روايه بــــ الحب والواقع ـــين

بــ الحب (39) والواقع ــين
::هناك::

كادت الممرضة ان تتحرك من مكانها لتعطيه الماء لكنها سمعت صوت ممرضة اخرى وهي تقول مجيبة عن سؤاله: بالتأكيد...
التفت لها بكل لهفة ملأت قلبه.. التفت لها وهو مدركانه لن يستطيع ابدا اخطاء هذا الصوت الذي سمعته اذناه.. وانه يستطيع تمييزه من بين مئات الاصوات..وتطلع اليها وكله شوق ليرى ملامح ذلك الوجه الجميل..
وتعلقت عيناه بابتسامتها القلقة عليه..وبنظراتها المشتاقة له.. وبملامحها الفاتنة.. وتمنى من كل قلبه ان تقترب منه ليتمكن من قول كل ما يجيش في صدره ويطفئ لهيب هذا الشوق الذي احرقه..
وقطع تلك اللحظة صوت الممرضة الاولى وهي تقول بابتسامة: سأخبر الطبيب انك قد افقت..
وابتعدت عنهم لتترك لهم المجال مفتوحا ليفتح كل منهم قلبه للآخر وليعبر عن شوقه ولهفته وحبه للآخر..
وسوزي التي كانت تحاول السيطرة على مشاعرها.. ابتعدت لجهة بالغرفة وملأت له كأسا من الماء دون ان تنتبه للماء الذي سال على يديها وبلل اكمام معطفها.. واقتربت منه وهي تحاول ان تسيطر على رجفة يدها التي تمسك بالكأس ..
وما ان توقفت امامه حتى مدت له يدها بالكأس وهي تقول بصوت مشتاق ومتلهف له: تفضل..اشرب الماء..
لم يأخذ الكأس من يدها.. بل ابتسم وهو يتطلع الى ملامح وجهها الفاتنة ومن ثم مد يده وامسك بيدها مع الكأس الممسكة به.. وقرب الكوب من شفتيه وهو يشرب الماء وعيناه معلقتان بسوزي..
اما هي فقد خفق قلبها بخفقات متسارعة.. وامتدت يدها الاخرى لتمسح على شعره وتقول بصوت هامس: اشتقت اليك يا مارك..
مارك الذي شعر بأن الروح قد عادت اليه بمرأى سوزي .. قال وهو يبعد الكأس عن شفتيه ويتطلع اليها بكل حب: احبك..
ابتسمت سوزي له بحب وحنان وعيناها تنطقان بأعذب كلمات الحب.. وابعدت يدها عن يده لتضع الكأس على طاولة مجاورة ومن ثم تقول وهي تتطلع الى عينيه: كنت اعد الثواني لألتقي بك من جديد.. لا تعلم كم هوصعب علي فراقك..
قال مارك وهو يتنهد: انا كذلك كنت امر بأصعب لحظات يمكن ان اعيشها وانا اتخيلك معي في كل مكان..صوتك وضحكاتك لم تفارق اذناي.. وعيناي لم تكن تبحث الا عن طيفك في كل مكان.. لا اتخيل ان افقدك من جديد يا سوزي..
ابتسمت له سوزي.. وكاد مارك ان يواصل التعبير عن حبه ولهفته وشوقه لسوزي.. لكنه تذكر المهمة التي جاء من اجلها وقال وحاجباه انعقدا فجأة وطغت على ملامحه الجدية: سوزي .. انا هنا شاب بريطاني ومن جنسية بريطانية..لا اعرفك ولا اعرف اي احد هنا.. جئت الى هذه البلاد للسياحة وليست لي اي علاقة بأي شخص من هذه البلاد.. هل فهمت ما اعنيه؟..
اتسعت عينا سوزي لوهلة .. قبل ان تستوعب تدريجيا ما قاله مارك .. ومن ثم قالت وهي تشهق وكفها على شفتيها: لا تقل انك هنا من اجل.. من اجل...
اومأ برأسه ايجابيا دون ان يكمل ما قالته .. فقال بهدوء: ما افعله هو من اجل الجميع.. لأجل الابرياء الذين يُقتلون.. ومن اجل شقيقي.. ومن اجل تحرير الوطن..
عضت سوزي على شفتيها وقالت بصوت مخنوق: لم اتخيل انك هنا لهذا السبب.. انت تبعدنا عن بعضنا من جديد..
قال مارك في سرعة وهو يتطلع اليه بنظرات حزينة: لن يكون لك اي دخل بالموضوع.. ولن يصيبك اي مكروه ثقي بهذا.. مهمتي ان اكسب ثقتهم واحاول ان اكون منهم..
اشاحت بوجهها بعيدا وهي تحاول السيطرة على انفعالها قبل ان تقول بصوت مرتجف: هل تدرك..خطورة قول مثل هذا الكلام.. لمجندة في الجيش البريطاني؟؟...
ابتسم مارك لها بحنان..وامتدت كفه ليمسك بذقنها ويدير وجهها اليه ويقول بصوت حاني مليء بالمشاعر: انت تعرفين حقيقتي.. وتعرفين من اكون.. وكل ما افعله منذ البداية لحماية سكان هذه البلاد.. انا اثق بك..واعلم ان الامر سيظل مدفونا في قلبك.. وحتى وان اخترت وطنك وقررت اخبارهم بحقيقتي فأنا لن اعترض على ذلك.. فأنت هنا جندية في هذا الجيش قبل كل شيء..
تطلعت اليه بعينان مغرورقتان بالدموع ومن ثم صاحت به: لماذا تحب ان تعذبني هكذا؟؟.. تضعني في اصعب الخيارات حتى اتألم.. تعرف اني لا استطيع الاختيار بين وطني وبينك.. انت من يعشقه قلبي.. وهم ابناء وطني.. كيف لي ان اختار؟.. اخبرني كيف؟..
قال مارك وهو يحاول ان يضفي على صوته بعض الهدوء: سوزي.. انت تعلمين منذ البداية اي شخص اكون.. وانني ابدا لن اكون تابعا لجيش ظالم.. وحتى ولو لم اخبرك الآن كنت ستعلمين بهذه المعلومات لاحقا.. انا لن اطالبك بالصمت.. لكن اطلب منك ان تثقي بي كما وثقت بك.. نحن نريد تحرير بلادنا.. وانت تريدين السلامة لابناء بلادك..ولا ترغبين بخيانة وطنك.. ولهذا عليك ان تفكري جيدا.. انا هنا مجرد وسيلة لمعرفة خطط الجيش ومحاولة تفاديها ومنع قتل اهالي البلاد.. لهذا لا تظني ابدا انني سأقبل ان يُقتل الجنود غدرا.. فلست مثلهم..
تطلعت اليه بنظرات طويلة قبل ان تقول وهي تلتقط نفسا عميقا: لا يمكنني ان اتسبب في اذيتك وانت تدرك ذلك يا مارك.. لذلك عدني.. عدني ان لا تقتل احدا من الجنود.. فلا تنسى انهم في النهاية ابناء وطنك..
ربت على وجنتها وقال بنظرات متوترة: اعدك ان احاول ان لا اتورط بأي امر يتعلق بقتل الجنود..
ومن ثم اردف بمرح وهو يحاول ان يبدد الحزن الذي ساد على المكان: الآن حياتي اصبحت بين يديك.. فيمكنك ان تبلغي عني لتقتليني متى شئت..
ابتسمت له بشحوب قبل ان تقول: الآن جاء دوري لأحذرك.. لا تتكلم في هذا الموضوع معي مرة اخرى حتى وان كنا لوحدنا.. فهذا المبنى ليس مكان آمن للتحدث ابدا..
مال مارك نحوها وقال بهدوء: وهل يمكنك مساعدتي ومنحي هاتفك المحمول لاتحدث الى شقيقي واطمئنه على نفسي؟..
قالت سوزي وهي تعقد حاجبيها: ليس الآن.. سأجعلك تتحدث اليه في الوقت المناسب..
ابتسم مارك لها وقال بامتنان: شكرا لك..
صمتت سوزي وهي تحاول تقليب الامر في رأسها عدة مرات.. مارك تسلل الى هنا بخطة من فرقة المقاومة بكل تأكيد..وفي عقله هدف واحد.. ايصال معلومات عن الجيش لفرقة المقاومة.. ربما ليتفادوا الهجمات التي يشنها الجيش عليهم..وربما ليحاولوا الرد عليهم ويوجهوا هجمات للجيش بدورهم..
لم تعد تعرف ما الذي يتوجب عليها فعله.. قلبها متعلق بمارك .. وعقلها يهتف بالواجب نحو الوطن.. ومع هذا لا يمكن لها ان تسلمهم مارك على طبق من ذهب.. لقد وثق بها واخبرها بما ينوي فعله.. وطلب منها ان تساعده ايضا..وكأنها تستطيع ان تحتمل كل تلك الضغوط عليها وكل ....
انقطعت افكارها على صوت باب الغرفة التي فتحته الممرضة وهي تقول بابتسامة: الطبيب لديه عدد من الحالات ليقوم بفحصها.. بعد ان ينهيها سيأتي الى هنا على الفور..
ابتسم لها مارك وقال: شكرا لك..
امسكت الممرضة بمعصمه لتقيس له النبض ومن ثم ضغط الدم والسكر.. قبل ان تقول: انت بصحة جيدة.. لكن هناك عدد من الرضوض المنتشرة بجسدك.. وستتعافى منها مع الوقت..
سوزي التي امسكت بكف مارك واخرجت منها الابرة الطبية المتصلة بالمحلول بخفة..قالت: احضري له بعض الطعام.. فهو بحاجة له الآن..
قالت الممرضة وهي تتطلع الى سوزي باستغراب: ولم لا تذهبين بنفسك لاحضار الطعام؟..
مطت سوزي شفتيها ومن ثم قالت ببرود: لان لدي عدد من الحالات لافحصها بعد ان اغادر غرفة هذا المريض.. هل فهمت الآن؟..
هزت الممرضة كتفيها وقالت مبتسمة: لا بأس.. فمن لا يحب خدمة شاب وسيم مثله؟..
ابتسم مارك وهو يتطلع الى ملامح سوزي التي شعرت لوهلة بالغضب من حديث تلك الممرضة.. وما ان غادرت الاخيرة حتى التفتت له سوزي وقالت: هل اعجبك كلامها؟..
ابتسم لها مارك وقال بمرح: ولم لا يعجبني وهي تمتدحني؟..
تطلعت له سوزي بنظرة غاضبة .. ومن ثم قالت وهي تنوي الخروج من الغرفة: حسنا اذا .. سأذهب واترككم لوحدكما ولتمتدحك كما تشاء..
ابتسم لها مارك ومد كفه ليمسك بيدها وهو يقول برجاء: لا تذهبي.. لم اصدق اني قد رأيتك اخيرا.. فلا تذهبي وتختفي عن عيني مجددا..
بالرغم منها طفت ابتسامة حانية على شفتيها والتفتت له وهي تقول: وانا لست اقل شوقا لك يا مارك..
تطلع اليها مارك ومن ثم قال بهمس: اتمنى ان لا يتغير اي شيء بيننا بسبب هذا الواقع الذي نحياه..
اومأت سوزي برأسها وهي تقول بابتسامة باهتة والخوف قد بدأ يغزو مشاعرها: اتمنى هذا...
##########
تثاءبت عهد بملل وهي تتطلع الى الطريق الصحراوي الممتد امامهم وقالت بتعب: كم بقي من الوقت حتى نصل الى الشمال؟..
قال فارس وهو يبتسم: لم تمضي سوى ساعة ونصف.. وهذا معناه انه بقي على الاقل ساعتين حتى نصل ..
قالت وهي تمدد ذراعيها امامها بتعب: لو انك تركتني في مقر المقاومة لكان افضل لي من هذا الطريق المتعب..
قال فارس بسخرية: عن اي تعب تتحدثين؟؟.. انت جالسة في مكانك لا تفعلين شيء سوى التطلع للطريق.. وانا الذي يفترض عليه ان ينتبه للطريق ويقود السيارة بحذر في هذا الطريق الصحراوي .. على الرغم من انني لم انم الا لنصف ساعة لا اكثر..
تطلعت اليه بطرف عينها ومن ثم قالت: لم يطلب منك احد ان تذهب الى المنطقة الشمالية وانت في هذه الحال.. كان بامكانك تأجيل الامر..
قال فارس ببرود: مخطأة.. فلم اكن استطيع تأجيل هذا الامر كما تظنين.. لاني قد قمت باعطاء الرجل موعدا على ان التقي به في نهاية هذا اليوم.. وان اعرف مواصفات المنطقة التي يريدها.. ولو فكرت في تأجيل الامر لبحث عن شخص سواي ليبحث له عما يريد.. فهذا رجل اعمال معروف لن ينتظرني ابدا وسيتصل بشخص آخر ليبحث له عما يريد.. وفي النهاية انا من سيخسر هذه الصفقة مع هذا الرجل المعروف.. وشركتي لا تزال في بدايتها وفي حاجة الى مثل رجل الاعمال هذا ليعطي انطباع جيد عن الشركة..
ابتسمت عهد وهي تستمع الى حديثه المطول هذا ومن ثم قالت: يبدوا وانك تنظر للموضوع من اكثر من جانب.. وتحاول معرفة نتائجه مستقبلا قبل ان تقدم على اي فعل ..حتى وان كان هذا على حساب راحتك..
قال وهو يتطلع اليها بطرف عينه: اادركتي هذا الآن فحسب؟؟.. ما افعله معك مثال حي على تفكيري هذا..
عقدت حاجبيها وكأنها لم تفهم .. فقال بهدوء: اعني اشتراكي في فرقة المقاومة على الرغم من ان هذا يأتي على حساب راحتي الجسدية والنفسية..
صمتت عهد لوهلة ومن ثم قالت وهي تلتقط نفسا عميقا: يمكنك ان تترك فرقة المقاومة ان كان الامر يتعبك لهذه الدرجة..
قال فارس وهو يهز كتفيه: المشكلة ان هذا مستحيل..
قالت عهد وهي تعقد ذراعيها امام صدرها: دعك مني وغادر.. انت تعمل نهارا وتحتاج للراحة.. وهذا الامر غير متوقع في فرقة المقاومة التي نعمل فيها ليلا ونهارا..
قال فارس ببرود: ان اتركك في فرقة المقاومة وحدك.. هذا امر اقرب للاحلام..
لم تجب عهد وظلت صامتة وهي تتطلع من نافذة السيارة.. ومن ثم لم تلبث ان التفتت اليه وهي تهم بقول شيء ما.. لكن تلك التعابير التي رأتها على وجه فارس جعلتها تصمت.. كان يعقد حاجبيه بقوة وكأنه يحاول السيطرة على امر ما.. واخيرا ابعد ذراعه المصابة التي كان يقود بها.. واخذ يقود بذراع واحدة ويحاول السيطرة على كل شيء بمجرد ذراع واحدة...
ارتفع حاجبا عهد باشفاق.. انه يتألم لكن بصمت.. يرفض البوح عن آلامه.. يرفض ان يقول اني متعب او اني اتألم.. يعتبر هذا ضعفا يجب ان لا يظهره.. وعلى الرغم منها وجدت نفسها تقول: فارس توقف على جانب الشارع ان كانت ذراعك تؤلمك..
قال فارس وهو يحاول السيطرة على آلامه وبصوت متضايق: انا على ما يرام.. دعك مني..
اخذت عهد تتطلع الى ملامح الألم التي بدأت تزداد على وجهه ..اما فارس فقد قال وهو يتحامل على نفسه ويبتسم ابتسامة باهتة.. وهو يشعر بنظرات عهد له و التي كانت تنطلع الى جرحه بقلق: مابك؟.. لم تتطلعين الي هكذا؟.. لم امت بعد؟..
قالت عهد وهي تزدرد لعابها بتوتر: يبدوا ان ذراعك تؤلمك بشدة.. فربما يتوجب عليك الذهاب الى المشفى.. ربما كان هناك المزيد من قطع الزجاج التي اخترقت ذراعك ولم انتبه لها..
قال فارس بلامبالاة: لا يهم..
قالت عهد بحدة: فارس.. انا فعلت ما افهمه وحسب في هذه الامور.. لكني لست خبيرة.. يتوجب عليك الذهاب للمشفى لتتلقى العلاج اللازم ..
قال بهدوء: دعك مني.. انا بخير..
قالت وهي تحاول السيطرة على اعصابها: فارس..
اوقف فارس السيارة بجانب متجر صغير لبيع بعض المأكولات الخفيفة والتفت لها وهو يقول بابتسامة: ماذا؟..
قالت عهد وهي تشير الى ذراعه: لقد قلت انك ستهتم بذراعك.. اليس كذلك؟.. اذا اذهب وافحصها في المشفى..
قال فارس بابتسامة ساخرة: كفي عن تمثيل دور من يهمه مصلحتي ..
اتسعت عيناها من كلماته وقالت وهي تشير الى نفسها: انا اقوم بالتمثيل عليك؟؟.. انت لم تر قلقي عليك عندما كنت في العاصمة حتى تقول لي هذا الكلام..
قال وهو يرفع حاجبيه باستخفاف: لا اصدق انك كنت قلقة علي حتى وان رأيت ذلك بعيني..
قالت بعصبية: لست املك قلبا من حجر يا استاذ فارس..
قال ببرود: اشك في ذلك..
شعرت بالقهر ..بالحزن وبالالم من استخفافه بمشاعرها.. الهذه الدرجة يراها انسانة بلا قلب؟!.. شاهدته يكاد يفتح باب السيارة فأوقفته وقالت بحدة: انتظر..
التفت لها دون ان يتكلم فقالت وهي تتطلع له بنظرات حادة: لو نظرت الى هاتفك لشاهدت مئات المكالمات مني .. ولأدركت اي خوف شعرت به عندما احسست للحظة بأنه من الممكن ان افقدك وان...
صمتت واطرقت برأسها وهي تحاول تمالك نفسها.. فقال فارس الذي استغرب حدتها: مابك يا عهد؟.. لقد كنت امزح..
رفعت رأسها له وصاحت به قائلة والدموع تسيل على وجنتيها: انت احمق .. لا تدرك اي ذعر عشته في تلك اللحظات.. لا تدرك اني كدت اجن وانا لا اعلم ما الذي جرى لك.. انت غبي لا تعرف اي الم شعرت به عندما شعرت انه من الممكن ان افقدك.. انت اكثر من ابن عم.. انت شخص مهم جدا في حياتي.. انت اغلى مما تتصور.. عندما رأيت جروح ذراعك وجدت نفسي اتألم لجروحك و...
لم تستطع ان تكمل وشهقت بألم وبكاءها يزداد.. ابتسم فارس بحنان وهو يميل نحوها ويقول وهو يربت على كتفها: اهدئي الآن ولا تتحدثي اكثر.. ما بك يا فتاة؟.. لقد كنت امزح معك.. اذا كنت انا شخص مهم عندك.. فانت اهم شخص عندي.. ان كنت شخص غالي بالنسبة لك.. فأنت اغلى عندي من حياتي.. ارجوك لا تبكي..
واكمل وهو يمسح دموعها بأطراف اصابعه ويهمس: فدموعك هذه تؤلمني..
تطلعت اليه بقهر قبل ان تكور قبضتيها وتضربه بكل قوة على صدره .. مرة ومرتين وثلاثة وهي تهتف به: اكرهك .. اكرهك .. اكرهك..
تركها فارس تفرغ غضبها دون ان يبالي بأي الم سببته قبضتيها ..ثم قال بابتسامة بعد ان رآها قد تعبت: هل انتهيت الآن؟..
عضت على شفتيها وقالت له بصوت منخفض: هل اطلب منك طلب؟..
قال وهو يميل تجاهها ويومئ برأسه: اجل..
قالت بابتسامة شاحبة: اضربني..
اتسعت عيناه بدهشة وقال: ماذا؟
قالت في سرعة واصرار: اجل اضربني انا اطلب منك ذلك..
ابتسم بسخرية ومن ثم دفع جبينها باصبعه وقال: يبدوا انك قد جننت من طيلة السهر.. اذا اردتي فاذهبي للنوم واحلمي بما تشائين..
فتح باب السيارة وكاد ان يخرج منها لكنها امسكت ذراعه وقالت باصرار: اضربني لادرك انك معي الآن وانك لم تمت..
شعر بالاشفاق عليها وانه ضغط عليها اكثر من اللازم.. يكفيها ما هي به.. يكفيها الخوف الذي تعيشه في فرقة المقاومة في كل لحظة.. فلم يضغط عليها هو الآخر بعد كل العذاب الذي عاشته وهي تخشى موته؟!...
وقال وهو يقرب كفه من شعرها ويشده لها ويبتسم ابتسامة واسعة: هل صدقت الآن انني امام عينيك؟..
قالت وهي تمسك رأسها بألم: يؤلم..
ابتسم بمرح ومن ثم قال: انت من طلبت ذلك.. هيا دعيني اذهب لاشتري لنا بعض المشروبات والطعام يا ايتها الحمقاء ..
تطلعت اليه بحدة وبغيظ من كلماته ..اما فارس فقد ابتسم ابتسامة واسعة تحمل بين طياتها معنى للحنان والسعادة..ومن ثم لم يلبث ان خرج من السيارة وهو ويتوجه نحو المتجر الصغير ..
تنهدت عهد وهي تراه يبتعد عن السيارة تدريجيا.. واختفت الحدة والغيظ من على وجهها .. لترتسم الابتسامة على شفتيها.. واغمضت عينيها براحة وهي تسند رأسها للمقعد وافكارها منحصرة في شخص واحد فحسب.. في فارس..
##########
تطلع هشام بهدوء يخالف تماما ما يشعر به من خوف بداخله وهو يشير للخريطة التي امامه: غسان.. جهاد.. اريد منكما مراقبة هذه المنطقة .. لن نعتمد على مارك وحسب.. اريد منكم ان تعرفوا ان كانت هناك اي تحركات لهم في هذه المنطقة في الوقت الحالي..
قالت غادة وهي تعقد حاجبيها: وماذا عني انا يا سيادة المقدم؟..
ابتسم لها هشام وقال: لا تقلقي .. لديك مهمة تنتظرك.. ستذهبين لاستلام الاسلحة بالقرب من احد الاماكن بالعاصمة.. وستسلمينها لشخص بعد ان تستمعي لكلمة متفق عليها مسبقا.. ولقد اخترتك انت بالذات لهذه المهمة لأنك فتاة ولن يشك في امرك احد..
ابتسمت غادة ومن ثم قالت وهي تؤدي التحية العسكرية: امرك سيدي.. هلا اطلعتني على التفاصيل؟..
قال هشام وهو يلتفت الى جهاد وغسان: هل لديكم اية اسألة قبل ان اشرح لغادة مهمتها؟..
قال غسان متسائلا: كم من الوقت يتوجب علينا مراقبة هذا المكان؟.. فلا تنسى يا ايها القائد..اننا قد نلفت الانظار لو بقينا طويلا هناك.. خاصة وان هذا المكان تكثر فيه تحركات الجنود البريطانيون..
قال هشام وهو يغمض عينيه بتفكير ومن ثم يفتحهما ليقول: ستستمران بالمراقبة حتى الساعة الثانية بعد منتصف الليل.. وبعدها يمكنكم اطلاعي بالتفاصيل والعودة لمنازلكم..
اومأ غسان برأسه.. في حين اكتفى جهاد بالصمت.. اما هشام فقد التفت لغادة من جديد وهو يقول بحذر: عند الساعة الرابعة بعد الظهر ستذهبين الى متجر الـ (....) بالعاصمة.. وستطلبين من البائع ان تشتري منه بعض ادوات التجميل بسعر لا يزيد على 20 قطعة نقدية.. سيفهم هو الرسالة.. وسيسلمك حقيبة جلدية تحتوي على على بعض الاسلحة والذخيرة و...
قاطعه جهاد متسائلا بحيرة: لكن اليس حمل عدد من الاسلحة سيكون صعبا على الرائد غادة؟..
اسرعت غادة تقول: لا عليك يا ايها الرائد سأتدبر الامر..
والتفتت الى هشام وهي تقول: وبعدها الى من علي تسلميها؟..
قال هشام وهو يشبك اصابع كفيه: وبعدها ستحملين الحقيبة وتتوجهين الى احد سيارات الاجرة المتوقفة بالقرب من المتجر.. سيكون رقم تلك السيارة هو (3478).. ولا تنسي ان تتأكدي جيدا من الرقم قبل ان تصعدي اليها.. وبعدها اطلبي من السائق ان يوصلك الى المكتبة العامة.. وعندها يجب ان يجيبك بعبارة (المكتبة اغلقت ابوابها منذ ساعة)..
والتقط نفسا عميقا وهو يكمل: ومن ثم اطلبي منه ان يتوقف بجانب الطريق واتركي الحقيبة في سيارته .. وسيتكفل هو بتوصيلها الينا...
قالت غادة مستغربة: ولم لا اقوم انا باحضار الاسلحة اليكم بدلا من كل هذه التعقيدات؟..
ابتسم هشام وقال: الامر ليس بكل هذه البساطة يا غادة.. قد تتعرضين للتفتيش في الطريق.. او قد يتعرض لك احد الجنود البريطانيون.. وسينكشف الامر بالكامل.. ويكون مصيرك السجن مدى الحياة .. ان لم يكن الامر اسوأ ووصل الى الاعدام..
رفعت غادة حاجبيها ومن ثم قالت ببرود: لقد رفعت معنوياتي كثيرا.. شكرا لك يا حضرة المقدم..
اتسعت ابتسامة هشام وهو يقول: انا احاول اطلاعك على حقيقة الامر ليس الا.. فصاحبنا الذي ستتركين الحقيبة في سيارته.. سيعرف كيف يتصرف.. ومنذ الآن اخبرك.. احفظي جيدا اسم المتجر والعبارات التي ستقولينها للبائع ولسائق سيارة الاجرة وكذلك رقم السيارة.. لانك لن تحملي معك اي شيء يذكرك بها لمزيد من الاحتياط..
غادة التي اعتادت اغداقها بالمعلومات في مركز الشرطة.. قالت وهي تتنهد: تقريبا لقد حفظتها .. فيما عدا رقم السيارة الذي سأسجله في هاتفي قبل ان انساه..
قالتها ومن ثم اردفت وهي تبتسم وتنظر الى ساعتها: بقي ثلاث ساعات حتى يحين موعد المهمة.. هل بامكاني العودة الى المنزل لأرتاح قليلا قبل اداء المهمة؟..
قال هشام وهو يومئ برأسه: بكل تأكيد.. وحظا موفقا لك في المهمة.. وان شعرت بانك مراقبة او بأي خطر.. فاتصلي بي على الفور وسأفهم الامر..
قال جهاد وهو يعقد حاجبيه: ان اتصلت بك .. فستزيد الشكوك حولك لو حدث والقي القبض عليها.. ارى ان من الافضل ان تتصل بي او بغسان.. حتى يمكنها تبرير سبب اتصالها..
قالت غادة بحيرة: لكنكما وقتها ستكونان مراقبين لتلك المنطقة..
قال جهاد بهدوء: اذا اتصلي على هاتفي.. ولا تقلقي سأتركه على وضع الارتجاج.. وسأعرف ان اتصلت بي ام لا..ويمكنني بعدها ان ابلغ هشام بالامر..
صمتت دون ان تعرف ان كان ما يقوله هو افضل ام لا.. والتفتت لهشام الذي التفت لها وقال: ارى ان كلام جهاد معقول.. الافضل ان تتصلي به لو شعرت بأي شيء..
قالت وهي تبتسم: حسنا اذا.. بالاذن الآن..
ودعتهم ومن ثم استدارت عنهم لتمضي في طريقها وتغادر فرقة المقاومة...
##########
توقفت تلك السيارة بجانب احد الفنادق المعروفة وصاحبها يشعر بارهاق شديد ينهك جسده.. ولم يلبث ان التفت الى الفتاة الجالسة الى جواره والتي غلبها النوم..وجعلها تغط في نوم عميق طوال الطريق الى هنا..
حك شعره بتعب وحاول ان يحتمل ارهاقه وهو يلتفت لها ويناديها قائلا: عهد.. انهضي .. لقد وصلنا..
لم تجبه.. وظلت صامتة وكأنه لم يتحدث من الاساس.. فرفع صوته وهو يقول: عهد.. افيقي يا عهد..لقد وصلنا..
همهمت بكلمات غير مفهومة.. فزفر بتعب وهو يمد يده ويهزها ويقول: عهد.. عهد.. افيقي هيا..
ظهر صوتها متعبا وهي تقول: دعني انام.. ارجوك..
قال وهو بالكاد يستطيع فتح عينيه: انهضي الآن.. ويمكنك ان تنامي الوقت الذي تشاءينه اذا وصلت لغرفتك بالفندق ..
فتحت عهد عينيها بتعب وقالت: حسنا.. حسنا.. لكن اسرع وانهي الامر لأصعد للغرفة..
ارتسمت ابتسامة شاحبة على شفتيه.. وخرج من السيارة وهو يفتح صندوقها.. ليلتقط منه حقيبته المتوسطة الحجم.. وقال وهو يهتف بعهد: اين حقيبتك؟..
اشارت نحو الباب الخلفي وقالت وهي تفرك احدى عينيها: في الخلف..
توجه الى حيث اشارت وفتح الباب ليلتقط حقيبة صغيرة الحجم .. فقال بدهشة وهو يحملها بين يديه: هذه فقط؟؟..
اومأت برأسها دون ان تجيب وهي بالكاد تفتح عينيها.. فقال فارس متسائلا: لم لم تحضري معك المزيد من الملابس؟..
ابتسمت بشحوب وقالت: هذا كل ما لدي تقريبا ..
ارتفع حاجباه بدهشة عارمة وهو يتطلع الى الحقيبة الصغيرة التي بين يديه والتي بالكاد تتسع لبنطالين وقميصين.. وشعر بالذنب لأنه مقصر في حقها ولم يهتم يوما بسؤالها عن طلباتها.. وقال بهدوء وهو يغلق السيارة ويسير باتجاهها: لماذا لم تخبريني من قبل انك لا تمتلكين ملابس تكفيك؟..
قالت عهد وهي تلتفت عنه: انها تكفيني..
تطلع اليها بعدم تصديق .. ومن ثم مضى في طريقه الى داخل الفندق وهو يتأكد بين اللحظة والاخرى ان عهد تسير خلفه..
توجه هو الى قسم الاستقبال الخاص بالفندق.. وطلب منهم مفتاح الغرفتين الذي قام بحجزهما عن طريق الهاتف.. اما عهد فما ان رأت الاريكة الفخمة التي ببهو الفندق.. حتى جلست عليها وهي تشعر ان التعب بات يسيطر على كل خلية في جسدها..
وفارس الذي لم يكن افضل حالا منها.. تقدم منها بعد ان انتهى من اجراءات الفندق.. وقال بشحوب: هيا.. سنصعد الى الغرف..
لم تلحظ تعبه او شحوبه بسبب حاجتها الملحة للنوم.. ونهضت من مكانها وهي تقول: واخيرا..
سار بجانبها وضغط زر المصعد.. وقال وهو يقاوم الصداع الذي بدأ يكتنف رأسه: يبدوا انني سأنام ليوم كامل..
دخلا الى المصعد وضغط فارس على زر الطابق الخامس.. ليرتفع المصعد ببطء وهدوء ويصلا بعدها الى الطابق المنشود.. سلمها فارس بطاقة فتح الباب لغرفتها وقال وهو يبتسم: اذهبي لغرفتك ونامي الآن كما تشائين..
تطلعت الى الرقم المدون على بطاقتها وقالت: 36.. وانت كم رقم غرفتك؟..
قال وهو يغادر معها المصعد: 30..
اتسعت عيناها وهي تقول: تمزح؟.. هذا يعني ان غرفتك بعيدة عن غرفتي كثيرا..
قال بسخرية: بل انها بالطابق الرابع.. لكني قررت ان اوصلك اولا..
سار بجانبها حتى وصلا الى غرفتها.. فسلمها حقيبتها وقال مبتسما: نوما هنيئا لك يا ايتها الكسولة..
ابتسمت وهي تأخذ الحقيبة منه وقالت متسائلة: اين هي غرفتك؟..
اشار الى غرفة مقابلة لغرفتها.. فرفعت عهد حاجبيها ومن ثم قالت بابتسامة: فهمت .. ان الغرفة رقم 30 تكون في مواجهة غرفة رقم 36.. لقد استغربت ان تأخذ غرفتين بعيدين عن بعضهما..
امسك برأسه بتعب وقال بصوت حاول ان يجعله طبيعيا: ادخلي الآن.. سأطمئن عليك اولا.. ومن ثم سأدخل الى غرفتي..
قالت بصوت هادئ: تصبح على خير..
والتفتت عنه لتدلف الى غرفتها .. اما هو فقد اخرج بطاقته وادخلها في المكان المخصص قبل ان يفتح الباب ويدخل ليجد الغرفة مرتبة تماما.. خلع سترته ووضع حقيبته على احد المقاعد قبل ان يخلع حذائيه ويلقي بنفسه على الفراش.. وهو يشعر ان نومه قد يطول كثيرا ...
اما عهد فقد رمت الحقيبة على السرير وتمددت بجانبها وهي تهمس براحة: ما اجمل النوم بعد كل هذا الارهاق..
وغطت في نوم عميق دون ان تشعر...
:
:
يتبع
 
بــ الحب (40) والواقع ــين
::نشره::

شعرت عهد انها لم تنم الا بضع دقائق عندما سمعت صوت الطرق المزعج على الباب.. وفتحت عينيها بتعب واخرجت هاتفها المحمول لترى كم الساعة الآن.. شهقت عندما شاهدت ان الليل قد حل.. وانها نائمة منذ اكثر من 5 ساعات..
تكرر صوت الطرقات ليجعلها تهتف بصوت عالي: من؟؟
جاءها صوت احدى الموظفات وهي تقول: خدمة الغرف..
توجهت الى دورة المياه التابعة للغرفة بسرعة وهي تغسل وجهها من آثار النوم..واستغربت قدوم خدمة الغرف على الرغم من انها لم تطلب حضورهم ..
وفتحت الباب وشاهدت الموظفة تقول بابتسامة: مساء الخير يا سيدتي..
قالت عهد وهي تحييها: مساء الخير..
قالت الموظفة وهي تدلف الى الغرفة: هلاّ وقعتي هنا من فضلك..
تطلعت عهد باستغراب الى الورقة التي تمسك بها موظفة الفندق.. وقالت مستغربة: ولم اوقع؟..
قالت الموظفة بابتسامتها التي اعتادت عليها: لتأكدي على استلام الحاجات المرسلة الى غرفتك..
رددت باستغراب: حاجات؟؟..
اشارت للموظفة الاخرى الواقفة عند الباب.. فأدخلت الاكياس والصناديق الى غرفتها.. واستغربت عهد كل هذه الاكياس وقالت وهي تلتفت للموظفة: امتأكدة انها لهذه الغرفة؟؟..
اومأت الموظفة برأسها وقالت: انت السيدة عهد صحيح؟..
اومأت عهد برأسها فقالت الموظفة: اذا فهذه الاشياء لك..
قالت عهد متسائلة: ممن؟؟..
قالت الموظفة وهي تهز كتفيها: لست اعرف.. فقد جاء موظف من احد المحلات التجارية وطلب تسليم هذه الاكياس لغرفة رقم 36 .. للآنسة عهد..
ازداد استغراب عهد ووقعت على الورقة .. فانصرفت الموظفتين بهدوء .. واغلقت عهد الباب خلفهما وهي تتطلع بدهشة واستغراب شديدين الى كل تلك الاكياس والصناديق التي تملأ ركن الغرفة.. وتسائلت في اعماقها عن مرسل كل هذه الاشياء لها..
توجهت الى الاكياس لترى مابها وازداد استغرابها اضعافا وهي ترى ملابس واحذية.. ولمحت ورقة ملصقة فوق غطاء احدى الصناديق .. فقرأت ما كتب عليها بصوت مسموع: ( الى ابنة عمي المجنونة.. حتى تحمل حقيبة اكبر في المرة القادمة)
ارتسمت ابتسامة واسعة على شفتيها بالرغم منها وهي ترى انه قد اشترى كل هذه الاشياء لها.. واخذت تخرجها من الاكياس .. لتجد انها عبارة عن عدد من القمصان والبناطيل والستر والاحذية.. اما في الكيس الاخير.. فكان شيء مختلف بعض الشيء..
وارتفع حاجبها قليلا وهي تخرج الفستان الوردي من الكيس وتتطلع اليه باعجاب.. جميل جدا.. لكن .. لن يمكنني ارتداءه..
واعادت الفستان من جديد الى الكيس وقد قررت الاتصال بفارس لكي تشكره على كل هذه الملابس.. وترددت قليلا قبل ان تضغط ارقام هاتفه وتنتظره ان يجيب وهي تسمع الرنين المتواصل على الطرف الآخر..
وسمعت اخيرا صوته وهو يقول: اهلا عهد..
قالت عهد وفي صوتها نبرة فرح: اين انت؟
قال فارس بهدوء: ابعد عن غرفتك عدة خطوات..
قالت مبتسمة: اذا الى اللقاء.. سأفتح لك الباب..
انهت المكالمة دون ان تنتظر رده.. واسرعت ترتب شعرها وملابسها .. قبل ان تتوجه للباب وتفتحه .. ورأت فارس يتطلع اليها وهو يعقد ذراعيه امام صدره بصمت.. فقالت وهي تتنحى جانبا: ادخل..
تطلع اليها بنظرة ذات مغزى قبل ان يقول: اتثقين بي؟..
زفرت بحدة وقالت: اجل فقط ادخل..
دخل غرفتها ورأى الاكياس والصناديق مبعثرة هنا وهناك.. والثياب ملقاة على السرير وعلى المقاعد بطريقة فوضوية.. فقال بسخرية: اي اعصار حدث هنا؟؟..
قالت مبتسمة وهي تجذبه من كفه ليقترب من المقعدين الموجودين بالغرفة: كنت متشوقة لأرى كل ما في الاكياس والصناديق على عجل.. سأرتب كل شيء بعد قليل..
قال وهو يجلس على احد المقاعد بعد ان ازاح ما عليه من ملابس بعيدا: بل عليك بالاستعداد.. لاننا سنذهب لمطعم الفندق لنتناول طعام العشاء ..
تذكرت للتو انها لم تتناول الا اشياء خفيفة منذ الصباح وقالت: حسنا سأستعد بسرعة.. لكن اردت ان اقول...
بترت عبارتها وقالت ببعض التردد والخجل: شكرا لك.. على .. كل هذه الملابس..
قال بهدوء: ليس هناك اي داعي لشكري.. فقد كنت مقصرا معك ولم انتبه ان هناك اشياء كثيرة تنقصك.. كان يتوجب علي توفيرها لك منذ البداية..
قالت وهي تجلس على المقعد المجاور له: لم يكن ينقصني شيء ابدا..
ابتسم فارس ابتسامة باهتة وقال وهو يلتفت لها: لا ينقصك شيء وانت بالكاد لديك ملابس تكفي لمدة يومين لا اكثر..
واردف وهو يلتفت عنها ويدير بصره في ارجاء الغرفة: لكن .. هناك شيء آخر جلبته مع الملابس ..
هزت عهد كتفيها وقالت: ان كنت تعني الفستان فلست بحاجة اليه..
قال فارس بضيق وهو يلتفت لها: لا اظن انك تجلسين الآن في فرقة المقاومة..حتى تخشي ان يكتشف احد انك فتاة..
قالت وهي تعض على شفتيها بقلق: ليس هذا ما افكر به وانما...
وازدردت لعابها وقالت مردفة وهي ترفع عيناها اليه: وانما اخشى ان يكون البريطانيون يبحثون عني الآن في كل مكان.. وقد وصلوا الى المنطقة الشمالية كذلك.. ووقتها سيقتصر البحث لديهم عن فتاة تدعى عهد..
صمت فارس للحظات وهو يحاول ان يدير كلمات عهد في ذهنه.. قبل ان يقول بهدوء: وماذا لو كان بحثهم عن فتاة ترتدي ثياب الرجال وتحاول اخفاء نفسها بها؟؟..
قالت عهد بصوت مختنق وهي تطرق برأسها: لست اعلم.. لست اعلم.. لكني بت اشعر بالرعب من العودة الى هناك.. من العودة الى المبنى البريطاني.. من التعذيب الذي تلقيته على ايديهم.. لقد رأيت خلال شهر هناك.. كل اساليب الذل والهوان.. لا اريد العودة الى هناك من جديد .. لا اريد..
قال فارس بحزم وهو يميل نحوها ويربت على كتفها: اقسم لك يا عهد.. انه لن يمسك احد بسوء طالما في صدري نفس يتردد..
رفعت عهد عينيها اليه وقالت برجاء: لا تتركني ارجوك..انا اشعر بالخوف من وجودي هنا.. بياناتي اصبحت عند قسم الاستقبال بالفندق.. وبت اشعر بالخوف من ان يكتشف احد ان عهد الهاربة من المبنى البريطاني تقطن في هذا الفندق.. وبعدها قد .. قد..
وضع اصابعه على شفتيها وقال بابتسامة اراد بها ان يبث الطمأنينة الى نفس عهد: اطمأني ستكونين بخير يا عهد.. اقسم لك اني سأبعد عنك اي خطر قد تتعرضين له ..وسأحميك حتى آخر قطرة من دمي..
ارتسمت نظرة شك في عينيها .. لكن ابتسامة فارس المطمأنة جعلتها تبتسم وهي تقول: اشكرك يا فارس..
قال فارس بابتسامة وهو يحرك شعرها بفوضوية: لا تشكريني.. انه واجبي قبل كل شيء..
وهم بقول شيء ما .. لكنه تراجع وهو يعيد كفه الى جواره ليقول مغيرا دفة الحديث: الا تشعرين بالجوع؟..
ابتسمت عهد وقالت: بل اكاد اموت جوعا..
قال فارس بابتسامة واسعة: اذا سأتركك لكي تستعدي وسأذهب انا الآخر لأغير ملابسي.. وبعدها سنهبط معا الى مطعم الفندق كما اخبرتك..
وابتسم وهو ينهض من مجلسه ويبتعد عنها.. تاركا في أعماقه واعماق عهد.. شعور بالخوف من مصير هذه الاخيرة ..وتخطيطات المبنى البريطاني من اجل استعادتها...
ولم يعلم احدهما بتلك الخطة التي يناقشها القادة في المبنى البريطاني في هذه اللحظة.. والذين يستعدون لتنفيذها من اجل استعادة عهد.. الاسيرة الهاربة...
#########
قشعريرة سرت في جسد ألكس وهو يستمع لكل ما قيل وما يقال في مكتب مدير الجيش البريطاني..حاول تمالك اعصابه وان يخفي توتره واضطرابه.. وهو يستمع لخطة مدير الجيش البريطاني التي يسردها على مسامعهم.. كانت خطة لاسترجاع الاسيرة بعد ما حدث لمبناهم عدة مرات..
وادركوا ان موقعهم قد كشف بسبب تلك الاسيرة وما تحمله من معلومات عن موقع المبنى البريطاني.. فلابد ان تعود الى هنا.. وان لم يتمكنوا من الحصول على معلومات تتعلق بفرقة المقاومة منها.. فأنها ستقتل.. وسيمحون من يملك معلومات عنهم وعن مبناهم من على وجه الارض...
تلاحقت انفاسه بالرغم منه وهو يستمع الى مدير الجيش وهو يواصل كلامه: سوف نقوم باعداد نشرة تحمل مواصفات الاسيرة.. وكذلك رسم تقريبي لملامحها..والاعلان عن مكافأة محزية لمن يوصلنا لها.. سنوزع هذه النشرة في كل مكان.. وان دعت الحاجة سنخصص اعلانات في الوسائل الاعلامية عن هذه الاسيرة..
"انا اعارض هذا القرار"..جملة كادت ان تخرج من بين شفتي ألكس .. لولا ان سيطر على نفسه في اللحظة الاخيرة.. وشد بقبضة يده بكل قوة على ذراع المقعد.. حتى ان اظافره انغرست فيه وكادت ان تمزق جلد المقعد..
ووجد المدير يأخذ اراء القادة البريطانيين الجالسين معه على الطاولة عن خطته الجديدة.. حين استغرب الجميع عدم ابداء ألكس لرأيه في الخطة الجديدة.. فقال المدير: لم تعطنا رأيك يا ايها القائد..
صمت ألكس وهو يحاول ترتيب كلماته وافكاره.. يخشى ان يتفوه بأي كلمة تزيد بالشكوك من حوله..والتقط نفسا عميقا وهو يقول بهدوء: اخشى ان تتسبب هذه الخطوة في تشتيت لانتباه الجنود .. فقد يتهاون الجنود في مهمتهم ويتجهون للمهمة الفرعية وهي البحث عن الهاربة.. للحصول على المكافأة المعلن عنها..
صمت المدير للحظات وشبك اصابع كفيه قبل ان يقول: انها وجهة نظر ايضا.. ولذلك سنحصر المكافأة لتكون للمواطنين وللمجندين الغير مكلفين بالمهمات..
ازدرد ألكس لعابه .. على الاقل تمكن من تخفيف الخطر على عهد.. لكن لايزال الخطر متربصا بها.. خصوصا بعد ان يتم توزيع النشره في كل مكان ..
التقط نفسا عميقا من جديد.. واستمع الى بقية الحديث حتى انتهى الاجتماع بالقادة.. فانصرف كل منهم الى مكتبه.. وهناك جلس ألكس وهو يمسك بذقنه بتفكير ..وعيناه تتطلعان للفراغ..
قبل ان يحسم أمره ويأخذ هاتفه المحمول ويحاول الاتصال بعهد.. وهو ينتظر سماع صوتها .. لكن الاجابة كانت عدم الرد على اتصاله..وكرر الاتصال لمرة واثنتين وثلاثة.. حتى يأس من ردها.. فقال وهو يخلع القبعة من على رأسه بعصبية: تبا.. لم لا تجيب؟..لا اريدها ان تحدثني في الحب والهيام.. اريد ان اخبرها بما ينتظرها فقط..لتأخذ الحذر..
اعاد الاتصال وكرره لمرات عدة..دون أي فائدة.. ووجد نفسه يرمى بالهاتف بعيدا بعصبية وهو يهتف قائلا بانفعال: بلهاء ومجنونة.. أي عقل تحملين في رأسك؟..لم لا تجيبين علي؟..
زفر بعصبية وهو يحاول تمالك اعصابه.. قبل ان ينهض من مكانه وهو يعقد حاجبيه ويقول: فليكن يا عهد.. فليكن.. لا تجيبي على اتصالاتي.. لكني اعرف كيف اوصل ما اريد لك..
واتجه الى هاتفه ليلتقطه من على الارض ويضغط على ازرار هاتفه بسرعة ليكتب رسالة قصيرة ويرسلها لعهد.. وهو يهمس: حتى لو لم تعودِ تهتمي بي يا عهد.. فأنا لا ازال اخشى عليك واهتم لسلامتك.. حتى لو لم ترغبِ في ان تتحدثي الي او تسمعي صوتي.. سأظل مشتاق للقاك والحديث اليك.. حتى لو كرهتيني يا عهد.. واخرجتيني من حياتك.. لن اهتم..وستظلين في هذا القلب الذي لم ولن يدخله سواك...
###########
قبل هذا الوقت بساعات..وعند الساعة الرابعة بقليل ..كانت غادة تتوجه بسيارتها الى المتجر الذي يقع بالعاصمة لتنفذ الخطة.. اوقفت سيارتها في مكان يبعد مسافة مناسبة عن المتجر..واكملت بقية الطريق سيرا على الاقدام..
حتى وصلت اخيرا الى المتجر ودخلته.. وتوجهت من فورها الى البائع لتقول حسب العبارة المتفق عليها: لو سمحت يا سيد.. اود شراء بعض ادوات التجميل بسعر لا يزيد على 20 قطعة نقدية..
فهم البائع الرسالة من فوره وقال باستغراب: ماذا؟.. ارسلوا فتاة هذه المرة!..
قالت غادة ببرود: وهل يزعجك هذا يا سيد؟..هيا اعطني علبة ادوات التجميل بسرعة..
تطلع اليها البائع قبل ان يقول بصوت منخفض: لكنها ثقيلة عليك يا آنسة..
قالت غادة ببرود اكبر: لا عليك.. اعرف كيف اتدبر أمري جيدا..
قال البائع وهو يدخل الى غرفة صغيرة تابعة للمحل: فليكن هذا شأنك..
وخرج من تلك الغرفة وهو حامل في يده حقيبة جلدية بنية اللون وكبيرة بعض الشيء.. وكان يبدوا من منظرها انها ثقيلة حقا..
وقال وهو يسلمها لغادة: هيا يا آنسة خذيها واخرجي فورا.. قبل ان يراها اي احد..
غادة التي شعرت بأن عضلات ذراعها تكاد تتمزق من حملها لهذه الحقيبة .. قالت وهي تحاول تمالك قوتها: حسنا .. حسنا .. سأغادر..
بالكاد كانت تستطيع حملها وهي تغادر المتجر.. وشعرت بأنفاسها تتسارع.. فتركت الحقيبة على الارض وهي تحاول التقاط انفاسها..وحركت ذراعيها وهي تحاول ان تريحهما من هذه الحقيبة الثقيلة..
وعقدت حاجبيها فجأة وكأن امرا قد غاب عن ذهنها.. عليها ان تتجه الآن الى سيارات الاجرة بسرعة قبل ان يراها احدهم ومعها هذه الحقيبة ويشك في امرها..
عادت لتحملها واحيانا تسحبها من على الارض حتى وصلت الى مكان تتوقف فيه سيارات الاجرة.. لفت انتباهها رقمين لسيارتي اجرة احدهما كان.. (3578) والآخر كان (3478).. لحظة كم كان رقم السيارة التي طلب مني المقدم هشام الصعود اليها؟.. اظن انها كانت (3478).. ولكن رقم السيارة الآخر قريب ايضا من الرقم الاول.. يا الهي اخشى ان تخفق المهمة بسببي..
كانت مستغرقة في افكارها حتى سمعت صوت نغمة هاتفها معلنة وصول رسالة قصيرة.. تركت الحقيبة للحظات.. والتقطت هاتفها من جيبها لتقرأ الرسالة التي كانت تقول:
(لا تنسي رقم سيارة الاجرة يا ايتها الرائد..(3478).. جهاد)
ابتسمت غادة بسعادة.. وكأنه كان يشعر انها قد تنساه وتتسبب بفشل المهمة بسببها.. واسرعت تفتح باب سيارة الاجرة الخلفي وتدلف اليها وهي تحمل الحقيبة معها لتضعها الى جوارها ومن ثم تقول: اوصلني الى المكتبة العامة..
ابتسم الرجل وقال وهو يقوم بتعديل مرآة السيارة: المكتبة اغلقت ابوابها منذ ساعة يا آنسة..
تنهدت غادة بارتياح وقد شعرت بالاطمئنان ان مهمتها قد انتهت عند هذا الحد.. ورأت سائق السيارة بعدها يتوقف على جانب الطريق وهو يقول في سرعة: سيتم كل شيء حسب الاتفاق.. اوصلي تحياتي للقائد هشام..
ابتسمت وقالت وهي تهم بالخروج من السيارة: يصل وشكرا لك على المساعدة..
وما ان غادرت السيارة حتى انطلق بها صاحبها وكأنه قام بعمله المعتاد واوصل راكب للمكان الذي يريده.. وجدت غادة نفسها تبتسم وهي تشعر بالسعادة كونها قد قامت بمهمة لوحدها ونجحت فيها على الرغم من بساطة المهمة..
وتذكرت جهاد ومساعدته التي جاءت في وقتها.. ووجدت نفسها تلتقط هاتفها من جيبها وتضغط على ازرار الهاتف لتكتب له رسالة سريعة فحواها: (المهمة تمت بنجاح.. شكرا على المساعدة التي كانت في وقتها تماما.. غادة)
وارسلتها وهي تشعر بالابتسامة الواسعة على شفتيها.. قبل ان تتجه للطريق العام وتوقف سيارة اجرة حتى توصلها الى حيث اوقفت سيارتها...
##########
تنهدت عهد وهي تتطلع الى نفسها في المرآة وقالت: هكذا سيكون الامر افضل بكل تأكيد..
سمعت صوت نغمة هاتفها تعلن عن وصول رسالة قصيرة لكنها تجاهلتها ..وتذكرت كل المكالمات التي سبقتها والتي كانت من ألكس.. والتي تجاهلتها عمدا كذلك.. في هذا الوقت بالذات لا تريد ان تتحدث اليه او ان يكون اي صلة بينها وبينه.. تريد ان تعيد تفكيرها في اشياء كثيرة قبل ان تتحدث اليه.. تريد ان تنسى ولو جزء بسيط مما فعله بها وبفارس..
وعادت لتتطلع الى نفسها في المرآة وهي تتساءل في اعماقها..هل مظهرها هكذا جيد ام عليها تغييره حتى لا يكتشف احد امرها؟..قلبها يخفق بقوة كلما تذكرت انه من الممكن ان يكتشف امرها وتعود الى المبنى البريطاني مرة اخرى.. استقبال الفندق يمتلكون بياناتها.. وبالتالي قد يكتشف البريطانيون وجودها هنا..وبعدها.. وبعدها..
انتفضت فجأة عندما سمعت صوت طرقات على الباب.. وصوت فارس من خلفه وهو يقول: هيا يا عهد.. الم تجهزي بعد؟.. سنذهب لتناول طعام العشاء فحسب..
شعرت بالتوتر .. والتقطت نفسا عميقا.. قبل ان تتجه الى الباب وتفتحه قليلا ومن ثم تعود الى حيث المرآة وتتطلع الى نفسها فيها وهي تشعر بالتردد من خروجها على هذا النحو ..
اما فارس الذي شعر بالضيق من انها لم تخرج بعد قال وهو يدخل الى الغرفة: عهد .. هيا لا اريد ان اتأخر اكثر من ذلك..
قالت عهد بتوتر: كنت اريد فقط ان اسألك.. هل اخرج هكذا ام علي ان اغير ملابسي؟..
للتو فقط قد انتبه فارس لمظهر عهد..ووقعت عيناه على عهد بفستانها الوردي الذي تزينه الاحجار البراقة عند اطراف الاكمام.. وعند الخصر.. وبدت اشبه بالحزام لهذا الفستان.. وتطلع الى حذاؤها الذي ترتديه والمناسب له..وشعر كم تبدوا بفستانها هذا فتاة في قمة البراءة..
ابتسم وهو يرفع رأسه لها ويقول: رائع..
قالت مستغربة: ما هو الرائع؟..
قال بابتسامةواسعة وهو يتطلع اليها بنظرة غامضة : الفستان الذي اشتريته يبدوا جميلا جدا..
شعرت ان نظراته تحمل شيئا من الاعجاب .. لكنها تجاهلتها وهي تقول بتوتر: هل علي ان اخرج هكذا به؟.. الن يشكوا في امري؟..
قال فارس بهدوء: لا تخشي شيئا سيكون كل شيء على ما يرام..
ومن ثم مد كفه لها وهو يقول: والآن هيا..
لا تعرف لم.. لكنها تشعر بالامان معه.. تشعر بالامان عندما يتحدث اليها بمثل هذا الهدوء.. تشعر ان فارس هو كل من بقي لها وليس لها سواه بعد الله تعالى..
ووجدت نفسها تبتسم له وتمد كفها لتمسك بكفه وتقول: هيا..
قال فارس بسخرية وهو يغادر معها الغرفة: سيستغرب ساكنوا الفندق الآن.. كيف دخل الى هذه الغرفة صبي.. وخرجت منها فتاة..
تطلعت اليه عهد وقالت ببرود: ان كان الامر يقلقك الى هذه الدرجة.. فسأعود ادراجي واستبدل هذا الفستان..
قال فارس وهو يجذبها معه حتى المصعد: لا داعي فقد تأخرنا بما فيه الكفاية.. انها العاشرة..
تنهدت وهي تنتظر وصول المصعد..وبعدها دلفا اليه ليستقلاه حتى الطابق الارضي..وهناك غادر فارس المصعد وانتظر عهد لتغادر هي الاخرى.. ومن ثم سار في ممرات الفندق ليصل الى بوابة زجاجية.. فدخلها واشار الى احد نادلي المطعم.. فتقدم منه النادل وقال: امرك يا سيد..
قال فارس بهدوء: طاولة لشخصين من فضلك..
اومأ النادل برأسه وقال بابتسامة: تفضل معي يا سيد.. وانت كذلك يا سيدتي..
وسار امامهم ليوصلهم الى طاولة لشخصين ..فجلس فارس على احدها وجلست عهد على المقعد الآخر.. اما النادل فقد قدم لهما قائمة الطعام وقال قبل ان ينصرف: اي خدمة أخرى؟..
قال فارس بهدوء: كلا.. شكرا لك..
ابتسمت عهد وهي تتطلع الى المكان من حولها: يبدوا مطعما فاخرا بعض الشيء..
قال فارس بهدوء: بالتأكيد.. فهذا فندق ذا خمس نجوم..
عقدت حاجبيها وقالت: ألن يكلفك الكثير السكن في فندق فاخر كهذا؟؟..
قال وهو يهز كتفيه: لا تقلقي.. اعرف كيف اتصرف.. واعرف ان كان هذا المكان سيكلف الكثير بالنسبة لما امتلك ام لا..
قالت وهي تتساءل: صحيح.. ماذا فعلت مع رجل الاعمال ذاك؟..
قال بجدية: اتفقت معه على ان اجد الارض الذي يريدها خلال اليومين القادمين..
قالت وهي تزفر بارتياح: حمدلله ان الامر لن يطول لأكثر من ذلك..
قال بابتسامة ساخرة: ايضايقك وجودك معي الى هذه الدرجة؟..
عقدت حاجبيها وقالت ببرود: بل يضايقني وجودي في هذا المكان.. اخشى ان يكتشف احدهم امري في اية لحظة.. وبعدها سترتاح مني للأبد..
قال باستخفاف: معك حق.. سينزاح عني هم مسئوليتك .. وسأرتاح من جنونك وعنادك الاحمق ..وتصرفاتك الغبية..
قالت وهي تتطلع اليه بطرف عينها: ان كنت اضايقك الى هذه الدرجة بامكانك ان تتركني وحدي في فرقة المقاومة..
قال بسخرية: كنت افكر بالامر.. لكن رجاءك لي ذلك اليوم دفعني لعدم تركك وحيدة...
تذكرت ما حدث في ذلك اليوم..وكيف انه كاد ان يغادر بعد ان تشاجرا.. لكن رجاءها اوقفه.. ووجدت حاجبيها ينعقدان وهي تقول بحنق: انا احررك من اي مسئولية تتعلق بي..واسحب اي كلمة رجاء نطقتها لك..يمكنك ان تذهب الى حيث تشاء ان اردت ذلك..
وجد نفسه يبتسم ويقول وهي يتطلع اليها: غبية..
قالت وهي تعقد ذراعيها امام صدرها: الغبية هي التي تقبل على نفسها ان تبقى معها في مكان على حساب كرامتها..
هز فارس رأسه وقال ببرود: ستظلين حمقاء طوال عمرك..عن اي كرامة تتحدثين؟؟.. اولا انت تعرفين سبب بقاءي في فرقة المقاومة وتدركين انه لا يمكنني تركك وحيدة.. ثانيا.. انا من كان يبحث عنك طوال تلك المدة حتى التقيت بك.. لو كنت اخشى من مسئوليتك.. لما اهتممت بمعرفة ان كنت على قيد الحياة ام لا ..
والتقط نفسا عميقا وهو يواصل: اما في ذلك اليوم.. فما كنت لأتركك في فرقة المقاومة وحيدة.. الا عندما هتفت بي انك لم تعودي لوجودي معك وانني اصبحت احاصرك واسبب لك الاختناق.. ففهمت ان وجودي غير مرغوب به ففضلت الانسحاب.. هل فهمت الآن؟..
صمتت للحظات قبل ان تقول وهي تطرق برأسها وتمسك برأسها بأحدى كفيها: المعذرة فارس.. لكن ذهني مشوش بعض الشيء.. لم يعد بأمكاني التفكير بشكل صحيح..
قال فارس بهدوء: ابعدي اي شيء عن ذهنك.. واخبريني ماذا تودين ان تأكلي على العشاء؟..
رفعت رأسها له وقالت بابتسامة شاحبة: افضل العودة الى الغرفة ..
تنهد فارس قبل ان يقول وهو يتطلع الى عيناها: عهد.. ما الذي يقلقك ويخيفك الى هذه الدرجة؟..
قالت عهد باضطراب وخوف وهي تشعر بضربات قلبها المتسارعة: لا اعلم.. لكني اخشى ان يكون هذا المكان مراقب وان يلقوا القبض علي في اية لحظة.. وانت لوحدك لن يمكنك عمل شيء لهم.. وربما لو حاولت اعتراض طريقهم.. سيقتلونك.. ان هؤلاء اشخاص لا يعرفون الرحمة ابدا..
مد كفه ليضغط على كفها الممدودة على الطاولة ويقول بابتسامة حانية: لن يحدث شيء.. اطمئني.. انا هنا معك..
قالت عهد بخوف: لن يمكنك فعل شيء يا فارس.. فلنغادر هذا المكان.. ارجوك..
قال فارس وهو يتنهد ويبعد كفه عن كفها: فليكن.. اترغبين في الذهاب الى مطعم خارج هذا الفندق؟.. على الاقل لتناول طعام العشاء ومن ثم نعود الى هنا..
قالت عهد بسرعة: افضل..
قال وهو ينهض من على مقعده: فليكن اذا.. فلنغادر هذا المكان ولنذهب الى حيث تشائين..
نهضت بدورها لتبتعد معه عن هذا المطعم وعن هذا الفندق بأكمله والذي اصبح بالنسبة لها مصدر للخوف والقلق...
##########
تطلعت سوزي الى مارك الجالس على يتحدث الى ذلك الجندي الذي اغدقه بالاسئلة.. ومارك يحاول الاجابة عليها باقتضاب دون ان يثير في نفس الجندي اي مجال للشك..
وقال الجندي بجدية: لقد بحثنا في ملفك بالسفارة عن كافة البيانات التي تعنيك.. وقد عرفنا ان اسمك هو مارك ويلستون.. ولك اخت تدعى ايما.. ووالدك يعمل في شركة اعمال.. وانك تخرجت للتو من مدرستك الثانوية.. فهل لي ان اعلم يا سيد.. ما الذي جاء بك الى هنا؟
قال مارك بهدوء مجيبا: جئت هنا للسياحة.. فأنت تعلم ان في هذا الوقت من السنة تكون معظم الاجازات..
قال الجندي متسائلا مرة اخرى: وما الذي دفعك للبقاء هنا بعد ان حدثت الحرب؟.. لم لم تطلب المغادرة الى البلاد فورا ضمانا لسلامتك..
قال مارك وهو يتظاهر بالقلق: لقد خشيت الموت.. كنت افكر دائما بالعودة الى بريطانيا.. لكني كنت اخشى ان تسقط الطائرة اثر الصواريخ المتبادلة عند الحدود..
قال الجندي بابتسامة: ما كان عليك الخوف هكذا.. لو كنت ذهبت للسفارة البريطانية الموجودة هنا.. لربما تم نقلك الى بريطانيا في طائرة خاصة دون ان تتعرض لأي مكروه..
واردف قائلا: والآن يا سيد مارك.. اخبرك اننا قد قمنا بواجبنا وعالجنا جروحك .. فان كنت تريد مغادرة هذا المبنى.. فلك هذا..
قال مارك بعد صمت وهو يطرق برأسه: لقد فكرت كثيرا.. ووجودي هنا اثناء الحرب.. جعلني افكر في الانضمام للجيش البريطاني.. لكني كنت متردد من هذه الفكرة..
عقد الجندي حاجبيه وقال: هل انت واثق من قرارك هذا؟..
قال مارك وهو يومئ برأسه: اجل واثق.. وكلي اصرار للانضمام للجيش البريطاني..
قال الجندي بهدوء: فليكن.. سأبلغ مدير الجيش بطلبك هذا.. وحتى يوافق او يرفض هذا الطلب.. ستقيم في غرفة تابعة للمبنى.. بالاذن..
قال مارك بابتسامة: شكرا لك.. ارجو ان تبلغني في حال قبول طلبي..
اومأ الجندي برأسه وغادر المكان بعدها.. اما سوزي فقد قالت وهي تتطلع اليه بعتاب: اتعلم؟.. حتى انا كدت ان اصدق ما قلته..
قال مارك بهدوء: لقد اخبرته بالصدق حقا.. فكلي اصرار فعلا للانضمام للجيش البريطاني..
تطلعت اليه سوزي بلوم وقالت: اصرارك هذا ليس من اجلنا بل ضدنا..
قال مارك وهو يتنهد: ارجوك يا سوزي.. لقد انتهينا من هذا الامر..
قالت سوزي وهي تقترب منه: فليكن.. خذ تحدث مع شقيقك..
تطلع مارك الى الهاتف الممدود اليه.. وسمع سوزي تردف بجدية: ولكن لخمس دقائق ولا تطيل المكالمة لأكثر من ذلك.. ودع حوارك باللغة الانجليزية.. وحاول فقط ان تطمأنه على نفسك.. حتى لا يشك احد الجنود بالامر لو سمعك..
ابتسم وهو يلتقط الهاتف من يدها وقال: اشكرك جزيل الشكر يا سوزي..
وضغط على كفها بحنان وقال: لن تندمي ابدا لأنك منحتيني ثقتك هذه ..
تحدثت سوزي الى نفسها قائلة: ارجو ذلك..
ضغط على ازرار الهاتف وهو ينتظر بلهفة سماع صوت شقيقه هشام.. وعلى الطرف الآخر استغرب هشام وجود رقم غريب على شاشة هاتفه.. وبدايته غريبة بالنسبة لأرقام الهواتف المحمولة.. واجاب عليه بعد تردد وهو يقول: ألو.. من معي؟..
جاءه صوت شقيقه مارك متلهفا وهو يقول بالانجليزية: اهلا هشام.. كيف حالك؟..
نهض هشام من مجلسه وقال بدهشة ولهفة: مارك.. هذا انت يا مارك.. هل انت بخير؟.. هل آذاك احدهم؟ .. اجبني..
قال مارك بابتسامة واسعة: انا بخير .. لا تقلق علي.. لقد تم علاجي في المبنى وانا بخير الآن..
قال هشام متسائلا: وكيف يمكننا التواصل خلال مدة وجودك في هذا المبنى؟..
قال مارك وهو يتطلع الى سوزي بطرف عينه: سأتصل بك انا .. حينما اجد الوقت لذلك..
قال هشام متسائلا مرة اخرى: وماذا عن المهمة؟..
قال مارك وهو يضغط على حروف كلماته: سأحاول تنفيذها .. لا تقلق.. انا اسير الآن على اولى خطواتها..
واردف وهو يلتقط نفسا عميقا: مضطر لانهي المكالمة الآن يا هشام.. اهتم بنفسك جيدا..
قال هشام باهتمام وبصوت قلق: بل اهتم انت بنفسك وحاول الاتصال بي وقتما تستطيع.. وحاول ان تكون بخير لأجلي..
قال مارك بابتسامة: سأحاول يا اخي.. الى اللقاء..
قال هشام بهدوء: الى اللقاء..
التفت مارك الى سوزي وسلمها الهاتف وهو يقول بابتسامة واسعة: شكرا لك يا سوزي.. اشعر بالراحة الآن بعدما تحدثت الى شقيقي..
قالت سوزي بابتسامة باهتة وهي تلتقط منه هاتفها: العفو.. وسأتركك تتحدث اليه بين الفترة والاخرى ليطمأن عليك ..
تطلعها اليها بامتنان وقال: اشكرك على جميلك هذا..
واردف قائلا بتساؤل: متى سأخرج من هنا؟..
قالت سوزي وهي تهز كتفيها: ربما اليوم مساءا او في الغد.. سيأتي الطبيب ليطمئن على حالتك وبعدها سيحدد موعد خروجك من المشفى..
وقالت مردفة وهي تستدير عنه: بالاذن الآن..
قال مارك بقلق وهو يراها تبتعد عنه: سوزي.. الى اين تذهبين؟..
قالت وهي تلتفت له: لدي حالات اخرى يجب علي الاشراف عليها..
وابتسمت وهي تكمل: سأعود لك قريبا.. لا تقلق.. فقلبي موجودا هنا .. في هذه الغرفة..
ابتسم لها ابتسامة واسعة وقال بحب: وقلبي اتركه امانة بين يديك..
اومأت برأسها وابتعدت لتغادر الغرفة.. وتترك خلفها مارك الذي اسند رأسه الى الوسادة.. وهو يفكر في وجود سوزي في المبنى البريطاني الذي سيكون عاملا مساعدا له من جهة.. وقد يعرقل مهمته التي جاء من اجلها من جهة اخرى...
:
:
يتبع...
 
بــ الحب (41) والواقع ــين
::من اجلك::

ابتسم فارس وهو يتطلع الى عهد الجالسة امامه والتي اخذت تتناول طعامها بشهية مفتوحة.. وكأنها لم تتناول اي شيء منذ مدة طويلة.. واكتفى بأن يراقب طريقة تناولها للطعام وهو يسند ذقنه الى ظهر كفه ..
وعندما شعرت عهد بنظراته توقفت عن تناول الطعام وقالت وهي ترفع نظراتها اليه متسائلة: لم توقفت عن تناول طعامك؟..
قال وهو يهز كتفيه: لقد شبعت..
تطلعت الى طبقه وقالت باستغراب: لكنك لم تأكل الا القليل فحسب..
قال بهدوء: دعك مني.. واكملي انت طعامك..
قالت بضيق: لكني لا احب ان اتناول الطعام واحدهم يراقبني..
قال وهو يبتسم بسخرية: من قال اني اراقبك؟.. انا اكتفي بمشاهدة طريقتك الطفولية في تناول الطعام..
رفعت احدى حاجبيها بحنق من قوله.. فتركت ملعقتها وقالت: حسنا اذا.. لن اتناول شيء.. اطلب الفاتورة ولنغادر..
ابتسم وقال: اتعلمين انك طفلة؟..
عقدت حاجبيها واشاحت بوجهها بعيدا عنه.. فقال: انهي طعامك وبعدها سنغادر.. لا تتوقعي مني ان اغادر المكان قبل ان تنتهي من تناول طعامك..
قالت ببرود: لقد شبعت..
شرب قليلا من عصيره ومن ثم قال: فليكن اذا.. ادفعي ثمن الطعام وغادري المطعم..
قالت بضيق: لا تهزأ بي.. انت تعلم اني لا املك اي مبلغ من المال..
قال بهدوء: بل تملكين.. ولكنها ليست بين يديك.. لا تنسي ابدا ان لك نصف شركة العقارات..
قالت ببرود: وهل سأدفع نصف شركة العقارات هذه ثمنا لما تناولته؟..
ابتسم وهو يقول: هذا شأنك.. اكملي طعامك وبعدها سأدفع لهم المبلغ بالكامل..
اكتفت بتناول ملعقتين من الطعام قبل ان تقول: ها انذا قد انتهيت والآن هيا..
وعقبت قولها بأن نهضت واقفة.. فلم يجد فارس امامه الا ان يقول: حسنا.. اجلسي الآن.. سأنادي النادل ليحضر فاتورة الطعام.. لاقوم بدفعهأ.. وبعدها بامكانك فعل ما تشائين..
قالت وهي تشير الى دورة المياه: حسنا سأكون هناك اذا..
واتجهت من فورها الى دورة المياه .. اما فارس فقد قال بضيق: بلهاء يا عهد.. ولا تفهمين اي شيء..
وطلب من النادل ان يحضر الفاتورة.. وبعدها قام بوضع المبلغ على الطاولة.. قبل ان ينهض من مكانه ويتجه الى حيث دورة المياه..ويبحث بعينه عن عهد خارجها..
وما ان رآها حتى انصرف معها مغادرين المطعم بسيارته ليعودا الى الفندق.. وليعود كل منهمها الى غرفته..
وهناك شعرت عهد بالتعب فجلست على احد المقاعد.. وخلعت حذائيها.. قبل ان تنهض من مكانها وتتجه الى حقيبتها وتبحث عن لبس مريح يصلح للنوم..
وعندما يأست من ان تجد شيئا كهذا في حقيبتها.. بحثت في الملابس التي احضرها لها فارس.. واخيرا وجدت قميص طويل يصل الى ما تحت الركبة بقليل.. ذا لون ازرق سماوي.. وتتناثر فيه الرسومات المتحركة لاطفال..
وابتسمت وهي تتطلع الى شكلها بالمرآة.. تبدوا طفلة حقا بلبسها هذا.. وقعت عيناها فجأة على هاتفها المحمول التي تركته في ركن من الغرفة واهملت وجوده تماما طوال اليوم ..
وعلى الرغم منها وجدت قدماها تأخذانها اليه..ويداها تلتقطانه.. لتلمح على شاشته ما كانت تتوقعه لكنها تحاول تناسيه وابعاده عن ذهنها.. عشرات المكالمات من ألكس وعدد من الرسائل...
كانت تفكر في مسح رسائله دون ان تقرأها .. لكن شعور في اعماقها جعلها تفتح اولى رسائله والتي كانت مرسلة صباح هذا اليوم.. والتي كانت تقول (عهد.. كيف حالك؟.. لم ارد سوى الاطمئنان عليك.. ارجو ان تكوني بخير)..
وعلى الرغم من ان الالم قد اعتصر قلبها لكلماته التي تشعر منها بالحنان .. الا انها قاومت هذا الاحساس وفتحت رسالته الثانية والاخيرة والتي كانت تقول (اجيبي يا عهد ان الامر جد هام.. اريد التفاهم معك بأمر هام يتعلق بك.. انك في خطر.. اقسم على ذلك.. انهم يبحثون عنك في كل مكان.. حاولت تخفيف هذا الخطر قدر الامكان.. لكني لم استطع.. اتصلي بي يا عهد عندما تقرئي رسالتي هذه.. سأكون بانتظارك)
دقات قلبها التي تسارعت.. وانفاسها التي اضطربت ..ونظراتها التي باتت تنظر الى الفراغ بلا هدف..وعقلها الذي بات مشتت بين الواقع وبين كلمات ألكس الذي اخذت تتردد في ذهنها .. انهم يبحثون عنك في كل مكان.. انك في خطر.. انهم يبحثون عنك في كل مكان.. انك في خطر..
وجدت قدماها لم تعودا قادرتان على حملها .. فألقت بجسدها الصغير على السرير.. وقد تجمدت دموع الخوف في عينيها..
هذا ما كانت تخشاه.. انهم يبحثون عنها في كل مكان.. سيجدونها قريبا.. ستعود الى هناك من جديد.. الى حيث الذل والهوان.. الى حيث العذاب والقهر.. الى حيث الزنزانة الحقيرة التي القت بها ..الى حيث السجن الذي لا فرار منه الا بالموت.. سيعذبونها او يقتلونها.. سيكون نهايتها هو الموت لا محالة ...
عضت على شفتيها بقهر .. ووجدت اصابع كفها تضغط على ازرار الاتصال بألكس.. وقلبها ينبض بالقهر .. بالكره.. بالحقد.. وبالرغبة في الانتقام..
:
:
ألكس الذي شاهد رقم عهد يضيء على شاشة هاتفه.. شعر بقلبه يخفق رغم اي شيء..يخفق حبا ولهفة لها.. يخفق شوقا لسماع صوتها.. ولسماع همساتها وكلماتها..
ووجد نفسه يجيب على المكالمة وهو يقول في همس دافئ: عهد..
جاءه صوت عهد مضطربا غاضبا حانقا.. وهي تقول بعصبية: هل صحيح ما جاء في رسالتك القصيرة؟..
تذكر ما ارسله وقال وهو يزفر بحدة: بلى صحيح..
قالت بغضب: وكيف تم ذلك؟..كيف؟.. لم لا تتركوني وشأني.. اما اكتفيتم تعذيبا لي؟؟ ..
قال ألكس بهدوء: انهم يحاولون استعادتك يا عهد.. بما انك الوحيدة التي تعلمين موقع المبنى البريطاني..وهم شبه متأكدين انك انت من اعطى فرقة المقاومة معلومات عن موقع المبنى البريطاني..
اخذ صدر عهد يعلو ويهبط وهي تحاول السيطرة على اضطراب انفاسها.. ومن ثم قالت بصوت مختنق: وما الذي يحاولون فعله لاستعادتي الآن؟؟؟..
قال ألكس بعد تردد: ارسلوا نشرة تحمل مواصفتك.. وقاموا بتوزيعها على مختلف المناطق من الجنوب حتى العاصمة.. وقد يصلون الى الشمال قريبا..
توترت عهد..وتوترت كل عضلة بها وتسارعت دقات قلبها خوفا من ما ينتظرها.. ووجدت نفسها تقول بانفعال بالرغم منها: تبا لكم.. تبا لكم.. الموت لكم.. ليتكم تموتون.. ليتكم تغادرون بلادنا.. اكرهكم جميعا.. اكرهكم ..
وطفت الدموع على سطح عينيها ووصلت شهقاتها الى مسامع ألكس.. والذي قال بحنان على الرغم من كلماتها التي كانت كالخناجر في قلبه: عهد.. ارجوك اهدئي.. لقد حاولت تخفيف الخطر عليك.. حاولت ان ابعد انتباههم عنك بشكل كامل .. لكني لم استطع.. لكن يمكنك ان تعرفي الآن ان الخطر قد زال بشكل جزئي.. لكن اعدك ان احميك.. اعدك بذلك..
قالت عهد بصوت ساخر ودموعها تسيل على وجنتيها: هه.. تعدني بماذا؟.. بخيانة بلدك وخيانة وظيفتك؟.. تعدني بأن تقاتل الجيش البريطاني لأجلي؟.. تعدني بأن تتحدى الجميع من اجلي؟.. لن يمكنك ذلك يا ألكس.. لن يمكنك فعل اي شيء من وعودك.. لأنك مهما كان قائد للجيش البريطاني..
سمعت صوت رنين هاتف الغرفة في تلك اللحظة.. وتجاهلته وهي تستمع الى صوت ألكس الذي قال بحزم: عهد.. انت تعرفين اني تحديت الجميع من اجلك فعلا.. وانني دافعت عنك وحميتك طوال فترة وجودك في المبنى.. وانني خنت بلادي ووظيفتي عندما سعيت لتهريبك.. الا يعني هذا اني وفيت بوعودي لك؟.. واني قادر على ان افي اي وعد اقطعه على نفسي تجاهك..
قالت عهد بحدة بالرغم منها: لن يمكنك.. لن يمكنك.. اتعلم لماذا؟.. لانني الاسيرة.. وانت القائد.. لانني المظلومة وانت الظالم.. لاننا الابرياء وانتم من يقتل.. لانني نزرع وانتم تقلعون.. لاننا نبني وانتم تهدمون.. افهمت لماذا لن يمكنك الآن؟؟..
قال ألكس في سرعة: عهد.. لقد ضحيت بكل شيء من اجلك.. لم انت قاسية القلب هكذا؟.. اهذا جزاء قلبي الذي احبك؟.. اهذا جزائي لان قلبي نبض لك واخذ يسيرني لأحميك وابعد عنك اي خطر؟؟..
سمعت عهد رنين هاتف الغرفة من جديد وعادت لتتجاهله وهي تقول بصوت منفعل: بل جزاءك لانك قتلت امي وابي .. جزاءك لانك قتلت اهلي.. جزاءك لانك شردتني انا والآلاف غيري في هذه الشوارع.. جزاءك لانك جعلتني اعيش الخوف واصارعه الف مرة بالساعة.. جزاءك لانك حاولت ان تقتل فارس...
قال ألكس بحدة وغضب دون ان ينتبه لأسم فارس الذي نطقت به عهد: يكفي يا عهد.. يكفي.. انت لا ترين الا سيئات من حولك.. لا تستطيعين رؤية ما فعلته من اجلك وما القيت به خلف ظهري من اجلك.. ان كنت قد قتلت فهذه مهنتي.. ان كنت قد دمرت فهذه مهنتي.. لا يمكنني قول لا .. والا قُتلت.. لا يمكنني رفض الاوامر والا اتهمت بالخيانة وكان مصيري هو الاعدام.. لكني بالرغم من كل هذا خاطرت بحياتي من اجلك انت ياعهد.. من اجلك وحدك.. وكل هذا بسبب هذا القلب الاحمق الذي احبك..
التقطت نفسا عميقا قبل ان تقول وشفتاها ترتجفان: اكرهكم جميعا.. ليتك لم تظهر في حياتي.. ليتني لم ارك.. ليتني لم اكن في المبنى البريطاني.. لقد جعلت مبادئي تتغير.. ورغبتي في الانتقام تتضاءل.. بت اخشى عليك.. واحاول تحذيرك.. على الرغم من الفشل الذي يلحق بالمهمة.. صرت اهتم لأمرك وافكر بك على الرغم من انك انت نفسك الذي قتلتني ذات يوم بقتلك لعائلتي.. واعلم انه سيأتي اليوم الذي تقتلني فيه بيديك..
قال ألكس وقد هدأت نبرته: عهد.. برغم كل شيء.. وبرغم كل كلمة نطقت بها.. وبرغم كل كلمة جرحتيني بها .. فلا زلت احبك.. ومستعد لفعل اي شيء من اجلك.. وان كان على حساب حياتي..
سالت الدموع على وجنتيها وقالت بضيق من نفسها: لا اريد.. لا اريد.. كل شيء خطأ.. كل شيء خطأ.. هذا الحب خطأ.. ووجودك في حياتي خطأ.. وقريبا ستقبض علي لأعود الى المبنى البريطاني وهناك سأتلقى التعذيب من جديد .. وقد اقتل على يديك ايضا..
قال ألكس وهو يعقد حاجبيه: اتمنى ان تُقطع يداي قبل ان تمسك بسوء يا عهد.. انت لا تعلمين اي مشاعر عصفت بي منذ ان رأيتك.. انت غيرت ألكس.. جعلته انسان بقلب وعواطف تحركه.. جعلتيه انسان يخشى على غيره ويهتم به.. جعلتيه انسان يتلهف للغد بعد ان كان يعيش اليوم بيومه.. ولو حدث وان تم القبض عليك واعادتك الى المبنى البريطاني.. فاقسم لك يا عهد.. انه لن تمر 24 ساعة قبل ان تكوني خارج اسوار المبنى.. مهما كلف الثمن..
قالت عهد بصوت مختنق: لكنهم قد يقتلوك بعدها..
قال ألكس بابتسامة دافئة: هذا افضل عندي من ان يمسك احد بسوء.. او ان اسمع آهة الم تنطلق من بين شفتيك..
كادت ان تنطق بشيء ما لولا ان سمعت بصوت طرقات الباب.. واستغربت من قد يكون الطارق في هذه الساعة.. وقالت في سرعة وبصوت هامس: مضطرة لأن انهي المحادثة الآن,.الى اللقاء..
وانهت المكالمة دون ان تسمع اجابته.. وهتفت قائلة وهي تسمع صوت الطرقات على الباب: من؟..
قال فارس ببرود: انا .. ومن سيكون غيري؟..
خفقات قلبها المرتجفة مما قاله ألكس ومما حدث لها اليوم.. جعل تفكيرها يتشتت..ومسحت دموعها على عجل ومن ثم اتجهت الى الباب لتفتحه متناسية انها ترتدي قميصا طويلا فحسب.. وقالت وهي تطل من خلف الباب: ما الامر يا فارس؟.. هل من شيء؟؟..
تطلع فارس الى شحوب وجهها والى عيناها الحمروان.. فقال متسائلا وهو يزيح الباب ويدلف الى داخل الغرفة: مابك يا عهد؟.. هل حدث شيء؟.. لقد اتصلت مرتين على الغرفة لأطمئن عليك.. لكنك لم تجيبي على اتصالي..
قالت عهد وهي تشيح بنظراتها بعيدا: لم انتبه.. فقد كنت في دورة المياه..
قال فارس وهو يشعر ان نبرات صوتها ترتجف: عهد.. اشعر انك تخفين شيئا ما.. اخبريني ما بك؟..
قالت عهد وهي تلتفت له وتقول: لا شيء.. فقط احتاج لأن انام.. هلا تركتني وحدي الآن من فضلك..
شعر بالدموع في عينيها.. فقال باستغراب: هل كنت تبكين يا عهد؟؟..
اشاحت بوجهها بعيدا وهي تقول: ابدا.. لم اكن ابكي..
امسك بذقنها وادار وجهها اليه وقال وهو يتطلع الى عينيها: بل كنت تبكين.. لا تكذبي يا عهد.. واخبريني .. ما الذي يجعلك تبكين الآن ؟؟..
ازاحت كفه بخشونة وقالت ببرود: لم اكن ابكي.. دعني وشأني من فضلك وغادر هذا المكان..
عقد ذراعيه امام صدره وقال ببرود: وانا لن اغادر الا اذا عرفت ما سبب بكاءك هذا..
لم تكن عهد تتحكم في تصرفاتها في هذه اللحظة .. فقد كانت مشاعر الخوف والقلق والاضطراب من القادم هي التي تحكمها.. الخوف مما قد يحدث لها بعدما ارسلوا نشرة بمواصفتها.. القلق من المجهول..والاضطراب من علاقتها بألكس التي كل يوم باتت تأخذ منحنا جديدا في حياتها.. بين مد وجزر ..
وقالت بحدة وهي تمسك بجبينها: ارجوك اخرج.. لست في مزاج يسمح لي بالتحدث الآن..
قال فارس باصرار: قلت اني لن اتحرك خطوة واحدة قبل ان اعلم ما بك يا عهد..وما سر هذه الدموع التي اراها في عينيك؟..
قالت عهد بحنق: اريد ان انام.. فهل ستبقى هنا طوال الليل ايضا؟.. الم يكفيك ما كنت تفعله في فرقة المقاومة من مراقبة لتصرفاتي؟..
قال فارس وهو يعقد حاجبيه: عهد.. انت تعلمين اني كنت خائف عليك ليس الا.. ولهذا كنت اقف في الردهة يومها.. لكني لم اعد اقف هناك بعدما وعدتك..
قالت وهي تشير نحو الباب: اذا غادر الآن ودعني انام.. بعيدا عن اوامرك..
شعر فارس بالضيق من كلماتها وقال بسخط: اتسمين اهتمامي بك اوامر القيها على مسامعك؟.. فليكن انه امر اذا.. اخبريني ما بك يا عهد والآن.. فلم اعد اطيق صبرا..
قالت عهد وهي تشيح بوجهها عنه: غادر الغرفة من فضلك.. فلا اود الحديث معك الآن..
لم تكن عهد تنوي التحدث مع فارس بهذه الطريقة لكن الضغط التي شعرت به وقتها جعل اعصابها تنفلت.. وتتحدث بدون وعي..وبحدة وخشونة مع فارس .. وبكلمات جافة نوعا ما..
تطلع اليها فارس وامسك بكتفيها ليقول بحدة: عهد.. انا لا امزح .. انني جاد فيما اقول.. اريد ان اعرف سر بكاءك ليس الا..
قالت عهد وهي تزيح كفيه بعصبية: لا تلمسني.. واخرج من الغرفة.. لا شأن لك بي.. او بسبب بكاءي.. وان كنت اهمك الى هذه الدرجة .. فغادر الغرفة.. فلم تعد اعصابي تحتمل اي شيء.. غادر اتسمع؟..
تطلع اليها فارس بنظرة غامضة ومن ثم قال: ان كنت تظنين انني ان غادرت هذه الغرفة .. سأغادر مرتاح البال وانا اراك على هذه الحال..فأنت مخطأة.. اخبريني الآن بارادتك عن سر بكاءك قبل ان اعرفه رغما عنك..
تطلعت اليه عهد بغضب وقالت: لن تعرف شيء مني سواء بارادتي او لا.. واتركني وغادر.. فقد سأمت تصرفاتك.. سأمت تحكمك.. سأمت ما تفعله بي.. ليت امي وابي كانوا احياء .. لما تركوك تعاملني على هذا النحو.. اكرهك يا فارس.. اكرهك.. اكرهك ايها التافه الحقير.. اكرهك ايها المتسلط الوغد.. اكرهك ايها السافل الـ...
انبترت عبارتها على الرغم منها اثر كف فارس التي هوت على وجنتها.. ورفعت عيناها وهي تتطلع اليه بصدمة وتمسك بوجنتها.. ورأت نظراته لها التي كانت تقدحان شررا قبل ان يقول: هل بقي هناك شتيمة اخرى تريدين نسبها الي؟؟!..
احست بالقهر .. بالحنق والغضب .. لقد اهانها بصفعته هذه.. حطم كرامتها.. لم تعتد ان يضربها احد ويهينها حتى والدها لم يفعلها.. فكيف يأتي هو ويتجرأ على ضربها..
وقالت وهي ترفع نظراتها اليه بكل غضب الدنيا: اجل ولم لا تضربني؟.. لم لا تفعلها وانت تتحكم في تصرفاتي وتسيطر علي؟.. لم لا تضربني وقد بت مجرد دمية بين يديك تحركها كيفما تشاء؟.. لم لا تضربني وانت الوحيد المسؤول عني الآن والذي يجب ان يفرض سيطرته علي وعلى...؟
لم يحتمل فارس مزيدا من التجريحات .. مزيد من هذه الكلمات.. انها لا تفهم رغم كل ما يفعله من اجلها.. انها بلهاء لم ولن تفهم ما يفعله .. وهتف قائلا بانفعال: اصمتي يا حمقاء.. انا احبك.. احبك..
اتسعت عيناها بقوة وهي تتطلع اليه..لم تستوعب حرفا مما قاله وتجمدت نظراتها عليه.. لقد اخطأت سماع العبارة بكل تأكيد.. ان من امامها هو فارس.. فارس الذي يكتفي باثارة اعصابها والسخرية منها.. انها تتخيل بكل تأكيد.. لقد سمعت ما قاله عن طريق الخطأ..
اما فارس فقد ابتسم بسخرية مريرة.. وقال وهو يشيح بنظراته بعيدا ويكور قبضته بقهر: اجل.. هذا الغبي الذي يقف امامك الآن يا عهد يحبك.. وحبه لك لم يبدأ منذ فترة قصيرة فحسب.. بل بدأ منذ الطفولة.. منذ ان كنا اطفالا يا عهدكانت عيناي تتبعانك اينما كنت.. كان اليوم لا يكتمل الا بوجودك فيه.. كنت احب ان اتشاجر معك واراك تغضبين .. كانت طريقتي لاكون معك والى جوارك بما انك تكرهين وجودي.. كنت ارى نظرات الكره في عينيك دائما موجهة لي.. كنت اتمنى ان يأتي اليوم الذي تتبدل فيه هذه النظرات تجاهي.. لكنك لم تفهي ابدا تصرفاتي.. لم تفهمي ان ما اقوله وافعله هو اهتمام بك وخوف عليك .. وليس سيطرة وفرض اوامر كما تصفين.. لكنك لم تري هذا يوما ولم تنتبهي لنظراتي لك التي تعبر لك عن كل ما اخفيه في داخلي..
والتفت اليها ليرى علامات الصدمة على وجهها.. قبل ان يواصل بسخرية مريرة: اتعلمين يا عهد اني كنت افكر ان اخبرك بمشاعري هذه عندما التقي بك بعد ذلك الانفجار المشؤوم.. خاصة بعد ان شعرت انه كان من الممكن ان افقدك..لكن رؤيتي لك يومها وانت بذاك الحال ..واكتشافي انك احد افراد فرقة المقاومة.. جعلني اؤجل هذا الموضوع حتى تحين الفرصة المناسبة.. كنت اتمنى ان يأتي اليوم الذي ارى فيه خوفك علي.. ارى اهتمامك بي.. وحبك لي.. صدقيني يا عهد.. لو شعرت للحظة انك تحملين لي ولو قطرة من الحب لصارحتك بمشاعري على الفور.. لكني لم اكن ارى سوى كرهك لي والذي بات يزداد يوما بعد يوم.. لهذا فضلت ان اخفي هذه المشاعر خلف سخريتي بك.. ومحاولتي الدائمة استفزازك..
وتنهد وهو يستدير عنها قائلا: والا في رأيك.. ما الذي جعلني انضم لفرقة المقاومة منذ البداية؟.. كان بامكاني ان اخرجك بالرغم منك من هناك دون ان آبه بك وبتهديداتك .. لكني لم اكن احتمل ان اكون انا سبب آلامك ودموعك.. لهذا تركتك لتفعلي ما تشائين على الرغم من اني اموت في اليوم ألف مرة وانا ارى افراد المقاومة يتعاملون معك كشاب..واراك تنضمين الى المهام المختلفة والتي تكاد تفقدك حياتك..
وكور قبضته قبل ان يقول ببرود: اعلم انك لا تكنين لي اي مشاعر.. واعلم انني لست انا الشخص ابدا الذي سيحتل قلبك.. لهذا انسي ما قلته لك..واعتبريه مجرد حديث عابر..
وتسارعت خطواته وهو يتجه نحو الباب ويغادر الغرفة.. اما عهد التي كانت نظراتها مثبتة على الباب الذي خرج منه فارس.. وهي مصدومة بكل ما حدث وكل ما سمعته..
كانت تريد نداءه لكن صوتها توقف في حلقها.. وهي بين الشك وعدم التصديق.. من المستحيل ان يكون فارس يحمل لها مشاعر الحب.. مستحيل.. فارس هو الشخص الذي كان يشعر بالفرح عندما تغضب.. ويبتسم عندما يراها تنفعل وتصرخ.. ويفعل اي شيء من اجل السخرية منها.. هذا غير صحيح.. غير صحيح..
طوال عمره لم يحاول ان يوضح لها ولو القليل من مشاعره.. فلماذا الآن.. لماذا؟.. انه كالاخ بالنسبة لها.. لا تريد ان تفقده هو الآخر ..لا تريد.. هو من كان يقف بجوارها عندما تحدث اي مشكلة لها.. هو من ساعدها اكثر من مرة.. هو من يهتم بكل صغيرة وكبيرة تتعلق بها الآن.. بالتأكيد سيفكر ان يتركها وحيدة بما انه يعلم انها لا تبادله مشاعره..
لكن لا.. هي تريده ان يبقى بجوارها.. هي تريده ان يكون معها.. نعم هي انانية ولتصفوها بما تشاؤون.. لا تريد ان يرحل فارس عنها.. لا تريد ان تفقده.. لا تريد..تريد ان يكون معها حتى آخر حياتها.. هو من تبقى لها في هذا العالم من بعد موت والديها.. فكيف يمكنها ان تتركه يرحل عنها ويتركها تعاني في وحدتها من جديد دون وجوده الى جوارها؟؟...
شعرت بشيء يبلل خديها.. ورفعت اصابعها لتكتشف انها الدموع.. لم البكاء الآن يا عهد؟.. كل شيء سيكون على مايرام.. لن تفقدي فارس.. سيكون معك دائما.. هو يحبك .. هو من قال ذلك.. ومن يحب لا يترك حبيبته تعاني وحدها .. سيبقى معك ولن يتركك..
والقت بنفسها على السرير وهي تشعر بألم يعتصر قلبها .. وبشعور غريب بدأ يغزو اعماقها بعد اعتراف فارس لها.. ترى اي مصير ينتظرك يا عهد في ظل كل ما حدث معك؟.. واي شاطئ سيتلقفك من هذا العذاب الذي تعيشينه كل يوم؟.. سنترك الاجابة للقدر..
##########
تلفت مارك حوله وهو يرى الغرفة التي تم نقله اليها مؤقتا بعد مغادرته للمشفى ..انها غرفة عادية للغاية.. تتكون من سرير وخزانة .. ومن مكتب صغير وقسم صغير لدورة المياه..لكن كل هذا لا يهمه الآن.. ما يهمه هو ان يكون بينهم مهما كلف الثمن.. سيمضي قدما في مهمته من اجل هشام ومن اجل الجميع.. من اجلهم جميعا,. حتى وان كان الثمن حياته..
سمع صوت طرقات على الباب.. وظن انها سوزي.. واتجه نحو الباب ليقول متسائلا: من؟..
جاءه صوت احد الجنود وهو يقول: من فضلك يا سيد.. افتح الباب..
فتح مارك الباب للجندي وقال متسائلا: ما الامر؟..
قال الجندي بهدوء: اتبعني الى مكتب مدير الجيش.. انه يرغب بمقابلتك..
قال مارك وهو يشير الى نفسه بغرابة: يقابلني انا؟؟..
قال الجندي ببرود وهو يلتفت عنه: اجل انت.. هيا الآن.. اتبعني..
تبعه مارك حتى وصل معه الى مكتب مدير الجيش.. وهناك شعر ببعض التوتر من الموقف الذي قد يوضع به.. او ان يتم كشف امره وان يعرفوا ان له شقيقا من هذه البلاد..
تنهد وهو يدلف خلف الجندي الذي ادى التحية العسكرية قبل ان يقول: لقد احضرت السيد مارك يا سيدي.. كما طلبت مني..
قال مدير الجيش ببرود: انصرف انت الآن..
ادى الجندى التحية العسكرية مرة اخرى.. قبل ان ينصرف من المكتب.. تاركا مارك مع المدير..وهذا الاخير يقول بهدوء: تقدم يا سيد ويلستون.. لم تقف هناك؟.. تفضل بالجلوس..
جلس مارك على المقعد المجاور لمكتب المدير وقال بهدوء: شكرا يا سيدي..
قال المدير بهدوء وهويتطلع اليه: لقد سمعت انك تود الانضمام الى الجيش يا سيد مارك..
اومأ مارك برأسه قبل ان يقول: اجل يا سيدي..
قال المدير وهو يعقد حاجبيه: وما الذي جعلك تقرر الانضمام فجأة بالجيش البريطاني.. على الرغم من اننا قد عرفنا ان لك في هذه البلاد ما يقارب الشهرين..
قال مارك وهو يضفي على صوته الثقة: عند بداية الحرب يا سيدي.. كنت اخشى الانضمام للجيش خوفا من ما قد يصيبني هناك وخوفا من الموت.. فكنت احاول العودة الى بريطانيا حيث الأمان الذي سأجده هناك بعيدا عن هذه الحرب.. لكن ما حدث في الآونة الاخيرة جعلني اغير رأيي.. فقد رأيت ان هناك من هم في سني واصغر مني جنود في الجيش البريطاني..عندها استحقرت نفسي.. وشعرت ان من واجبي تجاه بلادي ان اعبر عن ولائي لها بالقتال الى جانب الجنود ..
صمت المدير مفكرا قبل ان يقول بهدوء: لقد وصلني ملف من السفارة باغلب المعلومات عنك.. عرفنا منه ان ليس لك اي صلة بالامور السياسية.. وقد كنت طالب في المدرسة الثانوية ليس الا..وقد تخرجت منها للتو..
اومأ مارك برأسه .. فقال مدير الجيش بهدوء: حسنا اذا يا سيد مارك.. بما ان هذه هي رغبتك.. فاذهب الآن الى مكتب القائد جون.. واطلب منه ان يضعك تحت التدريب الاولي..
ابتسم مارك ابتسامة واسعة قبل ان يقول: اشكرك جزيل الشكر يا سيدي..
قال مدير الجيش بهدوء: لا تشكرني يا سيد ويلستون.. فنحن بحاجة حقا الى الافراد المخلصين للبلاد ممن هم من امثالك..
توتر مارك لوهلة قبل ان يقول بابتسامة باهتة: شكرا لك يا سيدي.. كلماتك شهادة اعتز بها.. هل يمكنني الآن الذهاب الى السيد جون..
قال مدير الجيش البريطاني: اجل .. ستجد مكتبه في هذا الطابق..
ابتسم مارك وقال: بالاذن ..
وغادر مكتب مدير الجيش البريطاني وفي اعماقه هدف واحد فقط.. التغلغل وسط الجنود البريطانيون وكسب ثقتهم.. حتى ينتقل للخطوة القادمة والاهم في هذه المهمة التي اسندها اليه هشام...
:
:
يتبع...
 
بــ الحب (42) والواقع ــين
:: مهمة::

تطلع هشام الى غادة وقال باهتمام: اظن انك فهمت جيدا ما عليك فعله هذه المرة ايضا..
اومأت غادة برأسها وقالت: اجل يا سيادة المقدم.. انها تشبه الى حد ما المهمة التي ارسلتني بها سابقا..
قال هشام بهدوء: اجل.. مع اختلاف المكان.. ولكن سيارة الاجرة وسائقها لن يتغير.. والعبارات المتبادلة كما اتفقت عليها معك..
ابتسمت وقالت: ومتى علي تنفيذ هذه المهمة؟..
تطلع هشام الى ساعة يده قبل ان يقول وهو يرفع نظراته اليها: بعد ساعة من الآن..
قالت غادة بحزم: اذا ينبغي علي الانصراف من الآن.. لان الذهاب الى تلك المنطقة يستغرق نحو الاربعين دقيقة..
قال هشام بهدوء: كما تشائين.. لكن اهتمي بنفسك جيدا..
قالت غادة بابتسامة: لا تقلق على تلميذتك يا ايها المقدم..
ابتسم لها هشام وقال: في حفظ ورعاية الله..
اتسعت ابتسامة غادة.. وادت التحية العسكرية قبل ان تنصرف من فرقة المقاومة في طريقها لتنفيذ المهمة من جديد..
اما غسان الذي كان مستمعا لما قاله هشام قال: الا ترى انه من الخطر تعريضها لمثل هذه المهمات؟؟..
قال هشام بهدوء: على العكس.. في مقدور غادة ان تؤدي هذه المهمات واكثر منها خطورة كذلك..
قال غسان بقلق: انها لا تحمل سلاحا حتى..
قال هشام بهدوء: بل تمتلك واحدا.. وتستطيع حمله ان ارادت.. لكنها تخشى ان يكشف امرها لو فعلت.. وهذا امر راجع لها هي..
تدخل جهاد في محور الحديث والذي كان مكتفي بدراسة الخطة الموجودة امامه: سيادة المقدم.. لما لا نرسل شخصا آخر مع الرائد غادة؟.. على الاقل حتى يساعدها ويعمل على نجاح المهمة..
قال هشام بهدوء: سأفكر في هذا المرة القادمة.. اما الآن فيمكنكم الانصراف الى حيث مواقع المراقبة..
قال غسان: امرك يا سيادة المقدم..
وانصرفا من فرقة المقاومة في طريقهم الى حيث المبنى البريطاني ليواصلا المهمة التي اسندت اليهما..
########
يوم كامل مر دون ان ترى فارس او تسمع صوته حتى.. منذ ان استيقظت ظهر اليوم وهو لم يمر على غرفتها ليسألها ان كانت تود تناول طعام الغداء ام لا.. او حتى اتصل بها ليخبرها انه سيتأخر..
يوم كامل دون ان يقلق عليها او يهتم بها.. وهذا مالم تعتاده منه.. لم تعتد تجاهله لها.. لم تعتد عدم اكتراثه بان يسألها عن حالها..
من هو المخطأ فينا؟.. انا ام هو؟.. انا التي صرخت عليه في لحظة انفعال مني والصقت به كل انواع الشتائم.. ام هو الذي لم يستطع السيطرة على اعصابه وصفعني بكل قسوة ..
اغمضت عينيها وهي تتنهد.. تشعر بالجوع.. لا يمكنها ان تنكر ذلك.. لكنها تشعر بالقلق اكثر على فارس والذي لم تره طوال اليوم..
سمعت اصوات خطوات تقترب من غرفتها.. وعلى الرغم منها هبت من جلستها..واتجهت نحو الباب لتستمع من خلفه ان كان صوت باب غرفة فارس سيفتح ..
لكن املها قد خاب عندما ابتعدت صوت الخطوات اكثر.. كورت قبضتها بضيق قبل ان تبتعد عن الباب وتقول وهي تتنهد: اين انت يا فارس؟.. لم تختف كل هذا الوقت؟.. على الاقل اريد ان اطمئن انك بخير..
تطلعت الى هاتفها المحمول.. اترسل له رسالة لتسأله عن مكانه؟.. ام تنتظر حتى يأتي هو بنفسه ليحادثها؟.. ايعقل انه لم ينتهي من عمله حتى الآن؟.. تريد ان تتأكد انه بخير ليس الا..
قررت الاتصال به.. لكن قبل ان تفعل سمعت صوت طرقات على باب الغرفة.. فابتسمت وقالت: بالتأكيد انه هو..
واتجهت ناحية الباب لتفتحه وتقول بابتسامة واسعة: فارس.. اخيرا جئت...
اختفت ابتسامتها عندما وقعت انظارها على موظفة الفندق وهي تقول بهدوء: مساء الخير يا آنسة..
قالت عهد وهي تتنهد: مساء النور..
قالت الموظفة بابتسامة: لقد احضرنا لك طعام العشاء.. ارجو ان ينال اعجابك..
تطلعت عهد الى العربة التي تدفعها الموظفة لداخل الغرفة والتي انتبهت للتو.. ومن ثم قالت باستغراب شديد: لكني لم اطلب اي طعام ..
قالت الموظفة بهدوء: اعلم.. لقد طلبه السيد فارس حتى نوصله الى غرفتك..
قالت عهد بلهفة: فارس.. اين هو؟.. هل ذهب الى غرفته؟..
قالت الموظفة وهي تهز كتفيها: لست اعلم يا آنسة.. والآن بالاذن..
احست عهد بخيبة الامل وهي ترى الموظفة تبتعد وتغلق خلفها الباب..ونقلت انظارها الى اطباق الطعام المغطاة على تلك العربة الصغيرة .. وابتسمت ابتسامة باهتة وهي تقول: على الرغم من كل شيء يا فارس..وعلى الرغم من اني اخطأت في حقك بالامس.. لا زلت تهتم بي.. وطلبت لي هذا الطعام وانت تعلم اني لم اتناول شيء منذ الصباح.. لا اعلم كيف اشكرك او اعتذر لك يا فارس عما بدر مني..
سمعت صوت رنين هاتف الغرفة.. فاتجهت له واجابت عليه وهي تقول: الو..
جاءها صوت فارس جامد بدون اي مشاعر: جهزي نفسك.. سنغادر غدا صباحا عند الساعة العاشرة..
قالت عهد متسائلة: هل انتهيت من اعمالك بهذه السرعة؟..
قال ببرود: اجل.. الى اللقاء..
قالت في سرعة: انتظر..
لم يغلق السماعة وانتظر ليستمع ما ستقوله.. اما هي فقد قالت باحراج: انا..انا آسفة يا فارس.. ما كان ينبغي ان اقول ما قلته لك بالامس.. لقد كنت تحت ضغط نفسي شديد.. وما قلته كان في لحظة غضب..
قال ببرود: لا يهمني..
ارتفعا حاجبا عهد بغرابة وقالت وقد شعرت ان فارس لن يقبل اعتذارها بسهولة: حسنا.. لكني اردت ان اشكرك كذلك على وجبة العشاء.. شكرا لك..
قال ببرود اكبر: الى اللقاء اذا..
قالت عهد بحيرة: فارس مابك؟ .. لا تتصرف معي هكذا.. لقد اعتذرت لك.. لم يبقى لي احد سواك اتحدث اليه واشعر انه يفهمني وافهمه..يربطني به دم واحد وعائلة واحدة.. فلا تتجاهلني ارجوك..
قال فارس بهدوء: عهد لقد انتهى الامر.. انا متعب وبحاجة للراحة الآن..
قالت عهد وهي تشعر بغصة في حلقها: اعلم انك لم تقبل اعتذاري حتى الآن.. لكني اقسم لك انها كانت مجرد لحظة غضب التي نطقت بها بتلك الكلمات في حقك.. انا لم اقصد ما قلته.. صدقني.. لقد فعلت الكثير من اجلي ..امنت مستقبلي وكنت الى جواري دائما.. لا اريدك ان تتجاهلني او تبتعد عني.. انت اقرب انسان لي.. ارجوك لا تتركني وحيدة من جديد..
قال فارس وهو يزفر بحدة ويدس اصابعه بين خصلات شعره: لقد قلت لك ان الامر قد انتهى وقد نسيت ما حدث بالامس.. واعتذارك قد قبلته.. والآن هل يمكنني الذهاب للنوم آنسة عهد؟..
قالت عهد في سرعة: لن اصدق انك سامحتني الا لو سخرت مني كما تفعل دائما..
ابتسم فارس بالرغم منه وقال بسخرية: فليكن ايتها البلهاء.. انا متعب وسأذهب للنوم.. والآن الى اللقاء..
ابتسمت عهد وهي تقول: شكرا لك.. وتصبح على خير..
اغلق فارس الخط في حين تنهدت عهد براحة وهي تغمض عينيها.. حمدلله لم يتطور الامر لأكثر من ذلك.. هي تعلم ان لفارس قلبا ابيض كالثلج لا يحمل حقدا او كرها على اي شخص كان .. وان غضب من شخص سرعان ما يسامحه..
وقالت بابتسامة مريرة وهي تتحدث الى نفسها: فعلا انت شخص رائع يا فارس.. وانا لا استحق حبك ابدا...
##########
رفعت غادة رأسها لاسم المتجر وتقرأه لاكثر من مرة.. قبل ان تلتقط نفسا عميقا .. وتدلف الى داخله لتلتفي بالبائع هناك وتقول بهدوء: هل تملك بعض الاجهزة المستعملة؟..
ابتسم لها الرجل وقال: بالتأكيد.. اتريدين تلفاز ام مذياع؟..
ابتسمت غادة بدورها وقالت: افضل ان يكون تلفاز بلوني الابيض والاسود..
قال الرجل وهو يشير لها ان تنتظر: انتظريني لحظات واعود..
اومأت برأسها ورأته يتجه الى صندوق ويفتحه بمفاتيح خاصة لديه.. قبل ان يخرج من داخله حقيبة تشبه حقائب رجال الاعمال..
واقترب منها ليسلمها لها وهو يقول: انتبهي لنفسك جيدا.. لقد اشتدت المراقبة هذه الايام..
قالت وهي تزفر بحدة: سأحاول ان انهي هذه المهمة بنجاح .. شكرا لك..
ومن ثم غادرت المتجر.. لتبتعد عنه وتسير عدة خطوات حيث تتوقف سيارات الاجرة.. وابتسمت عندما لمحت سيارة الاجرة ذات الرقم (3478) .. ودلفت اليها وهي تتنهد براحة.. فسألها قائدها: الى اين يا آنسة؟..
قالت غادة بهدوء: الى معرض اللوحات الفنية..
قال السائق بابتسامة غامضة: المعرض يفتح ابوابه يومي الاربعاء والخميس للزوار..
تنهدت غادة بارتياح وهي تستند لمسند المقعد.. اما السائق بقد اكمل بابتسامة ماكرة: اذا فقد كان انت الشخص الذي نبحث عنه..
اعتدلت في مقعدها قبل ان تقول: من انت؟.. وماذا تعني بقولك هذا؟..
قال الرجل بهدوء: في البداية انا شرطي ولست سائق سيارة اجرة.. وقد وكلت الي مهمة بالقبض على من يقومون بتهريب السلاح لمقر فرقة المقاومة..
قالت غادة وقد اتسعت عيناها بقوة: اتقبض على من يحاولون الدفاع عن بلادهم؟!.. اتمسك المظلوم وتترك الظالم حرا طليقا؟!.. تترك من يقتلون في اهلك وشعبك.. وتقبض على من يدافعون عنك وعن عائلتك؟؟..
قال الشرطي ببرود: هذا ليس من مهام عملي.. مهمتي ان القي القبض عليك وانت وافراد فرقة المقاومة جميعا.. كما قبضنا على زميلكم السابق سائق سيارة الاجرة والذي اخبرنا بعد محاولات عديدة معه بالعبارات التي ستتبادلينها معه اليوم..
غادة التي شعرت بالغضب من كل ما حدث.. لم تجد الا حلا واحدا لتحاول انقاذ نفسها ومالديها من هذا الشرطي..
ادخلت يدها في جيبها وبحذر اتصلت على آخر رقم استخدمته دون ان تعلم رقم من هو.. لا يهمها الشخص بقدر ما كان يهمها ان تنقذ نفسها وما معها وفرقة المقاومة من كل ما حدث وليكن من يكون..
:
:
شعر جهاد باهتزاز الهاتف المحمول في جيب بنطاله.. وعقد حاجبيه عندما لمح ان غادة هي المتصلة به.. ولم يعلم لم شعر انها قد تكون معرضة لخطر ما.. فاجاب عليها وهو يقول باهتمام: ما الامر يا غادة؟..
لم يسمع اجابتها لكنه استطاع ان يسمع صوتها وهي تتحدث الى احد ما وتقول: وماذا تريد مني الآن بالضبط؟..
سمع صوت شخص يأتي من بعيد لكنه تمكن من سماعه: سأسلمك للشرطة وهي التي ستتولى استجوابك..
قالت غادة بسخرية: اتسمي ما لدينا الآن بمركز الشرطة؟.. ان القوات البريطانية هي من باتت تسيطر عليه.. ولهذا انت هنا الآن لتلقي القبض علي وتتركهم طلقاء يفسدون في البلاد..
انعقد حاجبا جهاد بقوة.. وسار بخطوات حذرة حتى وصل الى غسان ليقول: علي الذهاب الآن للضرورة.. راقب المكان جيدا.. واعتذر لي من القائد هشام..
قال غسان وهو يرى جهاد يبتعد عنه: الى اين؟..
قال جهاد بهدوء: لا تقلق سأعود..
وابتعد وهو لايزال منصت لما يقال.. واستمع الى ذلك الصوت البعيد وهو يقول: اعطني الحقيبة التي معك..
قالت غادة بابتسامة ساخرة: تحلم..
واخرجت مسدسها من حزامها وهي توجهه اليه وقالت بصرامة: توقف هنا..
قال الرجل بحدة: ستندمين على فعلتك هذه..
قالت غادة بصوت حاد: قلت توقف او اطلق النار...
واصل الرجل القيادة وقال بغضب: لن يمكنك فعل شيء .. وستزداد فترة عقوبك بتهمة تهديد بالقتل لشرطي اثناء ممارسة وظيفته..
قالت غادة بحدة: سنرى..سأعد حتى الخمسة وبعدها سأطلق النار.. واحد.. اثنان.. ثلاثة.. اربعة...
توتر الشرطي.. وخفف سرعته.. واقتنصت غادة الفرصة .. لتمسك الحقيبة بأكبر مالديها من قوة.. وتفتح باب السيارة وترمي بنفسها خارجها.. شعرت بجسدها يصطدم بالارض.. قبل ان تهب واقفة وهي تسرع بالجري مبتعدة عن هذا المكان..
اما الشرطي فقد هتف: اللعنة ..
واوقف سيارته ليخرج منها ويسرع للحاق بها وسط تلك الممرات التي اندفعت تجري فيها..
غادة التي تذكرت الشخص الذي اتصلت به على الطرف الآخر .. اعادت مسدسها في سرعة الى حزامها والتقطت هاتفها من جيبها وهي تقول: من؟؟..
جاءها صوت جهاد وهو يقول على عجل: غادة اين انت الآن؟..
قالت غادة وهي تلهث: لست اعلم.. انتظر لارى اي لافتة للمكان..
تلتفتت لتلمح اسم لاحد المطاعم وقالت: ارى مطعم يحمل اسم (الطاهي).. ومحل لبيع الملابس بجانبه.. وكذلك...
واصلت جريها لتبتعد اكثر قبل ان يلحق بها ذلك الشرطي .. وقالت وهي بالكاد تلتقط انفاسها: اسرع بالله عليك يا جهاد..
قال جهاد وهو يعقد حاجبيه: اظن انني عرفت مكانك.. انتظري دقائق واصل اليك..
التفتت غادة لتتأكد انه لا يوجد احد خلفها.. ومن ثم دلفت الى احد المحال .. لتلتقط انفاسها بداخله.. قبل ان تقول متحدثة الى جهاد.. لقد دخلت لمتجر يحمل اسم (....)..
قال جهاد بهدوء: سأكون عندك خلال ثواني فقط.. لا تقلقي..
تلفتت غادة حولها بقلق وتوتر شديدين .. وقالت باعصاب مشدودة: اسرع ارجوك.. اشعر انه سيلحق بي بين لحظة واخرى..
قال جهاد بحزم: اسمعي لا تبقي في مكانك هذا.. تأكدي انه لا يوجد احد بالخارج ومن ثم ابتعدي عن هذا المكان فورا.. انه شرطي ويعرف عمله جيدا..سيقوم بالدخول لكل متجر يمر به..
توترت غادة اكثر وشعرت بالخوف يغزو قلبها.. خرجت من المتجر بعد ان تأكدت انه لا يوجد اثر لذلك الشرطي بالخارج.. وواصلت الابتعاد والدخول بأي ممر تراه..
وتنهدت اخيرا وهي تقول: يبدوا انني قد ابتعدت بما فيه الكفاية..
سمعت صوتا من بعيد وهو يقول: انت مخطأة..
ارتفعت انظارها الى صاحب الصوت واتسعت عيناها وهي تلمح ذلك الشرطي وهو يتطلع اليها بنظرات منتصرة.. وعلى الرغم منها وجدت نفسها تتراجع الى الخلف بخطوات خائفة .. وقد شعرت ان النهاية قد اقتربت لا محالة...
##########
قبل هذا بساعات كانت سيارة فارس تنطلق مغادرة الفندق ومتجهة في طريقها الطويل نحو فرقة المقاومة من جديد..
وعهد التي كانت جالسة تفكر في من يقود الى جوارها .. نست او تناست تلك النشرة التي انتشرت في اغلب مناطق البلاد والتي تحمل مواصفاتها..
تطلعت من نافذة السيارة الى الطريق الصحراوي الممتد امامها والذي لا تتغير معالمه بين الدقيقة والاخرى.. ومن ثم لم تلبث ان تنهدت والتفتت الى فارس لتقول: كيف هي حال ذراعك؟..
صمت فارس ولم يجب .. فارتفع حاجبها باستغراب.. قبل ان تشعر انها قد فهمت سبب صمته فقالت بندم: فارس اخبرتك اني لم اقصد ما قلته.. لقد كانت لحظة غضب ليس الا..
ابتسم فارس بسخرية وقال: شيء غريب ..
تطلعت اليه مستغربة رده وقالت: ماذا؟؟..
قال فارس وابتسامته الساخرة تتلاشى: من الغريب ان تسألي عن ذراعي التي آذتك.. والاغرب ان تكوني انت من قام بعلاجها لي .. لكي يكون نتيجة ذلك ان اضربك بها في النهاية...
تطلعت اليه مستغربة كلماته قبل ان تقول: فارس.. انا لست منزعجة من ما قد فعلته.. فقد كان...
قاطعها وقال بهدوء: لم يكن علي ان اغضب او انفعل.. لقد اعتدت على شتائمك تلك ..فلم اضربك؟.. لقد كنت محقة في كل ما قلتيه..لو كان والداك احياء لما تركوني اؤذيك او اضربك.. انا مصدر امانك وحمايتك .. فكيف اكون مصدر آلامك في النهاية؟..
شعرت عهد بالندم في صوته وكأنه منزعج لانه صفعها بالامس .. وابتسمت وامسكت بكفه لتقول: كلانا اخطأ .. اذا نحن متعادلان الآن.. انا شتمتك واهنتك.. وانت ضربتني..
جذب كفه من بين اناملها قبل ان يقول ببرود: لست انا الشخص الذي يضرب فتاة مهما كان ما قامت به..
قالت عهد وهي تتنهد: انسى الامر الآن واخبرني ما الذي فعلته في عملك؟..
قال فارس وهو يلتقط نفسا عميقا: لقد وجدت الارض التي يريدها رجل الاعمال وانتهى الامر..
وقبل ان تسأله عهد عن اي امر آخر.. تعالى صوت هاتف فارس المحمول واجاب عليه وهو يقول: اهلا حازم..
قال حازم مبتسما: اهلا فارس.. كيف حال العمل مع رجل الاعمال الذي ارسلتك اليه؟..
قال فارس بهدوء: كل شيء سار على ما يرام.. ووجدت له قطعة الارض حسب المواصفات الذي طلبها..
واردف قائلا: اخبرني انت اين ذهب ساكنوا المباني الخاصة بي والذين نجوا من حادثة الانفجار تلك؟..
قال حازم بابتسامة واسعة: قمت بتأجير شقق لهم لحين اعادة بناء ما تم تدميره او اصلاح ما تلف..
عقد فارس حاجبيه ومن ثم قال بحيرة: لكني لم امنحك اي صلاحية تمكنك من سحب اي مبلغ نقدي من حسابي..
قال حازم بمرح: ومن طلب منك اي صلاحيات؟..
قال فارس ببرود: حازم نحن اصدقاء نعم.. لكن ان تقوم باصلاح المباني والتكفل بساكني الشقق على حسابك الخاص.. هذا مالا اقبله.. حينما اصل الى العاصمة .. سأتفاهم معك على هذا الامر..
قال حازم بضيق: الم تقل اني شقيقك؟.. ومن الطبيعي ان اقف مع شقيقي واساعده في محنته.. وبين الاشقاء لا يوجد اي فارق..
قال فارس ببرود اكبر: سأتحدث معك في هذا الموضوع لاحقا..
قال حازم في سرعة: بل اذهب لتسترح اليوم فلابد انك عندما تصل الى هنا سيكون المساء قد حل..
قال فارس بهدوء: لا يهم..
قال حازم بابتسامة: متسلط..
ارتفع احدى حاجبي فارس قبل ان يقول: يبدوا ان العدوى قد انتقلت اليك انت الآخر..
ضحك حازم ومن ثم قال: هذا حتى توافق في المرة القادمة على مساعدتي لك دون اي نقاش..والآن هيا الى اللقاء.. يبدوا انك في السيارة.. لهذا سأتركك لتقود بهدوء..
قال فارس مبتسما: الى اللقاء..
اما عهد التي استمعت للحوار قالت مبتسمة: سيتكفل حازم بتصليح ما دُمر من المباني..
اومأ براسه ومن ثم قال: اجل.. لكني لن اسمح له وسأعيد له امواله كلها..
قالت عهد بمرح: الم تقل انه شخص من عائلة ثرية.. اذا دعه يصلح المباني على حسابه الشخصي..
قال فارس بجدية: ليس معنى ان صديقي من عائلة ثرية ان اقوم باستغلاله..
قالت عهد باستغراب: انا لم اقل هذا .. لكن شيء طبيعي ان يساعدك صديقك في محنتك هذه..
قال فارس مغيرا دفة الحديث: لابد وانك تشعرين بالجوع .. سأتوقف عند هذا المتجر لبيع الاطعمة الغذائية واخذ لي ولك بعض المأكولات الخفيفة..
قالت مبتسمة: حسنا..
واصل فارس طريقه حتى توقف بجوار المتجر.. اما عهد فقد كان تفكيرها مشتتا حول فارس وفرقة المقاومة وألكس .. ولم تعلم لم سرى في جسدها رجفة خوف عندما تذكرت انها عائدة لفرقة المقاومة.. يا ترى ما الذي ينتظرها هناك؟؟!..
##########
تراجعت غادة بخوف الى الوراء وهي تتمسك بالحقيبة بكل ما لديها بالقوة..وتلفتت حولها وهي تحاول ان تجد لها اي ملجأ للأمان.. او ان تحدث معجزة وتصل سيارة جهاد في هذه اللحظة..
وتذكرت بغتة مسدسها الذي اعادته لحزامها.. وبسرعة اكتفت بامساك الحقيبة بيد واحدة واتجهت يدها الاخرى لسحب المسدس من حزامها لولا ان تعالى صوت الشرطي وهو يقول: لا تحاولي..
رفعت عينيها اليه.. لتراه يصوب اليها مسدسا وابتسامة خبيثة على شفتيه.. هتفت غادة بحنق وهي تقول: اللعنة ..
قال الشرطي ببرود: سلميني الحقيبة .. وتعالي معي بهدوء الى مركز الشرطة..
قالت غادة بحدة: لم اجن بعد لأسلم نفسي للبريطانيون..
واخذت نفسا عميقا وهي تتطلع اليه بنظرات ثابتة وهو يقترب منها وعلى شفتيه ذات الابتسامة الخبيثة.. اما غادة فقد شعرت بالخوف يغزو قلبها.. لا مفر الا الهروب ..وان هربت بالتأكيد لن يتوانى في اطلاق النار ناحيتها.. اذا ما الحل؟؟..
اغمضت عينيها وهي تهتف: يا الهي ساعدني..
وفجأة سمعت صوت سيارة مدنية تتجه نحوها هي والشرطي.. وعلى الرغم منها وجدت نفسها تصرخ بصوت عالي وهي تهتف: توقف!!..
توقفت السيارة على بعد سنتيمترات من غادة.. وصاح قائدها قائلا وهو يفتح زجاج النافذة: اصعدي بسرعة..
تطلعت غادة بدهشة الى جهاد قبل ان تنتشل نفسها من دهشتها وتفتح الباب المجاور له.. وتدلف الى السيارة بسرعة.. وقبل ان تغلق الباب حتى كان جهاد قد انطلق بالسيارة مبتعدا عن المكان بأكمله..
تنهدت غادة بارتياح قبل ان تقول: حمدلله .. لقد كان ذلك وشيكا..
قال جهاد وهو يتطلع الى مرآة السيارة: الخطر لم يزل بعد.. انه يلحق بنا بسيارته..
التفتت غادة الى الخلف لتتطلع الى سيارة الاجرة وقالت بحنق: الم يشعر بالملل من هذه المطاردة بعد؟..
واخرجت مسدسها وهي تقول بابتسامة واسعة: يبدوا وانني سأمارس بعض تدريبات التصويب عليه..
قال جهاد بحزم: غادة.. لا تتهوري.. انه مسلح كذلك..
قالت غادة وهي تغمز بعينها: لا عليك.. اعرف ما يتوجب علي عمله..
وفتحت زجاج نافذتها لتستدير نصف استدارة وتتطلع الى سيارة الاجرة التي يقودها الشرطي.. وبحذر شديد صوبت المسدس باتجاه الهدف واطلقت النار..
وفي الحال انفجر اطار سيارة الاجرة.. واصبح من الصعب التحكم بها والسيطرة عليها.. اما غادة فقد قالت بمرح: اصبت الهدف..الآن يمكننا ان نكمل طريقنا بهدوء..
قال جهاد بجدية: اخشى ان يطلق هو الآخر على اطارات سيارتنا..
تطلعت غادة من جديد الى ما خلفها لترى الشرطي قد اوقف السيارة على جانب الطريق.. ويخرج منها.. قبل ان يسحب مسدسه من حزامه ويطلق النار...
صرخت غادة بقوة وهي تستمع الى صوت الزجاج الذي تحطم..وسمعت صوت جهاد وهو يهتف بها في اللحظة ذاتها: اخفضي رأسك..
فعلت كما طلب منها قبل ان ترفع رأسها وتقول بغضب: تبا لك.. الموت وحده من يمكن ان يوقف تصرفاتك..
وكادت ان تصوب مسدسها من جديد نحوه.. لكن يد جهاد التي امسكت بذراعها الاخرى منعتها وهو يهتف بها: لا تطلقي النار.. هناك مارة بالطريق..
قالت غادة بحنق: اعرف التصويب جيدا..
قال جهاد بصرامة: قلت لا تطلقي النار ايها الرائد..
زفرت بحدة وقالت وهي تعيد مسدسها الى حزامها: فليكن..لن اطلق النار.. وليلحق بنا الى الابد..
قال جهاد بجدية: لن يمكنه فعل شيء.. لقد ابتعدنا عنه بما فيه الكفاية..ولن يتمكن من اطلاق النار علينا من جديد او اللحاق بنا..
زفرت غادة بحدة.. وسمعت صوت جهاد وهو يقول: سأعيدك الى فرقة المقاومة..وسلمي هشام الحقيبة التي معك.. ولا تنسي ان تخبريه بكل ما حدث..
اومأت برأسها ايجابيا ومن ثم قالت: وانت؟.. الى اين ستذهب؟..
قال جهاد بهدوء: سأعود لمراقبة المبنى البريطاني..
هتفت غادة بحيرة: اكنت تراقب المبنى البريطاني عندما اتصلت بك؟..
قال باقتضاب: اجل..
قالت غادة بدهشة: وتركت مكان مراقبتك لتأتي الى هنا وتساعدني.. كان بامكانك الاتصال بالقائد هشام.. وكان سيرسل اي شخص ليعاونني..
قال جهاد بحزم: لم يكن هناك الوقت الكافي لفعل كل هذا.. لقد كان سيأخذك الى مركزالشرطة.. وكان يتوجب علي ان اتصرف بسرعة..
ابتسمت وقالت: على كل حال اشكرك..
والتفتت اليه لتنظر اليه بامتنان وتردف: فدائما مساعدتك لي تصل في الوقت المناسب..
لم يجبها جهاد.. ولم تهتم هي بالاجابة.. كل ما كان يهمها لحظتها انها وجهاد بخير ..وحقيبة الاسلحة لا تزال في حوزتها.. وهذا يعني نجاح المهمة..
:
:
يتبع..
 
بــ الحب (43) والواقع ــين
::فتاة!!::


التفت فارس الى المقعد المجاور له ليرى عهد تغمض عينيها بتعب شديد.. فالتفت لها وقال بهدوء: عهد.. لا تنامي الآن.. سنصل بعد قليل الى فرقة المقاومة..
قالت عهد بضجر: اعلم.. لكني اشعر بالتعب.. لن انام.. فقط سأستلقي قليلا حتى نصل..
قال فارس وهو يرفع احد حاجبيه: اتظنين اني سأصدق كلامك هذا؟.. اعلم انك ستغطين في نوم عميق اذا ما اغمضت عينيك واستلقيت بهذه الطريقة.. افتحي عينيك افضل لك.. والا سأضطر لحملك واخراجك من السيارة اذا ما توقفنا عند مقر فرقة المقاومة..
فتحت عينيها وتطلعت اليه بحنق وقالت: سخيف ومتسلط..
قال فارس ببرود: طفلة وبلهاء..
زفرت عهد في حنق وهي تعتدل في جلستها وتتطلع الى الشوارع.. قبل ان تتوقف السيارة على بعد مناسب من مقر فرقة المقاومة .. وفارس يقول بهدوء: هيا اخرجي..
التفتت له وتساءلت باستغراب: وانت؟..
قال بهدوء: لدي عمل اقوم به..
قالت عهد وهي تهز كتفيها: قم بتأجيله للغد.. لا اظن انه عمل مهم لهذه الدرجة..
قال فارس بابتسامة باهتة: بل هو كذلك .. هيا غادري الآن..
تطلعت اليه بنظرات ذات معنى قبل ان تقول برجاء: ستعود.. أليس كذلك؟..
فهم فارس نظراتها قبل ان تنطق بكلماتها.. فقال مبتسما وهو يدفع جبينها باصبعه: اجل سأعود يا ايتها الحمقاء.. والآن هيا غادري..
ابتسمت بسعادة قبل ان تقول: سأنتظرك.. ولا ترهق نفسك كثيرا.. فلابد انك متعب من هذا الطريق الطويل..
قال ببرود: حسنا .. حسنا.. والآن هل يمكنني الذهاب؟..
غادرت السيارة وتركته لينطلق بها مبتعدا.. قبل ان تتوجه الى مقر فرقة المقاومة..وتطرق الباب.. وهناك سمعت صوت خطوات تقترب من الباب وصاحبها يقول: من بالباب؟..
قالت عهد بارهاق: انا عهد..
فتح عماد -احد افراد فرقة المقاومة- لها الباب وتطلع اليها بنظرات غريبة لم تفهمها.. فدلفت هي الى الداخل دون ان تهتم بنظراته وهي لا تتمنى لحظتها سوى ان تنعم بنوم هادئ ومريح..
ولكن ما رأته بالداخل لم يكن يختلف عن نظرات عماد لها.. فهناك مجموعة من فرقة المقاومة تتطلع اليها بنظرات غريبة.. قبل ان يهمس احدهم بشيء للآخرين .. وهي غير قادرة على فهم أي شيء مما يحصل هنا..
التفتت لمكان آخر لعل تلك النظرات تختلف.. لكنها شاهدت احدهم يعقد حاجبيه وهو يتطلع اليها بتفحص.. عندها خفق قلبها بخوف.. ما الذي يجري هنا؟.. وكأن امرا ما يخصني قد حدث.. او كأني فعلت مصيبة دون ان اعلم.. يا الهي ما الذي يجري هنا؟..
شعرت بكف على كتفها فسرت قشعريرة في جسدها كله قبل ان تلتفت لصاحب الكف ..وتزفر وهي تقول بارتياح: القائد هشام..
قال هشام بجدية: اتبعني يا عهد..
تبعته عهد واستغرابها وحيرتها يزدادان حول الامر الذي يجعل هشام يطلبها شخصيا.. وعاد قلبها ليخفق بقوة وبخوف .. ترى ما الذي سيحدث؟..
توقف هشام امام طاولة مستديرة واخذ من عليها ورقة وسلمها لعهد وهو يقول بهدوء: كانت توزع صباح اليوم.. اقرأها واخبرني برأيك بما جاء فيها..
تطلعت عهد الى الورقة بحيرة شديدة قبل ان تبدأ بقراءة ما بها.. وهنا اتسعت عيناها بقوة ابتداءا من اول كلمة وانتهاءا بالرسم الذي تم رسمه في نهاية الورقة..
فالورقة التي بين يديها ليست الا نشرة بمواصفاتها.. بعمرها وجنسها وطولها التقريبي ووصف لملامحها .. وفي النهاية هناك رسم تقريبي لها في نهاية الصفحة.. بعدما اشير اليها انها سجينة هاربة من المبنى البريطاني والاعلان عن مكافأة لمن يدلهم على مكانها..
لكن عينا عهد تعلقت على خانة لم تنتبه لها جيدا وهي تقرأ كل ما جيء في النشرة .. خانة الجنس (انثى).. وبكل خوف الدنيا رفعت عينيها الى هشام وقالت بخوف: انها نشرة بمواصفاتي..
قال هشام بهدوء: اعلم هذا جيدا.. لكن هناك امر يحيرني في هذه النشرة.. فعلى الرغم من ان المواصفات قريبة جدا منك وحتى الرسم يظهر ملامحك التقريبية الا ان ذكر ان الهاربة هي فتاة وليس شاب.. يجعلني اشك بالامر حقا...
خفقات عهد المتسارعة وعيناها الخائفتان المثبتتان على هشام وهي تنتظره ان يتحدث.. انكشف الامر لا محالة.. الجميع سيعلم هنا انها فتاة.. وبعدها لن يكون لها مكان هنا .. ستطرد...
واغمضت عيناها بتوتر وخوف وهي تترقب سماع هشام الذي قال بعد تفكير: لدي شكوك حول ما كتب هنا..فإما ان يكون هناك خطأ ما وان المقصود هو انت.. واما ان...
وصمت بتفكير وهو يحك ذقنه.. اما عهد فقد شعرت ان هذه اللحظات تمر عليها كالساعات وهي تشد من امساكها بالورقة حتى توقف رجفة اناملها..ومن ثم لم يلبث ان اردف بهدوء: واما ان يكون المطلوب هي فتاة هاربة تشبهك في ملامحها..لكن من الغريب ان يوجد شبه كبير الى هذه الدرجة..لكنه مجرد احتمال آخر..
لم يكن هشام يتوقع ولو بنسبة 1% انهم اخطئوا في جنس الهارب.. لهذا فقد رجح ان يكون الاحتمال الثاني هو الاقرب اليه.. مع انه يستغرب وجود كل هذا الشبه بين عهد.. وبين الفتاة التي ذكرت مواصفاتها في النشرة ..
لهذا صمت مفكرا قبل ان يقول بهدوء: هناك مهمة جديدة .. ان كنت تفكر بالتطوع معنا فتعال الى المكتب بعد ساعتين..
اومأت عهد برأسها دون ان تعلق.. وتطلعت من جديد الى النشرة التي بين يديها.. قبل ان تكرمشها في قبضتها وترميها بعيدا وهي تهتف: تبا..
عقدت حاجبيها وهي تفكر في حل للموضوع.. لكن رغم كل هذا لم تستطع ان تبعد الخوف عنها او تهدئ من نبضات قلبها السريعة...
#########
خرج فارس من شقته وقال وهو يغلق ابوبها بمفتاحه: كم مرة علي ان اعيد هذا الكلام لك.. كل قطعة نقدية دفعتها.. ستعود لك ..
قال حازم بحنق: قلت لك انك صديقي ومن واجبي مساعدتك.. لم لا تفهم؟..
قال فارس وهو يلتفت له: تساعدني ان لم اكن املك مالا كي ادفع مبالغ التصليحات..
قال حازم بهدوء: لن اتناقش معك في هذا الموضوع اكثر وافعل ما بدا لك..
دخل معه فارس المصعد وضغط على زر الطابق الارضي.. ومن ثم ابتسم وهو يسأله: كم الساعة الآن؟..
تطلع حازم الى ساعة يده ومن ثم قال: الحادية عشرة.. لم؟..
قال فارس وهو يغمض عينيه: اذا ينبغي علي ان اتصل بعهد لاطمئن عليها..
قال هذا وهو يضغط ارقام هاتفها المحمول ويغادر المصعد ليخرج من المبنى بأكمله..وانتظرها لتجيب عليه وهو يكمل طريقه نحو سيارته .. وما ان توقف عندها .. حتى لفت انظاره الورقة التي تم وضعها فوق زجاج سيارته الامامي..
التقطها بدون اهمية وهو يتطلع اليها بسرعة.. لكن ما لبث ان انهى المكالمة واتسعت عيناه وهو يهتف: يا الهي.. انهم يقصدون عهد بهذا..
انتبه له حازم فسأله قائلا: ماذا تعني بقولك هذا؟..
قال فارس في سرعة وهو يحتل مقعد القيادة : لا وقت الآن للشرح..
استغرب حازم تصرفه هذا.. لكنه ما لبث ان اتجه نحو سيارته.. وتنهد بقوة وهو يرى فارس ينطلق بسرعة مجنونة محاولا الوصول الى عهد في اسرع وقت ممكن..
########
قبل هذا بثلاث ساعات توقفت السيارة على بعد مناسب من فرقة المقاومة وقالت غادة وهي تلتفت الى جهاد: شكرا لك مرة اخرى على المساعدة..
قال جهاد بهدوء: لا داعي للشكر..
كادت غادة ان تلقط حقيبة الاسلحة.. لكن يد جهاد كانت اسرع والتقطها وهو يقول: هيا بنا..
هزت كتفيها وقالت: هيا..
غادرت السيارة وتوجها معا الى فرقة المقاومة.. وهناك دخلا وشاهدا تجمعات عدد من افراد الفرقة وحديثهم حول موضوع معين ..
قالت غادة بفضول وهي تقترب منهم: ما الامر؟..
سلمها احدهم النشرة وقال بهدوء: انظري بنفسك..
اخذت غادة منه النشرة ومن ثم قرأت كلماتها سريعا قبل ان تعقد حاجبيها وتعيد قراءتها للمرة الثانية.. هي تعلم من يعنون.. انهم يعنون عهد بذاتها.. وقالت بجدية: ان هذه النشرة تصف عهد..
قال بهدوء: اعلم.. لكن المشكلة انهم قد كتبوا بالنشرة انهم يبحثون عن فتاة.. ولكن لها مواصفات عهد الذي بيننا.. فهل من الممكن ان يكونوا قد اخطأوا في هذا الامر يا ترى؟..
غادة التي كانت تعلم بأمر عهد قالت في سرعة: لا من المستحيل انهم قد يكونوا قد اخطأوا .. ان المعني هنا هي...
قاطعتها عهد التي استمعت الى آخر الحديث بينهما وقالت: غادة.. هل يمكن ان اتحدث معك قليلا على انفراد؟..
التفتت لها غادة وتطلعت اليها قبل ان تقول: فليكن.. هيا بنا..
اتجهت عهد وغادة الى غرفة سوزي السابقة.. وقالت عهد بصوت خفيض: غادة ..انا اعلم انهم يعنونني بأمر هذه النشرة .. لكن ارجوك لا اريد لأحد ان يعلم بهذا الامر..
قالت غادة وهي تعقد حاجبيها: ولم لا؟.. ان الامر جد خطير.. ولا يجب عليك التهاون معه..
قالت عهد وهي تزفر بحدة: الم تعلمي بعد لم؟.. ان الوصف المشار اليه في النشرة يصف فتاة.. ولكن الجميع هنا يعتقد بأني رجل..
قالت غادة بجدية: حتى وان كان الامر كذلك.. اكتشاف هويتك امر ابسط من ان يتم القاء القبض عليك على ايدي البريطانيون..
قالت عهد وهي تهز رأسها نفيا بقوة: لا .. ان تم اكتشاف امر سأطرد من هنا.. وانا لا اريد هذا..
قالت غادة بعد برهة تفكير: ما رايك ان نتحدث مع القائد هشام.. لنعرف رأيه بالامر؟؟.. فلربما يقبل بك بينهم كما قبل بي انا..
قالت عهد وهي تتنهد: الامر مختلف بالنسبة لك.. فأنت شرطية سابقة ويعرفك القائد هشام.. اما انا مجرد فتاة لا املك اية مميزات تجعله يوافق على بقائي بينهم في هذه الفرقة.. وقد يظن ايضا.. اني مجرد عائق للمقاومة..
قالت غادة بابتسامة: لا تقولي هذا.. وجودك بينهم في هذه الفرقة اوضح لهم مقدار اخلاصك وشجاعتك على حمل السلاح ومواجهة العدو.. وان اردت سأخبر القائد بنفسي بالامر..
قالت عهد في سرعة: كلا.. ارجوك كلا.. لا تخبري احد..
تنهدت غادة ومن ثم قالت: فليكن .. افعلي ما تشائين.. ولكن تذكري اني قد حذرتك .. فالجنود البريطانيون لا يمزحون في هذه الامور ابدا..
قالت عهد وهي تلتقط نفسا عميقا: هل تخبريني؟.. اعرفهم اكثر مما يعرفهم اي شخص آخر..
قالت غادة وهي تهز كتفيها: فليكن اذا.. سأغادر الآن..
تطلعت اليها عهد برجاء.. فقالت غادة بابتسامة: لا تقلقي لن اخبر احدا ما دمت لا تريدين ذلك.. هذا وعد..
قالت عهد بابتسامة: اشكرك..
غادرت غادة الغرفة.. تاركة عهد بداخلها وقلبها يرتجف بخوف من المجهول.. ولا تعلم لم شعرت.. ان هذا اليوم لن يمضي على خير ابدا..
#########
التفت الجندي وهو يتطلع الى مارك الذي يمسك بالمسدس وقال وهو يشرح له ما عليه فعله: اسمعني جيدا يا سيد مارك.. بعد قليل ستخرج لك اهداف على سرعات مختلفة.. بعض تلك الاهداف التي تحمل صور رجال يرتدون ملابس مدنية يتوجب عليك الاطلاق عليها والاخرى التي تحمل ملابس رجال بثياب عسكرية .. يتوجب عليك عدم الاطلاق عليها .. هل هذا مفهوم؟..
عقد مارك حاجبيه بشدة من هذا الاهداف التي سيطلق عليها النار وقال ببرود: اجل مفهوم..
قال الجندي: اذا استعد.. واحد.. اثنان.. ابدأ..
وبدأت الاهداف بالظهور بسرعة بطيئة في البداية.. وكلما كان مارك يصيب هدفا صحيحا كانت السرعة تزداد..ولكنه توقفت الاهداف فجأة عندما اصاب جندي عن طريق الخطأ..
فقال وهو يحاول ان يزيد في تركيزه: عذرا.. لم انتبه له..
قال الجندي بجدية: الاعتذار لا يجدي بالنفع في ساحة المعركة.. عليك ان تنتبه اكثر.. هل تفهم هذا؟..
اومأ مارك برأسه وقال: افهم ذلك جيدا..
اعطى الجندي اشارة لتبدأ الاهداف بالظهور امام مارك من جديد.. ومارك يحاول ان يزيد تركيزه في سبيل ان يكون واحد منهم بأية وسيلة ممكنة..
واخيرا انتهى التدريب لهذا اليوم وقال الجندي بابتسامة: يبدوا وانك شاب نشيط.. ستكون بيننا عما قريب.. اذا تعديت اختبار الغد..
قال مارك بفضول: وما هو اختبار الغد؟..
قال الجندي بغموض: ستعرفه بنفسك في الغد.. والآن هيا.. يتوجب علينا العودة الى الغرف في مثل هذه الساعة من اليوم..
اومأ مارك برأسه.. وغادر مع الجندي عن المكان وهو يشعر بالامل في ان يتجاوز اختبار الغد.. وان يكون بينهم في اقرب فرصة ممكنة.. وبعدها تكون الخطوة الثانية والاساسية من الخطة قد تمت بنجاح..
#########
تطلعت غادة الى الرقم المجهول الذي وصلتها منه رسائل تحذير اكثر من مرة.. من يكون هذا الشخص الذي ارسل لها تلك الرسائل؟.. ولم توقف الآن عن ارسال الرسائل لها؟..
على الرغم من انها قد تعرضت اليوم للخطر ولأكثر من مرة.. لكنه لم يحاول تحذيرها او حمايتها.. ربما لانه لم يعلم بما حدث.. او ما سيحدث؟.. لكن كيف كان يعلم بهذا سابقا.. لقد بدأت اشك باحد افراد فرقة المقاومة بالاضافة الى جهاد وغسان..
فهؤلاء كانو يعرفون باشتراكي بتلك المهمة.. وكان بامكانهم ارسال تلك الرسالة لي لتحذيري من شيء معين.. لكن من عساه يكون...
فكرت في حيلة تفعلها حتى تجبره على مساعدتها.. والظهور لها بشخصيته الحقيقية.. وبعد فترة من الوقت.. ابتسمت وهي تقول بمكر: وجدتها .. ان نفذت هذه الحيلة.. سيضطر حينها لمساعدتي والظهور امامي..
:
:
في الوقت نفسه كان هشام يستعد لاعداد خطة جديدة وقال بهدوء وهو يتطلع الى افراد فرقة المقاومة الجالسين بالردهة: بعد مراقبة المبنى البريطاني لمدة تزيد على الاسبوع.. سنقوم بضربة جديدة له بعد ان عرفنا مواطن القوة والضعف التي به.. اعرف انها مهمة صعبة وخطيرة .. لكن لابد ان نقوم بهذه الخطوة والآن بالذات وسأترك لكم حرية التطوع فيها ..
قال عزام بدهشة: لكن يا هشام.. شقيقك في المبنى البريطاني.. قد يصاب بمكروه..
تنهد هشام وقال: لا تقلق .. لن تكون الضربة للمبنى نفسه.. بل لسياراتهم العسكرية.. ولايزال الوقت مبكرا على ان يكون شقيقي بينهم..
واردف بتساؤل: والآن من يتطوع بالانضمام؟..
من حسن الحظ او سوءه.. ان عهد قد سمعت كل ما قاله هشام..وادركت ان الضربة التالية موجهة للسيارات العسكرية وألكس من بينهم..
وعلى الرغم من انه كاد ان يكون سببا في مقتل فارس.. الا انها تناست هذا الامر.. وشعرت ان عليها ان تحميه كما حماها هو من قبل ايضا.. ولن يتم ذلك الا بتحذيره الذي سيكون بعد اشتراكها في المهمة..
وقالت بهدوء: انا اشترك بالمهمة يا ايها القائد..
:
بالخارج كانت تلك السيارة تقترب من فرقة المقاومة بسرعة جنونية.. قبل ان يدوس سائقها على المكابح بكل قوة.. حتى احدثت الاطارات صريرا قويأ.. وتوقفت السيارة اخيرا بقوة.. وخرج سائقها دون ان يأبه بكل هذا.. متجها الى فرقة المقاومة .. وما ان وصل الى هناك.. حتى طرق الباب بقوة .. فاتاه صوت احدهم وهو يقول: من بالباب؟..
قال فارس في سرعة: افتح .. انه انا..
فتح له عادل الباب وقال: تفضل..
لم يهتم فارس بما قاله وابعده عن طريقة بحركة من يده قبل ان يواصل سيره الاقرب بالجري الى حيث عهد وقال: تعالي معي للحظة..
فتحت عينيها من طريقة حديثها اليها وقالت بهمس: لا تتحدث معي بهذه الطريقة..
جذبها من كفها وقال بغضب: قلت تعالي معي..
وابعدها عن تجمع فرقة المقاومة.. قبل ان يخرج النشرة من جيبه ويقول: ارأيت ما حدث؟؟..ارأيت ماذا نشروا عنك اولئك الاوغاد؟؟..
توترت عهد واشاحت بوجهها قليلا ومن ثم قالت: لقد قرأت كل ما بها.. فقد كان افراد المقاومة يتناقشون بما جاء بها قبل قليل..
قال فارس بحدة متسائلا: والام توصلوا في النهاية؟..
ازدردت لعابها وقالت بقليل من الارتباك: ظنوا انهم يبحثون عن فتاة تشبهني في مواصفاتها..
اتسعت عينا فارس وقال باستنكار: ومن تكونين انت اذا؟..
قالت عهد بصوت منخفض: فارس.. لا تنسى اني شاب بينهم..
قال فارس بانفعال: ليس بعد الآن.. هذه المهزلة ستنتهي اليوم.. والآن..
قالت عهد في سرعة ورجاء: كلا.. فارس .. انت قد وعدتني..
قال فارس بعصبية: سأكون مجنونا ان صمت عن هذا الامر اكثر.. اتريدين الموت يا فتاة؟.. اتريدين ان يلقوا القبض عليك في سبيل استمرار جنونك هنا؟..
قالت عهد بتوتر: لا يهمني .. واخفض صوتك قليلا فالقائد يقترب من مكان وقوفنا..
التفت له فارس بحنق .. وعلى وجهه علامات الضيق والغضب.. فقال هشام بهدوء: عذرا لاني قطعت حديثكما.. والآن يا عهد.. هيا.. تعال معي.. لتعرف تفاصيل الخطة..
قال فارس بعينان متسعتان وهو يلتفت الى هشام: عن اي خطة تتحدث؟..
قال هشام بحيرة: لقد تطوع عهد بالمشاركة في مهمة سننفذها غدا مساءا..
قال فارس بعصبية وهو يضع الورقة امام ناظريه: وماذا عن هذه النشرة؟؟.. انسيت امرها؟.. ام انك لم تعد تهتم بحياة افراد فرقتك..
عقد هشام حاجبيه وقال: اولا تعلم كيف تتحدث معي.. فأنا القائد هنا.. ثانيا .. هذه المهمة تطوعية.. وقد تطوع عهد بنفسه بها.. ولم يجبره احد على ذلك.. وثالثا.. هذه النشرة تصف فتاة .. لا شاب ..
قال فارس ببرود: المشكلة انك مخطئ يا ايها القائد..
هتفت عهد قائلة برجاء: ارجوك يا فارس .. ارجوك اصمت.. لقد وعدتني ..
قال فارس ببرود اشد: ان صمتي معناه ان اسلمك بيدي للمبنى البريطاني.. وليذهب وعدي هذا الى الجحيم..
قالت عهد برجاء اكبر وهي تتمسك بذراعه: ارجوك يا فارس.. اتوسل اليك ان تصمت..
قال هشام مستغربا الآن: ما الامر؟.. ما الذي تعرفه عن عهد..ولا نعرفه نحن؟؟..
قال فارس: ان عهد الذي او لنقل التي امامك...
قاطعته عهد قائلة بصوت اشبه بالصراخ: يكفي يا فارس.. ارجوك يكفي..
اما فارس فلم يأبه بتوسلاتها واكمل قائلا بحزم: ليست صبي بل فتاة!...
ولم يعد هناك مجالا للتراجع...
:
:
يتبع..
 
بـ الحب (44) والواقع ــين
::صمت::

ران صمت طويل على المكان بعد ان القى فارس بالمفاجأة في وجه هشام.. ولم يقطع هذا الصمت الا صوت انفاس عهد المتوترة .. والذي التفت لها فارس وهو يتطلع اليها بندم وكأنه يقول انه لم يكن في يده أي حل آخر.. اما هشام فقد اكتفى بنقل نظراته بين فارس وعهد.. وكأنه غير مصدق لكل ما قيل قبل قليل..
واخيرا قالت عهد بصوت مختنق: فليكن يا فارس.. انت الذي بدأت..
وابتعدت عنهم بخطوات شبه سريعة.. وكاد ان يتبعها فارس وهو يهتف بعهد: انتظري لحظة يا عهد..
لكن يد هشام التي امسكت بذراعه منعته من اللحاق بها.. وهتف به وهو يعقد حاجبيه: هل ما قلت له قبل قليل.. هو الحقيقة؟؟..
اومأ فارس برأسه وهو يتنهد بحرارة.. فقال هشام بحيرة واستغراب: لكن كيف؟.. كيف يكون عهد هذا فتاة؟.. لقد قاتل معنا بشجاعة.. وحمل السلاح بكل بسالة.. وتحدى الظلم..وواجه العدو.. و...
صمت دون ان يكمل .. وهو غير مستوعب لكون عهد فتاة.. فقال فارس بابتسامة شاحبة: عهد هذه فتاة.. لكن لديها ارادة عجيبة.. تدفعها لفعل أي شيء ترغب به.. رغبتها في الانتقام دفعتها لان تتنكر على هيئة شاب وتندس بينكم حتى تقبلوا بها.. وهذا ما جعلها تقاتل بكل قوة وشجاعة حتى تثبت نفسها بينكم اولا.. ولتنتقم لمقتل والديها ثانيا..
هشام الذي بالكاد يستوعب هذه الحقيقة قال متسائلا: وهل انت ابن عمه.. اعني ابن عمها فعلا؟؟..
ابتسم فارس وقال: اجل..
قال هشام ودهشة: وكيف قبلت اذا ان تكون ابنة عمك معنا؟.. و...
قطع عبارته واكمل: الآن فهمت.. هذا هو سبب اشتراكك في فرقة المقاومة.. أليس كذلك؟..
قال فارس وهو يهز كتفيه: لم يكن لدي أي حل آخر.. هي كانت مصرة على الانضمام.. ولم اكن استطيع منعها بالقوة.. لهذا فقد تركت لها حرية الاختيار على ان اكون معها في فرقة المقاومة ..ووافقت هي.. بشرط ان لا افضح حقيقتها لاي شخص كان في الفرقة.. فوعدتها بذلك يومها .. ولكن..
وابتسم بسخرية مريرة وقال: ولكني اليوم خنت وعدي هذا.. وفضحت حقيقتها لك..
قال هشام وهو يربت على كتفه: فارس.. انت لم تخطئ.. لا تشعر بالندم ابدا على ما فعلت.. لقد فعلت هذا لانك خائف عليها.. ولا تريد لها ان تصاب بأي مكروه.. وهي ستتفهم ذلك.. ان لم يكن اليوم فغدا.. صدقني..
قال فارس وهو يزفر بحدة: اتمنى هذا..
ابتسم هشام وقال: جيد انك اخبرتني بهذا الموضوع.. حتى ارفض اشتراك عهد في المهمة القادمة..
واردف بهدوء: والآن علي ان اعود الى المكتب مرة أخرى لاناقش الخطة مع افراد فرقة المقاومة.. لكني اعدك ان اتناقش مع عهد في هذا الموضوع..
اومأ فارس برأسه دون ان يعلق.. وما ان رأى هشام يبتعد عن المكان.. حتى سارع بالذهاب للاتجاه الذي ذهبت فيه عهد .. ووصل الى غرفتها وطرق الباب ليقول: عهد افتحي الباب.. اريد التحدث معك؟..
صرخت فيه عهد قائلة: اذهب من هنا.. انا لا ارغب بالتحدث اليك.. اذهب .. لا اريد رؤية وجهك..
صمت فارس للحظات قبل ان يقول وهو يحاول ان يتمالك اعصابه: اهدئي يا عهد.. ودعيني اشرح لك الموضوع.. لا تفهميه على مزاجك..
قالت عهد بصوت باكي: قلت اذهب من هنا.. الا تفهم؟.. لا اريد سماع صوتك.. او رؤيتك.. اذهب ودعني وحدي..
قال فارس بعصبية وهو يعود ليطرق الباب: عهد.. لآخر مرة اطلب منك ان تفتحي الباب والا سأحطمه..
قالت عهد وهي تصيح فيه: حطمه.. ولتفعل ما تفعل.. لم يعد يهمني شيء..
شعر فارس فجأة بأحد يقف الى جواره.. والتفت ليرى غادة التي تقدمت منه وقالت بابتسامة هادئة: دعها الآن.. انها في مزاج لا يسمح لها بالحديث مع احد.. اذا هدأت ستوافق على التحدث اليك.. فقط امنحها الفرصة لتنسى ما حدث ولتريح اعصابها..
قال فارس بدهشة: اعلمت بما حدث؟..
قالت غادة بابتسامة باهتة وهي تومئ برأسها: اجل.. فقد كنت على مقربة من المكان وقد سمعت كل ما دار بينكم..
دس فارس اصابعه بين خصلات شعره الاسود ومن ثم قال وهو يتنهد: والآن.. الحل في رأيك ان اتركها في هذه الحالة؟؟..
قالت غادة وهي تبتعد قليلا عن غرفة عهد: لا تقلق.. ستهدأ بعد ساعة او اثنتين بكل تأكيد.. ويمكنك بعدها الحديث اليها..
واردفت بجدية: ولا تشعر بالذنب على ما فعلته.. فهذا ما كان ينبغي عليك فعله من البداية..
قال فارس بابتسامة شاحبة: افهم هذا.. لكنها هي لا تفهم.. لا تفهم اني بما فعلته احاول حمايتها.. احاول ان احميها من نفسها.. ومن رمي نفسها في التهلكة بهذه الطريقة..
قالت غادة بابتسامة: حاول ان تشرح لها الامر بعد ان تهدأ.. وبكل تأكيد ستسامحك..
وابتعدت عن المكان.. تاركة فارس يتطلع الى باب غرفة عهد بكل حيرة وتوتر...
##########
تنهد ألكس بتعب وهو يستلقي على فراشه ويفكر في آخر مكالمة جرت بينه وبين عهد.. صحيح ان النقاش كان حادا بينهما في البداية.. لكنها استمعت اليه وهدأت في النهاية..
يبدوا انه سيستطيع ان يتجاوز هذه المشكلة معها.. فكر في ارسال رسالة لها اولا.. وضغط الازرار ليكتبها بشكل سريع.. وكانت هذه هي كلماتها (عهد.. اشتقت اليك.. ايمكنني سماع صوتك؟)..
ارسل الرسالة.. ومن ثم انتظر لحظات وهو يشعر بلهفة الرد منها .. لكن تلك اللحظات اصبحت دقائق ومن ثم اقتربت من النصف ساعة.. فتنهد ولم يجد حلا الا الاتصال بعهد..
وانتظر اجابتها عليه.. لكنها لم تفعل.. فاعاد الاتصال مرة اخرى.. واخيرا سمع صوتها وهي تجيب على الهاتف وتقول: الو..
قال ألكس بابتسامة واسعة: عهد.. كيف حالك؟.. اشتقت اليك باكثر مما تتصورين.. طمأنيني على نفسك دائما.. ولا تحرميني من سماع صوتك ابدا..
قالت عهد بصوت مبحوح: احذر يا ألكس.. احذر..
قال ألكس الذي استغرب عبارتها: ماذا بك يا عهد؟..مم تريدينني ان احذر؟؟..
قالت وهي تواصل كلامها الغير مفهوم لألكس: انتبه لنفسك ارجوك.. وداعا..
قالتها وانهت الاتصال.. اما ألكس الذي استغرب حديثها هذا.. توقع ان الامر يتعلق بفرقة المقاومة.. وانهم يخططون لخطة جديدة.. وعهد تحاول تحذيره منها..
زفر بقوة ومن ثم قال وهو ينهض ويرتدي قبعته العسكرية: كنت اتمنى سماع صوتك يا عهد .. وها قد سمعته.. لكن بكلماتك تلك زدتيني حيرة وقلق من المجهول..
وانطلق الى مكتبه من جديد..وكلمات عهد لا تزال تدور في ذهنه..
##########
تنهدت غادة وهي تستمع الى خطة هشام الذي اخذ يسردها على مسامعهم.. وغسان الذي انتبه لتنهيدتها قال متسائلا: ما بك؟
قالت غادة وهي تهز كتفيها: لا شيء.. ولكني اشعر انني لن استطيع الاشتراك في هذه المهمة..
قال جهاد الذي استمع لعبارتها الاخيرة: ولم؟..
قالت غادة بهدوء: بسبب هذه الرسالة..
واخرجت هاتفها من جيبها لتضغط على الازرار وتفتح الرسالة الاخيرة والتي كانت من رقم غريب وصاحبها يقول: (الاشتراك في المهمة القادمة.. خطر على حياتك.. فتوخي الحذر)
قال جهاد وهو يرفع حاجبيه: ممن هذه الرسالة؟..
قالت غادة وهي تزفر بحدة: لست اعلم.. كنت افكر في الاشتراك في المهمة.. لكن هذه الرسالة اقلقتني..
قال غسان وهو يلتقط الهاتف المحمول ويقرأ ما جاء في الرسالة: دعك منها.. مرسل هذه الرسالة لا يعرف الغيب.. انه لا يريدك ان تشترك في المهمة فحسب..
قالت غادة بابتسامة: كلامك صحيح..
ومن ثم عادوا ليستمعوا الى هشام الذي تطلع اليهم بنظرة صامتة .. قبل ان يواصل شرحه للمهمة.. واخيرا قال: والآن.. بما اني شرحت كل ما ينبغي عليكم فعله .. فأنا بحاجة الى 6 متطوعين على الاقل.. بالاضافة الي انا وعزام..
قال جهاد: سأنضم الى هذه المهمة يا ايها المقدم..
وقال غسان بدوره: وانا وغادة معكما..
وتتابعت الاصوات.. حتى كان عدد المتطوعين في النهاية هو 7 متطوعين..
فقال هشام وهو يقسم الادوار بينهم: غادة وجهاد وغسان .. ستأخذون القنبلة الموقوتة .. وتنقلونها من السيارة الى هذا المكان..
واشار بمكان ما على الخريطة قبل ان يردف: وبعد ان تصلوا الى هنا.. ستبدؤون في تشغليها.. وسيبدأ العد التنازلي للنصف ساعة..
واكمل وهو يحرك اصبعه على الخريطة بخط مائل حتى وصل لمكان وضع عليه علامة (×) وقال: ثم ستخبؤونها بالقرب من هذه السيارات .. او تحاولون دسها تحتها.. هل هذا مفهوم؟..
اومأت غادة برأسها.. في حين واصل هشام وهو يأخذ نفسا عميقا: ستنتظرون حتى انتهاء نصف الوقت.. وبعدها ستغادرون المكان.. لا اريد أي تهور مثل المرة الماضية..
ابتسم غسان وهو يحك رأسه باحراج ويلتفت الى جهاد.. وكأنه يقول "كل ماحدث كان بسببك"..
اما جهاد لم يكترث للامر كثيرا وهو يواصل الاستماع لشرح هشام للمهمة لبقية المتطوعين..
#########
صباح جديد قد اطل عليهم .. هذا اليوم الذي يحمل الكثير لكل بطل من ابطالنا.. فمساء هذا اليوم سيقوم افراد فرقة المقاومة باداء المهمة الذي خططوا لها منذ زمن.. وهم يأملون نجاحها بعيون تطمح للنصر والحرية..
وفي صباح هذا اليوم.. كان فارس يزفر بقوة بعد ان استيقظ من نومه .. وتوجه بعدها الى غرفة عهد.. ليطرق بابها ويقول بهدوء: الا زلت نائمة يا عهد؟..
لم يستمع ردا على سؤاله فعاد ليطرق الباب وهو يقول: عهد.. هل انت نائمة؟..
سمع صوت احدهم من خلفه وهو يقول: ان كنت تريد عهد.. فهو يتناول طعام الفطور في المطبخ..
توجه فارس الى عهد ورآها تجلس على احد المقاعد وتشرب كوب الشاي وهي شاردة بذهنها بعيدا.. فابتسم وهو يجذب له المقعد المجاور لها ويحتله ويقول بابتسامة: صباح الخير ايتها الحمقاء..
افاقت عهد من شرودها والتفتت له لتتطلع اليه بنظرة باردة.. قبل ان تلتفت بوجهها بعيدا عنه.. وهي غير راغبة حتى بالنظر اليه..
اما هو استغرب تصرفها هذا وقال وهو يعقد حاجبيه: هيي عهد.. انا اتحدث اليك..
لم تجبه وواصلت ارتشافها للشاي دون ان تأبه بما قاله.. فسحب هو خصلة من شعرها وقال: التفتي الي ايتها الحمقاء..
التفتت اليه وتطلعت اليه بنظرة حانقة قبل ان تنهض من مكانها وتضع الكوب على الطاولة .. وتترك المطبخ بأكمله.. فزفر فارس بحدة وقال: هذه التي ظننت انها ستهدأ اليوم واستطيع الحديث اليها؟؟.. انها لا ترغب حتى بالنظر الى وجهي..
وابتسم بسخرية قبل ان ينهض من مكانه ويقول: ومتى كانت ترغب هي بذلك؟؟.. ما انا الا مصدر للامان لها.. بعد ان فقدت والديها وكل اهلها..
وترك المكان هو بدوره ليغادر المطبخ ومن ثم فرقة المقاومة بأكملها..
:
:
على الجانب الآخر كان هشام يستعد لوضع اللمسات الاخيرة على خطته .. وكان يتطلع الى افراد فرقة المقاومة الذين تطوعوا بالمهمة .. قبل ان يرى عهد تمر بجانب المكان وتكمل طريقها لتتجه الى احد المقاعد البعيدة وتجلس عليه..
ولم يجد هشام امامه الا ان يستأذن من الاعضاء ويتجه الى حيث تجلس عهد ويقول بابتسامة: صباح الخير..
رفعت عهد رأسها اليه ومن ثم قالت وهي تعود لتشيح بعينيها بعيدا: صباح الخير..
قال هشام وهو يتطلع بعينه الى المقعد المجاور لها: هل يمكنني الجلوس؟..
قالت عهد بهدوء دون ان ترفع عينيها اليه: بكل تأكيد.. هذا المقر لك قبل كل شيء..
جلس هشام على المقعد المجاور لها قبل ان يقول بهدوء: قبل كل شيء.. اريد ان اعرف لماذا فعلت هذا؟.. لماذا اخفيت نفسك عن الجميع في ملابس الرجل؟..
صمتت عهد للحظات قبل ان تقول: كنت افكر بالاشتراك معكم منذ ان حدثت الكارثة ورأيت انفجار منزلي امام ناظري ومقتل والدي بداخله.. لكن ما حدث وقتها.. اني شاهدتكم تمانعون في انضمام النساء اليكم.. لهذا اخترت هذه الطريقة لكي تقبلون باشتراكي في فرقة المقاومة..
قال هشام بهدوء: انت تعلم.. اقصد انت تعلمين.. ان وجود النساء بيننا قد يشكل عائقا.. فليس في مقدرة أي فتاة حمل السلاح.. الا المدربات منهم كغادة..
قالت عهد وهي تومئ برأسها: اعلم هذا.. لكني كنت استطيع ان افعل أي شيء في سبيل الانتقام لمقتل والدي..
قال هشام مبتسما: لقد اثبت جدارتك بالفعل.. واستطعت ان تكون..اقصد ان تكوني .. من اعضاء فرقة المقاومة.. انت فتاة افخر بوجودها بيننا في الفرقة..
وقال وابتسامته تتسع: يبدوا انني سأحتاج لبعض الوقت حتى احدثك واعاملك على انك فتاة ..
ابتسمت عهد ابتسامة باهتة .. في حين اكمل هشام قائلا: لن يتغير شيء في وجودك هنا.. وستستمرين بالنوم في غرفة سوزي كما كنت تفعلين في الايام الاخيرة السابقة.. لكن.. لن تشتركي في أي مهمة قادمة حتى نتأكد من هدوء الاوضاع قليلا..
قالت عهد برجاء: لكن الاوضاع قد تزداد سوءا مع مرور الوقت.. هم لن يتعرفوا علي بهذه الملابس.. سيعتقدونني رجلا..
قال هشام بحزم: لقد تم اسرك هناك وبالتالي فهم يعرفون ملامح وجهك جيدا.. وحينها سيتعرف عليك أي جندي منهم..
صمتت عهد للحظات قبل ان تقول: لكن .. لا فائدة من وجودي بينكم.. ان كنت سأبقى مكتوفة اليدين حتى وقت لا يعلمه احد..
التقط هشام نفسا عميقا قبل ان ينهض من مكانه ويقول: لقد فعلت الكثير لهذه الفرقة.. وكنت مثال للشجاعة والاحتمال لتحمل مصاعب بالكاد يتحملها اقوى الرجال.. وان كان وجودك بيننا خلال الايام القادمة فحسب لن يرجع علينا بفائدة في رأيك.. فأنا موافق على هذا الامر..
وكاد ان يمضي في طريقه لكنه تذكر امرا ما وعاد يلتفت اليها ليراها تطرق برأسها بتفكير .. فقال بهدوء: بالمناسبة.. لا تحاولي لوم فارس على ما فعله.. انه يخشى عليك اكثر من نفسك.. ولهذا اخبرني بحقيقتك حتى لا تتعرضي لمكروه.. واي شخص في مكانه كان سيفعل الشيء ذاته.. وربما كان سيخبر الجميع بالامر منذ اول اسبوع له في الفرقة.. لكن فارس التزم بوعده لك .. وفضل الصمت على الرغم من خوفه الكبير الذي اراه دوما في عينيه عند بداية كل مهمة تشتركين بها..
وابتسم وهو يقول: صدقيني.. لقد فعل الصواب فحسب.. وحاول حمايتك.. فلا تعاقبيه على خوفه واهتمامه بك..
وابتعد عنها ليتجه الى حيث باقي افراد فرقة المقاومة ويكمل شرحه للخطة.. تاركا عهد تتخبط وسط افكارها.. التي اخذت في التأرجح بين مصير ألكس وما فعله فارس...
########
انشغل مارك بتنظيف مسدسه .. حتى سمع صوت طرقات على الباب .. فقال بصوت عال: من؟..
جاءه صوت سوزي وهي تقول: انا..
ابتسم مارك ونهض من مجلسه وقال وهو يتجه للباب ويفتحه: اهلا سوزي.. تفضلي بالدخول..
قالت سوزي وهي تهز راسها نفيا: لا يمكنني ذلك.. امسك بهذا الكتاب واقرأه واخبرني برأيك فيه..
قال وهو يأخذه من يدها: وما هو عنوان هذا الكتاب؟..
قالت سوزي في سرعة: اقرأه بنفسك.. بالاذن الآن..
وابتعدت عنه مسرعة.. اما هو استغرب تصرفها هذا وظن انها قد تكون منشغلة في عمل ما .. او ان هناك مرضى ينتظرون ان تشرف على حالتهم..
دخل الى الغرفة وعاد الى السرير ليجلس عليهم ويتطلع الى الكتاب الذي بين اصابعه.. كان كتابا عاديا يحمل اسم (كيف تصل الى هدفك؟)..
تصفح اوراقه بعدم اكتراث حتى شعر بسقوط تلك الورقة على الارض.. فالتقطها بين اصابعه باستغراب قبل ان يقرأ كلماتها والتي كانت تقول:
(اعلم انك ترغب في الحديث الى شقيقك وان تجعله يطمأن عليك.. سأضع حاوية القمامة بجوار غرفتك عند الساعة 12 بعد منتصف الليل.. وسأضع هاتفي المحمول في كيس بلاستيكي في الحاوية.. وارجعه الى الحاوية بعد نصف ساعة.. سوزي)
ابتسم مارك وهو يقرأ رسالتها تلك .. طيبة القلب كما عهدتك دوما يا سوزي.. على الرغم من انك تعرفين بنيتي في الانضمام الى الجيش البريطاني الا انك لازلت تعملين على مساعدتي.. وتحاولين ان تجعليني اطمأن اخي كلما امكنك ذلك..
وابتسم بألم وهو يقول: فقط لو ان هذا الواقع يتغير.. لكان كل شيء افضل بكثير..
وتنهد وهو يعود ليتطلع الى الرسالة التي بين يديه ثم يتطلع الى ساعته التي كانت عقاربها تشير للساعة 4 عصرا..
#########
قال حازم بابتسامة وهو يتطلع الى فارس المنشغل في اعماله: يبدوا وان سفرك للشمال قد لاقى نتيجة.. اراك منغمس في العمل حتى اذنيك..
قال فارس بابتسامة باهتة وهو يرفع نظره الى حازم: لو تعلم ان كل الملفات التي اعمل بها الآن ليس لها علاقة بسفري للشمال..
قال حازم بحيرة: تمزح؟.. من اين اتتك كل هذه الاعمال اذا؟؟..
قال فارس مبتسما: اشخاص شاهدو لافتة المكتب.. وقرروا الدخول الى هنا ليطلبوا مني ان اجد منزل ما او مبنى ما.. او ان اجد شخص يشتري منزل معين ..
قال حازم بابتسامة واسعة: جيد.. يبدوا ان مكتبك بدأ يصبح معروفا لدى الناس.. ستلاقي نجاحا باذن الله بعد فترة وجيزة..
قال فارس بهدوء وهو يتطلع من نافذة المكتب: اظن ان مكان المبنى يعد سببا ايضا في ان يصبح المكتب معروفا لدى الناس.. فهو يطل على شارع تجاري ..
قال حازم وهو يتطلع الى حيث يتطلع فارس: معك حق في هذا..
ومن ثم تطلع الى ساعته وقال: انها التاسعة.. الن تعود لفرقة المقاومة..
ابتسم فارس بسخرية وقال: ولم اعود؟..ولمن اعود؟..
قال حازم وهو يعقد حاجبيه باستغراب: ماذا تعني بقولك هذا؟.. انسيت عهد ام ماذا؟..
قال فارس وهو يتنهد: انسى عهد؟؟.. هه .. انها الانسانة الوحيدة التي تفرض علي ان اتذكرها في كل ثانية.. اخشى عليها من وجودها في تلك الفرقة.. واخشى من طريقة معاملتهم لها.. فكيف يمكن لي ان انساها؟..
قال حازم متسائلا: اذا ما الامر؟؟..
شرح له فارس ما حدث بكلمات مختصرة.. وختم بقوله ان قال: والآن تلك البلهاء اعلنت الحرب علي.. وترفض حتى التحدث الي او النظر الى وجهي.. وكأني بما فعلته لها ارغب ان اقتلها لا ان احميها من الموت..
قال حازم بابتسامة: ما فعلته هو عين الصواب يا فارس.. اما ردة فعل عهد فهي طبيعية.. خصوصا انها انصدمت من كشفك لامرها رغم انك وعدتها ان لا تفعل..وخشت ان تكون سببا في طردها من فرقة المقاومة التي سعت هي جاهدة للانضمام لها..
قال فارس وهو يدس انامله بين خصلات شعره: اعلم هذا.. لكني كنت اتمنى ان تصرخ في وجهي .. ان تشتم او حتى تضربني.. كل هذا سيكون افضل من صمتها الذي لا اطيقه..
قال حازم بهدوء: لا تقلق..سيمضي الامر على خير.. هي تحتاج لبعض الوقت فقط.. حتى تستطيع ان تتأقلم مع هذا الجو الجديد الذي وضعتها فيه..
زفر فارس بحدة ومن ثم قال وهو ينهض من مجلسه: حسنا اذا.. سأغادر الآن واذهب لاعرف احوالها..
قال حازم وهو يغمز بعينه: لا تنسى ان تسلم لي عليها..
قال فارس ببرود: حسنا ولكن بعد مئة عام قادم..
ضحك حازم وقال: ايها الغيور..
قال فارس وهو يلبس سترته: اخبرتك مئة مرة ان الامر لا يتعلق بالغيرة.. لو كنت قلت لك ان تسلم لي على اختك.. الم تكن سترفض طلبي ايضا؟..
قال حازم بمرح: بل كنت سأفرح.. لاني سأشعر انك معجب بأختي.. ومن ثم سأزوجك اياها.. لاتخلص منكما انتما الاثنين..
قال فارس بابتسامة باهتة: احمق.. لكن لا تتوقع ان افعل المثل معك..
قال حازم وهو يغمز بعينه: ولم لا؟.. الا ترغب بالتخلص من مسئولية عهد الملقاة على عاتقك؟؟..
قال فارس ببرود: اولا انا لم اقل اني ارغب في التخلص من مسئوليتها.. وثانيا ان كنت سأتخلص من مسئوليتها فعلا.. فلن يكون بذلك في رميها في الجحيم..
رفع حازم احد حاجبيه وقال: هكذا يا فارس.. اصبحت الحياة معي جحيما..
ابتسم فارس وقال وهو يبتعد عنه ويتجه ناحية الباب: انا لم اقل هذا.. انت من فهمت الامر وحدك..
قالها وخرج مغادرا مكتب العقارات الخاص به.. ومتجها الى فرقة المقاومة.. لعله يستطيع ان يلين رأس عهد قليلا ويجعلها تتفهم الامر .. بدلا ان تعلن الحرب عليه بصمتها هذا..
:
:
يتبع..
 
بــ الحب (45) والواقع ــين
::تضحية::


عهد التي رأت الجميع وهم يستعدون للمهمة.. هشام وعزام وجهاد والبقية.. ورأت استعدادهم وتجهيزهم لاسلحتهم والذخيرة ..
شعرت برغبة كبيرة في الانضمام معهم..وليحدث ما يحدث.. وتوجهت الى هشام لتقول برجاء كبير: ايها القائد هل يمكنني الانضمام معكم في هذه المهمة؟..
قال هشام بهدوء: لقد انتهى الامر يا عهد.. لقد شرحت الخطة للمجموعة التي معي.. وتنفيذ المهمة سيكون بعد ساعتين..
تطلعت الى ساعتها التي تشير الى التاسعة والنصف.. وشعرت بالقلق والخوف.. ودقات قلبها اخذت في التسارع.. يا الهي .. ماذا سيكون مصير ألكس يا ترى؟ .. ارجو ان لا يصاب بمكروه.. ارجو ان لا يؤذى.. لقد قال القائد انهم سيركزون على السيارات العسكرية حسبما اذكر.. كيف يمكنني اذا ان احذر ألكس؟.. كيف؟..
ابتعدت عن المكان وجلست على احد المقاعد لتفكر.. لو ارسلت له رسالة تحذره فيها عن عدم الخروج من المبنى البريطاني سيشك بالامر اكثر وسيطالبها بالتفاصيل مما قد يؤدي الى فشل مهمة فرقة المقاومة..
زفرت بحدة وهي تحاول التفكير فيما عليها فعله حقا لتنجح المهمة ولا يصاب ألكس بمكروه..وبينما هي غارقة في تفكيرها لم تنتبه لتلك الخطوات التي اقتربت منها وصوت صاحبها وهو يقول: عهد..
رفعت رأسها اليه.. ومن ثم لم تلبث ان اشاحت بوجهها بعيدا عنه دون ان تنطق بكلمة.. فقال فارس وهو يجلس بجوارها ويضع يده على كتفها: الى متى ستبقين على صمتك هذا؟.. لم افعل الكارثة التي تجعلك ترفضين حتى النظر الى وجهي؟..
ابعدت يده عن كتفها وظلت مشيحة بوجهها بعيدا.. فقال بهدوء: على الرغم من اني اعلم ان تبريري لك لن يكون ذا فائدة ..لكني سأخبرك بسبب اخباري لهشام بالحقيقة..
والتقط نفسا عميقا وهو يكمل: عهد.. انت تفهمين اكثر مني معنى ان يلقى القبض عليك من قبل الجنود البريطانيون.. لقد اخبرتيني بمخاوفك من ان يجدوك ويلقو القبض عليك من جديد عندما كنا في الشمال.. اتذكرين؟.. وبعد كل هذا تطلبين مني الصمت .. لمجرد انك لا ترغبين في ان تطردي من فرقة المقاومة..
التفتت اليه وتطلعت اليه بنظرات حادة.. كأنها تقول له (انت لا تفهم ولن تفهم ابدا).. ونهضت من مكانها لتبتعد عنه.. فزفر بحدة وعصبية .. قبل ان يقول بغضب من صمتها الذي اثار اعصابه: يكفي يا عهد.. يكفيك ما تفعلينه معي من تصرفات حمقاء.. لا تختبري صبري يا عهد.. لا تختبريه..
اكملت سيرها مبتعدة وتوجهت الى غرفتها واغلقت الباب خلفها.. اما هو زفر بحدة وقال وهو يتحدث الى نفسه: فليكن يا عهد.. سأمنحك فرصة اخيرة غدا.. وان واصلت عنادك هذا.. سأترك لك هذا المكان بأكمله.. ولتفعلي ما تفعليه..
وتوجه هو بدوره الى احد الغرف واغلق الباب خلفه بقوة وغضب...
#########
اشار هشام بيده اشارة صامتة .. قبل ان يقول بصوت هامس وهو يشير تجاه مكان ما: ابدؤوا الآن..
اومأت غادة وغسان برأسيهما.. وتوجها مع جهاد الى مكان السيارات العسكرية..وقال غسان بصوت خفيض: احذري يا غادة.. هناك الكثير من الاشواك في الطريق..
قالت غادة بهمس: لا تقلق علي..
واكملوا طريقهم حتى وصلوا الى حيث تتوقف السيارات العسكرية.. فقال جهاد بجدية: سأذهب لزرع القنبلة وسيتبعني غسان بعدها بدقيقتين ليساعدني في هذا الامر.. اما انتي يا غادة فراقبي المكان جيدا ريثما نعود.. وان رأيت أي حركة مريبة .. اعطينا الاشارة المتفق عليها..
اومأت غادة برأسها.. فتوجه جهاد اولا نحو تلك السيارات العسكرية.. واقترب من المكان بحذر كبير وهو يتفحص المكان بعيون ثاقبة.. قبل ان يصل بالقرب من احدى السيارات العسكرية.. ويسارع في زرع القنبلة الموقوتة اسفل هيكلها..
وغسان الذي كان يراقب من بعيد قال وهو يلتقط نفسا عميقا: سألحق بجهاد الآن يا غادة.. انتبهي جيدا لنفسك..
قالت غادة بابتسامة: اعرف كيف احمي نفسي.. اذهب انت ولا تقلق نفسك..
ابتسم بهدوء.. قبل ان يتوجه بدوره الى حيث السيارة العسكرية التي يقوم جهاد بزرع القنبلة فيها.. واشار بعينيه لجهاد عندما وصل اليه.. فأشار هذا الاخير بأن كل شيء على ما يرام..
تساعدا على انجاز مهمتهما.. وغادة من بعيد تراقب المكان بعيون تتفحص المكان بأكمله.. وشعرت بغتة بحركة في الارجاء.. فامعنت النظر في تلك النقطة البعيدة نوعا ما.. ورأت جندي يقترب من المكان.. فكرت في ان تقوم بالاشارة المتفق عليها كما طلب منها جهاد.. لكنها تخشى ان ينتبه لها ذلك الجندي ..
فما لبثت ان اخرجت هاتفها المحمول وارسلت رسالة قصيرة على هاتف جهاد.. تتمنى ان يقرأها قبل فوات الأوان..
وعلى الجهة الاخرى.. شعر جهاد باهتزاز هاتفه المحمول فاشار بعينيه لغسان ليكمل العمل.. والتقط هاتفه ليقرأ الرسالة التي وصلت اليه بعيون تلتهم السطور في سرعة .. وعقد حاجبيه عندما اعاد قرائتها بتمعن وكلماتها التي تقول (هناك جندي يقترب من المكان.. انتبها وحاولا الاختباء في أي مكان ريثما يرحل)
تطلع جهاد الى غسان ومن ثم قال بصوت خفيض وهو يعيد الهاتف الى جيب سترته: غادر المكان فورا.. هناك جندي يقترب من المكان..
قال غسان بصوت خفيض وهو يعقد حاجبيه: لن اغادر بدونك..
قال جهاد وهو يكمل عمله في زرع القنبلة: هذا ليس وقت النقاش.. سأتبعك حينما اكمل عملي.. غادر الآن..
صمت غسان للحظة قبل ان يقلب الامر في رأسه ومن ثم قال: سنغادر معا..
وتطلع الى جهاد الذي لم يناقشه في الامر واكمل عمله في تثبيت القنبلة تحت احد السيارات العسكرية.. ومن ثم قال بصوت هامس: لنختبئ في مكان قريب من هنا..
اومأ غسان برأسه ايجابيا قبل ان يتبع جهاد الذي ابتعد عن المكان بخطوات حذرة.. ووصل الى جانب به عدد من الصخور ..وقال وهو يجلس خلف تلك الصخرة ويراقب المكان بعيون حذرة: راقب ذلك الجندي.. ربما يقترب من تلك السيارات العسكرية .. ما اتمناه ان لا يكون احد طاقم جنود حراسة هذه المنطقة..
تطلع غسان بدوره الى الجندي ومن ثم قال: وما المشكلة ان كان كذلك؟.. سوف يراقب المنطقة وما حولها فحسب..
قال جهاد وهو يعقد حاجبيه: لا.. ان مثل هؤلاء يتفحصون ما حول السيارات خوفا من تعرضهم للهجوم في أية لحظة..
شعر غسان بالقلق بعد ما قاله جهاد فادار عينيه الى حيث يقف الجندي ورآه يتجه نحو السيارات ويدور حولها متفحصا المكان بأكمله..
فقال جهاد بسرعة وقهر: تبا.. سيكتشف الامر..
واكمل في سرعة: اسمعني.. سأقوم بالهاءه .. وانت راقب القنبلة جيدا.. وحذار ان يكتشف امرها احد..
قال غسان وعيناه متسعتان: انت تخاطر بنفسك بهذه الطريقة ..
لم يستمع اليه جهاد ونهض من مكانه.. وهو يمسك بعدة احجار في حجم الكف.. وابتعد عن المكان ليسير من خلف الصخور لمكان على الجهة الاخرى للسيارات.. ورمى احد الاحجار على مسافة بعيدة عنه..
فقال الجندي بالانجليزية وهو يستدير ويتوجه الى حيث صوت سقوط الحجر: من هناك؟.. عرف عن نفسك او اطلق النار..
لم يكترث جهاد بما قاله الجندي وواصل ابتعاده.. اما الجندي الذي احس بالحركة الغريبة.. اطلق النار على الموقع.. وجهاد لا يزال يحاول تشتيت انتباهه برميه احجار اكبر على مناطق مختلفة.. وذاك الجندي يحاول ان يطلق النار على الهدف..
ومن جهة اخرى.. كان غسان يتابع مرور الوقت للقنبلة الموقوتة.. وما ان بقي على انفجار 3 دقائق.. حتى نهض وابتعد متوجها الى غادة وقال في سرعة: هيا علينا المغادرة.. مهمتنا انتهت..
قالت غادة مستغربة: وجهاد؟؟..
قال غسان وهو يلتقط نفسا عميقا: انه يحاول تشتيت انتباه ذلك الجندي.. سيعود فيما بعد لا تقلفي..
قالت غادة وهي تتطلع الى نقطة ما بخوف: ولكن.. ولكن قد يصاب بمكروه وهو وحيد في هذه المنطقة.. ولن يمكنه استعمال السلاح.. حتى لا تفشل الخطة..
قال غسان وهو يحاول تهدئتها على الرغم من انه يشعر بالتوتر: لا تقلقي عليه.. سيكون بخير باذن الله...
وجذبها من كفها ليغادرا المكان.. وكلاهما يشعر بالخوف على جهاد الموجود في تلك البقعة القريبة من موقع الانفجار...
###########
مارك الذي رأى ان الساعة اشارت الى 12 بعد منتصف الليل.. تأكد جيدا من عدم وجود أي صوت في الممر .. قبل ان يفتح الباب ويتظاهر بأنه سيرمي شيء ما في حاوية المهملات.. وعندها شاهد ذاك الكيس وقد وضع باهتمام على احد جوانب الحاوية.. فالتقطه سريعا.. وعاد الى غرفته واقفل خلفه الباب.. وهو يحمد الله ان امره لم يكتشف..
اخرج الهاتف وبدأ بضغط ارقام هاتف شقيقه وبعد محاولتين اجراها.. استطاع اخيرا ان يستمع صوت شقيقه الذي قال: اهلا.. من معي؟..
قال مارك بابتسامة: انه انا يا اخي.. كيف حالك؟.. وكيف هي احوال الفرقة؟..
قال هشام وهو يتنهد براحة: هذا انت.. حمدلله لقد كنت ادعو الله تعالى ان تكون سالما .. نحن بخير .. اهتم بنفسك انت فقط.. واخبرني ماذا جرى لك هناك؟.. وهل تسير الخطة كما ينبغي؟..
قال مارك بابتسامة: حتى الآن نعم.. سأكون واحد منهم بعد ان اكمل كل التدريبات..
قال هشام الذي كان يحادثه من السيارة بعد ان غادر الموقع لكي يجيب على المكالمة: توخى الحذر .. ولا تقم بأي تصرف يجعلهم يشكون بامرك.. واسمعني جيدا.. اليوم لا تغادر المبنى مهما حدث.. حتى وان طلبو منك ذلك..
قال مارك متسائلا: ولم؟..
قال هشام بهدوء: لا تخرج وكفى.. وانت تعلم الاسباب بالتأكيد..
فهم مارك ما يرمي اليه فقال بهدوء: فليكن لقد فهمت..
قال هشام وهو يتطلع من بعيد الى عزام الذي كان يراقب المكان وحيدا: علي ان انهي المكالمة الآن يا مارك .. لقد اجبت عليها فقط لاني شعرت انها قد تكون منك.. حاول ان تكون بخير دائما.. هل تعدني بذلك؟
ابتسم مارك بألم وقال وهو يتنهد: اعدك.. اهتم بنفسك جيدا.. و.. اشتقت اليكم كثيرا..
قال هشام وهو يغمض عينيه بألم: ونحن كذلك يا اخي.. الى اللقاء..
قال مارك بصوت اقرب الى الهمس: الى لقاء اامل ان يكون قريبا..
وانهى المحادثة وهو يشعر بخناجر تمزق قلبه.. عليه ان يضحي ويبقى هنا بعيدا عن شقيقه واهله .. بعيدا عن الناس الذي اعتاد عليهم واحبهم.. وكل هذا من اجل ان تنجح خطة انضمامه لهم ويستطيعون اجتياز خطوة كبيرة من اجل تحرير الوطن...
#########
توقفت غادة عن الجري بغتة.. والتفتت الى ما خلفها لتتطلع الى نقطة ما ..ودقات قلبها تتسارع بخوف وهي تقول: لقد اوشكت الثلاث دقائق على الانتهاء وجهاد لم يغادر المكان بعد.. الانفجار سيكون كبيرا بسبب السيارات الموجودة هناك..
غسان الذي توقف بدوره قال في سرعة: غادة لا تقلقي عليه..سيكون بخير.. هيا فلنسرع بالابتعاد..
اغمضت غادة عينيها بقلق قبل ان تسمع صوت اطلاق نار.. شهقت بقوة وقالت وهي تلتفت الى غسان: لقد اطلق ذاك الجندي على جهاد من جديد..
زفر غسان بحدة.. قبل ان يجذبها من معصمها ويجري معاها مبتعدا وهي تهتف به: ارجوك فلنعد له.. لن يتمكن من الفرار هذه المرة.. الانفجار سيشمل تلك المنطقة بأكملها..
قال غسان وهو يتنهد بألم مواصلا الجري: سيكون بخير باذن الله.. لقد اعتاد على مثل هذه المواقف.. سيستطيع ان يتدبر امره.. وسيكون بأمان..
قالت غادة وانفاسها تتسارع: اتمنى هذا..
وواصلا جريهما.. قبل ان تشهق غادة بفزع وهي تستمع الى صوت الانفجار الذي دوى في المنطقة بأكملها..وصوت الانفجار الذي تبعه بعدها بسبب انفجار احدى السيارات العسكرية.. مما جعل اللون الاحمر الدامي يمتزج مع اللون الازرق الداكن.. مع ارتفاع السنة اللهب نحو السماء..
وشعرت غادة حينها بأن الارض تهتز من تحت قدميها .. وقلبها يخفق بقوة.. اما غسان فقد قال وهو يتنهد براحة: حمدلله لقد نجحت المهمة..
وجدت غادة نفسها تغلق اذنيها بقوة مع انفجار السيارة الثالثة .. قبل ان تقول بصوت متوتر: يحب علينا العودة الآن .. اليس كذلك؟..
اومأ غسان برأسه ايجابيا..فقالت غادة وهي تشيح بوجهها نحو ألسنة اللهب: ولكن.. ماذا عن جهاد؟.. سنتركه هناك.. يصارع طلقات الجنود والانفجارات وحيدا.. وهو الذي رمى بنفسه في التهلكة من اجل نجاح المهمة..
قال غسان وهو يتنهد: صدقيني.. وجودنا الى جواره لن يساعده ابدا.. بل سيعيقه..
اغمضت عيناها وغرقت في تفكير عميق.. قبل ان تقول باصرار غريب: يمكنك ان تذهب .. اما انا سأتجه الى حيث جهاد.. وسأبحث عنه.. لن اتركه وحيدا.. مهما كان فلقد ساعدني كثيرا من قبل.. ومن واجبي ان اساعده الآن..
ووجدت نفسها تتجه في الاتجاه المعاكس نحو الانفجارات .. وصوت غسان من خلفها يهتف بها: ايتها الغبية.. عودي .. ستصابين بمكروه..
واصلت غادة جريها في ذلك الاتجاه وقالت: لا يهمني..
لم يجد غسان من حل امامه الا ان يتبعها وهو يقول بزفرة حادة: فليكن .. انا ايضا لا اشعر بالاطمئنان من ترك جهاد في هذا المكان وحيدا..
واسرعا نحو تلك البقعة من جديد.. مع صوت انفجار السيارة العسكرية الثالثة الذي صدح في الارجاء..
########
شعر فارس بأشعة الشمس تتسلل اليه من النافذة..ففتح عيناه وهو يتطلع من حوله قبل ان يتطلع الى ساعة يده التي اشارت للساعات الاولى من الصباح..
نهض معتدلا.. قبل ان يدس اصابعه بين خصلات شعره .. ويتوجه بعدها مغادرا الغرفة الى دورة المياه.. وبعد ان استعاد جزءا من نشاطه.. توجه الى المطبخ ليتناول شيئا من الطعام قبل ان يتوجه الى مكتبه..
:
:
وعلى الجانب الآخر كانت عهد تجلس على فراشها وهي تشعر بخوف وقلق كبير يعصران قلبها.. لا تعرف ما الذي حدث لألكس.. ارسلت له رسالة تحذيرية لكنه لم يجب عليها ابدا..
وتخشى ان اتصلت به.. يشك بالامر اكثر او يطالبها بالتفاصيل او تؤدي الى فشل المهمة.. لهذا ستنتظر حتى يعود افراد فرقة المقاومة.. وبعدها.. وبعدها ستتصل به لتطمأن عليه بكل تأكيد..
وبينما هي غارقة في افكارها حول ألكس .. انتشلها صوت طرقات على الباب .. وقبل ان تسأل عمن يطرق الباب.. جاءها صوت فارس وهو يقول: عهد.. افتحي الباب للحظة..
عقدت حاجبيها ولم تجب .. يحادثها وكأن شيئا لم يكن.. وكأنه لم يكشف حقيقتها لقائد فرقة المقاومة.. وكاد ان يتسبب في طردها من فرقة المقاومة لولا ان تفهم القائد هشام الامر..
لقد وثقت به وبأنه لن يفشي بسرها طالما هو موجود هنا.. لكن خاب ظنها به وفشى السر عند اول عائق.. كان ينبغي عليه اولا ان يتحدث اليها ويتناقش معها.. وستحاول ان تقنعه بوجهة نظرها او يقنعها هو بوجهة نظره.. بدل ان يتصرف كما يحلو له..حتى وان كان الامر من اجل حمايتي.. لن يخاف علي هو بأكثر مما اخاف انا على نفسي ..
سمعت طرقات فارس المتواصلة وهو يقول بعد ان زفر بحدة: فليكن لا تتحدثي.. لكني سأذهب للعمل الآن ان اردت اي شيء فقومي بارسال رسالة قصيرة على هاتفي المحمول ..
وسار في طريقه مبتعدا عنها ليغادر فرقة المقاومة بأكملها...
########
افاق ألكس من نومه على اصوات الجنود وهتافهم بالممر..وانعقد حاجباه بقوة وهو يسمع لصوت الجلبة وكأن شيئا خطيرا قد حدث.. نهض من فراشه في سرعة.. واتجه نحو الباب ليفتحه ويهتف في احد الجنود: ما الذي يحدث هنا..
اقترب منه الجندي وقال بتوتر: هناك عدة انفجارات حدثت في المنطقة الشرقية ..القريبة من اماكن توقف السيارات العسكرية..
انعقد حاجبا ألكس بقوة.. وتذكر كلمات عهد له (احذر يا ألكس .. احذر).. عهد كانت تعلم ان امر ما سيحدث..وانه قد يكون في خطر بسببه.. ولهذا ارادت تحذيره .. لكنه لم يستطع ان يفهم مم تحذره وقتها.. لكنه فهم الآن..
اغلق الباب بسرعة واستبدل ثيابه ليرتدي زيه العسكري.. ومن ثم قبعته العسكرية ويلتقط سلاحه على وجه السرعة ويدسه في حزامه..
قبل ان يخرج من غرفته ويهتف بالجنود: الفرقة أ والفرقة ب.. تجمعوا فورا..
توقف جنود الفرقتين عن الابتعاد باتجاه مخرج الطوارئ.. وتجمعوا بالقرب منه وهم يؤدون التحية العسكرية.. واحدهم يهتف في سرعة: سيدي القائد يجب علينا مغادرة المبنى فورا.. فيجب التأكد من سلامة المكان اولا وخلوه من اي متفجرات..
قال ألكس بحزم: لن يغادر احد المكان.. العدو تعمد تفجير السيارات العسكرية حتى لا نستطيع استخدامها في الذهاب الى اي مكان.. ولو كان بأمكانه تفجير المبنى لفعل هذا قبل ان يقوم بتفجير السيارات العسكرية..
قال الجندي بتوتر: لكن يا سيدي القائد.. مدير الجيش يقول ان هناك احتمالية في ان يكون العدو قد وضع اي متفجرات بداخل المبنى..
قال الكس بقوة: اتبعوني .. سنغادر المبنى لا لشيء سوى لفحص منطقة الانفجار.. ولنتمكن من كشف اي اثر يقودنا للعدو..
أدى الجنود التحية العسكرية وهم يهتفون في صوت واحد: امرك..
وتبعوا القائد ألكس الى خارج المبنى البريطاني الى الموقع الذي حدثت به الانفجارات قبل قليل..
#########
توقفت غادة في مكانها واخذت انفاسها تتسارع وهي تتلفت حولها وتقول: ليس هنا ايضا..
قال غسان في سرعة: غادة.. لن نجده بهذه السهولة..
قالت غادة وهي تخرج هاتفها المحمول من جيبها وتضعه امام عيني غسان: لقد اتصلت به عشرات المرات .. لكنه لا يجيب.. هل لك ان تفسر لي هذا الامرالا انه في خطر ؟..
قال غسان وهو يعقد حاجبيه: ليس بالضرورة.. ربما يكون منشغلا باشغال الجندي عن مكان الانفجارات و...
قاطعته غادة وقالت بحدة: منشغل؟.. اننا نبحث منذ نصف ساعة.. وقد توقفت الانفجارات وكذلك صوت اطلاق النار.. وهذا ليس له الا معنى واحد.. اما ان جهاد تمكن من تشتيت انتباه الجندي والفرار من المكان او تمكن من قتله حتى.. او ان يكون ما حدث هو العكس..وهذا ما لا اتمناه..
واكملت قائلة: فلنواصل البحث بدل ان نضيع الوقت.. ويكتشف امرنا من قبل الجنود البريطانيون ..
اومأ غسان برأسه قبل ان يواصل بحثه مع غادة عن جهاد في تلك المنطقة.. وبينما كانت غادة منشغلة في البحث في بقعة ما.. سمعت صوت غسان وهو يهتف بها بقوة: غادة.. تعالي .. لقد وجدته..
اسرعت غادة نحوه وقالت بسعادة: حقا.. اين هو؟.. ولم لم يجب على اتصالاتي او...
توقفت عن مواصلة حديثها عندما شاهدت عيني غسان المتألمتين وهو ينقل بصره نحو الرجل الممد على الارض وينحني نحوه ليضع اصبعيه على عنقه ويتأكد من نبضه..
وشهقت غادة حينها بقوة.. وهي ترا جهاد الممد على الارض والدماء تلوث قميصه بكامله..وهتفت قائلة وهي تنحني نحو جسد جهاد بدورها: ما به؟.. اخبرني مابه؟.. هل هو بخير؟.. هل هناك نبض؟..
واردفت وهي تعض على شفتيها بألم: كيف حدث له كل هذا كيف؟.. واين كنا نحن؟.. وكيف تركناه هكذا؟.. نحن اشخاص انانيون..فكرنا بانفسنا ولم نفكر في جهاد الذي ضحى بنفسه من اجلنا.. نحن انانيون..
صرخ فيها غسان قائلا: اصمتي ولا توتريني اكثر من هذا.. يكفيني ما انا به.. ان قلبه ينبض .. لكن النبض ضعيف .. هيا فلنحمله الى اقرب مشفى..
اومأت غادة برأسها ودموع الخوف والقلق والحزن تترقرق في عينها.. وشاهدت غسان وهو يحمله بكل قوة ويسرع به مبتعدا عن المكان وهو يهتف به: تماسك يا جهاد.. تماسك..
وتبعته غادة وهي تسرع في جريها وعيناها تتابع جسد جهاد..اما هذا الاخير فقد كانت انفاسه تتلاشى تدريجيا.. ونبضات ذلك القلب في تباطئ مستمر...
:
:
يتبع..
 
بــ الحب (46) والواقع ــين
::اتهام::



غادة التي لم تستطع قدميها حملها لأكثر من ذلك.. رمت نفسها على احد مقاعد الانتظار في ذلك المشفى الصغير.. وهي تنتظر أن يخرج الطبيب ويخبرهم عن حالة جهاد .. والذي دخل الى غرفة العمليات قبل ساعتين.. وما من جواب حتى الآن..
اما غسان فقد قال وهو يلتقط نفسا عميقا: سيكون بخير بإذن الله.. لقد كان يقاوم الموت ويتنفس حتى آخر لحظة احضرناه فيها الى هنا.. سينجو انا متأكد من هذا ..
قالت غادة والدموع تترقرق في عينيها: لكن.. الم ترى تلك الدماء التي نزفت منه؟.. الم تشعر بأنفاسه المتلاحقة؟.. لقد كان الامر اشبه بالاحتضار..
قال غسان بعصبية وهو يلتفت لها: اصمتي.. لا تتفوهي بمثل هذا الكلام..انه بداخل غرفة العمليات حتى الآن.. جهاد سيعيش.. انا واثق من هذا..
قالت غادة وهي تعض على شفتيها بالم وحزن شديدين: اتمنى هذا .. اتمناه..
تنهد غسان وجلس على المقعد المجاور لها وقال بهدوء: فلندعو الله ان ينجيه من ما يمر به..
اومأت غادة برأسها ودعت الله من اعماق قلبها ان ينجي جهاد من خطر الموت.. جهاد ذلك الانسان الذي لطالما ساعدها وضحى بنفسه في سبيل الحرية..
#########
ابتسم هشام وهو يدخل مع افراد فرقة المقاومة الى المنزل ويقول وهو يتنهد بارتياح: حمدلله لقد نجحت المهمة..
قال عزام وهو يضع يده على كتفه: وهذا بفضل الله سبحانه اولا..ومن ثم بفضل خطتك التي وضعتها..
قال هشام بصدق وهو يتطلع الى الجميع من حوله: بل بفضلكم جميعا.. لو لم يقم كل شخص فيكم بأداء دوره في المهمة .. لما لاقت هذا النجاح..
واردف وهو يبحث بعينيه: اين غادة وجهاد وغسان؟..
قال رائد بهدوء: اظن انهم قد غادروا الى مقر عملهم..
قال هشام وهو يعقد حاجبيه: ليس من عادتهم المغادرة قبل ان نجتمع معا بعد اداء المهمة..فليتصل بهم احدكم وليعرف الاخبار منهم..
اومأ عماد برأسه وقال بهدوء: انا سأفعل..
اما هشام الذي تذكر امر عهد .. قال وهو يشير لعزام ورائد بأن يتبعاه: تعاليا معي للحظة اود ان اناقشكما في امر هام..
استغرب عزام لوهلة لكنه تبعه الى المكتب المجاور..هو ورائد.. قبل ان يسمعا هشام يقول بهدوء: ما سأقوله ربما يثير غرابتكما وقد لا تقبلان به.. لكن اود ان تسمعوا رأيي بهدوء وقراري في هذا الامر.. وبعدها يمكن ان تخبروني بآرائكما حوله..
قال رائد وهو يعقد حاجبيه: اقلقتنا يا هشام..تحدث هيا..
قال هشام وهو ينقل بصره بينهما: عهد الذي انضم الى فرقة المقاومة منذ اكثر من شهرين.. وامسك السلاح ليقاتل معنا ضد العدو.. كان يخفي سرا عنا جميعا..سرا اضطر لاخفاءه حتى يضمن بقاءه في فرقة المقاومة..
قال عزام وعيناه متسعتان: لا تقل انه كان يعمل لحساب البريطانيون طول تلك الفترة!!..
قال هشام بابتسامة باهتة: لا.. الامر ابسط من هذا بكثير.. لكن قد لا يتقبله الكثير من الموجودين هنا.. لهذا قررت اخباركما اولا..وبعدها آخذ رأيكما في ان اخبر باقي الفرقة ام لا..
واكمل بجدية كبيرة: عهد التي بيننا ليست رجل بل فتاة..
اتسعت عينا رائد وعزام بكل قوة.. وقال الاخير وهو يتطلع له بعدم تصديق: اتقول الصدق؟..
اومأ هشام برأسه ايجابيا.. فقال رائد بغرابة شديدة: لكن كيف؟.. ولماذا فعل كل هذا؟..
قال هشام وهو يلتقط نفسا عميقا: سأخبركم بكل شيء.. لكن.. عدوني ان لا تتسرعوا بالحكم عليها.. لقد فعلت كل هذا من اجل هدف نبيل..
واخذ يخبرهم بكل ما عرفه عن عهد طوال تلك المدة.. وهو ينتظر رأيهما بشأن عهد.. وبقاءها في الفرقة..
##########
قال فارس وهو يتحدث عبر الهاتف ويلتقط نفسا عميقا:حسنا.. حسنا.. سآتي غدا الى مكتبك.. وسأتفاهم معك حول المبنى الذي تريده.. نعم لا تقلق.. سأجد لك المبنى حسب المواصفات التي ترغب بها..
ومن ثم اغلق سماعة الهاتف وواصل اكماله لعمله .. قبل ان يسمع طرقا على الباب وصاحبه يقول بمرح: الا زلت تعمل؟.. هيا فلنغادر لنتناول طعام الغداء..
قال فارس بلا اهتمام: لا داعي لتناول الغداء.. فلدي عمل هام اقوم به..
قال حازم بضيق وهو يقترب منه: فلتؤجل هذا العمل لما بعد الغداء.. هيا انهض الآن..
قال فارس وهو يزفر بحدة ويرفع رأسه الى حازم: حازم.. اخبرتك بأنني مشغول.. لهذا لن اتناول أي شيء قبل ان انهي العمل الذي بين يدي..
قال حازم وهو يحتل المقعد المجاور للمكتب ببرود: وانا كذلك لن اتزحزح من مكاني حتى تنهض معي ونتناول طعام الغداء..
قال فارس بسخرية: فلتبقى هنا حتى المساء اذا.. انت من سيجني على نفسك..
تطلع له حازم بطرف عينه.. ومن ثم اسند رأسه لمسند المقعد.. وظل يفكر في عدة امور.. قبل ان يلتفت الى فارس ويقول: كيف حال ابنة عمك معك اليوم؟..
قال فارس بسخرية مريرة: مثل الامس.. لم تتحدث او تبادلني كلمة واحدة.. ولم ار وجهها اليوم ايضا..
قال حازم وهو يعقد حاجبيه: لا تكترث لأمرها الآن.. ان ما تفعله مجرد رد فعل.. لكن صدقني .. ستتحدث اليك عما قريب.. انها لا تعرف احد سواك هناك في الفرقة..
قال فارس ببرود: اليوم هي آخر فرصة لها.. فإن ظلت على صمتها هذا.. سأغادر فرقة المقاومة بأكملها في الغد..
قال حازم وعيناه متسعتان: فارس.. لا تكن مجنونا.. هي فتاة وقد تسيطر مشاعرها على تفكيرها.. وتجعلها تقوم بأشياء قد لا ترغب بها لمجرد انها غاضبة او متضايقة..لا تفعل بها هذا وتتركها وحيدة هناك دون ان يكون هناك أي انسان الى جوارها..
قال فارس ببرود: لقد كنت الى جوارها دائما ولم تشعر بي يوما.. ومن حقي انا الآخر ان اغضب واتضايق بسبب تصرفها هذا.. ويكون رد فعلي هو مغادرة فرقة المقاومة بأكملها..
قال حازم بضيق: انت مجنون.. تريد ان تعاقب عهد فتعاقب نفسك في الوقت ذاتها..
قال فارس وهو يقرأ الملف الذي بين يديه: لست اقوم بعقاب نفسي..
قال حازم بحدة: بل تقوم بهذا.. ولا تنكر انك لا تستطيع ترك عهد وحيدة هناك ليوم واحد بين مجموعة من الرجال.. فكيف ان تركتها لمدة طويلة.. انت تعلم ان ضميرك سيأنبك لانك تركتها ورحلت.. لمجرد خلاف تافه..
قال فارس بعصبية: يكفي.. ما تسميه بالخلاف التافه هي من اعطته اهميته.. واعلنت الحرب علي وكل ذنبي اني خشيت عليها من الموت.. اهذا هو جرمي؟.. هل ارتكبت الكارثة عندما اردت ان احميها من خطر الموت الذي ترمي نفسها به؟؟..
وصرخ قائلا وهو يضرب الطاولة بقبضته: اخبرني .. هل اخطأت عندما كنت اريد ان احميها من جنونها هذا؟؟!..
وحاول ان يهدأ من نفسه وينظم انفاسه قبل ان يردف وهو يكور قبضته بألم: منذ البداية وهي لا تكترث بشيء .. تلك الغبية الحمقاء.. رميت بنفسي وسط الخطر من اجلها.. وفضلت الانضمام لفرقة المقاومة حتى احميها ممن حولها.. وكنت احاول ان امنعها من الاشتراك في أي مهمة حتى لا تصاب بأي مكروه.. وان اشتركت بالمهمة اشترك معها في المهمة ذاتها.. لاحاول ان اكون الى جوارها واحميها..وهي لم تهتم بكل هذا.. ولم تفهمه.. كل ما كان يهمها هو ان تكون في تلك الفرقة.. وعلي ان اراها ترمي نفسها وسط الجحيم والتزم الصمت.. وبعد ان قمت بخطوة واحدة وكشفت سرها للجميع .. قالت اني خنت ثقتها التي وضعتها بي.. في رأيها اني فعلت هذا لكي اجعلها تطرد من فرقة المقاومة بأية وسيلة.. لا ان احاول ان احافظ على حياتها..
ابتسم له حازم باشفاق وهو يرى نظرة الالم في عينيه.. فقال بابتسامة: لم اكن اعلم ان عهد غالية لديك الى هذه الدرجة.. اتعلم؟.. الآن فقط فهمت لم تفعل كل هذا من اجلها.. حتى وان انكرت.. فأنا الآن اصبحت متيقنا انك تحب تلك الفتاة وبكل جنون..
تطلع له فارس بنظرة متضايقة فقال حازم مردفا وهو يمنحه ابتسامة هادئة: وانا واثق لو ان عهد علمت بحبك هذا .. وعلمت بسبب كل ما فعلته لأجلها.. لشعرت بالذنب على صمتها الذي تجازيك به على وقوفك الى جوارها طول تلك المدة..
قال فارس ببرود: لا يهمني امر تلك الفتاة بعد الآن.. لو كنت سأبقى في فرقة المقاومة.. فلأجل عمي الذي اشعر انه يوصيني على ابنته في كل لحظة.. ولكن ان طال صمتها ذاك.. فسأغادر الفرقة بأكملها ولن اهتم بأي امر يخصها بعد الآن..
قال حازم وهو يتطلع الى ساعته: لن اصدق كلمة مما تقول.. فاعلم ان عهد مهمة جدا لديك.. والآن هيا انهي عملك حتى نتناول طعام الغداء.. والا اصبح عشاءا وانت تعمل بمثل هذا البطء..
قال فارس بسخرية: ومن كان يزعجني طوال الوقت بحديثه ويأخرني عن العمل..
قال حازم بمرح وهو يهز كتفيه: لا اعلم..
ابتسم فارس وواصل عمله .. وفي عقله كانت تدور افكار كثيرة كلها تتمركز حول عهد..والخطوة القادمة التي سيتخذها ان واصلت حربها الصامتة تلك...
##########
مسحت غادة عينيها لتخفي دموعها التي تساقطت بالرغم منها عندما تذكرت منظر جهاد وهو غارق في دماءه.. ورفعت رأسها لغسان الذي مد لها كأس من الماء وهو يقول: سيكون بخير باذن الله.. تفضلي واشربي .. وهدئي من روعك قليلا..
التقطت كأس الماء منه.. وشربت بعض رشفات منه قبل ان ترى غسان يقول وهو يضرب على جبهته: يا الهي.. لقد تركت هاتفي في وضعه الصامت..هناك 5 مكالمات لم يرد عليها من عماد..
قالت غادة بهدوء: فلتتصل به وترى ما الذي يريده؟..
قال غسان وهو يضغط على ازرار هاتفه: هذا ما سأفعله..
وسمعته يقول وهو يتحدث الى الطرف الآخر: اهلا..
وصمت قليلا قبل ان يقول: لقد كان على الوضع الصامت ..
واستمع لمحدثه قبل ان يقول بتردد: اجل انا وغادة بخير.. لكن جهاد...
وازدرد لعابه بتوتر قبل ان يقول وهو يتنهد بألم : لكن جهاد مصاب.. وفي غرفة العمليات الآن..
سمع صوت محدثه الخائف قبل ان يقول بصوت خافت: الطبيب يقول ان الرصاصة لم تصبه في مكان خطر.. لكنه قد فقد من الدماء الكثير.. وهذا ما ادى الى تباطئ في ضربات القلب..
وصمت قليلا قبل ان يقول وهو يتنهد: باذن الله.. حسنا اذا خرج الطبيب سأطمأنكم عليه.. الى اللقاء..
قالها وانهى المكالمة قبل ان يتنهد ويسند رأسه الى ظهر المقعد وهو يقول: الى متى سنظل ننتظر؟..
وتبع عبارته خروج الطبيب من غرفة العمليات.. فأسرع اليه غسان وهو يتساءل قائلا: كيف حاله يا ايها الطبيب؟.. اخبرني هل هو بخير؟..
غادة التي اسرعت الى الطبيب بدورها قالت وعيناها تترقرقان بالدموع: كيف حال جهاد يا ايها الطبيب؟..
قال الطبيب بارهاق: لقد نقلنا له كمية الدم التي فقدها.. واخرجنا من جسده الرصاصة.. يمكن ان اقول.. انه قد نجى من الموت الآن..
ابتسمت غادة بفرح وهتفت: حمدلله .. حمدلله..
اما غسان فقد قال متسائلا في سرعة: وهل يمكن ان نراه؟..
قال الطبيب وهو يهز رأسه نفيا: لا ليس الآن.. سننقله لغرفة خاصة بعد ساعتين وبعدها يمكن ان تروه.. انه بحاجة ماسة للراحة الآن..
تنهدت غادة بارتياح ومن ثم قالت: اشكرك ..
قال الطبيب بابتسامة هادئة: لم افعل الا الواجب..
قال غسان برمي بثقل جسده على المقعد: حمدلله .. الآن يمكن ان نعود الى منازلنا ونحن مطمئنين..
قالت غادة وهي تتنهد: سأبقى هنا ..
قال غسان وهو يعقد حاجبيه: وما الفائدة؟.. سيكون فاقد للوعي طوال الوقت..
صمتت غادة للحظة قبل ان تقول: لا اريد ان اتركه وحيدا كما فعلناها في ساحة المعركة..
قال غسان بهدوء وهو يقف بجانبها ويربت على كتفها: انه شاب شهم وشجاع وقد اراد التضحية بنفسه من اجل نجاح المهمة.. لكننا لم ننم منذ الامس.. ما رأيك ان نذهب للنوم.. وبعدها نأتي الى هنا لزيارته..
صمتت غادة ومن ثم قالت: حسنا.. لكن ساعتين لا اكثر ثم سأعود الى هنا..
ضحك غسان وقال: فلتفعلي ما تشائين.. اما انا فسأنام طوال اليوم.. وسآتي اليه عند حلول الظلام..
ابتسمت غادة .. واستدارت مع غسان لتغادر المشفى.. لكنها عادت لتلتفت وتلقي نظرة اخيرة على غرفة العمليات الي ينام بداخلها جهاد بهدوء..
#########
قال ألكس وهو يهتف في الجنود: اجتماع..
تجمعوا بالقرب منه فقال وهو يعقد حاجبيه: فليخبرني كل شخص عن تقريره بعد مسحه للمكان..
قال احدهم: هناك قنابل قد ثبتت تحت السيارات العسكرية..
قال آخر: هناك آثار الاقدام حول المنطقة القريبة من السيارات حتى الجانب الايمن منها..
قال ثالث: هناك بقعة دماء في المنطقة الغربية.. وقال جندي المراقبة انه قد اطلق على احدهم.. لكنه لم يتمكن من ايجاده..
اومأ ألكس برأسه قبل ان يقول بصرامة: يبدوا وان جنود المراقبة باتو مهملين في فحصهم للسيارات العسكرية هذه الايام..
قال احد الجنود في سرعة: ابدا يا سيدي.. لكن يبدوا ان الامر كان مدبر له من فترة.. لقد تغيرت الحراسة عند الثانية بعد منتصف الليل.. والثانية وخمس دقائق كان هناك حارس جديد للمنطقة.. يبدوا ان العدو قد استغل هذه الدقائق الخمس.. لينفذ خطته ويزرع القنابل في السيارات العسكرية..
كور ألكس قبضته بغضب قبل ان يقول: فليكن.. سأعرف كيف اتصرف.. هناك مصاب من بينهم.. فلتذهب المجموعة ب ولتبحث عن أي مصاب دخل الى المشفى بعد الساعة الثانية بسبب عيار ناري.. اما المجموعة ج فلتكمل بحثها في المنطقة عن أي ادلة جديدة.. والمجموعة أ فلتجهز تقريرها بما حدث وتسلمه الى مدير الجيش..
ادى الجميع التحية العسكرية.. وابتسم احد الجنود من بينهم وهو يقول متحدثا الى نفسه: ( لم ترو شيئا حتى الآن.. انتم تستهينون كثيرا بفرقة المقاومة.. لكنكم ستدفعون الثمن غاليا تدمير كل قطعة حجر في هذه البلاد)..
وابتسم بانتصار وهو يتوجه معهم للبحث في المستشفيات عن ذلك المصاب.. وعلى الرغم من كل شيء.. لم يشعر مارك بالخوف على من يتعالج في ذلك المشفى.. لانه متأكد بأن فرقة المقاومة ستجد حلا حتى لا يكتشف امر ذاك المصاب...
#########
قال عزام بهدوء بعد مدة قضاها بالتفكير الطويل: وجود عهد بيننا كان عاملا مساعدا لنا في مهماتنا الكثيرة... وخصوصا وانها قد اسرت هناك.. وقد اخبرتنا بموقع المبنى البريطاني.. لقد ساعدتنا دائما وحملت السلاح ودافعت عن وطنها.. وارى من الظلم طردها من الفرقة لمجرد انها فتاة.. فها هي ذي غادة تقاتل معنا كالبقية..
ابتسم هشام وقال: عين العقل.. وانت ما رايك يا رائد؟..
قال رائد بهدوء: مع عزام في رأيه.. ولكن من رأيي ايضا ان نخبر الجميع بحقيقة عهد.. فكما تعلم انها فتاة ويجب ان نتعامل معها على هذا الاساس من الآن فصاعدا..
قال هشام وهو يمسك بذقنه: معك حق في هذا.. اذا سأبلغ الجميع بهذه الحقيقة .. واخبرهم انها ستظل بيننا من الآن فصاعدا..
:
:
تنهد وهو يدخل فرقة المقاومة بعد ان فتح له عماد الباب.. كان مرهقا بسبب العمل الكثير الذي دفن نفسه فيه اليوم.. وكان يفكر في طريقة تصلح الوضع بينه وبين عهد في الوقت ذاته.. قبل ان يتخذ قراره الاخير...
ووجد نفسه يبحث عنها بعينيه في ارجاء المنزل.. ولما وجدها جالسة تقرأ صحيفة ما بصمت.. اقترب منها وابتسم وهو يقول: مساء الخير.. كيف حالك اليوم؟..
لم تجبه كالعادة.. وتوقع هو هذا الامر.. وسحب الصحيفة على حين غفلة منها متعمدا استفزازها .. فلربما تثور وتصرخ في وجهه.. لكنه تفاجئ عندما حدجته بنظرة صامتة وابتعدت عن المكان..
فزفر هو بقوة وقال بحنق: الى متى ستستمرين على عنادك هذا يا عهد؟.. الى متى؟..
اما عهد فكانت متوجهة للمطبخ حتى تبل ريقها ببعض الماء.. لكن صدمها ما سمعته هناك.. انشلت اطرافها لوهلة ولم تقوى على اكمال السير وهي تسمع سامر يتحدث الى شخص آخر..
كورت قبضتها بألم.. وعضت على شفتيها وبودها لو تصرخ في وجهيهما .. وهي تسمع ذاك الحديث الذي لازال متواصلا بينهما .. واحدهم يقول: يالوقاحة تلك الفتاة.. انضمت الينا على انها شاب.. وتركتنا نتعامل معها على هذا الاساس.. دون ان تأبه بحركات الشباب معها..
وقال الآخر بسخرية: ليس هذا فقط.. لا تنسى ايضا انها كانت تنام بالردهة غير آبهة بنظرات الشباب اليها.. أي وقاحة وصلت لها تلك الفتاة.. الهذه الدرجة هناك فتيات بهذا الشكل هذه الايام..
شعرت بالقهر .. بالظلم.. بالحنق.. من هم ليحكموا عليها؟.. من هم ليتحدثوا عنها بهذه الطريقة؟.. لقد فعلت كل هذا وتخلت عن انوثتها وقبلت بأن تكون رجلا وسط الرجال لأجل ان تنضم لفرقة المقاومة.. قبلت بأن تنام في الردهة وحيدة بدل ان تنام في احد الغرف مع مجموعة من الشباب.. وهي تعلم ان تصرفها كان خاطئا منذ البداية.. لكن لم يكن باليد حيلة..
واستمعت الى الاول وهو يقول باستهزاء: ولو لم يكتشف القائد امرها.. لظلت تخفي هذه الحقيقة عنا لوقت اطول.. وكأنها يعجبها تعامل الشباب معها على ذاك النحو..
كانت تريد ان تصرخ فيهم .. كانت تريد ان تفعل فعلا .. لكن لا تعلم لم الحروف اختنقت في حلقها فجأة.. ولسانها لم يلبي ندائها لتنطق و...
(يكفي..)
لم تكن هذه الكلمة الصارمة قد خرجت من بين شفتي عهد.. بل كانت من فارس.. الذي تبع عهد وشاهدها تقف بجوار المطبخ وملامحها تبدوا عليها الصدمة.. واستمع الى ما كان يقوله هذان الاثنان عن عهد.. ولم يحتمل ان يمس احد عهد بكلمة وهو واقف هكذا..
ووجد نفسه يدخل الى المطبخ ويقول وهو يتطلع الى سامر ورفيقه بعينين صارمتين: بودي لو اكسر فكيكما على كل كلمة نطقتماها في حق عهد.. لكن لن افعل هذا لانكما وللاسف من فرقة المقاومة التي تدافع عن الوطن.. وتنسى الدفاع عن ابناء الوطن..
وقال ببرود: عهد التي تتهمونها بهذه الالفاظ هي اشرف واعلى من كل هذا.. هي لم تفعل هذا الا لتنظم للفرقة .. لقد رأت امام عينيها مصرع والديها.. وقررت ان تنضم للفرقة لتنتقم لمقتلهما.. وعندما وجدت انه لا يقبل بالنساء في هذه الفرقة .. قررت ان تخفي نفسها وسط ثياب الرجال...
واردف بعصبية: اخبرني يا هذا.. هل فعلت يوما ما يسئ اليها؟.. هل اخطأت في تعاملها معكم؟.. الكل هنا يشهد باحترامها.. وانها على الرغم مما فعلت كانت تجلس وحيدة اغلب الوقت.. حتى تتفادى الجلوس معكم.. ولم تكن تنام في الردهة الا لأنها كانت لا تريد النوم في الغرفة مع مجموعة من الرجال.. هل فهمتما يا اصحاب العقول المغلقة؟..
قال سامر بسرعة: هذا ليس عذرا مجرد وجودها بيننا هو اكبر خطأ ولم يكن ينبغي عليها ان تبقى وسط مجموعة من الرجال وتنام بينهم و...
قاطعه فارس ليقول بصرامة: ما تقوله هو الذي يعتبر اكبر خطأ.. انت تتهم فتاة في شرفها..من انت لتتهم الناس جزافا هكذا؟؟..
شعرت عهد بالامان.. احساس لايتولد بداخلها الا بوجود فارس بجانبها.. شعرت ان لها شخص في هذا العالم تعتمد عليه.. شخص يمكن ان يواجه العالم من اجلها لو واجهتها أي مشكلة..
لكن.. ما اثار غرابتها حقا ان هو اول من اتهمها بخطأ معاملة الشباب لها في فرقة المقاومة؟.. فلم يدافع عنها الآن؟.. الأنه لا يقبل ان يمسها احد بسوء؟..
ووجدت فارس يقول بعصبية شديدة: فليكن..سنغادر هذا المكان بأكمله..ولتبقيا انتما فيه.. وهذا افضل للجميع..
اتسعت عينا عهد بقوة وشعرت بيد فارس التي تجذبها معها نحو الردهة ومن ثم نحو الباب الخارجي.. حاولت ان تجذب يدها مرارا وتكرارا ..لكنها لم تستطع ان تجذب كفها من قبضة يده التي تقبض على معصمها بكل قوة..
تعلم انه لن يغير قراره شيء مادام الامر قد وصل الى اتهامها بتلك الطريقة.. وخفق قلبها بقوة وهي تجد يده تجذب مقبض الباب ويفتح الباب.. ولكن ما منعه من الخروج لحظتها كان هشام الذي كان يقف خلف الباب بخارج المنزل.. وقد وصل للتو وكاد ان يطرق الباب لولا ان فتح على غفلة منه..
وقال باستغراب وهو يتطلع الى عهد وفارس: الى اين انتما ذاهبان؟..
قال فارس بغضب: الى الجحيم.. ما دام افراد فرقة المقاومة لا يقبلون بعهد بينهم .. ويتهمونها اتهامات وقحة..
انعقد حاجبا هشام بقوة ومن ثم قال بجدية: لا عليك يا فارس.. سأتولى الامر بنفسي في هذا الشأن.. فقط ادخل واجلس هناك.. ولن يضيع حق عهد ابدا.. اعدك بهذا..
قال فارس بعصبية: لن ابقى ولا دقيقة واحدة في هذا المكان.. لقد كان ذاك الوغد يلمح بعدم رغبته بوجود عهد في هذه الفرقة.. فلم نبقى فيها بعدها؟..
قال هشام وهو يدخل المنزل ويغلق الباب خلفه ويربت على كتف فارس: اهدئ لا يحق لأحد ان يطردكما وانا موجود هنا.. انا قائد فرقة المقاومة وانا من يقرر من عليه البقاء هنا.. او الرحيل..
واردف وهو يتسائل بجدية: من تحدث بتلك الكلمات في حق عهد؟..
اشاح فارس بوجهه دون ان يجيب.. فقال هشام ببرود: فليكن.. سأعرف من هو بنفسي..
واكمل طريقه مبتعدا.. اما عهد فقد جذبت يدها من كف فارس واتجهت لتجلس على احد المقاعد وهي تطرق برأسها قليلا.. والدموع تترقرق في عينيها.. من الصعب ان تتهم الفتاة بمثل هذه الاتهامات الشنيعة.. ان شرف الفتاة اغلى ما عندها.. فكيف ان تحدث احد عنها وكأنها احدى الفتيات الـ...
لم تقوى على التفكير اكثر ووجدت نفسها تعض على شفتها السفلى بقهر وتمسح دمعة تمردت لتسقط على احدى وجنتيها..
وسمعت صوت فارس يقول بعصبية وقتها: ايعجبك ما حصل الآن؟؟.. اخبرتك ان وجودك بينهم على ذلك النحو ليس مقبولا ابدا.. انت السبب في ذلك.. لو استمعت الي وخرجنا من هذه الفرقة منذ البداية لما تحدث احد عنك بسوء.. لقد جلبت لنفسك القيل والقال من هذين الحقيرين..
رفعت عهد رأسها اليه وقالت وهي تهتف بصوت مختنق: بل انت السبب .. انت.. لو لم تخبرهم بحقيقتي لما حدث ما حدث.. لما تجرأ احدهم ومسّني بسوء.. لقد جعلتهم يتحدثون عني بطريقة وقحة لا تقبلها أي فتاة على نفسها.. انت السبب..
شعر بالشفقة عليها وهو يراها تمسح دموع عينيها بأناملها.. فأقترب منها وجلس بجاورها وهو يقول بهدوء: يكفي يا عهد.. انت تعلمين السبب وراء اخباري لهم بحقيقتك.. لقد كنت احاول حمايتك من خطر الموت..
ولما لم تجبه.. زفر بضيق وهو يتطلع الى ساعته ويقول: لو لم يحل هشام الامر خلال ساعة.. فسنغادر هذا المكان بأكمله.. ولن انتظر دقيقة اخرى بعدها هنا..
تنهدت عهد وهي تأمل ان يمر كل شيء على خير.. مهما حدث في هذه الفرقة.. لا تزال متعلقة بوجودها فيها.. ولا تريد مغادرتها.. لا تعلم السبب الحقيقي لهذا.. وكأن هناك شيء يدفعها للبقاء.. اهو دافع الانتقام القديم؟؟.. ام انه الولاء للوطن الذي هو شعور أي انسان تجاه بلده؟؟.. ام انها الرغبة في مساعدة ألكس عند الخطر؟؟!..
نفضت تلك الافكار عن رأسها عندما وصلت للاحتمال الاخير.. ووجدت نفسها تنتظر مع فارس ان يحاول هشام معالجة المشكلة بدلا من ان تضطر لمغادرة فرقة المقاومة مع فارس.. الذي لن يتراجع عن كلمته هذه ابدا كما هو واضح..
:
:
يتبع..
 



بــ الحب (47) والواقع ــين
::رحيل::​


اجتمع افراد فرقة المقاومة اثر نداء عزام المفاجئ لهم.. وتجمعوا جميعا في الردهة الواسعة وهم يتطلعون الى هشام الذي ظل واقفا في صدر الردهة و يتطلع لهم بصمت..
لم يكن احد منهم يدرك ما يدور في ذهنه لحظتها .. لكنهم كانوا مترقبين لما سيقوله.. وشعروا لحظتها ان اجتماعهم هذا ينطوي على امر خطير نوعا ما..
وعزام الذي توجه الى آخر افراد فرقة المقاومة..وقال وهو يتطلع الى فارس وعهد: انضما الينا انتما ايضا.. فالامر هام.. وهشام يريد ان يناقش الجميع فيه..
نهضت عهد من فورها وتوجهت لتقف مع الجموع.. وتبعها فارس ليقف الى جوارها تقريبا ..
وعندها نقل هشام بصره بين الجميع .. وبعدما رأى ان العدد قد اكتمل .. قال بهدوء شديد: لدي قرار اتخذته بعد تفكير.. وارغب في ان اشارككم اياه.. لأعرف برأيكم حوله..
انصت له الجميع بكل اهتمام فقال هو بحزم: قررت ان اتنحى عن منصبي هذا كقائد لفرقة المقاومة..
صُدم الجميع من تلك العبارة التي نطق بها قائدهم للتو.. وتفاوتت ردات الفعل بين احتجاجات من بعضهم.. وتساؤلات من آخرين وهم يرغبون في معرفة سبب هذا القرار المفاجئ..
اما عهد فقد شهقت وهي تضع كفها امام فمها وتشعر ان قرار القائد هذا قد كان بسببها هي..
ووجدت رائد يسأل هشام وهو يقول بدهشة وعدم رضا: ولم هذا القرار يا ايها القائد؟؟.. ما الذي يدعوك لأن تتخلى عن منصبك الآن؟؟.. لقد اخترناك جميعا لتكون قائدنا.. ولن يرضينا ابدا ان تترك القيادة لشخص آخر الآن..
قال هشام بصرامة وهوينقل بصره بينهم جميعا ويحاول التعرف على من تفوه بتلك الكلمات في حق عهد: ولم اكون قائدكم؟.. ما دام في هذه الفرقة اشخاص يقومون بطرد افراد الفرقة كما يحلو لهم .. ويتفوهون بكلمات غير مناسبة في حقهم..
قال عماد مستغربة: من هؤلاء الذين تتحدث عنهم يا هشام؟..
قال هشام ببرود: لا يهم ان تعرفوهم..كل ما في الامر انه لم يعجبهم وجود عهد بيننا في هذه الفرقة .. ولهذا تمادوا وتفوهوا بكلمات غير لائقة في حقها.. ووصل الامر الى التلميح بالطرد لها..
تبادل البعض العبارات فيما بينهم.. اما هشام فقد واصل قائلا: دعوني اخبركم بأمر ما اذا.. هل اخطأت عهد في حق احدكم يوما ما؟؟.. الم تقف معنا في هذه الفرقة بكل شجاعة وقوة على الرغم من انها فتاة؟؟.. الم تدافع عن وطنها وحملت السلاح لتواجه الاعداء كما فعلنا جميعا؟.. الم تساعدنا في الوصول الى المبنى البريطاني؟ .. فلم يحدث كل هذا الآن؟.. اترغبون بطرد عضوة من الفرقة لمجرد انها فتاة؟.. الم تفكروا يوما لم هي هنا؟.. ولم فعلت كل هذا؟.. اجيبوني بالله عليكم؟.. الم يشعر احدكم بالفخر لوجود فتاة صغيرة السن وشجاعة مثلها؟..
من بعيد كانت عهد تستمع لكل هذا وتبتسم وفي عينيها حملت مئات من كلمات الشكر والامتنان لهشام .. انه يفعل كل هذا لاجلها.. انه يرغب بوجودها بينهم ويرغب في ان تكون منهم.. لقد قال انه يشعر بالفخر لوجودها بينهم على الرغم من انها خدعتهم جميعا منذ البداية فيما يتعلق بكونها فتاة..
ووجدت ابتسامة امتنان تطفو على شفتيها تجاه هذا القائد العظيم..
ومن جهة اخرى كان سامر يشعر بالغيظ مما يحدث وخاصة وهو يستمع الى كلمات الرضا من افراد فرقة المقاومة.. وانهم راغبون في وجودها بينهم.. فقال بحنق: ايها القائد.. صحيح انها فعلت كل هذا.. لكن وجودها منذ البداية كان خطئا.. هذه الفرقة لا تقبل الا بالرجال وهذا قانون قد وضعته انت.. ثم وضعها هنا لن يكون مقبولا وسط مجموعة من الرجال.. وكيف يمكنها ان تتعامل معنا وهي الفتاة الوحيدة بيننا..
ابتسم هشام بسخرية وقد فهم ان سامر هو الغير راغب بوجود عهد منذ البداية.. فقال ببرود: سامر .. اظن انك مخطأ في رأيك هذا.. فقد كانت سوزي من قبلها هنا.. ولم ارك تعترض على وجودها.. والآن غادة التي لا تزال تقاتل معنا.. وكذلك لم تقل شيئا عن هذا القانون الذي وضعته.. ولتدرك سبب وضعي لهذا القانون ليس لكي امنع وجود الفتيات بيننا.. بل لكي احافظ على سلامتهن.. ولنكون نحن سبب في حمايتهم بدل ان يخاطرن بحياتهن في سبيل الحرية.. وما دام ان عهد ترغب في التواجد بيننا ولديها كل الرغبة في ان تقاتل ضد الاعداء .. فلن امانع ابدا في وجودها.. وان قصدت بقولك هذا تعاملها معنا.. فهي لم تفعل الخطأ ابدا.. كانت تجلس وحيدة اغلب الوقت .. او مع فارس .. اما نومها فهاهي ذي تراها تنام في تلك الغرفة التي كانت تنام فيها سوزي من قبل..
كاد سامر ان يعترض اكثر لكن اصوات افراد فرقة المقاومة طغت على صوته.. وكل منهم يهتف: من قال ان وجودها يضايقنا يا ايها القائد.. على العكس وجودها فخر لهذه الفرقة..
وقال آخر: لقد قاتلت بشجاعة معنا .. ولن يرضيني ابدا ان يتم طردها من هذا المكان..
وقال ثالث: ايها القائد لقد كان وجودها بيننا هو الطريق الذي وصلنا به الى المبنى البريطاني.. وقد كان لوجودها بيننا اكبر فائدة على هذه الفرقة ونجاح مخططاتها..
ابتسم هشام برضا .. والتفت ليتطلع الى عهد التي منحته نظرة امتنان وابتسامة واسعة تدل على سعادتها لكل ما قاله من اجلها.. ورأت هشام يرفع يده لها ويشير لها بعلامة (o.k) ..
فهمت عهد ما يعينه باشارته هذه .. وان كل شيء الآن على ما يرام.. وقبل ان تتوجه للقائد وتشكره بنفسها.. شعرت بيد توضع على كتفها..
فالتفتت لترى صاحبها والذي لم يكن الا فارس ..شعرت به وهو ينظر اليها بنظرة غامضة وشفتيه تحملان ابتسامة هادئة.. حاولت ان تفهم معنى نظرته لكنها لم تنجح.. والشيء الوحيد الذي فهمته انه بابتسامته لها يريد ان يقول انه سعيد لاجلها..
وشاهدته ينسحب من هذه الجموع مبتعدا.. تاركا اياها وحيدة وسطهم.. لم تعلم لم لحظتها شعرت بالضياع.. بانها قد فقدت شيئا هاما..بأنها باتت وحيدة منذ هذه اللحظة.. شعرت بخفقات قلبها تدق مسرعة .. وكأنها تنبؤها بأن شيء ما سيحدث..
بحثت عن فارس بعينيها وسط افراد فرقة المقاومة بعد ان اختفى عن عينيها ولكنها لم تجده.. شعرت بالخوف يدب في اوصالها ويرجف قلبها..
ووجدت نفسها تندفع من بين الجميع لتبحث عنه.. وتتلفت حولها يمينا ويسارا .. لعلها تجده.. لكنه لم يكن هناك ابدا.. لم تعلم لم سقطت عيناها على ذلك الباب الذي يفصلها عن العالم الخارجي..
واسرعت تندفع لتفتحه وتخرج منه الى خارج الفرقة.. وهناك لم ترى احدا ابدا.. وشعرت بقدماها تأخذانها الى المكان الذي يوقف فيه فارس سيارته دائما..
وقبل ان تواصل سيرها شعرت باهتزاز الهاتف في جيبها اسرعت تخرجه من جيبها وتفتح الرسالة القصيرة التي وصلتها للتو.. ولوهلة لم تستوعب كلماتها .. لقد كان صادقا.. لم يكن يمزح ابدا.. لقد قرر الرحيل عنها.. وعادت لتقرأ تلك الكلمات وهي لا تزال تحت تأثير صدمتها بما حدث ( اهتمي بنفسك جيدا يا ايتها المجنونة .. الجميع عرف بحقيقتك الآن.. واظن ان مهمتي قد انتهت..اعلم ان وجودي قد بات مصدر ازعاج لك.. لهذا فالانسحاب افضل لكلينا.. الوداع)..
عضت على شفتيها بقوة وهي تهتف بكل حنق وانفعال: احمق .. غبي.. اكرهه.. اكرهه..
وسارعت بخطواتها تجاه سيارته.. وحينها فقط رأت سيارته التي تبتعد عن المكان.. وهنا فقط وجدت نفسها تصرخ بأعلى صوتها: عد يا فارس.. عد ارجوك..
وترقرقت تلك الدموع في عينيها وهي ترى اضواء السيارة تتلاشى تدريجيا.. وعضت على شفتيها لعلها تمنع تلك الدموع من التساقط.. وهي تشعر ان هناك قبضة تعصر قلبها..
وشعرت برؤيتها وقد بدأت تتشوش وانتصرت تلك الدموع لتتساقط على وجنتيها ولتعلن رحيل آخر شخص في حياتها وانسحابه منها بكل ألم..
وشاركتها السماء تلك الدموع.. فدوى صوت الرعد واضاء البرق ارجاء السماء.. وتجمعت تلك الغيوم السوداء.. لتعلن سقوط اول قطرات المطر على تلك الارض التي ارهقها الاستعمار..
########
سارت غادة بين ممرات المشفى وهي على عجلة من امرها.. حتى وصلت اخيرا الى الاستقبال.. فسألت الموظف هناك عن غرفة جهاد.. وارشدها اليها.. فتوجهت الى هناك وطرقت الباب طرقات خافتة.. قبل ان تشعر انها ربما تزعج جهاد بطرقاتها.. فدلفت الى الداخل.. وابتسمت وهي ترى جهاد الممد على الفراش ..
اهم شيء انه بخير الآن ولم يصب بمكروه..اقتربت اكثر من فراشه ووقعت انظارها حينها على كتفه المضمد.. وشعرت بالشفقة عليه..لقد كان يعاني هناك وحده.. يتجرع الالم وحيدا ولم يحاول حتى ان يتصل باحدهم ليخبره انه في خطر.. لقد خشى على فشل المهمة اولا.. وخشى ان يعرضهم للخطر لو تقدموا من موقع الانفجار.. او ان يكتشف ذاك الجندي وجودهم..
ابتسمت وهي تتطلع اليه وهو غارق في نومه.. االى هذه الدرجة تحمل حبا لمن حولك يا جهاد؟.. االى هذه الدرجة لم تهمك نفسك وفضلت عليها نجاح المهمة وسلامتنا انا وغسان؟..
تطلعت اليه بامتنان.. قبل ان تجذب لها مقعدا وتجلس بجوار فراشه.. وتنهدت وهي تستند للمقعد..وتتذكر كيف ان غسان تدبر امر وجوده في المشفى حتى لا يعلم احد من البريطانيين بوجود جهاد هنا..
وقتها اتجه غسان الى الطبيب المشرف على حالة جهاد وطلب منه ان يتكتم على سبب الاصابة الذي تعرض لها.. وان يقول ان سبب اصابته هي حادث.. وعندما لم يوافق الطبيب.. اضطر غسان لان يخبره بشيء من الحقيقة ..
اخبره ان جهاد قد اشتبك مع احد الجنود البريطانيون وانهم لو علموا بوجوده هنا سيقتلونه على الفور.. وبعدها قرر الطبيب التعاون معهم.. وان يغير في اوراق جهاد قليلا...
مددت ذراعيها نحو الاعلى وهي تشعر بتعب فظيع.. فهي لم تستطع النوم لأكثر من ساعة.. فما اصاب جهاد شغل ذهنها.. وجعلها تنهض مسرعة وتعود الى المشفى لكي تطمئن عليه..
وحينها فقط لمحت بعض حاجات جهاد خاصة التي تم وضعها الى جواره.. وارتفع حاجباها بدهشة.. وهي ترى ان لجهاد هاتفين محمولين.. لا واحد..
التقطت احدهما وتذكرت انه هو نفسه الذي منحها اياه جهاد عندما ارادت التأكد من هوية ذلك المجهول الذي يرسل لها رسائل غامضة..وعندها كان رقم جهاد مختلفا عن رقم ذلك المجهول..
اعادت الهاتف الى مكانه.. والتقطت الآخر.. شعرت بفضول شديد لأن تفتح هذا الهاتف وترى مابه.. لا لشيء الا لكي تتأكد من هوية ذلك المجهول فربما يكون هو جهاد..
تعلم انها ستفعل الشيء الخطأ بالاطلاع على حاجيات الآخرين.. لكن فضولها كان اقوى منها.. ووجدت نفسها تفتح الهاتف .. وتنتظره حتى يبدأ بالعمل.. وبعدها شعرت بضربات قلبها تتسارع وهي تضغط الزر وتدخل بعدها الى القائمة ..
ضغطت على اسهم التحريك حتى وصلت الى خانة الرسائل.. وبعد تفكير وتردد لبعض الوقت.. ازدردت لعابها وحسمت امرها لتضغط على زر فتح صندوق الوارد و...
فجأة شعرت بالهاتف يسحب من بين كفيها.. شعرت بالخوف لوهلة وهي تلتفت لتعرف هوية من سحب الهاتف من يدها.. وتنهدت وهي تقول: غسان هذا انت..
قال بابتسامة وهو يعيد الهاتف الى مكانه: من غير اللائق ان تطّلعي على ما يحويه هاتف جهاد.. صحيح؟..
قالت في سرعة مدافعة عن نفسها: لم اقصد الاطلاع على ما فيه.. لكني كنت اريد التأكد من شيء ما..
قال بابتسامة خبيئة: شيء؟.. مثل ماذا؟.. ان لا يكون على علاقة بفتاة ما مثلا؟..
قالت بحنق: كلا.. ليس هذا ما عنيته.. لقد ذهبت بعقلك بعيدا ..كل ما هنالك هو انني اريد ان اعرف هوية ذلك الشخص المجهول .. لقد اخبرتك من قبل ان هناك رسائل مجهولة تصلني.. ولم اعرف الى الآن من هو مرسلها.. والغريب في الامر ان مرسل الرسالة يعرفني ويعرف تحركاتي.. فبالتأكيد هو شخص قريب مني..
قال غسان بابتسامة واسعة: وقد كنا نحن اول المشتبهين .. صحيح؟..
قالت وهي تهز كتفيها حتى تبعد الاحراج عنها: وماذا عساي ان افعل؟.. وانتما اقرب شخصين لي في جهاز الشرطة وفي فرقة المقاومة..
قال غسان وهو يجذب مقعدا ويجلس بالجوار منها: وما نوعية هذه الرسائل؟..اعني قد شاهدت احداها من قبل وقد كان ذلك الشخص يحذرك من امر ما.. فهل تغير فحواها ام لازالت رسائل تحذيرية..
قالت غادة وهي تهز رأسها نفيا: ابدا.. لم يتغير فحوى تلك الرسائل..كلها رسائل تحذير لي كلما رغبت في الاشتراك بمهمة ما..
ابتسم غسان وقال بمرح: ولم انت متضايقة؟.. لديك من يخشى عليك ويهتم لأمرك.. وفوق هذا يحاول تحذيرك كلما اشتركت في مهمة حتى لا تعرضي نفسك للخطر..
ابتسمت غادة وقالت بصوت خفيض: اولا اخفض صوتك.. فنحن نزعج جهاد بحديثنا هذا.. وثانيا.. انا لست منزعجة الا من كونه شخصا مجهولا بالنسبة لي.. اريد ان اعرف من هو.. من يكون.. ولم لايعرف عن نفسه؟.. لم لا يخبرني من هو؟..ما السبب وراء احاطة نفسه بكل هذا الغموض؟..
قال غسان بصوت خافت: من يدري؟.. ربما كان يفضل ان يساعدك على هذا النحو؟.. او ربما هو شخص تكرهينه ولن تستمعي الى تحذيراته ان عرف عن نفسه..
قالت غادة وهي تلتقط نفسا عميقا: لا اعرف اي شخص اكرهه الى هذه الدرجة .. وان وجد.. فهو لا يعلم اي شيء عني او عن المهمات التي قمت بالاشتراك بها في فرقة المقاومة.. فلست اكره اي انسان من فرقة المقاومة.. او من جهاز الشرطة..
قال غسان بهدوء: جيد اذا فقد حصرت الاشخاص على الموجودين في فرقة المقاومة فحسب.. والآن حاولي ان تعرفي من يكون..
قالت غادة وهي ترفع حاجبيها: وكيف ذلك؟..
قال غسان وهو يبتسم بسخرية: بأخذ هاتف كل شخص من فرقة المقاومة والاطلاع على محتوياته.. او ان تتصلي من هاتفهم لهاتفك المحمول..
قالت غادة بحنق: هذا ما كنت سأفعله لولا انك جئت وافسدت علي الامر..
(الم تزعجاني بأحاديثكما المستمرة.. انتما الاثنين؟؟)
التفت كلاهما الى مصدر العبارة وهتفت غادة بفرح: جهاد.. حمدلله على سلامتك..
اما غسان فقد نهض من مجلسه وربت على كفه وهو يقول: حمدلله على سلامتك يا ايها البطل..
تطلع له جهاد بصمت .. في حين اردف غسان وهو يغمز بعينه: لقد قاومت الموت بكل اصرار حتى لحظة وصولك الى هنا.. االى هذه الدرجة انت متمسك بالحياة ولا تريد ان تفارقها؟..
قالت غادة باستنكار: غسان ما هذا الكلام؟؟..
اما جهاد فقد قال بهدوء: دعيه ليقل ما يقوله.. لكنه في النهاية قدري.. فلم يكتب علي الموت بعد..
تطلعت غادة الى غسان بحنق.. قبل ان تقول وهي تلتفت الى جهاد: هل تشعر بأي ألم؟..
هز رأسه نفيا ولم يعلق.. في حين قال غسان بابتسامة: لقد اتصلوا ليطمئنوا عليك من فرقة المقاومة.. سأتصل بهم الآن واخبرهم انك قد افقت.. وان كل شيء على ما يرام..
قال جهاد بهدوء: اخبرهم ان لا داعي للقلق.. مجرد اصابة في الكتف وسأشفى منها عما قريب..
اومأ غسان برأسه قبل ان يبتعد عنهما قليلا لكي يتصل بعماد ويخبره بحالة جهاد.. اما غادة فقد وجدتها فرصة لتتساءل وتقول ببعض الشك: جهاد.. هل لي ان اطلب طلبا؟..
اعتدل في جلسته ومن ثم قال: تفضلي..
قالت ببعض التوتر: اعلم انه ليس الوقت المناسب للحديث ولكن...
صمتت لوهلة قبل ان تردف: لكن ارغب باستخدام هاتفك.. هل هذا ممكن؟..
كان فضولها اكبر من ان تستطيع ردعه في تلك اللحظة وهي تتخيل ان جهاد هو ذلك المجهول الذي يحذرها دائما.. اما جهاد فقد قال: بكل تأكيد..
ابتسمت وهي تلتقط هاتفه الآخر وتقول: شكرا..
لكن قبل ان تضغط على اي زر.. وجدت جهاد يجذب الهاتف من يدها وهو يقول: المعذرة ولكن هذا الهاتف ليس لي.. يمكنك استخدام الآخر..
شعرت بالشك نحوه بسبب تصرفه هذا.. فقالت متسائلة وهي تعقد حاجبيها: ليس لك وتحمله معك طوال الوقت؟.. اذا لمن قد يكون؟..
قال وهو يعيد الهاتف الى مكانه: لشقيقتي.. وقد اعطتني اياه لآخذه للتصليح يوم تنفيذ المهمة..
اقتنعت نوعا ما وقالت: حسنا لقد فهمت..
منحها هاتفه الآخر وقال: يمكنك استخدام هذا..
التقطته منه وقالت: اشكرك..
لم تجد لديها من خيار الا ان تستخدمه في ارسال رسالة فارغة الي هاتفها المحمول.. ومن ثم تمسح رسالتها من الرسائل المرسلة حتى لا يشك بأمرها..
وقالت بابتسامة مصطنعة وهي تعيد الهاتف اليه: شكرا..
اخذ الهاتف منها وقال: العفو..
واعاد الهاتف الى مكانه بهدوء وان كانت غادة.. لا تزال تشعر ببعض الشك تجاهه .. وتجاه الهاتف الآخر الذي ادعى انه ليس ملكا له..
########
ابتسم مارك بانتصار وهو يدخل الى غرفته ويغلق الباب خلفه.. كما توقع.. ففرقة المقاومة لن تسمح لهم بالوصول الى ذلك المصاب بسهولة..
فبعد كل محاولاتهم في البحث عن ذلك المصاب في كل المستشفيات.. لم يصلوا الى شيء ابدا.. ففي نفس ذلك اليوم والتاريخ.. لم تكن هناك اية اصابات بطلق ناري.. وبهذا توقفوا عن البحث وعادوا الى المقر البريطاني بخفي حنين..
لوهلة شعر بالخوف والقلق يسيطر عليه.. وهو يتخيل ان ذلك المصاب قد يكون هشام..واغمض عينيه وهو يحاول ان يبعد عن ذهنه صورة هشام الغارق في دماءه..
تنهد بحزن وهو يتمنى لو كانت لديه وسيلة اتصال.. تصله بهشام دائما حتى يتمكن من الاطمئنان عليه..
خطرت على ذهنه سوزي .. يعلم انها الوحيدة القادرة على على مساعدته وفي اعطاءه هاتفا ليطمئن على شقيقه بواسطته..
لكن في الوقت ذاته لا يريد ان يعرضها للخطر .. ولو علموا ان هناك اي صلة بينهما او انها تساعده.. فسوف يشكون بأمرها وخصوصا انها لم تخبر احدا عن كونها تعرفه .. وهو ايضا لا يرغب لأحد ان يعلم بهذا الامر .. حتى يمكنه ان ينفذ خطته بهدوء.. وان كشف امره من قبلهم..فسيتحمل هو لوحدة المسئولية.. لا يريد ان يعرضها هي للخطر ايضا..
سيجد حلا بكل تأكيد حتى يمكنه الوصول اليها وطلب الهاتف منها ..اغمض عينيه بتفكير قبل ان تخطر على ذهنه فكرة قرر تنفيذها .. وعلى الفور التقط ورقة صغيرة من دفتر الملاحظات الموجود بجوار فراشه .. واسرع يخط عليها بضع كلمات قبل ان يكورها في قبضته ويغادر الغرفة..
وسار بخطوات واثقة حتى وصل الى المشفى الموجود بالطابق الثاني.. وهناك بحث بعينيه عن سوزي.. وسار في الممر ببطئ متعمدا وهو يتمنى ان يجدها.. وما ان رآها تخرج من احد الغرف .. حتى حاول يخفي ابتسامته وهو يقترب منها ويصطنع انه ليس على معرفة بها..
وسوزي التي شاهدته يقترب منها.. تطلعت اليه بحيرة.. قبل ان تتذكر طلبه اليها.. انه لا يريد لاحد ان يعلم عن علاقتهما..
لذا لم تجد امامها الا ان تحمل ملف المريض الذي بين يديها وان تواصل طريقها الى مكتب المدير المشرف على حالته..
وفي وسط افكارها.. شعرت بغتة باصطدام احدهم بكتفها .. ويده اليسرى تلقي بالملف الذي بين يديها على الارض.. التفتت اليه بحدة وكادت ان تصرخ في وجهه بسبب انه تعمد رمي الملف.. لكن ما ان رأت انه مارك.. حتى آثرت الصمت وهي تتطلع اليه..
اما هو فقد قال مصطنعا الاسف: معذرة يا آنسة..
وهبط بمستواه الى حيث الملف الذي سقط على الارض ..والتقطه بخفة وهو يدس تلك الورقة بداخله.. قبل ان يقول وهو يبتسم: تفضلي هذا هو الملف..
وسار ليكمل طريقه لكن قبل ان يتجاوزها قال بصوت هامس: اقرئي ما بداخله..
واكمل طريقه ليختفي وسط الجموع.. اما سوزي فقد شعرت بالقلق لوهلة من كلماته.. وتوجهت الى غرفة الممرضات بسرعة والتي توجد بها اكثر من 4 ممرضات غيرها.. وتصفحت اوراق الملف على عجل وهي تتصنع قراءته..
وفي النهاية وجدت تلك الورقة المدسوسة بين الصفحات .. فالتقطتها بسرعة .. وعندما شعرت ان لا احد منتبه لما تفعله.. وضعتها في جيبها على عجل.. قبل ان تغادر الغرفة من جديد..
ومن بعدها توجهت الى غرفة الطبيب لكي تسلمه ملف المريض.. قبل ان تسرع وتتوجه الى غرفتها .. تعلم ان ترك عملها ممنوع.. لكنها لن تتأخر كثيرا.. ستقرأ ما جاء في تلك الورقة التي دسها مارك بين صفحات الملف .. ومن ثم ستعود الى العمل من جديد..
ودخلت الى غرفتها على عجل واغلقت الباب خلفها.. قبل ان تسرع في اخراج تلك الورقة من جيبها وهي تلتقط انفاسها بسبب عجلتها وبسبب قلقها..
وفتحتها ببطء وهي تقرأ كلماتها التي كانت تقول (احتاج الى هاتف للضرورة.. ضعيه في نفس المكان وفي نفس الوقت.. وسأعيده لك بنفس الطريقة)..
تنهدت وهي تلتقط انفاسها.. الامر هين اذا.. حمدلله انه لم يكن شيء اكبر من هذا.. التقطت هاتفها من الدرج المجاور لفراشها.. ووضعته في جيبها..
قبل ان تسرع وتعود لتواصل عملها.. وفي اعماقها شعرت بالقلق من مساعدتها لمارك..وان يكشف هذا الامر يوما ما.. تخشى عليه وعلى نفسها.. فحين يعلم احدهم بالامر.. وانه ما هو الا احد اعضاء فرقة المقاومة..حينها لن يرحمهم الجنود البريطانيون ابدا.. وسيكون مصيرهم بعد التعذيب المستمر.. هو الموت بتهمة خيانة الدولة...
##########
شعرت بقطرات المطر تبلل وجهها وثيابها.. رفعت رأسها الى السماء وهي تشعر بتلك القطرات تبلل جسدها المرهق.. وتحاول بهذه القطرات ان تغسل همومها التي سكنت جسدها منذ ان وضع المستعمر قدمه على اراضي هذه البلاد..
عضت على شفتيها وهي تغمض عينيها وتهمس: فارس.. لم رحلت؟؟.. لم؟؟..
وتنهدت وهي تفتح عينيها.. وتفكر في طريقة لتجعله يعود.. الاتصال به لن يجدي نفعا.. هي تعلم بهذا.. ستذهب اليه وستحاول اقناعه لكي يعود معها.. لكن اين يمكن ان يكون الآن؟؟.. في مكتبه او في شقته؟؟.. لا يهم ستذهب الى كلا المكانين..
واسرعت بخطواتها وهي تبحث عن سيارة اجرة.. متناسية تلك النشرة التي تحمل جميع مواصفاتها.. والتي يمكن لأي شخص ان تغريه تلك المكافأة التي عرضت على من يقبض عليها.. وحينها سيبلغ عن مكان وجودها دون اي اهتمام..
ووسط قطرات المطر التي اشتدت.. وصلت لاحدى الشوارع وهي تبحث عن سيارة اجرة توصلها الى حيث شقة فارس..
تعلم ان المنطقة الجنوبية لا تسير فيها السيارات الا فيما ندر بسبب اوضاع التدمير المستمر بها.. لكنها مع هذا لم تيأس وواصلت طريقها اكثر على امل ان تجد سيارة الاجرة التي ستوصلها الى حيث تريد .. متجاهلة قطرات المطر التي بللتها بالكامل .. ومتجاهلة نسمات الهواء الباردة التي ترجف جسدها ..
وواصلت طريقها وهي تأمل ان تجد اي سيارة اجرة.. لكن املها قد خاب وهي ترى ان السيارات التي بالشوارع قد بدأت تقل تدريجيا بسبب الامطار بالمنطقة..
وشعرت بالحنق والضيق وهي تغمض عينيها وتفكر.. ماذا عساها ان تفعل؟.. ماذا؟؟.. تريد ان تذهب اليه.. تريده ان يعود الى فرقة المقاومة من جديد.. لا تريده ان يتركها.. وجوده معها يشعرها بالامان .. بالاطمئنان.. ان هناك انسان في هذا العالم يفكر بها ويهتم بها.. لا تريد ان تفقده هو ايضا.. هو آخر فرد من عائلتها.. لا تريد ان تفقده..
وفي غمرة افكارها تعالى صوت بوق السيارة المتوقفة الى جوارها.. فتحت عينها في سرعة وهي تتطلع الى تلك السيارة التي تعالى منها صوت بوق السيارة.. وركزت نظرها لتلمح غادة بداخلها وهي تقود تلك السيارة وتوقفها الى جوارها وهي تهتف: ما الذي يوقفك في هذا الجو هنا؟..
قالت عهد وهي تتنهد: ابحث عن سيارة اجرة..
قالت غادة باستنكار: سيارة اجرة في هذا المكان وفي مثل هذا الجو؟؟.. بالتأكيد انت تمزحين.. تعالي واركبي معي وسأوصلك الى حيث تشائين..
قالت عهد بهدوء: لا اريد ان ازعجك..
هتفت بها غادة: اي ازعاج تتحدثين عنه؟.. اركبي هيا.. لقد تبللت ثيابك كلها بسبب هذا المطر..
ترددت عهد قليلا.. لكنها في النهاية حسمت امرها واتجهت لتصعد مع غادة في سيارتها.. فلم يكن لديها اي خيار آخر لحظتها..
وسألتها غادة وهي وهي تنطلق بالسيارة من جديد: والآن اخبريني الى اين تريدين الذهاب؟..
اجابت عهد قائلة: الى شقة فارس..
قالت غادة بهدوء: اذا سنعود اولا الى فرقة المقاومة.. لكي تستبدلي ملابسك بملابس أخرى وبعدها سنذهب الى حيث تريدين..
قالت عهد باعتراض: ولكن...
قالت غادة بهدوء: انظري الى نفسك يا عهد.. لقد تبللت تماما بسبب المطر.. وقد تمرضين في مثل هذا الجو.. سآخذك الى فرقة المقاومة لتستبدلي ملابسك.. وبعدها اعدك ان اصطحبك الى شقة فارس..
قالت عهد وقد بدأت تشعر بالبرودة تسري الى جسدها كله: حسنا..
ابتسمت غادة وهي تغير الطريق الى فرقة المقاومة.. تاركة عهد غارقة في دوامة افكارها والتي تدور حول فارس وحول امكانية اقناعه بالعودة معها الى الفرقة من جديد..
:
:
يتبع
 

بـ الحب (48) والواقع ـين
::فقدتهـ..ـما؟::



توقفت تلك السيارة بجوار مبنى يتكون من اربع طوابق.. وقالت سائقة السيارة بهدوء وهي تلتفت للفتاة التي تجاورها: أهذا هو المبنى يا عهد؟..
قالت عهد بصوت منخفض بعض الشيء وهي تومئ برأسها: اجل هو.. شكرا لك..
قالت غادة بابتسامة وهي ترى عهد تغادر السيارة على عجل: سأنتظرك هنا.. اذهبي لتري ان كان موجود بشقته ام لا..
عادت عهد لتومئ برأسها.. قبل ان تجري مبتعدة عن غادة نحو ذلك المبنى..دون ان تنتبه الى ان سيارة فارس غير موجودة بمواقف المبنى..
واستقلت المصعد.. وهي تشد على قبضتها بتوتر قبل ان تصل الى الطابق الثالث وتخرج منه مسرعة وهي تتوجه الى شقته..
التقطت انفاسها امام باب الشقة..قبل ان تحسم امرها وتضغط على الجرس لمرتين متتاليتين.. وهي تنتظر ان يفتح لها فارس الباب..
لكن مرت بعض دقائق دون استجابة.. فعادت لتضغط على زر الجرس لمرات عديدة ومن ثم تطرق الباب وهي تهتف: فارس.. افتح الباب ارجوك.. فارس..
لكن جاوبها الصمت التام..فشعرت بخيبة الامل وهي تزفر بحدة وتقول: يبدوا وانه ليس هنا..
وعادت لتستقل المصعد نحو الطابق الارضي ومن هناك الى خارج المبنى حيث توقف غادة سيارتها.. واقتربت منها لتفتح الباب المجاور لمقعد السائق.. ومن ثم احتلت المقعد وهي تزفر بحدة وتقول: ليس هنا..
قالت غادة وهي تلتفت الى عهد وتتطلع اليها بابتسامة باهتة: لا تبتئسي.. بالتأكيد سيكون بمكان عمله مادام ليس موجودا بشقته..
قالت عهد وهي تهز كتفيها: ربما..
اعادت غادة تشغيل سيارتها وقالت بهدوء: اخبريني الآن..اين مكتب العقارات الذي يديره فارس؟..
قالت عهد وهي تتطلع الى النافذة بعيون شاردة: ليس بعيدا عن هنا.. فقط واصلي السير الى الامام حتى المبنى رقم (122)..
اومأت غادة برأسها وضغطت على دواسة الوقود وهي تنطلق بالسيارة من جديد..
واخيرا توقفت امام المبنى المنشود.. وقالت بابتسامة: ها قد وصلنا..
ولما لم تجد اي استجابة من عهد التفتت اليها وقالت: عهد..مابك؟.. لقد وصلنا.. الن تغادري السيارة وتذهبي الى مكتب فارس..
اطرقت عهد برأسها وقالت بصوت خفيض: ماذا لو لم يكن هنا؟.. ماذا لو رفض القدوم معي؟.. ماذا لو انه الآن مستاء من تصرفاتي ولن يقبل العودة معي من جديد الى الفرقة؟..
ابتسمت غادة ابتسامة مشجعة وهي تربت على كتف عهد وتقول: لا تستبقي الاحداث يا فتاة.. اذهبي اليه وتحدثي معه وسيعود معك.. حتى وان كان غاضب منك.. لن يستطيع تركك وحيدة في الفرقة..لا تنسي انه ابن عمك.. ويخشى من وجودك وحيدة وسط اعضاء فرقة المقاومة..
ابتسمت عهد بسخرية مريرة وقالت: لقد فعلها وتركني وحيدة.. رحل فقط لاني رفضت التحدث اليه.. قرر الرحيل تاركا اياي خلفه.. دون ان يلتفت الى وراءه حتى وينظر الى تلك الحمقاء التي شعرت بالضياع منذ رحيله عنها..
عادت غادة لتربت على كتف عهد وتقول بصوت هادئ: اذهبي اليه الآن.. وحاولي اقناعه بالعودة معك.. وحتى وان رفض.. حاولي من جديد ولا تيئسي.. اتفقنا؟..
وجدت عهد نفسها تهز رأسها ايجابيا.. قبل ان تغادر السيارة وتتجه نحو المبنى باصرار.. وازداد اصرارها هذا هذا وهي ترى سيارة فارس متوقفة في احد مواقف المبنى.. فتوجهت لتصعد السلالم هذه المرة حتى الطابق الثاني.. قبل ان تصل الى تلك الشقة التي تحولت الى مكتب للعقارات في غضون اسابيع قليلة..
القت عليها نظرة سريعة والى اللافتة التي علقت بجوار الباب والتي تحمل اسم مكتب العقارات.. ودلفت الى الداخل لتشاهد المكان قد تغير منذ آخر مرة كانت فيها هنا.. الارضية والستائر والطلاء.. كل شيء مختلف..
لكن يبدوا ان لا احد هنا.. لا موظفين ولا حتى زبائن.. وعلى الرغم من هذا ففارس يفتح المكتب لاستقبال الزبائن وحده..
خطت الى الداخل واقتربت من تلك الغرفة لتنظر من خلال الباب الموارب الى فارس الذي كان يبحث عن شيء ما بالادراج .. ويبدوا عليه الانفعال وهو يحاول ايجاده..
ابتسمت عهد ابتسامة باهتة.. هذه عادته اذا اضاع شيئا ما.. يبحث عنه بفوضوية ويكون منفعلا حتى يجده .. فتحت الباب بهدوء شديد وخطت الى الداخل ..دون ان ينتبه لها فارس الذي كان منهمك في البحث في الادراج..
وقالت بصوت هادئ على الرغم من توترها من الداخل: هل يمكنني مساعدتك في ايجاد ما تبحث عنه؟..
التفتت اليها في سرعة ودهشة..وارتفع حاجباه باستغراب لوجودها في مثل هذا المكان.. والآن بالذات.. وقال: عهد ؟.. ما الذي تفعلينه هنا؟!..
ابتسمت ابتسامة باهتة وقالت وهي تتقدم بضع خطوات منه: جئت لكي اعيد ابن عمي معي.. الذي غادر فرقة المقاومة دون ان يهتم باخباري حتى..
التفت عنها وقال ببرود: اتعبت نفسك بالمجيء الى هنا اذا .. فلست ارغب بالعودة الى هناك ابدا..
واردف وهو يلتفت اليها وينظر اليها بنظرة باردة: ثم اظن اني قد اخبرتك برحيلي عن طريق تلك الرسالة القصيرة..
تطلعت اليه وهي تشعر بالحيرة عن كيفية اقناعه بالعودة معها ..وقالت وهي تتطرق برأسها قليلا: فارس.. ربما اكون قد تماديت في الامر عندما رفضت الحديث اليك ليومين من وجهة نظرك.. لكن صدقني لم افعل ذلك الا لانني كنت اشعر بالغضب من تصرفك معي.. لم اتوقع ابدا ان تخبرهم بالحقيقة بعد ان وعدتني بأنك لن تخبر احدا بهذا الامر ..
تطلع اليها بعينين غاضبتين قبل ان يقول بانفعال: اي عقل تحملين في رأسك؟.. انا لم افعل هذا الا من اجلك.. كنت اخشى ان تصابي بمكروه ولهذا اخبرتهم بالحقيقة.. اكنت تظنين اني سأقف مكتوف اليدين وانا اراك ترمين بنفسك نحو الخطر؟؟..اكنت تتوقعين صمتي وانا ارى تلك النشرة التي تحمل مواصفاتك؟.. هل تظنين اني شخص احمق ليترك ابنة عمه تفعل ما تريد حتى وان كان هذا سيقضي على حياتها ؟؟..
قالت عهد وهي ترفع رأسها اليه: فارس دعنا ننسى ما مضى.. ولتعد معي.. انا اريدك ان تعود معي.. صدقني لم اشعر بالامان الا عندما اجدك الى جواري .. ومنذ اللحظة الاولى التي وجدتك فيها تبتعد عني شعرت بالضياع.. واني قد فقدت شيئا مهما..
ابتسم بسخرية وقال: وجودي بجانبك يضايقك حسبما اعلم.. ويشعرك بالاختناق..انا شخص سخيف ومتسلط..وتتمنين لو اتركك لتفعلي ما تشائين.. اليست هذه هي كلماتك؟..
عضت على شفتها السفلى وقالت برجاء وهي تتقدم لتقف بمواجهته: فارس .. ارجوك.. عد معي الى هناك..
ظل صامتا مكتفيا بالتطلع اليها بنظرة باردة..فامسكت بكفه بغتة وهي تقول برجاء اكبر: اريدك ان تكون معي.. ارجوك.. فارس انت آخر شخص بقي لي من عائلتي فلا تتركني انت ايضا.. كما فعل والداي والجميع..
على الرغم من ان رجاءها له بالعودة كان صادقا.. وعلى الرغم من ان كلماتها له قد حركت مشاعره.. الا انه وجد كفة كرامته ترجح وهو يشعر انها فوق كل شيء .. وجذب كفه من كفها ويقول ببرود شديد لم تتوقعه عهد: قلت لك لن اعود الى هناك ابدا.. الا تفهمين؟؟!..
اتسعت عينا عهد بذهول من ردة فعله الغير متوقعة.. لطالما كان انسان طيب القلب على الرغم من عصبيته الدائمة ..على الرغم من تسلطه لم يكن يعاملها بهذا الاسلوب ابدا.. انها المرة الاولى التي تراه فيها لا يهتم لتوسلاتها ورجاءها ويجيبها بهذا الاسلوب..
واطرقت برأسها لوهلة قبل ان تقول بألم: بلى فهمت.. لكن كان لدي أمل ان اجد فارس الذي طالما وقف وقف بجانبي وفعل الكثير لأجلي .. يعود ليقف بجواري من جديد..
واستدارت عنه لتتوجه نحو الباب.. وفارس الذي كان يكور قبضتيه بقوة يحاول ان يكون قاسيا معها بعض الشيء.. ربما لانه يريدها ان تفهم ان ما تفعله خطأ.. وان مكانها ليس هناك.. وانها تعرض نفسها للخطر.. وانه بعدم عودته يحاول ان يجعلها تتخلى عن تلك الفرقة.. وتبقى معه بعيدا عن ذلك الخوف الذي يلازمهم في كل لحظة هناك..
اما عهد فقد توقفت امام الباب قبل ان تفتحه والتفتت الى فارس لتقول بابتسامة واهنة على الرغم من انها تشعر بغصة مرارة تملأ حلقها: اتعلم لم جئت الى هنا اليوم وطلبت منك العودة معي؟..
واتسعت ابتسامتها الواهنة وهي تكمل: لانك دائما كنت تقول لي.. ( انا آخر شخص تبقى لك من عائلتك..لهذا سأكون المسئول عنك وسأتولى كل امورك.. وسأحاول حمايتك من تصرفاتك المجنونة )..
واردفت بصوت مختنق وتلك الدموع تترقرق في عينيها: لكنك اليوم تخليت عن قولك هذا.. وتركتني وحيدة.. تخليت عن مسئوليتك لي وفضلت ان تريح نفسك من تصرفاتي المجنونة كما كنت تصفها.. انت كاذب يا فارس.. كاذب.. قلت انك لن تتركني ابدا.. وها انت ذا تخليت عني منذ اول مشكلة صادفتها.. انت اناني لا تهمك الا نفسك.. لم تكترث لامري ابدا..
واشاحت بوجهها لتتركك العنان لدموعها وهي تهتف بانفعال: انا اكرهك.. اكرهك..
وانطلقت بسرعة مغادرة المكتب ..وفارس الذي كان يشعر بالدهشة والذهول من كل حرف نطقت به.. لم يحاول اللحاق بها ابدا.. وتركها تغادر المكان وحدها دون ان يحاول حتى معرفة من اوصلها الى هنا...
وما ان افاق من دهشته حتى كور قبضته واودعها في ضربة سددها بكل قوة للنافذة وهو يهتف: احمق يا فارس وستظل كذلك.. االى هذه الدرجة تهمك كرامتك اكثر منها؟.. اليست هي الفتاة التي تحب؟.. اليست هي الفتاة التي فعلت كل شيء من اجلها ولأجلها؟..لم لم تلحق بها؟..لم لم تحاول ايقافها؟.. لم رفضت العودة معها عندما ترجتك لمرات عديدة؟ ..احمق.. احمق..
ولم يأبه بزجاج النافذة الذي تحطم اثر ضربته لها.. او حتى تلك الدماءالتي سالت من قبضته المجروحة.. وتساقطت قطراتها على سجاد المكتب ...
###########
تطلعت تلك الفتاة الى ساعة يدها التي تشير الى الثانية عشرة بعد منتصف الليل.. قبل ان تتوجه ببطء نحو احدى سلات المهملات وترمي بداخلها كيسا ما.. وتكمل طريقها بكل حذر..
ولم تمض دقائق حتى غادر ذلك الشاب غرفته وتوجه الى سلة المهملات ذاتها ليلتقط منها الكيس التي رمته الفتاة للتو.. ومن ثم يعود الى غرفته بهدوء..
فتح الكيس بسرعة ليجد بداخله هاتفا محمولا..فابتسم وهو يقول: شكرا لك يا سوزي.. لا اعلم ماذا كنت سأفعل من دون مساعدتك لي..
واسرع يضغط الارقام ليتصل بشقيقه..وما ان سمع صوته حتى قال بصوت منخفض:الو هشام.. انه انا مارك..
اسرع هشام يقول: حمدلله انك بخير.. لقد قلقت ان يكون قد اصابك اي مكروه بعدما نفذنا العملية الاخيرة..
ابتسم مارك وقال: لا تقلق علي يا اخي.. انا بخير.. وقد اصبحت جندي بين قواتهم منذ يومين..
قال هشام بدهشة: حقا.. هل نجحت في كل تلك التدريبات التي تجعلهم يقبلون بك كواحدا منهم؟..
قال مارك وابتسامته تتسع: لا تستهن بي يا هشام..
قال هشام وهو يتنهد: حمدلله.. اذا فالخطوة الثانية قد نجحت.. ما يفصلنا الآن عن الحرية هما خطوتان فقط.. نعتمد عليك فيهما يا مارك..
قال مارك ببعض التوتر: اعتمد علي.. سأبدأ في تنفيذ الخطوة الثالثة منذ الغد..
ابتسم هشام وقال: انا فخور بك..
ابتسم مارك وقال: وانا كذلك فخور بك..
قال هشام ببعض القلق: انتبه لنفسك ولا تدع احد ينتبه لتحركاتك او تصرفاتك القادمة..
قال مارك وهو يهز رأسه بتوتر وكأن هشام سيراه وهو يفعل ذلك: حسنا يا هشام.. لا تقلق علي..
واردف بابتسامة متألمة بعض الشيء: انت ايضا انتبه على نفسك ولا تتهور كثيرا في تأدية المهمات.. اريد ان انهي هذه المهمة.. واعود لارى شقيقي ينتظرني..
ابتسم هشام وقال بأمل: متى يأتي هذا اليوم؟.. متى ارى هذه الدولة وقد تحررت من هذا العدو المستعمر؟.. متى ارى الحرية ترفرف على اجنحة الطيور؟.. متى ارى السعادة تطفو في عيون الاطفال؟..متى ارى الحياة تعود لتنبض من جديد في هذا الوطن؟..
قال مارك وهو يتنهد: قريبا يا هشام.. قريبا.. اعدك بهذا.. سأبذل قصارى جهدي ليتحقق حلمك.. حتى وان كلفني ذلك حياتي..
قال هشام في سرعة وخوف: اياك ان تتهور..
ابتسم مارك وقال: لا تقلق علي..
واردف بهدوء: والآن الى اللقاء.. مضطر لان انهي المكالمة..
قال هشام وهو يتمنى لو يستمع لصوت شقيقه اطول فترة ممكنة: فليكن.. انتبه على نفسك..
قال مارك بابتسامة باهتة: لا تقلق علي.. الى اللقاء..
قال هشام منهيا المكالمة:الى اللقاء يا اخي..
انهى مارك الاتصال وهو يتنهد.. قبل ان يشد بقبضته على الهاتف ويقول باصرار: سأحاول تحقيق حلمك هذا يا اخي.. واحرر هذه الارض من العدو.. اعدك بهذا..
###########
تنهد ألكس وهو يعود الى غرفته في نهاية اليوم ..بعد يوم متعب من البحث في المستشفيات عن ذلك المصاب..او محاولة ايجاد جثته في تلك المنطقة..
القى بنفسه على الفراش وهو يهتف: تبا.. لم نصل الى اي شيء بعد كل هذا البحث..
اغمض عينيه وهو يفكر في امور عدة قبل ان تخطر على ذهنه عهد فجأة.. لم يتحدث اليها منذ وقت طويل.. انشغل بأمور الجيش متناسيا امرها وتلك النشرة التي وزعت بأوصافها..لم يجدوها بعد هذا مؤكد..لكنه يشعر بالقلق عليها..
اعتدل في جلسته سريعا والتقط هاتفه ليتصل بها وهو يبتسم ابتسامة حالمة.. يشعر بالشوق اليها ولسماع صوتها..
واتسعت ابتسامته وهو يستمع الى صوتها الخافت وهي تقول: الو..
قال ألكس بشوق: هذا انا يا عهد .. ألكس..
قالت عهد بصوت خافت: ما الامر؟..
انعقد حاجباه فجأة وقال بضيق: لا شيء.. فقط اتصلت للاطمئنان عليك ولأتأكد انك على مايرام..
ابتسمت عهد بسخرية "على مايرام"..هي ليست كذلك ابدا.. وقالت ببرود: لا تقلق انا بخير..
قال ألكس بهدوء: مابك يا عهد؟.. تبدين منزعجة من امر ما.. هل هناك ما يشغلك؟..
قالت عهد وهي تتنهد: لا شيء.. لا شيء..
قال ألكس بابتسامة: هل يمكنني رؤيتك؟..
اتسعت عينا عهد وقالت باعتراض: تمزح..بالتأكيد لا.. ألكس انت لا تعلم اني اعيش في خوف طوال اليوم وانا اتحدث اليك بالهاتف فقط..
قال ألكس بجدية: الامر مهم..
قالت عهد في سرعة: يمكنك ان تقول ما تشاء على الهاتف..
قال ألكس بهدوء: قبل ان اخبرك عن هذا الامر.. اريد ان اعرف شيئا واحدا منك يا عهد..
تساءلت عهد قائلة باهتمام: وما هو؟..
قال ألكس متسائلا بحزم: من هو ألكس في حياتك يا عهد؟..
تفاجئت عهد من سؤاله واتسعت عيناها.. ووجدت انفاسها تتوتر.. وهي تبحث عن اجابة.. هي حتى لم تحاول ان تسأل نفسها هذا السؤال.. من هو ألكس بالنسبة اليها؟.. ما هو موقعه في حياتها؟.. رغم انه عدو لها.. لكنها تخشى عليه.. يهمها امره..تحاول ان تحذره حتى لا يصاب بمكروه.. احيانا تشعر انه اقرب الى صديق لها.. لكن كيف لشخص ان يكون عدوا وصديقا في آن واحد؟..
وعندما طال صمتها قال ألكس بسخرية وخيبة امل: اتحتاجين الى كل هذا الوقت للاجابة عن سؤالي يا عهد؟.. هل تشعرين انه صعب الى تلك الدرجة التي تجعلك تصمتين كل هذا الوقت؟..
قالت عهد وهي تشعر بالالم: انظر الى تلك الظروف التي جمعتنا.. انظر الى الزمان والمكان الذين التقينا فيهما.. انظر الى الواقع الذي نعيشه.. وستعرف الى اي مدى من الصعوبة هو سؤالك..
قال ألكس بغضب: تبا لهذا الواقع..وللظروف ولكل شيء.. لقد اخبرتك بمشاعري تجاهك.. لكنك رغم كل شيء تبقين صامتة.. وترفضين البوح بمكنونات قلبك..
قالت والدموع تترقرق في عينيها: اتظن بأني لست بشر ولدي مشاعر واحاسيس.. اعلم ما هي مشاعرك .. واعلم في المقابل اني احمل لك مشاعر احاول كبحها بداخلي.. لاني اعيش واقع يرفض هذا الامر.. بل انه يحاربه..
قال ألكس في سرعة: ان كنت حقا تبادلينني ذات المشاعر يا عهد.. فأنا مستعد لفعل اي شيء لأجعل هذا الحب يرى النور..
قالت عهد بسخرية مريرة: انه مجرد حلم بعيد المنال.. اخبرني يأ ألكس ما نهاية هذا الحب الذي نعيشه؟..
قال ألكس بجدية: الزواج..
ابتسمت عهد بألم وقالت: ارأيت.. لقد ازداد الامر تعقيدا لملايين المرات.. اخبرني كيف ستتزوج من فتاة من هذا الوطن وقد كانت اسيرة سابقة في المبنى البريطاني.. وفوق هذا وذاك.. فتاة مسلمة لا يجوز لها شرعا الزواج بمسيحي..
قال وهو يصر على اسنانه بقهر: يمكنني تدبر كل شيء .. سأجهز لك جواز سفر بريطاني وتسافرين الى هناك حاملة الجنسية البريطانية وبملامح مختلفة بعض الشيء..
قالت عهد وهي تصطنع البرود وفي اعماقها تشعر بقبضة تعصر قلبها بكل ألم: انت لم تسألني عن رأيي حتى حول كل تلك الامور التي تقولها..من قال اني سأوافق على كل هذا؟.. انا لا استطيع حتى التفكير بمن كان السبب في مقتل والداي والآلاف من سكان هذه الارض.. فكيف ان يصل الامر الى الزواج..
قال ألكس بذهول: لكن.. يا عهد.. انا احبك..
قالت عهد والمرارة تقطر من حروفها: سأقولها لك يا ألكس.. لأنها المرة الاخيرة التي تسمعها مني..
واردفت وعينيها تذرفان الدموع: انا احبك يا ألكس .. لكن كل شيء يقف حائلا بيننا.. كل شيء..
اسرع ألكس يقول وهو يتمسك بآخر خيوط الامل: عهد لا تنهي كل شيء بيننا بهذه البساطة.. لا تهدمي كل شيء بيننا ارجوك.. لا تقتلي هذا الحب ..
قالت عهد وهي تحاول كتم شهقاتها وسط تلك الدموع التي بللت وجنتيها: انه الواقع يا ألكس.. ولست انا.. انت مسيحي وانا مسلمة.. انت قائد الجيوش البريطانية وانا اسيرة سابقة.. لن نستطيع تحدي كل شيء.. لن تستطيع ترك كل شيء خلف ظهرك من اجلي..
وهمست بالكلمة الاخيرة قبل ان تتراجع: الوداع يا ألكس.. اتمنى لك السعادة اينما كنت..
وعلى الرغم من انها سمعت صوته وهو يهتف بها: عهد.. عهد..
الا وانها اغلقت السماعة في سرعة قبل ان تتراجع وصوت شهقاتها يتعالى.. ودفنت وجهها في الوسادة وهي تهتف: هذا الشيء كان يجب ان يحدث منذ البداية وليس الآن.. لقد فعلت الصواب.. اجل الصواب.. هذا الحب لم يكتب له ليعيش منذ البداية.. كان يجب ان افهم هذا الامر.. قبل ان انجرف بمشاعري بعيدا.. ان الحب قد يكبر مع الايام لكن ربما تكون نهايته هي ان يتحطم على صخرة الواقع المرير..
وقالت بصوت باكي وهي تعتصر الوسادة بقبضيتها: لن انساك ابدا يا ألكس.. لن انساك..
ووسط تلك الشهقات والدموع.. وجدت نفسها تغرق في نوم عميق قد يبعدها عن هذا الواقع المرير ولو لساعات معدودة...
###########
تنهدت غادة وهي تلقي بنفسها على المقعد المجاور لفراش جهاد.. في ذلك المشفى وهي تقول: هذه هي المرة الاخيرة التي اذهب فيها برفقة غسان الى كافتيريا المشفى..
قال جهاد باستغراب: ولماذا؟..
قالت غادة بحنق: انه يسأل عن كل شيء واي شيء.. وفي النهاية لم يقم بشراء الا زجاجة ماء وبعض الفطائر..
قال جهاد بحيرة: حقا؟..
اومأت برأسها ايجابيا.. وقالت بغيظ: ولهذا تركته ليقوم بالسؤال عن كل ما يحتويه المتجر وعدت الى هنا..
اغمض جهاد عينيه وهو يسند ظهره للوسادة ويقول: اذا لن اتناول اي شيء قبل المساء..
سمعا صوتا من عند الباب وصاحبه يقول: من قال هذا؟.. انظر بنفسك ماذا جلبت لك.. ولا تصدق هذه الفتاة الكاذبة..
اشارت غادة الى نفسها وقالت وهي تلتفت الى غسان وتقول بدهشة ممزوجة بالغضب: انا كاذبة يا غسان؟؟.. ألست انت من يسأل عن كل انواع الفطائر ومحتواها هناك..
قال غسان بابتسامة وهو يجذب له مقعدا: بالتأكيد سأسأل حتى لا ينتهي بي الامر لشراء انوع لا تعجبني..
قالت غادة ببرود: كان الاجدر بك ان تطلب منهم الانواع التي تعجبك..وهم سيوفرونها لك..
قال غسان وهو يضحك: لقد فضلت سؤالهم عن كل الانواع .. فربما اجد نوعا يعجبني من بينها..
قال جهاد وهو يتطلع اليه باستخفاف: ايهمك الطعام الى هذه الدرجة؟..
قال غسان وهو يغمز بعينه: بقدر ما يهمك احاظة نفسك بهذا البرود..
قال جهاد بهدوء: هذه هي شخصيتي..وعلى اي شخص ان يتقبلني كما انا..
قالت غادة بحنق وهي تلتفت الى غسان: غسان لا تكن فظا الى هذه الدرجة..
قال غسان بابتسامة: لقد كنت امزح فحسب..على الرغم من انها الحقيقة ..والآن خذ...
قالها وهو يناوله زجاجة عصير وبعض الفطائر.. فقال جهاد وهو يتناولها منه: شكرا لك..
قالت غادة متسائلة: الا تعرف متى سيسمح لك الطبيب بمغادرة المشفى يا جهاد؟..
قال جهاد وهو يومئ برأسه: بلى.. يمكنني المغادرة في الغد..
قالت غادة بابتسامة واسعة: هذا رائع...
واردفت وهي تتطلع الى ذراعه بأسف: لكن .. لن تستطيع المشاركة معنا حتى تشفى ذراعك تماما..
قال جهاد وهو يلتقط نفسا عميقا: لن تحتاج الى وقت طويل حتى تشفى.. ثم ان بامكاني المساعدة.. في امكانية توفير بعض الاسلحة للقائد..
ابتسمت غادة وقالت : اتمنى لك الشفاء العاجل..
اما غسان فقد قال بعد ان انتهى من تناول اول فطائره: جهاد .. لا ترهق نفسك.. جرح كتفك يحتاج الى فترة قد تصل الى الثلاثة اسابيع حتى يشفى تماما..
قال جهاد بهدوء: لا تقلق.. فأنا ...
قاطعه رنين هاتفه المحمول المتواصل.. فالتقطه بواسطة ذراعه اليمنى السليمة.. واجاب عليه وهو يقول: الو.. اهلا.. اجل انه انا...
لم تهتم غادة في البداية بهذه المكالمة.. لكن ما لبثت ان اتسعت عيناها بقوة.. بعد ان لمحت الهاتف الذي يمسك به جهاد..
فقد كان يتحدث مع المتصل ببساطة شديدة ودون اي رسميات وكأنه يعرفه منذ زمن.. على الرغم من انه يتحدث اليه عن طريق الهاتف الذي ادعى انه ليس ملكا له.. بل ملكا لشقيقته..
:
:
يتبع..
 
بـ الحب (49) والواقع ــين
::طلب::



تطلعت غادة بكل اهتمام الى جهاد الذي كان يتحدث مع الطرف الآخر عبر الهاتف.. انها متيقنة ان ما يمسك به هو الهاتف الآخر والذي ادعى انه لشقيقته.. لقد كان يكذب عليها.. ان هذا الهاتف هو له.. والا لما اجاب عليه وتحدث الى المتصل بكل هذه البساطة...
اما جهاد فما ان انهى مكالمته حتى التفت الى غادة التي كانت تتطلع اليه بشرود.. فقال جهاد مستغربا: غادة.. مابك؟.. لم تتطلعين الي هكذا؟..
افاقت غادة من شرودها على صوته وقالت في سرعة وبعض الارتباك وهي تهز رأسها: لا شيء .. لا شيء..
وعادت تتطلع الى الهاتف الذي وضعه بجواره.. وعقدت حاجبيها بكل اصرار.. ستحاول ان تحصل على هذا الهاتف وتعرف ما به.. انها تشعر انها ستصل الى حل لغز ذلك المجهول لو استطاعت ان تعرف رقم هذا الهاتف او ما يحويه من رسائل..
ولمحت بطرف عينها غسان الذي كان يتحدث الى جهاد ويتعمد ان يستفزه في الحديث.. لكن جهاد الذي كان بارد الاعصاب لحد كبير.. لم يكن يجيب عليه الا بالصمت.. او بنظرة باردة..
وقالت غادة بابتسامة مصطنعة وهي تنهض من مكانها: انا ذاهبة الآن.. بالاذن..
قال غسان مبتسما: هل اوصلك؟..
هزت رأسها نفيا وقالت: لدي سيارتي ..
واردفت وهي تتطلع الى جهاد: اتمنى ان تشفى ذراعك سريعا..
وابتسمت وهي تغادر الغرفة.. لكن سرعان ما تلاشت ابتسامتها عندما سارت بين ممرات ذلك المشفى.. انه يخفي سرا ما.. انها متأكدة.. لابد لها ان تحصل على الهاتف الآخر بأية وسيلة..
اكملت سيرها بين ممرات المشفى وذهنها غارق في التفكير.. حتى وصلت الى سيارتها ووضعت كفها اسفل ذقنها دلالة على التفكير.. قبل ان تتنهد وتقول بضيق: لم يحيط ذلك المجهول نفسه بكل ذلك الغموض؟..
وارتفع حاجباها فجأة وهي تتحدث الى نفسها قائلة: ولم لا يريد لي ان اعرفه؟.. احقا هو شخص اكرهه لن استمع الى نصيحته؟.. لكن لا يوجد شخص كهذا بين افراد فرقة المقاومة.. اذا لم يخفي نفسه في الظل؟.. لم لا يخرج للنور ويجعلني اراه واعرف من يكون..
وزفرت بضيق قائلة وهي تضغط على دواسة الوقود وتنطلق بالسيارة: لا فائدة من كل هذا التفكير.. سأحاول الحصول على هاتف جهاد بأية وسيلة.. فربما يكون هو ذلك المجهول..
سارت بين شوارع المدينة حتى وصلت اخيرا الى مكان ما اشبه بمنزل صغير.. فدخلت اليه بعد ان طرقت الباب ثلاث طرقات متتابعة.. وخرجت منه بعد دقائق وهي تحمل حقيبة سوداء اللون..
وعادت لتنطلق بسيارتها الى الجنوب.. وهناك اوقفت سيارتها على بعد مناسب من فرقةالمقاومة..وهبطت منها بحذر قبل ان تتلفت حولها وتتأكد من عدم وجود احد..
التقطت الحقيبة السوداء من سيارتها وحملتها حتى وصلت اخيرا الى فرقة المقاومة وطرقت بابها..
ومن خلف الباب سمعت صوتا يقول: من هناك؟..
جاءه صوت غادة هادئا وهيتقول: انها انا..
فتح لها رائد الباب وقال بابتسامة: اهلا غادة.. كيف هي احوال جهاد؟..
قالت غادة بابتسامة: انه على مايرام.. وسيغادرالمشفى بالغد..
قال رائد وهو يتنهد براحة: حمدا لله..
قالت غادة وهي تسلمه الحقيبة: هذه هي الذخيرة التي طلبها القائد..
قال رائد وهو يلتقط الحقيبة منها: شكرا لك..
وابتعد بالحقيبة حتى يسلمها لهشام.. واستدارت غادة لتغادر المكان من جديد.. لكن نظراتها وقعت على باب غرفة عهد..ووجدت قدماها تأخذانها الى هناك..قبل ان تطرق باب الغرفة بهدوء..
ولما لم تسمع اجابة من الداخل.. عادت لتطرق الباب .. لكن الصمت كان اجابتها.. وانعقد حاجباها وهي تفتح الباب وتقول باستغراب: عهد.. هل انت هنا؟..
كادت ان تعود ادراجها بعد ان شعرت بالظلمة تطغى على الغرفة.. وظنت ان عهد تغط في نوم عميق.. لكنها ما لبثت ان تجمدت اطرافها وهي تسمع صوت انين يأتيها من اسفل ذلك الغطاء..
فتوجهت الى هناك مسرعة وقالت وهي تنحني لتجلس على ركبتيها بجوار فراش عهد: عهد.. ما بك؟.. هل تشعرين بأي الم؟..
لم تتلقى غادة اي اجابة.. فجذبت الغطاء الذي يغطي عهد من رأسها حتى اخمص قدميها..وما ان فعلت حتى اتسعت عيناها وهي ترى عهدالتي كانت تشد بقبضتيها على الوسادة وغارقة في بكاء عميق.. تسمع من بينه شهقاتها..
انحنت نحوها ووضعت يدها على كتفها بلطف وهي تهمس قائلة باهتمام: عهد .. مابك؟..
شدت عهد من قبضتها الممسكة بالوسادة وقالت بصوت مختنق: لا شيء.. لا شيء.. فقط دعيني لوحدي..
قالت غادة وهي تضغط على كتفها بعطف: عهد.. اخبريني ما بك؟.. ربما يمكنني مساعدتك..
هتفت عهد بها بصوت حاولت ان يكون مرتفعا.. على الرغم من انه خرج مبحوحا: قلت اخرجي..لا اريد احد هنا.. اريد ان اكون وحيدة..
صمتت غادة لوهلة قبل ان تقول وهي تتنهد: حسنا سأفعل ما تريدين..
نهضت غادة من مجلسها.. وتوجهت الى حيث باب الغرفة لكن قبل ان تضع يدها على مقبض الباب سمعت عهد تهتف: اطلبي منه ان يعود..
التفتت غادة الى حيث عهد.. وشاهدتها جالسة على فراشها واثار الدموع الجافة لا تزال على خديها.. وقالت متسائلة: من تعنين؟..
قالت عهد مردفة دون ان تجيب على سؤال غادة وقبضتاها تشدان على الغطاء هذه المرة: اطلبي منه ان يعود.. اخبريه اني بحاجة له.. اخبريه اني سأقبل بكل ما سيفعل بي.. فليتحكم بتصرفاتي.. او يسخر مني.. وليضربني ان شاء.. فقط فليعد.. انا بحاجة اليه.. لا اريد ان افقده هو ايضا.. لا اريد..
واغرورقت عيناها بالدموع.. فقالت غادة بابتسامة باهتة وقد فهمت من تعنيه عهد بكلامها: لا تقلقي.. سأخبره بكل ما طلبته.. فقط توقفي عن البكاء.. انا متأكدة من انه سيعود.. لن يترك ابنة عمه وحيدة هنا.. لانها يهتم بها بشدة..
وغادرت الغرفة.. تاركة خلفها عهد .. ودموعها التي لم تتوقف عن التساقط وهي تهمس لنفسها قائلة: عد يا فارس.. ارجوك عد.. انا بحاجة اليك.. عد..
###########
(فارس.. انت احمق بكل تأكيد)
التفت فارس الى ناطق العبارة وقال ببرود: ولم تقول هذا؟..
قال حازم بحنق وهو يلوح بيده في وجه فارس: لان ما تفعله حماقة يا فارس.. حماقة كبرى..
قال فارس الجالس على طاولة الطعام الصغيرة في شقته لحازم الذي يجلس في مواجهته: لم افعل اية حماقة.. هي رفضت التحدث الي.. وطلبت مني مرارا وتكرارا ان ابتعد عنها وان ادعها وشأنها.. وانا نفذت لها رغبتها تلك..
قال حازم وهو يضيق عينيه ويتطلع اليه: واتشعر بالراحة؟.. اتشعر بالراحة بعد تركتها وحيدة هناك؟..
قال فارس ببرود وهو يهز كتفيه: ربما لا اشعر بالراحة..لكني فعلت ما تريده هي في النهاية..
قال حازم بغضب: فعلت ما تريده هي؟؟.. الم تقل لي بنفسك انها جاءت اليك لتطلب منك العودة.. وانت بنفسك من رفض عرضها هذا.. هل هذا ما تسميه بأنك فعلت ما تريده عهد؟..
قال فارس وهو يشيح بوجهه عن حازم: لقد كان طلبها ذاك امرا متوقعا بعد تركي لها فجأة .. لكن صدقني ستعتاد الامر قريبا.. وستعرف ان الامور هكذا افضل لي ولها..
قال حازم بعصبية: فارس.. الا تعرف طريقة تفكير الفتيات بعد؟.. في لحظات الغضب تجدها تتفوه بكلمات لا تعنيها.. لكن عندما تهدأ فهي تعتذر عما بدر منها.. وعهد عندما جاءت اليك وطلبت منك العودة.. كانت طريقتها الغير مباشرة للاعتذار منك.. بالاضافة الى انها قد ابدت ندمها عما فعلته وارادتك ان تكون الى جوارها..
قال فارس ببرود اشد: لا يهمني..هي من اختارت ذاك الطريق وحدها منذ البداية وعليها ان تتحمل عواقبه..
تطلع اليه حازم بعدم تصديق.. اهذا هو فارس حقا الذي يتحدث اليه؟.. فارس الذي كان يصاب بالغضب اذا تعلق الامر بعهد.. فارس الذي كان يخشى من وجود عهد في فرقة المقاومة لوحدها..
وابتسم حازم بسخرية وهو يقول: انا مندهش من تصرفك يا فارس.. اانت فارس حقا الذي اعرفه؟.. فارس الذي كان يخشى على عهد من حديثي اليها حتى..
وقال مردفا وهو ينهض من مكانه: لكنك احمق يا فارس.. كنت تخشى على عهد من وجودها في الفرقة.. وافراد فرقة المقاومة يظنونها رجلا.. لكن الآن بعد ان علموا انها فتاة.. الا تظن ان من واجبك ان تخشى عليها بشكل اكبر.. الا تخشى ان يتقرب اليها احدهم.. او يتصرف معها بشكل غير لائق.. خاصة انها وحيدة الآن..وليس هناك من يحميها من اولئك الرجال..
اتسعت عينا فارس .. كيف لم ينتبه الى هذا الامر من قبل؟.. كيف تركها هناك وحيدة وسط رجال يعرفون ان فتاة وحيدة بينهم.. ماذا لو...؟
نفض تلك الافكار من رأسه وامسك جبينه بكفه .. كلا فرقة المقاومة لن يؤذوا عهد.. هو يثق بهذا.. ثم ان هشام معها.. وسيساعدها كما فعل سابقا..
لكن.. لكنه لن يكون بجوارها طوال الوقت.. سيكون منشغلا بمهمات الفرقة..وسيتركها وحيدة في الفرقة و...
قاطع افكاره تلك اليد التي وضعت على كتفه وصوت صاحبها وهو يقول بابتسامة باهتة: لا تفعل كل ماا تظنه سيحفظ كرامتك..احيانا يتوجب علينا تقديم التنازلات.. من اجل كل من يهمنا امرهم..فكر جيدا يا فارس قبل ان تقدم على تصرف تندم عليه مستقبلا..
قالها حازم وغادر الشقة بعدها.. تاركا فارس في دوامة من الافكار التي اخذت تقذفه يمينا وشمالا..
##########
رمى ألكس بقبعته العسكرية بلا اهتمام على فراشه.. قبل ان يرمي بنفسه على ذلك الفراش ويستلقي عليه .. ويغمض عينيه طلبا للراحة..
لا يشعر بأي رغبة له بالعمل.. منذ آخر مكالمة بينه وبين عهد.. شعر ان لم يعد يمتلك أي حماس لاداء عمله.. او حتى أي اهتمام بما يقوم به.. اصبح يؤدي عمله بلا مبالاة استغربها البعض عليه..
وعادت كلماتها لترن في اذنه ..وكأنها تذكره بالواقع المرير الذي جمعهما...
((..من قال اني سأوافق على كل هذا؟.. انا لا استطيع حتى التفكير بمن كان السبب في مقتل والداي والآلاف من سكان هذه الارض.. فكيف ان يصل الامر الى الزواج..))
((انا احبك يا ألكس .. لكن كل شيء يقف حائلا بيننا.. كل شيء..))
((انه الواقع يا ألكس.. ولست انا.. انت مسيحي وانا مسلمة.. انت قائد الجيوش البريطانية وانا اسيرة سابقة.. لن نستطيع تحدي كل شيء.. لن تستطيع ترك كل شيء خلف ظهرك من اجلي.. ))
كور قبضته بقهر وهو يفيق من ذكرياته .. قبل ان يضرب الفراش بقبضته وهو يقول بغضب: تبا للواقع.. تبا لكل شيء.. ليتني لم اكن بريطانيا.. ليتني لم اكن قائدا للجيش البريطاني..
واردف وهو يضع ذراعه على عينيه ويبتسم بسخرية مريرة: الآن فقط فهمت لم يفترض بنا نحن القادة والجنود العسكريين القتال في ساحة المعركة دون ان نترك لمشاعرنا المجال للسيطرة علينا..
وتنهد وهو يقول بألم: هل هو الوداع حقا يا عهد؟.. هل هذه هي النهاية حقا؟.. ام ان القدر يخبؤ لنا امورا قد تغير حياتينا للافضل او للاسوأ...
#########
ابتسمت غادة وهي تطرق باب غرفة جهاد التي بالمشفى.. ومن ثم تدلف الى الداخل وتقول بابتسامة: لقد عدت..
استغربت خلو الغرفة من اي شخص.. لكنها سمعت صوت الماء في الحمام الملحق بالغرفة.. واستنتجت ان جهاد هناك.. وابتسمت بخبث وهي تلتفت لتتطلع الى ذلك الهاتف الموضوع على الطاولة الصغيرة بجوار الفراش ..وتهمس قائلة : انها فرصتي..
وتوجهت لذلك الهاتف لتلتقطه وتبتسم بانتصار.. قبل ان تضغط على ازراره لتدخل الى القائمة الرئيسة ومن ثم الرسائل .. وهي تشعر باللهفةالشديدة والترقب لانها ستعرف الحقيقة بعد قليل..
لكن ..انعقد حاجباها باستغراب عندما لم تجد اي رسالة مرسلة من او الى هذا الهاتف..هذا غريب.. لا رسائل ابدا...لكن.. ايعقل هذا؟؟.. حتى وان كان هاتف شقيقته كما قال.. فكيف يمكن لهاتف ان يبقى خاليا من الرسائل طول الوقت؟..
حسنا اذا ليس امامها سوى التأكد من كون جهاد ذلك المجهول الا بالطريقة الاخرى..
وابتسمت بمكر وهي تضغط رقم هاتفها المحمول وتتصل على هاتفها من هذا الهاتف .. وهي شبه متأكدة ان رقم ذلك المجهول هو من سيظهر على شاشة هاتفها.. ولكن...
اتسعت عيناها بقوة عندما وجدت ان رقما تجهله هو ما ظهر على شاشة هاتفها المحمول.. ليس رقم ذلك المجهول ولا رقم اي شخص تعرفه..ما الامر؟.. اهذا الهاتف حقا لشقيقته كما قال؟؟.. لكنه كان حريصا عليه لدرجة انه كان يخشى ان اتصل على اي شخص منه..
زفرت بقوة واعادت الهاتف الى مكانه.. يبدوا انها كانت مخطأة تماما في اعتقادها.. جهاد ليس هو ذلك المجهول كما كانت تظن..
تنهدت ورمت بنفسها على المقعد وخرج جهاد من دورة المياه بعدها ليقول: مابك؟.. تبدين محبطة؟..
التفتت له غادة بسرعة قبل ان تقول بارتباك: لا شيء.. فقط كنت مجهدة..
توجه الى فراشه ليجلس عليه ويقول بتساؤل: ومم انت مجهدة؟..
ارتبكت اكثر وهي تقول: من آخر مهمة قمت بها..
واسرعت تقول لتتهرب من اسئلته : يتوجب علي الذهاب الآن.. للقيام بشيء ما.. جئت لاطمئن على صحتك..
قال بهدوء: شكرا لك..
نهضت من مكانها وهي تقول بتوتر: بالاذن..
وغادرت الغرفة بأكملها.. اما هو فقد التفت الى حيث هاتفه الآخر وتتطلع اليه لوهلة .. قبل ان يظهر شبح ابتسامة على شفتيه.. سرعان مااختفى..
##########
انشغل فارس في عمله لما يقارب الاربع ساعات.. حتى ان حازم الذي كان ينتظره بالمقعد المجاور له بدأ يشعر بالملل.. فقال وهو يتثاءب: الم تنتهي بعد؟؟..
قال فارس وهو يهز رأسه نفيا: ليس بعد.. يمكنك الذهاب ان اردت.. فلدي عمل كثير اقوم به..
قال حازم وهو يضع كفيه خلف رأسه: والى اين سأذهب؟.. سأنتظرك حتى تنهي عملك لنذهب معا..
قال فارس بهدوء: كما تشاء..
وواصل قراءة الملفات التي امامه قبل ان يتسائل قائلا: هذا الرجل يريد قطعة ارض في المنطقة الجنوبية.. اليس هذا غريبا؟..
هز حازم كتفيه وقال: ربما.. لكن هذا شأنه..
اتصل فارس على رقم الرجل وتأكد من طلبه قبل ان يقول باستغراب: هذا غريب.. انه يصر انه يريد قطعة ارض حسب مواصفاته في المنطقة الجنوبية على الرغم من علمه ان تلك المنطقة تتعرض للانفجارات المتتالية..
قال حازم بابتسامة: ولم انت مهتم بامره هكذا؟.. قم بعملك وحسب..
اكمل فارس عمله وبدأ يشعر بالارهاق بسبب هذا العمل المتواصل.. ربما لانه يتعمد دفن نفسه في العمل ويبعد تفكيره عن اي شيء آخر حتى لا يفكر بها..
اغمض عينيه لوهلة واسند رأسه لمسند المقعد وهو يحاول اخذ قسطا من الراحة لعله يخفف من حجم الارهاق الجسدي والنفسي الذي يشعر به..
اما حازم فقد بدأ يشعر بالملل من جلوسه المتواصل فقرر النهوض من مكانه ليغادر الغرفة ويتجول في المكتب قليلا..
وبينما هو كذلك سمع صوت خطوات تقترب من الشقة بسبب الباب المفتوح الذي مكنه من الاستماع لما يجري بالخارج..
ورأى سيدة تبدوا في منتصف العشرينيات تقترب من الشقة.. وتتطلع الى اللافتة التي بجوار الباب.. قبل ان تدلف الى الداخل..
وما ان شاهدت حازم حتى سألته قائلة: هل فارس موجود هنا؟..
استغرب مناداتها له باسمه مجردا من اية القاب.. وكأنها تعرفه وتساءل قائلا: هل تعرفين فارس؟..
اومأت برأسها ايجابيا .. فقال متسائلا: وما هي صلتك به؟..
قالت بهدوء: سيعرفني ان رآني..
قال حازم وهو يتطلع اليها باستغراب: حسنا.. انتظري هنا.. فهو مشغول قليلا.. سأخبره ان هناك سيدة تعرفك بالخارج.. وسأرى ان كان يستطيع مقابلتك الآن..
اومأت برأسها دون ان تعلق.. اما حازم فقد ارتسمت على شفتيه ابتسامة خبيثة وهو يدلف الى مكتب فارس ويقول بخبث: لماذا خبئت هذا الامر عني؟..
التفت له فارس وقال مستغربا: اي امر تعني؟؟..
قال حازم بخبث اكبر: هناك فتاة في العشرينيات من العمر تطلب مقابلتك.. وتقول انها على معرفة بك..وفوق هذا تناديك باسمك مجردا.. لم لم تخبرني انك على صلة بفتاة ما من قبل؟..
انعقد حاجبا فارس بقوة وقال: اي فتاة هذه؟.. لست اعرف اي فتاة في الوقت الحالي سوى عهد.. امتأكد انها ليست هي؟؟..
قال حازم بابتسامة: ليست عهد .. بل فتاة تكبرها سنة..وفي الحقيقة هي الاخرى تبدوا جميلة.. وخاصة وتلك التعابير الواثقة على وجهها..
قال فارس بهدوء: دعها تدخل.. لأرى من تكون..
غمز حازم بعينه وقال: في الحال..
هز فارس رأسه بقلة حيلة وهو يرى حازم يغادر المكتب وقال: فيما يفكر هذا الابله؟..
في الجهة المقابلة توجه حازم لتلك الفتاة وقال بابتسامة: تفضلي بالدخول.. انه ينتظرك..
قالت الفتاة بابتسامة: شكرا لك..
وتوجهت الى حيث مكتب فارس لتفتح بابها وتدلف الى الداخل.. وما ان رآها فارس حتى نهض من مجلسه وقال وعيناه متسعتان بدهشة: غادة!!..
ابتسم حازم وقال وهو يغمز بعينه: اسمها غادة اذا..
قال فارس بجدية: حازم.. اتركنا لوحدنا بعض الوقت..
قال حازم بخبث: بكل تأكيد..
وغادر الغرفة بعد ان اغلق الباب خلفه.. اما بالداخل قال فارس وهو يشير لها على المقعد المجاور لمكتبه: تفضلي بالجلوس..
جلست غادة .. فقال فارس بقلق: هل حدث شيء يا غادة؟؟.. هل عهد بخير؟؟..
قالت غادة وهي تلتفت اليه: وهل يهمك امر عهد لتسأل عنها؟..
قال فارس بعصبية: غادة.. لا تجيبي سؤالي بسؤال.. اخبريني هل عهد على ما يرام..
قالت غادة ببرود: اذا فأمر عهد يهمك كما هو واضح.. لما قررت اذا الابتعاد عنها وتركها وحيدة في الفرقة؟؟..
قال فارس وهو يعقد حاجبيه: انها رغبتها هي..
قالت غادة بحدة: رغبتها هي؟؟..اذا لم جاءت الى هنا بالامس حتى تطلب منك العودة؟؟..
قال فارس باستغراب: وكيف علمت بهذا الامر؟..
قالت غادة وهي تتطلع اليه بضيق: وتقول ان امرها يهمك وانت لم تحاول حتى السؤال عمن اوصلها اليك بالامس..
صدم فارس من كلامها لكنه قال بعد ذلك بتوتر: كنت اظنها قد جاءت بسيارة اجرة..
قالت غادة وهي تعقد حاجبيها: واي سيارة اجرة ستوصلها من الجنوب.. وفي جو ماطر كما هو الامس..
اطرق فارس برأسه وهو يكور قبضته .. في حين قالت غادة وهي تلتقط نفسا عميقا: على العموم لقد جئت الى هنا حتى اتحدث اليك في امر يخصها..
قال فارس باهتمام وهو يميل بجسده قليلا: يهم عهد؟؟.. وما هو؟؟..
قالت غادة وهي تتطلع اليه بجدية: ان عهد ترغب في عودتك.. طلبت مني ان اخبرك بأنها تريدك ان تعود.. وستفعل كل ما تطلبه منها..
قال فارس بدهشة: اعود الى الفرقة؟؟..
اومأت غادة برأسها وقالت: اجل .. انها حقا ترغب في عودتك.. وتقول انها ستفعل كل ما ترغب به.. فقط تريدك ان تعود..
اغمض فارس عينيه وظل غارقا في تفكيره لفترة .. قبل ان يفتح عينيه ويقول بجدية: لن اعود.. فلست راغبا بالعودة الى هناك مجددا.. انضمامي الى الفرقة كان لأجل عهد..ولكونهم لا يعرفون حقيقتها.. لكن الكل عرف بالحقيقة الآن..ويمكنني ان اطمئن عليها الآن..
صمتت غادة مندهشة من ردة فعله قبل ان تقول بحدة: لكن عهد بحاجة اليك..تريدك ان تكون الى جوارها..
قال فارس ببرود: لن اعود..
قالت غادة بحنق: فليكن لقد فعلت ما علي واوصلت الرسالة.. ولتفعل ما يحلو لك..
ونهضت من مكانها لتتوجه نحو الباب .. لكنها توقفت قليلا لتلتفت اليه وتقول بصوت هادئ: صحيح نسيت ان اخبرك.. لقد قالت لي عهد ان اخبرك انها لا تريد ان تفقدك انت ايضا..وقد قالت كلماتها هذه وهي في حالة يرثى لها من البكاء..
اتسعت عينا فارس.. وهو يرى غادة تغادر المكتب.. لا تريد ان تفقده هو ايضا.. وكانت تبكي وهي تنطق بكلماتها تلك؟.. احقا هو يعني لها شيئا لتذرف الدموع على رحيله؟؟..
لكن الم يراها بالامس فقط.. وكيف انها ترجته.. الم يشعر انها حقا راغبة في عودته؟؟.. لم كل هذه المكابرة الآن؟.. لم لا يعوداليها؟.. ايريد منها ان تترك فرقة المقاومة وتأتي هي اليه؟.. ايريدها ان تقدم تضحيات له.. كما قدم هو العديد من التنازلات لها؟؟..
وتنهد وهو يهمس لنفسه قائلا: لا اعلم اي مصير يخبؤه لنا القدر يا عهد؟..
:
:
يتبع...
 
بـ الحب (50) والواقع ــين
::المهمة الاخيرة::



تنهد مارك وهو يقف بجانب الزاوية اليمنى للمبنى لحراسته .. اصبح يقضي معظم الوقت في الحراسة.. على الرغم من ان هذا ليس عمله.. ولكن نظرا لان اغلب الجنود يغادرون المبنى لمهمات مختلفة.. ينبغي عليه هو الحراسة للتأكد من احاطة المبنى بكل وسائل الحماية والامان ..
سار في طريقه المعتاد وهو يتجول للتأكد من عدم وجود أي دخيل.. على الرغم من انه لا يأبه بذلك كثيرا.. الا انه يجب عليه ان يظهر اخلاصه للمبنى البريطاني حتى يحصل على ثقة الجيش..
وبينما هو كذلك سمع صوتا يناديه من بعيد.. فالتفت الى مصدر وشاهد انه جندي آخر يلوح له بيده .. فقال بصوت مرتفع: ما الامر؟..
قال الجندي في سرعة: القائد يطلب رؤيتنا..
اومأ مارك برأسه..ومن ثم اتجه الى حيث الجندي ودخل معه الى المبنى ومن ثم توجها الى الطابق الثالث.. وهناك اتجها الى حيث المكتب ودخلا اليه والجندي يؤدي التحية العسكرية..وتبعه مارك بادائها..
تطلع اليهم القائد ألكس قبل ان يقول بهدوء: اظن ان العدد قد اصبح كافيا للمهمة التالية..
اتسعتا عينا مارك للحظة لكن سرعان ما تغلب على انفعاله.. وهو يرى ألكس يشرح لهم خطة لاقتحام احد المدن.. وقال وهو يكمل: وبعدها ستتجه كل مجموعة الى اتجاه ..
واشار على الخريطة وهو يواصل: الفرقة (أ) من هذا الاتجاه بقيادتي.. الفرقة (ب) في هذا الاتجاه بقيادة القائد جون.. الفرقة (ج) في هذا الاتجاه بقيادة القائد مايكل..
وواصل شرحه لخطته القادمة لاقتحام تلك المنطقة .. والقلق في اعماق مارك يزداد تدريجيا..الى ان انتهى ألكس من شرح خطته فقال بحزم: سنتجه الى تلك المنطقة بعد نصف ساعة من الآن.. فكونوا على اهبة الاستعداد..
ادى جميع الجنود التحيةالعسكرية قبل ان يغادروا المكتب..ومن بينهم مارك الذي بدأ يشعر بالقلق..وقرر ان يخبر هشام بكل ما سوف يحدث بعد نصف ساعة من الآن..
لم يجد امامه الا حل واحد ليتمكن بها من مقابلة سوزي .. ليتمكن من الحديث اليها واستعارة هاتفها بطريقة لا تثير الشكوك..
اتجه الى غرفته على عجل.. وبحث بين ارجاءها على ما يمكن ان يفيده.. الى ان وجد ما يريد.. خنجر صغير الحجم لكنه يفي بالغرض..
تردد قليلا قبل ان يحسم امره ويلتقطه بكل حزم.. احكم قبضته على ذلك الخنجر قبل ان يمرره بسرعة وقوة على ذراعه اليسرى.. وتأوه بألم وهو يرى الدماء تتدفق من جرح ذراعه..قبل ان يمسك بذراعه ويخرج من غرفته مسرعا متوجا الى حيث ذلك المشفى ..
وهناك بحث عن وجه سوزي بين كل تلك الممرضات الموجودات .. ودعى الله ان تكون سوزي هي من ستعالج جرحه.. والا سيذهب كل ما فعله هباء..
وتقدمت ممرضة منه لحظتها وهي تقول: هل يمكنني مساعدتك يا سيد؟..
توتر وهو يتتطلع اليها وتحركت شفتاه ليقول شيء ما.. ولكن سرعان ما اطبقهما وهو يرى سوزي تخرج من احدى غرف المرضى.. واسرع يلتفت اليها ويتمنى ان تراه..
وكررت الممرضة سؤالها قائلة: يا سيد؟.. هل لي ان اعلم مابك؟.. وما بها ذراعك التي تمسكها بهذه القوة؟ ..
قال بصوت مرتفع قليلا متعمدا: لقد جرحت عن طريق الخطأ عند استخدامي للخنجر..
التفتت اليه سوزي عندما سمعت صوته..ورأته يتطلع اليها بنظرات لم تفهمها في البداية.. وشعرت بالخوف عليه وهي تراه ممسكا بذراعه .. فاقتربت لتقول بقلق: مابك؟..
تطلع اليها بعينين صارمتين.. فارتبكت وقالت مردفة: هل تحتاج الى مساعدة يا سيد؟..
والتفتت الى الممرضة الاخرى وقالت بهدوء: سأهتم به.. فقد انتهيت من عملي.. يمكنك الذهاب لاكمال عملك ..
هزت الممرضة كتفيها بغير اهتمام واستدارت عنهم لتكمل طريقها.. اما سوزي فقد قالت بسرعة وهي تبعد كفه الممسكة بذراعه: كيف حدث لك هذا؟..
قال بصوت منخفض: لا يهم الجرح الآن.. انا بحاجة لهاتفك للضرورة..
صمتت لوهلة ومن ثم قالت بهدوء: حسنا.. تعال معي لنعالج جرحك اولا..
تنهد واتجه معها الى احد الغرف.. فقالت في سرعة: انتظرني هنا حتى اعود..
اومأ برأسه..ووجدها تغادر الغرفة على عجل.. فالتقط نفسا عميقا وهو يبعد كفه قليلا ويتطلع الى جرح ذراعه.. ومن ثم يبتسم ويقول متحدثا الى نفسه: (يبدوا وان الخطة قد نجحت)..
ومالم تمض دقائق حتى رأى مارك الباب يفتح وتدلف منه سوزي وتقول وهي تلتقط انفاسها: عذرا .. هل تأخرت؟..
هز رأسه نفيا.. فقالت بابتسامة باهتة: دعني ارى جرح ذراعك الآن؟..
اومأ برأسه ورفع كم سترته .. ليمد ذراعه امام ناظريها.. فعقدت حاجبيها وهي تجلس امامه وتمسك بقطعة القطن وتتسائل: كيف جرحت هكذا؟..
صمت قليلا قبل ان يقول: كنت اتدرب على استخدام الخنجر .. فجرحت نفسي عن طريق الخطأ..
مسحت سوزي بالمطهر على جرحه وقالت وهي ترفع رأسها اليه وتبتسم: انتبه لنفسك في المرة القادمة..
ابتسم وقال وهو يومئ بنفسه: حسنا..
ولكنها توقفت فجأة عن تطهيرها لجرحه وقالت وهي تتطلع اليه بتفحص: امتأكد انك جرحت نفسك عن طريق الخطأ؟؟..
قال وهو يشيح بوجهه قليلا: اجل..
صمتت قليلا .. قبل ان تكمل عمله وتضمد جرحه ومن ثم تقول بابتسامة: لقد انتهيت.. سيشفى بعد عدة ايام فقط..
قال بابتسامة وهو ينقل بصره بين ذراعه وسوزي: شكرا لك..
قالت سوزي بابتسامة وهي تنهض لتعيد الادوات التي استخدمتها الى اماكنها: لا شكر على واجب..
ومن ثم استدارت اليه لتخرج هاتفها من جيبها ومن ثم تتأكد من عدم وجود احد.. قبل ان تمده اليه وتقول بقلق: تفضل..
قال وهو يلتقطه منها: اشكرك.. سأعيده لك بطريقة ما..
قالت في سرعة: لا يهم الآن..خبئه وغادر المشفى بسرعة..
اومأ برأسه وهو يغادر المشفى سريعا متوجها الى غرفته.. اما سوزي فقد قالت وهي تطرق براسه قليلا وتشد على قبضتها: لا اعلم لم ينتابني شعور بأنك قد جرحت نفسك متعمدا يا مارك حتى يمكنك بعدها الوصول الى هنا دون اثارة اي شكوك...
:
:
اتسعت عينا هشام وقال بصدمة: ماذا تقول؟؟!..
قال مارك في سرعة: كما اخبرتك.. سنغادر المبنى بعد ربع ساعة لنتوجه لتلك المنطقة.. اغلب الجنود سيكونون معنا.. وسنسيطر على اغلب مباني تلك المنطقة.. ما الذي ستفعله يا اخي؟..
صمت هشام قليلا مفكرا قبل ان يقول بهدوء: وما عدد الجنود الذين سيتبقون بالمبنى؟؟..
قال مارك وهو يمسك بذقنه: 10 حراس للمبنى من الخارج .. و 10 آخرون للمبنى الداخلي .. اما الجنود فلا اظن انهم يتعدون الـ 15 جنديا..
قال هشام بابتسامة: هذا جيد..
قال مارك باستغراب: ما الجيد في الامر؟.. الن تحاول ايقاف ما يحاولون فعله في تلك المنطقة؟؟..
قال هشام بحزم: بل سأحاول ايقاف ما يفعلونه في البلاد..
قال مارك بتساؤل وحيرة: علام تخطط يا اخي؟؟..
قال هشام بابتسامة واثقة : استغلال غياب العدو عن وكره..
قال مارك بدهشة: لا تقل لي انك تفكر في...
قال هشام وهو يومئ برأسه: بلى هذا ما افكر فيه..
قال مارك في سرعة: ولكن هذا خطير.. خطير جدا يا هشام..
قال هشام بابتسامة: العدد المتبقي للجنود قليل جدا ويمكننا القتال ضدهم.. اذا كشف امرنا..
قال مارك بقلق شديد: لكن يا اخي...
قاطعه هشام قائلا: لا تقلق يا اخي.. سأكون بخير.. قم باداء مهمتك انت فقط كما ينبغي..
قال مارك وهو يتنهد: سأحاول على الرغم من اني بدأت اكره ما اقوم به..
قال هشام بهدوء: حاول من اجلي ومن اجل الجميع .. ومن اجل حرية هذا الوطن..
قال مارك بابتسامة واهنة: اعدك ان احاول..
واردف قائلا : سأرسل لك بعض الصور التي قد تساعدك في هذه المهمة..
قال هشام متسائلا: صور؟؟..
قال مارك بهدوء: اجل .. سأنهي المكالمة بك الآن.. وارسل لك الصور بعد لحظات..
وانهى المكالمة بعدها .. ليلتقط عدة صور لشيء ما قبل ان يرسل تلك الصور الى هاتف هشام.. ومن ثم وضع الهاتف في درج الطاولة الصغيرة المجاورة لفراشه.. وبعدها غادر الغرفة لينضم الى صفوف الجيش الذي سينطلق بعد قليل الى منطقة ما لتدميرها والاستيلاء عليها...
########
(من يرغب بالمشاركة في هذه المهمة؟)
قالها هشام وهو ينقل بصره بين افراد فرقة المقاومة .. فقال عزام بهدوء: اظن ان علينا جميعا الاشتراك في هذه المهمة..لانها مهمة ستشكل لنا نقطة تحول كبيرة في هذه الحرب..
قال هشام بهدوء: معك حق.. لكن ربما لا يرغب الجميع بالاشتراك في هذه المهمة..
اسرع رأئد يهتف بصوت عالي: الجميع موافق على الاشتراك.. اليس كذلك يا افراد فرقة المقاومة؟؟.. هذه المهمة هي اهم مهمة يتوجب علينا القيام بها جميعا..
قال عماد في سرعة: هذا صحيح.. سنذهب معك يا ايها القائد.. جميعنا معك..
ابتسم هشام وقال بصوت حازم ومرتفع: اذا .. جهزوا انفسكم يا افراد فرقة المقاومة.. لهذه المهمة.. وليكن شعاركم النصر والحرية ولا للهزيمة..
ازداد هتاف فرقة المقاومة وهم يسرعون بتجهيز انفسهم.. واعداد اسلحتهم وحشوها بالذخيرة.. ومن بينهم كانت عهد.. التي قررت ابعاد أي شيء عن ذهنها والقتال في هذه اللحظة.. مهما كانت العواقب والنتائج تريد ان ترى الحرية ترفرف على وطنها من جديد..
وهشام كان يراقبهم وما ان اكملوا استعدادهم للمهمة حتى قال بصوت عالي: اقتربوا جميعا.. سأشرح لكم الخطوط الرئيسية لتنفيذ المهمة..وبعدها سننطلق الى هناك.. ارجو ان يفهم الجميع ما سأقوله .. فليس هناك وقت لأعادة الشرح..
واشار الى الخريطة وقال: سننقسم الى مجموعتين ..مجموعة ستتجه الى تلك الجهة لتزرع المتفجرات بها.. والمجموعة الثانية ستتجه الى الجهة الاخرى لتزرع المتفجرات حولها.. ومن ثم سنستغل انشغال الجنود بالانفجار..ويمكننا اقتحام المكان بعدها.. وهزيمة عدد الجنود البسيط بالداخل والسيطرة على مبناهم..
ومن ثم قال هشام مردفا وهو يفتح مجلد الصور في هاتفه: والآن سأرسل لكم صور تحوي على مخطط المبنى البريطاني والتي ارسلها الي مارك.. الى جميع هواتفكم المحمولة لتتمكنوا من التسلل وحدكم .. فيما اذا حدث امر ما وافترقنا عن بعضنا البعض..
وقال بعد ان ارسل صور مخطط المبنى الى الجميع: والآن ..هل فهم الجميع ما ينبغي علينا فعله؟..ألدى احدكم أي استفسار؟؟..
اجاب الجميع في صوت واحد: لا..
قال هشام في سرعة: فلننطلق اذا.. في اربع سيارات فحسب..
اومؤوا برأسهم واسرعوا في توزيع انفسهم على اربع سيارات.. متجهين الى المبنى البريطاني جميعا...
#########
تأوه فارس بألم وهو يقطع الخضروات لكي يعد طعام العشاء.. فقال حازم بابتسامة: افضل.. حتى تنفذ ما اقوله لك في المرة المقبلة.. وتتركنا نتناول العشاء في مطعم بالخارج..
قال فارس وهو يرمي على حازم علبة المحارم الورقية: بدلا من التذمر.. تعال وساعدني..
قال حازم بغرور: عذرا انا ابن عائلة معروفة .. لا استطيع دخول المطبخ الا لشرب الماء..
تطلع اليه فارس ببرود ومن ثم قال: وانا ابن عائلة بخيلة.. لن امنحك أي شيء من هذا الطعام اذا لم تساعدني..
قال حازم بحنق: اذا اردت ان اصنع لك على العشاء اشياء غريبة.. فليس لدي أي مانع..
قال فارس وهو يبتسم: تعال فقط وساعدني في تقطيع هذه الخضراوات .. فلن اسمح لك بالطهو على اية حال..
اقترب منه حازم وقال ببرود: مجبرا اخاك لا بطل.. اعطني سكينا لاقتلك بها..
ضحك فارس وقال وهو يمرر له سكينا على الطاولة: خذ..
امسك حازم بها وقال متسائلا: ماذا اقطع الآن؟..
قال فارس بسخرية: رأسك..
ورمى بحبة طماطم اليه وقال بابتسامة: خذ قطع هذه اولا..
تلقفها حازم بكفه ومن ثم قال: حسنا .. حسنا.. سأحاول..
ووضع حبة الطماطم امامه وهو يقول بمرح: ينبغي عليك ان تتزوج لتريح نفسك من هذا العذاب..
توقف فارس عن التقطيع بغتة.. وتجمدت قبضته على السكين قبل ان يقول ببرود: الحياة وحيدا افضل مئة مرة من فتاة تزعجك بطلباتها.. وعنادها وتذمرها وازعاجها..
قال حازم بابتسامة: لا احد منا يستطيع العيش وحيدا .. ولهذا ينبغي عليك ان ترضخ لامر ان تتزوج في يوم ما..
تنهد فارس واغمض عينيه ليقول في اعماقه: (اما ان تكون عهد.. واما فلن اقبل بالزواج باي فتاة كانت مدى الحياة)..
هتف به حازم: فارس .. فارس..
قال فارس وهو يفتح عينيه: ما الذي تريده؟..
اشار حازم لهاتف فارس المحمول الموضوع على الطاولة وقال: هاتفك كان يرن بنغمة قصيرة منذ قليل.. اظن ان رسالة قد وصلت اليك..
امسك فارس بهاتفه بدون أي اهتمام.. لكن سرعان ما ظهرت علامات الجدية والاهتمام على وجهه وهو يرى ان مرسل او مرسلة تلك الرسالة لم تكن سوى عهد..
شعر بلهفة شديدة وهو يفتح الرسالة في سرعة.. وقفزت نظراته الى السطور بسرعة وهو يقرأها بكل اهتمام.. قبل ان تتسع عيناه وهو يعيد قراءة الرسالة من جديد.. (فارس.. اعذرني ان قمت بأي تصرف قد ضايقك.. اعذرني ان كنت عبئا ثقيلا على كاهليك.. اعذرني لو ازعجتك بتحملك لمسؤوليتي..اعذرني ان كنت ابنة عم مجنونة.. لقد كنت وما زلت اغلى شخص لدي في هذا العالم.. اشكرك على وقوفك الدائم الى جواري.. لن انسى ما فعلته من اجلي ابدا.. سأذهب اليوم الى مهمة ما.. لذا سامحني ارجوك.. فقد لا اعود منها مجددا.. انتبه لنفسك جيدا يا ايها المتسلط.. عهد)
خفق قلبه بقوة وخوف وقلق وتوتر .. واتسعت عيناه بشكل اكبر وهو يشد بقبضته على الهاتف بكل قوة يمتلكها.. قبل ان يشعر بأطرافه ترتجف وهو يرفع رأسه ويتطلع الى حازم وهو يهتف بكلمات مختنقة: عهد..
قال حازم بخوف وهو يتطلع الى ملامح فارس: ما بها؟؟..
قال فارس بخوف شديد: ذهبت في مهمة..وقد.. وقد لا تعود..
وصاح فجأة بأنفعال: سحقا..
ونهض من مكانه على عجل ليضع الهاتف في جيب بنطاله ..ويمسك بسترته وصوت حازم يناديه قائلا: فارس.. الى اين؟..
قال فارس في سرعة وهو يتوجه لمغادرة الشقة: الى فرقة المقاومة.. ربما يمكنني اللحاق بها..ومنعها من الاشتراك بالمهمة..
قال حازم وهو ينهض من مكانه في سرعة: انتظرني يا فارس.. انا قادم معك..
لكن فارس لم يكن يستمع اليه لحظتها.. بل قد غادر الشقة من فوره ليهبط درجات السلالم بكل سرعة وحنق وهو يقول: غبية.. غبية.. الا تعلم ان جميع الجنود يبحثون عنها؟.. الا تعلم انهم قد وزعوا نشرة بمواصفاتها؟.. الا تعلم انها كانت اسيرة بينهم.. وسيحاولون فعل المستحيل للقبض عليها ومن ثم قتلها؟..الم تفكر الا فيما يتوجب عليها القيام به؟.. غبية .. غبية..
وانطلق مسرعا نحو سيارته.. ليخرج مفتاحها من جيب سترته ويفتحها على عجل قبل ان يدلف اليها وينطلق بها بين شوارع المنطقة.. وهو يتمنى من كل قلبه ان لا تكون عهد قد غادرت فرقة المقاومة حتى الآن..
كانت اصوات الابواق واحتجاجات سائقي السيارات تتعالى بين الحين الآخر على تجاوزه وسرعته الجنونية.. واخيرا وبعد عشر دقائق وصل الى فرقة المقاومة.. مما جعله يضغط على الفرامل بكل قوة.. لتصدر اطارات السيارة صريرا مزعجا وهي تحتك باسفلت الشارع..
غادر سيارته وانطلق راكضا الى فرقة المقاومة.. ليطرق بابها بكل قوة.. وهو يهتف بصوت عالي: افتحوا الباب.. انه انا فارس..
لكن لم تكن هناك أي اجابة على الاطلاق.. وعاود الطرق لمرة واثنتين وثلاثة.. حتى ادرك ان لا احد بالداخل..وان الجميع قد غادروا لتلك المهمة..
شعر بالقهر وهو يكور قبضته ويضرب بها الجدار وهو يهتف: كل ما حدث بسببي.. لو لم اضع كرامتي نصب عيني.. لكنت الآن معها في فرقة المقاومة ولمنعتها من الذهاب لتلك المهمة..
واستدار بالم وهو يسير بضع خطوات قبل ان يشعر باليأس ويجلس على حافة الرصيف..وهو يطرق برأسه ويقول: ترى اين انت الآن يا عهد؟؟..
وشد على قبضتيه وهو يشعر بعجزه من اللحاق بها او ايقافها من اقحام نفسها وسط هذا الخطر.. ورمي نفسها في هذا الجحيم الذي لا يمكنها الوقوف في وجهه ابدا..
رغم كل شيء هي فتاة.. حتى ان تظاهرت بالقوة والشجاعة.. ستظل فتاة ضعيفة لن يمكنها القتال.. فقط لو كان الى جوارها .. لكان بامكانه الآن حمايتها على الاقل والاطمئنان عليها..
شعر برنين هاتفه المحمول فجأة في جيب بنطاله.. فاجاب عليه بعد ان رأى المتصل وهو يقول بلامبالاة: اهلا حازم..
قال حازم بلهفة: ها.. اخبرني ما جرى معك؟.. هل لحقت بعهد؟..
قال فارس وهو يتنهد بألم: لا.. لم اجدها ولم استطع اللحاق بها او ايقافها..
قال حازم في سرعة متسائلا: هل حاولت الاتصال بها؟..
قال فارس بنفي: لا.. لم احاول..
قال حازم بحنق: وما الذي تنتظره اذا؟؟.. اتصل بها لكي تعرف اين هي؟..او حتى تحاول ايقافها بحديثك اليها..
قال فارس بابتسامة مريرة: هي لن تستمع الي ابدا.. مهما تحدثت.. ذهابي اليها هو الحل الامثل لمنعها من الذهاب بالقوة..
قال حازم في سرعة: هذا ليس حلا يا فارس.. لا تستطيع منعها من الذهاب بالقوة.. فلتفهم وجهة نظرها او لتفهم هي وجهة نظرك..وبعدها قد تقتنع هي بما ستقوله لها وتعود..
قال فارس ببرود: لا اظن ذلك.. انها عنيدة.. لن تفعل الا ما تريده هي..
قال حازم بهدوء: جرب الاتصال بها والحديث اليها.. انت لن تخسر شيئا..اتفقنا.. هيا الى اللقاء..
قالها وانهى الاتصال..اما فارس فقد قال بسخرية مريرة: تريد مني الاتصال بها يا حازم؟.. اذا اجابت على اتصالي فقط سيكون شيء جيد جدا..
ونهض من مكانه ليتوجه الى سيارته وهو يشعر بالخوف والقلق الشديدين على عهد ..وكاد ان يمسك بمقبض باب السيارة لكنه فجأة تذكر كلمات حازم له..
(جرب الاتصال بها والحديث اليها.. انت لن تخسر شيئا)
حقا هو لن يخسر شيئا اذا حاول الاتصال بها.. وفتح باب سيارته ليدلف اليها .. ومن ثم يحتل مقعدالسائق ليقوم بالضغط على ازرار الهاتف ويتصل بعهد..وهو يتمنى من كل قلبه ان تجيبه..
:
:
على الجهة الاخرى كانت عهد تستعد لتنفيذ المهمة بعد ان تركت هاتفها على الوضع الصامت..واعدت مسدسها في وضع الاطلاق.. قبل ان تستمع باهتمام لارشادات هشام للفرقة..
وتطلعت حولها لافراد فرقة المقاومة الذين يراقبون المبنى البريطاني استعدادا لمغادرة الجنود البريطانيون للمكان .. ومن بعيداستطاعت ان تلمحه.. بزيه العسكري وقبعته العسكرية.. وبصرامته وحزمه المعهود وهو يعطي الاوامر للجنود حتى ينطلقوا الى المنطقة التي يرغبون بالسيطرة عليها..
وفي اعماقها شعرت بتلك المشاعر تتحرك من جديد.. وكأنها راغبة في ترك كل شيء خلفها.. وان تجري باتجاهه لتكتفي بالنظر الى وجهه عن قرب..ولتقول له انها قد اشتاقت اليه كثيرا.. بأكثر مما يتصور.. وبأنها تحبه وتريد البقاء بجواره الى الابد.. ولكن...
(ولكن الواقع يحكم عليهما الفراق).. هذا ما دار في رأس هشام وهو يتطلع الى شقيقه الذي كان ينطلق الى احدى السيارات العسكرية ويدلف اليها.. وابتسم ابتسامة باهتة وهو يحرك شفتيه بلا صوت: اهتم بنفسك جيدا يا اخي..
وما ان غادرت السيارات العسكرية المكان حاملة بداخلها جنود المبنى البريطاني.. حتى انتظر هشام لبعض الوقت..قبل ان يعطي الاشارة للمجموعة الاولى..التي سارعت بالاتجاه لموقعها الشرقي للمبنى البريطاني..ومن بين افرادها كانت عهد..
وبعدها اعطى الاشارة للمجموعة الثانية التي توجهت للموقع الغربي للمبنى البريطاني..
وتطلع عزام قائد المجموعة الاولى الى مجموعة الحراس اللذين يقفون بالخارج فقال بصوت هامس: عندما اعطي الاشارة..تسللوا من خلفهم..وازرعوا القنابل في ذلك الجانب..واذا احسستم بأي احد قد انتبه لكم .. فلا تطلقوا النار ابدا عليه..والا كشف امرنا..
اومأت عهد برأسها وكذلك فعل البقية..قبل ان يتسللوا بحذر شديد لما خلف المبنى..ونظرا لعدد الحراس القليل.. استطاعوا التسلل لما خلف المبنى وزرع القنابل هناك..وكذلك فعلت المجموعة الاخرى.. قبل ان يشير لهم هشام بالانسحاب والعودة الى مواقعهم..
وقال بصوت منخفض بعد ان تجمع الجميع: سنستغل انشغالهم بالانفجار وسنتسلل الى الداخل.. هل هذا مفهوم؟..
همس البعض بكلمة (اجل).. في حين اتأخذ البقية وضع الاستعداد.. وهشام الذي كان يمسك بزر لتفعيل القنابل.. التقط نفسا عميقا وقال: يارب وفقنا في مهمتنا هذه..
وضغط على زر التفجير.. لتنفجر القنابل مخلفة وراءها دويا قويا .. ولتدمر سور ذلك الحصن المنيع المسمى بالمبنى البريطاني..
وليلتفت جميع الجنود الى ذلك الانفجار الذي حدث والذي تسبب في مقتل بعض الحراس وجرح آخرين.. وصاح احدهم : تفرقوا وابحثوا عمن فعل هذا..
قال هشام في سرعة: انها فرصتنا..
ومن ثم قال وهو يلتفت للبقية: اتبعوني هيا..
اسرع الجميع خلفه متسللين الى ذلك المبنى.. مستغلين انشغال الجنود بالانفجار.. وانهيار النظام الامني للمبنى ..
قال عزام وهو يجري بجوار هشام:الى اين نحن ذاهبين؟..
قال هشام بصرامة: الى مدير الجيش البريطاني..
توقف عدة جنود في وجه هشام والبقية..وهم يهتفون: استسلموا والقوا اسلحتكم والا اطلقنا النار..
ابتسم هشام بسخرية.. قبل ان يقول بالعربية: الآن..
وانهالت رصاصات فرقة المقاومة على الجنود الذين اطلقوا النار بدورهم على المتسللين.. واستطاع هشام ان يتقدم مع البقية بعد ان اطاح بمعظم الجنود..
وسمعا عماد يهتف في تلك اللحظة: لقد اصيب عادل..
قال هشام في سرعة: خذه وغادرا المكان..
اومأ عماد برأسه واسند عادل على كتفه وهو يهتف: لا تقلق يا عادل.. سأحميك بكل ما استطيع من قوة..
هتف هشام فيهم لحظتها: عماد..ارتدي انت وعادل بدلتين من احدى بدل هؤلاء الجنود.. لتتمكن من الفرار دون ان ينتبه اليكم احد..
واردف وهو يتطلع الى عزام: ارتدي يا عزام انت ورائد البدلتين الباقيتين..
قالت عهد حينها: وانت يا ايها القائد ينبغي عليك ارتداء واحدة ايضا..
قال رائد وهو يومئ برأسه: هذا صحيح.. هناك زي اضافي لك..
قالت عهد في سرعة: اظن اني اعرف هذا المكان.. انه يشبه المتاهة بممراته العديدة..
اسرع هشام والبقية يجذبون الجنود الجرحى او القتلى الى غرفة مجاورة.. ويستبدلون ثيابهم بالزي العسكري..
وبينما هم كذلك.. دخلوا الى غرفة جانبية تحوي على عدد كبير من الكمبيوترات .. وهناك شخصين بداخلها يعملان خلف تلك الحواسيب..
وما ان انتبه احد الشخصين اليهما حتى هتف بقلق:من انتما؟..
قال هشام ببرود وهو يصوب المسدس اليهما: قيدهما يا عزام.. ريثما ننهي عملنا هنا..
اومأ عزام برأسه وهو يقيدهما .. وبعد ان استبدل عزام وهشام ملابسهما.. قال هشام في سرعة: بالتأكيد هذه الغرفة تحوي على الكثير من المعلومات..
والتفت الى عزام وقال مردفا: اطبع او قم بحفظ ما يمكنك من معلومات.. وسأعود اليك لاحقا..
اومأ عزام برأسه وهو يتخذ جلسته خلف احد الحواسيب.. اما هشام فقد غادر الغرفة وهو يفكر في اعداد افراد فرقته الذي أخذ في التناقص.. ومن ثم ابتسم بهدوء وهو يقول: هيا بنا..
واكملوا عملية تسللهم للمبنى حسب مخطط المبنى الذي ارسله مارك.. وعلى الرغم من تعرض الجنود لهم مرة تلو الاخرى..الا انهم وفي كل مرة كانوا يتقدمون اكثر.. لكن في المقابل كان عددهم يتناقص تدريجيا..
واخيرا وصل هشام الى مكتب مدير الجيش وهو يلهث ومن خلفه كان 5 افراد للفرقة من بينهم عهد ورائد ..
وقال هشام بتعب شديد وهو يتطلع الى جروحهم التي تكاثرت على جسدهم: انها المرحلة الاخيرة..
وصاح بصوت عالي وهو يفتح الباب بكل قوته: الآن..
ومن خلف الباب تطلع مدير الجيش اليهم بصدمة وهو يستغرب من امكانية وصولهم الى مكتبه.. في حين وقف جنديان على يمينه ويساره.. وهم يصوبان بندقيتهما الى هشام والبقية وهم يهتفون: القوا اسلحتكم وانبطحوا ارضا..
اخرج مدير الجيش البريطاني بدوره مسدسه من درج مكتبه ويصوبه اليهم ويهتف بهم: وصولكم الى هنا يعد امرا مستحيلا.. لابد ان هناك حيلة بالامر.. لابد ان هناك من ساعدكم..اخبروني الآن.. من هو الخائن في هذا المبنى؟..سأطلق سراحكم ان فعلتم..
ابتسم هشام بسخرية ومن ثم قال: وكأننا سنصدق ما ستقوله..
تطلع مدير الجيش الى وجه عهد وقال بصرامة: انا اعرفك.. انت الاسيرة.. انت من دلهم على هذ المبنى.. وكان سبب في كل ما يحدث الآن.. الموت لك ..
وانطلقت الرصاصة من مسدس مدير الجيش البريطاني.. باتجاه عهد تماما..وهذه الاخيرة التي اتسعت عيناها بصدمة وهي تشعر ان قدماها قد شلتا.. وانها لم تعد قادرة على الحركة ابدا..
:
:
يتبع..
 
بـ الحب (51) والواقع ــين
:: نصر ام هزيمة؟ ::


تطلع مدير الجيش الى وجه عهد وقال بصرامة: انا اعرفك.. انت الاسيرة.. انت من دلهم على هذ المبنى.. وكان سبب في كل ما يحدث الآن.. الموت لك ..
وانطلقت الرصاصة من مسدس مدير الجيش البريطاني.. باتجاه عهد تماما..وهذه الاخيرة التي اتسعت عيناها بصدمة وقد شعرت ان قدماها قد شلتا.. وانها لم تعد قادرة على الحركة ابدا..
اما هشام الذي ما ان رأى مدير الجيش البريطاني يضغط على الزناد.. حتى دفع بعهد بعيدا بسرعة.. مما جعل عهد تسقط على الارض.. والرصاصة تخترق الجدار..
ولم يضع هشام المزيد من الوقت.. بل ضغط زناد مسدسه في سرعة ليصيب احد حارسي مدير الجيش البريطاني .. ورائد الذي حذا حذو هشام واطلق النار على الحارس الآخر..
وقبل ان يفيق مدير الجيش البريطاني من دهشته مما جرى..كان هشام قد قفز طاولة المكتب واصبح خلف المدير تماما.. وصوب مسدسه الى رأسه وهو يقول بابتسامة ساخرة: ها قد انقلبت الاوضاع الآن..
وطوق عنقه وهو يقول ببرود: اتصل الآن بأي جندي كان.. واعطي الامر باطلاق سراح السجناء..
قال المدير وعيناه متسعتان: كلا.. هذا مستحيل..
قال هشام ببرود: فليكن اذا.. انت من يريد الموت..
قالها وهو يستعد للاطلاق..ويشد قبضته على رقبة مدير الجيش البريطاني.. فأسرع المدير يقول في سرعة وقلق: انتظر لحظة.. سأنفذ ما طلبته..
ورفع سماعة الهاتف ليضغط رقما ما.. قبل ان يتصل باحد الجنود ويخبره بأن يطلق صراح جميع السجناء..
اما الجندي الذي اثار استغرابه هذا الطلب قال: اانت متأكد يا سيدي؟؟!.. اتريدنا ان نطلق سراح جميع الاسرى؟؟..
قال المدير: اجل.. هذا أمر..
قال الجندي وهو يعقد حاجبيه بشك: هل هناك شيء يا سيدي؟.. لقد سمعت صوت الانفجار منذ قليل.. هل حدث امر ما؟..
صمت المدير.. ومن ثم اغلق السماعة.. مما جعل الجندي يشك في الامر اكثر .. والتفت الى باقي زملاؤه وهو يقول: سنذهب الى حيث مكتب مدير الجيش.. يبدوا ان هناك امر ما قد حدث في المبنى..
وفي الجهة الاخرى.. قال هشام: لن نتركك قبل ان نرى بقية السجناء احرارا..
قال مدير الجيش ببرود: حسنا .. حسنا.. لك هذا..
قال هشام وقد شعر ببعض الشك من صوت مدير الجيش: رائد.. راقب المدخل جيدا..
اومأ رائد برأسه ايجابيا .. وغادر الغرفة ليراقب المدخل.. اما هشام.. فقد قال وهو يضغط على عنق مدير الجيش البريطاني: هناك قنابل أخرى قمنا بوضعها في ارجاء مختلفة من هذا المبنى.. من الافضل لك ان تنفذ طلباتنا.. ومن ثم تأمر باخلاء هذا المبنى..
قال مدير الجيش ببرود: وكأني سأصدقك..
التفت هشام الى عهد وقال لها: عهد.. اتصلي بعزام واطلبي منه تفجير احدى القنابل التي وضعناها في المبنى..
اومأت عهد برأسها.. وسارعت بالاتصال بعزام.. لتخبره بما قاله هشام.. فقال عزام مبتسما: لقد فهمت..
انهت عهد المكالمة وهي تقول: سيفعل ذلك الآن..
ابتسم هشام وقال: هذا جيد..
لكن وقبل ان يحدث اي انفجار.. شاهد هشام رائد يعود للغرفة مسرعا وهو يقول بتوتر: هناك 5 جنود تقريبا يقتربون من مكتب المدير.. ماذا علينا ان نفعل؟..
قال هشام ببرود: لا شيء.. لا تنسى ان لدينا رهينة.. لن يمكنهم التضحية بمديرهم بهذه البساطة..
زفر رائد بحدة وهو يقف مستعدا بجوار الباب من الداخل..وتقف عهد على الجانب الآخر.. والعضوين الآخرين من فرقة المقاومة.. وقفا بجانب هشام للتمكن من تصدي هذا الهجوم..والاخير كان يلتقط سلاح احد الجنديين الذي اطلق عليهم هشام ويستعد لتصويبه لمن سيدخل من خلف هذا الباب..
وهناك من خلف الباب .. قال احد الجنود وهو يعقد حاجبيه: يبدوا ان احدهم قد تمكن من التسلل الى هنا.. هناك آثار للفوضى بالممر..
وببطء وحذر اقترب هذا الجندي من باب المكتب.. قبل ان يدفعه بكل قوة وهو يشهر سلاحه ويهتف بصوت حاد: استسلموا فورا..
لكن وما ان اكمل جملته حتى شعر بالدهشة من وجود مدير الجيش البريطاني كرهينة بين ايدي المتسللين.. اما هشام فقد قال بابتسامة: بل انتم من عليكم الاستسلام.. والا قتلت مدير جيشكم هذا..
حاول مدير الجيش التملص من بين ذراع هشام التي كانت تطبق على رقبته.. لكنه لم ينجح في ذلك.. فلم يكن هشام ابدا بالخصم السهل .. فكونه مقدم في الشرطة جعل منه يتقن اغلب فنون القتال..
توقف الجنود مكانهم بحنق غير قادرين على الحركة.. اما هشام فقد قال بحزم: القوا اسلحتكم فورا..
القى الجنود باسلحتهم في قلة حيلة.. وفجأة سمع صوت انفجار يبدوا انه قد حدث في المبنى..خصوصا وقد شعروا باهتزاز بسيط في المكتب.. فقال احد الجنود بتوتر: ما الذي يحدث هنا؟..
قال هشام ببرود: تم تنفيذ طلب مديركم..
واردف هشام وهو يشير الى رائد: خذ احد الجنود وليطلق سراح السجناء لك .. سأنتظر ربع ساعة ليصلني اتصال منك.. ان لم يحدث ذلك سأقتل هذا المدير..
اومأ رائد برأسه ودفع احد الجنود امامه وهو يقول ببرود: الم تسمع ما قيل؟.. هيا تعال معي واطلق سراح الاسرى والا قتل مديركم هذا..
تطلع المدير في حنق الى فرقة المقاومة.. وقال: تبا.. الموت لكم..
قال هشام بكره وحقد وهو يشد ذراعه اكثر على رقبة المدير: بل الموت لكم يا من دمرتم بلادنا.. وشردتم شعبنا..
واردف ببرود: الا زلت غير مصدق لكل ما قلته لك.. هيا اصدر الامر باخلاء هذا المبنى.. قبل ان ينفجر بمن فيه..
قال مدير الجيش بقهر: سحقا..
وضغط زر في جهاز ما وهو يهتف: على الجميع اخلاء المبنى.. هناك حريق قد حدث.. على الجميع اخلاء المبنى..
قالها وضغط زر آخر.. لتنطلق صافرات الانذار في المبنى.. فدفع هشام مدير الجيش البريطاني امامه.. ودفع افراد فرقة المقاومة الجنود الباقون .. وهم يهتفون بهم ان يتقدموا..
حتى وصلوا اخيرا الى خارج المبنى.. وشاهدوا عزام الذي كان ينتظرهم بالخارج وقال هشام مصدرا الامر: قيدوا الجنود..
قال عزام بهدوء: ماذا عن الاطباء والممرضين والممرضات؟..
قال هشام بهدوء: اتركوا السيدات.. ولتقيدوا الرجال وحسب..
:
:
قبل ربع ساعة من الآن.. عماد الذي كان يحاول مراقبة الاوضاع من مكانه بعد ان حاول علاج جرح عادل بعلاج اولي..ريثما تنتهي المهمة ويأخذه للعلاج..
ابتسم وهو يرى الجنود والممرضين يغادرون المبنى وفهم ان الخطة قد نجحت.. وانهم سيحققون النصر قريبا..
كاد ان يقترب من المبنى اكثر.. لولا ان شعر باهتزاز الهاتف في جيبه فأجاب عليه بعد ان شاهد ان المتصل هو جهاد وقال في سرعة: اهلا جهاد.. ما الامر؟..
قال جهاد متسائلا: اين انتم؟.. لا يوجد احد في المقر..
قال عماد في سرعة: نحن في المبنى البريطاني.. وقد اقتربنا من النصر..
قال جهاد وعيناه متسعتان عن آخرهما: ما الذي تقوله؟.. أأنت جاد؟؟..
قال عماد بابتسامة واسعة: كل الجدية..
قال جهاد في سرعة: انا قادم ومعي غسان.. لن اترككم وحدكم في هذه الظروف..
قالها واغلق السماعة قبل ان يتمكن عماد من قول المزيد.. فابتسم عماد.. واسرع بالاقتراب من المكان بعد ان رأى هشام يمسك بمدير الجيش ويصوب السلاح اليه.. وقال وهو يشهر سلاحه في وجه جميع الجنود: هيا القوا باسلحتكم حالا..
القى كل جندي سلاحه وهم يشعرون بمرارة الهزيمة..اما هشام .. فقد كان يتطلع لكل ما حوله بسعادة وهو يرى شمس الحرية قد بدأت تشرق منذ هذه اللحظة..
ولكن.. لم تدم هذه الفرحة طويلا.. فقد كان القدر يخبئ مفاجأة جديدة .. مع اتصال رائد لهشام واخباره انه قد تم اطلاق جميع الاسرى من السجون...
###########
تحركت قوات ألكس استعداد للعودة.. وهذا الاخير يهتف فيهم: هيا سنعود للمبنى..
وألقى ألكس نظرة اخيرة على المكان.. الدمار يعم كل شيء.. ورائحة البارود اصبحت تكتم الانفاس.. لقد دمروا هذا المكان وقتلوا اصحابه دون رحمة..
تنهد ألكس وهو يتوجه الى حيث السيارة العسكرية ويصعد فيها.. قبل ان يفعل بقية الجنود الشيء ذاته ويحتلوا اماكنهم في السيارات العسكرية..
وانطلقت جميع السيارات العسكرية متوجهة الى المبنى البريطاني .. غير عالمين بالمفاجأة الغير متوقعة والتي تنتظرهم هناك..
واخيرا لاح لهم من بعيد المبنى البريطاني.. لكن حاجبي ألكس اخذا في الانعقاد وهو يلمح ذلك الدخان المتصاعد من المبنى.. وقال متسائلا: ما الذي حدث هناك يا ترى؟.. اهو هجوم آخر من فرقة المقاومة؟؟..
قال جون بتوتر: هناك حركة غير طبيعية عند المبنى..
وسرعان ما تلاشى الغبار .. ووضحت الرؤية لهم.. ليتطلعوا الى اغلب الجنود وهم مقيدين بجوار المبنى .. وذلك المبنى الذي لطالما وقف شامخا ضد أي هجوم.. هاهو ذا ينهار اليوم امام عدة متفجرات فحسب..
وكور ألكس قبضته بقهر وهو يهتف: تبا.. ما الذي حدث هناك يا ترى؟؟..
ابتسم مارك في اعماقه وهو يقول: ( هذا جزاؤكم.. لقد كنتم تدمرون المنازل في تلك المدينة دون شفقة او رحمة .. هاهو ذا مبناكم قد تم تدميره ايضا.. ذات المشهد يتكرر معكم.. فلتذوقوا الآن نتيجة افعالكم الحقيرة)..
اضطر ألكس لان يوقف السيارة وهو يرى هشام يصوب مسدسه تجاه مدير الجيش البريطاني.. ويغادر سيارته وهو يقول بحدة: ايها الشاب.. ما تفعله لن يكون في صالحك ابدا.. سيتم القبض عليك وستعدم في النهاية..
قال هشام ببرود: وكأني سأهتم من هذا المصير.. لست اهاب الموت بعد ان ذقت مرارة الاستعمار.. حلمي هو ان احرر هذه البلاد من امثالكم.. وسيتحقق هذا الحلم اليوم..
وعهد التي كانت خفقات قلبها تتسارع لمرأى ألكس.. مرت فترة طويلة منذ آخر مرة رأتها فيه.. تبا لهذا القلب.. لماذا احب عدوا؟؟.. لماذا؟؟..
واشاحت ببصرها بعيدا لعلها تتمكن من السيطرة على مشاعرها وعلى خفقات قلبها المتسارعة.. اما ألكس فقد كان نظره مسلطا على هشام وهو يهتف به: لن تنجو بفعلتك.. انظر الى اعدادنا واعدادكم.. انت ستهزم بالتأكيد من قبل احدى الفرق فحسب.. اترك مدير الجيش افضل لك..
قال هشام بحدة: القوا باسلحتكم واستسلموا ..والا سأقتل مديركم هذا ..
قال ألكس بحدة: تبا لك.. سترى بنفسك ما الذي سأفعله.. والتفت الى جون ليقول: اسمع يا جون .. خذ رجلين من رجالنا و....
وقبل ان يتم ألكس قوله .. تعالى في المنطقة دوي لانفجار احدى السيارات العسكرية.. واتسعت عينا ألكس عن آخرهما وهو يلتفت لما وراءه ويهتف بذهول: ما الذي يحدث هنا؟؟؟..
ووقعت عيناه على احدى السيارات العسكرية التي انفجرت بغتة وعدد من الجنود القتلى حولها.. وألكس يقول بغضب عارم: تبا لكم.. كيف حدث هذا امام اعينكم؟؟..
قال احد الجنود بسرعة بتوتر: لا اعلم يا سيدي.. لقد كنا منشغلين بما يجري مع ذلك الشاب الذي يهدد بقتل مدير الجيش البريطاني .. لكن يبدوا ان هناك هجوم قد حدث من خلفنا..
وما ان اكمل ذلك الجندي حديثه حتى دوا انفجار آخر في المنطقة.. وألكس يصرخ بكل غضب الدنيا هاتفا: سحقا.. الموت لكم..
:
:
وفي الجهة الاخرى كان هشام قلقا مما يحدث الآن.. لا يعلم من تدخل وانقذ موقفهم وكان السبب في تلك الانفجارات .. لكنه يشعر بالخوف والقلق على شقيقه الموجود هناك بينهم.. يخشى ان يصاب بمكروه جراء تلك الانفجارات المتتالية على السيارات العسكرية..
ولكنه قال بابتسامة متحدية: والآن ما رأيك يا ايها القائد.. هل لا زال العدد مهما للنصر في هذه المهمة؟؟..
ألكس الذي اشتعل غضبا بسبب تلك التفجيرات التي شتت صفوف جيوشهم.. هتف بتحدي: فليكن.. انا من سيحرر مدير الجيش وسأقلب مسار هذه المعركة..
واخرج مسدسه من حزامه وهتف في سرعة: جون .. اذهب انت مع عدد من الجنود لتعرفوا من كان مصدر تلك الانفجارات.. واقبضوا عليه او اقضوا عليه ان لزم الامر..
قالها واسرع مبتعدا متوجها الى حيث هشام.. حاملا مسدسه بكل تحدي وهو يهتف: دعني ارى ما الذي ستفعله يا ايها الشاب...
صوب عزام مسدسه تجاه ألكس وهتف بقوة: ابتعد والا اطلقت النار..
اسرع ألكس بتصويب سلاحه تجاه عزام واطلق النار على رجل هذا الاخير متعمدا.. ليسقط عزام على ركبتيه وهو يصرخ بألم ..
اما هشام الذي هاله الموقف قال بصرامة: توقف مكانك والا قضيت على مديركم هذا..
قال ألكس ببرود وهو يرفع مسدسه في وجه هشام: دعني ارى كيف ستفعل هذا.. سأقضي عليك قبل ان تتمكن من ضغط زناد مسدسك..
توتر الموقف بين هشام وألكس.. بعد ان اصبح اخطر من ما كان عليه.. وهشام الذي قال بكل جدية: سأطلق النار عليه ان لم تتوقف في مكانك وتلقي بسلاحك..
قال ألكس وهو يشد من قبضته على المسدس المصوب الى هشام: افعلها اذا ان استطعت..
وقبل ان يضغط ألكس الزناد .. او يتمكن هشام من تفادي الموقف.. كان قد حدث تدخلا من احد اعضاء فرقة المقاومة.. وهذا العضو لم يكن سوى عهد...
فقد اندفعت مسرعة لتقف في وجه ألكس.. وهي تمد ذراعيها على الجانبين مانعة اياه من التقدم..وهي تتطلع اليه بنظرة حازمة وجادة..
تتطلع اليها ألكس بعدم تصديق.. للتو فقط انتبه لوجودها.. للتو فقط قد رآها.. لقد انشغل بكل ما يحدث ولم يحاول البحث عنها بعينيه..
ووجد نفسه يخفض مسدسه بالرغم منه وهو يقول بصوت هادئ ويشيح بنظراته بعيدا: ابتعدي عن طريقي يا عهد..
هزت عهد رأسها نفيا في قوة وقالت بحدة: لن ابتعد.. لن ادعك تتقدم أكثر.. هذه ارضنا.. لن اترككم تستولون عليها من جديد.. بعد ان لاح لنا بريق النصر في الافق..
شد ألكس قبضته على مسدسه وقال بانفعال: ابتعدي عن طريقي يا عهد.. لا اريد ان اؤذيك..
تشعر عهد ان الوحيد القادر على افساد خطتهم هو قائد جيش كألكس..ذكي وقوي ويدرس كل خطوة قبل ان يقوم بها.. لهذا لن تدعه يتقدم .. حتى وان كان في ذلك بذل حياتها..
كان الجميع تقريبا يتطلع الى هذا الموقف بذهول.. فقد كان افراد فرقة المقاومة مندهشين من شجاعة عهد اولا.. ومن عدم مساس ألكس بها ثانيا.. خاصة بعد ان اخفض المسدس ولم يحاول حتى تصويبه اليها..
وكذلك كان الحالة عند الجنود البريطانيون الذي اثار هذا الموقف دهشتهم.. فقائدهم لم يحاول حتى دفع هذا الفتى من طريقه ويتقدم أكثر..
وتعلقت الانظار بألكس وعهد .. والاول قد شعر ان عهد قد باتت العائق في سبيل عودة السيطرة الى ايديهم.. اما الاخيرة فقد شعرت انها الوحيدة القادرة على ايقاف ألكس عما يفعله في هذه اللحظة.. وعلى اعادة الحرية الى وطنهم من جديد..
وازدادت صرامتها على ما تفعله وهي تقول بجدية وحزم: لن اتحرك .. وان كنت تريد تحرير مدير جيشكم.. فاقتلني انا اولا..
كور ألكس قبضته بشدة.. وزاد من شدة امساكه للمسدس في قبضته الاخرى.. قبل ان يعقد حاجبيه ويقول وهو يتطلع الى عهد بنظرة باردة: فليكن يا عهد..
وقبل ان تفهم عهد ما يعنيه.. وجدته يندفع نحوها ويدفعها من طريقه قبل ان يكمل اندفاعه نحو هشام وهو يصوب المسدس تجاهه.. ولكن...
لحظة كانت تفصلنا عن النصر او الهزيمة.. الحرية او الاستعمار.. لحظة قد وضع ألكس كل قوته فيها ليعيد السيطرة في يد المستعمرين.. لحظة قد وضعت فرقة المقاومة عليها كل آمالها ليكون النصر حليفهم.. ولتشرق شمس الحرية على البلاد من جديد...
وهذه اللحظة ذاتها التي نهضت فيها عهد من سقطتها وصوبت المسدس تجاه ألكس.. وهي تنظر اليه بكره وغضب.. وبكل ذرة انتقام وحقد في قلبها هتفت: الموت لكم..
واطلقت النار بلا تردد..
:
:
التفت جون الى مارك وهو يقول في سرعة: ابحث انت في تلك المنطقة يا مارك.. وانت في الجهة المقابلة يا (آرثر)..
اومأ مارك برأسه وهو يندفع مبتعدا عن المكان.. وقد اعتلى ثغريه ابتسامة رائعة.. كان سعيدا.. سعيدا بكل ما يحدث.. لقد تمكنوا من هزيمة هذا الجيش تقريبا وتحرير ارض هذه البلاد من المستعمر.. قريبا ستتحرر هذه الارض ..
ولمح من بعيد جهاد وغسان وغادة يختبئون خلف مجموعة من الصخور.. فابتسم بهدوء قبل ان يقول بهمس: اتمنى لكم التوفيق..
وعاد ادراجه الى حيث القائد جون ليقول وهو يؤدي التحية العسكرية: لم اعثر على احد في تلك المنطقة يا سيدي..
قال جون وهو يعقد حاجبيه: فلنبحث في مكان آخر اذا..
واكملوا بحثهم دون ان ينتبه احدهم الى نظرات مارك السعيدة .. والتي تحمل معنا واحدا وهو النصر...
:
:
انطلقت تلك الرصاصة من مسدس عهد.. التي ضغطت الزناد بلا اي ذرة خوف او تردد.. ربما لانها لم تكن تريد لسيطرة المستعمر ان تعود من جديد بعد ان ذاقت الامرين بسببهم.. ونست في غمرة ذلك ان رصاصتها التي اطلقتها ستصيب الشخص الذي تحب..
واصابت الرصاصة الهدف.. لتستقر في ظهر ألكس .. الذي اتسعت عيناه بألم ودهشة..ووجد قدماه تتراجع للخلف وهو يشعر انه لم تعد لديه القدرة على الوقوف.. وتفجرت الدماء من ظهره..والتفت لوهلة نحو عهد ليتطلع اليها بنظرة متألمة ومن ثم تهمس شفتاه بـ: عـ..ـهـ..ـد..
ويسقط بعدها على الارض وهو يجاهد ليدخل الهواء الى رئتيه التي اصابت رصاصة عهد احداهما..
اما عهد التي شلت الصدمة تفكيرها.. سقط المسدس من يديها وهي تهمس لنفسها قائلة بصدمة: لقد قتلته.. قتلته..
واتسعت عيناها بقوة وذعر قبل ان تسقط على ركبتيها على الارض وهي تردد بذعر وخوف شديدين: لقد قتلته .. انا قتلته.. قتلت ألكس..
وتطلعت الى يديها وهي تهتف بلا توقف وعيناها تترقرقان بالدموع: بيدي هاتين قتلته.. انا من قتله.. انا...
:
:
في الجهة المقابلة جون الذي انتبه لصوت ذلك الطلق الناري.. امر مارك وآرثر بالبحث وحدهما وعاد هو ادراجه ليعرف ما حصل هناك..
ووصل الى حيث الجنود فقال متسائلا في سرعة: ما الذي حدث؟..ما سبب ذلك الطلق الناري؟؟
كانت عيون الجنود مصوبة تجاه ذلك الحدث الذي هالهم.. وقال احدهم بارتباك وتوتر: القائد ألكس...
التفت جون في سرعة الى حيث ينظر بقية الجنود.. واتسعت عيناه عن آخرهما وقد هزه ما رآه من الاعماق.. ألكس.. ألكس ذلك القائد العظيم الذي حرك جيشا بكامله رغم سنه الصغير.. ألكس الذي كان لحدة ذكاءه وتخطيطه دور في كل نصر ناله الجيش البريطاني.. ألكس الذي هو صديقه وقدوته في الوقت ذاته.. يراه الآن واقعا على الارض والدماء تنزف من جراحه..
ووجد نفسه يسارع بالجري نحوه وهو يقول في قرارة اعماقه: لا تمت يا ألكس..
وهناك جثى بقربه ورفع رأس ذلك القائد والصديق وهو يقول بحزن شديد: ألكس.. اتسمعني يا ألكس؟.. اجبني.. اتسمعني؟..
تأوه ألكس وهو يحاول فتح عينيه قبل ان يسعل لمرات عدة.. فقال جون في سرعة وحزن: لا تتحدث.. سنأخذك الى المشفى الآن..
ارتسمت على شفتي ألكس ابتسامة واهنة وهو يقول بصوت واهن: لا داعي.. لذلك.. لقد فات الأوان..
واردف وهو يضغط على كف جون: ربما هي العدالة السماوية يا جون.. ان تلقى.. مصير من كنت تقتلهم..
وعاد ليسعل من جديد .. ولكن هذه المرة كانت الدماء تخرج من بين شفتيه اثر سعاله.. فقال جون في ارتباك: لا تتحدث ارجوك.. سننقلك الى المشفى..
قال ألكس وهو يحاول التقاط انفاسه بعد جهد جهيد: عهد..اخبرها.. اخبرها.. اني لست.. لست غاضبا منها.. لقد فعلت.. الصواب.. واني.. لن احب اسواها.. واني...
وعاد ليسعل من جديد وهو يجاهد لالتقاط انفاسه.. وجون يقول بألم: اصمت يا ألكس.. سنأخذك من هنا وسنعالجك وكل شيء سيكون على ما يرام..
قالها وهو ينهض ويحاول ان يرفع ألكس عن الارض ويحمله لأخذه من هذا المكان .. لكنه رأى الطبيب ومجموعة من الممرضات يسارعون الى هذا المكان وهم يرون قائدهم يصارع الموت..
لكن ألكس قال بصوت واهن وهو يغمض عينه: لا فائدة.. اخبرهم اني بت ارى الموت بعيني.. فلن يجدي.. ما سيفعلونه..
واردف بصوت متقطع: سأ..طلب... منك .. هذا.. الطلب.. الأ... الاخير..
قال جون وهو يرى الطبيب يجثو بالقرب من ألكس: اطلب ما بدا لك..
قال ألكس بابتسامة متعبة وهو يفتح عينيه: اريد ان.. اراها.. للمرة الاخيرة.. ارجوك...
رأى جون الطبيب يحاول ايقاف النزيف وأحد الممرضين يقيس ضربات القلب بامساكه لمعصم ألكس .. فالتفت جون الى الطبيب وهو يتطلع اليه بعينين راجيتين ان يفعل ما بوسعه لانقاذه.. فقال الطبيب بأسف: ثقب في احدى الرئتين .. يتوجب ان يخضع لعملية وبعدها ربما تتحسن حالته..
قال ألكس وهو يحاول التقاط انفاسه: ايها الطبيب.. ارجوك.. اريد ان اراها .. اولا..
لم يفهم الطبيب ما قاله ألكس والتفت الى جون مستفسرا.. ورآه يشير الى تلك الفتاة التي اطلقت على ألكس النار..
فقال الطبيب وهو يومئ برأسه: حسنا .. ولكن اسرع.. علينا ان ننقله بسرعة قبل ان تسوء حالته..
ابتسم جون ابتسامة شاحبة ورفع رأس ألكس عن مستوى الارض قليلا.. ليتمكن هذا الاخير من رؤية عهد الجاثية على ركبتيها والدموع تتساقط من كلتا عينيها بلا توقف.. فقال ألكس بصوت بالكاد يسمع: لا تبكي..
رفعت عهد رأسها في اللحظة ذاتها لتقع انظارها على ألكس الذي ينظر اليها بعينين شبه مفتوحتين.. قبل ان يهز رأسه نفيا بوهن..
تطلعت عهد اليه بصدمة.. قبل ان ترا الطبيب ومن معه من الممرضين يحملون ألكس في سرعة ويأخذونه في احدى تلك السيارات العسكرية في محاولة اخيرة لانقاذ حياته..
وتحاملت على نفسها لتحاول الوقوف وركبتيها ترتجفان وهي ترى تلك السيارة تبتعد عن المكان وفي داخلها حملت ألكس الذي يصارع الموت في هذه الاثناء..
ووجدت نفسها تهمس من بين شهقاتها: انا آسفة.. لقد انقذتني دائما.. وحميتني دائما.. لكني كنت السبب في ما اصابك.. ارجوك.. لا تمت.. لأجلي..
أما البقية الباقية من الجنود.. فلم يجدوا امامهم من حل سوى رمي الاسلحة والاستسلام.. خاصة بعدما أصاب قائدهم.. وبعد مقتل وجرح العديد منهم..
ولأول مرة يرى افراد فرقة المقاومة تلك الابتسامة الرائعة تضيء على شفتي هشام.. وهو يقول بفرح: لقد .. انتصرنا..
وتعالت هتافات افراد فرقة المقاومة من خلفه.. وهم يرددون هتافات النصر.. واخيرا خرج جهاد والبقية من مخبأهم وهم يتوجهون نحوهم والاول يقول بابتسامة لم تر على شفتيه ابدا قبل الآن: هل وصلنا في الوقت المناسب؟..
قال عزام بعينان متسعتان: كان انتم من قذف بتلك القنابل وفجر سياراتهم العسكرية؟؟..
اومأ جهاد برأسه.. فقال عزام بفرح: بل أكثر من مناسب.. لقد انقلبت الامور لصالحنا بفضل الله ثم بفضل تدخلكم..
ابتسمت غادة وقالت بسعادة كبيرة: لم اكن اتوقع ان يحدث مثل هذا اليوم.. لقد انتصرنا.. وحررنا هذه الارض ..اخيرا.. اخيرا سنستطيع العيش بسلام.. وننعم بالحرية في وطننا..
قال عزام وهو يتنهد براحة: حقا.. انها الحرية اخيرا..
ومع قوله هذا كانت الشمس قد اخذت طريقها نحو الغروب.. فقال هشام بابتسامة: لقد غربت شمس الاستعمار اخيرا.. وآن الاوان لشمس الحرية ان تشرق على هذه الارض التي انهكتها الحروب..
ومن بعيد كان مارك يقف مبتسما بين اولئك الجنود.. قبل ان يتقدم بكل ثقة نحو فرقة المقاومة ويقول بابتسامة واسعة وسعيدة: لقد فعلتها يا أخي..
تطلع الجنود الى مارك بعدم تصديق وقال احدهم بذهول: هل كان الخائن هو مارك؟؟..
ابتسم هشام ابتسامة واسعة وترك مدير الجيش بعد ان قام بتقييده.. وانطلق نحو مارك ليعانقه ويقول بفرح: حمدلله على سلامتك يا اخي.. لقد خشيت ان تكون قد اصبت بمكروه في تلك الانفجارات..
قال مارك بفرح: وكيف لي ان افارق الحياة ولا اشاركك فرحة الحرية..
ابتسم هشام وابتعد عن مارك ليبعثر شعره بسعادة.. كما كان جميع افراد فرقة المقاومة.. سعداء بهذا النصر.. وبهذه الحرية التي استطاعوا ان ينالوها اخيرا بفضل من الله ومن ثم شجاعتهم وعزيمتهم ..
فيما عدا شخص واحد فقط.. كانت تقف حزينة هناك تتطلع نحو الافق بعينين دامعتين ..وهي تهمس بألم: اين انت يا فارس؟.. لما لا تكون موجودا عندما اكون بحاجة أليك؟..
وعادت عيناها لذرف الدموع وهي ترى الشمس قد انهت رحلتها نحو المغيب.. وقد باتت السماء حالكة الظلمة.. تماما كما هو حزنها في تلك اللحظة..
:
:
يتبع..
في الجزء الاخير...
 
الجزء الاخير لا يظهر ..... ارجووووووووووكم اين اجده





لو سمحتم وين القى الجزء الاخير من الروايه وشكرا لكم على الموقع الرائع ولمجهوداتكم
 
الوسوم
الحب بــــ روايه والواقع
عودة
أعلى