جعل عهد تستغرب هذا الالحاح من المتصل على الرغم من انها تعمدت عدم الرد في المرة الاولى عندما رأت انه رقما غريبا.. وعاود المتصل الاتصال لمرتين بعدها.. وهنا فقط قررت ان تجيب وهي ترى هذا الالحاح من المتصل واجابت بصوت متردد قائلة: ألو..
جاءها صوت هتاف وصاحبه يقول: لماذا لم تجيبي من البداية يا حمقاء؟..
ابعدت الهاتف عن اذنها للحظة قبل ان تقول بحنق: لانه ليس رقم هاتفك يا احمق؟..
قال بحدة: لقد فرغت بطارية هاتفي.. واضطررت ان استعمل هاتف حازم.. المهم انا الآن في عجلة من امري.. استمعي الي .. سآتي لأخذك بعد ربع ساعة من الآن لنذهب..
قالت متسائلة وهي تردد بغرابة: نذهب؟.. الى اين؟..
قال ببرود: ما هذا الغباء؟.. الى الحفل بكل تأكيد..
قالت بغيظ: لم تخبرني ان الحفل سيكون هذا اليوم..
قال ببرود اشد: والآن قد اخبرتك.. كوني جاهزة.. سأصل عند الفرقة بعد ربع ساعة من الآن او اقل..
قالت وهي تزفر بحدة: حسنا.. حسنا..الى اللقاء..
- الى اللقاء..
وتطلعت الى هاتفها بضيق بعد ان انهت المحادثة قبل ان تقول: متى ستفهمني يا فارس؟..
ونهضت من مكانها لتستعد لقدومه.. وما ان ارتدت حذائها.. حتى سمعت صوت هاتفها يعاود الرنين بنفس الرقم الغريب السابق.. فاجابت قائلة وهي تتنهد: اهلا..
قال لها في سرعة: انا انتظرك بالخارج..
قالت متسائلة وهي تتطلع الى ساعة الحائط: اليس الوقت مبكرا بعض الشيء على الحفل الآن؟..
قال فارس بهدوء: سنذهب لتغيير ملابسنا اولا وتجهيز انفسنا للحفل..
قالت وهي تنهض من مكانها وتفتح الباب: حسنا انا قادمة الآن..
- فليكن .. الى اللقاء..
وخرجت من المنزل لتتجه الى حيث سيارته.. وما ان دخلت الى داخل السيارة حتى انطلق بسيارته قائلا بابتسامة: كيف حالك؟..
قالت وهي تهز كتفيها: كالمعتاد..
وقالت متسائلة وهي تلتفت له: الى اين سنذهب الآن؟..
قال بابتسامة اوسع: على الاقل اسألي عن احوالي اولا..
ارتفع حاجبها وقالت باستخفاف: ولم اسأل عن احوالك مادمت بصحة جيدة؟..
قال فارس بسخرية: وما ادراك اني بصحة جيدة؟.. ربما كنت مصاب بمرض ما..
التفتت له بحنق وقالت: ايوجد انسان في العالم يتمنى ان يكون مصاب بمرض ما؟..
قال وهو يشير باصبعه السبابة: لم اقل اني اتمنى المرض.. ولم اقل اني مصاب به.. ثم من يدري ربما اكون مصاب بمرض ما حقا..
قالت وهي تعقد ساعديها امام صدرها بحنق: تافه..
ابتسم بهدوء قبل ان يقف على جانب الطريق ويقول بهدوء: هيا اخرجي..
تطلعت حولها قبل ان تقول بحيرة: ولم اخرج؟.. لم نصل الى الحفل بعد..
قال وهو يتطلع اليه ويرفع حاجبيه: وهل ستذهبين الى الحفل بملابسك هذه؟..
تطلعت الى ملابسها قبل ان تقول: بالتأكيد لا..
قال وهو يهز كتفيه ويطفأ المحرك: اذا اخرجي..
قالت بضيق: انه احد مبانيك.. فماذا عساني افعل هنا عندما اخرج من السيارة؟..
هز رأسه قبل ان يقول وهو يلتفت لها: حتى تغيري ملابسك وتجهزي للحفل..
فقالت متساءلة: واين سأجهز نفسي في رأيك؟..
قال وهو يشير نحو احد المباني: في شقتي بكل تأكيد..
ارتفع حاجباها قبل ان تقول مكررة: في شقتك..
اومأ برأسها قبل ان يخرج من السيارة وينتظرها لأن تخرج.. وما ان خرجت حتى اشار لها ان تتبعه.. فتبعته وهي تزفر بضيق.. قبل ان يدخلا الى المبنى ويستقلا المصعد الى الطابق الثاني ومن هناك توجهت مع فارس الى حيث شقته.. ففتح بابها وابتعد قليلا ليسمح لها بالدخول.. وفي الداخل شاهدت الشقة التي تدخلها لأول مرة .. وقالت وهي تلتفت له مبتسمة: اهي لك؟..
قال مستغربا سؤالها: بالتأكيد لي.. هذا المبنى بأكمله كما تعلمين ملكا لي..
هزت رأسها نفيا وقالت: لم اعني هذا بل قصدت القول ان هذه الشقة لم تأجرها على احد من قبل .. وانت من يسكنها صحيح؟..
اومأ برأسه وقال مبتسما: اجل.. لقد رفضت تأجيرها على الرغم من كل العروض التي قدمت لي..
قالت بحيرة وهي تلتفت له: ولم؟..
قال بهدوء: كنت اتوقع ان استفيد منها يوما ما..وجاء هذا اليوم باسرع مما توقعت..
فهمت ما يعنيه.. فهمت نظرة الالم في عينيه.. كيف لا وهي تعاني مثله؟.. فهمت ذلك الهدوء الاشبه بالضياع في صوته .. لقد ترك هذه الشقة دون ان يأجرها وفقا للظروف.. وها قد تدمر منزله واحتاج لان يكون له شقة اخرى يــ...
افاقت من افكارها اثر كف فارس التي تلوح امام ناظريها وصوته يقول: الى اين ذهبت؟..
ابتسمت قائلة وهي ترفع رأسها له: لقد شردت قليلا..
قال وهو يتطلع بناظريه الى احدى الغرف: استمعي الي.. ادخلي الى تلك الغرفة..وستجدين كيسا به حاجياتك.. غيري ملابسك وجهزي نفسك.. وسأكون بانتظارك هنا..
قالت متسائلة: وانت؟.. اين ستغير ملابسك؟..
اشار الى غرفة تقع على الجهة اليسرى منه قائلا: في الغرفة الاخرى..
اومأت برأسها دون ان تعلق .. فابتسم قائلا وهو يميل نحوها: على فكرة هناك مفتاح معلق بالباب.. اقفلي الغرفة خلفك.. حتى تطمأني اكثر...
رفعت انظارها اليه وتطلعت اليه بدهشة.. لم قال عبارته تلك؟.. الأنه اراد ان يطمأنني؟.. ام لأنه فهم من صمتي وعدم تعليقي على ما قاله انني اشعر بالتوتر من وجودي معه؟.. ام لأنه اراد ان يثبت لي انه لن يأذيني ابدا في حياته وحتى وان كنت معه في اي مكان..
وتطلعت اليه وكل تلك الاسئلة تدور في عقلها فاتسعت ابتسامته وهو يقول: هذا فقط حتى تطمأني اكثر.. فأنا اشعر احيانا انك لا تثقين بي..
تذكرت ما قالته له عندما شاهدته بجوارها وهي نائمة في فرقة المقاومة.. لقد خرجت كلماتها لحظتها نتيجة غضب وحنق من تصرفاته ومراقبته عليها .. لكن الآن الوضع مختلف تماما ..
وقالت في سرعة: ابدا.. هذا غير صحيح..
قال بسخرية: حمقاء .. تمنحيني ثقتك بهذه البساطة.. ربما يكون كل ما قلته لك كذبا منذ قليل..
ابتسمت قائلة وهي تعقد ذراعيها امام صدرها: اولا انا اعرفك جيدا واعرف اي شخص تكون .. فلا اظن ان كل تلك السنوات التي عرفتك فيها لن تجعلني اعرف شخصيتك واخلاقك بعد.. وثانيا انت ابن عمي.. فيجب ان تكون اكثر شخص تخشى علي.. وثالثا لو كنت تفكر بالكذب علي لما قلت لي بأنك تكذب...
قال وهو يلتفت عنها ويتوجه الى الغرفة: ببساطة هكذا حللت الامر بأكمله.. على العموم.. اذهبي لتجهزي الآن حتى لا نتأخر...
التفتت عنه بدورها وهي تسرع بالتوجه الى تلك الغرفة التي قصدها فارس.. وشاهدت اربعة اكياس على السرير الموجود بالغرفة.. اسرعت تقترب منه بخطوات سريعة.. وفتحت الكيس الاول لتشاهد الفستان فيه.. فاسرعت بفتح الآخر لترى حذاء يحمل رقم حذاء قدمها وهذا ما اثار استغرابها لدرجة كبيرة.. وابعدت الكيس لتفتح الثالث وتشاهد فيه علبتين من القطيفة.. سارعت بفتح الاولى فوجدت انها تحمل قلادة على الارجح انها من الذهب الابيض تحمل شكلا لثلاث وردات متجاورة.. وحلقين يحمل كل منهما شكل وردة.. وفتحت العلبة الاخرى والتي كانت اصغر حجما وشاهدت سوار يحمل شكل الوردات الثلاث ذاتها...
ودون ان تغلق اي علبة .. تساءلت دون ان تشعر وهي تلتفت لباب الغرفة وتهمس لنفسها: لم يفعل كل هذا؟؟..لم يهتم بي كل هذا الاهتمام.. ارادني ان اكون مميزة في الحفل ام ارادني ان لا احرجه ان لم يكن لدي ما يناسب حفلات رجال الاعمال؟.. اجل ربما هذا هو السبب..
ووضعت العلبة على الفراش وهي تتجه الى الباب وتغلقه خلفها وتقفله بالمفتاح المعلق فيه..وتعود لتخرج الفستان من الكيس وتضعه امام جسدها.. وتنظر الى نفسها في المرآة.. يبدوا رائعا.. استطيع ان اعترف الآن ان فارس لديه ذوق جميل في اختياراته..
ابتسمت وهي تغير ثيابها وترتدي الفستان.. قبل ان تعود وتتطلع الى نفسها بسرور.. منذ متى لم ترى نفسها وهي ترتدي مثل هذه الفساتين؟.. يبدوا شكلها مختلفا تماما فيه..
وفتحت احد الادراج وهي تبحث عن شيء ما.. واغلقته عندما لم تجده .. وفتحت الآخر لتلمح المشط قابع فيه ..فاسرعت بالتقاطه وهي تمشط شعرها الذي طال قليلا..
وقالت بابتسامة ساخرة وهي تعيد المشط الى مكانه: يبدوا انني سأحتاج الى قصه من جديد..
وارتدت قلادتها وحلقي اذنها واخيرا السوار.. وهي تشعر بشعور مختلف تماما.. تشعر انها اشبه بممثلات السينما.. بالاميرات او شيء من هذا القبيل..
ابتسمت على نفسها من هذا التفكير الغبي.. قبل ان تغير حذائها الرياضي..بالحذاء الذي اشتراه لها فارس.. والذي كان بمثل درجة لون الفستان.. وتطلعت الى نفسها في المرأة برضى عن شكلها.. وكادت ان تغادر الغرفة لولا ان تذكرت ان هناك كيس اخير نسيت امره.. فعادت ادراجها لتتطلع الى ما بداخله.. وعقدت حاجبيها وهي تلمح صندوق متوسط الحجم .. اخرجته من الكيس وفتحت غطاءه.. وما ان تطلعت الى ما بداخله.. حتى ابتسمت بحرج واستغراب.. يبدوا انك لم تنسى شيئا ابدا يا فارس..
:
:
وعلى الجانب الآخر كان فارس يبدوا في ابهى حلته وفي مكتمل اناقته..كان يبدوا رجلا بكل معنى الكلمة بزيه الرسمي وبملامحه الرجولية الوسيمة..وبشعره المهندم بعناية شديدة..
غادر غرفته في سرعة وهو يتطلع الى ساعة يده بقلق ويقول: لقد تأخرنا بعض الشيء..
وسار وهو في نيته ان ينادي عهد ويطرق باب الغرفة.. لكن مروره بجوار المرآة الكبيرة الموجودة بالردهة.. جعلته يتوقف ويتطلع الى نفسه ويرتب سترته... ويحاول تصفيف شعره بشكل اكبر وهو يبتسم لنفسه قائلا: لاول مرة ارى نفسي بمثل هذه الاناقة والـ...
بتر عبارته فجأة قبل ان يرتفع حاجباه بدهشة.. وتتسع عيناه عن آخرهما وهو يتطلع الى ذلك الانعكاس في المرآة.. الى ذلك الطيف الذي يقترب من خلفه.. انه يتخيل اليس كذلك؟...
والتفت خلفه وهو يتطلع اليها باندهاش وانبهار شديدين.. وطالت نظراته لها حتى انها شعرت بالاستغراب منه فقالت: ماذا بك؟.. لم تتطلع الي هكذا؟..
ونظرت الى فستانها وهي تقول مردفة باستغراب: هل هناك شيء في مظهري؟..
ابتسم للحظة .. ومن ثم لم تلبث ابتسامته ان اتسعت وهو يقول: تبدين مختلفة.. كثيرا جدا..
قالت وهي تهز كتفيها وابتسامة تعلو شفتيها: بالطبع سأكون مختلفة.. وهذا بفضل الفستان الذي ارتديه.. وهذه المجوهرات.. واخيرا الى ادوات الزينة التي احضرتها لي.. فشكرا لك.. لم اتوقع ان تتذكر كل هذه الاشياء..
اقترب منها بضع خطوات وعاد ليتطلع اليها قبل ان يقول وهو يضع كفه عند ذقنه بتفكير: لكن اتعلمين.. ينقصك شيء ما..
قالت متساءلة: مثل ماذا؟..
ظل صامتا للحظات قبل ان يقول وهو يلتفت عنها ويعود ليتطلع الى نفسه في المرآة: سأخبرك بعد قليل..
قالت وهي ترفع من فستانها قليلا وتسير عدة خطوات مقتربة منه: وانت اليوم تبدوا مختلفا ايضا.. ان اردت الصدق.. تبدوا اكثر اناقة.. ووسامة..
ارتسمت على شفتيه ابتسامة لاطرائها والتفت لها وقال: وما الذي تغير؟.. منذ زمن وانا بهذه الوسامة..
رفعت حاجبيها باستخفاف من عبارته قبل ان تقول ببرود: لا تصدق نفسك كثيرا..
قال وهو ينقل بصره بينها وبين المرآة: بل اصدق عيناي اللتين ارى بهما نفسي.. هذا بالاضافة الى ما قلته انت قبل قليل يشهد لي بالوسامة..
زفرت بضيق قبل ان تقول مغيرة دفة الحديث: متى سنذهب؟..
تطلع الى ساعة يده قبل ان يقول في سرعة: الآن.. هيا..
واسرع يتقدمها وهو يغادر الشقة.. قبل ان تخرج هي الاخرى ويقفل باب الشقة خلفهما.. وقالت وهي تسير الى جواره حتى المصعد: اتعلم.. استغربت انك تعرف قياس حذاء قدمي حتى الآن..
قال دون ان يلتفت لها: كدت اتصل بك لاتحقق منك على الرقم الصحيح للحذاء.. لكني تذكرته في النهاية ..
لم تعلق على ما قاله.. واكتفت باستقلال المصعد حتى الطابق الارضي.. وخرجا من المبنى ليلفحهما الهواء البارد..ويجعل عهد تقشعر بردا ويرتجف جسمها باكمله.. فقال فارس متسائلا: أتشعرين بالبرد؟؟..
قالت وهي تضم ذراعيها لبعضهما البعض: وما رأيك انت؟..
ابتسم وقال وهو يمسك بمعصمها: اراك تشعرين به.. لهذا سوف نسرع بخطواتنا للسيارة..
قالت وهي تحاول تحمل الهواء البارد: انتظر قليلا.. انا ارتدي حذاءا ذا كعب عال بعض الشيء.. لن استطيع الاسراع به.. لم اعتد على ذلك..
قال وهو يزفر بحدة: ما باليد حيلة..
وخلع سترته ليضعها على اكتافها وهو يقول بابتسامة: والآن اتشعرين بالدفء..
قالت بحيرة من تصرفه: لكن انت...
قاطعها قائلا: ملابسي اكثر دفئا من ملابسك.. ثم انني ارتدي قميص ذو كم طويل .. بعكسك.. هيا الآن..
فضلت عدم التعليق وهي تراه يتوجه قبلها الى سيارته ويفتح بابها ليشعل المحرك..وارتسمت ابتسامة امتنان على شفتيها وهي تهمس ثائلة: شكرا لك..
تعلم ان فارس لن يسمعها.. لكن ربما تكون قد فضلت التعبير بشكرها على هذا النحو.. وتبعته الى سيارته لتجلس بجواره وتنطلق بهما السيارة الى الحفلة المنشودة...
########
تطلعت غادة باهتمام كبير الى الخريطة المفرودة على الطاولة.. واستمعت الى الخطة التي واصل هشام شرحها..والتفتت الى يمينها لترى غسان وجهاد واقفين بالمثل يستمعون الى الخطة التي سيتم تنفيذها قريبا جدا..
وسمعت هشام في تلك اللحظة يقول وهو يشير الى منطقة ما: في هذه المرة سنقترب من المبنى البريطاني.. وسننصب لهم الافخاخ هناك.. بحيث لا يتوقعون ان الافخاخ ستكون في حدود منطقتهم المحصنة..بالتأكيد سيكون الوضع خطيرا هناك.. وسنحتاج الى من يمتلكون سرعة البديهة والحذر ليراقبوا لنا المكان اولا لنعرف كيف يتم توزيع الحراسة هناك بالضبط..
ارتسمت ابتسامة على شفتي غادة وهي تفكر بالاشتراك بالمهمة.. ربما تكون متهورة باشتراكها.. لكن لديها روح المغامرة ونستطيع القول انها مستعدة للتضحية بنفسها من اجل امن الوطن.. والا لما اختارت العمل كشرطية منذ البداية..
وواصل هشام شرح الخطوات التي سينفذونها .. وانشدت حواسها كلها معه.. قبل ان يقطع اصغائها الشديد صوت رنين هاتفها برنة قصيرة معلنا وصول رسالة قصيرة.. فاستغربت مرسلها قبل ان تلتقط هاتفها وتضغط زر فتح الرسالة ...
وارتفع حاجباها بغرابة وهي تقرأ كلمات الرسالة .. من يكون هذا الشخص؟.. وكيف علم بهذا الامر؟.. ولم يرسل لي رسالة كهذه؟.. واعادت قراءتها للمرة الثانية لعلها تكتشف اي شيء عن مرسلها.. (لا تشتركي في المهمة)..
بدأت الامور تتوضح لها قليلا.. انه شخص موجود هنا بكل تأكيد .. والا لما عرف بأمر المهمة.. وفي المرة الماضية علم بامر تفجيرات مبنى الشرطة واني بداخله.. ربما يكون شخص من فرقة المقاومة .. وكان يعلم بامر التفجيرات واراد تحذيري.. لكن كيف علم اني بداخل المركز لحظتها؟.. ربما شاهد خروج غسان وجهاد.. ولم يلحظ خروجي.. او ربما يعرف سيارتي ورآها لم تتحرك من مكانها..
اجل هذا احتمال وارد.. والا من عساه يكون ان لم يكن احد افراد المقاومة؟؟.. لم لا يكون غسان او جهاد؟.. ولكن عندما سألتهما انكرا هذا الامر.. فلم ينكرانه ان كان احدهما من ارسل الرسالة؟.. لست ادري ابدا.. لم حذرني هذا الشخص سابقا؟.. ولم طلب مني اليوم ان لا اشترك في المهمة؟..لست اعلم.. لست اعلم..
ودارت بنظراتها في الموجودين ورأتهم جميعين يستمعون باهتمام لهشام..لم تلحظ انشغال اي منهم بكتابة الرسالة لها.. ان كان احدهم حقا.. لحظة.. معها رقم الهاتف.. فلم لا تجرب الاتصال الآن.. وان كان احدهم سيرن هاتفه بكل تأكيد...
وابتسمت بمكر.. قبل ان تتصل على رقم مرسل الرسالة.. وانتظرت بفضول ولهفة لمعرفة صاحب الرقم .. لكن لم يتعالى اي رنين في المكان.. واكتفت بأن استمعت الى صوت رنين متواصل حتى انقطع الخط من تلقاء نفسه..
فزفرت بحنق وهي تنهي المكالمة.. ربما ليس من افراد فرقة المقاومة اذا.. وليس هو غسان او جهاد ايضا.. اذا من يكون؟.. من؟.. وماذا عن مطلبه؟.. هل سأنفذه ولن اشترك في المهمة ام سأشترك غير آبهة بما قاله؟.. في المرة الماضية عندما لم استمع الى تحذيره كدت ان افقد حياتي.. فهل استمع لما جاء في رسالته هذه المرة ولا اشترك في المهمة؟.. اظن ان الامر يحتاج لتفكير طويل حتى اقرر ما علي فعله...
########
تطلع ألكس الى الهاتف بقهر.. ارسل لها أكثر من ست رسائل.. لم تجبه او تطمئنه ولو برسالة واحدة.. منذ ساعتين وهو يرسل لها.. يريد ان يطمئن عليها ان كانت بخير ام لا.. لكنها غير آبهة برسائله تلك ابدا .. او بقلقه عليها حتى...
وامسك جبينه بارهاق وهو يشعر بصداع يكتنف رأسه.. ما الذي فعلته بي يا عهد؟..
:
:
(هل هذا هو المنزل حقا؟)
قالتها عهد بانبهار وهي تتطلع الى المنزل الاشبه بالقصور التي تشاهدها على شاشة التلفزيون.. امعقول ان الحفلة في هذا المكان حقا؟.. هل عائلة حازم صديق فارس بهذا الثراء؟..
وجاءتها الاجابة من فارس الذي قال وهو يطفئ المحرك: انه منزل حازم.. فربما لا تعلمين ان والده يملك مصنعا للزجاج وشركة ايضا.. انه من عائلة معروفة وسط التجار..
قالت عهد مبتسمة بمرح: هذا يعني انك تستطيع الاستفادة من ثراءه ومن سمعة شركة والده من عمله معك في شركة المقاولات..
قال فارس وهو يحرك كفه بالنفي: بل من خبرته فقط..
قالت عهد وهي تعود لتتطلع الى المنزل: لكن اتعلم اصبحت اتمنى لو يكون لي منزل كهذا..
قال فارس ببرود: يمكنك ذلك ان اردت..
قالت متسائلة: وكيف؟..
قال بسخرية: بأن تعملي خادمة في منزل حازم..
التفتت له ونظرت اليه بطرف عينها بحنق ..فقال هو وهو يشير لها بالخروج: اخرجي فقط الآن..
خرجت بحنق.. قبل ان تتذكر انها لا تزال ترتدي سترته.. فخلعتها ومنحتها له قائلة: خذ..
التقطها من يدها وران الصمت بينهما وهو يسير بجوارها نحو مدخل المنزل..وهنا فقط تذكرت عهد انها نسيت هاتفها المحمول في سترتها التي خلعتها بشقة فارس..ربما ارسل لها ألكس رسالة الآن.. ولن تستطيع الاجابة عليه.. قد يقلق عليها ويظن ان مكروها ما قد....
تلاشت افكارها اثر تلك الاضواء التي انعسكت في كل مكان.. واثر تلك الاصوات التي تداخلت من كل مكان واي مكان.. ما هذا المكان المبهر بكل معنى الكلمة؟..
دارت انظارها حول المكان.. لترى جماعات من الناس من كل طبقات المجتمع تقريبا.. ومن كل الاجناس.. فها هي ذي ترى رجال اعمال في تلك الجهة.. وسيدات من الطبقة الاستقراطية في الجهة الاخرى..وخادمات يقومون بتوزيع الشراب على الضيوف.. يبدوا انه حفل من المستوى الرفيع حقا..
وابتسمت وهي تسير بجوار فارس الذي التقط له كأس من العصير ومن ثم التفت اليها وقال بابتسامة: اي عصير تفضلين؟..
صمتت قليلا قبل ان تقول وهي تهز كتفيها: اي شيء..
التقط لها كأس عصير وقدمه اليها.. فالتقطته من كفه واخذت ترشفه بهدوء.. قبل ان ترى شخص يتقدم من بين الحضور لهما.. وسرعان ما تعرفت عليه.. فآخر مرة رأته فيها لم تكن بعيدة..
وتقدم ذلك الشاب لفارس ليقول بابتسامة واسعة: واخيرا حضرت.. ما كل هذا التأخير يا اخي؟.. ان اردت الحق الحفل لا يسمى حفلا من دونك..
ابتسم فارس وقال: هذا حتى تعرف قيمة صداقتك لي..
ضحك حازم قبل ان يقول: على العموم هناك تاجر اريد ان اعرفك به.. وايضا بعض رجال الاعمال الذين قد يفيدونك في مشروعك .. لكن قبلا اخبرني...
تطلع له فارس منتظرا ان يكمل عبارته فقال حازم وهو يخفض صوته قدر الامكان: من هذه التي معك؟..
ارتفع حاجبا فارس قبل ان يبتسم ويقول بصوت مسموع: صديقتي..
التفت حازم الى عهد وتطلع اليها للحظة قبل ان يقول: لكني لم ارها قبل الآن معك.. ومع هذا ملامحها تبدوا مالوفة لي و...
واتسعت عيناه بقوة قبل ان يقول بدهشة: مستحيل.. اانت عهد حقا؟..
نقلت عهد نظراتها بين فارس وحازم قبل ان تقول بحيرة: وما الغريب في الموضوع؟..
قال حازم وعيناه تبرقان بالاعجاب: ان اردت صدق.. شكلك مختلف تماما عن آخر مرة رأيتك فيها.. بصراحة.. تبدين اجمل بكثير من ....
انبترت عبارته فجأة.. وصدر من بين شفتيه تأوها .. جعل عهد تتساءل : ما بك؟..
التفت حازم الى فارس الذي داس على قدمه منذ لحظات وقال بحنق: لا شيء.. فقط هناك من يمزح مزاحا ثقيلا معي..
قالت عهد مستغربة: متى؟..
قال فارس بسخرية: لا عليك .. لقد بدأ يهذي.. هكذا هو اذا اطال في السهر ولم ينم مبكرا..
قال حازم وهو يميل نحوه ويهمس في اذنه بتهديد: سأردها لك يا فارس.. يا ايها الغيور..
قال فارس بصوت منخفض: الموضوع لا يتعلق بالغيرة ابدا.. انت تتغزل في ابنة عمي وانا واقف بجوارها.. كيف اردت مني ان اتصرف؟..
قال حازم بخبث وهو يغمز بعينه: الم تقل انك لا تفكر بها؟.. اعطني فرصة اذا للتقرب منها.. الست اخيك وتتمنى لي كل الخير؟..
قال فارس ببرود: ومن قال انها خير..
قالت عهد وهي تتطلع اليهما بضيق: عن ماذا تتحدثان؟.. منذ فترة وانتما تتهامسان..اخبراني ما الامر؟..
قال حازم بابتسامة وهو يلتفت اليها: لا شيء.. فقط افكر بشراء لوحة فنية جديدة .. واحاول اخذ رأي فارس فيها..
قال فارس بلامبالاة: كما اخبرتك.. تلك اللوحة لن تناسبك ولن تناسب منزلكم ابدا..
قال حازم وابتسامته تتسع: من يدري؟..
قال فارس وهو يلتفت اليه: الم تقل لي انك ستعرفني على بعض التجار ورجال الاعمال؟.. عرفني عليهم اذا الآن..
قال حازم متسائلا: وماذا عن عهد؟..
قال فارس وهو يلتفت لها: تستطيع تدبر امرها لوحدها.. صحيح؟..
قالت بكل ثقة: بكل تأكيد.. اذهب انت فحسب..
قال وهو يميل نحوها: لكن حذار من ان تتحدثي الى اي شخص كان في هذا الحفل.. الاثرياء هؤلاء افكارهم مختلفة عن افكارنا تماما.. يرون نفسهم كل شيء وفيمن عداهم لا شيء..
قالت وهي ترفع نظراتها الى حازم: لا ارى حازم كما تقول..
قال فارس بابتسامة: حازم مختلف تماما.. انه اخي..
ابتسمت له عهد ومن ثم قالت وهي ترفع كفها لتلامس الطوق الارجواني الذي يزين شعرها : لكن اتعلم.. رأيك كان جيدا بشأن شراء هذا..
قال مبتسما وهو يتطلع اليها: رأيي دائما جيد..
قالت بابتسامة وهي تعقد ذراعيها امام صدرها: مغرور..
قال وهو يلتفت عنها: بالاذن الآن .. واهتمي بنفسك ..
ابتعد عنها ليتركها وحيدة.. تتطلع الى ما حولها بشيء من الانبهار والغرابة..الى هذا الحفل المذهل بكل معنى الكلمة.. الناس هنا مختلفون.. افكارهم مختلفة.. طريقة حياتهم مختلفة.. كل شيء.. انه عالم غريب عليها حقا..
(اتبحثين عن احد يا آنسة؟)
التفتت الى صاحب الصوت .. ورأت شاب يتقدم منها كان طويل القامة.. تبدوا عليه مظاهر الثراء بشكل واضح.. وقالت وهي تهز كتفيها: لا..
قال متسائلا وهو يعقد حاجبيه: هل جئت الى هنا وحدك؟..
قالت مجيبة: لا..
قال وقد اصبح على بعد خطوات منها: اذا؟..
قالت وهي تلتفت عنه: بالاذن..
امسك بمعصمها قبل ان تبتعد وقال: انا لم انهي حديثي بعد..
جذبت معصمها من كفه بحدة قبل ان تقول بحنق: اما انا فانهيته.. وليس لي رغبة في الحديث معك..
قال وهي يبتسم بزاوية فمه: وحادة المزاج ايضا.. من انت يا آنسة؟.. انا لم ارك هنا من قبل..
قالت ببرود: لا شأن لك..
قال وقد شعر بالضيق من اسلوب حديثها معه: انت لا تعرفين مع من تتحدثين..
قالت وهي تلتفت عنه: ولا يهمني ان اعرف..
استغرب حديثها اليه بهذه الطريقة.. ولهجتها الحادة معه.. وهو الذي يتعامل معه الجميع بكل احترام نظرا لعائلته المعروفة وسط المجتمع الراقي ..
واسرع يقف امامها مانعا اياها من مواصلة طريقها وقال بجدية: لم اعرف من انت بعد يا آنسة..
قالت بضيق: لا اظن ان من الضروري علي اجابتك..
قال وهو يتطلع اليها ببرود: اخطأت يا آنسة..
(بل انت من اخطأ الاختيار)
التفتت عهد بلهفة لصاحب الصوت قبل ان تقول في سرعة: فارس..
اقترب فارس بخطوات واثقة من ذلك الشاب وقال ببرود: اتريد شيء يا استاذ؟..
قال الشاب وهو ينقل نظراته بينهما: لا.. كل ما هنالك اني كنت اسألها من تكون ..
قال فارس وهو يتطلع اليه بنظرة حازمة: لا اظن ان لك اي دخل في من تكون هي.. فلا اظن ان هذا الحفل مقام على شرفك.. او في منزلك..
عقد الشاب حاجبيه وقال بحدة: هذا لاني اراها للمرة الاولى هنا.. ولهذا اردت معرفة ذلك.. ولا داعي لكل هذا يا فارس.. فأنا لم اكن اعلم انها صديقتك منذ البداية..
قال فارس بحزم اكبر: ليست صديقتي ..
قال الشاب وقد شعر بالضيق من موقفه: حسنا .. لا يهم.. بالاذن..
غادر الشاب المكان.. في حين قال فارس وهو يلتفت الى عهد: هل ازعجك؟..
قالت عهد مبتسمة: قليلا.. لكن مجيئك كان في الوقت المناسب..
تنهد فارس قبل ان يقول: تعالي معي..
قالت في سرعة: لحظة..
قال متسائلا: ماذا؟..
اقتربت منه لتقول بابتسامة: شكرا لك..
قال متسائلا: على ماذا؟..
قالت وهي تهز كتفيها ولا تزال محتفظة بالابتسامة على شفتيها: على كل شيء فعلته من اجلي اليوم..
ابتسم وقال: ظننت ان هناك شيئا جديدا.. فقط تعالي معي الآن.. قبل ان ينهو عنا طعام العشاء..
واسرع يمسك بكفها ليجذبها معه.. ويمررها من بين الحضور.. وفي غمرة افكارها ابتسمت عهد بامتنان وهي تتطلع اليه.. وتتذكر كل ما فعله اليوم لاجلها.. ووجدت اصابع كفها تقبض على كفه.. وكأنها تتمسك بوجوده الى جوارها.. وتتمنى ان لا يتركها ابدا...
:
:
يتبع..
 
بــ الحب (33) والواقع ــين
:: انكشف الامر؟::



تطلعت تلك الفتاة الى صحن الفاكهة الموجود على الطاولة امامها.. قبل ان تحرك اناملها بهدوء وتغرس رأس شوكتها في قلب قطعة الفاكهة.. ورفعت بعدها الشوكة الى فمها لتتناولها بتلذذ..
ورفعت عيناها لترى ذلك الشاب الذي امامها يرفع ملعقته من صحن الحساء ويتناوله قبل ان يقول وهو يغمض احدى عينيه: ساخن...
ابتسمت على ملامح وجهه وقالت بمرح: لم يطلب منك احد ان تتناوله بسرعة..
قال وهو يمسح فمه بورقة من علبة المناديل الموضوعة على جانب الطاولة: لم اكن ادرك انه ساخن..
سمعت لحظتها صوت احدهم يهتف باسم فارس.. فالتفتت الى صاحب الصوت قبل ان تقول وهي تعود لتلتفت الى الشاب الجالس امامها: انه حازم.. يناديك..
رفع فارس رأسه الى حازم.. ومن ثم عاد ليتطلع الى عهد وقال بابتسامة: دعيه يأتي لوحده ما دام يريدني..
رأت حازم يقترب منهم ويقول وعيناه على فارس: فارس الا تسمعني وانا اناديك؟؟..
قال فارس وهو لايزال محتفظا بابتسامته: بلى سمعتك..
قال حازم وهو يعقد حاجبيه: ما بك تركت رجال الاعمال هكذا وابتعدت عن المكان؟..
قال فارس بهدوء: حتى ارى احوال عهد..
التفت الى عهد وقال: وما بها عهد؟.. انها على ما يرام كما ارى...
زفر فارس وهو يقول: انت لم ترى شيئا..
قال حازم باستغراب: ارى ماذا؟..
لوح فارس بكفه وقال: لا شيء.. لا شيء.. مابك واقف هكذا؟.. اجلس معنا ان اردت..
ابتسم حازم وقال: كان بودي حقا لكني جئت لاناديك حتى تكمل حديثك مع رجال الاعمال الذين تركتهم فجأة ..
جذبه فارس من ذراعه وارغمه على الجلوس على المقعد المجاور له.. وصوت حازم الذي يقول باستنكار: رويدك يا اخي..
قال فارس وهو يتطلع اليه بطرف عينه: ضقت ذرعا برجال اعمالك .. سنذهب لهم فيما بعد .. تناول انت طعام العشاء فقط ..
ابتسم حازم وقال وهو يسند ذقنه على قبضة يده: ومن يستطيع ان يقول لا؟..
ومد يده ليأخذ صحن الحساء من امام فارس وقال وابتسامته تتسع: دعني اتذوق هذا اولا..
ابتسمت عهد بالرغم منها وهي ترى نظرات فارس المستنكرة لحازم الذي اخذ طبقه.. والاول يقول: اذا كنت جائعا فاذهب واحضر لنفسك بدلا من ان تسرق طعام غيرك ..
قال حازم ببراءة مصطنعة: الم تدعوني بنفسك لتناول الطعام معك؟..وها انذا قد لبيت دعوتك ..
قال فارس بضيق: هناك فرق بين ان تتناول الطعام معي ..وان تتناول طعامي..
ضحك حازم بمرح وقال: لا ارى هناك اي فارق..
والتقط الملعقة ليتناول الحساء بكل تلذذ.. في حين قال فارس بحنق: اجل تناول طعام غيرك بكل استمتاع..
قال حازم وهو يشير بكفه باتجاه الطاولة الكبيرة المليئة بمختلف انواع الاطعمة: اولا كل هذا الطعام مقدم في منزلنا.. اي يعتبر طعامي.. وثانيا اذا اردت شيئا من الطعام فخذ من هناك ولا تخجل..
نهض فارس من مكانه وقال ببرود: وهذا ما سأفعله..
ونقل بصره بين حازم وعهد.. قبل ان يمضي مبتعدا في طريقه .. قابتسم حازم وهو يراقبه يبتعد قبل ان يلتفت الى عهد التي كانت تشرب العصير بصمت ويقول: كيف حال فرقة المقاومة؟..
رفعت حاجبيها بدهشة قبل ان تضع كأس العصير على الطاولة وتقول: أأخبرك فارس بأمرها؟..
اومأ برأسه وقال بعد ان تناول ملعقة اخرى من الحساء: اجل.. ففارس لا يخفي عني اي شيء.. تقريبا...
قالت عهد بابتسامة باهتة: اجل فأنت صديقه المقرب..
قال وهو يميل قليلا : هل لي بسؤال؟..
قالت وهي تلتفت باتجاهه بحيرة: تفضل..
قال متسائلا بعد تردد: لم اشتركت في فرقة المقاومة؟.. اعني.. كيف اتخذت قرارا كهذا بالاشتراك في فرقة المقاومة؟ .. وانت تعلمين اي خطر يتربص بك هناك.. هذا غير انك تعيشين بين مجموعة من الرجال..
تنهدت ومن ثم قالت: عندما يسيطر على ذهنك هدف ما فانك تفعل المستحيل لاجل تحقيقه..
قال وهو يعقد حاجبيه: لكن هدفك كان يشكل خطرا كبيرا على حياتك.. الم تفكري ان حياتك ستتغير تماما بعدها؟.. وانك قد...
قاطعته قائلة بهدوء: الله سبحانه وتعالى خلقنا مختلفين بشخصياتنا وافكارنا وحتى بردود افعالنا.. فهناك من يرى الظلم امام عينه ويفضل الصمت حتى لا يقع في اية مشاكل .. وهناك من يعبر عن حزنه بالدموع والآهات.. وهناك من يرفض ويحاول ان يفعل المستحيل لاجل ان يتحرر من هذا الظلم المستبد..
قال بحيرة: لكن الى متى ستظلين في فرقة المقاومة؟.. حتى تخرج بريطانيا من دولتنا مثلا؟..
قالت وهي تهز رأسها نفيا..وتشير الى نفسها: بل حتى اقتنع انني قدمت شيئا من اجل ان انتقم لاهلي..
قال مبتسما: من يراك لا يتوقع انك ذات الفتاة التي تقاتل..
هزت كتفيها دون ان تعلق.. وقالت بعد برهة صمت: اتعلم انني احسد فارس..
تطلع اليها مستغربا ورآها تتطلع الى فارس بشرود والذي يقف ينتظر دوره بملل في ذلك الصف الطويل عند طاولة الطعام..وقال متسائلا: تحسدينه؟؟..
اومأت برأسها وقالت وهي تسند وجنتها على راحة يدها: على الاقل لقد كان هناك احد بجواره عندما حدث له ما حدث.. لقد رمى بهمومه وحمله على احدهم.. ولقد وقف احدهم الى جانبه لحظتها وخفف من حزنه.. اما انا فلم اجد احدا بجواري.. لم اجد الا انتقامي يتضاعف في داخلي..
قال بهدوء: انت مخطأة..
التفتت له وفي عينيها تساؤل لعبارته.. فقال بابتسامة باهتة: انا لم استطع التخفيف عن فارس لحظتها..لقد جاء الى الشركة بعد اسبوع على ما اظن من وقوع الانفجارات.. لقد جاء وهو كله يأس من الحياة ورغبة في الهلاك.. صدقيني لقد جاءت كلماتي متأخرة له جدا.. لقد تمكن من ان يتحمل ذلك الالم وحده.. يتحمل مرارة فقدان الاهل ومن كانوا كل شيء في هذه الدنيا.. استطاع وحده ان يتجاوز محنته ومعاناته..
قالت وهي تشعر بغصة في حلقها: على الاقل وجد من يقف الى جواره.. وجد من يستطيع ان ينصحه ..من يرشده.. من سيظل معه وسيلازمه دائما..
قال حازم بابتسامة وهو يتطلع اليها: وانت ايضا لديك من يقف الى جوارك.. ومن ينصحك ويرشدك..
وقبل ان تسأله عن ما يقصد.. رأته يلتفت الى فارس ويتطلع اليه وهذا الاخير قد ازداد شعوره بالملل من وقوفه في صف الانتظار.. واخذ يدس اصابعه بين خصلات شعره بضيق.. وقال حازم مبتسما: انه فارس بكل تأكيد.. فارس الذي فعل المستحيل حتى يستطيع ان يجدك بين الملايين.. فارس الذي كان يشعر انك على قيد الحياة رغم انه كان يريد اقناع نفسه بالعكس.. فارس الذي بذل كل جهده حتى يصل اليك.. وانا معه بكل تأكيد..
قال جملته الاخيرة بمرح.. واردف قائلا وهو يلتفت اليها: صدقيني.. لو مررت على كل ركن من اركان الكرة الارضية .. لن تجدي من يخشى عليك ويهتم بك اكثر من فارس.. انا لم اره في حياتي يهتم بشخص ما كما يهتم بك.. لقد استطعت ان اعرف ان لك مكانة خاصة في قلبه حقا..
ارتفع حاجباها وقالت بابتسامة استخفاف: فارس.. ومكانة خاصة في قلبه.. مستحيل..
قال بابتسامة: اثبتِ انك ابنة عمه حقا.. انتما تتشابهان عندما ترفضان تصديق اي امر بسهولة.. خاصة ان كان يتعلق بالمشاعر..
غرست رأس الشوكة في قلب الفاكهة ربما لتمنع نفسها من التفكير في ما قاله حازم.. وربما لانها لا ترغب في سماع المزيد من مما يقوله عن فارس.. ورأت هذا الاخير مقبلا وفي يده صحن حساء آخر ويتطلع الى حازم بتهديد قائلا: ان لامست اصابعك طرف الصحن فقط.. فاعلم انك لن تجد ذراعك في مكانها في نهاية الحفل..
قال حازم بمرح: هل يمكن ان اقوم بامساك صحنك بالمنديل اذا؟..
قال فارس وهو يحتل مقعده من جديد: سخيف جدا..
ومن ثم اردف بعد لحظات وهو يتناول الحساء من طبقه: عما كنتما تتحدثان؟..
كادت عهد ان تجيب لكن سبقها حازم وهو يقول بابتسامة: عنك..
ظن فارس ان حازم يسخر منه.. فرمقه بطرف عينه قبل ان يواصل تناوله للطعام.. لكن ما لبث ان سمع حازم يقول في سرعة وهو يتطلع الى ساعته: هيا .. هيا علينا ان نذهب ونتفاهم مع رجال الاعمال.. قبل ان يغادروا الحفل..
قال فارس وهو يعقد حاجبيه: الم تقل انهم سيبقون حتى نهاية الحفل؟..
قال حازم في سرعة: بعضهم يغادرون مبكرا.. لالتزامهم بالاعمال.. انت تعرف عادات رجال الاعمال بكل تأكيد..
قالت عهد وهي ترى حازم يجذب فارس من ذراعه: دعه يكمل طعامه على الاقل..
قال حازم بابتسامة: يكفيه ما أكل..هيا الآن..
قال فارس وهو ينهض من مكانه: حسنا .. حسنا.. لكن عهد ستأتي معنا هذه المرة..
قال حازم وهو ينهض من مكانه بدوره: حسنا.. فلتأتي معنا..
نهضت عهد من مكانها معهم.. ليتوجهوا جميعا نحو عدد من رجال الاعمال.. متفاوتي الاعمار.. بعضهم في الاربعينيات والخمسينيات.. وبعضهم من فئة الشباب..
وما ان اخذ فارس يتفاوض معهم.. حتى اقبل شاب ليقف بجوار احد الرجال الذي يبدوا عليه انه في الاربعينيات من العمر.. ودار بنظره بين الواقفين .. حتى استقرت على عهد اخيرا.. وارتسمت ابتسامة على شفتيه وعيناه تتطلعان اليها..
اما عهد فما ان شعرت بشخص يتطلع اليها .. حتى التفتت اليه لتعرف من هو.. وما ان لمحته حتى وجدت نفسها تلتفت الى فارس وتقول بضيق: دعنا نبتعد عن هذا المكان..
التفت لها فارس مستغربا ليفهم سر نطقها لعبارتها تلك.. ورأى عيناها تتطلعان لجهة ما بحنق قبل ان تعود وتنظر اليه.. فالتفت الى حيث كنت تتطلع.. ورأى ذلك الشاب الذي كان يقف معها قبل قليل.. فعقد حاجبيه بضيق.. وامسك بكفها ليقربها منه.. ثم التفت الى حازم وقال بهدوء: سأغادر الآن..
القى حازم نظرة سريعة على ساعة يده قبل ان يرفع رأسه ويتطلع الى فارس قائلا بدهشة: لا يزال الوقت مبكرا.. لا داعي لذهابك الآن..
قال فارس بضيق: لقد تحدثت بما فيه الكفاية مع بعض رجال الاعمال.. بالاذن الآن..
قال حازم وهو يتطلع اليه بحيرة من موقفه: كما تشاء.. وشكرا لك لقدومك لحفل العشاء..
قال فارس بابتسامة: بل شكرا لك لدعوتك لنا لهذا الحفل..
والتفت الى عهد ليقول: هيا..
اومأت برأسها وابتعدت مع فارس في طريقهما لمغادرة المنزل..وقد شعرت بالغرابة من موقف الاخير بمغادرة هذا الحفل بأكمله من اجل طلبها بالابتعاد عن المكان فحسب...
#######
توقف اولئك الثلاثة بجوار منطقة تنتشر بها الاشجار بشكل عشوائي.. وتلفت احدهم حول المكان بحذر.. قبل ان يقول: اظن بأن مكاننا مناسب لنراقب من هذا المكان..
قال آخر وهو يتطلع نحو نقطة ما: نحن نبعد حوالي المائة متر عن المبنى البريطاني..
قال الاول وهو يومئ برأسه: اظن ان حراستهم لا تمتد لأكثر من ذلك..
واردف وهو يلتفت للفرد الثالث: وانت.. لماذا جئت معنا؟.. الا تعلمين ان وجودك سيعيقنا؟..
ارتفع حاجباها وقالت بغرور: لا تنسى انني شرطية مثلك تماما.. وقد خضت ذات التدريبات التي خضتها انت يا ايها الرائد.. وامر آخر ايضا.. وهو ان القائد هشام بنفسه هو من طلب منا نحن الثلاثة مراقبة المكان من بين كل المتطوعين لهذه المهمة..
قال وهو يحك شعره بضيق: اعلم.. لكن وجودك فيه خطر على حياتك.. انت تعلمين الامر ليس كالتدريبات.. بل هو اخظر بكثير.. ثم القائد كان بحاجة لأفراد لديهم الخبرة في المراقبة.. ولم يكن عليك ابدا الانضمام الينا..
قالت وهي تخرج مسدسها من حزامها: لا تقلق علي ياغسان .. فمعي هذا ..
قال بضيق: وكأن هذا ما سيحميك..
قالت بابتسامة: انا لم اشترك في فرقة المقاومة.. الا لخوض المهمات.. وليس لتطلب مني البقاء في المنزل لطبخ الطعام لافراد الفرقة..
ابتسم قائلا: فكرة جيدة.. افضل من تعريض نفسك للموت ..
كادت ان تعلق على ما قاله.. لكن يد جهاد التي ارتفعت طالبا منهما الصمت .. جعلهما يلتفتان بشدة اليه ويقول غسان متسائلا: ما الامر؟..
قال وهو يضيق عينيه: هناك احد الحراس.. انه يقترب من هذا المكان..
التفت غسان وكذلك غادة الى حيث ينظر.. ولمحا احد الحراس وهو يقترب حقا من المكان ويسير بخطوات مدروسة حول المكان.. وسرعان ما تبعه آخر قادم من المنطقة الشرقية..
قال غسان لحظتها: انهم يراقبون المنطقة باكملها.. لكن لا اظن ان مراقبتهم تشمل منطقة وجودنا..
قال جهاد بحزم: لا يمكنك ان تجزم.. علينا مراقبتهم جيدا اولا.. وبعدها يمكننا ان نعرف تحركاتهم..
قال غسان وهو يعقد حاجبيه: انت تعني ان نفترق وان يراقب كل منا منطقة على حدة.. اليس كذلك؟..
اومأ جهاد برأسه ايجابيا.. ومن ثم ما لبث ان قال: سأتخذ انا المنطقة الشرقية.. وانت يا غادة المنطقة الوسطى وانت يا غسان اتجه للمنطقة الغربية..
قال غسان بضيق: حسنا..
وقال في سرعة مردفا وهو يلتفت الى غادة: كوني حذرة يا ايتها المتهورة..
ابتسمت وقالت وهي تغمز بعينها: لا تقلق علي .. يمكنني ان انجح وحدي في هذه المهمة..
قال جهاد بهدوء: استمعوا الي .. المنطقة مراقبة.. غادة انت لن تتحركي من هذا المكان.. اما انا وغسان فنتجه على يمينك ويسارك.. غسان كن حذرا وانت تبتعد .. فالمكان مراقب كما ترى.. واخشى ان يشعروا بتحركاتنا..
قال غسان بجدية: ثق بي..
قال جهاد فجأة: هيا..
وبعدها انطلق كل منهما في اتجاه ليواصلا المراقبة من ذاك المكان.. واستمرت المراقبة على ما هي عليه.. رغم مرور الساعات على وجودهم في تلك المنطقة...
########
ما ان دخلت سوزي الى غرفتها حتى سمعت صوت هاتفها الذي اخذ يرن بالحاح شديد.. واسرعت اليه وهي تشعر ان المتصل هو مارك.. فهذا هو الوقت الذي اعتادت ان يتصل فيه.. وصدق شعورها.. وهي ترى ان اسمه يضيء على شاشة هاتفها المحمول...
وابتسمت بفرح وهي تجيب على الاتصال قائلة: اهلا مارك..
جاءها صوته حنونا مشتاقا وهو يقول: اهلا بك يا سوزي.. اشتقت اليك بأكثر مما تتصورين..
قالت وهي تتجه نحو مرآة الغرفة وتبتسم: وانا كذلك.. اتلهف لرؤيتك في كل يوم..
قال متسائلا: الا استطيع ان اراك حقا؟..
قالت سوزي بابتسامة واسعة: بلى تستطيع..
قال بلهفة وسرعة: متى؟؟..
قالت بمرح: انها مفاجأة.. سأرسل لك رسالة قصيرة يومها .. اخبرك فيها ان تنتظرني في مكان ما.. وبالتأكيد لن يشك احدهم بالامر.. فملامحك بريطانية .. واذا حدث وسألني احدهم سأقول انك صديق لي منذ ايام الدراسة...
قال بابتسامة واسعة: صديق فقط؟؟..
قالت في سرعة: لحظة واحدة..
وتركته ينتظر لتخلع هي المعطف الطبي الذي ترتديه فوق ملابسها.. ومن ثم عادت لتتحدث اليه قائلة: ماذا قلت؟..
قال بخبث: اجل .. قومي بالتمثيل الآن على انك لم تسمعي ما قلته لك منذ لحظات..
قالت مبتسمة: سمعتك تتسائل ان كنت صديق فقط.. وانت تعلم جوابي على هذا السؤال.. الذي تسأله للمرة المئة..
قال وهو يتنهد: ولو سألته مليون مرة .. فلن يكفيني هذا لمعرفة مقدار حبي لك..
ضحكت وقالت: مجنون...
ابتسم وهو يستمع الى ضحكتها .. ولم يعلم لم خطر على ذهنه في هذا الوقت تحديدا.. طلب هشام له.. ان يحاول استدراجها في الحديث حتى تخبره بأي تحركات قادمة للجيش البريطاني.. لكنه ليس هكذا.. هو ليس حقيرا ليستغل مشاعرها من اجل مصلحته.. كما وان سوزي ليست غبية لتمده بأي معلومات وهي تعلم مسبقا انه من اعضاء فرقة المقا....
(مارك.. مارك.. الا تسمعني؟)
افاق مارك من افكاره على صوتها وقال في سرعة: بلى اسمعك.. ولكني شردت قليلا..
قالت مبتسمة: واين وصلت؟..
قال بحب: اليك.. وهل يوجد سواك لأفكر بها؟..
قالت وهي ترمي بنفسها على السرير وتداعب خصلات شعرها: اتعلم انني اتخيلك احيانا تأتي الي .. وتختطفني من هذا المبنى.. لنعود الى بريطانيا.. ونحيا بهدوء وراحة هناك..
قال مارك وهو يلتقط نفسا عميقا: ليت الزمان غير هذا الزمان.. لكن سيأتي هذا اليوم قريبا.. وسأختطفك حقا.. لنغادر ونعود الى بريطانيا ونتزوج هناك..
ابتسمت بحب وقالت: متى؟.. فقط متى؟..
قال مارك بحنان: عندما تتحسن الاوضاع.. وتهدأ الحرب قليلا..
قالت بحزن وخيبة امل: ان كنت تنتظر انتهاء الحرب.. فستنتظر طويلا..
قال مارك بجدية: لا تنسي انك جندية لديهم.. ولن يمكنك ان تغادري المبنى او تسافري الا في ظروف طارئة فحسب..
قالت سوزي وهي تعقد حاجبيها بتفكير: فكرت في اكثر من حل لهذه المشكلة.. واول ما فعلته هو انني قدمت لطلب اجازة.. ولو تم الموافقة عليها.. فسأعود الى بريطانيا ..وستكون انت معي حينها..
قال مارك وهو يحاول ان يضعها في الصورة: انت لم تفهمي بعد.. ان الامر اكبر من هذا.. سوزي انا من عائلة مسلمة .. ووالدتي عربية الاصل.. اتتوقعين ان يوافق مدير الجيش على زواجك من شخص كهذا؟.. انت الاعلم ان الجنود لا يمكنهم الزواج من اي شخص كان.. وانهم سيسألون عني بكل تأكيد وسيتقصون حول عائلتي.. وسيكتشفون ان لي اخ من هذه البلاد.. وعندها قد لا يوافقون على...
قاطعته قائلة بحدة: بل سيوافقون.. ليس لهم اي حق في اختيار حياتي.. بل انا من يختارها..
- حياة الجنود امر آخر يا سوزي وانت الاعلم بهذا الامر..
قالت وهي تشعر بالدموع تترقرق في عينيها وغصة مرارة تملأ حلقها وتخنق حروف كلماتها:ماذا تعني؟.. ما الذي تريد ان تقوله؟.. اننا.. اننا لن نلتقي ابدا مرة اخرى.. لن نعيش كأي شخصين طبيعيين احبا بعضهما وحلما في اللقاء وان يكونا معا الى الابد.. اننا .. لن نتزوج ابدا..ولن....
تلاشت حروفها مع تلك الدموع الذي سالت على وجنتيها وصوت شهقاتها الذي وصل الى مسامع مارك الذي قال محاولا ان يهدئها وهو قد لاقى الامرين وهو يحاول ايجاد حل لهذا الامر: سوزي.. اهدئي ارجوك.. لا تبكي.. سوزي دموعك اغلى من ان تذرفيها .. سأجد حل.. سأحاول ان اجد حل..
قالت وهي تلتقط نفسا عميقا محاولة كتمان صوت شهقاتها: لكن.. انت قلت ان كل السبل مغلقة في طريقنا.. لن يمكننا ان نكون معا الى الابد كما حلمنا طويلا ودائما...
قال مارك بعد تردد: هناك طريقة .. ولكن.. اعلم انك سترفضينها..
قالت بصوت متحشرج وهي تمسح دموعها باناملها: قل ما لديك.. وسأقرر بعدها ما سأفعله..
قال مارك بعد ان حسم امره: انت تعلمين ان بوجودك في المبنى البريطاني اضحى من المستحيل زواجنا.. لهذا.. فقد قررت.. اعني بعد ان توافقي.. ان تعودي الى الفرقة لكي تبتعدي عن انظارهم.. وبعدها يمكننا ان نتزوج وتنتهـ...
قاطعته سوزي بتوتر: ماذا؟.. اعود؟.. لكن لا.. لست ارغب بالعودة.. انا مكاني هنا.. وسط ابناء وطني.. انه مكان عملي.. افهمني يا مارك.. لا يمكنني ان اهرب واعيش حياتي بعيدة عن اهلي ووطني..
قال مارك بجدية: انا لم اطلب منك الابتعاد عن اهلك او وطنك.. الامر ينحصر في ترك عملك..وبعد فترة سنة او اقل.. سينسون امرك وقد يعتبرونك مفقودة او مخطوفة.. وبعدها يمكنك العودة الى وطنك واهلك.. يمكننا ان نسافر الى بريطانيا.. للقاء اهلك...
قالت سوزي بقلق وهي تشد باصابعها على الهاتف: الامر اصعب مما تظن يا مارك.. مثلا لو فعلت ما قلته.. وتم كشف امري بعدها.. سأكون متهمة بالخيانة...وقد يتم الحكم علي باقصى العقوبة.. لانني مجندة لديهم كما تعلم ..ولو حاولنا السفر فالاوراق الرسمية كلها ستثبت لهم انني سوزي الهاربة بارادتها.. والتي تريد ترك هذه البلاد والهرب من جديد..
قال مارك وهو يزفر بحدة ويشد خصلات من شعره بقهر: لم اعد اعرف ما علي قوله.. ان كان السفر بأوراق رسمية مزيفة او عدم السفر حتى تنتهي هذه الكارثة وتهدأ الاوضاع .. لكن في الحالة الاولى اخشى ان يكتشفوا الامر وتقعين في مشاكل بسبب افكاري الحمقاء.. اما في الحالة الثانية.. فــ...
بتر عبارته وازدرد لعابه قبل ان يقول بصوت يائس تقريبا: فأخشى ان يطول انتظارنا كثيرا..
قالت سوزي وهي تعتدل في جلستها وتحاول التفكير: سأحاول قدر الامكان الاستقالة من عملي.. بأي عذر كان.. وبعدها لن يكون لأي شخص كان الحق بالتحكم في مصيري...
قال مارك وهو يشعر انه يتمسك بالامل الاخير له: حاولي يا سوزي.. ارجوك حاولي.. انه املنا الاخير في ان نعيش كأي اشخاص آخرين في هذا العالم.. انه املنا الاخير لنكون معا الى الابد.. وان نتوج حبنا بالزواج الذي لطالما حلمنا به ورسمنا حياتنا القادمة عليه....
#########
تنهدت عهد وهي ترى نفسها بثيابها القديمة ذاتها.. لقد عاد الوضع كما كان عليه.. وعادت عهد الفتى الذي يقاتل في فرقة المقاومة.. متجاهلة طبيعتها كفتاة وكأنثى قبل كل شيء ...
زفرت بضيق وهي تمسك رأسها بتعب.. قبل ان تتذكر هاتفها بغتة وتلتقطه من جيب سترتها.. واتسعت عيناها وهي ترى اربع مكالمات لم يتم الرد عليها من ألكس .. وسبع رسائل قصيرة.. فتحت اولى الرسائل والتي كان يقول فيها.. (كيف حالك؟.. اشتقت اليك)..
ابتسمت بألم وحزن وفتحت الرسالة الثانية التي كانت تقول..(أأنت بخير يا عهد؟).. شعرت بمشاعرها تتحرك وهي ترى اهتمامه الكبير تجاهها.. وفتحت الرسالة الثالثة والتي كان يقول فيها..(عهد لم لا تجيبين؟.. لقد مرت نصف ساعة على آخر رسالة ارسلتها لك.. هل انت على ما يرام؟.. ام انك لم تستطيعي الرد على رسالتي؟)...
قررت فتح الرابعة بعدها مباشرة ووجدته يقول فيها (اجيبي علي يا عهد.. ولا تتركي الافكار تأخذني بعيدا.. على الاقل اخبريني انك بخير).. والخامسة التي كانت يقول فيها.. (اجيبي على اتصالي يا عهد.. لقد بدأت اشعر ان هناك شيء ما قد حدث)..
ابتسمت عهد ابتسامة باهتة وهي تقول محدثة نفسها: يبدوا انني اثرت قلقه بما فيه الكفاية.. الم يفكر انني ربما لم استطع الاجابة عليه.. بدلا من قلقه علي وعلى ان لا اكون بخير..
وفتحت الرسالة السادسة والتي كان يقول فيها ( لقد تأكدت يا عهد ان الجنود لم يستطيعوا القبض عليك.. اذا ماذا هناك؟؟.. اجيبي علي ولا تتركيني في حيرتي ارجوك).. اما رسالته الاخيرة فقد كان يقول فيها ( لقد فقدت الامل بأن تجيبي علي.. لا اعلم ظروفك.. لكن كان بامكانك اخباري لو انك كنت بخير.. لا اعلم هل انت تتجاهليني؟.. او انك لست على ما يرام.. بدأت الافكار السوداء تشغل ذهني.. ولم اعد استطيع التفكير او العمل.. ارجوك لو كان بامكانك فعل اي شيء لي .. فاتصلي بس فور عودتك قبل ان اجن)..
ابتسمت عهد بحنان.. اين ستجد من يهتم بها مثله؟.. اين ستجد من يقلق عليها كألكس؟.. اين ستجد من يضحي بكل شيء من اجلها مثله؟.. وربما لان قلبها يحمل بعض المشاعر له.. وجدت يدها تضغط على زر الاتصال به متناسية انها بالشقة مع فارس.. وانه قد يسمعها تتحدث الى احدهم ..
وانتظرت سماع صوته بلهفة.. ربما لتشكره على اهتمامه وقلقه عليها.. او ربما لتعتذر منه لانها تركته في دوامة افكاره دون ان تجيبه ولو برسالة..
وسرعان ما اتاها الجواب بصوته وهو يقول في اندفاع ولهفة واضطراب: عهد.. هذه انت يا عهد؟..انت بخير اليس كذلك؟.. اجيبي بأنك كذلك .. ارجوك اجيبي ولا تتركيني ضحية لتلك الافكار..
قالت عهد بصوت اقرب الى الهمس: ألكس.. انا بخير .. لا تقلق.. ولا تشغل ذهنك بي..
شعر بالسعادة والراحة لانها بخير.. وارتسمت ابتسامة سرور على شفتيه.. لكن وجد نفسه يقول بحدة معاتبا: اذا لماذا تركتيني عرضة لافكاري؟.. لماذا لم تجيبي علي ولو برسالة واحدة؟.. ايعجبك ان اكون بهذه الحال؟.. انا لم استطع العمل او النوم حتى..
قالت عهد وقد شعرت ببعض الارتباك من حدته: انا آسفة.. لكن.. نسيت هاتفي في مكان ما وغادرت هذا المكان بعدها..
قال وعيناه متسعتان: ماذا؟؟.. نسيت هاتفك؟.. اي عذر هذا؟.. وانا هنا اكاد اجن قلقا عليك.. وفي النهاية يكون الامر هو انك نسيت هاتفك فقط..
قالت عهد بصوت خفيض: وكيف لي ان ادرك انك كنت تتصل بي او ترسل لي؟.. لقد كنت مغادرة للمكان.. ولقد نسيت الهاتف وهذا ما حدث..
قال بعصبية: كنت تعلمين اني سأرسل لك كما افعل كل يوم لأطمئن عليك.. هذا ليس عذرا ابدا..
قالت عهد بحدة وهي تحاول ان تخفض صوتها قدر الامكان: وبعد؟.. ماذا كنت سأفعل؟.. سأرسل لك رسالة من هاتف احدهم لأطمئنك علي ام سأحاول الاتصال بك من اي هاتف عمومي امام الجميع واحدثك لكي تطمئن علي؟..
قال ألكس بقهر: كلا.. الافضل ان تتركيني انا هكذا.. افكر واقلق وحدي عليك حتى اجن.. وانت مرتاحة البال..
قالت عهد وهي تزفر بحدة: ومن قال اني كنت مرتاحة البال؟.. لقد كنت واثقة انك سترسل لي وستتصل بي.. لكن.. كما تعلم ما باليد حيلة..
قال بعد فترة صمت: عديني..
قالت وهي تلتقط نفسا عميقا: بماذا اعدك؟..
قال بابتسامة باهتة: عديني الا تنسي هاتفك مرة اخرى.. وتتركيني اقلق عليك بهذا الشكل..
قالت وهي تتنهد: اعدك...
واردفت وكأنها تذكرت للتو انها في شقة فارس ومعه.. وانه قد يسمعها في اية لحظة: والآن علي ان انهي المكالمة..
قال ألكس بخيبة امل: على الرغم من اني لا اريد ذلك.. لكن سلامتك اهم.. تصبحين على خير...
قالت بابتسامة شاحبة: تصبح على خير.. الى اللقاء..
انهت المكالمة وهي تتنهد.. الى متى سيظل الحال على ما هو عليه بينهما؟.. ولماذا تنقاد خلف مشاعرها في كل مرة؟.. الم تتخذ قرارا ان توقف تلك المشاعر التي كانت بالوقت والمكان الخطأ وللشخص الخطأ ايضا..لا اعرف اي قلب احمل في صدري.. هذا القلب الذي لم يتحرك الا لأجل عدو .. عدو كان سببا في مقتل الكثيرين.. لكني حمقاء .. حمقاء ...
قطع افكارها صوت طرقات حادة على الباب ..فقالت وهي تضع هاتفها في جيب سترتها: حسنا.. انا قادمة..
وتحركت تجاه باب الغرفة لتفتحه وهي تدرك مسبقا ان فارس هو من خلفه وقالت بهدوء: لقد انتهيت..
لاحظت ان فارس لم يجبها على عبارتها ولم يعلق عليها.. على الرغم من وقوفها امامه .. وانه لم يتحرك من مكانه حتى تغادر الغرفة.. ورفعت رأسها اليه وهي تقول: فارس ما...
ولم تستطع ان تكمل عبارتها وهي ترى الغضب مجسدا في عينيه.. وبصوت حاد ملأته الصرامة قال: من ذا الذي كنت تحدثينه يا عهد؟؟...
واتسعت عينا عهد بقوة وخوف.. وخفق قلبها بعنف وهي تخشى ان يكون قد اكتشف امرها .. وبعدها ستكون نهايتها حقا...
:
:
يتبع..
 
بــ الحب(34) والواقع ــين
::الحقيقة::

تطلعت عهد بخوف الى فارس الذي تطلع اليها بغضب شديد منتظرا جوابها.. والاولى تزدرد لعابها بخوف وقلق من ان يكون قد سمع مكالمتها حقا..وتراجعت بالرغم منها خطوة للوراء وهي تحاول قدر الامكان ان تستجمع شجاعتها وتنطق بأي كلمة...
وفارس الذي وجد ان صمتها قد طال .. امسك ذراعها فجأة وقال بغضب: قلت من الذي كنت تتحدثين معه يا عهد؟؟...
قالت وهي تعض على شفتيها: فارس .. ما بك؟..
قال بعصبية وهو يضغط على ذراعها: انا الذي اسأل هنا.. اجيبيني الآن.. من الذي كنت تتحدثين معه؟..
قالت بتوتر وارتباك: انه..انه...
قال بعصبية اكبر: اجيبي يا عهد.. ولا تجبريني على فعل ما لا يعجبك..
لم تعلم عهد بم تجيب.. لقد سمعها تتحدث الى احدهم.. وهو يعلم مسبقا ان لا احد تبقى لها من اهلها سواه.. اذا ما الحل؟.. بم تجيبه؟.. لقد سمعها تتحدث وبلغة انجليزية الى...
قاطعها وهو يهتف فيها بانفعال: لم تصمتين الآن؟.. اخبريني الى من كنت تتحدثين والا اقسم على ان تندمين يا عهد..
رفعت راسها اليه وقالت بعد تردد: لقد كنت اتحدث الى.. الى...
استمع اليها بترقب منتظرا ان تكمل عبارتها.. وقالت اخيرا وهي تشيح بوجهها عنه: الى ..سوزي..
تراخت يده الممسكة بذراعها وقال بعدم استيعاب: سوزي؟..
اومأت برأسها وقد كرهت نفسها لانها بات الكذب لديها وسيلة لحمايتها.. وقال فارس في تلك اللحظة وهو يضيق عينيه بشك: ولم اتصلت بك سوزي؟..
قالت وهي تزدرد لعابها وتحاول ان تضفي على صوتها ثقة وشجاعة: لانها.. ارادت ان تبلغني ان الجنود يبحثون عني في كل مكان.. وطلبت مني ان اتوخى الحذر...
تطلع اليها فارس لفترة تزيد على الدقيقة ومن ثم قال ببرود متعمد: على الرغم من اني اشك في ما قلته.. لكن سأترك الامر يمضي على خير.. لاني اريد هذا.. لكن اقسم لو انني سمعتك تتحدثين الى احدهم مرة اخرى.. فلن اترك الامر يمر مرور الكرام ..
واردف وهو يلتفت عنها ويمضي في طريقه: والآن هيا..
اسرعت تلحق به وهي لم تصدق انه قد تركها وشأنها ولم يحاول التأكد من الامر بنفسه.. حمدلله ان الامر قد مر على خير.. والا لكانت نهايتها اليوم حقا...
وسارت معه بعد ان خرجا من الشقة ليتوجهوا نحو المصاعد.. وهناك سألته عهد بتردد: فارس.. الى اين سنذهب؟..
تطلع اليها بطرف عينه وضغط على زر المصعد.. ومن ثم قال : والى اين في رأيك؟.. الى فرقة المقاومة بكل تأكيد..
تنفست الصعداء .. كانت تخشى ان يرغمها على البقاء هنا.. او الذهاب الى اي مكان كان.. لانه رافض فكرة بقاءها في فرقة المقاومة.. ولكن يبدوا انه قبل بهذا الامر اخيرا..
قال فارس بغتة عندما وصل المصعد.. وكأنه قد قرأ افكارها: لا تفرحي بهذا الوضع كثيرا .. فلن يطول الامر..
قالت وهي تراه يدخل الى المصعد: ماذا تعني؟..
صمت ولم يجبها.. فدخلت من خلفه وشاهدته يضغط زر الطابق الارضي.. فأعادت اليه سؤالها قائلة: ماذا تعني بقولك ذاك؟..
قال وهو يهز كتفيه: لن يطول الامر حتى يعرفوا بالحقيقة.. اعني كذبك..
فهمت ما يرمي اليه وقالت وعيناها متسعتان: لا تقل لي انك ستخبرهم.. لقد وعدتني ان لا تفعل و...
قاطعها قائلا وهو يعقد ذراعيه امام صدره: لن افعل.. لكن سيكشفون الامر وحدهم.. صدقيني..
قالت وهي تخرج من المصعد الذي وصل للتو للطابق الارضي: اذا لم تخبر انت احد.. فلن يحدث شيء..
ابتسم ابتسامة غامضة قبل ان يقول وهو يخرج من المصعد بدوره: من يدري؟.. ربما غيري يفعلها..
عقدت حاجبيها وهي تسير الى جواره قائلة: غيرك؟؟..
قال فارس بهدوء: اعني تلك الفتاة.. التي تنظر اليك بنظرات غريبة..
قالت عهد بلا مبالاة: انها لا تعلم بشيء ابدا.. ربما مستغربة من وجود شاب صغير السن بينهم فحسب..
قال فارس وهو يغادر مبناه: لا اظن ذلك..
واردف محدثا نفسه: ( بل اشعر انها تخفي امرا ما خلفها.. وربما تكون هي السبب في معرفتهم لحقيقة عهد.. ربما)
##########
بعد مرور خمس ساعات .. فهم خلالها كل من جهاد وغسان وغادة عن تحركات الحراس في المنطقة.. وادركوا وقت تغيير الحراسة ايضا.. ولمحت غادة جهاد يشير لهم بالقدوم الى مكانه.. فاسرعت تشير الى غسان .. الذي لمح حركة يدها وتقدم منها في سرعة متسائلا: ما الامر؟..
قالت وهي تشير الى جهاد بطرف يدها: جهاد يشير الينا بالقدوم اليه..
لمح غسان جهاد الذي ينظر ناحيتهم ويشير لهم بالقدوم اليه.. واسرع كل من غادة وغسان اليه.. وسمعا الاول يقول بصوت منخفض: اظن ان الخمس ساعات تعد وقتا كافيا لمراقبتنا لهذا المكان.. سنكمل غدا.. وخصوصا وان الوقت قد تأخر..
واردف وهو يتطلع اليهما: لقد ادركتما تحركاتهما بكل تأكيد.. ووقت تبديل الحراسة.. صحيح؟..
اومأ غسان برأسه ايجابيا.. اما غادة فقد قالت وهي تسند ظهرها لجذع الشجرة: اجل.. ولكن اليس من واجبنا ان نواصل مراقبة المكان وخصوصا وان...
قطع عبارتها ملامح جهاد التي توحي بالحذر والجدية.. ودون ان تدرك ما حدثه وجدته يدفعها بعيدا..حتى انها كادت ان تسقط.. وقبل ان تفهم ما حدث وجدته يقفز بعيدا وهو يهتف بهم: ابتعدوا بسرعة..
لم تفهم غادة ما حدث.. وتطلعت اليه باستغراب.. اما غسان فقد استوعب الامر سريعا.. وامسك معصمها ليهربا من المكان.. وقالت غادة وهي تلتفت حولها: لكن جهاد.. لا يمكن ان نتركه..
قال غسان وهو يسرع في خطواته: صدقيني يستطيع ان يتدبر امره وحده..
قالت غادة وهي تلهث من سرعتها في الجري: لكن ما الذي حدث بالضبط؟.. لم اشعر الا .. وجهاد يدفعني بعيدا..
قال غسان وهو يواصل جريه ويلمح اخيرا سيارته من بعيد: عندما استندت الى الشجرة.. تحرك غصن من اغصانها.. والتفت الينا احد الحراس.. وقد صوب البندقية تجاه المكان الذي كنت فيه.. ولهذا دفعك جهاد بعيدا.. و...
انبترت عبارته وضاعت مع صوت اطلاق النار الذي بدد سكون الليل.. وبث الرعب في قلب غسان وغادة.. وهذه الاخيرة تهتف بخوف: جهاد...
قال غسان وهو يسرع في خطواته ويشد من مسكته لمعصمها: سيكون بخير .. انا اثق بقدرته على الهروب منهم..
قالت بقلق وهي تسرع خلفه: ارجو هذا..
وسرعان ما وصلوا الى سيارته ليفتح غسان بابها ويحتل مقعد السائق.. اما غادة فقد احتلت المقعد الخلفي وهي تنتظر بقلق قدوم جهاد الذي طال.. وقالت وهي تزدرد لعابها: غسان.. اتظن انه بخير حقا بعد طلق النار ذاك؟.. ربما قد اصابوه او ربما...
قال غسان مقاطعا اياها بضيق: لا تتشاءمي.. سيكون بخير باذن الله .. لكنه يحتاج لبعض الوقت للمناورة قبل ان يصل الى هنا..
التقطت نفسا عميقا وقالت وهي تنظر من خلال النافذة: بدأت اشعر بالخوف..
قال غسان مبتسما وهو يتطلع اليها من مرآة السيارة: ربما انت لا تعرفين جهاد جيدا.. انه امهر رجل شرطة قادر على المناورة والهرب.. حمدلله انه لم يكن لصا والا لما استطاع احد القبض عليه..
ابتسمت غادة ابتسامة باهتة.. وعادت لتتطلع من النافذة منتظرة وصول جهاد بفارغ الصبر.. ربما تحمل نفسها مسئولية انكشاف امرهم.. لانها هي من استندت الى جذع الشجرة وتسببت بتحريك اغصانها وانكشاف موقعهم..
وتنهدت بصوت مسموع وهي تقول: ربما كان علي ان انفذ ما جاء في الرسالة حقا..
قال غسان متسائلا وهو يعقد حاجبيه: اي رسالة تلك التي تنفذين ما جاء فيها؟..
قالت غادة وهي تسند ذقنها الى كفها: رسالة قصيرة وصلت الى هاتفي اليوم.. تطلب مني عدم الاشتراك في المهمة.. وقد راودني الشك في ان تكون من احد افراد المقاومة.. او منك انت او جهاد..
ابتسم غسان وقال: من ملاكك الحارس ذاك.. هو نفسه الذي ارسل لك رسالة تحذير يوم الانفجارات.. صحيح؟..
اومأت برأسها .. فأردف قائلا: لكن ثقي بأنه ليس انا.. فلم ارسل اليك رسائل كهذه وانا استطيع ان احذرك شخصيا او اطلب منك اي امر دون ان يكون هناك غموض يغلف الموضوع؟..
قالت غادة متسائلة: ربما يكون جهاد اذا..
هز رأسه نفيا وقال: لا اظن.. واظن انه كان سيتحدث اليك مباشرة.. لو اراد تحذيرك او ان يطلب منك امر ما..
قالت بضيق: اذا من يكون؟..
قال غسان وهو يستدير بجسده لها ويتطلع الى المقعد الخلفي الذي تجلس فيه: ولم انت متضايقة؟.. لو اي شخص كان في مكانك لشعر بالسعادة.. اولا لأن هناك من يحذره من الاخطار التي تتربص به.. وثانيا لانه يهتم بأمره...
قالت غادة بضيق اكبر: لست متضايقة من الرسائل بقدر ضيقي من مجهولية صاحبها.. لا اريد ان اعيش في غموض هكذا.. فليعبر مرسل الرسائل عن نفسه وكفى.. لم يرفض حتى مواجهة الامر..
قال غسان وهو يعود ليتطلع الى ما امامه ويشعل المحرك استعدادا للانطلاق: ربما لا يريد ان يوضح لك انه مهتم لأمرك.. او ربما لا يريد ان تعرفي من يكون.. وله اسبابه في ذلك..
قالت غادة متسائلة بغتة: لم اشعلت المحرك؟.. لم يصل جهاد بعد..
قال غسان وهو يتلفت حوله: اظن ان بقاءنا هنا لوقت اطول.. سيثير حولنا الشكوك.. سأنطلق بعد خمس دقائق من الآن ان لم يصل جهاد..
قالت غادة بخوف: كلا.. انتظره افضل..
قال غسان وهو يتطلع الى ساعته: انت تعلمين ان بقاءنا هنا لوقت اطول قد يزيد الطين بلة.. وبدلا من ان يتم القبض على جهاد فحسب.. سيتم القبض علي انا وانت ايضا..
قالت غادة وهي تلتفت لتتطلع من النافذة بقلق على جهاد: انت قلت بنفسك انه قادر على الهرب.. اذا فلننتظره حتى يعود..
قال غسان وهو يتنهد: بلى قلت هذا.. ولكن ما ادراك ماذا حصل له الآن...
قالت غادة في سرعة: انه بخير بكل تأكيد..لم نسمع سوى طلقة رصاص واحدة وهذا معناه ...
قاطعها صوت فتح الباب المجاور.. فالتفت غسان بحدة وقلق وهو يتطلع الى من فتح الباب.. ومن ثم لم يلبث ان هتف وابتسامة سرور وراحة تعتلي شفتيه: جهاد..
قال جهاد وهو يلقي بجسده على المقعد المجاور: جيد انك لم تغادر.. ظننتك ستفعلها ان تأخرت...
قال غسان وهو يشير للمقعد الخلفي: كنت سأفعلها حقا لولا ان ترجتني غادة على ان لا اغادر ..
قالت غادة دون ان تبالي بكلامه وبسعادة: جهاد.. حمدلله انك بخير.. ما الذي حدث؟.. وكيف نجوت منهم؟..
قال جهاد وهو يسند رأسه لمسند المقعد: راوغتهم حتى وصلت الى هنا..
قال غسان وهو ينطلق بالسيارة: وماذا عن صوت اطلاق النار الذي سمعناه؟..
قال جهاد بهدوء: لقد اطلقوا النار ليعرفوا ان كان هناك من يختبئ في تلك المنطقة ام لا...لكن بالتأكيد لم يصلوا الى شيء بعد ان تركت لهم تذكار بالمكان..
قالت غادة متسائلة باستغراب: تذكار؟..
قال وهو يغمض عينيه: قطة .. تركتها تتجول في المكان.. حتى يعتقدوا انها السبب في تحرك تلك الاغصان..
قالت بحرج وهي تتذكر انها السبب فيما حدث: المعذرة فأنا من وضعتك في موقف كهذا..
قال جهاد وهو يتطلع اليها بطرف عينه: لا عليك.. كل ما حدث قضاء وقدر.. لابد ان نتقبله..
آثرت الصمت.. وفي داخلها كانت سعيدة لانه بخير.. ولم يستطيعوا القبض عليه او ان يصيبوه باذى.. ربما لانها كانت سببا فيما حدث له.. وانها لم تكن لتسامح لنفسها لو انه اصيب بمكروه ابدا...
#########
فتحت عهد عيناها بتعب وهي تتذكر احداث الامس.. كل شيء مر امام عينيها بسرعة البرق.. الحفل..فارس .. حازم.. واخيرا ألكس.. ومكالمتها له والتي كاد ان يكشف فارس امرها بسببها...
تنهدت براحة وحمدت الله انه لم يعرف احد ما حدث حتى الآن.. تدرك ان ما تفعله خطأ.. تدرك انه جنون.. لكنها اخذت تنقاد خلف مشاعرها متناسية هدفها في الانتقام لمن قتل والديها ...
ونهضت من مكانها لتتجه الى دورة المياه..وغادرتها بعد دقائق وهي تتنهد وتتلفت حولها باحثة عن فارس..قبل ان تتطلع الى ساعتها وتراها تشير الى التاسعة صباحا..
لكن عيناها وقعتا على غادة التي تنظر اليها بتمعن.. فزفرت بحدة والتفتت عنها.. وهمت بأن تبتعد عن المكان.. لولا ان سمعت غادة تهتف بها: عهد..
التفتت عهد اليها وقالت وهي تتهرب عنها بنظراتها: نعم.. ماذا هناك؟..
قالت غادة بابتسامة: صباح الخير..
قالت عهد ببرود: صباح الخير.. هل من شيء؟..
قالت غادة متجاهلة سؤالها: كيف حالك؟..
عهد التي استغربت اسألتها المتكررة قالت في سرعة: بخير.. عن اذنك..
اسرعت غادة تهتف بها: انتظر.. لدي اسئلة اود ان تجيبني عنها..
قالت عهد وهي تعقد ذراعيها امام صدرها: الا يوجد سواي هنا لتسأليه اسألتك تلك؟..
قالت غادة بابتسامة واسعة: فضلت ان اسألك انت ثم .. لم الخوف؟.. مجرد اسألة وستجيبني عنها..
قالت عهد وهي تهز كتفيها: عن اي خوف تتحدثين؟.. كل مافي الامر انني كنت اريد ان اتحدث الى فارس..
قالت غادة بهدوء: لقد غادر منذ الصباح.. الى عمله على ما اظن..
واردفت متسائلة وهي تقترب من عهد قليلا: صحيح نسيت ان اسألك.. كم عمرك؟..
قالت عهد مجيبة ببرود: عشرون عاما..
قالت غادة وهي تحاول ان تراقب ملامح عهد: ولم اشتركت في هذه الفرقة؟..
قالت عهد وهي تشعر بالحنق: لنفس السبب الذي دفعك للاشتراك فيها...
قالت غادة بهدوء: لا اظنه نفس السبب.. فقد اشتركت حتى اعيد الامان للوطن بعد ان تم تدمير مركز الشرطة..
قالت عهد وهي تزفر بضيق: ان كانت اجابتي ستريحك.. سأخبرك بأنني اشتركت للانتقام لمقتل والدي والدفاع عن الوطن.. والآن هل انتهت الاسئلة؟..
قالت غادة وهي تتطلع الى عينيها مباشرة: ليس بعد.. هناك سؤال آخر..
قالت عهد وهي تعقد ذراعيها امام صدرها بملل: وما هو؟..
مالت نحوها غادة وقالت بصوت خفيض بعض الشيء: لم تنام وحدك في الردهة على الرغم من ان الجميع ينام في الغرف؟ ..
ارتبكت عهد هذه المرة.. ولم يخف الامر على شرطية مثل غادة.. التي ابتسمت بانتصار.. اما الاولى فقد استدارت عنها وقالت وهي تحاول ان تهرب من الموضوع برمته: هذا ليس من شأنك..
برقت عينا غادة بمكر.. واسرعت في خطواتها حتى اصبحت في مواجهة عهد وقالت مبتسمة: اذا ظني كان في محله..
زفرت عهد بضيق قبل ان تقول: من فضلك.. ابتعدي عن طريقي.. ودعيني وشأني..
نزعت غادة قبعة عهد على حين غفلة منها وقالت وهي تتطلع اليها بنظرات متفحصة: وارتدائك لهذه القبعة اثبت لي صدق شكوكي ..
تطلعت اليها عهد بحدة.. قبل ان تختطف قبعتها من يد غادة وتقول بعصبية: لقد طفح الكيل.. دعيني وشأني يا آنسة..
ضحكت غادة بمرح .. قبل ان تقول وهي تميل نحو عهد: لا داعي للعصبية.. فلقد كنت اود التأكد من امر ما ليس الا ..
اعادت عهد ارتداء قبعتها.. وكادت ان تمضي في طريقها مبتعدة.. لكن العبارة التي سمعتها بعد ذلك من غادة.. جعلت رجليها تتجمدان في مكانهما ولا تقويان على الحركة.. وعيناها تتطلعان الى الفراغ بصدمة.. وعبارة غادة تعود لتتردد في اذنيها.. عندما قالت هذه الاخيرة مردفة بثقة: يا آنسة عهد...
#########
(طلبك مرفوض تماما)
قالها مدير الجيش البريطاني وهو يتطلع الى سوزي التي كانت تشعر بالقهر من جوابه.. وقالت متسائلة بضيق: ولم الرفض يا سيدي؟.. لقد شرحت لك ظروفي كاملة.. وانت تعلم اني الاحق بطلب الاستقالة...
قال مدير الجيش بجدية: بل انت من يجب ان تعلم اننا في وضع طارئ الآن لا يسمح لأي جندي كان بطلب الاستقالة .. وان كان يواجه ظرف شديد في حياته.. فيكتفي بالاجازات.. ثم انت الاعلم يا سوزي بحياة الجنود.. الاستقالة لا يمكن قبولها الا بعد مرور عدة سنين .. فيجب عليك ان تدركي هذا جيدا.. وان كان ولابد ان تسافري الى بريطانيا.. فأكتفي بطلب اجازة حتى يتم الموافقة عليها...
شعرت سوزي باليأس .. بالاحباط.. بأن الخيط التي كانت تتمسك به قد انقطع.. ولم يعد في يدها سوى ذرات هواء.. وشدت على قبضتها وهي تقول بضيق شديد: بالاذن اذا يا سيدي..
وغادرت المكتب .. وهي تشعر بضيقها يتضاعف ويكاد يكتم انفاسها...
#########
ازدردت عهد لعابها بارتباك وبصوت مسموع.. وهي تتطلع الى غادة وما قالته منذ قليل.. لقد كشفت امرها.. لقد اكتشفت انها فتاة.. هذا يعني ان ايامها في هذه الفرقة باتت معدودة.. هذا لو بقي لها ايام فيها...
لكن لا عليها ان تتماسك وان لا تضعف.. غادة ليس لديها اي دليل على كلامها.. ستنكر ما قالته.. ولن تستطيع فعل اي شيء لاثبات صدق قولها هذا..
وقالت محاولة ان تستجمع شجاعتها وثقتها: اي هراء تتفهوين به؟!...
قالت غادة بثقة وهي تتطلع الى عهد: ليس هراءا.. لقد كنت اتابع تصرفاتك كلما جئت الى هنا.. كنت اراك تتجنبين نظراتي اليك كلما نظرت اليك.. وهذا يعني انك تخفين امرا ما او...
قاطعتها عهد قائلة بحدة: تحدثي الي بشكل مناسب.. فلست فتاة لتحدثيني بهذه الطريقة...
اكملت غادة وكأنها لم تسمع اي حرف مما قالته عهد: حتى هذه القبعة التي ترغبين بها اخفاء ملامحك .. لم تتمكن من اخفاء صفاء بشرتك.. بعكس بشرة الرجال التي تكون خشنة ويكون واضحا فيها نمو شعيرات الشارب والذقن.. وكذلك...
بترت عبارتها وامسكت كف عهد على حين غفلة منها وكأنها تصافحها واردفت قائلة: وكذلك كفك.. التي انتبهت اليها منذ اول مرة صافحتك فيها.. فملمسها ناعم.. بعكس ايدي الرجال التي تتسم بالخشونة بفعل هوايات غريبة او بسبب اعمالهم.. بالاضافة الى صوتك التي تحاولين تغييره على الرغم من انه يبدوا انه صوت لفتى مراهق اكثر من انه لشاب في العشرين على حد قولك.. وهذه السترة التي تحاولين بها اخفاء نفسك وشخصيتك عن الجميع.. اليس قولي هذا صحيحا؟..
قالت عهد بعصبية: يكفي.. كفاك اوهاما وخرافات.. كلامك هذا ليس له اي وجه من الصحة .. انت تتخيلين اشياء غريبة.. دعيني وشأني من فضلك..
قالت غادة وهي تشير الى عهد بابتسامة ماكرة: وعصبيتك هذه خير دليل على ما قلته.. وان ما اقوله الآن يشكل عليك خطرا ان علم افراد فرقة المقاومة بأنك فتاة..
تلفتت عهد حولها وكأنها تخشى ان يسمعها احدهم.. اما غادة فقد اتسعت ابتسامة الانتصار التي على شفتيها وهي ترى عهد تتلفت حولها خوفا من كلامها.. وهذا ما جعل غادة تزداد تيقنا وتكاد تجزم ان عهد فتاة حقا.. وان ما كانت تظنه ليس مجرد افتراضات...
وقالت غادة وهي تميل نحوها بخبث: هذا بالاضافة الى انك تنامين في الردهة.. وهذا ينطبق على طبيعتك كفتاة.. تخشى النوم مع الرجال .. فلو كنت رجلا فما الذي يدفعك للنوم في الردهة وترك الأسرة الاكثر راحة من الاريكة التي تنامين عليها؟...
عضت عهد على شفتيها بقهر.. بعصبية وحنق.. لقد كشف امرها.. فما الذي تفعله؟.. لم يعد لها سبيل للهرب من ادلة غادة كلها.. وهذه الاخيرة تكاد تكون متأكدة من كل كلمة نطقت بها.. والا لما واجهتها وقالتها امامها.. فما الذي في يدها ان تفعله الآن؟.. كيف تتصرف؟..
وكورت عهد قبضتيها بشدة وقالت بصوت منخفض: والمطلوب مني الآن؟..
قالت غادة بابتسامة: جيد ..هكذا يمكننا ان نتفق.. بدلا من المكابرة او اللف والدوران.. اخبريني لم تفعلين كل هذا؟.. ولم اشتركت في فرقة المقاومة؟..
قالت عهد وهي تلتقط نفسا عميقا : لقد قتل والداي امام عيني.. ووجدت الانتقام يحركني للأخذ بثأرهما.. لكن عندما فكرت ان اشترك في فرقة المقاومة.. رأيتهم يرفضون اشتراك سيدة ما .. لمجرد انها امراة.. ولهذا غيرت شكلي وجئت الى هنا على انني شاب..
قالت غادة وهي تضيق عينيها: لكن هذا لا يعني ان تخدعيهم هنا.. وان تخدعي الجميع طوال هذه المدة بكونك شاب.. وتتركينهم يعاملونك على هذا النحو..
قالت عهد في سرعة: انا لم اقصد خداع احد.. كل ما في الامر اني اردت الانتقام لمقتل والدي والقتال معهم.. وادرك جيدا انهم لو عرفوا بالحقيقة لطردوني من فرقة المقاومة...
قالت غادة وهي تضع يدها اسفل ذقنها بتفكير: اتعرفين؟.. ليس معهم حق في طرد النساء القادرات على استعمال السلاح.. فأيضا لهم الحق في الدفاع عن الوطن.. لكن ليس لك الحق انت ايضا في اخفاء شخصيتك طوال هذه المدة..
قالت عهد بضيق: ما باليد حيلة؟.. لقد خشيت ان يتم طردي من هنا بعد ان يعلموا بالحقيقة...
قالت غادة بعد برهة صمت : تعالي معي..
واتجهت عهد لتجلس على الاريكة.. وطلبت من عهد الجلوس بجوارها.. فنفذت عهد ذلك.. وجلست الى جوارها.. وهي تشعر بالقهر من كل ما يحدث.. وبانكشاف شخصيتها امام احدهم .. وليس اي احد.. غادة التي هي شرطية تعمل تحت امرة هشام.. وقد تخبره بالحقيقة في اية لحظة..ووجدت نفسها تشيح بوجهها قليلا لتتطلع الى كفيها بصمت وتحاول ان تخفي توترها مما ستقوله غادة..
وقالت غادة اخيرا وهي تضع كفها على كتف عهد: استمعي الي.. انا لا اريد ان اضرك .. فأنا اولا فتاة مثلك .. واود الدفاع عن وطني.. وها انذا هنا .. بعد ان اثبت للجميع بأنني شرطية وبيدي الدفاع عن وطني تماما كما يفعل الرجال ...
قالت عهد وهي تلتفت لها : لكنك شرطية..
قالت غادة وهي تومئ برأسها: صحيح.. لكن انت ايضا اثبت للجميع خلال فترة بقاءك بينهم .. انك تتحلين بالشجاعة والقوة.. وقادرة على بذل حياتك في سبيل الدفاع عن وطنك.. وعندها لن يفرط فيك المقدم هشام.. صدقيني انا اعرفه.. فقط اخبريه بالحقيقة.. ولن يرفض بقاءك هنا.. او ان اردت سأخبره انا...
اسرعت عهد تقول باستنكار: كلا .. اياك ان تخبريه.. لا اريد لأحد ان يعلم بهذا الامر.. ارجوك.. دعيني وشأني.. سأتصرف كما يحلو لي في هذا الامر...
قالت غادة وهي تعقد حاجبيها: لكن الى متى سيستمر خداعك للجميع هنا؟.. ثم ان وضعك بينهم ليس صحيحا.. على الاقل لو اخبرتهم بالحقيقة.. يمكنك النوم في الغرفة الجانبية تلك و...
قاطعتها عهد وقالت وهي تقف من جلستها: من فضلك.. لا تتدخلي في هذا الامر.. معرفتك بالحقيقة.. لن تغير من الامر شيئا.. فدعيني وشأني .. دعيني اتصرف كما يحلو لي..واقرر ان كنت سأخبرهم ام لا..
استغربت غادة ردة فعل عهد في البداية ومن ثم لم تلبث ان قالت وهي تقف بدورها: انا لا اعرف كيف صمت ابن عمك ذاك عن موضوع كهذا.. هذا ان كان ابن عمك حقا.. ولم تكن خدعة جديدة منك...
صاحت عهد فيها بانفعال: ما الذي تعنينه بكلامك هذا؟.. لست انا من تخدع ابناء وطنها من اجل امور شخصية.. لقد ضحيت بكل شيء من اجل هذا الوطن..
واردفت وهي تعض على شفتيها بألم وتشيح بوجهها قائلة بصوت منخفض: لقد تخليت عن شخصيتي كفتاة.. تخليت عن حريتي في التفكير كفتاة.. وعشت كشاب هنا بين الشباب.. تحملت الخطر.. تحملت العذاب في المبنى البريطاني.. تحمل الذل والهوان.. وكل هذا من اجل الوطن..
وارتفع صوتها واحتد وهي تلتفت الى غادة من جديد وتقول مستطردة بعصبية وقهر: وبعد كل هذا تتهميني بالخداع.. كلا لست انا من يجب ان تصفيها بالخداع.. لست انا ...
قالتها واسرعت مبتعدة وهي تشعر ان غصة مرارة باتت تملأ حلقها.. اما غادة فقد شعرت بالاسى تجاه هذه الفتاة .. ومع هذا شعرت ان من واجبها عدم الصمت بعد ان اكتشفت الحقيقة.. عليها ان تخبرها لهشام وهو من سيتصرف.. لكن هل سيتقبل هشام حقا وجود عهد بينهم لو علم بالحقيقة؟... ربما...
:
:
يتبع...
 

بــ الحب (35) والواقع ــين
::خطة::


دلف فارس الى فرقة المقاومة وهو يبحث بعينيه عن عهد.. وفي كل زاوية تقع عيناه عليها.. فلم تكن كعادتها جالسة في الردهة وهذا ما اثار استغرابه وجعله يفكر في البحث عنها في غرف المنزل الاخرى.. فقد تكون في دورة المياه.. او في المطبخ.. وهذا ما جعله يفكر في ان يتجه ليبحث عنها بنفسه ..
وبينما هو كذلك ..وقعت عيناه على غادة الجالسة على اريكة في الردهة.. ويبدوا على وجهها ملامح التفكير العميق.. اتجه لها حتى يسألها عن عهد.. لكنه تراجع عن رأيه .. فهو لم يرتح لهذه الفتاة ولنظراتها لعهد في الآونة الاخيرة ابدا..
وابتعد عنها ليبحث عن عهد بنفسه.. اما غادة الجالسة على الاريكة تفكر في طريقة لاخبارهم بأمر عهد.. لكن في الوقت ذاته.. تشعر ان هشام لن يقبل بوجود عهد بينهم.. كيف لا؟.. هي بنفسها لم يقبل بوجودها الا بعد محاولات عديدة.. ولأنه واثق في مهارتها في استخدام الاسلحة وكشرطية..
لهذا تشعر انه قد لا يوافق على بقاء عهد معهم لو علم بحقيقة الامر.. وحتى وان وافق.. فلا تظن ان باقي افراد المقاومة سيرحبون بوجود فتاة بينهم..
عليها ان لا تتسرع .. ستفكر مليا قبل ان تقدم على اخبار هشام بالحقيقة.. ستحاول التلميح له في البداية واختبار ردة فعله.. ان كان وجود فتاة في هذه الفرقة مرحب به ام لا.. قبل ان تتسرع وتتسبب في كشف امر عهد وطردها من فرقة المقاومة...
وسرعان ما شعرت بأحدهم يقف على بعد عدة خطوات منها.. فرفعت رأسها اليه وقالت بهدوء: هل هناك شيء يا غسان؟..
قال بابتسامة: اجل.. سنذهب الآن.. لنكمل المراقبة...
قالت متسائلة وهي تقف من جلستها: واين جهاد؟..
قال وهو يتطلع بعينه تجاه الباب: ينتظرنا في الخارج..
قالت بهدوء: حسنا هــ...
بترت عبارتها وعقدت حاجبيها وكأن امرا ما طرأ على ذهنها.. ووجدت نفسها تتطلع الى غسان لبرهة.. وهذا الاخير استغرب نظراتها.. فقال متسائلا: هل من شيء؟..
قالت غادة بتردد: هل لي بهاتفك المحمول قليلا؟..
قال متسائلا بحيرة: ولم؟.. اين هاتفك؟..
قالت مجيبة: معي.. لكن فرغت بطاريته..
اخرج هاتفه من جيب بنطاله وقدمه لها .. في حين اسرعت هي تفتح نافذة انشاء رسالة.. وارسلت رسالة قصيرة الى رقم ما.. واسرعت تمسح الرسائل المرسلة من هاتفه..قبل ان تبتسم وهي تعيد هاتفه اليه قائلة: شكرا..
قال غسان وهو يستدير عنها: العفو.. والآن هيا لنذهب..
اومأت برأسها.. وتبعته مغادرين فرقة المقاومة حتى وصلا الى سيارة متوقفة بعيدا عن فرقة المقاومة وبداخلها يجلس جهاد صامتا.. فتقدمت غادة منها لتفتح الباب الخلفي وتحتل المقعد.. في حين احتل غسان المقعد المجاور لمقعد السائق والذي كان يحتله جهاد..
وما ان انطلق جهاد بالسيارة.. حتى اسرعت غادة تخرج هاتفها المحمول وتتطلع الى الرسالة التي وصلتها.. وابتسمت بمكر وهي تفتح الرسالة.. الآن ستعرف ان كان مرسل تلك الرسائل هو غسان ام لا...
لكن انعقد حاجباها وهي تلمح رسالتها ذاتها.. والتي ارسلتها من هاتف غسان منذ قليل الى هاتفها ذات رقم مختلف عن رقم ذلك المجهول .. ما الامر؟.. هل كان ظني خاطئا؟.. لقد توقعت ان يكون غسان هو مرسل تلك الرسائل..فهل اخطأت يا ترى؟.. رقم هاتفه يجعلني ادرك انه ليس هو ذلك الشخص المجهول كما كنت اظن..ولكن الا يحتمل ان يكون غسان يملك هاتفا آخر ذو رقم مختلف.. ويقوم بارسال الرسائل منه.. هاتف غير هذا الذي منحني اياه.. ربما.. لكن علي ان اتأكد من شيء آخر اولا...
واسرعت تقول متحدثة الى جهاد: جهاد هل لي بطلب؟..
اكتفى جهاد بأن رفع عينيه لها ليتطلع اليها من المرآة.. فقالت غادة مستطردة: هل لك ان تمنحني هاتفك قليلا؟..
قال غسان بمرح وهو يلتفت لها: ما الامر؟.. منذ قليل طلبت هاتفي.. والآن هاتف جهاد.. ان كنت تودين الحصول على ارقام هواتفنا فسنمنحك اياهم دون هذه الطرق الملتوية..
رمقته بنظرة متضايقة قبل ان تعود لتنظر الى جهاد قائلة: ماذا قلت يا جهاد؟..
اخذ جهاد هاتفه من درج السيارة ومد يده الى الخلف قليلا وهو يقول: تفضلي..
ابتسمت وقالت وهي تأخذه منه: شكرا..
واسرعت تضغط ارقام هاتفها لتتصل بنفسها من هاتف جهاد.. بعد ان تأكدت ان هاتفها على الوضع الصامت.. ولم تمض لحظات حتى رأت ان شاشة هاتفها قد بدأت تضيء وتنطفئ دليل على وجود مكالمة.. فانهت الاتصال.. ومدت يدها بالهاتف لجهاد قائلة: شكرا مرة أخرى..
اخذ جهاد الهاتف منها.. واكمل قيادة السيارة دون ان يهتم لسبب طلبها لهاتفه.. في حين استغرب غسان وقال متسائلا: هل من شيء يا غادة؟..
قالت في سرعة وهي تفتح تلك المكالمة التي لم يتم الرد عليها وتنظر الى الرقم بتمعن: لا .. لا شيء...
اخذت تتطلع الى الرقم وتقارنه برقم ذلك المجهول.. كانت الثلاث الارقام الاولى متطابقة.. لكن بقية الارقام مختلفة تماما.. وهذا ما جعلها تزفر بحدة وضيق وهي تهمس لنفسها قائلة: (اكاد اجن.. من يكون اذا ذلك المجهول؟.. من يكون؟)..
########
دلف فارس المطبخ على امل ان تكون عهد فيه.. وابتسم وهو يراها جالسة هناك .. وهم بأن يهتف بأسمها.. لكن حالها اثار استغرابه..
كانت جالسة خلف طاولة صغيرة بالمطبخ.. وهي تمسك جبينها بكلتا كفيها بتعب وارهاق..وتطرق برأسها بصمت ..حتى انه لا يكاد يلمح وجهها بسبب ذراعيها اللتان تخفيانه..
وتقدم لها وهو يقول متسائلا بحيرة: عهد.. ماذا بك؟..
لم تشعر عهد بوقوفه عند باب المطبخ كل ذلك الوقت.. كانت تريد ان تنفرد بنفسها بعد ان اكتشفت غادة شخصيتها ..لا تعلم ما مصيرها بعد هذا؟.. هل ستكشف غادة امرها للجميع؟.. ام ستنتظرها حتى تعترف هي بالحقيقة؟.. وان اخبرتهم فكيف ستكون ردة فعلهم؟.. بالتأكيد سيطردونها من فرقة المقاومة..
لكن ما اثارها حقا هو اتهام غادة لها.. تتهمها بالخداع.. بعد كل ما فعلته .. بعد كل شيء ضحت به من اجل وطنها وهذه الفرقة.. تتهمها بالكذب والخداع.. ما فعلته كان بالرغم منها.. فكيف يمكنها الدفاع عن وطنها وهم يرفضون اشتراك اي امرأة معهم؟.. ولهذا...
سمعت في تلك اللحظة صوت فارس وهو يهتف بها مكررا: عهد.. ما الامر؟.. ماذا بك؟..
رفعت رأسها اليه وتطلعت اليه بصمت.. ماذا عساها ان تجيبه؟ .. لقد انكشفت شخصيتها.. وسقط قناع الشاب الذي ظل يؤرقه دائما عن وجهها.. سيفرح الآن بكل تأكيد.. وسيفرح أكثر لو تم طردها من هنا..
بالامس فقط.. قال لها ان امرها سينكشف ..وقريبا على يد احدهم.. هل كان يعلم بما تفكر غادة فيه؟.. هل كان يعلم ان غادة تعلم بحقيقتي منذ البداية؟.. اذا لم لم يخبرني؟.. لم ظل صامتا؟.. بالتأكيد اراد لغادة ان تخبر فرقة المقاومة عن حقيقتي.. لم يرد ان يقف في طريقها وهي من ستسهل عليه مهمة طردي من هذا المكان الذي يرفض وجودي فيه.. هذا ان لم تكن له يد في الموضوع منذ البداية...
وتحولت نظراتها الى اللوم والقهر وهي تهتف به: لا شيء.. فقط ابتعد.. ودعني وشأني..
استغرب نظراتها له وقال وهو يتقدم منها: عهد.. حالتك ليست طبيعية.. اخبريني مابك؟.. هل حدث امرا ما؟.. هل ضايقك احدهم؟..
هتفت فيه قائلة بعصبية جراء ما حدث: لم يحدث شيء.. فقط دعني وشأني .. الم تفهم؟..
قال فارس بحزم وهو يجذب له مقعدا ويجلس في مواجهتها تماما: كلا لم افهم.. اخبريني مابك.. وبعدها سأغادر من هنا ..
قالت بانفعال: لا شان لك .. يكفيك تحكما وفرضا للاوامر .. لم اعد اطيق هذا الوضع..انت تسجنني بتصرفاتك .. اشعر انني اختنق احيانا بسبب اوامرك وتحكمك...
انعقد حاجباه بشدة مستغربا خوضها في هذا الموضوع قبل ان يقول بهدوء: لم تطلقين عليه اسم التحكم وفرض الاوامر؟ .. لم لا تقولين انه اهتمام مني بسبب وضعك هنا في هذه الفرقة؟..
عاد ليذكرها بوضعها في فرقة المقاومة.. وضعها الذي اصبح مكشوفا لغادة.. وبسببها لا تعرف ما مصيرها الآن..وقالت وهي تشد على قبضتها بغضب: لا تقلق.. يمكنك ان تفرح الآن.. يمكنك ان تشعر بالراحة ولا ترهق ذهنك بشأن وضعي.. فكل شيء قد انكشف...
لم يستوعب ما قالته في البداية وقال بدهشة: انكشف؟.. ماذا تعنين بانكشف؟..
قالت وهي تشيح بوجهها ودموع القهر تترقرق في عينيها: اجل انكشف.. لقد علمت غادة كل شيء.. كل شيء...
قال بذهول: وكيف علمت؟.. لقد كانت نظراتها لك غير طبيعية ابدا.. لقد كانت تشك بأمرك منذ البداية.. لكني لم اكن اتوقع ان تعلم بالحقيقة وان....
قاطعته قائلة بعصبية: يكفي .. يكفي..لقد حدث ما كنت تريده.. لقد تحققت امنيتك واصبح امري مكشوفا لغادة.. وسيتم طردي من هنا بكل تأكيد.. وعندها ستكون اكثر شخص يشعر بالسعادة بما سيحدث لي...
شعر بالغضب من حديثها.. وهو الذي حافظ على وعده لها طوال هذه المدة ولم يخبر احدا بحقيقتها.. وقال وهو يقف بعصبية: لو كنت اريد السعادة التي تتحدثين عنها.. لاخبرتهم بحقيقتك منذ اول يوم لي هنا.. لكني حافظت على وعدي لك.. ومع اني رافض تهورك وجنونك الذي سيقودني وسيقودك الى الموت..الا انني لم احاول حتى التلميح لهم بأمرك.. صحيح انني اتمنى ان يكشف امرك.. لكن ليس لاني اود ان يتم طردك من هنا.. بل كي تعيشي فتاة هنا.. ويعاملونك على هذا الاساس..
قالت وهي تتطلع اليه بغضب: لقد هددتني عدة مرات ان تكشف امري لهم اذا لم انفذ اوامرك.. او اذا وافقت على الاشتراك في مهمة ما انت ترفضها.. اخبرني ماذا تسمي هذا اذا؟.. انت تبحث عن اي فرصة لينكشف امري ولكي...
قاطعها قائلا وهو يضرب الطاولة بكفه: بل لكي لا تعرضي نفسك للخطر ..
وقفت بدورها وقالت وهي تلوح باصبعها في وجهه بغضب وانفعال شديدين: سيطرتك هذه تشعرني بالاختناق.. لم اعد استطيع احتمال وجودك هنا.. دعني وشأني.. او حتى ارحل من هذا المكان .. لم اعد اريد شخصا يتلاعب بي كما يتلاعب الطفل بدميته .. لا تظن انني دمية كي تفعل ما تشاء بي..او اني لا ازال تلك الطفلة التي تضربها حتى تفعل ما تريده.. انا فتاة راشدة ومن حقي ان اختار القرار الذي يريحني.. ولا احتاج لأوامرك هذه ..
قال ببرود غريب وهو يضع كفيه في جيبي بنطاله: وقرارك الجديد.. هو ان ارحل من هنا.. صحيح؟..
قالت بحدة غير منتبهة لوقع كلماتها عليه: ان كنت ستواصل فرض اوامرك وسيطرتك علي .. وتهديداتك تلك.. فالأفضل ان تغادر.. قعندها فقط سأشعر بالراحة والحرية..
قال ببرود اشد وهو يهز كتفيه: فليكن يا عهد.. سأغادر هذا المكان كما طلبتي.. ولن تري وجهي بعد الآن ابدا.. ولتشعري بالراحة والحرية حتى آخر عمرك..
واستدار عنها وهو ينوي المغادرة..وهنا فقط.. استيقظ شيء ما في اعماق عهد.. شيء اشبه بتأنيب الضمير والندم .. شعرت بوخز في اعماقها وشيء في داخلها يطلب منها ان تهتف به.. ان تناديه.. والا لن تراه مرة ثانية.. شيء يخبرها ان فارس لو غادر هذا المكان لن يعود له ابدا.. وستفقده هو الآخر كما فقدتهم جميعا...
واسرعت تهتف به بلا وعي: فارس.. انتظر..
توقف فارس دون ان يستدير لها.. اما هي فقد تقدمت منه وقالت بتوتر: هل سترحل حقا؟..
قال ببرود: وهل ظننتي اني كنت امزح؟..
واردف بسخرية مريرة وهو يلتفت لها ويتطلع لها بطرف عينه: ثم أليس هذا هو ما تريدينه يا آنسة؟..
اسرعت تقول وقد سيطر عليها خوفها من ان يترك المكان حقا ويتركها وحيدة من جديد بلا اهل او عائلة.. وهي تهز رأسها نفيا: كلا..ليس هذا ما اريده.. لا ترحل يا فارس.. لا ترحل..
قال فارس وهو يواصل سخريته: الست شخص يتحكم بك وبتصرفاتك ويفرض اوامره ويعاملك كدمية؟.. الست شخص يشعرك بالاختناق ويهددك دوما؟..
قالت باضطراب وهي تبعثر نظراتها وقد شعرت للتو بقوة الكلمات التي تفوهت بها: لم اقصد.. صدقني لم اعني ذلك.. لقد كنت في مزاج سيء بسبب معرفة غادة الحقيقة.. وهذا ما جعلني اقول لك هذا.. في لحظة غضب..
قال وهو يزفر بحدة: احيانا تعكس لحظات الغضب ما يعتمر في نفس الانسان..
اسرعت عهد تقول وفي عينيها نظرة صادقة وهي تقف في مواجهته: اقسم لك ان هذه ليست الحقيقة كاملة.. قد تكون تتحكم في تصرفاتي او تفرض سيطرتك علي.. لكنك مصدر الامان لي هنا.. فارس انا لم اشعر بالامان والطمأنينة الا بعد ان جئت الى هنا..
اشاح بوجهه عنها وقال: الم تقولي منذ قليل انني سبب في عدم شعورك بالراحة والحرية؟.. لهذا ربما ستشعرين بهما اذا غادرت هذا المكان وتركتك تتصرفين كما يحلو لك.. دون اي تدخل مني..
قالت عهد بجدية وثقة: كلا لن اشعر بهما ان رحلت.. انت لا تعلم انني بت اشعر بالراحة لأنك الى جواري.. لانني اشعر ان لدي شخص من عائلتي اتحدث معه.. شخص يسمعني واسمعه.. يفهم معاناتي وافهم معاناته.. شخص يشعرني دائما ان حياتي لم تتوقف بموت والداي.. شخص يمنحني الامل والــ...
قاطعها قائلا بسخرية وهو يلتفت لها: كل هذا بي انا؟.. منذ عشر دقائق فقط كنت شخصا غير مرغوب فيه..
قالت مردفة وكأنها لم تسمع ما قاله: لو رحلت يا فارس لن يبقى لي احد في هذه الدنيا.. لست اعرف احد سواك هنا.. ولم يتبقى لي من اهلي شخصا سواك.. لقد تركوني جميعا.. تركوني بالرغم منهم.. فلا تتركني انت ايضا.. لا تتركني وترحل ..ارجوك..
رأى الرجاء يبرق في عينيها والندم واضح في صوتها.. ورق قبله تجاهها ووجد نفسه يبتسم لها وهو يشعر انه من المستحيل ان يترك هذا المكان لانها فيه.. لا يعلم كيف فكر في لحظة تهور ان يتركها وحدها هنا.. وسط الخطر وافراد فرقة المقاومة.. لتواجه كل هذا وحيدة.. لتعود بلا اهل من جديد..
اما هي فقد اشعرتها ابتسامته بالراحة فقالت مبتسمة: ثم لو انك رحلت من هنا..مع من سأتحدث؟.. ومع من سأتشاجر؟ ..
رفع حاجبيه باستخفاف.. قبل ان يقول: فليكن.. انا ذاهب الآن..
قالت بقلق وخوف: الى اين؟؟..
ضحك بمرح وقال وهو يدفع جبينها باصبعه: ليس الى مكان.. سأغادر المطبخ فحسب..
تنهدت براحة قبل ان تقول وهي تمط شفتيها: اتحاول التلاعب باعصابي؟..
قال وهو يهز كتفيه بثقة: انت من تفهمين الامور كما يحلو لك...
وابتعد عنها مغادرا المطبخ.. اما عهد فقد شعرت براحة وسعادة تتسلل الى اعماقها.. ربما كان تصرفها منذ البداية خاطئا مع فارس.. منذ ان انفجرت في وجهه وتحدثت بتلك العصبية والانفعال.. لكنها اصلحت موقفها في النهاية.. ووجدت نفسها لحظتها تهتف به دون اي شعور منها.. وكأن عقلها الباطن يأمرها بأن تفعل.. وهي تراه يكاد يتركها ويرحل .. وهذا الذي لن تسمح بحدوثه ابدا...
لكن.. من يدري يا عهد؟.. ربما يأتي اليوم الذي يتركك فيه فارس بارادته.. او رغما عنه..وعندها فقط سيسيطر عليك الندم على كل لحظة تمنيت فيها رحيله بعيدا عنك.. وستشعرين بأهمية هذا الشاب في حياتك وتأثيره على نفسك .. وقد تترجينه حتى يعود اليك من جديد..لكن وقتها لن يعود لك مهما هتفت او صرخت بأعلى صوتك ...
########
في مكان قريب جدا من فارس وعهد.. وفي غرفة المكتب حيث الجميع كان يستعد لتنفيذ الخطة الجديدة.. وفي هذه المرة ستكون مختلفة تماما.. فهذه هي الخطة الوحيدة التي ستضمن لهم معرفة اسرار العدو.. وخطواته القادمة دون ان يشعر احد بالامر..
ورفع هشام راسه وقال بابتسامة باهتة: ما رأيكم بما شرحت حتى الآن؟..
ظهرت الصدمة على وجوه الكثيرين.. وتبادل عدد منهم النظرات..وآخرين غير مصدقين لما سمعوه.. قبل ان يقول رائد بذهول: اتعني ما قلته حقا؟..
اومأ هشام براسه وقال بهدوء:هذه الخطة هي املنا في الانتصار باذن الله..
قال رائد باستنكار: لكن نسبة نجاحها لا تتعدى الخمسة في المائة.. خطتك كلها مبنية على افتراضات.. ما الذي يجعلك تتوقع ان تسير الامور كما تخطط له؟..
قال هشام بحزم: سيسير كل شيء كما نريد باذن الله.. ولا تنسى ان احدكم سيدخل المبنى البريطاني وفقا لهذه الخطة.. وسيستطيع السيطرة على الوضع هناك بذكاءه..
قال عماد هذه المرة وهو يهز رأسه في عدم اقتناع: وقد يقتلونه.. او يعذبونه.. لا تظن انك ستزرع احدا بينهم.. الامر اصعب من ذلك بكثير..
قال عزام هذه المرة مدافعا عن وجهة نظر هشام: ليس الامر مستحيلا كما تظنون.. لقد كنا نخطط لهذه الخطوة منذ زمن .. واخترنا لها هذا الوقت بالذات لتنفيذها..
عاد الجميع يتطلعون فيما بينهم وهو يشعرون بعدم الاقتناع لهذه الخطة حتى الآن.. في حين نقل هشام نظره بينهم..قبل ان يسمع عادل يقول بتساؤل:ثم من ذا الذي سيوافق على القيام بخطة كهذه ورمي نفسه في التهلكة؟..
قال هشام وهو يلتقط نفسا عميقا ويزفر بقوة: انتم تعلمون ان هناك شخص واحد فقط هو الانسب لتنفيذ هذه الخطة ...
تبادلوا النظرات وكأنهم قد فهموا مقصده.. فقال هو وهو ينقل بصره بينهم: اخبروني .. اين هو حتى آخذ رأيه؟..
قال مارك وهو يدخل المكتب: اعلم انني تأخرت ولكن اعذرني فقد كنت...
قاطعه هشام وقال بهدوء: اجلس.. اود ان اتحدث معك في امر ما..
قال مارك متسائلا بحيرة: امر بشأن ماذا؟..
قال هشام وهو يتنهد: بشأن الخطة الجديدة.. والتي ستكون انت فيها احد اهم منفذيها..
تطلع له مارك باستغراب ودهشة.. في حين اخذ هشام يسرد عليه تفاصيل الخطة.. وعينا هذا الاخير تتسعان لهذه الخطة المجنونة التي ينوي شقيقه تنفيذها...
#######
تبادلوا النظرات للحظة .. قبل ان يقول احدهم وهو يشير نحو احد الزوايا: اذهب وراقب من هناك يا غسان.. فلن تكون مكشوفا للعدو في ذلك المكان.. وعد بعد ربع ساعة الى هنا لتخبرنا عن تحركاتهم حول المكان..
اومأ غسان برأسه قبل ان يبتعد عنهما بخطوات حذرة ومدروسة.. ليتوجه الى المكان الذي اشار اليه جهاد قبل قليل.. اما الاخير فقد ظل يراقب من موقعه ما يجري في المنطقة.. وغادة التي تقف الى جواره بصمت تتطلع اليه وهي تفكر في سؤاله عن امر ما..
والتفت لها جهاد قائلا: اظن ان مراقبة المكان افضل من مراقبة ملامح وجهي...
ارتفع حاجباها بشدة.. من قال له انها كانت تتطلع اليه والتفتت عنه لتراقب المكان وقالت بضيق: لقد كنت شاردة الذهن فحسب..
لم يعلق على ما قالته.. واكتفى بمواصلة المراقبة.. في حين عقدت هي العزم على ان توجه سؤالها الناجم عن فضولها قائلة وهي تتنحنح: هل لي بسؤال؟..
اكتفى بايماءة رأس.. فقالت بحيرة متسائلة: لم لا تضحك وتبتسم وتمرح كباقي البشر؟.. لم ارك طوال فترة عملي بالشرطة تبتسم مجاملة حتى.. هل لهذا سبب؟..
استغرب سؤالها في البداية وفضولها في التدخل في حياته الشخصية.. ومن ثم لم يلبث ان قال: هذا هو انا..
قالت بضيق: اعذرني على ما سأقوله.. لكن انا لا ارى امامي انسانا.. بل آلة.. تكتفي بالعمل دون حتى اي احساس به.. او تكوين علاقات شخصية مع الزملاء والزميلات..
انعقد حاجباه بسبب ما قالته.. وشعرت غادة ان كلماتها قد ضايقته.. وكادت ان تعتذر من ما قالته.. لكنها وجدته يقول وهو يواصل المراقبة: اعتقد ان هذا يسمى اجتهاد في العمل...
قالت في سرعة مدافعة عن وجهة نظرها: بل تعني جمود وتبلد في العمل.. الحياة لا تقتصر على العمل ومن ثم العمل ولا شيء آخر.. هناك علاقاتك باهلك.. باصدقائك وبزملائك .. لا يمكن ان تعزل نفسك عن جميع هؤلاء لمجرد انك تفكر في الاجتهاد بالعمل.. ولا اظن ان ابتسامة منك ستؤثر على هذا الاجتهاد ولو قليلا..
قال جهاد وانامله تتحسس سلاحه: ربما اكون صادقا معك ان قلت ان احدا لم يناقشني في هذا الامر من قبل..
ابتسمت وقالت: اذا انا الاولى التي تفعل.. لهذا سأطلب منك ان تفكر في ما قلته.. فلن تخسر شيئا..
قال وهو يلتفت عنها: وانا سأطلب منك ان تواصلي المراقبة.. بدلا من ان تضيعي وقتك في الحديث..
كورت قبضتها بحنق قبل ان تلتفت عنه وهي تتأفف بصوت مسموع.. وتقول بصوت منخفض لكنه وصل الى مسامع جهاد: انا المخطئة.. لماذا سألته منذ البداية؟..
ودون ان تلحظ غادة الامر..وهي تراقب الموقع باهتمام كبير.. ارتسم على شفتي ذاك الواقف بالقرب منها طيف لابتسامة سرعان ما تلاشى كما ظهر ...
########
قال مارك وهو لا يزال غير مستوعب لما سمع: اي جنون هو هذا؟.. انت تفتح علينا ابواب الجحيم..
قال هشام وهو يمسك كتفه ويشد عليه: انت املنا الاخير يا مارك..بمساعدتك سنستطيع الوصول اليهم.. ومعرفة مخططاتهم..
قال مارك وهو يهز راسه: لا ازال غير قادر على استيعاب خطتك.. ربما لاني انا طرف رئيسي فيها..وانا الوحيد تقريبا الذي سيكون معرضا للموت لو حدث عكس ما خططت له...
قال هشام وهو يزفر بحدة: لا تظن ان من السهل علي ان اضحي بشقيقي برميه وسط العدو.. لكن صدقني انت املنا الوحيد بعد الله تعالى..لن يمكننا التقدم عليهم الا لو نفذت الخطة التي شرحتها لك..
قال مارك وهو يلتقط نفسا عميقا: احتاج لبعض الوقت حتى افكر في الامر مليا..
قال هشام وهو يومئ برأسه.. فلا يريد ان يضغط عليه اكثر من ذلك: خذ وقتك.. وتأكد حتى وان رفضت المهمة.. فلن يتغير شيء.. لان هذا قرارك وحدك الذي ستتخذه وفقا لأفكارك وايمانك بالحق ..
نهض مارك من مكانه وابتسم لهشام قبل ان يخرج مغادرا المكتب..وعينا الاخير تتبعانه وقلبه يتمنى ان يوافق على تنفيذ الخطة التي اعدها.. حتى يتقدم خطوة كبيرة لتحرير هذا الوطن..حتى وان ادى الامر للتضحية بأغلى انسان عنده..
وعلى الطرف الآخر.. توقف مارك بعد ان استمع الى الرنين المستمر لهاتفه المحمول.. وشعر بشيء من الالم وهو يرى اسم سوزي يضيء على شاشته..وحاول ان يتناسى ما قاله له هشام قبل قليل وهو يجيب على المكالمة قائلا بهدوء: اهلا سوزي...
تنهدت سوزي وقالت: اهلا بك يا مارك..
قال بابتسامة باهتة: ما بك؟.. صوتك لا يعجبني..
قالت مبتسمة بدورها: وكذلك صوتك.. مابك انت؟..
قال وهو يتخذ له مقعدا: انا من سأل اولا.. اجيبيني مابك؟.. هل انت على ما يرام؟..
قالت بعد ان ضمت شفتيها : اجل انا بخير.. ولكن...
قال متسائلا بقلق وهو يعتدل في جلسته: ولكن ماذا؟؟..
شعرت بغصة في حلقها.. واستجمعت طاقتها لتخرج الحروف من حلقها قائلة: لكنهم.. لم يوافقوا على الاستقالة...
قال باستنكار كبير: ماذا تقولين؟..لم يوافقوا؟؟!..
واردف بعصبية:ولم لا يوافقون؟..ليس من حقهم ذلك.. انها حياتك وانت من تختارينها وليس لهم اي حق في ....
قاطعته سوزي قائلة وعيناها تترقرقان بالدموع بالرغم منها: بل لهم كل الحق.. انا اعتبر احد الجنود كما تعلم.. لن استطيع الاستقالة في ظل هذه الظروف خصوصا.. كما وان مدير الجيش قال لي ان الامر قد يحتاج الى مرور عدة سنوات حتى يمكنني طلب الاستقالة...
قال مارك وهو يصك على اسنانه بقهر: هذا يعني انك ستظلين مقيدة بهم حتى مرور خمس او ست سنوات.. اليس كذلك؟.. وعلي انا ان انتظر كل هذه المدة.. صحيح؟..
قالت سوزي بصوت باكي: وماذا عساني ان افعل يا مارك؟؟.. لقد طلبت منهم الاستقالة ورفضوها.. هل في يدي شيء ولم افعله؟.. انني مستعدة على تقديم الاجازة ان اردت.. لكني اعلم ان الاجازة لن تستمر لاكثر من ايام.. وكذلك لن تحل مشكلتنا ابدا..
صمت مارك عدة لحظات قبل ان يقول وهو يتنهد: اذا فالحل الوحيد هو الانتظار لسنوات لا اعلم ان كنت سأعشيها ام لا...
تساقطت دموع سوزي وهي تقول برجاء: لا تفعل هذا بي يا مارك ارجوك.. يكفيني مابي.. اقسم اني لم اعد اتحمل..
قال مارك ببرود: كنت ادرك منذ زمن ان منذ فراقنا اول مرة قبل عام.. لن نلتقي من جديد ابدا.. ربما لو لم نفترق يومها لكانت الامور مختلفة الآن تماما..
قالت سوزي وهي تحاول ان تخفي شهقاتها: لن نستطيع تغيير الماضي الآن.. لكن بامكاننا ان نغير المستقبل .. صحيح؟..
قال بغموض: بلى.. يمكننا ذلك..
قالت سوزي في سرعة وهي تمسح دموعها: اذا ما عساني ان افعل حتى نلتقي من جديد؟...
قال بلهجة اكثر غموضا وهو يزفر بحدة والم: لا تفعلي اي شيء.. انا من سيفعل هذه المرة..
قالت متسائلة بدهشة: ماذا ستفعل؟..
صمت لبرهة قبل ان يقول بشرود: عندما يحين الوقت ستعرفين بنفسك.. الوداع...
قالها وانهى المكالمة ..ونبضات قلبه تسارعت بشكل كبير.. وافكاره تتخبط في رأسه وهو يحاول التفكير جديا فيما هو مقدم عليه.. وفي ابواب الجحيم التي سيفتحها على نفسه.. ان وافق على تنفيذ خطة هشام....
:
:
يتبع..
 
بـــ الحب (36) والواقع ــين
::اعتراف::

خمسة ايام مرت بهدوء تام.. هدوء استغربه الجميع.. لم يكن هناك انفجارات..ولم تكن هناك افخاخ من فرقة المقاومة.. ليس هناك هجوم او دفاع من اي من الطرفين.. هدوء غلب على اطراف البلدة ليعيد لها شيء من سكونها..بعد ان اُنهك شعبها.. واُنهكت مبانيها وارضها من ذلك الدمار وتلك الانفجارات.. واختنق هواءها من ثاني اكسيد الكربون التي تخلفه خلفها تلك الاسلحة المدمرة...
البعض وصف ذلك الهدوء بأنه فترة راحة مؤقته يحتاجها كل من الطرفين حتى يستعيدا قوتهما ونشاطهما من جديد.. والبعض الآخر وصفه بانه هدنة بين الطرفين حتى اشعار آخر.. اما الفئة الاخيرة فقد كانت تشعر انه هدوء ما قبل العاصفة...
وهناك في فرقة المقاومة كانت عهد تجلس وحيدة ولا يزال شبح الحقيقة يراودها.. وهي تخشى في اي لحظة ان تفضح غادة امرها.. لم تحاول هي الحديث الى هذه الاخيرة ابدا بعد آخر حوار معها.. ولم تحاول غادة كذلك الحديث اليها..
كان الامر يقتصر بينهما على تبادل النظرات.. نظرات خوف ورجاء من عهد ان لا يعلم احد بحقيقتها.. ونظرات غامضة ومعاتبة تطلب فيها غادة عهد ان لا تخدع فرقة المقاومة لأكثر من ذلك..وفهمت كلتاهما تلك النظرات ولم تحاول ان تناقش الاخرى فيما ستفعله..
والآن في هذا المساء بعد ان حل الهدوء على المكان.. ونام الجميع تقريبا.. شعرت عهد باهتزاز هاتفها .. فاخرجته من جيبها وشعرت بالاستغراب وهي ترى رسالة قصيرة قد وصلت الى هاتفها للتو.. قامت بفتحها وهي تلتقط نفسا عميقا .. وقرأت كلمات الرسالة التي كانت تقول..(آسف على ازعاجك في هذا الوقت.. لكني اردت ان اخبرك اني اشتقت اليك.. واريد سماع صوتك لو كنت تستطيعين تنفيذ طلبي هذا)..
تنهدت عهد بتعب.. ألكس يريد منها ان تتحدث اليه.. فهل تفعل؟.. لو استجابت لقلبها لفعلت .. لكنها تدرك ان هذا خطأ كبير.. عقلها يرفض الاتصال به والحديث اليه ..وقلبها يصر على ذلك.. ويطالب بسماع صوته هو الآخر...
لن يحدث شيء اذا اتصلت وتحدثت اليه اليس كذلك؟.. ستتبادل معه بضع كلمات فحسب.. ليس لشيء سوى انها تريد رد الجميل له بمساعداته الكثيرة لها.. لكن هل هو رد جميل حقا يا عهد؟.. ام انك تحاولين اقناع نفسك بذلك؟..
تلفتت حولها بقلق.. قبل ان تتصل بألكس وهي تزدرد لعابها لعل شيئا من اضطرابها يتلاشى..
اما ألكس الذي اتسعت عيناه بدهشة واستغراب شديدين.. لقد اتصلت به.. لم تفعلها في حياتها الا آخر مرة وكان السبب معروف وقتها.. هل بدأ قلبها يرق تجاهه اخيرا؟..
وابتسم وهو يجيبها تاركا لمشاعره العنان: اهلا بمن اتخيلها في كل لحظة معي..
عهد الذي زاد اضطرابها وتوترها اضعافا بعد عبارته قالت بصوت منخفض: ألكس.. انت تدرك ان هناك حدود بيننا منذ البداية.. فلا اريد منك ان تتجاوزها..
قال ألكس بصوت معذب: اي حدود تلك التي تجعلني ادفن مشاعري التي تشتاق اليك في كل ثانية؟..
قالت عهد بارتباك: ألكس ارجوك.. يكفي هذا.. لا اريد ان تتجاوز اكثر من هذا.. انت اعلم بالظروف..
قال ألكس بابتسامة واسعة تحمل الكثير من الحب: لست ارى اية ظروف.. تمنعني من سماع صوتك او رؤيتك..
قالت عهد وهي تزفر بحدة: هل تريد ان اذكرك من جديد انك قائد الجيش البريطاني وانا عضوة في فرقة المقاومة؟؟..
قال ألكس وهو يعقد حاجبيه بضيق: اذكر هذا جيدا.. لكني بعكسك لا تهمني هذه الظروف .. بل احاول التغلب عليها لاقترب منك.. اما انت تبعدين آلاف الخطوات متعللة بالظروف..
صمتت عهد برهة قبل ان تقول وهي تعض شفتيها: لان هذا ما يجب ان يحصل..الماء والنار لا يجتمعان ابدا..
قال ألكس بعصبية: لسنا ماءا او نارا.. انت عهد وانا ألكس.. ويمكننا ان نتغلب على الظروف لو اردنا..
قالت عهد بسخرية مريرة: كيف؟.. هل لك ان تخبرني كيف؟.. هل ستقلب الموازين لتجعلني بريطانية مثلا؟..
صمت لفترة قبل ان يقول بغموض: ولم لا؟..
قالت عهد وقد عادت تتلفت حولها بقلق من ان يراها احدهم: لم افهم ما قلته.. ما الذي تعنيه بقولك؟..
قال ألكس بهدوء: سأتأكد من شيء ما .. ومن ثم سأخبرك بما اعنيه..
قالت عهد وهي تخفض صوتها قدر الامكان: مضطرة لان انهي المكالمة الآن.. الى...
قاطعها ألكس قائلا بحدة: لا تهربي من جديد.. يكفيك هروبا كلما حاولت ان اتحدث اليك.. لم لا تتركين لنفسك حريتها؟.. ضاربة بكل الحواجز التي تفصل بيننا عرض الحائط ..
قالت وهي تشعر بغصة مرارة في حلقها: لان ذلك خطأ.. حديثي اليك خطأ.. الامر منذ البداية كان خاطئا..
قال ألكس وهو يغمض عينيه بألم: انت من تطلقين عليه اسم خطأ.. لانك لا تريد ان تستمر العلاقة التي بيننا..
قالت عهد وهي تهتف بمرارة بالرغم منها: لانها لا يمكن ان تعيش.. انت تضع آمالا على لا شيء..
قال ألكس بجدية: بل اضع آمالي على شيء.. شيء ترفضين الاعتراف به.. شي يسمى مشاعر واحاسيس تهتف باسمك..
قالت عهد برجاء وصوت مختنق: ألكس.. ارجوك...
قال ألكس بحدة: لم ترفضين ان تتركي لمشاعرك العنان؟.. انت انسانة ومن حقك ان تحبي..
هتفت فيه قائلة والدموع تترقرق في عينيها: كل شيء خطأ منذ البداية.. وعلاقتنا هذه اكبر خطأ.. الى اللقاء يا ألكس .. الى ...
قاطعها وهو يهمس بحب وهيام: احبك...
رجفة انتشرت في جسدها كله..اشعرتها ان قلبها قد توقف عن النبض وانها بالكاد تلتقط انفاسها..ظنت انها اخطأت سماع الكلمة.. او ربما قد تخيلتها .. او ربما كان هذا كله مجرد حلم وستفيق منه بعد قليل.. وظلت على صمتها هذا وهي تشعر ان ما سمعته ليس حقيقة ابدا..
وعلى الطرف الآخر سمع ألكس صوت انفاسها المتقطعة.. وفهم انها لم تكن تتوقع كلمته هذه وقد انصدمت بها.. لكن الى متى سيظل يخفي مشاعره؟.. الى متى سيظل يدفن هذا الحب؟.. لقد اراد ان يعترف لها ربما يرتاح ان اوضح لها مشاعره.. وقد تترك هي الاخرى لمشاعرها العنان ان ادركت بهذا الحب الذي ظل اسير قلبه لمدة طويلة...
ولما طال صمتها همس قائلا: عهد..
عهد التي حاولت ان تستجمع شجاعتها ولا تزال في حالة صدمة وعدم استيعاب: أ..أجـ.. ـل..
قال بابتسامة واسعة وسعيدة: تصبحين على خير.. حبيبتي..
عاد ليقولها من جديد.. يريدها ان تشك في سلامة سمعها.. يكفي يا ألكس.. يكفيني ما انا به.. لا تزد علي انت ايضا ارجوك..
لم تقوى على الرد.. وقال ألكس وقد شعر ان صمتها سيطول: الى اللقاء..
ومع انه لم يكن يريد انهاء المكالمة.. لكن اراد ان يترك لعهد فرصة لأن تفكر في كلماته.. وعهد التي كانت في حالة صدمة.. وجدت نفسها تستعيد كلماته.. كلمة (أحبك) التي نطقها ولم تتخيلها ابدا.. وكأنه اراد ان يؤكد لها ما سمعته عندما قال عبارته الاخيرة..
واغمضت عيناها وهي تشعر ان كل شيء قد ازداد تعقيدا الآن.. ودون ان تشعر وجدت تلك الدموع تسيل على وجنتيها وهي ترمي نفسها على الوسادة طالبة النوم.. دون ان تدرك سببا لبكاءها.. او سبب لشعورها بالحزن عندما اعترف لها ألكس بمشاعره اخيرا...
#########
ابتسم فارس وهو يتطلع الى الاوراق التي كانت بالملف التي بين يديه.. قبل ان يتصفحها باهتمام ويقول وهو يلتفت الى حازم: ها قد بدأ العمل..
قال حازم وهو يبتسم بثقة: وستأتيك اعمال اخرى ما دمت انا من بساعدك في اعمالك هنا ويقدم لك النصائح..
قال فارس وابتسامته تتسع: بكل تأكيد لن انسى فضلك.. لكن لا تكون واثقا بنفسك الى هذا الحد..
قال حازم باستنكار: اتذمني ام تمدحني؟..
ضحك فارس بمرح وقال: الاثنان في آن واحد..
وقبل ان يعلق حازم على عبارة فارس.. ارتفع رنين هاتف الاول.. فأجابه قائلا بابتسامة: اهلا ..
وصمت قليلا قبل ان يقول: اجل شركة عقارات.. هل تفكر بالتعامل مع صاحبها؟..
استمع باهتمام للطرف الآخر قبل ان يقول بسرور: انه صديق لي .. وانا اضمن لك التعامل معه.. فقط اخبرني بما تريد.. وسيكون طلبك عندك في اسرع وقت ممكن...
وعاد ليستمع باهتمام قبل ان يقول مبتسما: حسنا .. لقد فهمت ما تريد.. الى اللقاء..
انهى المكالمة والتفت الى فارس ليقول بابتسامة واسعة: عمل جديد لك..
قال فارس بحماس: حقا؟.. من من؟؟..
قال حازم وهو يلوح بيده: انه احد كبار التجار.. يدعى (عمر).. سيسرك التعامل معه.. وهو يبحث عن قطعة ارض لمشروعه الجديد في المنطقة الشمالية.. يريدها ان تطل على شارعين على الاقل وفي منطقة تجارية..
قال فارس وهو يعقد حاجبيه بتفكير: كل هذا يمكن تنفيذه.. لكن المنطقة الشمالية تبعد عن هنا حوالي الثلاث ساعات بالسيارة..وحتى اجد الارض المطلوبة سأحتاج لعدة ايام حتى احدد له الاختيارات التي امامه ويختار منها ما يفضل .. وفقا للسعر الذي يرضيه..
قال حازم وهو يهز كتفيه: يمكنك حل هذه المشكلة.. باقامتك لعدة ايام في تلك المنطقة لكي تبحث عن الارض هناك بسهولة.. دون الحاجة للعودة الى هنا من جديد..
قال فارس وقد شعر بالضيق: وماذا عن عهد؟..
قال حازم بحيرة: وما بها عهد؟.. انها ستكون بخير هنا بكل تأكيد.. الامر لن يتجاوز عدة ايام فحسب..
قال فارس بحدة: انت لا تعرف جنون تلك الفتاة.. ربما اجدها جثة هامدة لو عدت..
قال حازم بابتسامة: لم كل هذا التشاؤم؟.. شهر كامل قضته وحدها في فرقة المقاومة ولم يحدث لها اي مكروه..
قال فارس وهو يتطلع اليه بطرف عينه بحنق: من قال هذا؟.. لقد تم اسرها في المبنى البريطاني خلال تلك الفترة.. ثم ما الذي يضمن لي ان تكون بخير لو غادرت لعدة ايام؟.. وماذا عن وجودها هنا وسط مجموعة من الشباب؟.. وايضا الحقيقة التي قد تُكشف في اية لحظة و…
قطع عبارته وغرق في تفكير عميق وهو يدس اصابعه بين خصلات شعره.. اما حازم فقد قال معاتبا: لم لا تمنحها ثقتك وتتركها تتصرف كما تريد هي لا كما تريد انت؟...
قال فارس وكأنه لم يسمع ما قاله حازم قبل قليل: لقد وجدت الحل..
قال حازم وقد فهم ما يرمي اليه فارس: لقد فهمتك.. ستكون معك في رحلتك تلك .. اليس كذلك؟..
اومأ فارس برأسه وقال وهو يسند ظهره لمسند المقعد وابتسامة تعلو شفتيه: اجل.. فبهذه الطريقة فقط.. سأضمن ان تكون عهد بخير ..
########
تطلع هشام الى مارك باهتمام شديد.. وانتظره ليقول ما جاء لأجله .. فهو يدرك جيدا ان مارك لم يطلب منه التحدث على انفراد الا ليقول شيء في غاية الاهمية..
وتوقع هشام ان الصمت سيطول لأكثر من هذا .. لهذا قال متسائلا: ماذا هناك يا مارك؟..
قال مارك بابتسامة شاحبة: انا موافق..
قال هشام بدهشة: موافق على ماذا؟.. على اداء المهمة؟؟..
اومأ مارك برأسه وهو يتنهد.. فقال هشام وهو يضع يده على كتفه بقلق: هل فكرت جيدا؟..
قال مارك وهو يتطلع الى نقطة وهمية: اجل..
قال هشام وهو يتطلع اليه بتفحص شديد: هل انت متأكد من قرارك هذا؟.. مستعد لان تضحي بكل شيء في سبيل تنفيذ هذه المهمة؟.. وحتى حبك وحياتك...
قال مارك بلهجة غلب عليها الالم : وما فائدة حياتي ان خسرت حبي.. ولن يمكنني الوصول اليه مهما طالت حياتي او قصرت..
صمت هشام لفترة وقد شعر بالالم يقطر من كل كلمة ينطق بها مارك.. وقال وهو يربت على كتفه: انت لا تعرف اين الخير لك.. لهذا لا تيأس هكذا.. وتعال معي لأشرح لك الخطة من جديد بمزيد من التفاصيل حتى تكون مستعدا لتنفيذها..
تنهد مارك وهو يتبعه الى المكتب.. ويشعر بقلبه يرتجف خوفا مما يخبؤه له القدر في الايام القادمة..
#######
فكر فارس في اسهل طريقة يمكن ان يخبر فيها عهد عن قراره.. وحك ذقنه مفكرا قبل ان يقترب منها ويقول: عهد..
رفعت رأسها اليه وقالت: اجل..
قال وهو يجلس على مقعد مجاور لها: هناك امر يجب ان تعرفيه..
شعرت بجديته فقالت باهتمام: وما هو هذا الامر؟..
قال فارس وهو يحاول ان يخبرها بمقدمة حول الموضوع اولا: هناك رجل اعمال طلب مني البحث عن ارض في المنطقة الشمالية من البلاد..
قالت مستغربة: وما شأني انا بهذا الموضوع..
قال وهو يلتقط نفسا عميقا: لهذا فأظن ان علي الذهاب الى تلك المنطقة والاقامة فيها لعدة ايام .. لان الطريق منها الى هنا يستغرق الثلاث ساعات..
صمتت قليلا قبل ان تقول بابتسامة: هذا افضل.. حتى يمكنك البحث عن افضل الخيارات هناك..
قال وقد شعر ببعض التردد: لكن.. لا يمكنني تركك وحيدة هنا..
قالت وهي تتلفت حولها: عن اي وحدة تتحدث.. الجميع هنا معي..
قال فارس بضيق: وهنا تكمن المشكلة.. ان الجميع معك.. وانا لا.. لهذا فستكونين معي حتى انهي عملي في المنطقة الشمالية..
ارتفع حاجباها بحنق.. قبل ان تقول وهي تهز رأسها نفيا: لا اريد الذهاب الى اي مكان..
قال فارس وهو يعقد حاجبيه: عهد.. انا لا اطلب منك.. لا يمكنني تركك هنا ابدا.. وانت تعرفين السبب.. لهذا ستأتين معي..
قالت عهد وهي تمط شفتيها: لا تتحدث معي باسلوب الامر هذا..
قال فارس وهو يزفر بحدة: لم لا تفهمين؟.. لن يمكنني الذهاب وتركك هنا وسط الرجال.. لهذا ستكونين معي ..عدة ايام لا اكثر..
قالت عهد بحنق: عدة ايام بالنسبة لك.. لكن انا ماذا سيكون وضعي هناك؟.. بالتأكيد سيحلو لك التحكم بي كما تشاء.. وربما ترفض ان اعود الى هنا من جديد او...
قال فارس وهو يحاول تمالك اعصابه: ماذا عساني ان اقول عنك؟.. طفلة.. غبية.. حمقاء.. لست اعرف.. لم تفكرين بمثل هذه الطريقة؟.. انا خائف على وجودك هنا لا اكثر ولا اقل.. خائف من ان يتعدى اي شخص حدوده معك وانا غير موجود.. لن اكون مطمئنا وانت وحيدة هنا.. لهذا اخبرك بأن عليك المجيء معي .. وان كان على العودة الى الفرقة.. فسنعود الى هنا .. لا تقلقي.. هل لديك اي اعتراضات اخرى الآن؟..
كانت تريد ان ترفض وتصرخ في وجهه ..وتخبره انه قد تحكم فيها بما فيه الكفاية.. ولو ذهبت الى هناك معه فستزداد سيطرته عليها.. خاصة وهي معه وحدها.. لكن آخر موقف بينهما جعلها تتراجع.. تخشى ان فعلت ان يتركها فارس ويغادر وحده ولا يعود..
وآثرت الصمت لفترة.. حتى ان فارس استغرب صمتها الطويل هذا.. وقال متسائلا: ماذا قلت؟..
قالت ببرود: سأذهب .. سأذهب.. هل انت مطمئن الآن؟..
ابتسم وقال: كثيرا..
ارتفعت عيناها اليه.. ولمحت ابتسامته.. شعرت انه يسخر منها.. او يثبت لها انتصاره بابتسامته هذه .. وشعرت بالحنق من ابتسامته تلك..ووجدته ينهض من مكانه ويقول: هذا جيد.. لأول مرة اشعر انك قد بدأت تفكرين بعقلك حقا..
قالت بعصبية: ماذا؟..
اتسعت ابتسامته وهو يتطلع الى عصبيتها.. قبل ان يقول: سنغادر غدا صباحا.. كوني على استعداد.. وجهزي حقيبتك..
لم تجبه وهي تشعر بالحنق من تصرفاته.. فقال هو وقد فهم نظرتها له: اعلم انك لا ترغبين في المجيء معي.. واعلم انك تفكرين اي شخص متسلط هو انا.. لكن انت تعلمين اني لا افكر الا في مصلحتك..
قالت بضيق: مصلحتي اعرفها انا..لا اريد منك ان تفكر بي وبمصلحتي ابدا..
قال وهو يتطلع اليها ببرود: سأغادر الآن.. لدي بعض الاعمال لأقوم بها..
تطلعت الى ساعتها وقالت مستغربة: الآن؟؟.. انها العاشرة مساءا..
هز كتفيه وقال: وماذا في هذا؟.. هناك اعمال يتوجب علي انهاءها للغد.. اراك بخير..
قالت متساءلة وهي تراه يستدير عنها ويبتعد: هل ستعود الى هنا بعدها؟..
توقف عن مواصلة السير .. قبل ان يقول وهو يلتفت لها: لا اظن..
قالت ببعض القلق: حسنا اذا.. اهتم بنفسك..
ارتسمت ابتسامة على شفتيه لم ترها عهد وهو يغادر مقر فرقة المقاومة..
######
شعرت غادة بالضجر وهي تنظر للمرة العاشرة الى الرسائل التي وصلت الى هاتفها .. والى الرقم المرسل منه.. تشعر بأن رأسها يكاد ينفجر من التفكير.. من يكون مرسل الرسائل تلك؟.. اغلب الظن انه شخص من اثنين.. لكن ما فعلته آخر مرة اكد لها ان ظنها غير صحيح.. فما عساها ان تفعل؟..
(لقد وصلنا..)
افاقت من شرودها على صوت غسان الذي اوقف سيارته على بعد مناسب من فرقة المقاومة.. فتنهدت وهي تفتح الباب وتغادر السيارة لتتجه مع غسان وجهاد الى فرقة المقاومة.. وهناك اعطى كل منهم ملاحظاته لمراقبة تلك الجهة لمدة اسبوع تقريبا..
وابتسم هشام وهو يقول: عمل جيد..
قال غسان بابتسامة وهو يقوم بتأدية التحية: سنكون في الخدمة كلما احتجت الينا يا ايها المقدم..
ربت هشام على كتف غسان .. وقال وهو ينقل بصره بين ثلاثتهم: ربما نحتاج الى جهودكم عند تنفيذ المهمة القادمة..
قالت غادة هذه المرة بجدية: سأكون جاهزة منذ الآن يا ايها المقدم..
ابتسم لها هشام قائلا: لا زلت مغامرة بالدرجة الاولى يا غادة ..
ارتسمت ابتسامة على شفتيها وهي تقول: هذا افضل من ان اكون فتاة جبانة لا نفع لها في هذه الفرقة..
اكتفى هشام بأن منحها ابتسامة هادئة وقال بعض لحظات: بمكنكم الانصراف الآن ان شئتم..
استداروا ثلاثتهم مغادرين فرقة المقاومة.. وتفرق كل منهم الى سيارته بعد ان تبادلوا كلمات وداع سريعة..
وفي سيارتها ما ان همت غادة باشعال محرك سيارتها حتى سمعت صوت رنين هاتفها معلنا وصول رسالة قصيرة.. لا تعلم لم شعرت انها منه هو؟.. ودفعها فضولها لان تسرع بفتح تلك الرسالة لتقرأ كلماتها ببطء قائلة: (الحذر لا يعني الخوف في احيان كثيرة)..
انها منه كما توقعت تماما.. لكن ماذا يعني بعبارته تلك؟.. هل يرمي الى شيء ما بعبارته هذه؟؟.. مم احذر؟.. وعن اي خوف يتحدث؟..
زفرت بحدة وهي وهي تهز ساقها بتوتر.. هذا اللغز هو ما سيصيبها بالجنون يوما ما.. من يكون مرسل هذه الرسائل؟ .. ولم يرسلها؟.. ولم هي بالذات؟.. لحظة.. لحظة علي ان اركز الآن على رسالته الجديدة.. الحذر لا يعني الخوف.. ربما كان يعني ان عليها الحذر في مهماتها القادمة او ....
لحظة لنعد الى الوراء قليلا.. لم ارسل رسالته في هذا الوقت بالذات.. لقد كنت في اراقب المبنى البريطاني طوال الوقت .. ولم يطلب مني الحذر.. فلم في هذا الوقت يرسل لي هذه الرسالة وكأنه يريد تنبيهي الى امر ما..آخر ما حدث اليوم هو تطوعها في الاشتراك في المهمة القادمة مباشرة.. الهذا السبب اذا ارسل هذه الرسالة؟.. الأنه لا يريد مني ان اشارك في هذه المهمة؟!..
ربما.. لكن ان كان صحيح ما توصلت اليه حتى الآن.. فهذا يعني ان مرسل الرسائل شخص من الذين كانوا على مقربة من المكان واستمعوا الى حديثي.. شخص من ثلاث.. هشام.. غسان.. او جهاد.. او من يدري؟.. ربما يكون شخص كان على مقربة من المكان في فرقة المقاومة ولم الحظ وجوده..اكاد اجن...
وبتهور ودون تفكير.. قررت ارسال رسالة الى الرقم نفسه .. لربما يرد عليها صاحبه برسالة تطفئ فضولها وحيرتها..
وبأنامل سريعة كتبت رسالة فحواها.. (انا لا اعرف من انت حتى اهتم بم ترسله.. لو اردت اخباري بشيء فعرف عن نفسك اولا).. وارسلتها بعد ان قرأتها عدة مرات.. وهي تتنتظر بلهفة وصول اي رد لها..
########
تنهد فارس بتعب وهو يفتح باب الشقة بمفتاحه الخاص ويدلف الى الداخل.. ومن خلفه حازم الذي قال وهو يتجه نحو المطبخ التحضيري الصغير: واخيرا انتهينا..
قال فارس وهو يلقي بنفسه على اول مقعد صادفه: اشعر بأني بحاجة لنوم طويل قد يريح جسدي من اعباء هذا اليوم ..
قال حازم وهو يلتقط زجاجة عصير من البراد ويسكب منه في كأسين: معك حق .. انا لم اعمل سوى لثلاث ساعات وشعرت بهذا الانهاك .. فكيف انت الذي كنت هناك صباحا ومساءا ايضا؟..
ابتسم فارس ابتسامة مرهقة.. وهو يرى حازم يقدم له كأس عصير ويجلس على الاريكة المجاورة له.. وقال وهو يأخذه من يده: شكرا..
ارتشف حازم رشفة كبيرة من العصير قبل ان يقول: سأنام الليلة معك هنا..
قال فارس بهدوء وهو يرتشف العصير: لا داعي.. سأخلد للنوم من فوري..
قال حازم وهو يرفع احد حاجبيه: هل اعتبر هذا طردا صريحا لي؟ ..
قال فارس وهو يجاهد لأن يبقى متيقظا: لا.. ولكني اعرف طريقة تفكيرك.. وانك تخشى من بقاءي وحيدا هنا.. وكأنني طفل لا ينام من غير والدته..
ابتسم حازم بمرح وقال: اذا قد اصبحت والدتك.. لا بأس .. المهم اني سأبقى هنا معك..
قال فارس بجدية: اخبرتك ان لا داعي لبقاءك هنا.. ثم الم تتصل بك والدتك قبل قليل وطلبت منك العودة الى المنزل؟..
قال حازم في سرعة: لانها قلقة علي.. لكن ان علمت اني انام هنا معك.. فستطمئن علي..
رمقه فارس بطرف عينه قبل ان يقول بتعب: سأذهب انا الآن للنوم.. وعد انت لمنزلك افضل لك.. فبالتأكيد والدتك لم تسأل عنك الا لأنها تريد منك العودة..
قال حازم بضيق: حسنا سأغادر.. الى اللقاء..
نهض حازم من مكانه واستدار عنه ليغادر الشقة.. وارتسمت ابتسامة شاحبة على شفتي فارس وهو يسمعه يهمهم بكلمات معبرا فيها عن ضيقه وهو يغلق الباب خلفه بقوة..
وتوجه بدوره الى غرفة النوم .. ليرمي بسترته على احد المقاعد ويفتح اول زرين من القميص.. قبل ان يلقي بنفسه على الفراش.. ويغرق في نوم عميق يعوض فيه ارهاق اليوم بكامله...
########
يحبها؟؟.. يحبها هي؟.. ابعد الناس منه.. عدوته.. الفتاة الوحيدة في العالم التي من المستحيل ان تكون لعلاقته معها نهاية.. كانت تشعر بمشاعره تجاهها.. لكنها كانت تتجاهلها.. او ربما تقنع نفسها بانه مجرد اهتمام بأمرها لا اكثر ولا اقل..عطف او شفقة او شيء من هذا القبيل.. لكن بالامس فقط اعترف لها بحبه.. وياله من اعتراف...
لحظتها كانت تشعر بخدر غريب غزى اعماقها.. ولا يزال ذلك الشعور يتجدد بداخلها كلما تذكرت كلماته لها.. لم تتوقع يوما ان يعترف لها بمشاعره.. وخصوصا وانه صاحب الموقف الاصعب.. بكونه مسئولا عن الجيش البريطاني بأكمله.. لكن القدر جعلهما يجتمعان في ظروف اقرب الى الغرابة.. لتكون الى جواره وتولد في قلبه مشاعر الحب لها.. وربما في قلبها ايضا!..
لا.. ما هذا الذي اقوله؟.. انا لا احبه ابدا.. كيف احب شخصا قتل الكثيرين؟.. شخص هو من الد اعدائي.. اذا لماذا يخفق قلبي بكل هذه القوة عندما اتذكر كلماته لي بالامس؟.. لماذا افكر به طوال الوقت وصوته وصورته لا يغادران عقلي؟..
زفرت بحدة وهي تنقل بصرها بين من تبقى من افراد فرقة المقاومة بالردهة.. نهضت من جلستها وكادت ان تتجه الى اي مكان يبعدها عن التفكير.. لولا ان سمعت صوت طرقات على الباب .. فتوجهت بانظارها الى الباب .. وشاهدت عماد يتوجه لفتحه.. وسأل من وراءه قبل ان يفتح له الباب ويسمح له بالدخول..
لا تعلم لم راودها شعور سيء وهي ترى الملامح المتجهمة على وجه رائد وهو يقول متسائلا: اين هشام؟..
قال عماد وهو يشير باتجاه الغرفة: في الغرفة؟.. لم؟..
قال رائد بتوتر وقلق ظاهرين على وجهه: هناك امر ما قد حدث وعليه ان يعلم به..
قالها واسرع يتجه الى الغرفة.. ومن خلفه عماد الذي اقلقته نبرة صوت رائد.. اما عهد فقد شعرت بقلق رائد يتسلل اليها وآثرت ان تتبعه بدورها وترى ما حدث..
وسمعته يقول في تلك اللحظة بصوت متوتر: مشكلة يا هشام.. بل انها كارثة..
قال هشام بنبرة صوت قلقة وقد انشدت حواسه لكل كلمة سينطقها رائد: ما الذي حدث؟؟..
اما عهد فقد خفق قلبها لسبب مبهم وهي تنتظر رائد يتحدث وعيناها متعلقتان بوجه هذا الاخير.. وسمعته يقول في تلك اللحظة بألم وقهر: لا اعرف كيف حدث هذا.. لكنهم وصلوا الى العاصمة..
قال هشام وكان تيار كهربي قد صعقه وجعله يهب من جلسته: ماذا تقول؟؟.. وصلوا الى العاصمة؟.. كيف حدث هذا؟.. واين كنتم انتم؟.. لقد تم توزيعكم لمراقبة المبنى جيدا..
قال رائد وهو يكور قبضته بغضب: لست ادري كيف وصلوا الى هناك.. لقد كنا نراقبهم بشكل جيد.. لكن يبدوا انهم استطاعوا المناورة.. لكن ليست هذه هي المشكلة الوحيدة...
منذ ان نطق رائد بكلمة العاصمة.. حتى تزايدت ضربات قلبها اضعافا.. هناك المباني وهناك شركة فارس.. وبالتالي سيكون هو هناك كذلك.. ما الذي فعلوه في العاصمة؟.. ما الذي فعلوه؟...
وسمعت رائد يكمل وهو يشيح بنظراته بعيدا وكأنه غير قادر على مواجهة نظرات هشام .. وصوته قد اكتسى بالالم: لقد شنّوا هجوما على العاصمة.. ودمروا عدة مباني هناك...
وبالرغم منها ندت شهقة من بين شفتيها وهي تهتف بخوف: كـلا.. فـارس..
:
:
 
بــ الحب (37) والواقع ــين
::مصير::


قبل نصف ساعة تقريبا كان فارس يغط في نوم عميق وهادئ.. قبل ان يقتحم نومه واحلامه صوتا مدويا خرق اذنيه وجعليه يهب من نومه فزعا على ذلك الصوت..
رأى ذلك اللون الاحمر قد بدأ يكسو السماء من خلال النافذة واخذته قدماه اليها ليرى ما يحصل بالخارج..وما ان توقف بجاورها حتى اتسعت عيناه عن آخرهما..
رباه.. ما الذي حصل؟.. دخل الى هنا قبل ساعات فحسب وكانوا الناس نيام والمباني شامخة في مكانها.. وهاهو ذا الآن.. يرى بعض المباني تحولت الى نصف مبنى ان صح الامر.. وبعضها الآخر قد تحطمت نوافذه واخترقته رائحة البارود لتلون جدرانه باللون الاسود.. والنيران مشتعلة هنا وهناك تلتهم كل شيء بلا توقف..كم بقي من الوقت وهو نائم حتى يحدث كل هذا؟؟!..
رفع ساعته ليرى انه لم ينم سوى اقل من ساعة.. قبل ان يوقظه هذا الانفجار المدوي.. وتنهد بحرارة وهو يحاول التفكير في ما عليه فعله..افضل ما يفعله الآن هو مغادرة هذا المكان الذي اصبح غير آمن البتة...
اتخذ قراره في هذه اللحظة ولكن قبل ان ينفذه.. اخترق صوت اقوى طبلة اذنيه.. ووجد نفسه يحمي وجهه بذراعيه وهو يطير في الهواء لثلاثة امتار من ضغط الانفجار الذي حطم النوافذ.. ولم يوقف تراجعه الا الجدار الذي ارتطم به بقوة كبيرة آلمته..
وجد نفسه بعد ثواني يستوعب ما جرى.. لقد حدث انفجار قريب جدا من المبنى ادى لتحطم نوافذه ودفعه ضغط الانفجار الى الوراء كل هذه المسافة..
شعر بالالم في ذراعيه ورفعها ليرى قطع الزجاج المهشمة مخترقة جلده والدماء تسيل من جروحه.. لم يجد امامه سوى ان ينزع القطع الكبيرة من ذراعه ويترك الصغيرة التي من المستحيل ان يتمكن من ازالتها وهو بالكاد يراها..
نهض من سقطته وهو يشعر بالآلام تنتشر في ظهره وذراعيه ورجليه.. وبحث بعينيه سريعا عن مفاتيح سيارته وهو يدعو الله ان لا تكون سيارته قد تضررت من اثر الانفجار..وما ان وجد المفاتيح حتى التقطها واسرع يغادر الشقة ويهبط الى الطابق الارضي على درجات السلالم..
وما ان وصل الى خارج المبنى حتى توجه الى المكان الذي اوقف فيه سيارته.. وحمد الله مئات المرات على ان سيارته لم يصيبها ضرر من الانفجارات..
اسرع يستقلها ويغادر بها المكان بأكمله دون ان ينتبه انه قد نسي هاتفه بالشقة .. والذي كانت شاشته تضيء في هذه اللحظة باسم عهد...
########
شعرت غادة بالحنق وهي تتمدد على فراشها وتتطلع الى هاتفها بضيق.. لم يجب على رسالتي التي ارسلتها له..وحتى عندما اتصلت لم يجب احد على اتصالي.. الى متى سأظل اشعر بكل هذه الحيرة من هذا المجهول؟.. الى متى؟..
شعرت ان النوم بدأ يجافيها.. لهذا نهضت من فراشها وذهبت لتقف بجوار نافذتها وهي تتنهد وتفكر في هذا المجهول وسبب مساعدته لها...
دائما ما يحذرها برسائله.. وكأنه مهتم لأمرها او خائف عليها..الاشخاص المهتمون بها كثيرون من حولها.. لكن هذا قريب منها.. يستطيع ان يدرك اين هي وماذا تفعل.. تشعر احيانا ان هناك شخص ما يراقبها دون ان تستطيع رؤيته..
تنهدت بتعب.. وعادت تتطلع الى رسالته وحيرتها بكنه هذا الشخص تتضاعف...
#######
عهد التي كانت تحاول الاتصال بفارس منذ نصف ساعة لم تتلقى اي جواب على اتصالاتها المتكررة.. وشعرت بالخوف يتغلغل الى كل خلية من خلايا جسدها.. وهي تراه لا يجيب على اتصالاتها.. واعادت الاتصال من جديدة وهي تزفر بحدة محاولة السيطرة على خوفها قائلة: اجب يا فارس.. اجب ارجوك...
ولكن اتصالاتها المستمرة .. ادت الى اغلاق الهاتف الذي فرغ شحنه.. اما عهد فقد فسرتها بطريقة اخرى.. ظنت ان انغلاق الهاتف معناه ان المبنى قد دمر وان فارس....
لم تستطع ان تكمل افكارها .. وهي تغمض عينيها محاولة ان تنفض هذه الافكار عنها.. ووجدت نفسها تعض على شفتيها بقهر والم وهي تحاول قدر الامكان السيطرة على خوفها..
لم يصب بمكروه.. اجل انه بخير.. بطارية هاتفه فرغت فحسب.. اجل هذا ما حدث.. وبالتأكيد كان نائما في البداية ولم يستمع الى هاتفه.. او ان هاتفه كان على الوضع الصامت..
لكن رغم كل ما حاولت ان تقنع به نفسها من اعذار.. وجدت توترها وخوفها على فارس يزداد بدلا من ان يتلاشى..
:
:
تنهد فارس براحة وهو يرى نفسه يقترب من الشارع القريب من فرقة المقاومة..وعلى الرغم من الآلام الذي اشتدت في ذراعه بسبب جروحه التي اغرقت كم قميصه باللون الاحمر الدامي.. الا انه لم يتوقف عن القيادة بسرعة كبيرة.. ربما لخوفه على ان يكون مصير فرقة المقاومة كمصير المباني التي دمرت في العاصمة.. وبالتالي سيفقد آخر انسان له من عائلته.. سيفقد عهد بعد ان وجدها اخيرا..
اراد ان يطمئن عليها.. لكن تذكر انه تحت وطأة عجلته.. نسي أخذ هاتفه.. لهذا فضل الاسراع قدر الامكان حتى يصل اليها ويراها.. وهو يدعو الله من كل قلبه ان تكون بخير وان لا تصاب بأي ضرر..
واخيرا وصل حيث يوقف سيارته دائما.. واستغرب عدم وجود اي سيارات قريبة منه كما هي العادة لعدد من افراد المقاومة.. وانعقد حاجباه وقد بدأ شعور بالخوف والخطر يداهم اعماقه ويوتر اطرافه..
غادر سيارته على عجل.. واسرعت قدماه تجري في ذلك الممر الضيق قبل ان ينعطف يمينا ويتوجه الى ذلك المنزل المتهالك .. وبدون اي تردد اخذ يطرق الباب على عجل وهو ينتظر الرد بكل لهفة.. وقد طمأنه قليلا رؤية المنزل على ما هو عليه دون ان يكون هناك آثار لأي هجوم او اقتحام...
وبعد دقائق مرت عليه كالدهر .. سمع صوتها يأتي من خلف الباب بكل القلق والخوف وهي تقول: من؟...
قال بلهفة لم يستطع اخفاءها: انه انا يا عهد.. افتحي بسرعة ..
وانفتح الباب تدريجيا لتقع عيناه على عهد التي بدت ملامح وجهها غريبة له في تلك اللحظة...
اما عهد التي لم تصدق اذناها عندما سمعت صوته.. وظنت انها تتخيل او ربما صوت احد افراد المقاومة يشبه صوته.. اسرعت تفتح الباب وكلها أمل ان يكون فارس هو من خلف الباب...
وظل الصمت مسيطرا على الاثنين مكتفين بالانفاس المتوترة وبالنظرات المتبادلة.. وكأن كلا منهم اراد ان يطمئن على الآخر برؤيته له واقفا امامه ..
واخيرا زفر فارس براحة وهو يدلف الى فرقة المقاومة ويقول وهو يتطلع اليها: حمدلله انك بخير.. لقد قلقت عليك ..
تطلعت اليه بنظرات لم يستطع تفسيرها قبل ان تقترب منه وتكور قبضتها وتسددها لصدره وعيناها تبرقان بالغضب..
فارس الذي لم يهتم بلكمتها التي اصابت صدره .. بقدر ما استغرب تصرفها وقال باستغراب: ماذا بك يا عهد؟..
صاحت به قائلة وكأنها تنتظر منه هذا السؤال: ماذا بي انا ام ماذا بك انت؟.. تتحدث بكل هذا البرود والهدوء وكأن شيئا لم يكن.. وكأن ليس هناك من يتصل بك ليطمئن عليك منذ نصف ساعة.. وانت تتجاهل اتصالاته.. تتركني اصارع الخوف والقلق وحدي وانا انتظر ان ترد على اتصالي .. وان اطمئن ان كنت بخير من الانفجارات ام لا ...
وعادت لتكور قبضتها لتسدد له لكمة اخرى قائلة وهي تشعر بغصة في حلقها: ايها السخيف التافه الـ...
قاطعها وهو يمسك بمعصمها قبل ان تصل قبضتها الى صدره قائلا: اهدئي اولا .. لكي يمكننا ان نتفاهم.. وان اشرح لك الوضع..
جذبت معصمها من يده وقالت بصوت مختنق: ماذا تشرح بالضبط؟.. اتعلم انني لم اذهب مع افراد فرقة المقاومة الذين ذهبوا ليعرفوا ما حدث بالعاصمة؟.. خوفا من ان ارى المبنى الذي تقطن به قد تحول الى رماد.. اتعلم كم مرة حاولت الكذب على نفسي حتى اوهم نفسي انك على ما يرام على الرغم من انني كدت ان ...؟
قاطعها فارس قائلا بابتسامة متعبة وهو يضع يده على كتفها: اهدئي الآن يا عهد.. ولا تظني انك وحدك من عاش عذاب الخوف والقلق.. فحتى انا لم استطع ان اقود السيارة بسلام عندما كنت في طريقي الى هنا.. وكم من سيارة كدت ان اصطدم بها وانا اخشى ان تكون الانفجارت قد وصلت الى فرقة المقاومة..
بدأ انفعال عهد يتلاشى تدريجيا وهي تهتف به قائلة: وهاتفك.. اين كان؟.. لقد اتصلت بك مئات المرات..
قال بهدوء: لقد نسيته في الشقة بعد ان شاهدت الانفجارات .. وقررت مغادرة المبنى مسرعا قبل ان...
انقطعت عبارته هو هذه المرة.. تحت وطأة كف عهد التي لامست ذراعه وهي تهتف فيه قائلة بخوف: انت مصاب..
قال وهو يجذب ذراعه سريعا: لا عليك جرح بسيط..
قالت وهي تتطلع اليه بحدة: عن اي جرح بسيط تتحدث؟.. ان قميصك غارق بدمائك.. انتظر هنا.. لحظات واذهب لاحضار حقيبة الاسعافات الاولية..
قال وهو يراها تبتعد عنه: لست احب ان اكون عرضة للتجارب..
قالت وهي ترفع صوتها من داخل المطبخ: ليس هذا وقت سخريتك ابدا..
جلس على اقرب مقعد له وقال متسائلا وهو يرفع صوته حتى تسمعه: لقد قلتِ ان افراد المقاومة قد غادروا المقر.. هل هذا يعني انك بقيت وحيدة هنا؟..
قالت وهي تخرج من المطبخ وتتقدم منه حاملة حقيبة الاسعافات الاولية: اجل.. جميعهم ذهبوا.. لكني فضلت البقاء هنا..
رآها تجلس على مقعد قريب منه وتفتح حقيبة الاسعافات الاولية.. فقال بابتسامة: وفعلت هذا خوفا من ان تري جثتي؟..
قالت بحنق: لست احب هذا النوع من المزاح..
اتسعت ابتسامته.. لكنها تضاءلت وهو يراها تخرج مطهرا من حقيبة الاسعافات الاولية وتسكب منه قطرات على قطعة القطن.. اهي من ستعالج جروحه حقا؟..لقد قال بسخرية انه لا يريد ان يكون عرضة للتجارب لانه يدرك جيدا انها لن تفعلها وتعالج جرحه.. بل ستحضر الحقيبة حتى يعالج نفسه بنفسه..
اما عهد فقد استغربت نظرته المندهشة لها.. فقالت متسائلة: ما الامر؟..
اسرع يقول: لا شيء..
قالت وهي تمط شفتيها: اذا ارفع كم قميصك.. ودعني اعالج جرحك..
قال بتوتر: لا داعي.. سأعالجه بنفسي.. اعطني قطعة القطن.. وسأتكفل بالامر وحدي..
انعقد حاجباها وقالت: من منا الذي يتصف بالعناد الآن؟.. ارفع كم قميصك.. واعطني ذراعك حتى اعالجها لك..
رفع كم قميصه ببطء.. قبل ان يمدها لها.. لتمسكها هي بخفة.. وتمرر قطعة القطن على الجروح البسيطة والغائرة ..وتسائلت قائلة بغرابة: صحيح.. ما سبب جروحك هذه؟..
قال وهو يتنهد: زجاج..
توقفت عما تفعله بغتة.. ورفعت عيناها له قائلة: زجاج؟.. وهل اخرجت قطع الزجاج من ذراعك؟..
اكتفى بأن هز رأسه نفيا وقال: القطع الكبيرة فقط..
قالت بضيق: هل جننت؟.. اتترك الزجاج في ذراعك طوال هذه المدة..
قال بضيق بدوره: لقد جئت مسرعا من الشقة الى هنا.. لم افكر في شيء او فعل اي شيء.. سوى الابتعاد عن الانفجارات والمجئ الى هنا..
تنهدت قائلة: انتظر لحظات.. سأحاول اخراج قطع الزجاج من ذراعك..
وبدأت تنفذ عملها بمهارة.. وعينا فارس تتبعان كل حركة تقوم بها.. حتى انتهت من تضميد جراح ذراعه وقالت مبتسمة: ها قد انتهيت.. ما رأيك؟..
قال وهو ينقل بصره بين ذراعه وبينها: مع ان الضماد لم يلف جيدا.. لكن عمل جيد..
رفعت حاجبيها باستخفاف قبل ان تقول: ارني مهارتك في المرة القادمة.. بدلا من ان تستخف بي..
ابتسم ولم يعلق على عبارتها.. فقالت هي متسائلة: نسيت ان اسألك.. كيف اصبت هكذا؟..
هز كتفيه وقال: انفجار في المبنى المجاور .. حطم النوافذ.. وادى الى اصابتي كما ترين..
قالت وهي تتطلع اليه وتعض على شفتها بضيق: وتقولها بكل هذه البساطة..
امتدت يده بغتة اليها وكأنه اراد ان يربت على وجنتها.. لكن سرعان ما كور قبضته واعادها الى مكانها.. وقال وهو ينهض من مكانه: المهم انني بخير .. اذهبي الى النوم الآن .. فالوقت قد تأخر كثيرا..
عهد التي استغربت تصرفه.. قالت بهدوء: سأفعل..
قال وهو يراها تذهب مبتعدة لتعيد حقيبة الاسعافات الاولية: لحظة..
توقفت في مكانها وقالت متسائلة بغرابة: ماذا؟..
قال وهو يشير الى غرفة سوزي السابقة: لم يعد ينام فيها احد منذ ان غادرتها سوزي.. ما رايك ان تنامي فيها بدلا من نومك بالردهة ..هذا أأمن لك بالتأكيد..
تطلعت اليه باستغراب اكبر.. لكن نظرة اقرب الى الرجاء في عينيه.. جعلتها تقول: فليكن.. موافقة .. لكن بشرط..
وابتسمت وهي تردف: اهتم بذراعك انت ايضا.. ولا تهملها..
بادلها الابتسامة وهو يراها تبتعد عنه..وبالرغم منه خرجت تنهيدة من بين شفتيه عندما وقعت عيناه على الضماد الذي يلف ذراعه..
########
(امستعد انت يا مارك؟)
قالها هشام وهو يتطلع الى مارك الذي كان متوترا بعض الشيء.. وكلاهما واقفان في منطقة قريبة من المبنى البريطاني..واردف الاول قائلا: لقد كنت افكر في تأجيل هذه الخطوة.. لكن ما حدث بالامس في العاصمة جعلني اغير رأيي هذا.. فنحن بحاجة لتنفيذ هذه الخطة الآن اكثر من اي وقت آخر .. خاصة لنعرف تحركاتهم.. ونستطيع السيطرة على الوضع الآن..
اومأ مارك برأسه وقد بدأ توتره يتضاعف من حجم المسئولية الملقاة على عاتقه.. اما هشام فقد اخرج هاتفه المحمول واتصل برقم ما.. قبل ان يقول بحزم: ابدأوا الآن..
وبدأت تحركات فرقة المقاومة في منطقة ما.. وكل منهم يحاول الاستعداد لأخذ موقعه وتنفيذ الخطة.. وفي احد الاطراف كان جهاد يعد للخطة وعيناه تنتقل بين غسان وغادة الذين اعدا كل شيء تقريبا.. ثم ان مهمتهم ليست بالصعبة ابدا.. بل الجزء الاكبر والرئيسي من المهمة سيلقى على عاتق مارك..
وقال جهاد بصوت منخفض: فلننسحب قبل ان يتم تفجير الموقع بثلاث دقائق..
اومأت غادة برأسها اما غسان فقد تراجع خطوة للوراء ليتأكد ان كل شيء على ما يرام.. قبل ان يقول: لقد بدأ مؤشر الوقت.. ستنفجر القنبلة بعد 10 دقائق من الآن..
التقطت غادة نفسا عميقا وهي تحاول اخفاء قلقها وخوفها.. ونقلت بصرها بين ساعتها وبين تلك القنبلة المخفية عن الانظار في علبة تغطيها الاعشاب والحشائش حتى لا تثير شك اي جندي من الذين يتبادلون في حراسة المكان..
وقبل ان تنفجر القنبلة بثلاث دقائق كما هو متفق.. تراجع غسان وغادة عن المكان.. بينما ظل جهاد يتطلع بكل اهتمام للقنبلة وكأنه يخشى ان ينتبه لها اي جندي من عناصر الحراسة..
انتبهت غادة بعد ابتعادهما بفترة ان جهاد لم يكن خلفهم.. فتوقفت غادة عن الجري مع غسان وقالت وهي تلتفت الى الوراء: اين جهاد؟..
توقف غسان بدوره عن الجري وتلفت يمنة ويسرة وهو يبحث عن جهاد ومن ثم قال بغرابة: من المفترض ان يكون قد غادر المكان .. لقد بقي دقيقة ونصف على الانفجار.. ارجو ان لا يكون قد بقي هناك..
قالت غادة بقلق: وما الذي يجعله يبقى هناك؟.. هو من طلب منا المغادرة قبل ثلاث دقائق من الانفجار..
قال غسان بتوتر: ربما خشى ان يكشف احد القنبلة.. انتظري هنا.. سأذهب لارى ما الامر..
قالت غادة بسرعة وتوتر: كلا.. لا تذهب.. لم يبقى سوى دقيقة على الانفجار..
قال غسان بخوف سيطر عليه: وماذا عن جهاد؟.. لا يمكنني ان اتركه يضحي بنفسه في سبيل نجاح المهمة..
وترك غادة واسرع يجري عائدا الى حيث جهاد.. اما الاولى فصاحت به: عد ولا تكن مجنونا يا غسان..
وعندما لم تجد صدى لكلماتها.. توقفت مكانها بذعر من ان تسمع الانفجار في اي لحظة.. ويكون ضحيته زميلاها في الشرطة.. تطلعت الى ساعتها بقلق ورأت انه لم يتبقى على الانفجار الا اربعون ثانية..
وكمحاولة اخيرة منها اخرجت هاتفها المحمول لتتصل بجهاد وتطلب منه العودة.. لكن لم تتلقى اي اجابة منه.. وعاودت الاتصال على غسان لكنها لم تتلقى اجابة منه كذلك.. شعرت بالقلق يتغلغل اليها وهي لم تراهما قد تركا المكان بعد..
وانتصرت غريزة البقاء في النهاية.. ووجدت خوفها من الموت ينتصر على خوفها على زملاؤها في النهاية.. واسرعت تجري مبتعدة عن المكان .. والعد التنازلي للثلاثين الثانية قد بدأ منذ هذه اللحظة..
:
:
على الجهة الثانية كان غسان وجهاد يبتعدان مسرعين عن المكان وغسان يقول بحدة: يالك من متهور.. اكان من المفروض ان تبقى في مكان القنبلة حتى الثواني الاخيرة من انفجارها؟..
قال جهاد وهو يسرع بالجري بدوره: لم يطلب منك احد العودة الى حيث كنت..
قال غسان وهو يحاول ان يسرع قدر الامكان ويلتقط انفاسه: وهل كان من المعقول ان اتركك تقتل نفسك واظل واقفا مكاني؟..
قال جهاد وقد بدأ يشعر بالتعب: واين غادة؟..
قال غسان وقد بدأ يشعر بصعوبة التقاط انفاسه: اظنها قد غادرت المكان فقد كانت ....
وتلاشت بقية كلماته مع صوت الانفجار الذي دوى في المنطقة بكل قوة وعنف.. مخلفا ضغطا كبير حطم كل الاشجار واقتلعها من جذورها.. وقذف بجهاد وغسان مسافة تزيد على الاربعة امتار.. وشعر كل منهما بآلام تنتشر بجسديهما..
قبل ان يلتفت غسان الى جهاد ويقول وهو يحاول الابتسام: كل هذا بسبب جنونك وتهورك..
جهاد الذي حاول رفع جسده من على سطح الارض قال: لا تعود ادراجك في المرة القادمة من اجلي..
نهض غسان بصعوبة وقال: لقد عدت لاني كنت اخشى عليك..
قال جهاد وهو ينهض بدوره: وقد بقيت لاني خشيت ان تفشل المهمة بعد كل المجهود الذي بذلناه.. وبعد كل التخطيطات التي خططها المقدم وهشام وفرقة المقاومة..
واردف وهو يكمل سيره: فلنبحث عن غادة.. ربما لم تبتعد مسافة كافية لتتقي الانفجار..
اومأ غسان برأسه واسرعا يبتعدان عن المكان بحثا عن غادة.. واخيرا وصلا بعد سير دام ربع الساعة تقريبا الى حيث اوقفا سيارتهما .. وهناك شاهدا غادة تقف بقلق تنتظرهما .. فقال غسان وهو يبتسم: ها هي ذي التي كنت قلق عليها.. لقد هربت وتركتنا وسط الخطر..
قالت غادة مستنكرة لما قاله: لم اهرب.. ولكن لم اعرف ما علي عمله.. ان عدت ربما لا اجدكما.. حاولت الاتصال بكما عدة مرات لأطمئن عليكما وان كنتما ستعودان .. ولكنكما لم تجيباني..
قال جهاد بهدوء: لا داعي لهذا النقاش الآن.. المهم اننا جميعا بخير..
قال غسان مبتسم: نعم هذا اهم شيء الآن.. حمدلله..
قال جهاد وهو يفتح باب سيارته ويدخل اليها: هيا علينا ان نغادر الآن فجميع الجنود سيتجمعون حول مكان بعد لحظات ..
صعدا الى السيارة وانطلق جهاد بها الى فرقة المقاومة.. وهو يتمنى ان تنجح الخطة بعد ان بذل كل منهم جهده في المهمة...
##########
انتشروا الجنود في كل مكان.. فهذا يبحث هنا والآخر يبحث هناك.. يبحثون عن اي اصابات لجنودهم بسبب تلك القنبلة.. او اي اصابات للمبنى البريطاني.. وبعد نصف ساعة من البحث .. هتف احدهم بصوت عالي: تعالوا الى هنا .. لقد وجدت احدهم..
تقدم منه اربعة جنود آخرين وتطلعوا الى ذلك الجسد المرمي على الارض والذي بان على جسده معالم التضرر من الانفجار.. من تمزق ملابسه ومن الدخان الاسود الذي كسى جلده.. ومن الجروح التي تفرقت على وجهه وذراعيه..
تطلع الى ذلك الجسد احد الجنود وقالوا: من هذا؟.. ايعرفه احدكم؟..
اجابه آخر: لا.. ولكنه يبدوا بريطاني من ملامحه ولون شعره.. ايمكن ان يكون زائر لهذه البلاد..
قال الثالث: هذا احتمال وارد.. لكن ما دام بريطاني فلننقله الى المشفى في المبنى ولنسعفه فورا..
حمله اثنان منهم وهم يأخذونه الى المبنى البريطاني لمعالجته من اصاباته التي تسبب بها الانفجار...
:
:
ومن بعيد كان هشام يراقب كل هذا من زجاج مبنى مجاور.. والتفت ليقول بصوت حاول ان يجعله هادئ قدر الامكان: نجحنا بالخطوة الاولى في الخطة.. لقد اخذوه الى داخل المبنى..
قال عزام وهو يقترب منه ويربت على كتفه: لا تقلق على شقيقك.. سيكون بخير باذن الله.. هو بريطاني ولن يؤذوه لانه منهم..
قال هشام وهو يتنهد: اتمنى ذلك..
واردف في بحزم: فلتغادروا المكان الآن.. واي تطورات ستصلنا عن طريق مارك.. فليس لدينا اي خيط يوصلنا اليه سواه هو نفسه..
قال عادل بقلق: الا تعتقد انك تسرعت ايها القائد بدسه بينهم؟..
قال هشام وهو يعود ليراقب المشهد من زجاج النافذة: لم يعد هناك وقت للتفكير فيما حصل.. لقد اخذوه لداخل مبناهم وانتهى الامر.. كل ماعلينا الآن هو الدعاء له بالتوفيق.. وبانتظار اي اخبار قد تصل منه...
وزفر بقوة.. وهو يشعر بقلبه يرجف خوفا على شقيقه الوحيد الذي دخل المبنى البريطاني .. دون ان يعلم ما سيكون مصيره.. ربما تخيب توقعاته ويتلقى العذاب على ايديهم.. وقد يقتلونه بسبب خطته الحمقاء.. لكن لم يكن لديه بديل .. لقد وضعه في مصير مجهول.. على امل ان ينجح مارك في تأدية المهمة بنجاح.. ويكون املهم في ان تتحرر هذه الارض من هذا المحتل ...
##########
ألكس الذي كان يقف بحزم وصرامة يعطي الاوامر لجنوده ببدء المزيد الانفجارات في منطقة العاصمة .. دون ان يهتم وقتها بشيء.. فعند اداء الواجب تتلاشى العواطف.. وعند الظلم تختفي الرحمة.. فلم يكترث احد ان كانوا قد قتلوا بانفجاراتهم طفلا كان نائما براحة في فراشه الدافئ يحلم بالغد.. او شيخا كبير السن يدعوا الله ان يشفيه من مرضه.. او امرأة تفكر كيف تربي ابناءها افضل تربية وتقدم لهم كل ما يحتاجونه دون ان تقصر عليهم بشيء..
لم يفكر احد منهم وقتها بعدد المباني التي تدمرت او الناس الذين قتلوا بسبب انفجاراتهم المستمرة بلا توقف..او بعدد الجرحى الذين تحاول سيارات الاسعاف نقلهم الى المشفى في اقصى سرعة ممكنة.. كل ما كان يشغل تفكيرهم وقتها هو تدمير المباني والبيوت وسلب الارواح البريئة للتمكن من احتلال هذه البلاد والسيطرة عليها... فالظالم وقتها يتحول الى آلة تقوم بتنفيذ العمل لا بشر له قلب ينبض يشعر ويحس.. يعطف ويحن..
وفي تلك المنطقة اعطى الكس اوامره بالتوقف عن التدمير .. ومن ثم قال بصرامة: توقفوا الآن..
توقف الجنود عن اداء عملهم .. والتفت ألكس الى جون وقال بارهاق: لقد انتهينا.. اليس كذلك؟..
اومأ جون برأسه ومن ثم قال: بلى .. يمكننا ان نعود الآن..
قال ألكس وهو يلتقط نفسا عميقا: سأنتظرك في السيارة.. اصرف الجنود وبعدها الحق بي..
قال جون بهدوء: حسنا..
ابتعد ألكس عن المكان وهو يشعر بقلق خفي تسلل اليه.. لم يتمكن من رفض الاوامر المسندة اليه.. كان لابد له ان يقود الجنود للعاصمة لكي يبدؤوا بالتفجيرات بها.. وهو الوحيد وسط القادة القادر على مغادرة المبنى بخطوات مدروسة دون ان ينتبه له احد .. وخاصة بعد ان شعروا ان فرقة المقاومة باتت تعرف موقعهم..
ولهذا كان عليه ان يؤدي المهمة بلا تفكير وان يزيح عواطفه جانبا.. ثم لو رفض ادائها سيشك في امره وقد يتم اتهامه بمخالفة الاوامر والتواطئ مع الاعداء...
تنهد بتعب وهو يصعد الى السيارة ويجلس على مقعد السائق منتظرا جون.. لا يمكنه انه ينكر انه قلق عليها.. لازالوا لا يدركون بعد موقع فرقة المقاومة.. وهي منهم.. وبالتالي قد تكون قد اصيبت بمكروه ما لو كان هذا موقعهم.. او تكون قد رحلت عن الحياة كما تسببوا بقتل الآلاف هنا...
طرد هذه الافكار عن ذهنه .. وسارع بارسال رسالة لها يقول فيها.. (هل انت بخير يا عهد؟..اشعر بالقلق الكبير عليك)..
:
:
عهد التي كانت شبه نائمة في غرفة سوزي سابقا.. شعرت بنغمة وصول رسالة الى هاتفها المحمول.. فتحت عيناها واخذت هاتفها لترى ان هناك رسالة قصيرة قد وصلتها.. ضغطت على الزر وفتحت الرسالة وقرأتها ببطء..
على الرغم من كل ما فعله ألكس معها.. وعلى الرغم من كل ما يربطها به من مشاعر واحاسيس جميلة.. وجدت نفسها تشعر بالغضب والسخط من كلماته ..وتعقد حاجبيها بضيق وهي تشد من امساكها لهاتفها المحمول..
فكرت في البداية عدم الرد عليه لانه السبب في قتل الآلاف في العاصمة .. وقد كاد ان يقتل فارس بينهم.. ابن عمها وآخر شخص بقي لها في هذه الدنيا من بعد مقتل أهلها.. كان سيحرمها فارس .. سيحرمها أمانها وطمئنينتها وسندها في هذه الدنيا...
ووجدت اصابعها تكتب له رسالة جافة بكلماتها .. وتحمل مافي قلبها من حقد على جبروته وظلمه ..
:
:
ألكس الذي اسند رأسه لمسند المقعد واغمض عينيه ليشعر براحة بسيطة .. شعر بخطوات تقترب منه.. فتح عينيه ليرى جون يقترب منه ويقول: يبدوا انك متعب.. دعني اقود السيارة عوضا عنك..
لم يعارضه ألكس بل انتقل الى المقعد المجاور .. لانه بالفعل كان مجهدا لدرجة كبيرة ويخشى ان يتسبب بحادث نتيجة عدم تركيزه...
وما ان انطلقت بهم السيارة حتى سمع ألكس نغمة وصول رسالة قصيرة الى هاتفه المحمول.. فالتقطه وفتحها وعلى شفتيه ابتسامة وهو يدرك ان هذه الرسالة هي من عهد..وشعر براحة كبيرة تتغلغل الى اعماقه.. فهذا يعني ان عهد بخير ولم تصب بمكروه في ظل هذه التفجيرات...
لكن سرعان ما اختفت ابتسامته وحل محلها الضيق والالم وهو يعيد قراءتها من جديد لعله اخطأ في قرائته لها في المرة الاولى .. (انا بخير .. لكن الآلاف غيري ليسوا كذلك يا قائد الجيش البريطاني)..
زفر بحدة وهو يعود ليسند راسه لمسند المقعد..انها تلومه على ما فعل.. لكن ماذا عساه ان يفعل؟.. هو مجبر لا مخير حتى يعترض على الاوامر.. هو قائد عليه تنفيذ الاوامر وعدم مناقشتها.. يعلم انه قتل المئات وجرح الآلاف لكن ما الذي في يده ان يفعله؟.. هذا هو عمله وهذه هي حياته وهو اختارها منذ البداية.. لا يمكنه تغييرها او حتى محاولة ذلك..
وزفر بحرقة وهو يشعر ان الامور بينه وبين عهد عادت لتتأزم وتتعقد من جديد بسبب هذا الواقع المرير...
########
ناد اولئك الجنود احدى الممرضات بسرعة لتعاونهم على نقل ذلك البريطاني المصاب الى غرفة ما لمعالجته.. واقتربت الممرضة على عجل وهي تدفع الفراش المتحرك وهي تهتف: ما الامر؟.. ومن هذا الشاب؟..
قال احد الجنود وهو يضع جسد الشاب البريطاني على الفراش: عالجيه اولا ..وبعدها سنعرف من هذا...
اخذته الممرضة على عجل الى احدى الغرف ونادت احدى الممرضات لتعاونها ..وطلبت من اخرى ان تنادي لها الطبيب المختص...
وسرعان ما تعاونوا جميعا لمعالجة وتضميد جروحه المتفرقة في جسده.. وبعدها قال الطبيب بهدوء: سيفيق بعد قليل.. انها مجرد رضوض وكدمات وجروح.. وربما كانت الصدمة من حدث ما هي من تسببت في فقدانه للوعي..
قالت الممرضة: الجنود قد احضروه الى هنا.. اظن انه كان في موقع الانفجار الذي حدث منذ قليل..
اومأ الطبيب برأسه متفهما ومن ثم قال: هلا ناديتي احد الجنود الى هنا حتى اسأله..
اسرعت الممرضة تتحرك من مكانها وهي تقول: حالا..
خرجت الممرضة من الغرفة وبحثت بعينيها عن الجنود الذين احضروا ذلك البريطاني الى المشفى.. وما ان وجدت احدهم حتى قالت وهي تتوجه اليه: الطبيب يرغب في التحدث اليك..
قال الجندي وهو يتحرك من مكانه: حسنا..
وابتعد معها الى حيث الغرفة.. ومن بعيد استغربت تلك الممرضة ما يجري هنا.. جنود يقفون بجانب غرفة ما وممرضات وطبيب يسرعون للغرفة.. يبدوا ان احدهم مصاب..
وتوجهت الى احد الجنود وسألته: هل المصاب هو احد الجنود؟..
قال الجندي وهو يهز رأسه نفيا: كلا.. بل شاب بريطاني كان متواجد بالقرب من مكان حدوث الانفجار..
قالت الممرضة باستغراب: شاب بريطاني بالقرب من هنا.. ومن يكون؟..
قال الجندي وهو يهز كتفيه: لسنا نعلم الى الآن..
قالت الممرضة وهي تلتفت عنه: سأرى الامر بنفسي..
وابتعدت عنه وهي تتوجه الى الغرفة.. شعرت بشعور غريب يتملكها عندما امسكت بمقبض الباب.. وما ان فتحته ودخلت حتى تسارعت ضربات قلبها لسبب مجهول لم تفهمه ..
وهناك عند ذلك الفراش شاهدت الممرضات حول ذلك الجسد الممدد لشاب لم تلمح وجهه.. واقتربت وهي تقول متسائلة: هل الاصابات خطيرة ام بسيطة؟..
اجابتها احدى الممرضات وهي تلتفت اليها: مجرد جروح وكدمات ورضوض.. وقد سيطرنا على الوضع .. لكن الشاب لا يزال فاقد للوعي..
قالت الممرضة وهي تقترب من الفراش اكثر لتتمكن من رؤية ذلك الشاب: هذا امر جـ...
وانبترت عبارتها وتلاشت في الهواء .. مع عيناها المتسعتان والمصدومتان عندما وقعتا على وجه ذلك الشاب.. انها تتخيل اليس كذلك؟.. ربما من كثرة تفكيرها به اصبحت تراه في كل مكان.. لكنه هو .. ملامحه ذاتها.. تستطيع ان تعرفه من بين الآلاف .. ويمكنها ان تقسم ان الراقد على هذا الفراش .. هو مارك.. حب حياتها ولا احد سواه..
:
:
يتبع...
 
بــ الحب (38) والواقع ــين
::تسلل::



لم تنم بالامس جيدا وربما لم تتجاوز ساعات نومها الساعتين فحسب .. فبعدما عاشت ذعرها على فارس بالامس وامكانية فقده.. وبعد ان ارسل ألكس رسالته لها..شعرت اي مشاعر واحاسيس تجرف نفسها لها.. انها تجري وراء وهم.. وراء لا شيء.. ألكس مختلف عنها في كل شيء.. جنسيته ودينه.. عاداته وتقاليده.. افكاره ومبادئه.. وحتى طباعه وعمله الذي يقف حائلا بينهما..
كيف لها ان تنجرف وراء مشاعرها تجاه شخص يقتل ابناء ارضها ولا يزال يواصل تدميره لبلادها وقتله لأبناءها؟؟!.. الهذه الدرجة اعمت المشاعر بصيرتها؟؟.. لقد كادت أن تفقد فارس بسببه بالامس وسط تلك الانفجارات.. كان من الممكن ان يرحل عن الدنيا..بسببه.. بسبب ألكس..
كل هذا جعلها تفكر في هذا الوهم الذي تنجرف اليه والمسمى ألكس.. لكنها ستحاول قدر الامكان ان تعود عهد السابقة.. الكارهة للبريطانيين ولقائدهم الظالم المتجبر القاسي.. ستعود ولن يكون في تفكيرها سوى فكرة الانتقام ممن قتلوا والديها وشردوها كما شردوا الآلاف غيرها...
وفي خضم افكارها شعرت بالنعاس يتسلل اليها.. وما ان شعرت بحاجتها الملحة للنوم.. حتى سمعت طرقات على الباب.. فتحت احدى عينيها بتعب وتطلعت الى ساعة هاتفها وشاهدتها تشير الى الثامنة صباحا...
اعتدلت في فراشها بتعب وهي تقول بصوت غلبه النعاس: من؟..
جاءها صوت فارس من خارج الغرفة وهو يقول: انه انا ياعهد..
استغربت من طرقه للباب في هذه الساعة المبكرة..ما الذي يريده منها في مثل هذا الوقت؟..ونهضت من سريرها وهي تفرك عينيها بتعب..وتقدمت لتفتح الباب وتقول: ما الامر يا فارس؟.. لماذا تطرق الباب في مثل هذه الساعة المبكرة من الصباح؟..
قال بسخرية: اطمئني ليس لاني اشتقت لرؤيتك.. ولكن لان علينا الذهاب الآن والا قد نتأخر فيما بعد..
قالت عهد بتساؤل ودهشة: نذهب؟؟.. الى اين؟..
ابتسم وقال: يبدوا ان ما حدث بالامس جعل الامر يغيب عن ذهنك.. لقد اخبرتك بأن علينا الذهاب الى المنطقة الشمالية لاتمام صفقة مع رجل اعمال..
عهد التي حاولت عصر ذهنها للتذكر ومن ثم قالت: لست اتذكر..
قال محاولا ان يجعلها تتذكر: يبدوا ان صدمة ما حدث بالامس قد سببت لك فقدان الذاكرة.. تذكري جيدا لقد قلت لك ان هناك رجل اعمال يبحث عن قطعة ارض في المنطقة الشمالية.. التي تبعد عن هنا مسافة الثلاث ساعات ولهذا لن يمكنني الذهاب والعودة من والى هناك..وكذلك لن يمكنني تركك وحيدة هنا.. وبعدها وافقت انت على القدوم معي..
عهد التي تذكرت الامر وقالت وهي ترفع حاجبيها: بلى لقد تذكرت الآن..
ابتسم فارس بسخرية وقال: حمدلله انك تذكرت اخيرا.. خشيت ان من الواجب علي اعادة الامر عليك عشرات المرات حتى تنتعش ذاكرتك وتعود اليك من جديد..
لم تكترث بسخريته وقالت وهي تضع اصبعها تحت شفتيها دلالة على التفكير: لكن ايجب علي الذهاب معك حقا؟؟..
تطلع اليها بصرامة وقال: عهد انا لا امزح.. هيا جهزي نفسك وملابسك بسرعة.. علينا الذهاب لكي اصل الى هناك في الوقت المناسب..
قالت برجاء: اشعر بالتعب ولم انم سوى ساعتين لا اكثر منذ الامس..
قال فارس ببرود: بالنسبة لي لم انم الا لدقائق وها انذا اقف امامك بشكل طبيعي.. هيا اسرعي .. سأنتظرك لعشر دقائق فحسب..
قالت عهد بحنق: حسنا..
وابتعدت لتذهب الى دورة المياه وتستعد لمغادرة المكان مع فارس الى المنطقة الشمالية.. وقد بدأت تشعر بالقلق من هذه الرحلة التي ستستغرق عدة ايام .. ستكون فيها تقريبا وحيدة مع فارس وتحت سيطرة اوامره وتحكمه بها...
#########
تجمدت نظراتها عليه وهي تتطلع الى ذلك الوجه وكأنها تريد التأكد من صاحبه.. انها لا تتخيل اليس كذلك؟.. انه مارك..يرقد على هذا الفراش امام عينيها..منذ زمن تتوق للقياه لكنها لم تتوقع ان يكون هذا اللقاء هنا.. في المبنى البريطاني...
يا الهي.. ما الذي اتى به الى هنا؟.. وماذا اصابه؟.. هل اصابه مكروه ما بسبب تلك القنبلة التي انفجرت منذ قليل.. والتفتت في سرعة الى احدى الممرضات وقالت: ما الذي اصاب هذا الشاب؟..
قالت الممرضة باستغراب: لقد اخبرتك انها مجرد رضوض وجروح بسيطة..
عادت سوزي لتسال: وما سببها؟..
قالت الممرضة بهدوء: اظن انه بسبب ضغط الانفجار الذي حدث منذ قليل.. فالجندي يقول انهم رأوه فاقد الوعي هناك ..
عادت لتلتفت الى مارك وتتطلع اليه بشوق.. بحب وبسعادة .. لانه امام ناظريها الآن..ولأنه بخير.. ولأنه بجانبها وسبقى بجانبها لايام في هذا المبنى ..
وعادت لتسأل باهتمام شديد ظهر بشكل واضح على ملامح وجهها: ومتى سيفيق؟..
قالت الممرضة وهي تهز كتفيها: ربما بعد ساعات قليلة..
ابتسمت سوزي بسعادة وعادت لتتطلع الى جسد مارك الممدد امامها وهي تنتظر نهوضه بلهفة شديدة...
##########
هشام الذي التقط نفسا عميقا وهو يتذكر الحوار الذي دار بينه وبين مارك بالامس فحسب..
:
:
قال هشام بنبرة تحمل كل معاني التحذير والحزم: اياك والاقتراب من موقع القنبلة.. ستكون فقط في محيطها وبالتالي لن يصيبك مكروه..وبعدها ستتظاهر بفقدان الوعي لكي يأخذوك الى مبناهم لتتم معالجتك.. ولانك بريطاني الجنسية لن يشكّوا في امرك ابدا..
استغرق مارك في التفكير بعض الوقت قبل ان يقول بنظرة مترددة: لكن يا هشام .. الاطباء هناك ليسوا بحمقى لكي لا يدركوا باني فاقد الوعي حقا او تمثيلا.. سأقترب قليلا من موقع القنبلة.. وبالتالي ستكون الاضرار التي تصيبني قليلة..ويمكنني التظاهر بعدها بآلام جراحي ليأخذوني هناك..
اشار له هشام بحزم وهو يقول: مارك.. اياك والتهور.. انا اخشى عليك يا اخي.. انت لا تعلم اي اصابات قد تصيبك من جراء هذه القنبلة..
ابتسم مارك وقال وهو يشير بابهامه علامة (اوكي) : لا تقلق يا اخي لن يحدث لي مكروه.. فأنا تلميذك.. وبالنسبة لجروحي يمكننا تدبرها قبل الذهاب الى هناك..
:
:
ابتسم هشام بألم وهو يتذكر ما جرى لشقيقه وقت انفجار القنبلة: الاحمق لم يستمع الى تحذيراتي وتنبيهاتي له وتعمد الاقتراب من موقع القنبلة..
واغمض عينيه وهو يتذكر كيف اقترب مارك باصرار عدة امتار من القنبلة.. ولم يره الا وضغط الانفجار يقذف به بعيدا ويرميه على الارض الرملية.. وبعدها لا يعرف اي اضرار اصابته..وان كانت جروحه بسيطة ام لا.. فكر في ان يلغي الخطة بأكملها وان يسرع اليه ليرى ما اصابه..
لكن اقتراب الجنود منه وقتها وحمله الى المبنى البريطاني .. منعه من ذلك وطمأنه في الوقت ذاته على مارك.. فهذا يعني انهم اخذوه لكي يسعفوه.. اذا سيكون على ما يرام باذن الله..
وابتسم بحزن وهو يتطلع الى هاتفه ويقول: اتمنى ان تكون في خير حال الآن يا مارك.. وان تنجح في تنفيذ الخطوة التالية من الخطة.. وبعدها ستتمكن من الاتصال بنا ومنحنا كل ما نحتاج اليه من معلومات ستفيدنا في هذه المعركة...
#########
ابتسم حازم وهو يقترب من والده الجالس على اريكة بالردهة ويتابع التلفاز باهتمام وقال: صباح الخير..
لم يجبه والده .. فكرر قوله وقال: صباح الخير يا والدي..
حرك والده يده بأشارة له بأن يصمت.. واستغرب حازم هذا الامر من والده.. وفهم ان والده مهتم بشدة بما يعرض على التلفاز.. فالتفت هو بدوره ليرى ما هنالك.. وما ان رأى بعينيه ما جرى وقرأ الكلمات الموجودة في آخر الشاشة.. حتى سيطر الخوف على كل خلية من خلايا جسده.. ووجد نفسه يغادر المنزل وهو يهتف بخوف كبير: فارس هناك...
اسرع يجري مبتعدا متخطيا حديقة منزله الكبيرة والراقية.. واحتل سيارته وانطلق بها باقصى سرعة ممكنة وهو يعبر الشوارع الواحد تلو الآخر.. متجاهلا اشارات المرور و سباب قائدي السيارات الاخرى..
لم يكن يهمه لحظتها سوى ان يطمئن على فارس وما حدث له في العاصمة.. فللتو فقط قد علم بالانفجار الذي حدث هناك وفي المنطقة التي تقع بها مباني فارس.. واخذ يدعو الله ان لا يصاب رفيق عمره بمكروه..
ومع اسراعه بقيادته لسيارته اقترب من تلك المنطقة.. ولاح له من بعيد آثار ذلك الدمار الذي طغى على المكان.. وزادت دقات قلبه وهو يشعر ان فارس قد يكون متواجدا في مكان كهذا.. حاول السيطرة على اعصابه وتوتره.. وحاول ان يوهم نفسه ان فارس بخير رغم كل هذا الدمار وهو يتجاوز تلك الممرات حتى يصل في النهاية الى البنايات التابعة لفارس..
وعلى الرغم منه ندت شهقة من بين شفتيه واتسعت عيناه بذعر وهو يرى ما حل بتلك البنايات.. لقد دمروها ..حطموا نوافذها وابوابها..هدموا شققها.. وقتلوا ساكنيها وشتتوهم.. الموت لهم.. الموت للاعداء المستعمرين الطغاة.. الموت لهم..
اوقف السيارة بجانب تلك المنطقة .. واغمض عينيه وهو يسند رأسه الى مسند المقعد ويشعر بغصة مرارة بحلقه وبدموعه تنذر بالسيلان على وجنتيه وهو يتذكر كل لحظة قضاها مع فارس.. كل كلمة نطقها هذا الاخير.. وكل ابتسامة طفت على سطح شفتيه.. تذكر مزاحه وسخريته وخفة ظله.. وكل ذكرى قضاها معه..
ووجد دموعه تسيل على خديه دون شعور منه .. وكور قبضته بكل قوة لديه وهو يهتف بأعلى صوته: الموت لكم.. فلترحلوا عن بلادنا.. اكتفينا من قتلكم لأهلنا وأصحابنا وابناء شعبنا.. اكتفينا من تدميركم لبيوتنا.. اكتفينا.. فلترحلوا عن بلادنا..
شعر بأنفاسه تتقطع وهو يدير انظاره الى المباني .. وقال بملامح شاحبة وبصوت مختنق: بالامس فقط.. كنت تطلب مني ان اغادر واعود الى المنزل.. وكأنك كنت تعلم بما سيحدث.. وتحاول حمايتي مما سيفعلوه.. كأنك كنت تريد حمايتي وتريدني ان ابقى على قيد الحياة ...
وعض على شفتيه بقهر ومسح دموعه وهو يكمل بصوت خافت: ليتني بقيت معك يومها.. لربما استطعت ان احميك او لربما تمكنت من تحذيرك قبل ان يحدث ما حدث...
واضاءت في عقله بغتة كلمات نطقها فارس في يوم .. وعادت الآن تتردد في ذهنه .. وكأن قد حان الوقت ليؤدي وعده لفارس..
(لو حدث لي شيء يا حازم.. وصيتك هي عهد .. وادرك جيدا انك ستكون قادرا على تحمل المسئولية.. وان كانت ستثير جنونك بحماقتها.. لكن احتملها لاجل صديقك فارس)
رسالة ارسلها فارس له عندما كان ذاهبا في مهمة مع فرقة المقاومة.. وطلب منه فيها ان يعتني بعهد ويتحمل مسؤوليتها.. ويبدوا انه جاء الوقت ليقوم بما جاء في الرسالة..
رفع رأسه الى احد مباني فارس التي كانت الاضرار التي به اقل من سابقيه .. وهذا المبنى هو المبنى الذي كان يقطن فيه فارس.. شعر بوميض من الامل يضيء قلبه.. فلربما كان فارس بخير وان يكون نجا من هذه الانفجارات.. رغم الاضرار الكبيرة التي حدثت للمبنى.. لكن هناك عدة شقق على الجانب الآخر من المبنى لم تصبها الاضرار بشكل كبير..
وجد حازم نفسه يدخل المبنى ويسرع في صعوده للسلالم وهو يحاول الوصول الى الشقة التي يسكنها فارس.. ورغم الاضرار التي اصابت درجات السلالم الا انه استطاع الوصول للطابق المطلوب وتلفت حوله في لهفة وهو يبحث عن شقة فارس ويراها ان كانت بوضع جيد ام لا..
وتنهد براحة وشعر بالامل يغزو اعماقه وهو يلمح باب الشقة المفتوح .. دلف الى الشقة وهو يشعر ان فارس بخير ولم يصب بمكروه.. لكن لم يلبث ان بدأ الخوف يزحف الى ملامحه وهو يتخيل ان يرى فارس غارق في دماءه على ارض الغرفة..
نفض تلك الصورة عن ذهنه واخذ يبحث بعينه عن فارس .. ورأى وقتها زجاج نافذة الردهة المحطمة عن آخرها.. واسرع بعدها يدخل الى الغرفة وهو يهتف باعلى صوته: فــارس.. هل انت هنا؟.. اجبني .. فـأرس..
لم يكن هناك اثر على وجود اي شخص في الغرفة.. واول ما سقطت عليه عيناه كان سترة فارس .. اسرع يتجه اليها بلهفة ويلتقطها ليضمها الى صدره ويقول بصوت متلهف: فارس بخير.. انه على ما يرام..
ودار بعينه في المكان من جديد.. لتقع عيناه على هاتف فارس المحمول .. اتجه اليه والتقطه ورأى ان البطارية قد فرغت .. وردد بفرح وراحة: حمدلله .. حمدلله .. انه بخير.. فارس بخير.. حمدلله..
واسرع يحمل ما بيده ويغادر الغرفة.. ومن ثم يغادر المبنى بأكمله.. ليتجه الى سيارته .. ومن ثم يستخدم الشاحن الخاص بالسيارة لشحن هاتف فارس المحمول.. وانتظر بلهفة وشوق ان تشحن البطارية ولو بقليل من الطاقة حتى يطمئن على فارس ويسمع صوته..
#########
وضعت ملابسها التي تحتاجها في حقيبة صغيرة وهي تحاول قدر الامكان ان تسرع في ما تفعله.. ففارس ينتظرها بالخارج منذ اكثر من ربع ساعة.. وتعلم انه سيثور في وجهها بسبب تأخرها..
اسرعت تحمل حقيبتها بعد ان انتهت من ما تفعله.. والقت نظرة سريعة على فرقة المقاومة.. قبل ان تحسم امرها وتتجه الى هشام وتقول بصوت منخفض: أأخبرك فارس بأنني سأغادر معه؟..
هشام الذي عاد مع افراد فرقة المقاومة قبل قليل ..التفت لعهد وقال بهدوء: اجل..
قالت عهد بابتسامة مرتبكة: فقط اردت ان اودعك قبل ان اذهب.. واخبرك اني سأعود بعد ايام قليلة لأواصل تنفيذ المهمات معكم..
ابتسم لها هشام وقال: اذهب وعد سريعا وسالما..
اومأت عهد برأسها وقالت: الى اللقاء يا ايها القائد..
وابتعدت عنه وهي تغادر الفرقة وتتوجه نحو خارج الفرقة..وتوجهت الى حيث المكان الذي اعتاد فارس على ايقاف سيارته فيه.. وهناك شاهدته يجلس في سيارته بانتظار قدومها..
فتحت الباب الخلفي للسيارة ووضعت حقيبتها الصغيرة على المقعد الخلفي.. قبل ان تغلق الباب وتعود لتفتح الباب الامامي وتحتله وهي تزفر بحرارة.. فقال فارس بضجر وهو يدير المحرك: كل هذا الوقت لتستعدي..
قالت عهد وهي تعقد حاجبيها: وماذا بامكاني ان افعل؟.. لقد استبدلت ملابسي وجهزت حقيبتي وجئت الى هنا على الفور..
قال فارس وهو يضغط على دواسة الوقود وينطلق بالسيارة: لقد اعلمتك اننا سنغادر منذ الصباح.. فلم استغرقت كل هذا الوقت لتجهزي نفسك.. وجعلتيني انتظرك بالخارج لنصف ساعة كاملة..
زفرت عهد بملل وقالت وهي تسند ظهرها للمقعد: حسنا هكذا نحن الفتيات نتعمد التأخير لكي تنتظرونا انتم الرجال بالخارج.. هل افرحتك هذه الاجابة؟..
ابتسم فارس وقال: لا ولكنها اوضحت لي كيف ان الفتيات فارغات العقول حقا..
تطلعت له عهد وهي ترفع حاجبيها باستنكار وكادت ان تجيبه لولا ان شعرت باهتزاز هاتفها المحمول في جيبها.. وخفق قلبها بقلق.. فرقم هاتفها هذا لا يعرف رقمه سوى اثنان فارس وألكس.. وبما ان فارس معها.. اذا فألكس الذي يتصل بها الآن.. هل من المعقول انه اتصل بها بعد ان ارسلت له تلك الرسالة اليوم؟؟!..
اخرجت الهاتف من جيبها قليلا بشكل يجعلها تلمح من المتصل.. وما ان رأت انه رقم غريب حتى عقدت حاجبيها.. انه رقم لهاتف محمول محلي.. لمن يكون هذا الرقم؟.. اليس من الممكن ان الكس قد اتصل بها من هاتف آخر لكي تجيبه؟.. لكنه لم يتصل من هاتفه من الاساس لكي يعلم ان كانت ستتجاهل مكالمته ام لا..
توترت وهي ترى ان الرقم يتوقف عن الاتصال لثواني ويعاود الاتصال من جديد.. ووضعت في ذهنها فكرة ان يكون هذا الشخص مخطئ في الرقم وبالتأكيد لا يعني الاتصال بها..
وفارس الذي لاحظ نظراتها المتصوبة نحو شيء معين قال متسائلا: الام تنظرين؟..
التفتت له بسرعة وقلق.. ومن ثم قالت بتوتر: لا انظر الى شيء..
قال فارس وهي يرمقها بنظرة حازمة: لست اعمى لكي لا انتبه الى نظراتك المستمرة الى شيء ما في يدك.. اخبريني الام تنظرين؟..
عهد التي ترددت في اخباره من عدمه.. قالت بصوت متوتر: انظر الى هاتفي.. فهناك رقم غريب يتصل بي..
قال فارس وهو يمد يده لها: اعطني اياه اذا .. ودعيني اجيبه..
توترت عهد اكثر.. ماذا لو كان المتصل هو ألكس؟.. لكنها تشعر ان هذا احتمال بعيد.. وعلى الرغم من هذا قالت: دعه.. سينهي الاتصال بعد ان يمل..
عقد فارس حاجبيه وقال: وماذا لو لم يمل؟.. او ماذا لو انه حاول الاتصال بك اكثر من مرة؟.. اعطيني اياه لاحادثه منذ الآن ليفهم ان هذا الهاتف لشاب .. ولا يحاول الاتصال به مرة ثانية..
ابتسمت عهد وقالت: وكيف علمت ان المتصل شاب؟.. ربما كانت فتاة قد اخطأت في الرقم..
قال فارس بسخرية: لا بأس ففي الحالتين لن أخسر شيء.. بل قد احظى برقم فتاة جديد في هاتفي..
مطت عهد شفتيها وسلمته الهاتف.. فأجابه هو دون ان يرى الرقم وهو يقول بحدة: من المتحدث؟..
وعلى الرغم من لهفة الشخص على الطرف الآخر للحديث الى فارس..وعلى الرغم من سعادته الكبيرة وهو يسمع صوت هذا الاخير وهو يتحدث اليه.. الا انه قال وهو يضفي على لهجته بعضا من المرح: اليس هذا هو رقم هاتف عهد؟..
شعر فارس بالشك من هذا الصوت وكأنه يعرف صاحبه.. لكنه قال وهو يحاول ان يبدوا هادئا: كلا انت مخطأ .. فهذا هو رقمي انا..
قال صاحب الصوت بمرح اكثر: لكني متأكد انه لعهد..
قال فارس بسخرية وقد شعر انه قد عرف صاحب الصوت اخيرا: توقعك مخطأ يا سيد.. فهذا الرقم هو لسكرتير وزير الداخلية..
قال صاحب الصوت وهو يضحك: يا الهي.. يبدوا وانني سأشنق قريبا..
قال فارس وهو يبتسم: لم لم تعرفني بنفسك على الفور يا حازم؟.. اتظن اني لن اعرفك؟..
قال حازم بابتسامة واسعة: لكنك شككت بكوني انا بالفعل عندما اتصلت بك..
قال فارس مستغربا: ذلك لانك كنت تتصل على هاتف عهد.. فاخبرني كيف حصلت على رقم هاتفها؟..
قال حازم وهو يتنهد بارتياح: لقد خشيت عليك اكثر مما تتصور.. ظننت انك قد اصبت بمكروه في تلك الانفجارات .. ووجدت نفسي اندفع الى مبانيك الموجودة بالعاصمة.. وهناك عندما رأيت ما حل بها ظننت للوهلة الاولى اني قد... لا اراك من جديد.. لكني عدت لارى نفسي اصعد المبنى واجد شقتك وقد حل بها ضرر بسيط وبعدها وجدت هاتفك بها وقد فرغت بطاريته...
قال فارس بسخرية: لقد حكيت لي كل ما حدث لكنك لم تجب عن سؤالي..
قال حازم وهو يبتسم : الامر معروف.. قمت بشحن هاتفك قليلا.. واخذت منه رقم عهد لاني توقعت ان تكون معها في هذا الوقت.. واتصلت بها لأطمئن عليك.. اخبرني ما اخبارك بعد كل ما جرى؟..
تنهد فارس وقال وهو يتطلع الى ذراعه المضمدة والتي تؤلمه بين الحين والآخر كلما حاول حمل شيء ما او حتى ادارة مقود السيارة: انا على ما يرام.. لا تقلق علي..
قال حازم متسائلا: واين انت الآن؟..
قال فارس بهدوء: سأذهب الى رجل الاعمال الذي اخبرتني عنه لابحث له عن الارض التي يرغب بها..
قال حازم وحاجباه قد ارتفعا بدهشة: احقا؟.. هل انت في طريقك الى هناك حقا على الرغم من كل ما جرى لك؟..
قال فارس مبتسما: لم يحدث شيء يجبرني على التقاعس عن عملي..
ابتسم حازم بدوره وقال باهتمام: حسنا لكن طمأني على نفسك عندما تصل الى هناك..
قال فارس وابتسامته تتسع: فليكن.. اخبرني اين انت الآن؟.. فارغب بالمجيء اليك لأخذ هاتفي المحمول..
قال حازم بابتسامة: بجوار منزلي.. انتظرك هناك..
بابتسامة ساخرة: حسنا لكن لدي طلب اخير .. امسح رقم هاتف عهد من هاتفك..
ابتسم حازم ابتسامة واسعة وقال بخبث: لم؟.. اتخشى ان اتصل بها دون علمك؟..
قال فارس ببرود: بل اخشى ان تزعجك باحاديثها.. هيا الى اللقاء الآن..
قال حازم بلهجة ماكرة: فليكن.. لكن اعلم انني لن انزعج باحاديثها ابدا.. الى اللقاء..
قالها وانهى المكالمة.. اما فارس فقد اعاد الهاتف الى عهد وقال بهدوء: لقد كان حازم صديقي..
قالت عهد وهي تأخذ هاتفها منه: وكيف علم برقم هاتفي؟..
قال فارس مجيبا: وجد هاتفي الذي نسيته بالشقة واخذ منه رقم هاتفك..
اومأت عهد برأسها متفهمة.. اما فارس فقد غير طريقه لكي يتوجه الى منزل حازم ويأخذ منه الهاتف المحمول..
وهناك كان حازم يتطلع الى السماء وهو يستند الى سيارته ويقول وهو يتنهد بارتياح: حمدلله.. لقد ظننت لوهلة اني فقدت صديق عمري واني لن اراه بعد الآن.. لكن حمدلله ان ظني قد خاب وانه لا يزال على قيد الحياة.. لا اعرف كيف كان بامكاني ان اواصل حياتي دون ان يكون فارس الى جواري دائما..
اغمض عينيه وهو يعود ليتذكر كل الحديث الذي دار بينه وبين فارس.. وارتسمت على شفتيه ابتسامة سعيدة وهو يتذكر كلماته له..
وبينما كان غارق في افكاره.. لم ينتبه لتلك السيارة التي توقفت على مقربة من المكان.. وفارس بداخلها يبتسم لمنظر صديقه.. وارتسم المكر في عينيه وهو يضغط على بوق السيارة بقوة.. ليجعل حازم ينتفض في وقفته..ومن ثم يلتفت الى فارس ويتطلع اليه وهو متسع العينين.. وفارس الذي اغلق محرك السيارة ضحك على منظره وهو ينتفض من مفاجأته وقال بمرح: ايها الجبان.. اترتجف من صوت بوق السيارة؟..
عقد حازم حاجبيه وقال: لقد كنت غارق في التفكير وقد فاجأتني .. هذا ما حدث ليس الا..
ابتسم له فارس وقال وهو يتقدم منه ويمد يده له: هيا فأنا على عجلة من امري.. اعطني هاتفي..
ابتسم له حازم وقال على الرغم منه بصوت يحمل كل انواع القلق واللهفة: لقد قلقت عليك يا فارس.. احقا انت بخير؟..
قال فارس وهو يهز كتفيه: لم يحدث لي شيء لا تقلق.. هيا اعطني الهاتف .. فعلي الذهاب..
اتسعت ابتسامة حازم واخرج هاتف فارس من جيبه وسلمه له وهو يقول: حمدلله على سلامتك.. لا تنسى ان تتصل بي حتى تطمئني عندما تصل..
ابتسم فارس وقال وهو يومئ برأسه: حسنا..
وقبل ان يستدير عنه فارس.. سمع صوت حازم وهو يهتف به قائلا: فارس..
قال فارس متسائلا: ماذا؟..
كور حازم قبضته وقال وهو يتقدم منه: اصدقاء...
ابتسم فارس ابتسامة واسعة وكور قبضته بدوره وقال وهويتذكر ايام طفولته مع حازم: الى الابد..
وضرب قبضته بقبضة حازم.. قبل ان يقول مبتسما: الى اللقاء الآن..
قال حازم بقلق وخوف وقد لمح الضماد الذي يلف ذراع فارس للتو: ماذا اصاب ذراعك؟..
قال فارس في سرعة: لا عليك جرح بسيط..
يعرف ان فارس لا يحب ان يتحدث لاحد عن آلامه الجسدية .. ويدفن كل ذلك في صدره ويجعل صرخاته تنطلق بأعماقه.. لهذا لم يجد حازم امامه الا ان يقول: اهتم بجرحك ولا تهمله..
اومأ فارس برأسه ايجابيا.. في حين تنهد حازم بارتياح وارتسمت ابتسامة سعيدة على شفتيه وهو يرى فارس حيا يرزق امام عينيه..
##########
تطلع لرسالتها وهو يشعر بمرارة كبيرة.. لطالما كانت تحمله ذنب ما يحصل..وكأنه هو المجرم الوحيد .. هو القاتل الذي لا قلب له.. هو السفاح الذي لا يهمه الا سفك الدماء.. انها لا تفهم انه مجبر على فعل هذا.. انها الاوامر .. واذا لم تُنفذ سيتهم بالخيانة..
لكن اليست هذه هي الحقيقة يا ألكس؟.. الست من تقتل الناس بأفعالك وبأوامرك التي تلقيها على مسامع الجنود؟.. الست انت من دمر منازلهم وشردهم من بيوتهم؟.. وقبل هذا وذاك الست انت والجيش السبب في كل ما حدث لعهد وفي فقدانها لأغلى الناس على قلبها؟..
تنهد وهو يغمض عينيه.. لا يستطيع ان يلوم نفسه.. لانه لم يكن لديه السبيل للاختيار.. اما ان تقتل او تُقتل.. وقد اختار هو الخيار الاول.. لكن على الرغم من كل شيء.. لا يزال مستعد لفعل اي شيء ليحمي من احتلت قلبه.. وليدافع عنها بكل استماتة..
وعاد ليتطلع الى رسالة عهد التي ارسلتها له وفيها من اللوم الكثير .. وتنهد وهو يقول متحدثا لنفسه: (اعرف انك تلومينني على ما حدث يا عهد.. لكن لم يكن لدي اي خيار.. لقد ساعدتك من قبل وضحيت بنفسي وعملي من اجلك.. لكن لا استطيع ان افعلها في كل مرة.. انه الواجب.. الواجب الذي يتحتم علي اداءه دون اعتراض.. والواجب ذاته الذي بات كحاجز من الصلب اخذ يكبر بيننا.. كلما حاولت تحطيم هذا الحاجز.. عاد الحاجز ليكبر ويمنعني من ان اكون بقربك.. فالى متى سيبقى هذا الحاجز صعب التحطيم يا عهد؟.. ام ان قدري هو ان اتألم طيلة حياتي واتعذب على فراق من احب)
وعاد ليغمض عينيه وهو يحاول ان يزفر بحرارة لعله يخرج ولو القليل من لهيب صدره...
########
فتح عينيه بعد محاولات كثيرة شعر فيها ان جفناه يرفضان الانصياع لأوامره.. لكنه في النهاية انتصر وفتح عينيه ليؤلم النور عينيه ويجبره على اعادة اغلاق عينيه.. وعاد ليفتح عينيه ويضيقهما في محاولة للاعتياد على نور الشمس الذي تسلل من نافذة الغرفة..
التقط نفسا عميقا وهو يتذكر كل ماحدث له ويستعيد ذهنه صفاءه.. وانتبه لتوه انه في مكان اشبه بالمشفى .. بالتأكيد هو بداخل مشفى المبنى البريطاني.. ذلك الحصن الحصين الذي لم يتمكن احد من تجاوز اسواره.. وها هوذا اليوم يدخله.. وهم بانفسهم من ادخلوه اليه.. يالسخرية القدر...
تنهد وهو يحاول الاعتدال بجلسته.. وشعر وقتها بجفاف حلقه.. يريد بعض الماء على الاقل لعله يستعيد بعض من نشاطه..
لمح ممرضة تدلف الى الغرفة وابتسامة تعلو ثغرها وهي تقول له: واخيرا افقت..
قال مارك متظاهرا بعدم الفهم: اين انا؟..
ابتسمت له الممرضة وقالت وهي تقترب منه وتتطلع الى المحلول المتصل بجسده: بالمبنى البريطاني.. لقد كنت مصابا بالقرب من هنا.. فتم نقلك الى هذا المشفى على الفور..
امسك مارك برأسه وهو يشعر بألم حقيقي اصابه فجأة وقال: هل لي ببعض الماء؟..
كادت الممرضة ان تتحرك من مكانها لتعطيه الماء لكنها سمعت صوت ممرضة اخرى وهي تقول مجيبة عن سؤاله: بالتأكيد...
التفت لها بكل لهفة ملأت قلبه.. التفت لها وهو مدرك انه لن يستطيع ابدا اخطاء هذا الصوت الذي سمعته اذناه.. وانه يستطيع تمييزه من بين مئات الاصوات..وتطلع اليها وكله شوق ليرى ملامح ذلك الوجه الجميل..
:
:
يتبع..
 
الوسوم
الحب بــــ روايه والواقع
عودة
أعلى