روايه بــــ الحب والواقع ـــين

رنون

من الاعضاء المؤسسين
روايه اعجبتني واحببت انقلها لكم
هي للكاتبه


anglesmile

بــــ الحب(1) والواقع ـــين
::البداية::​

الزمان : في زمن ما
المكان : في مكان ما
الحدث: استعمار




في أي قصة او رواية من الروايات العالمية لا يهتم الكاتب او القراء بمعرفة الزمان او المكان بقدر ما يهمهم هو معرفة الاحداث التي حدثت في تلك الحكاية بغض النظر عن اية تفصيلات اخرى..
الحدث هو من يصنع الحكاية لذا فهو الاهم قبل كل شيء.. لن اطيل عليكم وسأبدأ لأحكي لكم حكاية حدثت ذات يوم وفي مكان ما .. حكاية كانت من الغرابة التي لا يصدقها عقل.. ومع هذا كانت مكسوة بالمشاعر الرقيقة والبريئة.. الحكاية تبدأ كالتالي ...

في تلك الدولة الصغيرة والمسالمة وعند الساعة الثانية عشرة بعد منتصف الليل .. خيم الصمت على الشوارع والمنازل..وابتلع السكون قلب الليل والتمعت النجوم في السماء وبدا القمر في غاية الروعة وهو ينشر ضوئه الفضي بين ارجاء تلك المدينة الهادئة..
لم يكن احد يعلم بتلك الكارثة التي ستحل بعد لحظات والتي ستمزق هذا السكون والهدوء .. وهذا الأمان الذي ينعم به كل انسان يحيا في هذه المدينة..
ففي لحظة كانت حدا فاصلا بين الامن والسلام .. بين السعادة والدموع.. بين التفاؤل والتشاؤم.. بين الهناء والشقاء.. حدث ذلك الانفجار الذي هز المنازل ورجها رجا.. دمر المنازل والشوارع والساحات ..قتل الأبرياء والأطفال والشيوخ دون ان يرحم أحدا..وارتسمت تلك الابتسامة الوحشية على شفاه المستعمرون بكل خبث ومكر ودهاء.. لتعلن بداية معركة عنوانها الدم والالم والدموع..
ضجت الشوارع بأصوات الانقجارات.. ودوي سيارات الإسعاف التي جاهدت لنقل الجرحى من كل مكان واي مكان ..واصوات صراخ المارة التي تعبر عن ذعرهم بهول ما يرونه بأعينهم.. والخوف من شبح الموت الذي يتربص لهم في كل مكان وأية لحظة..
وفي غمرة هذه الاحداث التمع ضوء خفيف في ذلك المنزل الذي يحتل اطراف المدينة وعند الحدود والذي يبدو متهالكا ومهجورا وفي تلك المنطقة الموحشة ..كل هذه العوامل مجتمعة جعلت هذا المنزل مكانا لن يجرؤ احد على الاقتراب منه..
ولكن لنقترب نحن من هذا المنزل فحكايتنا ستبدأ منه بالذات ..
بالداخل سترون ان هناك بعض الاثاث المتهالك لكن هناك ايضا اثاثا جيدا ويصلح للاستخدام ..ستشاهدون الغبار الذي ملأ الجدران.. وخيوط العنكبوت التي انتشرت عند تلك الزوايا.. وستسمعون أصوات اولئك الرجال وهم يتناقشون..ستسمعون الصوت يخفت حينا ويحتد حينا.. دعونا نقترب اكثر ولا تخشوا شيئا.. فهذا هو مقر فرقة المقاومة..
وها انتم ذا تسمعون الآن ذلك الصوت الغاضب.. حين قال قائدهم بغضب: كنت اعلم ان هذا سيحدث .. كنت اعلم ذلك ولكن ما لم اتوقعه ان يبدؤا باحتلال بلادنا باطلاق سيل من القنابل والصواريخ..
قال احد الرجال: انهم أوغاد لا يكترثون بسفك الدماء وقتل الابرياء.. انهم سفاحون..
قال القائد وهو يضرب الطاولة بقبضته: انهم الآن عند الحدود وحسب لن نسمح لهم بالتقدم أكثر لن نسمح لهم باحتلال وطننا..
قال احدهم وهو يحاول ان يخفي ملامح التوتر التي تظهر على وجهه: انهم بريطانيون يا هشام يمتلكون اضعاف ما نمتلكه من اسلحة..
قال هشام(قائدفرقة المقاومة) بحزم وصرامة: اقسم على ان اجعلهم يدفعون الثمن غاليا.. لن تهمني اسلحتهم او جبروتهم .. اننا الاقوى لاننا اصحاب الحق..
ومن ثم اردف قائلا وهو يشير الى صناديق وضعت جانبا: بحكم عملي في الشرطة فقد تمكنت من الحصول على عدد من الاسلحة وهي ستفيدننا في معركتنا..
قال احدهم متسائلا باهتمام: ولم لا ننضم الى الجيش الوطني؟ ..
التفت له هشام وقال وهو يعقد حاجبيه بحزم: الجيش الوطني يقاتل خارج البلاد وعند حدوده الخارجية اما نحن فستكون مهمتنا حماية قلب بلادنا اي من الداخل.. حماية شعبه وافراده.. اظنكم فهمتم قصدي الآن وفهمتم سر تكويني لهذه المجموعة..
ابتسم احدهم على الرغم من الخوف الذي يحتل اعماقه وهو يقول: بصراحة لم اكن اتوقع انك تفكر بهذه الطريقة..
قال هشام بابتسامة شاحبة بالرغم منه وهو يستمع الى صوت اعز اصدقاءه (عزام) : وهل ظننتني احمقا اذا لأفكر مثلك يا عزام ؟..
قال عزام ببرود: زن كلماتك يا هشام والا سوف اغير رايي في الاشتراك معكم..
قال هشام هدوء: هذا شأنك..
واردف بجدية وهو يشير الى مواضع على خريطة مفرودة امامهم: والآن اسمعوني جيدا بما اننا اربعة عشرة فردا هنا و...
(بل نحن خمسة عشر ايها القائد)
التفت هشام بحدة وسرعة الى ناطق العبارة .. وشعر بالدهشة من ذلك الفتى الذي يقف عند الباب عاقدا ساعديه امام صدره بكل ثقة..
وشعر باحساس غريب يتغلغل الى اعماقه.. احساس ينبأه بأن هذا الفتى سيكون له تأثير كبير على هذه الحرب..ولم يعلم كم كان شعوره صادقا وقتها والى ابعد الحدود..
##############
>>حديث الضباط والجنود البريطانيون سيكون باللغة الانجليزية .. لكن لكثرة حواراتهم.. ولتسهيل المهمة علي وعليكم.. سأكتبها بالعربية الفصحى<<
في ذلك المبنى الكبير الذي يحتل اطراف حدود تلك البلاد المسالمة ..وفي احدى الغرف بالتحديد..قال ذلك الضابط البريطاني بسخرية: يالغبائهم ..الم يكونوا يتوقعون اننا بداخل بلادهم منذ البداية وبداخل احدى شركاتهم ايضا؟..
قال احد الجنود بخبث: وكيف لهم ان يدركوا هذا الامر يا سيدي؟.. وان هذه الشركة ليست سوى مبنى بريطاني للجنود البريطانيين..
قال القائد البريطاني وهو يمدد ساقيه بلامبالاة على طاولة امامه: لكن اكبر عدد من قواتنا يقاتلون عند الحدود ومهمتنا نحن تبسيط هذه المهمة لهم.. وسنفعل ذلك عندما نستلم الأمر..
فجأة سمع صوت خطوات يقترب من المكان ولمح ذلك الجندي الذي وقف عند باب المكتب وادى التحية العسكرية وهو يقول: القائد (ألكس)>>Alex اتصال لك من القيادة..
نهض ألكس من خلف مكتبه وقال : سأحضر فورا..
قالها و نهض من خلف مكتبه ليسير في ذلك الممر ويدلف الى احدى الغرف ثم لم يلبث ان توجه نحو هاتف موضوع في ركن منها والتقط سماعته ليتحدث قائلا: القائد ألكس يتحدث..
جاءه صوت صارم يقول: ابدأ بالعمل فورا ايها القائد..
جاءه صوت ألكس وهو يقول بحزم: في الحال ياسيدي
واغلق الهاتف ليستطرد بسخرية: هاقد بدأت اللعبة لنرى من سينتصر منا نحن ام مجموعة من الحمقى...
وبدأت المعركة..وبكل وحشية...
#############
تطلع الجميع الى ذلك الفتى وقد شعروا بالدهشة والغرابة من معرفته لهذا المكان الذي لا يقربه احد تقريبا..وتسللت ايدي البعض الى احد الاسلحة الموجودة في الصناديق خوفا من ان يكون هذا الفتى عميل للجيش البريطاني.. ولكن هشام اوقف كل هذا بحركة حازمة من يده وهو يلتفت الى الفتى ويقول: من انت يا ايها الفتى؟ .. وكيف وصلت الى هنا؟..
قال ذلك الفتى بهدوء: انا ادعى عهد..وقد وصلت الى هنا بعد ان سألت احد الاشخاص عن فرقة المقاومة ودلني الى هذا المكان..
قال هشام متسائلا باهتمام:ومن يكون هذا الشخص؟..
اجابه عهد ببرود: شخص يدعى (رائد)..
اطمئن هشام عندما علم ان زميله في فرقة المقاومة هو من دل هذا الفتى الى هذا المكان .. وقال وهو يشير للفتى بالاقتراب: وكم عمرك يا عهد؟..
قال عهد وهو يتقدم من هشام: عشرون عاما..
قال هشام وهو يضيق عينيه: ولكنك تبدو اصغر من هذا.. لكن لا يهم ..واين تعمل؟..
قال عهد بسخرية: في المخابرات..
ابتسم هشام لسخرية ذلك الفتى وقال : حسنا لا يهم معرفتنا لمكان عملك ايضا.. اخبرني هل تود الانضمام الى هذه الفرقة؟..
قال عهد بحزم: بلى..
تسائل هشام قائلا: ولم تود ذلك؟.. ألتدافع عن وطنك؟..
قال عهد بشرود وغموض: وهناك امر آخر يدفعني لذلك ايضا ..
لمح هشام بريق حزن في عيني ذلك الفتى عندما نطق عبارته الاخيرة.. وقال وهو يضع كفه على كتفه: فليكن .. انت واحد منا منذ الآن ياعهد..
قال احدهم بدهشة: ولكننا لا نعرف من يكون حتى..
قال هشام وهو يلتفت لهم ويتحدث بحزم: انه فتى شجاع ويشرفني ان اضمه الينا.. ويكفي انه فكر بالانضمام الى فرقة المقاومة والدفاع عن وطنه في سنه الصغير هذا..
تطلعوا الى عهد باستنكار شديد ..وشعر بعضهم بالغيظ من هذا الدخيل.. في حين اردف هشام قائلا وهو يعود ليشير الى مواضع ما بالخريطة: حسنا فالأكمل حديثي الآن.. سوف نتجه باتجاه منطقة قريبة من الحدود حتى نمنعهم من التقدم..
واستطرد وهو يشير الى موضع ما باصبعه السبابة: هنا بالذات.. اخبروني من يرد منكم التطوع في اولى المهام..
(انا..)
كان عهد هو ناطق العبارة وهو اول المتطوعين في هذه المهمة ..فالتفت له هشام وقال وهو يهز رأسه: كلا يا عهد ليس الآن.. انك متطوع جديد هنا ولا تعرف أي شيء من مخططاتنا .. كما وانك صغير السن..
قال عهد باصرار: لا يهمني لقد انضممت في هذه الفرقة حتى اشترك في أي مهمة تطوعية.. لا لأن تقول اني صغير السن ولا يمكنني المشاركة..
قال هشام بهدوء محاولا اقناعه: يمكنك ذلك في المرات القادمة فحينها تكون قد اعتدت علينا..
قال عهد ببرود وعناد: بل سأشترك في هذه المهمة...ولست صغيرا الى هذه الدرجة الذي تمنعني من الدفاع عن وطني..
قال هشام وقد اسقط في يده بابتسامة شاحبة : حسنا كما تريد.. ولكن اهتم بنفسك جيدا..
قال عهد بهدوء: لا ثقلق علي فأنا اجيد القتال..
في حين التفت هشام الى باقي اعضاء فرقة المقاومة والذي كان بعضهم يرمق عهد بحنق وسخط ..وقال بحزم: والآن من هو المتطوع التالي؟..
###############
قال القائد ألكس بحزم: سننقسم الى مجموعتين الاولى ستفتش عند المنطقة الجبلية والاخرى عند المباني القريبة منها للحصول على أي معلومات قد تفيد..او اسرى قد يفيدوننا عنداستجوابهم..هل هذا مفهوم؟..
صاحوا جميعا بصوت واحد: اجل سيدي..
قال ألكس وهو يتطلع اليهم : حسنا فالنبدأ اذا..خذوا مواقعكم..
و بدأ جميع الجنود بأخذ مواقعهم المتفق عليها وبدأوا عمليات التفتيش في تلك المنطقة المحدودة بجوار حدود البلاد...
:
:
وعلى الطرف الآخر قال ذلك الشاب بحزم: يبدوا وانك كنت على حق انهم يبدأون بالعمل فعلا يا هشام وهاهم اولاء يبدأون بهذه المنطقة وبعدها ستكون بقية المناطق على امتداد الدولة..
قال هشام بسخرية وهو يحشو مسدسه بالرصاص: ومن سيسمح لهم؟..
وقال عزام مبتسما: معك حق.. من قال اننا سنكتفي بالمشاهدة فقط؟..
وبغتة حدث كل شيء انهالت الرصاصات من مجموعة هشام خلف التل على أولئك الجنود ..فصاح القائد ألكس وهو يحاول حماية نفسه من الرصاصات المنهمرة وهو يقف خلف احد المباني: تبا من اين يأتي كل هذا الرصاص؟..
قال احد الجنود وهو يحمي وجهه ويطلق النار بدوره : من خلف التل يا سيدي..
قال ألكس بصرامة وقد شعر بالغضب عند مرآه لأحد الجنود يسقط صريعا: فليكن هم من بدأوا اللعبة وعليهم تحمل نتائجها..
قالها وهو يجذب مشط مسدسه ويعده للاطلاق..قبل ان يصوبه باتجاه التل.. وهنا صاح هشام وهو يرى ذلك المسدس الموجه نحوهم : انبطحوا جميعا..
لكن قبل ان يستوعب احدهم الامر..وقبل ان يتحرك احدهم قيد انملة.. انطلقت الرصاصة باتجاه احدهم فصاح به هشام بخوف: عزام.. احذر..
لكن تحذيره جاء متأخرا فألكس لم يكن بالخصم السهل.. فقد كان مصوبا بارعا يجيد اصابة هدفه عن بعد.. وهذا ما حدث ..
لقد اخترقت رصاصته صدر عزام الذي اطلق صرخة ألم قبل ان يندفع خطوتين للوراء ويسقط أرضا والدماء قد لوثت قميصه .. فقال عهد بكراهية: اوغاد.. اوغاد.. سحقا لكم ..
قالها وهو يجذب ذلك الخنجر من حزامه.. بعد ان فرغ مسدسه من الرصاص.. وينطلق هابطا التل..
:
:
اما هشام والبقية فقد انشغلوا في نقل عزام الى داخل احدى السيارات وهشام يقول بقلق وخوف وهو يتطلع الى صديق عمره جريحا امام ناظريه: تماسك يا عزام سنصل الى المشفى قريبا ..
امسك عزام بصدره في وهن وهو يقول: لا عليك انا على مايرام..
تعاون البعض على نقله الى احد السيارات وانطلقوا بها مغادرين المكان..بعد ان ظل البعض الآخر يواصلون اتمام المهمة.. دون ان ينتبه احدهم لاختفاء عهد من المكان بأكمله..
:
:
وعند اسفل التل قال ألكس بسخرية : يبدوا وانهم قد وعوا الدرس جيدا.. اطلاق النار يكاد يتوقف تقريبا..
قال احد الجنود باعجاب: رائع يا سيدي لقد اصبت احدهم على الرغم من بعد المسافة التي تفصلك عنهم..
عقد ألكس حاجبيه وقال متسائلا بحيرة: لكن من هم؟..
اجابه الجندي وهو يهز كتفيه: بالتأكيد من سكان هذه الدولة ..
قال ألكس وهو يضع كفه اسفل ذقنه وحيرته تتضاعف: ولكنهم يمتلكون اسلحة و...
بتر ألكس عبارته فجأة وانعقد حاجبيه فجأة فقال له الجندي باستغراب: ما الأمر يا سيدي؟..
قال ألكس وهو يتطلع الى نقطة ما: ألا تسمع ؟..
تسائل الجندي بغرابة: اسمع ماذا؟..
لم يأبه ألكس بالإجابة على تساؤله وهو يتجه نحو منطقة محيطة بالشجيرات تقريبا.. وهناك اخذ يتلفت حوله في حذر قبل ان يزفر بحدة ويقول: يبدوا وانني كنت اتوهم فحسب فلا يوجد احد هنا كــ...
بتر عبارته فجأة عندما انقض عليه عهد من الخلف وطوق عنقه بذراعه وهو يقول بكراهية وبلغة انجليزية جيدة يفهمها ألكس: سأقضي عليك .. سأقضي عليك ايها الوغد الجبان..
ابتسم ألكس بسخرية وأمسك بذراع عهد وابعدها عن رقبته في خشونة ولواها خلف ظهره وهو يقول: يالك من فتى شجاع اتخاطر بحياتك في سبيل قتلي..
قال عهد بكراهية وحقد وهو يرمقه بنظرة تمتلأ غضبا وثورة.. ولو كانت النظرات تقتل لكان ألكس صريعا هذه اللحظة: لو استطيع تدميرك لفعلت .. سأقضي عليك وانتقم لوالداي اللذان قتلا بسببكم ايها الاوغاد..
واشتدت قبضته على الخنجر الذي يمسكه بيده الاخرى .. وهوى بها على ألكس الذي تراجع في حركة حادة تاركا ذراع عهد وقال وهو يمسك بمسدسه: اسمع يا ايها الفتى اذهب بسرعة من هنا .. لا اريد ان اؤذيك..
انقض عليه عهد صائحا: لقد قتلتم والداي دون شفقة او رحمة.. فهل عرفتم الشفقة الآن؟؟..
قال ألكس وهو يتابع تراجعه: اسمع يا ايها الفتى بضغطة من زر الجهاز الذي في يدي استطيع استدعاء الجنود ليقتلوك .. ابتعد فورا..
انقض عهد على سترة ألكس وامسك بها في قوة وهو يرفع الخنجر في وجهه صائحا: لن ابتعد .. وسأقتلك ولو كان في هذا بذل حياتي..
في تلك اللحظة احس عهد بفوهة مسدس تلتصق بصدغه وصوت صارم يقول:هل أقضي عليه يا ايها القائد؟..
توتر عهد جراء ذلك ولكنه فوجئ بألكس يقول بهدوء وكأن الامر لا يعنيه: كلا يا ايها الجندي .. دعه فهو مجرد فتى يحاول التفاخر بقوته..
امسك عهد السترة بقوة اكبر فقال ألكس بابتسامة ساخرة: ما رأيك الآن؟.. استطيع قتلك ولكني لم افعل..فهل ستفعلها انت؟..
توتر عهد اكثر جراء هذا الموقف الذي وضع فيه .. اما الجندي فقد قال بحدة: ايها القائد ألكس .. لا تتركه انه من المتمردين علينا..
تطلع ألكس الى عهد وقال : هل ستقتلني الآن لتثأر لوالديك كما قلت؟.. ام انك ستتصرف جيدا وتبتعد؟..
ثم اردف قائلا: ولتعلم ان بامكاني قتلك الآن ولكني لم افعل .. فلا اريد ان اؤذي فتا مثلك يتحلى بالشجاعة والـ...
دفعه عهد فجأة بحركة قاسية واسرع يلكم الجندي الآخر وهو يسرع مغادرا المكان.. فصاح الجندي وهو يمسك فكه الذي اصابته لكمة عهد: ايها الفتى الحقير سأقتلك ..
ورفع البندقية باتجاه عهد الذي كان يبتعد مسرعا عن المكان ..ولكن ألكس أمسك بالبندقية وانزلها ارضا قائلا: كلا.. لا تطلق النار عليه ..دعه يذهب ..
وعقد حاجبيه وهو يتطلع الى عهدالذي اخذ يبتعد في سرعة .. ولم يعلم وقتها لم أحس بشعور غريب تجاه عهد هذا .. شعور منعه من قتله او المساس به .. ولم يعلم حينها انه قد ارتكب اكبر خطأ في حياته عندما تركه على قيد الحياة...
################
مرت الايام تتلوها ايام أخرى .. ايام اشد قسوة من سابقتها.. وذلك المستعمر لا يزال يحاول احتلال البلاد دون وجه حق..ولا تزال فرقة المقاومة تحاول مواجهة ذلك المستعمر الغاصب ..وقد بدأ قائد فرقة المقاومة باعداد خطة جديدة بعد ان نقل عزام الى المشفى ومكث به حتى تتحسن صحته ..
اما القائد ألكس فقد أعد ذلك المخطط الذي اراد به ان يقضي على اولئك الذين حاولوا تحديه في المرة السابقة بعد ان قتلوا احد جنوده..
واخيرا عهد الذي اصر بكل قوة على الاشتراك هذه المهمة ايضا على الرغم من ما يتهدده من خطر..
:
:
وها نحن ذا نرى ألكس يسير في تلك المنطقة المليئة بالاشجار والى جواره مساعده القائد) جون) .. حين قال هذا الاخير متسائلا باهتمام: ماالذي تفكر فيه بالضبط يا ألكس؟..
قال ألكس ببرود: مادام اولئك المتمردين يحاولون اللعب معنا.. فسأمنحهم انا هذه الفرصة..
قالها وهو يخرج (لغم) من جيبه >قنبلة تدفن في الارض وتنفجر عند المساس بها< فقال جون بتوتر : لا تكن مجنونا يا ألكس قد يصاب احد جنودك..
قال ألكس بلامبالاة: لا يهم مادمت سأقضي على هذه المجموعة ..ولعلمك لقد اعددت خطة لاستدراجهم الى هذا المكان بالذات..
قال جون وقد تسلل القلق الى اعماقه: ولكن قد تتعرض حياة الابرياء ايضا للخطر..
قال ألكس بسخرية: هل أصبحت رقيقا ياجون وانا لا اعلم؟ .. كف عن هذا نحن في حرب وكل شيء مباح فيها..
قال جون بحدة وقد احنقته سخرية ألكس منه: كما تشاء لن اتدخل في عملك بعد الآن..
وابتعد جون عن ألكس الذي واصل زرعه للالغام في جميع ارجاء المنطقة تقريبا...
############
قال هشام وهو يختفي خلف احد التلال وبعد ان مرت ساعة من مكوثهم في هذا المكان: لا توجد أي حركة تدل على مكانهم .. لقد تسللوا الى داخل البلاد ولكن لاوجود لأي أثر يقودنا اليهم...
واكمل( عماد) احد افراد الفرقة:ويبدوا بانهم يستعدون لامر خطير فعدم ظهورهم يعني انهم يختفون في مكان ما وذلك ليحاصرونا ويقضوا علينا..
قال (عادل) مبتسما وهو عضو آخر من اعضاء فرقة المقاومة يتمتع بروح الدعابة: اين سمعت هذا الحوار يا ترى؟ .. اظنه من احد الافلام التاريخية..
قال عماد بحدة: لا ينقصنا الا انت..
شخص واحد لم يكن يستمع لهم وكان يشعر بتلك الحركة المريبة في تلك المنطقة المليئة بالاشجار..ولم يكن هذا الشخص سوى عهد الذي عقد حاجبيه وهو يتطلع الى تلك الطيور التي اخذت تغادر أعشاشها خوفا من احد ما في تلك المنطقة..
وغادر موقعه دون ان يشعر به احدهم ..,دون ان يدرك انه يتجه للخطر بقدميه..
وتسلل بحذر الى تلك المنطقة وهو يشد قبضته على مسدسه ويتلفت حوله ببطء وقلق..لم ينتبه الى ذلك الحيوان الذي كان يسير على بعد خمسين مترا منه فحسب .. ولكنه ارتكب اكبر خطأ وهو يسير في هذه المنطقة بالذات والتي زرع فيها ألكس منذ قليل تلك الألغام...
وتسمر الحيوان في مكانه فجأة وهو يشعر بقرب الخطر منه .. ولكنه مالبث ان حرك قدمه للامام خطوة واحدة فحسب ولكن كان لها اكبر الاثر.. فقد انفجر ذلك اللغم محدثا انفجارا رهيبا في المنطقة كلها ... وصرخ عهد بكل قوة وضغط الانفجار يدفعه مسافة ستة امتار للوراء ..وقد تفجرت الدماء من كل جزء من جسده..
ولم يستمع احد الى صوت تلك الصرخة التي اطلقهاعهد..فقد ضاعت وسط هذا الانفجار الرهيب...
:
:
شخص آخر كان على مقربة من المكان وقد استمع الى صوت الانفجار الذي بدد السكون الذي كان يغلف المنطقة.. وقال بقلق: هناك من أصيب!..
قال جون بحدة:و أليس هذا ما كنت تريده يا ايها القائد؟!..
قال ألكس بتوتر: لكن لا اعلم لم اشعر ان هناك امرا سيئا قد حدث..
قالها وتوجه ناحية ذلك الموقع الذي كان يزرع به الالغام منذ قليل فصاح به جون: ألكس .. اجننت انه المكان الذي كنت تزرع فيه المتفجرات منذ دقائق؟..
اخرج ألكس جهاز من جيبه وقال: لا تقلق لست احمق الى هذه الدرجة .. انها الغام الكترونية ويمكن ايقافها عند اللزوم..
قالها وضغط زرا ما بالجهاز..وعاود سيره .. ومالبث ان سمع جون يقول: ولم انت مهتم بالامر الى هذه الدرجة؟.. انك لم تهتم بجنودك حتى..
قال ألكس ببرود: سأرى الامر لا اكثر لاعرف من اصيب في هذا الانفجار..
قال جون بحدة : او قتل..
قال ببرود وهو يكمل سيره بخطوات سريعة ويتلفت بحثا عمن اصيب: فلنرى الأمر اولا وبعدها يمكنك الجزم أو....
بتر ألكس عبارته فجأة واتسعت عيناه في حدة وهو يتطلع الى تلك النقطة .. الى النقطة الذي ارتمى فيها جسد عهدبلا حراك.. وتمتم قائلا بقلق: يا الهي انه ذلك الفتى!!..
عقد جون حاجبيه وقال متسائلا بحيرة: عن أي فتى تتحدث؟..
لم يأبه ألكس بالاجابة عن تساؤله وهو يتوجه الى جسد عهد ومن ثم قال وهو يميل نحوه: هل لقي حتفه في الانفجار؟ ..
قال جون بهدوء: لا اظن فلا توجد اية اثار للحروق على جسده ربما هو فاقد الوعي وحسب..
قال ألكس في سرعة وهو يلتفت الى جون: فلننقله اذا الى المبنى لمعالجته..
قال جون بسخرية مقلدا طريقة ألكس في الحديث: هل اصبحت رقيقا يا ألكس ولا اعلم؟..
قال ألكس بحدة : كف عن ثرثرتك وساعدني على نقله..
قالها وهو يهم برفعه عن سطح الارض وقال بتوتر وهو يرى تلك الدماء النازفة من رأس عهد: ان جرحه خطير ..
قالها وحمل عهد بذراعيه مبتعدا عن جون الذي لم يصدق ان من يراه امامه الآن هو ألكس بذاته..
################
سار ألكس في سرعة في ذلك الممر الموجود بالمبنى البريطاني وعبر ممرات عدة حاملا جسد عهد الواهن.. ودلف الى تلك الغرفة التي كانت تضم مكتبا صغيرا وسريرا في زاوية الغرفة .. ليرقد جسد عهد على ذلك الفراش ويسرع بالخروج من الغرفة.. قبل ان يسير بخطوات مسرعة الى الخارج ..ولكنه توقف بغتة حين شاهد نلك الممرضة فقال وهو يزفر بحدة: كنت في طريقي اليك يا سوزي..
قالت متسائلة: ما الامر يا ايها القائد؟..
قال بصوت خفيض: هل اطلب منك طلبا تعديني بعدم اخبار احد به؟..
اومات براسها ايجابيا وقالت : بالتأكيد اعدك..
تردد ألكس لثوان قبل ان يقول: اود منك معالجة احد الاشخاص ..
قالت سوزي بهدوء: وماذا في هذا؟.. انه عملي على اية حال..
ازدرد لعابه وقال وهو يتحاشى النظر اليها: لكنه ليس احدنا بل من سكان هذه البلاد..
قالت سوزي بدهشة: ماذا تقول يا سيدي؟..
عقد ألكس حاجبيه وقال بحزم وهو يحاول اتخاذ موقف الهجوم: هل ستعالجينه ام لا؟..
زفرت بحدة وقالت: لا بأس.. اين هو؟..
اشار لها ألكس لكي تتبعه وهو يقول: اتبعيني..
قالها واسرع يعود في تلك الممرات وتبعته سوزي حتى وصل الى تلك الغرفة فقال وهو يشير الى الباب: الفتى موجود هنا يا آنسة سوزي..
أومأت سوزي برأسها ايجابيا .. ودلفت الى الغرفة في حين قفز تساؤل واحد الى ذهن ألكس: لماذا انقذ حياة هذا الفتى؟.. وهو الذي كان يسعى لدمار هذه البلاد.. لماذا؟..
############
(تبا.. اين يمكن ان يكون؟(
قالها هشام بانفعال شديد وهو يجلس على مقعد متهالك في ذلك المنزل القابع عند حدود البلاد..في حين قال عماد بهدوء وهو يحاول ان يبث الطمأنينة في قلب هشام: هدئ من روعك يا هشام لقد بحثنا عن عهد في كل مكان يمكن ان يتواجد به لكن لم نجد أي اثر له.. نحن لم نقصر وقمنا بكل مافي وسعنا..ربما كان قد ذهب الى مكان ما او..
قال هشام بحدة: الى اين؟.. هل لك ان تخبرني الى اين ذهب؟.. لقد بحثنا عنه حول تلك المنطقة كلها تقريبا دون ان نجد اثرا له..
واردف بمرارة وهو يكور قبضته بقوة: حماية افراد الفرقة هي من اهم واجباتي كقائد.. انا لم اتمكن من حماية عزام في المرة السابقة .. والآن عهد.. انا لا اصلح لان أكون قائدا لكم..لقد فشلت في ابسط مهمة لي..
ربت عماد على كتفه وقال: لا تحمل نفسك ذنبا لم تقترفه كل شخص لا يصيبه شئ الا اذا كان هذا قدره.. وهاهو عزام سليما معافى.. وعهد سيكون بخير باذن الله...
قال هشام بمرارة: ليتني اعلم اين هو الآن ؟.. ليتني اعلم..
قالها وعاد قلقه تجاه عهد يتضاعف عشرات المرات.. دون ان يدرك ان عهد قد بات اسيرا للمستعمرون الآن..الذين لا يعرف قلبهم مكانا للرحمة لأي احد وقع تحت قبضتهم ابدا ...
##############
وقف ألكس عاقدا ساعديه امام صدره بجانب تلك الغرفة بانتظار خروج سوزي وإخباره بحالة الفتى .. انه الى الآن لا يفهم سر تصرفه الغريب مع هذا الفتى بالذات .. لقد قاتلهم دوما.. فلم ينقذ احدهم الآن؟.. لماذا لم يتركه يموت؟ .. لماذا اتى به الى هنا لتتم معالجته؟..
اهي رغبة منه في معرفة كل ما يخص هذا الفتى الذي حاول قتله ذات مرة؟.. ام هي يا ترى شفقة منه على حال فتا صغير السن ربما لم يتعدى الثامنة عشرة بعد؟..
وزفر في حدة وهو يتطلع الى ساعته بنفاذ صبر.. ثم مالبث ان شاهد سوزي وهي تفتح الباب وتغادر الغرفة فقال بلهفة لم يستطع اخفاءها: هه .. ماهي حال الفتى؟..
تطلعت اليه سوزي لحظات بصمت قبل ان تقول: لقد اصبح افضل حالا الآن ولكن...
بترت عبارتها بغتة.. فقال ألكس متسائلا باهتمام: لكن ماذا؟.. هل اصابة الفتى خطرة؟..ام ان هناك حروقا في جسده؟..ام...
ازدردت سوزي لعابها وقالت مقاطعة اياه وهي ترمي القنبلة في وجهه: لكنه ليس فتى يا سيدي.. بل فتاة...!
:
:
يتبع..
 
بـــــــ الحب (2) والواقع ــــين
::انتقام::


توترت كل عضلة من عضلات ألكس وهو يستمع الى سوزي التي نطقت عبارتها لتوها.. وازدرد لعابه في ارتباك في محاولة لاستيعاب ما نطقته منذ قليل.. ولم يستطع النطق بحرف واحد لأكثرمن دقيقة كاملة وذهوله يطغى على أي شيء آخر..ومن ثم استجمع قوته وقال بانفعال: ماالذي تعنينه بقولك انه فتاة؟! ..
قالت سوزي بهدوء: العبارة لا تحمل سوى معنى واحد يا سيدي..
اتسعت عينا ألكس ..وقد بدأ ستوعب الامر تدريجيا ..اذا فهذا الفتى لم يكن الا فتاة ..فتاة اخفت نفسها لتقاتل وتنتقم لوالديها..فتاة قتلت انوثتها حتى تحقق رغبتها في الانتقام ..ولكن كيف؟..كيف لفتاة ان تمتلك كل هذه القوة التي رآها تقاتل بها؟!..كيف لفتاة ان تمتلك مثل تلك الشجاعة التي رآها في عينيها يومها وتقاتل جيشا بأكمله؟.. انها لم تتعدى الثامنة عشرة من عمرها بعد كما هو واضح على ملامحها ..فكيف يمكنها فعل ذلك بنفسها؟ ..كيف؟ ..
لم يتمالك نفسه وتوجه نحو الباب وأمسك مقبضه ليفتحه فقالت سوزي بتوتر: سيدي ..لقد عالجت جرحها ولكنها لاتزال فاقدة الوعي..
قال بصرامة وهو يفتح الباب: هذا لا يهمني .. علي ان اتحدث معها واعرف سر اخفاءها لشخصيتها..
قالت سوزي بتردد: ولكن يا سيدي قد ...
قاطعها ألكس بحدة قائلا: لن يحدث شيء يا سوزي.. لا تقلقي انا لن احدثها قبل ان تفيق ..سأنتظرها..
قالت سوزي في سرعة: كلا يا سيدي انا لم اعني ذلك ولكن قد يعلم احد بالامر..
قال ألكس ببرود: لا يهم علي ان اعلم منها كل شيء..
قالها وهو يدلف الى داخل الغرفة ويجذب له كرسيا ليجلس بجوار فراشها..وأخذ يتطلع الى وجهها الشاحب وتلك الضمادات تغطي جانبا رأسها وذراعها..ويستمع الى صوت انفاسها المتقطعة والغير منتظمة..الآن فقط علم لم لم يقتلها..لم لم يؤذيها .. لانها كانت فتاة .. واي فتاة....
############
اصوات صفارات الانذار ترج المكان رجا..وصوت الانفجارات يدوي في كل مكان ليدمر كل شيء وليزرع الذعر في قلوب الناس..ومن بين كل هذا صاحت تلك الفتاة قائلة والتي كانت تقطن في أحد المنازل القريبة من الحدود: يالهم من أوغاد..حقيرون ألا يكفيهم كل ما دمروه حتى الآن؟..
قال ذلك الرجل الهادئ الملامح: أهدئي يا بنيتي..أن إنفعالك لن يفيد من الأمر شيء..
قالت تلك الفتاة بحدة: سأقضي عليهم يا والدي سأدمرهم كما يدمرون بلادنا..
قالت المرأة التي أرتسمت ملامح الذعر على وجهها: أرجوك يا عهد أهدئي..أخشى أن يمسوك الأوغاد بسوء..
قالت عهد بأنفعال: كلا يا أمي لن أهدئ قبل أن أطردهم من بلادنا.. لن أهدئ قبل أن أعيد الأمان إليها و...
قطعها صوت تفجير آخر فصاحت بأنفعال: أوغاد ..حقيرون .. قذرون .. إنهم يدمرون كل شيء وبلا رحمة...
دوى صوت تفجير آخر كان أقرب ما يكون أقرب ما يكون إلى منزلهم..فحطم زجاج النوافذ.. والقى الذعر في قلوب والديّ عهد وهذه الاخيرة التي صاحت قائلة بخوف: يا إلهي ربما يكونون قد دمروا منزل عمي..
وأسرعت نحو الباب حين استوقفها والدها هاتفاً : كلا يا عهد إن المكان خطير.. لا تذهبي..
لم تستمع بحديثه بل إندفعت نحو الباب وكادت أن تخرج مغادرة المنزل حين أوقفها والدها وهو يمسك بذراعها: لن تذهبي يا عهد.. إن المكان خطير بالخارج...
قالت بانفعال: دعني يا والدي..دعني أذهب.. اريد ان اطمئن على عمي..
ثم جذبت ذراعها بقوة وأنطلقت نحو الخارج مبتعدة عن المنزل ..وتسمرت قدماها بغتة واتسعت عيناها وخفق قلبها في عنف وهي تتطلع إلى الدمار من حولها .. والى المكان الذي بات اشبه بالصحراء الجرداء من خلوه من المباني التي دمرت تحت وحشية وقسوة جنود الاستعمار.. تحت سيل من صواريخهم وقنابلهم ..وصاحت بمرارة وتلك الدموع تترقرق في عينيها بكل حزن والم وضعف: إيها القذرون ستدفعون الثمن غالياً..
وتطلعت إلى المنازل المدمرة من كل جهة وهي تعض على شفتيها في مرارة وغضب ..وفجأة ..سمعت صوت الدوي يأتي من خلفها..وشهقت بقوة وهي تلتفت الى اقسى مشهد وقعت عليه عيناها ..كانت ألسنة اللهب تلتهم منزلها دون رحمة.. وارتجفت اطرافها وتجمدت نظراتها على ذلك المنظر المهول .. وصدرها الذي يعلو ويهبط بخوف وبحزن وبقهر ..خوف انسان من ان يحيى وحيدا تائها بعد مقتل والداه واهله واصحابه.. وحزن انسان فقد اغلى الناس على قلبه.. وقهره على قتلهم امام ناظريه بكل وحشية..وصرخت بكل المرارة والغضب والثورة في أعماقها والدموع تسيل على وجنتيها بكل حرقة: أوغاد..
تردد صدى صرختها في المكان بأكمله قبل ان تسقط على الأرض وقدماها لم تعدا قادرتين على حملها.. وهي تكور قبضتها في مرارة وتصيح بانفعال ودموعها قد تساقطت على ارض بلادها التي دنسها المستعمر : أوغاد ..حقيرون ..لن أسامحكم..لن أسامحكم أبداً..
وعادت تتطلع إلى المنزل مرة أخرى التي تلتهمه السنة اللهب دون رحمة.. ودموع المرارة والألم تسيل على وجنتيها دون توقف ...
:
:
فجأة .. فتحت عهد عينيها واستعادت وعيها.. وهي تشعر بأشعة الشمس والتي تتسلل اليها من النافذه .. وتضايق عينيها التي لم تعتادا هذا الضوء القوي بعد..ودارت في رأسها مئات التساؤلات وهي تجد نفسها في مكان غريب لم تره من قبل..ترى اين هي؟ ..وكيف وصلت الى هنا؟.. وماالذي تفعله هنا؟..
تطلعت الى الفراش التي كانت تنام فوقه..والى الغرفة التي وضعت بها..كانت تبدوا غرفة لمكتب..انها بالتأكيد ليست بالمنزل الذي استأجره هشام.. لأن هذه الغرفة تبدوا افخر منها بكثير..اذا.. اين هي الآن؟..ان آخر ما تذكره هو تسللها بين الاشجار بعد ان شاهدت ذلك القائد يدبر امرا هناك..وبعدها ذلك الانفجار.. ذلك الانفجار الذي احست به يدفعها بكل قوة ..ثم.. لاشيء ..لا تذكر أي شيء مما حدث بعدها..ماالذي حدث يا ترى و...
)هل افقت يا ايها الفتى؟)
قالها ألكس وهو يتطلع الى عهد و يقف في ركن الغرفة ويعقد ساعديه امام صدره ..ونظرة الصرامة لم تفارق عينيه ابدا.. فالتفتت له عهد بدهشة.. فهي لم تنتبه لوجوده الا عندما سمعت صوته.. ولكنها مالبثت ان قالت بحدة وبلهجة انجليزية: اين أنا؟ ..وماذا افعل هنا؟ ..
تعرفت على وجه ألكس من فورها وتطلعت اليه بكراهية وهي تعتدل في جلستها..فقال ألكس بسخرية: انت هنا في مبنانا يا ايها الفتى.. وقد كنت جريحا فأسعفناك..
انتبهت عهد الى رنة السخرية في صوته فقالت بكراهية وهي تتطلع اليه: لم اطلب مساعدة من أمثالكم .. كنت افضل الموت على ان اجد نفسي في هذا المبنى الحقير..
قال ألكس دون ان يبالي بها:على الاقل انت تدين لنا بالشكر لانقاذ حياتك..
قالت بغضب وحقد: بل ادين لكم بالقتل..
تطلع لها ألكس وقال بسخرية: على العموم نحن آسفون .. فلن تغادر الآن من هنا لأننا بحاجة اليك يا فتى..
ثم اردف قائلا وابتسامه ساخرة وخبيثة ترتسم على شفتيه: اعني يا فتاة..
واتسعت عينا عهد بقوة وهي تلتفت اليه بحدة..وشعرت مع ابتسامته الساخرة بانه يعني كل ما يقوله.. وكل حرف نطق به..وان امرها قد انتهى تماما...
:
:
دقيقة طويلة من الصمت مرت بينهما وعهد تتطلع الى ألكس بذهول..وقد بدا الامر امام عينيها اشبه بفيلم سينمائي قد توقفت عن الحركة وحاولت تدارك الموقف بأي وسيلة ..حاولت المحافظة على ملامحها الهادئة وعلى صوتها الغاضب وان لم يخلو من التوتر وهي تقول : أتسخر مني يا هذا؟..
قال ألكس وهو يلتفت نحوها: انا اسخر منك ؟.. من منا سخر من الآخر انا ام انت يا فتاة؟...
صاحت قائلة: كفى .. أنا لست فتاة حتى تحدثني بهذه الطريقة..
قال باستنكار مصطنع: ماذا؟.. لست فتاة..حقا؟.. انا آسف اذا.. فلقد اخبرتني الممرضة التي عالجتك بذلك .. ولكن يبدوا وانها لا تستطيع...
قاطعته قائلة بتوتر وقلق: اية ممرضة؟..
عقد حاجبيه وقال ببرود: الممرضة التي اشرفت على علاجك .. بعد ان كنت تواجهين خطر الموت..
ارتبكت ولاذت بالصمت.. فقال ألكس بحدة: والآن ..ما رأيك يا فتاة؟ .. اينا كان يسخر من الآخر؟..
احتدت قائلة بدورها: ما الذي تريده مني الآن؟..
تطلع اليها بنظرة صارمة وقال: اريد ان اعلم لم كنت هناك بجوار تلك الأشجار التي كان الجنود يؤدون عملهم بالقرب منها..
قالت وهي تمط شفتيها وتتطلع اليه بكره وحقد: حتى اقضي عليك..
قال بحدة: انت وقحة..
صرخت قائلة: وانتم أوغاد.. مجرمون.. تقتلون الابرياء دون ذنب اقترفوه..
قال ألكس وهو يلوح بكفه ببرود: فلتذهبي الى الجحيم ..هذه حرب والفوز فيها للمنتصر..
قالت عهد ببغض وكراهية: بل قل الفوز للسفاح.. الذي يسفك القدر الاكبر من الدماء..
تطلع اليها للحظات .. قبل ان يقول بصرامة: اسمعي يا فتاة .. سوف تنالي من التعذيب اشكالا.. ان لم تدلي بما لديك..
قالت عهد والتي لم يبد على وجهها أي اثر للاهتمام: ليس لدي ما أقوله ..
- حسنا سنرى.. انك لن تحتملي لحظة واحدة عندما ترمين بالسجن فقط..
قالت بانفعال: فلأمت ان كان هذا سيريحني من رؤيتكم وانتم تستعمرون بلادي..
احتد ألكس واندفع نحوها ليقول وهو يمسك برقبتها بقوة و يصك على اسنانه: اتودين تجربة الموت حقا يا ايتها الوقحة؟.. ها انذا سأمنحك اياه الآن ان اردت..
رمقته عهد بنظرات بغض وكراهية على الرغم من الخوف الذي شمل كل خلية في جسدها.. وشعرت بصعوبة التقاط انفاسها وهي ترى نظرات ألكس الغاضبة تجاهها وهو يزيد من ضغطه على رقبتها بكل قسوة..وعرفت انه الموت لا محالة..
لكن..توقف الضغط عن رقبتها فجأة.. وانزاحت كف ألكس عن رقبتها تدريجيا..
اما ألكس فقد لعن شفقته التي لم تحتمل رؤية الخوف من خطر الموت في عينيها.. او سماع انفاسها المتقطعة..
ودفعها في قسوة قبل ان يندفع مغادرا الغرفة .. ويغلق بابها خلفه في حدة قبل ان يقفله بمفتاحه.. وفي تلك اللحظة شاهد احد الجنود وهو يقتر ب منه ويقول: سيدي القائد..المدير يطلب مقابلتك..
عقد ألكس حاجبيه والتفت له قائلا بحنق: وما الذي يريده هذا ايضا؟..
ارتبك الجندي وفال: سيدي القائد انه يطلبك بخصوص الجريح الذي نقلته الى هنا..
قال ألكس بحدة : وكيف علم بأمره؟..
ارتبك الجندي اكثر وقال متلعثما: هناك من رآك و...
لم يجد ذلك الجندي ما يكمل به عبارته فصمت بتوتر.. فقال ألكس بانفعال متوتر: حسنا سأذهب لأرى ما يريده..
وابتعد ألكس عن الجندي ليسير بين الممرات بخطوات حازمة .. وما لبث ان وصل الى غرفة مكتب المدير فطرق بابها.. وقبل ان يسمع الاجابة.. دلف الى الداخل وهو يؤدي التحية العسكرية.. قائلا ببرود: هل طلبتني يا سيدي؟..
قال مدير الجيش وهو يعقد حاجبيه: اجل.. اجلس اولا حتى اتحدث اليك..
جلس ألكس وقال بلا مبالاة: ها انذا قد جلست ..والآن ما الامر؟..
حدجه المدير بنظرة صارمة وقال: لقد سمعت انك قد ساعدت جريحا يا ايها القائد..
قال ألكس في هدوء: حسنا وماذا في هذا؟..
قال المدير بصرامة: وهذا الجريح من هذه الاراضي.. أي انه عدو لنا..
- ومن اخبرك بهذا يا سيدي؟..
قال المدير بحدة: لا تحاول الانكار يا ايها القائد.. فملامحه تدل على انه ليس بريطانيا..
هز ألكس كتفيه وقال: انا لم اقل انه بريطاني..ولكنني اسعفته لاننا بحاجة اليه..
رمقه المدير بنظرة متشككة ومن ثم قال: وفي ماذا سنحتاج اليه؟...
اجابه ألكس قائلا: في منحنا معلومات عن دولته..وعن تلك المجموعة التافهة..
عقد المدير حاجبيه وقال: وهل هو من أعضاء هذه المجموعة؟ ..
- لا اعلم ربما يكون كذلك.. والآن هل يمكنني الانصراف يا سيدي؟..
قال المدير بحزم: اسمع بعد علاجه حاول استخراج كل مالديه من معلومات بأية طريقة .. حتى وان كانت حرق اطرافه.. فبالتأكيد سنستفيد منه حتى تصبح هذه الدولة في قبضتنا..
قال ألكس ببرود: حسنا يا سيدي .. سأفعل..
ثم هم بمغادرة المكان ولكنه التفت الى المدير قائلا ولهجته تحمل رنة سخرية: على فكرة يا سيدي الجريح الذي احضرته الى هنا.. فتاة..
ثم غادر دون كلمة أخرى وهو يشعر ان الايام القادمة تحمل له الكثير من الاحداث خصوصا فيما يتعلق بتلك الفتاة المدعوة .. عهد...
#################
تراخت انامل عهد وهي تتحسس رقبتها بتوتر.. وشعرت بخفقات قلبها القلقة مما سيحدث لها وهي في هذا المبنى الحقير .. والتقطت نفسا عميقا ملأت به رئتيها وهي تفكر في ما يجب عليها عمله.. اتهرب؟..ايمكنها الهرب حتى؟.. وهذا المبنى يملأه الجنود ويحكمون عليه الحصار من كل جانب..
لهذا لم يعد امامها الا ان تصمت..ما دامت لا تستطيع حماية نفسها .. فلتحمي غيرها في فرقة المقاومة.. قد تكون بهذا قد قدمت لهم ما يساوي تضحيتهم في سبيل الوطن..
وعادت بذكرياتها الى الوراء الى اسبوع مضى او ربما اكثر من ذلك..الى ذلك اليوم المشؤوم..
:
:
توقف ألكس عن المضي في طريقه وهو يلمح القسم الخاص بالمشفى في المبنى البريطاني.. وتردد قليلا قبل ان يحسم امره ويدلف الى احد الغرف ويسأل احدى الممرضات: اين الممرضة سوزي؟..
كادت الممرضة ان تجيبه .. لكنها اشارت الى نقطة ما خلفه وقالت: ها هي ذي قد جاءت..
التفت لها ألكس وقال بأمر: اريدك للحظة..
فهمت انه سيتحدث معها عن تلك الفتاة.. فأومأت برأسها وتبعته.. حتى قادها الى غرفة مكتبه وهناك قال وهو يدلف اليها: لقد علم المدير بأمرها..
قالت سوزي مع انها تعلم الاجابة مسبقا: اتعني تلك الفتاة؟..
اومأ ألكس برأسه وقال وهو يجلس خلف مكتبه ويلتقط نفسا عميقا:وطلب مني استجوابها حالما تشفى..
قالت سوزي وهي تعلم الطرق التي يستخدمها الجيش البريطاني في الاستجواب: انها لا تزال متعبة يا سيدي وفي حاجة للراحة و...
قاطعها ألكس ليقول ببرود: انا لم اقل انني سأستجوبها الآن.. لكن ارجو ان تبلغيني انا فقط حين تتماثل للشفاء.. فأنا من سيكون المسئول عن هذه الاسيرة من الآن فصاعدا..
اومأت سوزي برأسها بتفهم وهي تقول : امرك ايها القائد..
فقال ألكس مستطردا وكأنه لم يسمعها: اذهبي اليها الآن اذا.. فقد افاقت قبل نصف ساعة..
قالت سوزي وهي تهم بالانصراف: اتأمر بشيء آخر يا سيدي؟..
هز رأسه نفيا واشار لها بالخروج قائلا: يمكنك الانصراف..
:
:
كانت عهد غارقة في ذكرياتها الاليمة .. وهي تستلقي على الفراش وقد باتت حبيسة هذه الغرفة منذ ان جيء بها الى هنا..وعادت بذهنها الى الوراء.. و بعد أن دمر منزلها امام ناظريها بكل وحشية بالتحديد.. بعد ان شاهدته وقد بات كومة من الحجارة والرماد.. وتيقنت انها فقدت اغلى الناس على قلبها .. والديها.. لم يعد لها في هذا العالم احد.. حتى منزل عمها قد تلاشى عن الانظار بفعل هذا القصف الغادر ..ووجدت نفسها تسير في تلك الطرق والشوارع.. غير عابئة الى اين؟.. او الى متى؟.. المهم ان تهرب .. ان تنسى.. لم يعد الموت يخيفها.. باتت تتمناه.. وهي تترنح في الشوارع ودموعها تأبى التوقف.. وصوت شهقاتها قد بات مسموعا لمن حولها وقد بلغ منها اليأس مبلغه.. تمنت لو لم تخرج من المنزل لحظتها على ان تعيش هذه الحياة.. وحيدة بلا اهل او هدف.. في وطن دنسه المستعمر وقتل شعبه دون وجه حق..
ولا تعلم كم سارت.. او كم مضى عليها من الوقت وهي تسير .. لكنها وجدت نفسها تقف بالقرب من مجموعة من الناس وبينهم شاب يهتف بهم صائحا: اسمعوني جميعكم.. لقد دمر المستعمر بلادنا.. قتل اطفالنا واباءنا..شرد اهلنا واصحابنا .. ولا يزال يحاول استعمار هذه البلاد.. بلادنا نحن..التي بناها اجدادنا بجهدهم وسواعدهم.. لهذا لن نسمح لذلك المستعمر الغاصب ان يواصل طريقه وسنوقفه عند حده.. سنقاتله وسنحمي ابناء شعبنا بقوتنا.. وها انذا ادعوكم للانضمام الى فرقة المقاومة التي نظمها شخص منكم .. فرقة المقاومة التي ستحاول التصدي بكل قوتها وافرادها للجيش البريطاني..
لم تستمع عهد الى بقية حديثه.. فقد اقتصر عقلها على فكرة واحدة.. الانتقام.. الانتقام لوالديها اللذان قتلا بدون رحمة او شفقة وبكل وحشية من المستعمر.. وحسمت امرها بالانضمام لفرقة المقاومة مهما كان الثمن ..
وما ان اقتربت من المكان الذي يحتشد حوله الناس حتى شاهدت احد الشباب يقول بابتسامة وهو يتطلع لكل من تطوع للانضمام: وطنكم يحتاج ابناءه للدفاع عمن دنسه ..واني لفخور لكل من انضم حتى الآن..
وشاهدت في تلك اللحظة امرأة في الثلاثينيات على ما تظن تقترب من ذلك الشاب وتهتف به: اريد الانضمام الى فرقة المقاومة..
التفت لها الشاب وقال بدهشة: انت؟!..
قالت المرأة مجيبة: اجل .. انا..
قال الشاب وهو يتحدث بهدوء: المعذرة.. لن يمكنك الانضمام الينا.. ففرقة المقاومة مهمتها مواجهة خطر الموت والدفاع عن الوطن بكافة الاسلحة.. وكل هذا لن يمكنك ان تتحمليه يا سيدتي..
نكست المرأة رأسها في الم وحزن.. وابتعدت عن المكان وهي تجر خطواتها جرا.. في حين راقبت عهد كل ما جرى ما امامها بقهر ونظرات يملؤها الغضب..
وسمعت صوت الشاب الآخر وهو يهتف به قائلا: رائد.. هيا علينا الذهاب لمنطقة اخرى..
اومأ رائد برأسه وابتعد مغادرا المكان بصحبة من تطوع في فرقة المقاومة..وعهد التي شعرت بالقهر وبالظلم لكونهم رفضوا اشتراك تلك المرأة لمجرد كونها امراة.. لانها امرأة ليس بامكانها الدفاع عن وطنها كما يفعل الرجال..وياله من سبب !..
عقدت عهد حاجبيها وكورت قبضتها بغضب لتضرب بها جذع شجرة مجاورة لها.. وقالت بحدة: تبا.. اعلى الفتاة ان تموت حية؟.. دون ان يكون لها الحق حتى في القتال في سبيل وطنها..
وعادت ادراجها لتسير هنا وهناك.. باحثة عن شيء ما.. يمكنه مساعدتها فيما تفكر به..واخيرا شاهدت متجرا نال منه القصف.. كان لبيع بعض الملابس.. وجدت بين جدرانه المحطمة مرادها اخيرا.. والتقطت ذلك المقص.. لتمسك بخصلات من شعرها البني الطويل وتهتف قائلة: وداعا يا ايتها الفتاة ..
وتساقط شعرها البني على الارض بكل اهمال.. وعادت لتقطع خصلات شعرها.. وتجعله اقصر ما يمكن ان يكون.. ومالبثت ان رمت المقص بعيدا والتقطت سترة لترتديها فوق قميصها وبنطالها الذي ترتديه.. وكادت ان تغادر المكان بعد ذلك.. لكن شدت انتباهها تلك القبعة المرمية على الارض باهمال.. فالتقطتها وهي تقول ببرود: هكذا يمكنني الانتقام دون أي عائق..
وارتدتها لتخفي معالم وجهها.. وتوجهت الى حيث رائد والبقية الذين لم يكونوا قد ابتعدوا كثيرا عن المكان بعد.. لتكون اول خطوة لانتقامها.. واول خطوة لأن تنسى حياتها كفتاة...
:
:
شعرت فجأة بحركة لمفتاح الباب الذي دار في ثقبه بهدوء.. فأعتدلت في جلستها وهي تعقد حاجبيها ونظرة الكراهية لم تختفي من عينها..لكن ملامحها لانت قليلاً وهي تتطلع لسوزي التي دلفت إلى الغرفة قائلة بابتسامة: كيف حالك الآن؟..
تجاهلت عهد سؤالها وقالت متسائلة فجأة بحدة وهي تراها ترتدي زي الممرضات: أأنت من أخبرهم بحقيقتي؟..
توترت سوزي امام حدتها قائلة: لم أكن أعلم بعدم معرفتهم للأمر ..لقد ظننت أنهم يعلمون وقد استغربت مناداتهم لك بفتى ولهذا...
قاطعتها عهد قائلة بغضب: ولهذا أخبرتهم بحقيقتي.. أليس كذلك؟ .. ياله من مبرر..
زفرت سوزي بحدة ومن ثم تقدمت من عهد قائلة: هل تسمحين لي بفحصك؟..
ظلت نظرة الجمود في عيني عهد..فأمسكت سوزي بمعصمها وقالت: لا بأس لقد تعديت مرحلة الخطورة و...
قاطعتها عهد مرة اخرى قائلة بانفعال ساخر: وسأعود الى منزلي بعدها .. أليس كذلك؟..
قالت سوزي بهدوء وقد شعرت بالشفقة تجاه هذه الفتاة: لم لا تتعاونين معهم وتخبرينهم بكل ما تعرفينه؟.. وبعدها ستضمنين لنفسك الحياة وســ...
صاحت عهد قائلة بغضب: وأقتل غيري.. أليس كذلك؟ ..وماذا يهمكم انتم؟.. نحن من يموت.. وانتم من تنامون مرتاحي البال.. تحصلون على ما تريدونه في الحال.. حتى ولو كان هذا على حساب الدماء التي تسفك..
قالت سوزي بهدوء وهي تحاول امتصاص غضب عهد : ولكنك بهذا ستتعرضين للتعذيب .. انت لا تعرفين ما يفعلونه بسجنائهم.. وخاصة من له صلة بتلك المجموعة..
قالت عهد بغضب وان لم يخفي لمحة الحزن التي ظهرت في عينيها: فالأمت لألحق بوالداي اللذان تركاني وحيدة في هذه الدنيا.. دون منزل او شخص ألجأ اليه..
شعرت سوزي بالأسى تجاه عهد فقالت بابتسامة مشفقة: ما أسمك يا فتاة؟..
- وهل يهم الاسم الى هذه الدرجة؟..
قالت سوزي غير عابئة بحدة عهد: انا ادعى سوزي..سوزي مكسفاير.. انهيت دراستي الثانوية والتحقت بالجيش البريطاني.. لأتطوع كممرضة فيه.. وماذا عنك انت؟..
شعرت عهد بالحيرة.. باخبراها من عدمه.. ولكن ابتسامة سوزي الحانية واحساسها بأن ذلك لن يضير احدا..جعلها تقول بهدوء: اسمي هو عهد.. فتاة في التاسعة عشرة من عمري..
تساءلت سوزي وقد شعرت بالراحة لتجاوب عهد معها اخيرا: وماذا ايضا؟...
قالت عهد وهي تمط شفتيها: ولا شيء آخر..
قالت سوزي وهي تربت على كتفها: حسنا يا عهد .. سأكون انا الممرضة المشرفة على علاجك .. حتى تشفي وتتحسن حالتك.. واعدك ان احدث القائد حتى لا يتم تعذيبك أو ...
قاطعتها عهد قائلة بصرامة: لست في حاجة الى إحسانكم وشفقتكم..
رفعت سوزي حاجبيها بدهشة لكلمة عهد الصارمة والتي لا تتفق مع طبيعتها كفتاة.. لكنها ما لبثت أن قالت وهي تنهض من على مقعدها : حسنا سأذهب الآن.. اهتمي بنفسك.. ولقد سعدت بلقاءك..
وابتعدت سوزي الى خارج الغرفة وهي تشعر بالتوتر من نظرات الكراهية التي ترمقها بها عهد...
################
ابتسم هشام بسعادة وهو يتطلع الى ذلك القادم من بعيد.. ولم ينتظر حتى يتقدم منه.. بل اندفع نحوه ليحتويه بين ذراعيه ويقول بفرح: حمدلله على سلامتك يا عزام.. اخفتني عليك كثيرا..
ابتسم له عزام وقال مداعبا: جرحي لم يشفى بعد.. وانت تؤلمني باحتتضانك لي بهذه الطريقة.. فابتعد عني..
ابتعد عنه هشام وقال مبتسما: لو لم تكن مصابا الآن.. لعرفت كيف اجيب على كلماتك تلك..
قال عزام وهو يضحك: اعلم.. بلكمة قاسية منك ايها المتوحش ..
تنهد هشام وقال وهو يجذبه معه من ذراعه: جيد انك عدت.. فقد كنت بحاجة لمن استشيره على ما انا مقدم عليه..
قال عزام بقلق: بشأن؟؟..
قال هشام وهو يقترب من تلك الغرفة ويدلف اليها: المبنى البريطاني.. لا نزال نجهل موقعه.. ولهذا لن يمكننا التصدي لهم ونحن نجهل من اين تصدر تحركاتهم تلك..
واردف وهو يلتقط نفسا عميقا ويحتل احد المقاعد: ولهذا امامنا احد خيارين..اما ان نحاول ان نبحث عنه بأنفسنا او...
قاطعه عزام وهو يجلس على المقعد المواجه له: او تبحث عمن يدلك على مكانه..
ابتسم له هشام وقال وهو يتطلع اليه: تفهمني دائما يا عزام.. ولهذا اردت ان أستشيرك قبل عرض الفكرة على المجموعة..
قال عزام بحزم وثقة: ليس امامك من حل سوى هذا ونحن نسعى لتحرير البلاد من الاستعمار.. لهذا فكما يقال (الضرورات تبيح المحظورات)..
اسند هشام ظهره للمقعد وقال وهو يسبل جفنيه: ازحت عن كاهلي حملا ثقيلا.. فشكرا لك..
وغرق في تفكير عميق وهو مسبل العينين.. واحترم عزام صمته .. فقد ادرك ان ما يقدم عليه هشام ليس بالامر الهين.. وقد يفتح عليهم ابواب الجحيم...
##############
جلس ألكس في غرفة مكتبه وهو يستعد لحشو مسدسه بطلقات الرصاص.. لولا أن سمع أحد الجنود يهتف به: سيدي القائد هناك مهمة لك تستدعي وجودك معنا..
قال ألكس بلا مبالاة: وماهي هذه المهمة؟..
-هناك بعض المراكز التي قمنا باخلائها تماما..لكي نعمل على تفتيشها فقد يفيدنا ما قد نجده بداخلها والـ...
قاطعه ألكس بسخرية: أهذا ما يستدعي وجودي.. انها مهمة تصلح حتى لجندي مثلك..
ثم اردف قائلا: اسمع اطلب من القائد النائب بالذهاب معك فليس لدي الوقت لمثل هذه التفاهة.. وان وصلتك اية اخبار عن تلك المجموعة فأخبرني بها فورا..
- حسنا ياسيدي..
ثم ابتعد عن المكان.. في حين اعاد ألكس المسدس الى حزامه وتسللت نظراته لا اراديا الى ذلك المفتاح الملقى على مكتبه..فأمسكه بين أنامله.. وأخذ يقلبه بينها وهو يفكر في امور شتى ..لكن قطع افكاره تلك صوت طرقات على باب المكتب.. فرفع رأسه وقال بهدوء: ادخل..
دلفت سوزي الى الداخل وقالت : المعذرة يا سيدي ان كنت قد قاطعت عملك..
قال ألكس وهو يشير لها بالاقتراب: كلا.. لم يكن هناك أي عمل يشغلني.. اخبريني بما هنالك..
قالت سوزي وهي تقترب من المكتب وتتنهد بهدوء: لقد تماثلت للشفاء تقريبا يا سيدي..
قال ألكس وهو يعقد حاجبيه: تعنين تلك الفتاة؟..
قالت سوزي وهي تومئ برأسها: بلى.. فهي بخير الآن بعد يومين من المتابعة الصحية.. لكن...
تسائل ألكس باهتمام قائلا: لكن ماذا؟..
قالت سوزي وهي تتحاشى النظر الى ألكس: لكنها يا سيدي صغيرة السن.. اعلم ان هذا يعد تدخلا مني.. لكن لا اظنها تحتمل مما قد تتعرض له من تعذيب هنا..
قال ألكس وهو يعقد حاجبيه بصرامة: لا شأن لك.. انصرفي ..
اسرعت سوزي تقول: لكن يا سيدي ان عهد...
قاطعها ألكس وقد ارتسمت ملامح حيرة على وجهه: عهد؟! ..
تنبهت سوزي لنطقها للاسم فقالت بهدوء: انه اسم تلك الفتاة ..
قال ألكس ببرود: سوزي.. انت تعلمين ان القيادة العليا تفرض علينا ان لا نتهاون مع أي عدو لنا .. حتى وان كان لا يزال طفلا..
زفرت سوزي بحدة.. وقالت بأسف: المعذرة يا سيدي على التدخل.. لكنني ظننت انه من الممكن ان ترأف بحالها بعد ان جئت بها الى هنا للعلاج..
قال ألكس كمن ينفي عن نفسه تهمة: لأننا بحاجة لما لديها من معلومات.. ولا يوجد سبب آخر يدعوني لمساعدة عدو لنا.. والآن.. انصرفي..
انصرفت سوزي على عجل.. في حين اسند ألكس ظهره الى مسند المقعد وهو يشعر بأفكار غريبة تحوم في رأسه.. أي كلمات كاذبة تلك التي نطقها؟.. كيف له ان يعلم ان عهد بحوزتها اية معلومات عندما جلبها الى هنا؟.. اهي شفقة منه فقط حقا هي التي جعلته ينقذ تلك الفتاة؟..
ووجد نفسه يشد من قبضته على ذلك المفتاح الذي احتل كفه .. ومن ثم ما لبث ان نهض من خلف المكتب وسار بين ممرات المبنى في طريقه الى تلك الغرفة..ووقف امامها لثوان قبل ان يدخل المفتاح في ثقب بابها ويمسك بمقبضه بهدوء.. وطرق الباب بخفوت قبل ان يفتح الباب..بعد ان حسم امره بالمحاولة بحل هذا النزاع او الصراع بشكل سلمي اولا..مع تلك المدعوة عهد..
:
:
يتبع...
 
بـــــــــ الحب (3) والواقع ـــين
::سجن::

وجد ألكس نفسه يشد من قبضته على ذلك المفتاح الذي احتل كفه.. ومن ثم ما لبث ان نهض من خلف المكتب وسار بين ممرات المبنى في طريقه الى تلك الغرفة..ووقف امامها لثوان قبل ان يدخل المفتاح في ثقب بابها وامسك بمقبضه بهدوء..وطرق الباب بخفوت قبل ان يفتح الباب..بعد ان حسم امره بالمحاولة بحل هذا النزاع او الصراع بشكل سلمي اولا..مع تلك المدعوة عهد..
ودلف الى الداخل ليشاهد عهد تبتسم ابتسامة ساخرة .. ونظرة قاسية تلمع في عينيها وهي تقول: متى تعلمتم اللباقة؟..
لم يأبه ألكس بسخريتها وقال وهو يسند ظهره للباب: اسمعي.. سوف تنقلين الى السجن الانفرادي بعد يومين..
شعرت عهد ان عدم مبالاتها او سخريتها هي من ستغيظ هذا القائد الوغد عندما يجد امامه شخص لا يهاب قوته او جبروته ..فدائما هكذا هو الصياد.. يستمتع برؤية الذعر في عيني فريسته.. لكنها لن تجعله ينال مراده ابدا.. ستقابل قوتهم بلامبالاتها وسخريتها.. لتعلمهم انهم لا شيء ليثيروا في نفسها الخوف.. وقالت بسخرية: ياله من خبر سار.. انني اكاد اموت فرحا..
اندفع نحوها ألكس بخطوات سريعة وغاضبة ليقول بحدة: هيي انت.. عليك ان تفهمي وضعك جيدا .. انك في ايدينا ونستطيع القضاء عليك في اية لحظة..
تطلعت له عهد بابتسامة ساخرة.. فقد تحقق ما تصبو اليه .. وهاهو ذا لم يستطع التحكم باعصابه تحت وطأة اولى كلماتها فقط.. وقالت ببرود متعمد: ومن قال انني اخشى الموت؟..
قال ألكس وهو بلوح بكفيه بغضب: لا تمثلي دور الفتاة الشجاعة التي لا تخاف شيئا..
قالت عهد وهي تحدجه بنظرة استهزاء: وما ذنبي ان كنت كذلك؟..
احتد ألكس وامسك بذراعها بقسوة وخشونة قائلا: اسمعيني ايتها الوقحة..ستتلقين من العذاب مالم يتلقاه احد قبلك.. سوف تتعذبين حتى تنالي جزائك وتدلي بكل مالديك..
قالت باستهزاء دون ان تبالي بألمها من جراء قبضته القوية: وهل ستتوقع ان هذا سيجعلني ابكي خوفا منك يا ايها القائد؟ ..
قال بخشونة وهو يخرج مسدسه من حزامه بيده الاخرى ويصوبه تجاه رأسها: والآن.. الا تخشين ان افرغ رصاص مسدسي في رأسك ؟..
عضت عهد على شفتيها وهي تحاول قدر الامكان اخفاء رجفتهما.. وقالت بيأس: ولماذا اخشى؟.. لقد فقدت كل شيء في هذه الدنيا.. فلم يعد الموت او الحياة يثيران في نفسي ادنى اهمية ..
ترك ألكس ذراعها بغضب وقال بانفعال: لقد كنت افكر بالمناقشة .. فقد تفيد في التعاون معنا..ولكن يبدوا وانك وقحة بأكثر مما تصورت.. ولا يفيد معك سوى وسيلة واحدة لتجعلك تتحدثين..
ثم اردف ونظرة وحشية تلتمع في عينيه: حرق اطرافك..
ومع ان قلب عهد ارتجف للفكرة.. الا انها قالت بحزم.. فلن تسمح لاحد مهما يكون ان يراها في لحظة ضعف لها: لن اتحدث حتى لو بترت اطرافي..
قال ألكس بسخرية: فكرة جيدة..
والتفت عنها ليسير بضع خطوات مغادرا المكان .. لكن كلمات عهد اوقفته قبل ذلك وهي تهتف به: هل جئت لتخبرني بهذا فقط؟..
التفت لها وقال ببرود: لقد كنت اتوقع ان يفيد الحديث معك قبل ان انفذ امر المدير بنقلك الى السجن الانفرادي..
ومن ثم غادر الغرفة دون كلمة أخرى...
#################
قال هشام بصرامة وهو يتطلع الى افراد المجموعة: هناك مهمة جديدة سنسعى الى تنفيذها ولكن اولا اريد ان اسمع رأي الجميع..فأنا بحاجة الى موافقتكم لتنفيذها..
عقد رائد حاجبيه وقال : ما الذي تعنيه يا هشام ؟.. هل الامر بهذه الخطورة..
قال هشام بهدوء وهو يتطلع الى رسم لاحدى الخرائط التي امامه: نحن بحاجة الى معلومات تقودنا الى ذلك المبنى الذي يعتبره البريطانيون مقرا لهم في دولتنا.. فأنا متأكد مثل هذا المبنى فحركة الجنود في هذه البلاد غير طبيعية .. ومن المستحيل ان يستطيعوا التسرب من خارج الحدود بكل هذه البساطة..كما ان الاسلحة التي تتوجه اليهم في تلك البقعة تشير الى ذلك..
قال عادل متسائلا: ما الذي تفكر فيه يا هشام؟...
- اننا نحتاج الى معلومات تدلنا على ذلك المبنى والى تخطيط ذلك المبنى كذلك..
قال عماد بقلق: لا اظنك تفكر في...
بتر عبارته دون ان يكملها فأبتسم هشام وقال وهو يلتفت لعماد: اجل يا عماد ما تفكر فيه صحيح تماما...
واتسعت ابتسامة هشام وقد بدا وكأنه يفكر في خطوة بالغة الاهمية..و.. الخطورة..
في حين تطلع له عزام وهو يشد على كتفه مشجعا.. وكلاهما يشعر بالقلق من هذه الخطوة التي سيقدمان عليها.. والتي ستعرض حياة افراد الفرقة لخطر الموت..
############
سمعت عهد صوت مفتاح الباب وهو يدور بثقبه وهي تستلقي على الفراش بضجر.. فعقدت حاجبيها وهي تجلس على طرفه ترقبا لذلك القادم .. ولم تمض لحظات حتى ظهر من خلف الباب احد الجنود وهو يقول بصرامة وهو يتقدم منها: هيا .. ستذهبين معنا..
ثم جذبها من ذراعها في قسوة وقيد معصميها بالاغلال ..فقالت بسخرية متعمدة: هل انا مخيفة الى هذه الدرجة؟..
جذبها من ذراعها بخشونة اكبر مخرجا اياها من الغرفة ..وهناك وعند باب الغرفة شاهدت ألكس يقف بجانب الغرفة بحزم فتحدث اليه الجندي قائلا:هاهي ذي يا سيدي..
تطلع اليه ألكس قائلا بصرامة: حسنا .. ابقى خلفنا انت..
امسك ألكس برسغها بخشونة وهو يجذبها معه فقالت ساخرة: ألهذه الدرجة تخشونني؟ ..الى درجة تعيين حارس خاص لك ..يحميك من أي اذى قد اسببه لك..
قال بصرامة: الا تعرفين الصمت؟..
قالت متعمدة اغاظته: كلا..
لم يبالي بها وهو يأخذها الى ذلك الدرج ليهبطوه .. ويؤدي بهم بعدها الى ممر ضيق توزعت على جانبيه عدد من السجون .. وازدردت عهد لعابها وجف حلقها خوفا من هذا المكان الذي سترمى فيه.. وبدون ان تشعر ارتجفت اطرافها ذعرا من هذا المكان المخيف والرهيب.. ستلقى في السجن.. وسترى هنا مالم تره في حياتها.. ستهان.. ستذل.. ستعذب.. أي حياة هي اسوأ من حياة ما خلف القضبان؟..
اما ألكس فقد شعر برجفتها تلك .. وابتسم بانتصار للذعر الذي لمحه على وجهها..واشار الى الجندي دون أن يبالي بها .. فتوجه الجندي الى الزنزانة المجاورة لعهد.. وادخل المفتاح في ثقب الباب ومن ثم دفعها ألكس بقوة وقسوة الى داخل الزنزانة حتى كادت ان تقع ارضا جراء قوته.. ووجدت نفسها تقول بحدة: لا تدفعني هكذا يا هذا..
ابتسم ألكس بسخرية وهو يتطلع الى وجهها الغاضب والخائف في الوقت ذاته.. أعصابها لم تتحمل هذا المكان قبل ان تقضي فيه دقيقة واحدة.. فكيف ان قضت فيه اسبوعا كاملا او ما يزيد عن ذلك..
اما عهد فقد تلفتت حولها وقلبها يرتجف بين ضلوعها بذعر وهي ترى ان السجن التي رميت بداخله كان خاليا من أي شخص.. وهتفت قائلة بعصبية: هل سأبقى وحدي هنا؟؟ ..
قال ألكس بصرامة: أظنك قد سمعتني وانا اقول انه سجن انفرادي..
ثم قال مردفا وهو يتطلع اليها بخبث ويفتح اقفال الاغلال التي تقيد معصميها: ولا أظن ان حالتك النفسية ستتحمل لأكثر من اسبوع واحد فحسب يا من تتظاهرين بالشجاعة..
وغادر تلك الزنانة تاركا خلفه ذلك الجندي يغلق تلك القضبان.. ويجعلها حاجزا منيعا بين عهد والعالم الخارجي .. ولمعت نظرة الكراهية في عيني عهد وهي تتمسك بالقضبان وتهتف قائلة بلغة انجليزية متعمدة: الموت لكم ..الموت لكم يا من دنستم رمال بلادي..
############
التقط هشام نفسا عميقا ملأ به رئتيه قبل ان يخرجه بزفرة حادة وهو يقول ناقلا بصره بين رائد وتلك الخريطة التي احتلت الطاولة القديمة: لقد انتهينا من وضع الخطة يا رائد .. يمكننا عرضها على الجميع الآن..
قال رائد بتوتر: الا ترى اننا نتسرع بمثل هذه الخطوة يا هشام؟..
قال هشام وهو يضغط على حروف كلماته: انا لا ارى مفرا من ذلك يا رائد فبذلك سنضرب عصفورين بحجر واحد .. فمن جانب نستطيع ان نضرب ضربتنا.. ومن جانب آخر نستطيع الوصول الى عهد وانقاذه واخراجه من مبناهم ...
قال رائد محاولا ان يجعله يعدل عما يفكر فيه: ولكن يا هشام نحن لسنا متأكدين من بقاء عهد على قيد الحياة وخصوصا بعد ذلك الانفجار الذي استمعنا اليه جميعا و...
صمت رائد بندم وهو يشاهد علامات الاسى بادية على وجه هشام.. فقال بأسف: انا آسف يا هشام ولكن.. ما الذي يضمن لك بقائه على قيد الحياة؟ ..
قال هشام بحدة وألم : بل هو على قيد الحياة .. ان عهد لم يمت .. انا اشعر بذلك.. والدليل على ما اقول اننا بحثنا في ذلك المكان الذي حدث فيه الانفجار بعد رحيل الجنود.. ولم نجد ما يدل على انه قد قتل.. لذا فأنا متأكد تقريبا من ان الاوغاد قاموا بأسره..
وعادل الذي دلف لتوه الى الغرفة تساءل قائلا: ولم؟..
اجابه عماد قائلا وهو يلتفت له ببرود: وهل هذا الامر يحتاج الى ذكاء؟.. حتى يستطيعوا الحصول منه على أي معلومات وان كان ذلك بالقوة..
قال هشام بتوتر: لست اخشى الا على حياته هو .. انه لا يستطيع احتمال كل ما سيلقاه من اولئك الاوغاد..انه لايزال فتى صغير السن..
ابتسم عزام وقال: لا تقلق لقد كان شجاعا.. قويا.. وجميعنا يشهد له بذلك..
قال هشام وهو يزفر بحدة : ليتني استطيع ان اعرف ما هي حاله الآن وان كان بخير ام انهم قد...؟
لم يكمل وظل صامتا ولكن الجميع قد فهم ما يعنيه.. وهاهي ذي آثار الحرب تكشر عن ابتسامتها الوحشية ..وبلا رحمة..
وتمنى هشام من كل قلبه ان يكون عهد بخير ..عهد التي ستكون هناك حياة مليئة بالتقلبات والمفاجآت بانتظارها...
##############
هناك جانب اغفلته في هذه الرواية.. لم اغفله بسبب اهمال.. بل كان ذلك لأجلكم.. حتى لا اشتت انتباهكم الى اكثر من شخصية في هذه القصة.. ولهذا انا اجد الوقت المناسب للحديث عن هذه الشخصية التي ستنظم الى القصة..
اسمه (مارك) شاب بلغ سن العشرين.. عرف بمرحه وابتسامته التي لا تفارق وجهه بالماضي.. وبهدوءه وانطواءه على نفسه في الوقت الحالي..
مارك شاب بريطاني الجنسية كما هو واضح من اسمه.. لكن هناك ما يربطه بهذه القصة.. فمارك هو شقيق هشام ..قائد فرقة المقاومة!...
الحكاية تعود الى عشرون عاما مضى او ما يزيد.. كانت الحياة قد استحالت بين والدة ووالد هشام.. وقرروا الانفصال كحل اخير.. ولم تجد والدة هشام الا ان تسافر الى والدها في بريطانيا ..الذي يعد رجل اعمال مشهور في عدد من المناطق .. وهي تصطحب معها هشام الذي لم يتجاوز الثامنة من عمره بعد..
وهناك تعرفت على كل من يعمل مع والدها.. وبعضهم كان بريطاني الجنسية.. ولم يحاول احدهم يوما تجاوز حدوده معها نظرا لخوفهم من والدها ولي نعمتهم..ولكن (روبرت) فعل.. استغل انشغال والدها ذات يوم.. واخذ يحدثها عن مختلف جوانب حياته.. عن نفسه.. عن عمله.. عن هواياته..
ونظرا لأن والدة هشام كانت قد خرجت بالكاد من تجربة انفصال مريرة ..فقد قررت صده مرات عديدة.. لكنه واظب على التقرب اليها.. حتى فوجئت ذات يوم بوالدها يقول .. ان روبرت قد تقدم للزواج منها!..
يومها لم تفهم.. لم يريد روبرت البريطاني الزواج بعربية؟.. كيف وديانتهما مختلفتين؟..ولكن والدها اخبرها انه مستعد لاعتناق الاسلام اذا وافقت على الزواج به.. ظنت انه معجب بها ويميل اليها .. والا لما غير ديانته لأجلها.. ولم تدرك انه فعل كل ذلك من اجل ان تكون مجرد جسر يصل به الى مركز مهم لدى والدها ..
ووافقت.. وتم الزفاف.. ولم يمضي الكثير من الوقت.. حتى كانت ام لطفل اصر والده على ان يطلق عليه اسم (مارك).. وطفلة انجبتها بعد عامين .. اطلقت عليها اسم (ايما)..
ومارك هذا له حكاية ساهمت في تحوله الغريب ذاك من شخص عاشق للمرح الى شخص عاشق للهدوء والانطواء على النفس ..ولقد كانت البداية هناك.. في تلك المدرسة الثانوية...
############
ظلام حالك هو كل ما تراه من حولها.. وخيط ضوء بسيط ذلك الذي يتسلل من نافذة لا تتعدى حجم الكف.. الخوف هو ما يسيطر على افكارها.. والاوهام تقذف بها يمنة ويسرة.. ستموت..ستموت لا محالة.. مصيرها هو الموت.. ان لم يكن بيدهم.. فسيكون نتيجة لما تشعر به من خوف في هذه الزنزانة القذرة.. الخوف من ان يتربص شيء ما لها في هذه الظلمة.. الخوف من اوهام ليس لها وجود تلقي الذعر في قلبها..
وقربت ساقيها من صدرها وهي تحيطهما بذراعيها.. لعل ذلك يبثها بعض الامان.. ومن مكانها ذاك دعت الله تعالى.. ان يفرج كربها.. او يقبض روحها...
:
:
(لماذا تحاول التأجيل دوما يا أيها القائد؟)
نطق المدير هذه العبارة وهو يتطلع الى ألكس الذي بدا متململا من وقوفه امام المدير.. فقال ألكس بضيق: أنا لا أحاول التأجيل ياسيدي..كل مافي الامر انها لم تتعدى مرحلة النقاهة..من علاجها بعد واخشى ان يؤثر التعذيب على حالتها الصحية فكما تعلم يا سيدي نحن بحاجة الى المعلومات التي بحوزتها و...
قاطعه المدير في حدة: وماذا يا ايها القائد؟..انك لا تفكر الا في تأجيل استجواب تلك الفتاة الوغدة من أجل اعذار واهية..
- ليست اعذارا واهية يا سيدي...انا احاول المحافظة على المعلومات التى تمتلكها هذه الفتاة لا أكثر..
مط المدير شفتيه وقال بحنق: اسمع يا ايها القائد .. سأنتظر يومان..اتسمع يومان فقط..وبعدها ستستجوبها وان تأخرت يوما آخر ستتعرض للعقوبة..وانت تعلم ان التهمة المنسوبة اليك في هذه الحالة ستكون الخيانة.. وعقوبتها لن تكون الا الاعدام ..اتفهم؟..
قال ألكس بضيق: اعلم ذلك يا سيدي.. وانا اخدم وطني بكل امانة..لم اتعدى يوما اية قوانين..
- حسنا انصرف الآن.. ولا تنسى لن انتظر اكثر من يومان...
اومأ ألكس برأسه بضيق وضجر وقال: حسنا يا سيدي..
ثم غادر الغرفة محنقا متجها الى مكتبه يمارس عمله بملل.. حتى انه لم يلمس احد الملفات التي حاول ان يراجعها..لقد كان يتطلع لها في شرود.. شرود لم يفهم مغزاه..لا يعلم لم شعر بالشفقة تجاه ما قد يحدث لعهد..ألأنها لم تقتله فيما مضى؟.. ام لأنها فتاة وهو لم يتعامل مع فتاة من قبل طوال فترة عمله في الجيش البريطاني ..عدا الممرضات اللاتي لا يربطه بهن الا صلة عمل لا اكثر و...
(كيف حالك يا صاحب المشاعر الرقيقة؟)
التفت الى صاحب الصوت والذي لم يكن سوى جون الذي ابتسم بهدوء وهو يستطرد: ما الذي تفعله هنا؟..
قال ألكس بصوت حاد: انني اراجع الملفات.. الا ترى؟..
قال جون بهدوء ساخر:هدئ من روعك يا ألكس .. انا لم اطلب منك ادائها عني .. انها اعمالك انت..
ثم قال مردفا وهو يهم بالخروج: لقد جئت لألقي عليك التحية فحسب.. عن اذنك.. سأذهب الآن..
قال ألكس بلا مبالاة : والى اين ستذهب؟..
- هناك جولة للتفتيش.. اترغب في المجيء معي؟..
ابعد ألكس الملفات عنه وهو يقول بحنق:هذا افضل من مراجعة هذه الملفات..
:
:
رفعت رأسها بقوة وذعر وهي تسمع صوت ذلك المفتاح الذي يدار في قفل باب الزنانة.. وصريره وهو يفتح ويطل من خلفه احد الجنود.. ومن ثم يتقدم منها ليقول بحنق: سحقا.. الى متى ستبقين على مثل هذه الحال؟..لن يلام سواي لو ظللت ترفضين الطعام والشراب كل يوم .. ومت جوعا..
لم تأبه به.. وحدجته بنظرة خاوية.. قبل ان تسند جسدها الضعيف الى ذلك الفراش الذي مزقت ملائته.. في حين قال الجندي بعصبية: علي ان اخبر احدهم والا كنت انا الملام في النهاية..
قالها وغادر تلك الزنزانة.. دون ان يبالي بعهد التي ازداد شحوب وجهها وهي تحاول التقاط انفاسها باستماته..
###########
نعود الى مارك لنضع النقاط على الحروف في حكايته التي سيكون لها دور كبير في روايتنا...
كانت اولى ايام مارك في المدرسة الثانوية لآخر عام له.. قد جمعت به بتلك الفاتنة التي تغلغلت الى قلبه بالرغم منه.. وسأل عنها كثيرا لأنه لم يرها من قبل في هذا المكان.. وقيل له انها قد انتقلت حديثا الى هذه المدرسة وانها تدرس في سنتها الثانية للمدرسة الثانوية..
يذكر يومها انه توجه اليها وحاول الحديث اليها.. للتقرب منها ويكون هناك نقطة وصل بينهما.. لكن .. انفها المرفوع قد بنى حاجزا بينهما.. فقد كانت كثيرا ما ترفض ان يتقرب منها أي شخص .. ولم تكن تأبه به هو او بغيره..
وحاول هو باستماتة التقرب منها .. لكن محاولاته كانت تبوء بالفشل.. حتى جاء ذلك اليوم الذي كاد ان يدمر صاحبة الانف المرفوع كما اطلق عليها..
كان يومها كعادته قد اخذ يبحث عنها في ارجاء المدرسة اثناء وقت الراحة.. وحينها وجدها جالسة بالـ (الكافتيريا).. وحيدة وكان رفيقها هو الدموع وحدها!..
لم يصدق ان صاحبة الانف المرفوع يمكن لدموعها ان تسقط من عينيها.. كانت في نظره دائما تلك المغرورة القوية.. ولكنها اليوم ضعيفة.. وهشة.. يمكن ان تتحطم بأقل همسة تجرحها ..
واقترب منها منقادا بالرغم منه اليها.. وقال مستفسرا بحنان: ما بك؟..
رفعت رأسها اليها وصرخت فيه قائلة: انت سبب كل ما يحدث لي.. انت..
تطلع لها بغرابة فأردفت بحقد: هل ارتحت الآن؟.. المدرسة بأكملها تتحدث عن العلاقة التي تربطني بك.. لقد اصبحوا يلفقون حولي الاشاعات.. ويتهامسون سخرية علي.. وانا التي كنت اقطع لسان من يحاول التفوه عني بكلمة.. اجد نفسي اليوم محط سخرية الجميع وكل هذا بسببك انت!..
تطلع لها بدهشة ومن ثم انسحب وقد قرر ان يجد من يقف خلف تلك الاشاعات.. وقد كان الامر اكثر سهولة مما توقع .. فقد جاءت بقدميها له.. لتقول هامسة بابتسامة: لقد لقنتها درس قاس من اجلك يا مارك..
وناطقة العبارة تلك لم تكن الا احدى زميلاته بالصف والتي تدعى (ليليا).. وقد شعر يومها بالسخط لما فعلته .. فقال بغضب: ومن طلب منك ان تفعلي هذا؟؟..
قالت ليليا ببرود: لقد كانت مغرورة دائما .. واردت ان احطم غرورها ذاك.. فمن هي حتى ترفضك وتجعلك تجري خلفها؟ ..
قال مارك وهو يكور قبضته بغضب ويهتف بانفعال: ليس هذا من شأنك.. واياك يا ليليا ومن ثم اياك .. ان تتفوهي ولو بحرف واحد يؤذي مشاعرها.. انها اطهر من كل ما تفوهت به.. انها رقيقة المشاعر ومرهفة الاحاسيس..
قالت ليليا باستنكار: اتعجبك تلك المغرورة؟..
قال مارك بحدة: لا شأن لك.. واياك التدخل يا ليليا .. وها انذا قد حذرتك..
وعندما شاهدته ليليا يهم بالخروج من الكافتيريا.. هتفت به وهي تشعر بغصة في حلقها: اتجري خلفها؟.. الا تزال تهتم لأمرها وتلاحقها.. متناسيا مشاعري تجاهك..
تنهد مارك وقال دون ان يلتفت لها: ستظلين زميلة عزيزة يا ليليا دائما.. لكن مشاعرنا ليست ملكا لنا..
صاحت فيه ليليا بثورة عامة: اتحب تلك التافهة المغرورة؟؟! ..
لم يأبه مارك بثورتها بل قال بابتسامة باهتة: اجل..
قالها وغادر الكافتيريا في سرعة.. ولم يكن يدرك ان صاحبة الشأن.. كانت تقف بجوار مدخل الكافتيريا وقد سمعت كل ما دار.. وهي متسعة العينين.. وقلبها يرتجف بين ضلوعها.. ودون وعي منها ضمت كتابها الى صدرها ..
الكل يتهمها بالغرور .. لكنها ليست كذلك.. هي لا تريد للحب ان يطرق باب قلبها من جديد بعد ان خدعت تحت عنوان الحب.. لا تريد ان ترتبط بعلاقة اخرى تحطمها .. لهذا انتقلت الى هذه المدرسة.. هربا من الحب.. وها هو يلاحقها هنا ايضا وبكل اصرار!..
لكن.. مارك مختلف.. حقا هو كذلك.. لقد دافع عنها بكل قوة.. اخذ يمتدحها وهي التي كانت تصده بكل غرور واستعلاء دائما .. واعترف بحبه لها على مسمع من زميلته ودون ان يعلم بوجودها هي.. وهذا يعني انه يعني كل حرف ينطق به..
ونستطيع ان نقول.. ان بعد ما حدث.. انقلبت الامور رأسا على عقب.. واصبحت تلك المغرورة هي من تجري خلف مارك بدلا من ان يجري خلفها هو.. اصبحت تنتظر انتهاء حصصه الدراسية بعد انتهاء اليوم الدراسي.. واصبحا يقضيان معظم الوقت معا.. صحيح ان مارك قد استغرب هذا التحول الذي جرى لها.. لكن كل ما يهمه انها الآن الى جواره .. وهذا اقصى ما يتمناه..
واصبحت علاقتهما حديث المدرسة بأكملها.. علاقة حب طاهرة ربطت بين قلبين بريئين.. لكن.. لا تزال الاحقاد تتربص خلف تلك الاسوار لتهدم جدار السعادة وتحوله الى فتات...
#################
اتجه ألكس برفقة جون وسار الى جواره حتى هبطا درجات ذلك السلم الطويل ..الذي يلتقيان في آخره بذلك الممر الضيق الذي تتنتشر على جانبيه السجون..التي لا يقل عددها عن خمسون سجنا تقريبا..والتفت جون الى ألكس في تلك اللحظة وقال مداعبا:كيف حال رفيقك الجريح؟..اعني رفيقتك..فقد سمعت بانها فتاة و...
قال ألكس وهو يلتفت له بحنق: اجل انها كذلك.. هلا صمت الآن..
- ماذا بك يا ألكس؟.. انا لم اقل شيئا..
اشاح ألكس بوجهه في ضجر.. وفي تلك اللحظة اقترب احد الحراس من جون وقال بهدوء: سيدي هناك امر اود اخبارك به..
- ما الامر؟.. هل حدث خلل في احد السجون؟..
- شيئا من هذا القبيل يا سيدي..فالسجينة الموجودة بالسجن الانفرادي الذي يحمل الرقم (45)..ترفض تناول أي طعام يقدم لها..بل انها لم تتناول شيئا منذ خمسة ايام..
توتر ألكس وهو يستمع الى ما قاله الحارس .. لقد عرف ان السجينة التي يعنيها الحارس لم تكن سوى عهد.. ودون ان يشعر تمتم: هل لك ان تعطيني مفاتيح سجنها؟..
عقد الحارس حاجبيه وقال:ولكن يا سيدي هناك اوامر ان لا امنح المفاتيح لأي احد الا بتصريح رسمي و...
قال ألكس بحدة: الا تعرف من انا يا هذا؟..
قال الحارس بهدوء: بلى اعرف يا سيدي.. ولكنها الاوامر..
قال ألكس وهو يحاول ان يبدوا هادئا: سأتحمل انا ذلك .. لا شأن لك انت بالأمر..
قال جون بهدوء: امنحه المفاتيح ايها الحارس.. وسأحضر لك التصريح فيما بعد..
قال الحارس وهو ينتزع المفاتيح من حزامه:خذ يا سيدي.. وانا اخلي اية مسؤولية بذلك..
اختطف ألكس المفاتيح منه وهو يهتف: لا عليك لن يكون لك أي دخل بالموضوع..
واتجه الى سجن عهد حين استوقفه جون قائلا: انتظر يا ألكس .. فكر جيدا قبل ان تفعل ما تفكر به..
توقف ألكس فجأة والتفت الى جون في حدة وقال: وما الذي افكر به؟..
قال جون وهو يعقد ساعديه امام صدره: اقناع تلك الفتاة التي جلبتها الى هنا بتناول الطعام .. نسيت انها عدوة لك ومجرد سجينة هنا.. نسيت انها حاولت قتلك لأكثر من مرة.. نسيت كل هذا واشفقت عليها حين سمعت كلام الحارس..
قال ألكس بحدة: انت لا تفهم لو ماتت هذه الفتاة فنحن سنخسر كثيرا .. فقد تكون تحمل معلومات بالغة الاهمية لـ...
قاطعه جون قائلا: بل هذا ما تحاول اقناع نفسك به..
- لا يهمني رأيك..
واتجه ليدخل المفتاح في قفل باب السجن .. وفي الداخل شعرت عهد بحركة المفتاح يتحرك في قفل الباب .. لكنها لم تتحرك.. ظلت واجمة شاردة وهي تستلقي على فراشها وتتطلع الى السقف في وجوم..ووجهها الشاحب بدا خير دليل على عدم تناولها لأي طعام..وفي تلك اللحظة فُتح الباب.. لم تلتفت لمن فتح الباب فقد كانت تعلم بأن هذا الباب لن يفتح ابدا الا لأحد الجنود او اذا حانت لحظة استجوابها وتعذيبها ..
وهنا تسمر ألكس في مكانه.. تسمر وهو يشاهد جسدها النحيل ووجهها الشاحب الاقرب الى وجوه الموتى.. لم يكن يظن ان تصبح هكذا .. وبدون وعي هتف قائلا بقلق: ما الذي تفعلينه بنفسك يا عهد؟..
جاءه صوتها خفيضا اقرب الى الهمس وهي تقول: كيف عرفت اسمي؟..
- هذا لا يهم الآن .. اخبريني لم ترفضين تناول الطعام وتقتلين نفسك؟..
كررت سؤالها دون ان تأبه لما يقوله: كيف عرفت اسمي؟..
اجابها بهدوء قائلا: سوزي اخبرتني به..
ثم اردف بحدة محاولا اخفاء قلقه: اخبريني.. لم لم تتناولي طعامك؟..
تطلعت الى السقف في شرود وقالت: لم يعد ذلك مهما بعد الآن..
تطلع ألكس الى الطبق الممتلئ بالطعام وقال بانفعال:انك لم تتناولي شيئا.. انك تنتحرين ولا شك..
- اجل انا افعل ذلك.. هل ارتحت؟..
قال بصرامة وهو يتطلع اليها: اسمعي نحن لن نتركك تموتين لأننا وبكل بساطة نحتاج الى المعلومات التي بحوزتك.. وبموتك سينقطع الامل الذي قد يوصلنا الى تلك المجموعة و...
قاطعته قائلة بصوت لاهث وكأنها قد ركضت لخمسون مترا سببه ارهاقها وشحوبها:وبحياتي ايضا سينقطع الامل فأنا لا اعلم شيئا.. وحتى وان كنت اعلم لن اتفوه بحرف واحد..
قال ألكس وهو يتقدم منها: لن اسمح لك بفعل ذلك.. نحن نحتاج اليك ..والى المعلومات التي بحوزتك..
قالت بصوت منفعل ولاهث: اخبرتك بانني لا اعلم شيئا.. الا تفهم؟..
- بل انت تعلمين ولك صلة بتلك المجموعة والا لما كنت هناك لمرتين اثنتين وحاولتي فيهما قتلي.. لا تحاولي خداعي فلست غبيا لاصدق كذبك..
صمتت بضعف وهي تشعر بأن مجرد الحديث يرهقها.. فقال ألكس بحدة: ستتناولين الطعام الذي يقدم اليك يا عهد والا...
قاطعته قائلة وهي تلتفت له بنظرات حاقدة: والا ماذا؟.. ستقتلوني؟.. فالتفعلوا اذا حتى ارتاح..
فجأة وبحركة مباغثة دفع ألكس طبق الطعام الموجود على المنضدة المهترئة بكل قوة ليتناثر الطعام على الارض ويتحطم الطبق في دوي قوي.. وهو يقول بانفعال وغضب: فليكن لا تأكلي.. موتي جوعا اذا.. ولتذهبي الى الجحيم..
ثم اندفع يغادر زنزانتها في غضب .. وعهد تراقبه بعينين خائفتين .. دون ان تعلم سببا لخوفها هذا...
#################
وكأن السعادة تأبى ان تلازم حياتنا.. وان ترسم البسمة على الشفاه لوقت طويل .. وتزرع الامل في قلوب اشخاص هم بأحوج ما يكونون اليها.. ليعود الالم الى حياتهم من جديد بفعل أناس لم يقدروا معنى ان نحب وان نُحب..
ووجدت ليليا نفسها تعد خطة شيطانية.. لتبعد مارك عن تلك المغرورة وتعيده اليها..وقررت تنفيذها في اخر يوم بالعام بالذات.. حتى لا يستطيع احدهما ان يفهم الامور على شكلها الصحيح بعدها..
وتحلت بالشجاعة لتنفذها وهي تحمل تلك الصينية في كافتيريا المدرسة وتقترب من مارك لتقول له بابتسامة وهي تراه جالسا مع تلك المغرورة: كيف حالك يا مارك؟..
قال مارك وهو يلتفت اليها وبهدوء: بخير.. كيف حالك انت؟..
- انا على ما يرام .. واني لـ...
تعمدت ان تبتر عبارتها.. وان تدفع كأس العصير بحركة خفية .. ليتأرجح الكأس ويسقط على جانبه.. وينسكب ما بداخله من شراب على سترة مارك.. الذي شهق وهو يرى ما حدث..
وقالت ليليا بخوف مصطنع: معذرة يا مارك.. هل اتسخت ملابسك كثيرا؟..
قال مارك وهو يريد ان يتخلص من فضولها: كلا.. شكرا لمساعدتك.. سأنظف السترة بنفسي..
اقتربت منه ليليا متعمدة.. وكل هذا امام نظرات تلك الفتاة المستنكرة.. في حين تظاهرت الاولى بتنظيف سترته بمنديل لها.. ودست ورقة ما في جيبه..
وقالت وهي تبتعد عنه ونظرة خبث تتألق في عينيها: اظن انه يتعين عليك ان تخلع السترة..
تنهد مارك وقال وهو يخلع السترة المبللة بالعصير ويضعها على الطاولة امامه: اعرف ما ينبغي علي فعله..
قالت ليليا وهي تشهق فجأة: صحيح.. نسيت ما جئت لأحدثك من اجله.. انه (سام) يرغب بالحديث اليك في موضوع عاجل..هيا تعال معي..
قالتها وهي تجذبه من كفه.. فقال مارك وهو يتنهد: بالاذن..
وغادر الطاولة متجها مع ليليا..في حين عقدت تلك الفتاة حاجبيها .. وقد تغلغل في صدرها شعور بالغيرة.. الغيرة من ليليا تلك التي كانت نظراتها معلقة بمارك طوال الوقت.. وهي تحاول ان تستحوذ على اهتمامه وجذبه اليها..
والتفت الى سترة مارك التي تركها على الطاولة.. لتتأملها بهدوء.. لقد تعمدت ان تسكب عليه العصير.. حتى تقترب منه او ربما لكي...
بترت عبارتها عندما لمحت طرف ورقة يبدوا ظاهرا في احد جيوب السترة.. واشتعل عقلها فضولا لمعرفة كنه هذه الورقة.. وامتدت كفها لتلتقطها.. وشعرت بأنها فضولية .. او ان هذا ليس من حقها.. ان تتعدى على اسرار غيرها..
لكن فضولها انتصر في النهاية .. ليجعلها تفتح تلك الورقة المطوية بانامل مترددة.. وهي تزدرد لعابها في وسيلة للتغلب على توترها الذي لا مبرر له..
وما ان فعلت حتى سقطت عيناها على تلك الكلمات.. وتلك العبارات القصيرة.. ولكنها كانت كفيلة بأن تحطم قلب انسان عرف معنى الحب..
" اعذرني يا مارك.. فلم يعد بوسعي الاستمرار في هذه التمثيلية وفي خداع تلك المغرورة.. لقد اردت ان تحطم غرورها بأن تجعلها تحبك.. وان تتظاهر امامها بالحب حتى تجري خلفك.. وهاهي ذي الآن قد فعلت.. لهذا يكفي خداعا لتلك المغرورة.. وعد الي والى حبنا الذي لا زلت احمله لك في قلبي ولا زلت اراه في عينيك كلما نظرت الي..
حبيبتك.. ليليا..."
أي خناجر قاتلة تلك التي طعنتها وهي تشعر بطعم الخداع .. بطعم المرارة والكذب والنفاق..اجدت التصويب يا ليليا.. القيت سمّك وتركته يجري في عروقي بكل قسوة.. لقد ظنت انه حمل لها الحب في قلبه يوما.. لكن.. ها هو ذا يثبت انه كغيره.. كغيره من المخادعين الذين لا يهمهم شيء سوى نفسهم..
وقررت ان يكون هذا آخر يوم تراه فيه.. والى الابد.. ونهضت من خلف تلك الطاولة.. لتجري مسرعة مغادرة المكان ودموع المرارة والقهر قد سالت على وجنتيها بكل حرقة...
وانتبه مارك في تلك اللحظة الى اختفاءها من المكان.. وقرر ان يلحق بها ويرى الى اين ذهبت.. تبعها ولكن.. لم يعثر لها على أي اثر .. بحث في جميع ارجاء المدرسة.. واخيرا صرخ وهو يشعر بقلق مبهم ينبأه بأنه قد فقدها بغيابها الغريب هذا: اين انت؟... اين انت يا (سوزي)؟؟ ...
صحيح .. نسيت ان اخبركم.. ان من احبها مارك.. وتعلق بها قلبه كل تلك المدة.. كانت فتاة تدعى سوزي.. سوزي مكسفاير...
واختفت سوزي من حياة مارك.. اختفت بلا رجعة..
############
قال مدير الجيش في حدة وهو يتحدث الى سوزي الواقفة امامه: اتركي عملك هنا.. وابلغي كل من معك بأن عليكم الذهاب برفقة عدد من الاطباء والممرضين والجنود الى المنطقة المجاورة للحدود.. فقد قام الاوغاد باصابة عدد من جنودنا وعليكم اسعافهم واحضارهم الى هنا حتى يتلقوا العلاج اللازم..
اومأت سوزي برأسها قائلة: امرك سيدي..
قال بحزم: ابذلي كل ما في وسعك يا سوزي..
قالت بابتسامة شاحبة: انا فداء للوطن يا سيدي..
قال مدير الجيش في هدوء : انا فخور بك يا سوزي على الرغم من صغر سنك.. الا انك قد تطوعت كممرضة في الجيش واثبت جدارتك كل هذه المدة..
واردف قائلا وهو يشير لها بالانصراف: صحبتك السلامة..
ابتعدت عن مدير الجيش وغادرت الغرفة .. وما ان خرجت حتى كرر مدير الجيش عبارته وكأنه يشعر بقلق مبهم تجاه سوزي: صحبتك السلامة يا سوزي..ولتحفظك السماء..
قالها ولازال القلق يتضاعف بداخله وكأنه يشعر بأن امر ما او مكروها ما قد يحدث لسوزي..
:
:
يتبع..
 
بـــــــــــــ الحب (4)والواقع ــــــين
::ضعف::



استدعى ألكس أحد جنوده وقال بحدة وهو يستند الى سطح مكتبه ويقلب مسدسه بين اصابعه: احضر السجينة رقم (45) الى غرفة الاستجواب فورا..
ادى الجندي التحية العسكرية وقال بحزم: حاضر يا سيدي..
اخذ ألكس يشغل نفسه بتنظيف مسدسه بعد مغادرة الجندي للمكتب ..ثم ما لبث أن رماه على المكتب في حدة وهو يزفر بحرارة هاتفا: لم أعد أحتمل..
اسند رأسه لمسند المقعد وهو ينتظر وصول ذلك الجندي.. وأفكار كثيرة تسيطر عليه لتتقاذفه يمينا وشمالا..أفكار تجعله يصاب بهذه العصبية التي تتولد نتيجة لتوتره وقلقه من شيء ما..
وفجأة سمع صوت أقدام الجندي وهو يخطو نحو مكتبه..فرفع رأسه له وقال بهدوء: هل أخذتها الى غرفة الاستجواب؟..
قال الجندي بهدوء: كلا يا سيدي لم آخذها الى هناك..
واردف في توتر: بل لم أستطع ذلك..
عقد ألكس حاجبيه وقال: ما الذي تعنيه بقولك هذا؟ .. هل يمكن ان تكون قد استطاعت الهرب مثلا؟؟..
قال الجندي وهو يهز رأسه نفيا:كلا يا سيدي انها لم تهرب.. بل ...
بتر ذلك الجندي عبارته ثم ازدرد لعابه ليستجمع قوته.. وبدت تلك اللحظة لألكس اشبه بالدهر وهو ينتظر جواب الجندي ..الذي قال مستطردا: بل انها في حالة يرثى لها وقد تم نقلها الى المشفى..
اعتدل الكس في وقفته وقال بدهشة ممزوجة بالقلق: ماذا تقول؟..
قال ذلك الجندي وهو يحاول التوضيح: اظن ان ذلك بسبب عدم تناولها للطعام لأكثر من اسبوع و...
ولم يكمل الجندي عبارته.. بل لم يدعه ألكس يكملها.. لقد اندفع فجأة وبحركة تلقائية..يعبر الممرات متجها الى القسم الطبي في آخر المبنى..
لم يعرف ما الذي يحركه؟..تأنيب ضميره ..ندمه..حزنه .. شفقته.. عقله أم هو قلبه ياترى؟..
توقف عند هذه النقطة..أتكون هذه الفتاة البسيطة والتي لم يعرف حقيقتها الا من عشرة ايام قد تسللت الى أعماقه ..ايكون قد شعر نحوها بأية مشاعر؟..كلا هذا مستحيل ..انه قائد أعلى للجيش البريطاني وهو يسعى لاحتلال هذه البلاد..وهي مجرد مواطنة تقاتل ضده وتسعى لقتله وتدمير هذه الجيوش ..عليه أن يتذكر دوما انها عدوته وعليه أن يقتلها.. يقتلها..
ترددت تلك الكلمة في رأسه ليشعر بضيق شديد يجثم على صدره .. وحاول ان يبعد كل تلك الافكار عن ذهنه وهو يتوجه بخطوات قلقة ومتوترة الى ان وصل الى ذلك القسم.. وهناك استوقف احد الممرضات قائلا: اخبريني يا آنسة كيف حال السجينة رقم...؟
قاطعته قائلة: اسأل الطبيب يا سيدي فأنا مشغولة الآن فهناك حالات مستعصية..
زفر ألكس بحدة وتوجه الى غرفة الطبيب وبدون أن يطرق الباب.. اقتحمها قائلا: سيدي الطبيب..كيف حال عهد؟؟ ..
التفت له الطبيب بحدة وقال: كيف تقتحم مكتبي هكذا ياايها القائد؟!..
زفر ألكس بحدة من تفاهة ما يفكر فيه المدير وقال: هذا غير مهم الآن.. اخبرني كبف حال عهد؟..
قال الطبيب متسائلا بحيرة: عهد؟؟.. من عهد؟..
اجابه ألكس في سرعة: انها السجينة التي احضرت الى هنا قبل قليل..
قال الطبيب وهو يتذكر: اجل لقد تذكرت..انها فاقدة الوعي في أحد الغرف وهي تعطى المحاليل الآن..وذلك بسبب عدم تناولها لأي طعام و...
قاطعه ألكس قائلا بحدة: وأي غرفة تلك ؟..
عقد الطبيب حاجبيه وقال: ولم تسأل أيها القائد..؟
قال ألكس وقد ارتبك لسؤال الطبيب المباغت: إنه أمر بخصوص العمل يا ايها الطبيب..
تطلع له الطبيب متشككا وهو يهتف: بخصوص العمل وهي فاقدة للوعي؟..
قال ألكس بصوت متوتر وهو يحاول انهاء هذا النقاش سريعا: أجل .. أخبرني الآن.. أي غرفة هي غرفتها؟..
قال الطبيب وهو يعود لعمله: إنها في الغرفة السابعة عشرة..
كاد ألكس أن يخرج من مكتب الطبيب لولا أن أستوقفه هذا الأخير قائلاً: ولكن الزيارة ممنوعة..
التفت ألكس إليه وقبضته متمسكة بمقبض الباب ..وقال وهو يعقد حاجبيه بسخط: أخبرتك بأنه أمر بخصوص العمل وهو لا يحتمل التأجيل..
ثم أنطلق خارج مكتب الطبيب دون كلمة اخرى وهو يتلفت بين الحين والآخر باحثا عن رقم غرفتها..وعندما وجده اخيرا زفر بارتياح وكاد ان يدلف لولا ان سمع صوتا هادئا يقول: الزيارة ممنوعة يا سيدي..
استدار لناطقة العبارة والتي اختارت توقيتا سيئا لتملي الاوامر على ألكس.. وشاهد احدى الممرضات تقف خلفه بهدوء وهي تتطلع اليه.. فاحتد قائلا:ماذا تقولين؟؟..
قالت بارتباك: انا آسفة يا سيدي..ولكنها اوامر الطبيب و...
قال بغضب: هذا ما ينقصني..
ومن ثم استدار عنها وهو يدلف الى الغرفة .. الغرفة التي كانت عهد تنام بها..بل يمكننا القول انها تنام برغم ارادتها بها..فجسمها الضعيف لم يحتمل الجوع لأكثر من هذا .. لم يحتمل عدم تناولها لأي طعام لأكثر من اسبوع وانهار..انهار رغم صبرها وصمودها.. رغم اصرارها بأن لا تبدوا ضعيفة امامهم..
كانت تعتقد بانها بذلك سوف ترتاح من كل العذاب والالم الذي اصابها ..من كل المرارة التي عانتها..كانت تريد قتل نفسها بأي طريقة غير مباشرة..كانت تتمنى الموت حتى تنتهي آلامها واحزانها..وحتى ينتهي كل هذا العذاب الذي يجثم على صدرها....
أما ألكس فقد كان يتطلع اليها بشفقة..بحزن على حالتها هذه..بحزن على جسدها الهزيل الممدد على ذلك الفراش الابيض والمحاليل تتصل به لتمنحها بعضا مما فقدته من طاقة..بحزن على ذلك الشحوب الذي كسى وجهها ..
وتمنى في تلك الاثناء امنية غريبة .. اثارت دهشته هو نفسه بعد ان انتبه الى افكاره التي اصبحت تقوده الى منحنى خطير في حياته بعكس مخططاته..
تمنى لو امكنه التخفيف من آلامها..ولو الشيء البسيط.. تمنى لو يستطيع ان يبعث القوة في جسدها لتنهض معافاة ..وتعود لتقتحم حياته كما رآها اول مرة.. صلبة.. قوية.. شجاعة.. رافضة للاستسلام..
شعر بغصة في حلقه وهو يتذكر انها عدوة له وانها ستظل تكرهه الى الابد..وان المسافة التي تفصلهما اكبر مما يظن أي شخص..وان مشاعر الشفقة التي يشعر بها نحوها قد تتحول يوما الى ما هو اكبر من ذلك..لذا يجب عليه ان يبتعد منذ الآن وان يقطع أي مشاعر للعطف بداخله تجاهها..مهما كان الثمن..
ولكنه لم يعلم ان مشاعره كانت اقوى منه لحظتها.. فقد سيطرت على عقله .. وجعلته يتجه كالمأخوذ الى فراشها ويتمتم لا شعوريا: ستعيشين يا عهد..ستعيشين..
واردف مستطردا في شرود: لأجلي على الأقل...
وكانت هذه بداية لمأساته...
#############
كانت الفوضى تعم المكان.. وحالات الهرج والمرج قد عمت الشوارع والساحات.. وفرقة المقاومة تبتسم بكل انتصار وهم يرون انهم قد نجحوا في اعداد كمين لعدد من السيارات البريطانية.. ونجحوا في تدميرها..
وهناك وقفت سوزي .. تحاول اسعاف الجنود.. فحينا تعالج جرح هذا.. وحين آخر توقف دماء ذاك.. وانتشر الجنود والممرضين على مساحة واسعة.. لعلهم يستطيعون انقاذ من يمكن انقاذه وسط هذه المعمعة..
:
وعلى الجانب الآخر..اصدر هشام اوامره بأسر احد اولئك الجنود..بدون شعور أي شخص كان.. والا فأبواب الجحيم ستفتح عليهم حينها حقا..
وانطلق عماد مع رائد.. ليتوجهوا بحثا عن أي جندي بخطوات حذرة خفية.. وشاهدوا احدهم يقف وحيدا وتلك البندقية في يده مترصدا لأي حركة..
واشار رائد لعماد لكي يفعل ما اتفق عليه في الخطة.. فأومأ عماد برأسه وانطلق بخطوات حذرة ليتقدم من ذلك الجندي.. لكن.. شيء واحد لم يكن في الحسبان..
فقد اقتربت سوزي من ذاك الجندي ..بحثا عن أي مصابين .. ولمحت في تلك اللحظة .. ظلا سارع بالاختفاء خلف احد المباني.. فعقدت حاجبيها وتقدمت بخطوات بطيئة خائفة.. لتعرف ما هنالك..
وهنا لم يجد عماد امامه من حل نظرا لاقتراب الممرضة التي ستكتشف امره.. سوى ان يتخذ حلا اخيرا.. وما ان اقتربت منه تلك الممرضة اكثر.. حتى اتسعت عيناها في قوة وهي تراه واقفا امامها.. وكادت ان تشهق.. ان تصرخ.. لكنه لم يمهلها الفرصة لكل هذا.. بل كمم انفها وفمها بمنديل قد احتوى مادة للتخدير.. ولم تمر لحظات حتى كانت سوزي تغط في عالم اللاوعي..
وجرها عماد جرا معه .. حتى وصل الى رائد الذي قال بصوت مستنكر: ما هذا يا عماد؟.. لقد طلب هشام ان نأسر جنديا لا ممرضة..
قال عماد بقلة حيلة: لم يكن امامي من حل وقد كادت ان تكتشف امري .. لقد اضطررت لذلك بعد ان رأت وجهي..
قال رائد وهو يهز رأسه: لن يقبل هشام بذلك.. دعها وسأذهب انا لمحاولة اسر ذاك الجندي..
قال عماد في سرعة: لا يمكنني تركها والا سنكون في خطر.. لقد رأت وجهي.. كما وان .. قد يلاحظون غيابها الآن.. ولن نستطيع التقدم مرة اخرى..
قال رائد في سرعة وهو يعد مسدسه: خذها الآن الى السيارة .. وسأحاول ان اقوم بأسر احد الجنود.. ان وجدت الظروف تسمح بالتقدم..
اومأ عماد برأسه .. واصطحب سوزي الفاقدة الوعي معه.. دون ان يدرك انه بهذا يعيدها الى نقطة البداية...
##############
تغيرت حياة مارك بعدها 360 درجة.. لم يعد يهتم بأي شيء او بأي انسان كان.. لم يعد يعشق النزهات كما كان.. اصبح شخصا عاشقا للانطواء في غرفته..وتذكر سوزي.. تلك التي قلبت حياته رأسا على عقب.. منحته الحب بكل سخاء.. وبعدها اختفت.. اختفت دون ان يعلم الى اين ذهبت .. أو لماذا اختفت.. بحث عنها طويلا دون ان يجد لها ادنى اثر.. واخيرا بات ينتظرها لأوقات طويلة عند باب المدرسة التي احتضنت حبهما طوال خمسة شهور كاملة وهو يردد: سوزي ستعود.. ستعود ذات يوم.. انا واثق من هذا.. ستعود...
وظل على هذه الحالة..حتى سمع بخبر خطبة سوزي على شخص من عائلة ثرية.. وهنا ادرك انها قد نسته.. ولم يعد له أي وجود في حياتها..
ومؤخرا وصله خبر اصابة شقيقه هشام في احد مهماته بالشرطة.. وهنا لم يحتمل البقاء ساكنا .. وقرر ان يسافر اليه ويطمئن عليه.. فمنذ ان غادره شقيقه قبل عام للعمل في بلاده وهو يشعر بشوق عارم له..
لهذا سافر الى هناك وقضى الى جوار هشام اسبوعين هادئين .. حتى حدثت تلك الفاجعة.. واشتعلت الحرب.. ومن الغريب في الامر.. ان مارك قد قرر البقاء الى جوار هشام ومساعدته في كافة مهماته الانتحارية للدفاع عن بلاده.. وقد قرر ان يدافع عن هذه البلاد ضد بلده بريطانيا.. نظرا لانه ادرك ان بريطانيا هي من تعدت على حقوق الغير .. بمحاولتها استعمار هذه البلاد..
ولهذا فقد قرر مارك الانضمام الى فرقة المقاومة.. لكن مشاركته في المهمات الانتحارية تكاد تكون معدومة..بسبب رفض هشام القاطع لانه يحمل الجنسية البريطانية هذا اولا.. كما وان ذلك قد يسبب له مشاكل مع دولته ويتهم بالخيانة.. لانه يقاتل الى جانب اعداء بلاده...
##############
طرقات هادئة وخفيضة طرق بها اولئك الشباب اللذين ارتسمت ملامح غامضة على وجوههم ..كانت اقرب الى الغرابة..حين فتح ذلك الشاب الباب وهتف بسعادة: حمدلله على سلامتكم جميعا..
دلف رائد الى الداخل وقال وهو يلتفت الى عادل ويقول بجمود: ضعها في الغرفة الخلفية يا عادل..
قال عزام بغرابة:ما الذي حدث..هل فشلت مهمتكم؟..
هز رائد رأسه نفيا وقال: لا ..لم تفشل..
تساءل عزام بقلق وهو يدير انظاره بين وجوههم ويلمح الاضطراب فب ملامحهم: اذا ما الامر؟..
اجاب رائد بتوتر: في الحقيقة لقد كنا نسير وفق خطة القائد باختطاف أي جندي من وسط تلك المعمعة التي ستحدثها انفجارات سيارتهم .. ولكن...
قال عزام بدهشة: ولكن ماذا؟..
التفت رائد الى عماد الذي جلس في ركن من المنزل وقال: ولكن عماد..لم يستطع ان يختطف أي جندي..بل استطاع القبض على ممرضة كادت ان تكشف امرنا ثم ما لبث ان خدرها بواسطة منديله المشبع بالمخدر..
قال عزام وهو يعقد حاجبيه: ماذا؟.. فتاة؟..ابعد كل هذا تجلبون الى هنا ممرضة؟.. وانتم تعلمون جيدا ان القائد لن يقبل بهذا.. وخصوصا وانه قد طلب منكم اختطاف أي جندي لكونه ذا صلة بكل ما يحصل من تدمير في البلاد.. بعكس هذه الممرضة التي لا دخل لها في الامر برمته..
قال رائد مبررا: ولكن مادامت بالجيش البريطاني ..فهي مجندة لديهم.. اليس كذلك؟..
واردف بهدوء: ثم اننا لم نستطع فعل شيء حيال ذلك..لم نستطع تركها خلفنا بعد ان قمنا بتخديرها ورأت وجه عماد .. كما وانها بكل تأكبد تعلم بمعلومات مهمة قد يحتاج اليها القائد بما انها مجندة في الجيش البريطاني..
قال عزام باستنكار وضيق: لن يقبل هشام بهذا..اعلم ذلك ..
وابتعد عن رائد.. دون ان يعلم احدهم بأن من اختطفوها ليست سوى سوزي..تلك الممرضة الصغيرة.. التي هام بها مارك حبا وهو يتمنى ان تعود الى حياته من جديد..
ولم يدرك هذا الاخير ان ما يفصله عن سوزي ليست سوى بضع امتار فقط..لو قطعها لوصل اليها وعادت السعادة الى حياته من جديد...
:
:
شعرت تلك الفتاة بثقل جفنيها وهي تحاول فتحهما.. وكأنهما يحملان طن من الحديد..ومن ثم لم تلبث ان جاهدت لفتح عينيها.. وما ان فعلت حتى لمحت الظلام يحيط بها من كل جهة.. تلفتت حولها وكادت ان تحرك ذراعاها.. لولا ان شعرت بالحبال تقيد اطرافها..
عقدت حاجبيها بحيرة.. اين هي الآن؟.. وكيف وصلت الى هنا؟.. آخر ما تتذكره.. تسللها الى ما خلف ذلك الجدار .. ورؤيتها لذلك الشاب.. وبعدها تسللت الى انفها رائحة قوية..تشبه رائحة المخدر.. يبدوا انها قد اختطفت حقا بجلبها الى هنا.. ومن اختطفوها هم افراد اولئك الفرقة التي يتحدثون عنها في المبنى البريطاني.. يبدوا انهم سيحاولون معرفة أي معلومات حول المبنى البريطاني منها.. وبأي وسيلة كانت..
وارتجف قلبها ذعرا وهي تتخيل ما قد يفعلونه بها للحصول على ما تمتلكه من معلومات.. ومن وسائل التعذيب التي قد يستخدموها معها..
واغمضت عينيها بقوة وهي تحاول التظاهر بالنوم.. فمن يدري ربما استطاع النوم ان يحميها منهم ولو ليوم واحد...
############
توقف هشام عن النظر الى عقارب ساعته عندما كان قرص الشمس يمضي في رحلته الى الغروب..وتنهد بحرارة وهو يقول: اعلم ان ما حدث اليوم سيفتح علينا ابوابا قد لا تكون لدينا القدرة لأن نتصدى لما بداخلها.. ولكن الله تعالى معنا.. وسنقاتل بكل ما لدينا من قوة.. وسنقدم أي تضحيات فداءا للوطن..
ابتسم عزام ابتسامة باهتة وقال: كلنا مستعدون على تقديم اسمى التضحيات فداءا لهذا الوطن.. وحتى نحرر ارضها من براثن هذا العدو المحتل..
ابتسم له هشام بامتنان ومن ثم التفت الى عادل وقال: اين هو الجندي البريطاني الذي اسرتموه؟..
تطلع له عادل بعينين متوترتين.. فتدخل رائد قائلا لينقذ الموقف: في الحقيقة يا هشام .. عماد لم يتمكن من اسر أي جندي..بسبب ظهور ممرضة بريطانية على الساحة ورؤيتها لملامح وجهه.. لهذا فلم يجد هذا الاخير حلا الا ان يقوم بأسرها هي..
ضيق هشام عينيه وقال باستنكار وغضب مكبوت: ما معنى هذا؟.. منذ متى ونحن نستخدم قوتنا ونستعرض عضلاتنا على النساء؟؟..
قال رائد وهو يهز كتفيه بقلة حيلة: لم يكن بامكاني فعل أي شيء يا هشام.. فلقد رأت وجه عماد.. ولم يكن بامكاننا تركها هكذا خلفنا بعد ان تعرفت على احدنا.. كما وانني عدت الى مواقع العدو مرة اخرى .. ولكن كان الوضع اصعب مما توقعت .. فقد تمركزت عدد من القوات حول سيارات الاسعاف التي اخذت تنقل المرضى.. ولم اجد حلا امامي .. سوى ان اعود خالي اليدين..
ظهر الغضب هذه المرة جليا على وجه هشام وهو يهتف بانفعال: هذا خطأ.. خطأ .. ما كان يجب عليكم ان تحضروا امرأة الى هنا مهما كانت الاسباب..
قال عادل بخفوت: هل نعيدها اذا؟..
صب هشام غضبه على عادل الذي احنقه بسؤاله الاحمق: كفاك سخافة يا عادل..لا يمكننا اعادتها بعد ان جلبتموها الى هنا بكل هذه البساطة..ليتني لم ارسل احدكم الى هذه المهمة وقمت بها وحدي.. فعلى الاقل عندها لن يكون كل شخص في هذه الفرقة تحت دائرة الخطر..
قال عادل متسائلا بحيرة: وما الحل الآن اذا؟..
نحدث ذلك الشاب الصامت اخيرا.. واقترب من المكان ليقول بهدوء شديد: انا بريطاني يا هشام .. ولن يشك احدهم بأمري لو اعدتها.. سيظونني منهم.. او مواطن بريطاني متحالف معهم..
تطلع هشام اليه وقال بضيق: لا تستهن بالامور هكذا يا مارك .. انها حرب.. والجنود البريطانيون يقيسون كل حركة يقومون بها.. ويمكنهم ان يتعرفوا ببساطة انك لست احدهم..
قال مارك وهو يهز رأسه: سيظنون على الاقل اني مواطن بريطاني قد وجد هذه الممرضة و...
قال هشام منهيا النقاش: قلت كلا يا مارك..
زفر مارك بحدة.. وعقد ذراعيه امام صدره ليقول: اذا دعني على الاقل اتحدث مع تلك الممرضة البريطانية..فلربما استطعت اقناعها بعدم البوح بأي شيء عنا اذا أخرجناها من هنا سالمة.. او ربما...
قاطعه هشام مرة اخرى وهو يلوح بكفه بسخرية: انك تحلم.. تحلم يا مارك..انها مجندة لديهم .. ولن تدخر جهدا في الابلاغ عن هذه الفرقة التي تقاتل الجنود..انهم اوغاد.. لن يهمهم ما نفعله من اجلهم.. لن يهمهم سوى استعمار هذه البلاد..
قال مارك وهو يتطلع الى هشام بنظرة ثاقبة: لكني منهم انا ايضا يا هشام..
- انت مختلف يا مارك.. انت لست مجندا هذا اولا.. وشقيقي ثانيا..كما وانك تقاتل في صفنا .. اما هي .. فهي منهم.. مجندة لديهم.. لن تدخر جهدا في سبيل ان نكون بين ايدي جنودهم..
واردف وهو يزفر بحرارة: لهذا ستبقى سجينة هنا.. سجينة حتى اقرر ما ينبغي فعله بشأنها..
ولكن تلك النظرة في عيني مارك.. جعلت هشام يدرك ان مارك رفض ما قاله.. وانه سيحاول الحديث مع الممرضة البريطانية ان حانت له الفرصة...
###############
الاحمر.. هو لون كل ما في هذا المكان.. لون المباني التي التهمتها النيران.. لون السماء التي تحولت الى اللون الاحمر وكأنها تتضامن مع السنة اللهب..ووسط كل هذا وقفت تلك الفتاة مذعورة.. ترتجف كطير ببله الممطر.. باحثة عن المفر من تلك النيران..تلفتت حولها لترى النيران واللون الاحمر الذي اصبح لون كل شيء فجأة.. وتساءلت عن المفر من كل هذا..وهي تسمع اصوات صراخ..واصوات استغاثة طالبة النجدة تكاد تصم اذنيها..
واخيرا تحركت قدماها لتتجه نحو السنة اللهب بقلب يحتضر خوفا.. اقتربت بقدمين ترتجفان.. وكادت ان تمر بين النيران .. لكن امتدت السنة اللهب لتلفح وجهها.. وتجبرها على التراجع.. وامتدت اكثر وهي تكاد ان تصل الى جسدها .. وبرعب تراجعت الى الخلف.. لكن ظلت السنة اللهب تمتد اليها شيئا فشيئا.. واتسعت عيناها بخوف وذعر وهي تقف منتظرة مصيرها المحتوم و...
:
:
انتقلت الصورة بغتة امام نظرها لتتحول الى السواد ولاشيء آخر.. كل ما حولها اسود.. هل المكان مظلم الى هذه الدرجة؟.. كلا.. فجفناها لا يزالان مسبلان هربا من ذلك الواقع.. ذلك الواقع الذي اخذ يلاحقها حتى في احلامها ..
وفتحت عينيها لتشعر برجفة تسري في اطرافها..وتنبهت الى وجودها على سرير وثير.. ألازالت على قيد الحياة؟ ..لم لم تمت؟.. لم اسعفوها؟.. لم انقذوا حياتها؟.. ايريدونها ان تموت ببطء؟.. هي حقا كذلك الآن.. فليدعوها وشأنها اذا..
وشعرت بقبضة باردة تعتصر قلبها.. وهي تحاول التقاط انفاسها.. تبا لواقع كهذا.. اجبرها ان تلقى التعذيب والذل والهوان بين ايدي اناس لم تعرف قلوبهم الرحمة..اناس قتلوا اهلها.. دمروا بلادها.. شرّدوا شعبها..
وفجأة عقدت حاجبيها وهي تشعر بأنفاس ذلك الشاب الذي يجلس على مقعد بجوارها.. كان مسبل الجفنين.. يبدوا وانه نائم على هذا المقعد منذ فترة.. ما الذي جاء به الى هنا؟..يبدوا وانها تنام في غرفة ما بالمشفى.. فهل يستجوبون اسراهم وهم تحت العلاج ايضا؟.. ربما فكل شيء متوقع منهم..
حاولت تحريك اطرافها .. الا ان عيناها اتسعتا بدهشة كبيرة .. بل في ذهول.. وهي تتطلع الى كف ألكس التي تحتضن كفها برفق..وشعرت بارتجافة تسري من كفها لتنتشر في عروفها كلها مع لمسته..
ووجدت نفسها تجذب كفها بحدة من بين انامله .. وهي تشيح بوجهها عنه.. ويبدوا ان حركتها هذه جعلته يفيق من نومه..ففتح عيناه بهدوء وهو يلتقط نفسا عميقا ملأ به رئتيه.. والقى نظرة طويلة على وجه تلك المددة على الفراش والذي عاد اليه شيئا من صحته.. وتنهد في ارتياح..
ونهض واقفا ليسمح لاطرافه بالتحرك بعد هذا النوم المتعب على المقعد..
واستدار عن الفراش وهو يهم بمغادرة الغرفة.. لكن صوتها اوقفه وهي تقول بصوت حاولت ان تبث فيه اكبر قدر من الغضب: لم كنت هنا؟..
التفت لها وتطلع اليها بنظرة باردة.. ومن ثم قال وهو يعقد ذراعيه امام صدره: لأن فتاة مجنونة ارادت قتل نفسها..
استفزها اسلوبه فحاولت النهوض معتدلة على فراشها وهي تقول بعصبية: وما شأنك انت بي؟؟..
حاول قدر الامكان السيطرة على اعصابه وهو يرى مجرد اسيرة تتحدث اليه الى هذه الطريقة.. وهو القائد الاعلى للجيش البريطاني..وقال: انسيت انك الخيط التي سيوصلنا الى اولئك المتمردون؟..
اعتدلت في جلستها اخيرا وقالت وهي تشعر بجفاف حلقها.. فظهر صوتها على الرغم منها متحشرجا ومتعبا: قلتها الف مرة.. لست املك اية معلومات عن من تبحثون عنهم.. فدعوني وشأني ..
قال ألكس بعصبية وهو يقترب بضع خطوات منها: لا تحلمي بالموت يا فتاة.. فهو ابعد ما سيكون عنك.. لن ترتاحي ابدا الا بعد ان تدلي بكل مالديك.. وبعدها سنقرر ما نفعله بك بعد ان نلقي اولئك المتمردون خلف القضبان ويتم اعدامهم .. ليكونون عبرة لأي شخص يفكر في التمرد علينا بعدهم..
تطلعت اليه عهد بقهر.. بغضب.. بثورة.. أي افكار تلك التي تسكن عقولهم.. يتهمون فرقة المقاومة بالتمرد والذين يحاولون اداء ابسط حقوقهم وهي الدفاع عن وطنهم.. اما هم المستعمرين .. فلهم الحق بالتصرف كيفما يشاؤون.. يقتلون وينهبون ويدمرون..
وخرجت تلك الكلمات من بين شفتيها معبرة عن اشد ما تشعر به من حقد وكره لهؤلاء..وهي تصيح هاتفة: يالك من سافل.. وغد.. حقير..انتم اوغاد.. جميعكم اوغاد.. قذرون.. حقيـــ....
ألكس الذي لم يحتمل سيل تلك الشتائم توجه له.. وتملكه الغضب على هذه الفتاة.. ليدفعه لأن يهوي على وجهها بصفعة قاسية اجبرتها على الصمت .. وهو يقول بغضب ثائر: اياك ان تضيفي حرف واحد.. والا اقتلعت لسانك .. اتفهمين؟؟!...
واندفع مغادرا الغرفة وهو يغلق الباب خلفه بقوة..وعهد التي لم تفق من صدمتها بعد وهي تشعر بذلك الالم بوجنتها جراء صفعته.. اسبلت جفناها لتشعر بالدموع تنذر بالسقوط.. أي هوان وذل ستشعر به اكثر من هذا؟؟!..
#############
توقف مارك امام باب تلك الغرفة الخارجية للمنزل.. وتطلع اليه بنظرات صامتة لا توحي بأي تعبير..وتقدم بخطوات هادئة وقد بات لا يفصله عن ذلك الباب سوى خطوة واحدة.. وتنهد بعمق وهو يتطلع الى ذلك المفتاح الذي يحتل كفه..
لقد اتخذ قراره بالتفاوض مع تلك الممرضة البريطانية حتى ترحل من هذا المكان دون ان تتفوه بكلمة.. فهذا افضل بكل تأكيد من ان تشكل لهم خطر دائم ببقاءها هنا وتمكنها من معرفة بقية افراد فرقة المقاومة..
هو يعلم ان شقيقه هشام لن يقبل بأن يعرضها لأي ضغط ويجبرها على الادلاء بأية معلومات ما دامت امراة.. ليس هذا من طبع أي رجل عربي مهما كانت شخصيته تنذر بالصرامة والقسوة.. لذلك فسوف يتركها هشام هنا حتى يجد وسيلة لاعادتها الى المبنى البريطاني.. بوسيلة لا تعرض ايهم لأي اذى..وهذا معناه ان يخاطر هذا الاخير بحياته من اجلهم.. وهو لن يسمح بحدوث هذا ابدا.. فرقة المقاومة تحتاجه.. بل وطنه كله يحتاجه.. هو امل هؤلاء الناس.. هو املهم في التصدي لجيش العدو .. وتحرير الوطن من براثنهم..
وعاد ليتطلع الى ذلك المفتاح وهو يشد قبضته عليه.. هو من سيحسم الامر.. اجل هو..سيحاول التفاوض مع تلك الفتاة.. واقناعها بأن لا تبوح بكلمة اذا خرجت من هنا حية.. ثم انه بريطاني ولن يكون الخطر عليه كبيرا مثلما سيكون على شقيقه او على احد افراد فرقة المقاومة..
وادخل المفتاح في ثقب الباب وهو يشعر بتوتر بسبب هذه الخطوة المقدم عليها.. سيضطر لكشف وجهه لمجندة بريطانية.. هذا غير هشام الذي لا يمكنه توقع ردة فعله على مخالفته لأوامره.. واستغلال انشغاله مع افراد المقاومة للحصول على مفتاح هذه الغرفة..
حرك مقبض الباب قليلا وهو يلتقط نفسا عميقا يملأ به صدره.. وما انفتح الباب حتى اصدر صريرا خافتا عندما حاول فتحه بقدر يسمح له بالدخول..
وهناك كان الظلام الدامس يغلف المكان.. لم يستطع تبين أي شيء مما حوله.. او ان كان هناك احد حقا في هذه الغرفة ام لا..وتقدم بخطوات حاول ان يجعلها واثقة وهو ينتظر ان تعتادا عيناه الظلمة..
وعند زاوية الغرفة رآها.. فتاة قد قيدت يداها وقدماها بحبل غليظ.. لكن ملامحها لم تكن واضحة له بسبب ذلك الظلام الذي يسود المكان.. وحاول ترتيب كلماته.. ليقول بصرامة: ايتها الممرضة.. لقد جئت للحديث اليك والتفاوض بأمر قد يتعلق بحياتك..
سوزي التي كانت نائمة في ركن الغرفة.. استيقظت على ذلك الصوت الذي تردد فجأة في المكان.. وضيقت عيناها وهي تحاول اختراق الظلام ومعرفة كنه القادم.. لقد كانت العبارة بلهجة بريطانية ممتازة.. والصوت.. كان يشبه صوتا لن تنسى صاحبه ابدا..
واقترب مارك منها اكثر ليقول وهو يحاول بدوره معرفة ملامح هذه الفتاة التي يتحدث اليها: نحن لن نؤذيك.. ولكن بالمقابل .. عليك اطاعة اوامرنا.. وبعدها سنعيدك من حيث جلبناك..
سوزي التي خفق قلبها في قوة هذه المرة.. الصوت ذاته.. رنة الصوت ذاته.. اللهجة.. ايمكن ان يكون هذا هو مارك حقا؟!.. هذا محال.. محال.. ما الذي سيجلب مارك الى هنا؟.. والى اشخاص قاموا بخطفها.. يبدوا ان صدمتها بما جرى . جعلتها تتوهم اشياء مستحيلة..
واومأت برأسها في ذعر دون ان تنطق بحرف واحد..اما مارك فقد جثا على احدى ركبتيه بالقرب منها وهو يستطرد قائلا: عليك ان لا تتفوهي بحرف واحد عما حدث لك.. وتنسي انك رأيتني او رأيت أي شخص آخر عندما اخرجك من هنا.. واياك ومحاولة الخداع والا فسوف يكون نصيبك هو الموت..
لم يتلقى جوابا على كل ما قاله.. فشعر بشك ان هذه الفتاة تستمع اليه منذ البداية.. ربما كانت تستهزأ به.. او ربما كانت خائفة مما يجري حولها.. فقال متسائلا وهو يعقد حاجبيه: انت يا فتاة.. لم لا تجيبين؟.. تحدثي واخبريني ان كنت توافقين على عرضي هذا ام لا؟..
جاءه صوت سوزي منهكا.. متعبا وخائفا.. وهي تهمس قائلة بتساؤل: مارك؟؟!...
اتسعت عينا مارك بقوة.. هذا الصوت.. هذا الصوت.. انه صوتها.. صوت من جعلته يعاني كل تلك الشهور.. صوت من جعلت حياته تنقلب رأسا على عقب بعد ان غادرت حياته بكل بساطة.. انه صوت من احب ابتسامتها.. من عشق ضحكتها.. من ذاب في سحر عينيها.. انه صوت...سوزي...
:
:
يتبع..
 

بــــ الحب (5) والواقع ــــين
:: لقاء بعد شقاء::



كان لصوت سوزي الذي رن في اذنيه.. اثرا اشبه بتيار كهربائي قد صعق جسمه.. فقد انتفض جسده بقوة.. وهو يحاول استيعاب هذه الحقيقة.. ان كانت حقيقة اصلا .. كون سوزي معه في مكان واحد.. بعد عام تقريبا من فراقهما.. امر لا يخطر على عقل.. لقد انتظرها شهورا واضناه التعب وهو يبحث عنها في كل مكان يمكن ان تتواجد فيه.. يا للقدر.. يفرقه عنها كل هذه المدة .. ليلتقي بها في النهاية وهي اسيرة لفرقة المقاومة.. ويكونان في النهاية اشبه بالاعداء!..
عقله يرفض استيعاب هذا الامر.. لقد اشتاق اليها بجنون .. ومتلهف لأن يلمحها ولو لثانية.. ولكنه الآن بقدر ما تمنى ان تكون هي.. بقدر ما يتمنى ان لا تكون هي مجندة للجيش البريطاني..
وبكل اللهفة التي في قلبه.. وبكل السعادة والشوق والوله .. همس قائلا وهو يزدرد لعابه: سوزي؟.. هل انت سوزي حقا؟؟..
سوزي التي استطاعت ان تلمح شيئا من ملامحه بسبب ضوء القمر الفضي الذي تسلل بخجل الى الغرفة من خلال النافذة الصغيرة.. جعلت شكها بكنه هذا الواقف امامها يتحول الى يقين.. انه مارك حقا..مارك الذي سلمته قلبها..ليرميه تحت اقدامه بكل برود.. دون ان يأبه بمشاعرها او بالحب الذي كانت تكنه له.. مارك الذي قررت تركه وقطع أي صلة تربطها به بعد ان اكتشفت انه مخادع كغيره .. مخادع تحت عنوان الحب..
ونطقت اخيرا بحروف متوترة على الرغم من سعادتها لان القدر قد جمعها به مرة اخرى: اجل انا هي..
لم يتمالك مارك نفسه..ووجد يده تقبضان على كتفاها وهو يردد بقلب اضناه الشوق والحرمان: هذا مستحيل.. مستحيل تماما.. هل انت سوزي حقا؟!.. لا يمكنني تصديق هذا..
ازدردت سوزي لعابها وهي تقول بصوت خافت: انت تؤلمني يا مارك.. فيداي لا زالتا مقيدتان..
ترك كتفاها ليقول بسعادة جمة .. وفرحة جلية تبدوا في عينيه وفي رنة صوته: المعذرة يا سوزي.. فلم استطع التحكم بمشاعري.. لو تعلمين ماذا جرى لي في غيابك.. لقد كدت اجن وانا ابحث عنك.. وانتظر ان التقي بك ولو لثوان معدودات..
واردف قائلا وهو يتنهد بارتياح: لكن من كان يظن اننا سنلتقي في ظروف كهذه.. وفي هذا المكان بالذات..
قالها ومن ثم اسرع يفك قيود يديها.. وتطلعت هي الى ما يقوم به بغرابة.. هل يمكنه حقا فك قيود اسيرة بهذه البساطة؟ .. انها لم تعرف حتى الآن لم هو موجود معها في هذا المكان؟..
وقالت بحيرة ودهشة: ايمكنك حقا فك قيودي بهذه البساطة؟.. الا تخشى ان يؤذونك من قاموا باختطافي؟..
ارتسمت على شفتيه ابتسامة وهو يواصل فك قيودها قائلا: فليفعلوا اذا..
اما سوزي فقد اخذت تتطلع اليه .. وعيناها تفضحان لهفتها له.. على الرغم من انه كان سببا في تحطميها ذات يوم وجرح قلبها جرحا لا يلتئم.. كم اشتاقت له.. لرؤية ملامح وجهه الوسيم.. للاستماع لصوته الهادئ.. لأن تلمس حنانه وطيبة قلبه في كلماته الرقيقة.. واحيانا كثيرة تمنت لو يمكنها ان تدوس على كرامتها حتى تذهب اليه.. تريد فقط ان تراه ولو من بعيد..
لكن دائما ماكان كبريائها ينتصر.. ليسيطر على مشاعرها ويمنعها من ان تنجرف وراء قلبها المتيم بحبه..
ومارك الذي لاحظ نظراتها له فسرها على نحو مختلف وقال مطمئنا: اطمئني يا سوزي.. سوف اعيدك الى المبنى البريطاني.. فقط اريد وعدا منك من لا تخبري احدا بأي شيء مما رأيتيه هنا.. وبعدها يمكنك المغادرة.. فلدي الثقة الكبيرة بك واعلم جيدا بأنك لن تتفوهي بحرف واحد مما حدث اذا منحتني وعدا صادقا بهذا..
رمقته سوزي بنظرة تحمل الف سؤال وسؤال.. اولا عن وجود مارك في هذا المكان.. وثانيا عن هذه اللهفة التي تسمعها في صوته وهذا الحنان التي تقطر به تصرفاته.. غير سعادته عندما رآها.. واهتمامه الكبير بها.. اكانت علاقتهما كذبة حقا؟؟..
ووجدت نفسها تتساءل قائلة بحيرة: على فكرة يا مارك.. كيف يمكنك ان تتواجد في هذا المكان؟..وعلى ما اعتقد ان هذا هو المكان الذي يختبئ فيه اولئك المتمردون..
شعر مارك بصعوبة ما سيقوله.. كيف لسوزي ان تفهم امرا كهذا؟.. وقال وهو يتحاشى نظراتها: انا منهم يا سوزي..
اتسعت عيناها على آخرهما وهي تردد بغير استيعاب: منهم؟.. كيف ذلك؟.. انت بريطاني؟.. اتقاتل ضد دولتك يا مارك؟..
ادرك مارك انها لن تفهم انضمامه الى فرقة المقاومة ابدا.. يدرك انه يقاتل ضد وطنه.. لكنه يقاتل مع اصحاب الحق.. انه يدافع عن وطن شقيقه ووالدته.. يحاول حماية ابرياء ليس لهم أي يد في استعمار دولته..
ورفع عيناه الى سوزي ليتطلع لها ومن ثم يقول وهو يربت على كتفها بهدوء: لن تفهمي يا سوزي لو اخبرتك..
تساءلت سوزي وهي تضيق عينيها وتتطلع اليه: كيف لن افهم؟..
تحاهل مارك استفسارها وهو يعلم انها لن تفهمه لو اخبرها بسبب ما يفعل.. وقال متسائلا: اخبريني يا سوزي .. ماذا فعلت بعد ان غادرت المدرسة؟..وهل اكملت دراستك في مدرسة اخرى؟..
واردف بصوت حمل مرارته وهو يقول ببرود: وهل خطيبك موجود معك هنا؟.. ام انه لا يزال في بريطانيا؟..
################
استغرق ألكس في مطالعة خريطة لمنطقة ما.. واخذ يحاول رسم الخطوط الاولية لخطته لاقتحام هذه المنطقة.. وبدا مستغرقا في التفكير وهو يعقد حاجبيه بشدة .. حتى انه لم يستمع الى صوت تلك الطرقات التي طُرقت على باب المكتب لعدة مرات..وازدادت حدة تلك الطرقات.. حتى يأس صاحبها من سماع ألكس لطرقاته وقرر الدخول الى غرفة مكتبه وهو يقول بصوت مستنكر: ما بالك يا ألكس؟.. لا اظنك تنام هذه الايام وانت مفتوح العينين..
رفع ألكس رأسه ليرى جون يقف امامه ويتطلع له بنظرات حانفة وقال متسائلا: ما الامر؟..
قال جون بضيق وهو يقلد ألكس في طريقة حديثه: ما الامر؟.. احقا لم تسمع الطرق الذي كاد ان يحطم باب مكتبك؟..
واردف وهو يتقدم منه ويجلس على المقعد المجاور لمكتبه: على اية حال لقد جئت الى هنا لأتحدث الى شخص ما.. وارتاح من الاشغال الشاقة التي يكلفوني بها..
ابتسم ألكس بسخرية وقال: هه.. اشغال شاقة.. وماذا تطلق على ما اقوم به انا اذا؟.. الاعدام البطئ..
وضع جون كفيه خلف رأسه وهو يبتسم ومن ثم قال وهو يلتفت له: صحيح.. كيف حال رفيقتك؟..
اجابه ألكس ببرود: انها بالمشفى..
قال جون وهو يغمز بعينه: لم؟..أفقدت الوعي عندما شاهدت وجهك المرعب؟..
مط ألكس شفتيه.. وكاد ان يرد على عبارة جون.. ولكن صوت طرقات على باب مكتبه جعله يلتفت له ويقول بهدوء: تفضل..
دخل احد الجنود الى الداخل.. وقال وهو يؤدي التحية العسكرية: المدير يطلب مقابلتك للضرورة يا سيدي..
قال ألكس بهدوء: حسنا اذهب انت الآن..
ادى الجندي التحية العسكرية مرة اخرى وهو يغادر المكتب.. فقال ألكس وهو يهب واقفا من خلف المكتب: سأذهب لأرى ما يريده.. عن اذنك..
تسائل جون قبل ان يغادر ألكس: هل تظن ان الامر مهم الى هذه الدرجة؟..
هز ألكس كتفيه وقال وهو يلتقط قبعته العسكرية ويرتديها: ربما.. نحن في حرب.. والامور مهمة دائمة في هذه الحالة ..
واردف قائلا وهو يلقي على جون نظرة اخيرة: انتظرني هنا ريثما اعود.. سأحاول ان لا أتأخر..
أومأ جون برأسه وهو يشاهد ألكس يبتعد مغادرا غرفة المكتب..والتفت الى الخريطة التي كان يتفحصها ألكس منذ قليل.. ليقول وهو يتنهد وكأنه يحدث نفسه: اشعر انك تبدوا هادئا اكثر من اللازم اليوم يا ألكس..
ومن جانب آخر.. أكمل ألكس سيره وهو يتجه الى مكتب المدير.. وما ان وصل اليه حتى طرق بابه بهدوء..وبعد ان سمع صوت المدير يدعوه للدخول.. دلف الى الداخل وهو يؤدي التحية العسكرية وقال بحزم: هل طلبتني يا سيدي؟..
قال المدير بحدة: ما الذي فعلته يا ايها القائد؟..
عقد ألكس حاجبيه وهو يحاول فهم ما تعنيه عبارة المدير .. في حين قال هذا الاخير مستطردا بعصبية: نحن في حالة طوارئ منذ الامس.. ومع هذا فقد كنت مختفيا طوال الوقت ..
زفر ألكس بحدة ومن ثم قال: لقد تركت خبرا بأنني سأتأخر يا سيدي..
قال المدير بعصبية أكبر: تأخرك شيء.. وتغيبك عن العمل شيء آخر..
واستطرد المدير وهو يضرب الطاولة بقبضته في انفعال: انت لا تعلم ان تلك المجموعة الحقيرة قد نصبت كمينا لسيارات جنودنا تسببت في مقتل خمس جنود.. وليس هذا فقط.. لقد اختفت الممرضة سوزي ايضا..
لم يفهم ألكس معنى عبارته للوهلة الاولى وتساءل قائلا: اختفت؟.. ماذا تعني بقولك هذا؟..
قال المدير بانفعال اكبر وهو يحدجه بنظرة غاضبة: معناه انها اختطفت يا ايها القائد.. اختطفت لتدلي بمعلومات عنا بكل تأكيد..
عقد ألكس حاجبيه في قوة وقال وهو غارق في تفكيره: الا يحتمل ان تكون قد اصيبت او ربما قتلت على ايدي اولئك المتمردون؟..
نهض المدير من خلف مكتبه وقال وهو يتجه نحو خريطة معلقة على نصف جدار غرفة مكتبه تقريبا ويتطلع اليها: ابدا.. فلو كانت قد اصيبت او قتلت.. لكنا وجدناها.. سواء هي أم.. جثتها..
واشار الى نقطة ما على الخريطة وهو يستطرد: لقد وقع الحادث في هذا المكان.. لقد استغل اولئك الاوغاد كون سيارات الاسعاف منشغلة بالجرحى واختطفوا الممرضة سوزي..
استمع اليه ألكس باهتمام وشاهده وهو يلتفت له ويكمل: ومهمتك ايها القائد.. هو استعادة سوزي منهم..حية او ميتة.. المهم ان لا تدلي بحرف واحد يخص مخططاتنا.. وعليك ان تقبض على تلك المجموعة التافهة.. حتى لو اضطرك هذا الى تدمير هذه البلاد.. والبحث عنهم اسفل حطامها..
شد ألكس قامته باعتداد وهو يقول: امرك..
حدجه المدير بنظرة باردة ومن ثم قال وهو يعقد ذراعيه خلف ظهره: وماذا عن تلك الاسيرة؟.. ما الذي فعلته معها؟..
حاول ألكس ان يبدوا هادئا وهو يقول: لقد كنت اهم باستجوابها.. لكن ما حدث انها فقدت الوعي ونقلت الى المشفى..
لم يهتم المدير كثيرا بالامر وهو يلوح بكفه قائلا: فليكن حاول استجوابها في اسرع فرصة تسمح لك بذلك.. فقد تقودنا الى سوزي والى تلك المجموعة المتمردة..
اومأ ألكس برأسه بهدوء.. في حين قال المدير وهو يعود للجلوس خلف مكتبه: يمكنك الانصراف يا ايها القائد..
انصرف ألكس مغادرا مكتب المدير وهو يشعر بضيق لا يعلم مصدره.. وسار بين الممرات متوجها الى غرفة مكتبه.. وما ان وصل اليها.. حتى فتح بابها وكاد ان يدلف اليها لولا ان رأى ان جون لم يعد موجودا بالغرفة..
وتردد في ان يدلف الى مكتبه من جديد لمواصلة اعماله من عدم ذلك.. وتقدم خطوة ليدلف الى الداخل.. لكنه في النهاية حسم امره.. ليتراجع ويسير بين الممرات وقد اتخذ قراره برؤية عهد اولا...
##############
تطلعت سوزي الى مارك وهي لم تفهم ما يعنيه بسؤاله بعد.. وتساءلت قائلة وهي ترفع حاجبيها بدهشة: أي خطيب؟؟ ..
ومن ثم تذكرت فجأة..عادت بها الذاكرة الى الوراء.. والى ذلك اليوم الذي اختلقت فيه هذه الكذبة وطلبت من احدى زميلاتها في المدرسة نشر هذه الاشاعة حتى يصل الامر الى مارك.. ويفقد الامل في ان تنظر اليه .. فكما حاول تحطيم غرورها يوما.. هي ايضا حطمت كبريائه عندما رفضته.. ولم تهتم بأي شيء مما كان يقوله.. وقررت الارتباط بغيره..
واشاحت بوجهها عنه لتقول بمرارة: عن أي خطيب تتحدث؟.. لقد كان الامر مجرد كذبة..
اتسعت عينا مارك في قوة.. وقال بصدمة وهو يتطلع الى ملامح وجهها محاولا ان يكتشف منها الكذب من الحقيقة: كذبة؟؟ .. اتقولين بعد كل هذا انها مجرد كذبة؟.. ثم لماذا؟.. لماذا اختلقت كذبة كهذه؟.. اخبريني لماذا؟..
التفتت له سوزي وقالت بحزم: حتى تنساني وتبتعد عني..
هز مارك رأسه وقال بحدة وعصبية: لم اعد افهم شيئا.. لقد بلغ مني الحزن مبلغه عندما سمعت بهذا الخبر..وكدت ان اترك الدراسة لكونها كانت السبب في معرفتي بك.. لقد كرهت كل شيء.. اصبحت انسان منعزل عن الناس لاني شعرت اني قد فقدتك بخبر خطبتك هذه الذي نزل علي كالصاعقة.. والآن .. تقولين بكل بساطة انه كان مجرد كذبة.. وانك كنت تخدعيني! ...
اختنق صوت سوزي وهي ترمقه بنظرة عتاب ومن ثم تقول: اظن اننا متعادلان في هذا..
لم يفهم مارك حرفا من عبارتها تلك..وتطلع لها وهو يطلب منها تفسيرا..وكادت ان تخبره بأمر تلك الرسالة التي اكتشفتها في جيب سترته قبل عام من الآن..وكل ما حدث لها بسببه .. لكن شيء ما استوقفها.. شيء جعلها تتطلع الى مارك باهتمام اكبر.. ايمكن ان يكون مارك قد خدعها منذ البداية حقا؟.. اذا لم يحاول مساعدتها الآن؟.. لم شعر بالسعادة عندما رآني؟.. لم شعرت بالشوق في صوته وهو يتحدث الي؟..هي الآن لم تعد تدرك من فيهما هو الذي خدع الآخر؟ .. ومن فيهما هو الذي تعذب على حساب الآخر؟ ..
(اجيبيني يا سوزي.. ما الذي تعنينه بعبارتك تلك؟؟..)
انتفضت بقوة وهي تستمع الى رنة الانفعال في صوته.. وازدردت لعابها في توتر.. وهي تحاول قدر الامكان السيطرة على خوفها من الوضع الذي هي فيه.. ومن نظرات مارك التي تمتلئ غضبا وسخطا عليها..
وقالت بارتباك وصدرها يعلو ويهبط: لا شيء يا مارك.. لا شـ...
قاطعها مارك وهو يمسك ذراعيها بانفعال ويصيح قائلا: لا تقولي لا شيء..لقد اختلقت كذبة حمقاء.. وابتعدت عن الدراسة .. وجعلتني اتجرع الامرين .. دون سبب يذكر.. والآن تقولين اننا متعادلان في خداعك لي.. فأخبريني ما الذي فعلته لتجازيني بهذه الطريقة؟.. اذنبي انني سلمتك قلبي لتحطميه بكل قسوة؟.. اذنبي انني احببت فتاة ظننتها فتاة احلامي في يوم؟..
تطلعت له سوزي بذعر وهي تقول متؤلمة: ارجوك يا مارك.. دع ذراعي.. انت تؤلمني بما تفعله..
ترك مارك ذراعها بخشونة وقال وهو يحاول السيطرة على اعصابه ويدس كفه بين خصلات شعره: اجيبيني يا سوزي.. اخبريني لم فعلت كل هذا بي؟.. اكاد اجن.. اتستمتعين برؤيتي وانا اتعذب امام ناظريك هكذا؟..
عضت سوزي على شفتيها بحزن.. وقد آلمها ان تسبب لمارك كل هذا الالم.. لكن احقا لا يفهم لم فعلت كل ما فعلته؟.. أيكون الامر ليس له أي علاقة به؟.. ويكونا ضحيتين لتلك الحاقدة (ليليا)..
وتطلعت له لتقول بحزن: اهدئ يا مارك.. انا لا احتمل رؤيتك وانت على هذه الحال.. لم ابتعد عنك الا لأنني مهتمة لأمرك حقا..فقد حدث امرا اجبرني على الابتعاد عنك.. وفي الوقت الحالي لن يمكنني الافصاح عنه.. لكن صدقني سأخبرك بكل شيء في الوقت المناسب..
تطلع اليها بنظرات طويلة وكأنه يحاول اختراق ذهنها وفهم ما تفكر به.. وقال اخيرا وهو يزفر بحدة: اهذا وعد؟..
اومأت برأسها ايجابيا.. فتراقصت على شفتيه ابتسامة باهتة ويده تمتد لتربت على وجنتها وهو يقول بنظرة حانية: كم اشعر بالراحة لكونك بخير يا سوزي.. وانك امام ناظري الآن..
منحته سوزي ابتسامة شاحبة لم يتمكن من رؤيتها بسبب ظلمة المكان.. فقال وهو ينهض واقفا ويتنهد: سأتركك الآن يا سوزي..
اسرعت سوزي تقول وكأنها تخشى ان يتركها بعد ان شعرت بالامان معه اخيرا في هذا المكان الذي تجهل عنه كل شيء: لا تتركني وحدي في هذا المكان يا مارك.. ارجوك ابقى معي.. انا خائفة...
تطلع لها مارك بنظرة حانية وقد آلمه خوفها وقال بصوت هادئ وهو يحاول ان يطمئنها: سأذهب لاخبارهم بأمرك.. واطلب منهم ان يخرجوك من هذا المكان الموحش.. وسأعود سريعا اليك.. لا تقلقي..
وتابعته بنظراتها وهي تراه يسرع باتجاه الباب ويغلقه خلفه ..وارتسمت ابتسامة على شفتيها.. وهي تشعر بغرابة هذا الزمن.. الذي جعلها تلتقي بمارك في ظروف كهذه.. وشعرت براحة شديدة بعد ان رأته واستمعت الى كلامته.. وتذكرت كل لحظة جمعتها به.. كل كلمة دارت بينهما.. وكل همسة حب همس لها بها..
وشعرت لحظتها برغبة عارمة في النوم بعد هذه الراحة التي سكنت قلبها.. وكأنها لم تنم منذ اسابيع..ولم تلبث ان اسندت رأسها للجدار .. وغطت في نوم عميق...
#############
سار ألكس بين الممرات بخطوات هادئة.. وهو يشعر برغبة في رؤية عهد والاطمئنان عليها.. هو لا يعلم كيف لفتاة ان تغير من تفكيره لهذه الدرجة.. وتجعله ينسى انها ليست سوى عدوة له.. ويقتصر تفكيره بالاطمئنان عليها فحسب ورؤيتها وهي في خير حال..
واسرع في خطواته.. الى ان وصل امام باب غرفتها في المشفى الصغير الملحق بالمبنى.. وتطلع بضيق الى الجنديين اللذين يقفان عنده.. وشعر بأنهما ينظران اليه بشك من وجوده امام باب غرفة اسيرة بالمشفى..
لكنه لم يأبه بهما في النهاية وهو يدلف الى الداخل.. ولم يستطع ايا منهما منعه.. فهو في النهاية القائد الاعلى للجيش البريطاني .. وهما يعملان تحت امرته..
وفي الداخل شاهد عهد.. لم تكن نائمة.. بل جالسة على فراشها تتطلع من النافذة المجاورة لها بشرود..احس ببراءة هذه الفتاة التي تجلس امامه في تلك اللحظة.. وانها بعكس الصورة التي تحاول ان تبدوا عليها من قسوة وخشونة وحقد.. انه يراها الآن بشكل مختلف.. فتاة رقيقة.. بريئة..لا مكان للكراهية والحقد في قلبها..
واطال في تحديقه بها.. حتى انتبهت هي اليه..وهي تلتفت لتراه يتطلع اليها بنظرات غريبة لم تفهمها.. ووجدت نفسها تسأله بغضب.. فهي لم تنسى بعد موقفه الاخير والقاسي معها: ما الذي جاء بك الى هنا؟؟..
شعر بالعصبية تجاه ما قالته.. وهو الذي كلف نفسه عناء المجيء اليها حتى يراها.. تتحدث اليه بهذه الطريقة .. وقال بحنق: اهذا جزاء من يأتي للاطمئنان عليك؟..
قالت عهد بسخرية مريرة: مثل المرة الماضية .. اصحيح؟..
انفعل ألكس ليقول وهو يتطلع اليها بنظرة غاضبة: اجل كالمرة الماضية.. ولكن انت من دفعني لتصرفي القاسي معك.. باهاناتك وشتائمك..
اتسعت عينا عهد.. يبالي بمجرد شتائم واهانات.. ولا يأبه بما يفعلونه هم في البلاد.. يقتلون الشيوخ والاطفال من دون رحمة .. وفي النهاية تستثيرهم بضع كلمات يعبرون بها عن حزنهم وغضبهم على تدنيس وطنهم.. وصاحت فيه قائلة: اتأبه بمجرد شتائم؟.. فلتعلم انها اذا مجرد قطرة في بحر وحشيتكم..انتم سفاحون.. تقتلون وتدمرون دون ان تبالوا بشيء.. تقتلون دون ان تميزوا بين صغير او كبير.. وتدمرون دون ان تلتفتوا الى كم شخص بات من دون اهل.. كم شخص بات من دون ملجأ يلتجي اليه..لقد.. لقد قلتلتما والدي امام ناظري من دون رحمة.. انتم مجرمون..
احس ألكس بالتأثر وهو يستمع الى كلماتها تلك.. لم يكن تأثره هذا ناتجا عن مقتل والدي عهد.. بل نتيجة للحزن الذي رآه في عينيها لحظتها..شعر انها تبدوا ضعيفة كما لم يرها من قبل.. ضعيفة الى درجة تجعلها هشة.. أي لمسة يمكن ان تؤذيها..
وكان يجب ان تغضبه كلماتها تلك.. لكن رغبة ما بداخله.. جعلته يتجه نحوها وهو يتطلع لها بنظرات غامضة لم تستطع عهد فهمها ابدا.. ورأت يده تمتد لتربت على كتفها وهو يقول بهدوء: لا بأس يا عهد.. يمكنك تجاوز الــ...
تطلعت اليه بغرابة للوهلة الاولى من تصرفه.. لكنها اسرعت تزيح كفه بخشونة عن كتفها وهي تقول بقسوة: لست بحاجة الى احسانكم او شفقتكم..
ولأول مرة رأت عهد شيء من الالم والضيق في عيني ألكس لقاء تصرفها وهو يقول بصوت متضايق: اتظنينها شفقة حقا يا عهد؟..
وقبل ان تجيبه عن سؤاله.. او قبل ان تهم بقول شيء ما.. ابتعد عنها.. ليندفع مغادرا الغرفة .. وشعر بألم يعتصر قلبه.. مشاعره باتت تنمو بسرعة كبيرة تجاه هذه الفتاة.. كلمة واحدة منها جعلته يشعر بتلك المرارة.. من تكون هي حتى تفعل هذا به؟.. انها مجرد عدوة له.. وهو قائد اعلى للجيش البريطاني.. كيف نسي ذلك؟.. كيف له ان يترك لمشاعره العنان؟..
وفي اعماقه تمنى لو كل شيء كان عكس ما هو عليه الآن.. فلم لم تكن هي بريطانية؟.. أولم لم يكن هو من سكان هذه البلاد؟.. لماذا كتب عليه ان يقتلها بيديه هاتين؟.. لماذا؟ ..
وتطلع للحظة الى يديه بغضب.. ومن ثم لم يلبث ان كورهما بألم وحنق.. تبا لهذا الواقع .. وتبا لمشاعره التي توجهت الى آخر شخص عليه ان يفكر فيه.. وتبا لهذا العالم بأكمله..
اما عهد فقد راقبت النقطة التي اختفى فيها ألكس منذ لحظات.. وكلمات هذا الاخير تدور في ذهنها مرات عديدة.. وشعور خفي بات يسيطر على افكارها...
#############
اخذ مارك يقطع الممر ذاته جيئة وذهابا.. وهو ينتظر بفارغ الصبر عودة شقيقه.. وتطلع الى ساعة يده عدة مرات..قبل ان يقول بضيق: اين هو؟.. لم تأخر كل هذا الوقت؟..
قال عادل الجالس على مقربة من المكان: ماذا بك؟.. لقد وترتني بخطواتك هذه..
تجاهله مارك.. وهو يسند ظهره لجدار الغرفة بقلق.. وهو ينتظر بلهفة وصول شقيقه.. في حين نهض عادل من مكانه ليقترب منه ويقول بهدوء: انت لا تبدوا لي طبيعيا.. اخبرني ما بك؟..
اشاح مارك بوجهه وهو يقول باقتضاب: لا شيء ابدا..
رمقه عادل بنظرة ثاقبة وهو يقول: احقا؟.. اذا لم كل هذا التوتر الذي كنت تبديه منذ لحظات.. وكأنك شخص يترقب ولادة زوجته على احر من الجمر..
ابتسم مارك بسخرية وهو يقول: ما هذا التشبيه؟..
ابتسم عادل وقال بمرح: لم يكن عندي افضل منه في الوقت الحالي.. لكن حقا.. ما الذي جرى لك فجأة؟..
اسرع مارك يبتعد عن المكان رغبة في التهرب من اسئلة عادل.. وقال في سرعة: لا تشغل نفسك انت بذلك..
وما ان انهى عبارته حتى اصطدم بجسد ما .. فقال بسرعة: المعذرة يا...
بتر عبارته وهو يرى من اصطدم به يقول مبتسما: لا داعي للاعتذار يا صاحب الذهن الشارد..
هتف مارك بلهفة كبيرة: هشام.. واخيرا جئت..
قال هشام وهو يتطلع له بحيرة: ما الامر يا مارك؟.. لا اخالك تنتظرني كل مرة عندما اذهب لدراسة خطة ما او تنفيذها..
جذبه مارك من ذراعه وقال في سرعة ولهفة: تعال معي يا هشام.. ارغب في الحديث اليك في امر ما..
قال هشام وهو منقاد له باستسلام: وما هو هذا الامر الذي استدعى انتظارك لي كل هذا الوقت؟..
توقف مارك معه بداخل غرفة المعيشة.. ليسرع بغلق الباب خلفه .. فقال هشام مازحا: ما كل هذه السرية؟.. لم اظن ان الموضوع مهم الى هذه الدرجة..
قال مارك فجأة وهو يلتفت له: الاسيرة البريطانية..
عقد هشام حاجبيه وقال وهو يتطلع له بنظرة متسائلة: ماذا بها؟..
قال مارك بتردد: لقد ذهبت اليها وحدثتها بما يتعلق بموضوع اعادتها الى الـ...
بتر مارك عبارته بغتة اثر نظرات الغضب التتي لمحها في عيني هشام.. وقد تغضن جبين هذا الاخير وهو يقول بعصبية: اجننت؟.. الم آمرك بعدم الذهاب اليها وكشف هويتك لها؟..لقد اصبحت حياتك الآن وحياة الجميع متعلقة في كف فتاة لا نعرف عنها شيئا.. الم تفكر في عواقب الامور قبل ان تفعل ما فعلته؟ ..بحماقتك يا مارك..اصبحت في خطر ولست انت وحدك بل الجميع..
لم ينبس مارك ببنت شفة وهو يستمع الى هشام الذي اندفع ليمسك بذراعه بقوة ويشد من قبضته عليها وهو يقول بصوت حاد: ولو اصاب أي احد مكروه.. فستكون انت السبب في ذلك..
قال مارك برجاء: ارجوك استمع الي يا هشام قبل ان تصدر علي احكاما ليس لها أي اساس من الصحة..
قال هشام بخشونة: وما الذي ستقوله؟.. لقد خنت ثقة الجميع من اجل انانيتك وحدك..
قال مارك وهو يلوح بيده مهدئا: لا تتسرع .. استمع الي وسأخبرك بالامر منذ بدايته..
هدئ هشام اخيرا وهو يعقد ساعديه امام صدره منتظرا الاستماع الى شقيقه الذي قال: لفد فكرت في البداية محادثتها .. حتى لا اعرض حياتك للخطر.. وبما اني بريطاني..فهذا يعني انهم قد لا يشكون بأمري لو اخرجتها من هنا.. ولكن حدث مالم يكن في الحسبان..
وازدرد مارك لعابه في توتر وهو يتابع: لم اكن اتوقع ان هذا قد يحدث على ارض الواقع .. ربما قد يحدث في الخيال او الاحلام .. فتلك الاسيرة التي جلبتموها الى هنا.. لم تكن الا .. سوزي ...
عقد هشام حاجبيه بتفكير ومن ثم قال بتساؤل: سوزي؟..
ولكن بغتة تذكر امرا قد غاب عن ذهنه طويلا وقال في سرعة: لا تقل لي انها تلك الفتاة ذاتها.. التي التقيت بها ايام دراستك بالمرحلة الثانوية.. ومن ثم اختفت فجأة دون سبب يذكر.. وادى ذلك الى هذا التحول الذي طرأ عليك.. فبت شخصا انطوائيا لا يعرف للمرح مكان..
اومأ مارك برأسه في سرعة وقال بابتسامة: بلى هي..هي يا هشام.. بعد كل ذاك الحزن الذي عشته لاختفاءها.. اقابلها اليوم هنا.. وكل ما اطلبه منك هو ان تثق بها.. انها لن تفشي بشيء عنا.. صدقني.. انا اثق بها واعلم أي فتاة تكون.. ودعها تبقى في احدى الغرف هنا.. بدلا من بقاءها في الغرفة المنعزلة والموحشة بالخارج وحدها.. حتى يحين الوقت واعيدها للمبنى البريطاني..
تطلع له هشام بصرامة.. ومن ثم تقدم منه وهو يقول بصوت حاد: وكيف يمكنك ان تثق بهذا؟..انسيت ما فعلته بك؟ .. انسيت انها مجندة بريطانية؟.. وستفعل أي شيء لمساعدة من تعمل تحت امرتهم..
قال مارك وفي عينيه نظرة رجاء: صحيح انها كذلك.. لكني اثق بها.. لقد كانت دوما صديقة مخلصة لي.. كما وانها قد وعدتني بعدم النطق بأي حرف لأي مخلوق كان..ارجوك يا هشام.. فأنت تعلم كم يهمني امرها..
قال هشام يتطلع الى عينيه مباشرة: فكر في الامر اولا يا مارك.. لو رضخت لطلبك.. فهذا معناه ان تعرفنا جميعا.. وتنكشف هويتنا امام مجندة بريطانية.. ومن يدري؟.. ربما عندما تعود الى هناك اول ما ستفعله هو الابلاغ عنا..
قال مارك وقد اطرق رأسه بألم ونبرة صوته تحمل التوسل: انا اعرف سوزي جيدا.. واعرف ايضا انها مادامت قد وعدت فلن تخلف وعدها قط.. ثم انني لم اطلب منك شيئا في حياتي يا هشام.. انه طلبي الوحيد.. فلا ترفضه.. اتوسل اليك..
رق قلب هشام تجاه مارك.. ولكن قرارا كهذا من الصعب عليه ان يتخذه وحده.. ويعرض جميع افراد فرقة المقاومة للخطر.. لهذا قال وهو يربت على كتف مارك: دعني افكر اولا يا مارك.. واستشير افراد فرقة المقاومة في هذا الامر.. وبعدها سأتخذ القرار بشأن تلك الاسيرة.. بابقاءها هنا.. او طردها ان استلزم الامر..
:
:
يتبع...
 
بـــــ الحب (6) والواقع ــــين
::اصابة::


كانت الافكار تعصف بذهن ألكس بعد ان عاد من غرفة عهد بالمشفى واخذ يسير بين الممرات عائدا نحو غرفة مكتبه ..ومحور افكاره تلك لم تكن الا عهد.. عهد التي استطاعت ان تستحوذ على افكاره واهتمامه وهي التي من الد اعدائه .. كيف يمكنه التفكير بها ولو مجرد تفكير؟.. انسي ان مهمته هي استعمار هذه البلاد و...
((لقد قتلتما والدي امام ناظري من دون رحمة.. انتم مجرمون..))
عادت تلك العبارة لتتردد في ذهن ألكس .. هم من كانوا سببا في تشرد الكثير.. وفي قتل العديد.. وفي دمار هذه البلاد وتخريبها.. هم من كانوا سببا في تلك الدماء التي سفكت.. وتلك العيون التي نزفت دموعا على موت اقرب الناس اليهم.. وتدمير بلادهم امام اعينهم..
وعهد من هؤلاء بكل تأكيد.. هؤلاء اللذين باتوا يحقدون عليهم ويتحينون الفرص للنيل منهم والقضاء عليهم..انها تكرهه.. تحقد عليه.. وتتمنى موته.. لكن في ذلك اليوم.. ذلك اليوم الذي ارادت فيه قتله.. رأى في عينيها نظرة خوف وكأنها غير قادرة على الاقدام على هذا الفعل البشع.. بالتأكيد هي ارق من ان تفعل مع ان الكراهية هي التي سيطرت عليها وقتها ومع هذا...
افاق من افكاره بغتة وهو يرى جون امامه وهو يعقد ذراعيه امام صدره بضيق.. ويقول بحنق: هل اغيب عنك دقيقة لتختفي لساعة؟..
تطلع اليه ألكس للحظة ومن ثم قال وهو يتخطاه ويواصل سيره نحو مكتبه: لقد طلبت منك انتظاري .. ولكنك لم تفعل..
اسرع جون يلحق به ويسير الى جواره وهو يقول بابتسامة: لقد ذهبت لشرب الماء لدقيقة فقط.. لكني عدت وانتظرتك فلم...
بتر جون عبارته عندما لاحظ الشرود على وجه ألكس.. فعقد حاجبيه وهو يتساءل باهتمام قائلا: ماالامر يا ألكس؟.. لا تبدوا طبيعيا ابدا..
خرجت تلك الكلمات من بين شفتي ألكس تحت وطأة شروده وكلمات عهد التي تتردد في ذهنه.. لتجعله يقول: لماذا نستعمر يا جون؟..
تطلع له جون ببلاهة.. وكأنه لم يفهم مغزى سؤاله.. ومن ثم قال وهو يهز كتفيه: لم افهم ما تعنيه بالضبط..
التفت له ألكس ليقول بصوت اكثر شرودا من سابقه: اعني ما الهدف من هذا الاستعمار؟..
شعر جون بالدهشة من هذا السؤال وقال ببساطة: الاستعمار هدف بحد ذاته..
ألكس الذي لم تتوقف كلمات عهد من الدوي في اذنيه قال متسائلا بضيق: وهل القتل والدمار جزءا من هذا الهدف؟..
قال جون وهو يتطلع له باستغراب: بالتأكيد فكيف برأيك يمكننا هزيمة جيوشهم دون ان ندمر او نقتل احدا منهم..
قال ألكس بعصبية: اذا ما ذنب الابرياء حتى يقتلون؟..
توتر جون لوهلة للهجة ألكس العصبية.. ومن ثم لم يلبث ان قال بحدة وهو يتوقف عن السير: ماذا جرى لك اليوم يا ألكس؟ ..انسيت انك قائد اعلى للجيش البريطاني؟..
ومن ثم اردف بقلق: انك تبدوا لي اليوم مختلفا.. كلا ليس اليوم فقط.. بل منذ ان وطأت قدم تلك الفتاة هذا المبنى وانت تبدوا لي غريبا بتصرفاتك.. في البداية احضرتها الى هنا وطلبت معالجة جراحها.. ومن ثم شعرت بالشفقة عليها.. والآن هاهي ذي افكارك كذلك تتغير.. لم تعد ألكس الذي اعرفه.. ألكس قاسي القلب الذي يتطلع الى الاستعمار وكأنه حلمه..وألكس الذي كان يرمي كل شيء خلف ظهره وكأن لا شيء يهمه في هذه الحياة سوى اهدافه وطموحاته.. والآن تأتي وتسألني لم نستعمر..لن اجيب انا على هذا السؤال.. بل انت الاجدر مني بمعرفة الاجابة..
زفر ألكس بحدة .. ومن ثم لم يلبث ان ابتعد عن جون دون ان يعلق على عبارته وقال وهو يسير مبتعدا: عن اذنك الآن.. فسأذهب في مهمة رسمية..
اسرع جون يلحق به وهو يقول متسائلا: مهمة؟.. بشأن؟..
قال ألكس على عجل: لقد اختطفت الممرضة سوزي حسب وجهة نظر المدير وعلينا استعادتها..
قال جون بدهشة: ماذا اختطفت؟.. هل انت متأكد؟..
هز ألكس كتفيه دون ان يجد جوابا..فقال جون وهو يبتسم ابتسامة باهتة: سأرافقك..
قال ألكس بلا مبالاة: ان اردت ذلك..
واسرع بخطواته مغادرا المبنى.. وان كان يعيش تناقضا حقيقيا في عقله.. بين كلمات عهد التي تشعره بأنهم على خطأ بقتلهم للابرياء.. وبين كلمات جون التي لا تفتأ ان تذكره برغبته في الاستعمار وبطموحاته.. والى انه قائد اعلى عليه ان يبعد أي فكرة اخرى عن رأسه عدا النصر في هذه الحرب...
#############
فرد هشام الخريطة على الطاولة التي تتوسطهم جميعا.. ووضع كأس ليثبت احد اطرافها.. وقال وهو يعقد حاجبيه بتفكير: تحركاتهم هذه الايام في الجهة الغربية دائما.. تقريبا في حدود هذه المنطقة..
قالها واشار الى مسافة تفصل منطقة عن الاخرى..ومن ثم استطرد وهو يضع كفه اسفل ذقنه: كما وان هناك مبنى قد تعرض للتدمير من قبلهم في تلك المنطقة.. ومراقبتنا لتلك المنطقة لثلاث ايام متواصلة .. جعلتني اشعر ان تحركاتهم في تلك المنطقة بالذات.. تعني امرا واحدا..
اطلع له الجميع باهتمام وعيونهم تترقب ما سيقوله.. في حين قال هو وهو يتنهد: البحث عن أي اثر يدلهم على الممرضة البريطانية التي اختطفت في هذه المنطقة بالذات..
هتف مارك بدهشة: الا يزالون يبحثون عن سوزي؟..
قال هشام بهدوء وهو يلتفت له: هذا بكل تأكيد.. ثم لقد قررت ان نستغل تحركاتهم لصالحنا.. بمعنى بعض الالغام والمناورات التي قد تفي بالغرض.. لمنعهم من التقدم في اراضي بلادنا..
هتف عماد قائلا: هل لك ان تشرح لنا الخطة يا ايها القائد؟..
قال هشام وهو يشير الى نقطة ما على الخريطة: سيختفي ثلاثة منا هنا .. بعد ان نزرع انا وعزام الالغام في الطريق الذي يتخذه الجنود كل يوم.. وبعد ان ننجح في تدمير سيارة عسكرية او اثنتين.. سيباغتهم البقية المختفية.. بقنابل ستتصل بأجهزتكم المحمولة.. ويمكنكم التحكم فيها عن بعد ومراقبة كل شيء في الوقت ذاته..
والتفت الى عادل ليردف: وانت ورائد.. ستختفون فوق سطح احد المباني لاطلاق النيران عليهم..
وقال وهو يرفع رأسه لهم: اكل شيء بات واضحا الآن؟..
اومأ الجميع برأسهم موافقين.. في حين قال مارك بهدوء: ايمكنني الاشتراك في هذه المهمة يا هشام؟..
قال هشام وهو يرفع احد حاجبيه بضجر: مارك ماذا قلنا؟.. اخبرتك بأن هذا خطر عليك وقد يهدد حياتك..
قال مارك في سرعة وحزم: لقد وعدتني بأن اشارك معكم في مهماتكم..أليس كذلك؟.. وسأكون بعيدا عن موقع الحدث .. لكن ماذا عساني افعله وانا اجد نفسي من ضمن اعضاء فرقة المقاومة ولا فائدة ترجى مني؟..
تقدم منه عادل في تلك اللحظة وربت على كتفه وهو يقول بمرح و يغمز بعينه: يمكنك تجهيز طعام الفطور لنا.. وبهذا سيكون لك فائدة في هذه الفرقة..
التفت عنه مارك بحنق.. في حين قال هشام بابتسامة: بل خذ انت هذه المهمة يا عادل.. ودع شقيقي يقوم بمهمتك..
قال عادل باستنكار: ماذا تقول؟.. وهل يعرف شقيقك الامساك بالمسدس حتى..
قال مارك بابتسامة باهتة: لا تستهن بي.. لقد تدربت على استخدامه عدة مرات..
ومن ثم اردف قائلا وهو يقترب من هشام: سأذهب لها الآن.. وسأتحدث اليها..
رمقه هشام بنظرة صارمة: بشأن؟؟..
قال مارك وهو يتنهد: لا تقلق.. فقط ساخبرها بأني اردت ان اطمئن عليها لا اكثر ولا اقل..
قال هشام وهو يسلمه المفتاح وهو يقول بهدوء حازم: لاني اثق بك سلمتك اياه.. فكن في موضع ثقتي بك..
تسرع مارك يختطف المفتاح وهو يقول بفرحة خفية: سأكون عند حسن ظنك بي..
واسرع يبتعد خارجا من المنزل.. ونظرات هشام تتبعه بحيرة..
:
:
تلفتت سوزي حولها بخوف وهي تحاول طمأنة نفسها بأن لا شيء يخيف في هذا المكان.. فالهدوء يعم المكان.. ولا اثر لأي اصوات او تحركات.. اذا لم الخوف؟.. هل هو الخوف من المجهول؟.. ام هي مجرد خوف من اوهام لا حقيقة لها؟ ..
واعتدلت في جلستها وهي تعود لتتلفت حولها.. ومن ثم لم تلبث ان امسكت بمعدتها في ألم.. انها تشعر بجوع يكاد يمزق احشائها.. أليس في قلوبهم رحمة؟..
لا اعلم منذ متى وانا هنا؟.. ولكني اشعر بجوع شديد.. ومارك.. اين هو؟.. لقد وعدني بالعودة.. ولكني لم ارى وجهه.. هو الآخر ذهب.. وعلي ان احتمل كل شيء وحدي ..
تبعت كلماتها تلك دموع خوف ترقرقت في عينيها وغصة مرارة غص بها حلقها.. الى متى ستظل هنا؟.. الى متى؟.. الن يخرجوها من هذا المكان المخيف؟.. لقد اكتفت...
الآن فقط شعرت بشعور اولئك الأسرى الذي يتم جلبهم الى المبنى البريطاني.. ويتلقون من التعذيب اشكالا حتى يدلو بما لديهم.. الآن شعرت بما يشعرون به.. لكن كل هذا لا يعد الا مرحلة مما يشعرون به .. فما زال الطريق امامك طويلة يا سوزي لتذوقي مرارة فقد الاهل والوطن والحياة في عالم يمتلأ بالخوف والذعر ..عالم فقد من قاموسه معنى الاطمئنان والامان.. عالم باتت كلماته هي مصطلحات للقتل والدمار.. فأي عالم يعيشه هؤلاء؟..
وانتفضت بخوف عندما شعرت بالباب يفتح .. تمنت ان يكون مارك وان لا يكون شخصا آخر سواه..وتعلقت عيناها بالباب وبذلك القادم منه.. وانفرجت اساريرها وهي تلمحه بقامته الطويلة.. وبملامحه التي اختلطت العربية فيها بالغربية.. فاكتسب شعره لون شعر والدته البني القاتم.. واكتسبت عيناه لون عينا والده الخضراء.. واكتسبت بشرته البياض المشرب بالحمرة تماما كما تتميز بشرة اغلب الاوربيون..
وكست ملامح وجه سوزي الارتياح وهي تراه يتقدم منها بخطوات متوترة.. ومن ثم لم يلبث ان قال وعيناه تتعلقان بملامحها الفاتنة الذي استطاع تبينها مع تسلل اولى خيوط الفجر الى داخل الغرفة: لقد جئت لكي اراك.. واطمئن عليك .. قبل ان ارحل..
قالت سوزي بدهشة ممزوجة بالخوف: والى اين ستذهب؟؟ ..
تردد مارك طويلا امام اخبارها ومن ثم لم يلبث ان قال بصوت هادئ: وهل يصنع ذلك فارقا؟.. المهم اني اردت ان اطمئن عليك قبل ان اذهب .. وكذلك...
بتر عبارته ومن ثم تقدم منها ليجلس بمواجهتها.. وهو يضع علبة ما امام ناظريها وقال بابتسامة شاحبة: بالتأكيد انت جائعة.. تناوليه.. هذا ما استطعت احضاره هذه المرة.. لكن اعدك بمحاولة جلب المزيد لك في المرة القادمة.. فكما تعلمين انها الحرب.. والطعام لا يكاد يكفينا هنا..
تطلعت له سوزي وقد عطفت على احوالهم.. الاوضاع هنا من سيء الى اسوأ وهم لا يكادون يجدون شيء ليأكلوه ويسدون به رمقهم مع كل هذا الدمار عند المناطق القريبة من الحدود خصوصا..
لكنها لم تلبث ان تساءلت قائلة باهتمام وقلق: لكن اخبرني حقا الى أين تنوي الذهاب وتركي هنا وحدي؟..
حاول مارك ان يضفي على صوته بعض المرح وهو يقول: لست انت وحدك من يذهب في مهمة.. حتى انا ايضا..
قالت له سوزي وقد تسلل الخوف الى صوتها: اتعني انك ذاهب في مهمة؟؟..
اومأ مارك برأسه دون ان يعلق.. فامتدت يد سوزي دون شعور منها الى كفه لتضغط عليها وهي تقول بتوتر: ضد بريطانيا؟؟..
لم يعرف مارك بم يجيبها.. هي حقا لن تفهمه مهما شرح لها.. ربما لأن وضعهما مختلف.. وربما لأنه نصف بريطاني.. ووالدته وشقيقه عربيان وعليه ان لا ينسى .. لهذا فيشعر بالحنين احيانا كثيرة لهذه البلاد.. لانها جزء منه.. ولا يستطيع ان ينكر هذا..
اما هي سوزي.. فقد عاشت طوال عمرها في بريطانيا.. لم تعرف بلدا غيرها ولهذا تشعر بالولاء لها.. ومهما فعلت دولتها فستظل تقول انها على حق..لهذا هما الآن مختلفان.. وبعيدان عن بعضهما كثيرا.. ربما اكثر من السابق..
وربت مارك على كفها دون ان ينطق بحرف واحد.. لكن سوزي تمسكت بها وهي تقول برجاء: لا تذهب يا مارك.. انت بريطاني برغم كل شيء.. لديك الجنسية البريطانية.. فكيف تقاتل ضد بلادك؟..
قال مارك بابتسامة ويده ترتفع لتربت على كتفها: لن تفهمي يا سوزي.. لن تفهمي..
قالت سوزي وهي تشعر بغصة المرارة تملأ حلقها: ما افهمه هو انك تقتل نفسك على يد ابناء وطنك.. ومدافعا عن اعدائك ..
قال مارك وهو يتطلع اليها بنظرات هادئة: اخبرتك بأنك لن تفهمي يا سوزي.. والآن.. علي ان اذهب..
قالها ومن ثم جذب يديه من بين كفيها الصغيرين ونهض بتثاقل وهو يقول بابتسامة: أهم شيء انني اطمأننت عليك يا سوزي .. ولا تقلقي.. فلن يمسّك احد هنا بسوء.. ولقد اخبرت القائد بامكانية اخراجك من هنا.. وقال لي انه سيفكر مليا بالامر..
قالت سوزي بصوت تكسوه رنة الالم: سأنتظرك يا مارك.. فعد الي سالما..
تطلع لها بعينين تحملان حب الدنيا بأكمله ومن ثم قال بصوت يملأه الحنان: سأفعل من اجلك يا سوزي.. احبك..
"احبك".. لم تقولها الآن يا مارك؟.. لم تفتح جراحا قديمة لم تلتئم بعد؟.. لم تصر على تعذيب هذا القلب الى الابد؟.. هل انت حقا تحبني؟.. ام انك لازلت مصرا على اكمال ذلك الدور الذي اتخذته لخداعي..
وانتظر مارك منها سماع أي كلمة لكنها ظلت صامتة وهي مطرقة برأسها.. فتنهد وهو يدير ظهره لها ويتجه نحو الباب قائلا: الى اللقاء الآن يا سوزي..
قالت سوزي بشحوب بعد ان رأته يبتعد خارجا ويغلق الباب خلفه: هذا ما اتمناه يا مارك..
وارتجف قلبها خوفا وقلقا من ان تفقد مارك للمرة الثانية.. ولكن هذه المرة سيكون ذلك بلا عودة...
###########
قاد جون السيارة العسكرية في المنطقة التي اختطفت بها سوزي حسب اقوال الجنود اللذين شهدوا الحادث.. كانت سيارتهم تتبع ثلاث سيارات عسكرية.. ويتبعها اربع سيارات.. أي تتوسطهم سيارة ألكس تقريبا.. وذلك لحمايته من أي هجوم مباغت..
وقال جون في تلك اللحظة وانظاره تتركز على الطريق الممتد امامه: لم تخبرني.. هل لديك خطة؟..
قال ألكس ببرود وهو يلتفت عنه: وهل يحتاج امر البحث عن ممرضة الى خطة..
قال جون بهدوء: ما اعنيه.. هو امكانية التعرض لأي تمرد.. سواء من تلك المجموعة او من غيرهم..
قال ألكس بثقة: في هذه الحالة لن يمكنهم الوقوف في مواجهة اسلحتنا..وبمدفع آلي وحدي يمكننا ابادتهم جميعا..
قال جون مبتسما: هل اسمي هذا غرورا؟..
قال ألكس وهو يلوح بكفه: اطلق عليه ما تشاء.. المهم الآن ان ننتهي من هذا الامر سريعا .. فقد مشط عدد من الجنود هذه المنطقة لثلاث مرات بالامس.. ولم يكن لسوزي أي اثر.. فما الذي يدعوهم الى ارسالي انا الآخر..
قال جون بابتسامة واسعة: ربما لثقتهم الكبيرة بك.. وانك لربما ترى مالم يره غيرك..
ابتسم ألكس بسخرية.. لكن ابتسامته هذه سرعان ما تلاشت.. امام صوت ذلك الانفجار الذي وصل الى مسامعه.. وصرخ على جون بكل قوة: اوقف السيارة..
داس جون على المكابح بكل قوته.. ومن ثم قال بقلق: بحق السماء .. ما الذي حدث؟..
اسرع ألكس يقفز من حاجز السيارة العلوي المكشوف.. وهو يهتف قائلا بغضب: فعلوها مرة اخرى.. الاوغاد..
خرج جون من سيارته وقال وهو يتطلع الى السيارة التي انفجرت في المقدمة: اتعني اولئك المتمردون..
قال ألكس ويقبض على مسدسه ويخرجه من حزامه: بالطبع هم.. وهل لديك تفسير لما يحصل سواهم؟.. سحقا لهم.. سيكون موتهم على يدي اليوم..
اخرج جون مسدسه من حزامه بدوره وقال وهو يجذب مشطه: لابد ان يكونون قريبين من هذا المكان.. حتى يعلموا بنتيجة مخططاتهم.. فالنبحث عنهم..
قالها جون واسرع يبتعد مع ألكس بحثا عن هشام ومجموعته.. اما البقية.. فقد تعاونوا على محاولة اخراج من يستطيعوا اخراجه من السيارة العسكرية.. قبل انفجارها للمرة الثانية وذلك بسبب خزان الوقود...
:
:
ارتسمت ابتسامة واسعة على شفتي ذلك الشاب الذي يختفي في احد المباني القريبة من المكان ويراقب كل شيء عن طريق نافذة بالطابق الثالث..ولمعت عيناه ببريق نصر وهو يخرج هاتفه من جيبه ليتصل برائد .. وما ان سمع صوته يأتيه عبر الهاتف.. حتى قال بحزم: نفذوا الخطوة الثانية الآن..
جاءه صوت رائد وهو يقول في سرعة: في الحال..
وانهى الاتصال.. تاركا المجال لهشام يراقب بكل امل كل ما يحدث امام ناظريه.. وقد بدت امنيته بطرد هذا العدو من البلاد.. قريبة جدا منه..
:
:
انفجار آخر صم الآذان وجعل الجميع يلتفت لموضع ذلك الانفجار بكل الخوف والتوتر والقلق الذي شمل ابدانهم.. وجعلهم غير مدركين بما عليهم فعله خصوصا في غياب قائدهم..
اما ألكس الذي سمع الانفجار.. فقد عاد ادراجه وهو يهتف بعصبية: اللعنة..
اسرع جون يتبعه حتى وصلا الى موقع الحادث.. وشاهدا انفجار سيارة اخرى من سيارتهم العسكرية.. فقال ألكس بحدة وصرامة: من امركم بالتحرك؟..
قال احد الجنود في سرعة: لم تتحرك أي سيارة يا سيدي.. لقد حدث الانفجار بغتة..
قال ألكس ويده تقبض على مسدسه بعصبية: تبا لهم.. انهم يهزئون بنا.. سأريهم..
وصاح قائلا بانفعال وهو يعطي الاوامر لجنوده: المجموعة الاولى .. توجهوا الى المنطقة الشمالية والشمالية الشرقية حتى كيلومترين من هذه المنطقة..ومشطوا المنطقة جيدا دون ان تتركوا حجرا واحدا دون ان تبحثوا تحته..ولتتوجه المجموعة الثانية الى المنطقة الشمالية الغربية والمنطقة الغربية وعلى بعد كيلومترين كذلك.. اما الثالثة.. فمهمتهم ستكون في المنطقة الشرقية والجنوبية الشرقية ..حاولوا البحث في كل مكان.. ولا تعودوا دون ان تتأكدوا بعدم وجود احد في ذلك المكان بنسبة 100%..
وقال اخيرا وهو يتطلع الى المجموعة الاخيرة من الجنود: اما انتم فستبقون هنا..اتصلوا بالمبنى البريطاني لنقل الجرحى والمصابين .. ومن ثم ابحثوا في هذه المنطقة بأكملها..هيا فاليتحرك الجميع..
صاحوا في صوت واحد: عُلم..
وتحرك الجميع على عجل صاعدين الى سيارتهم مرة اخرى بعد ان هبطوا منها عند سماع الانفجار..وانطلقوا الى حيث نصت عليهم الاوامر..
اما ألكس فقد انطلق مسرعا وهو يراقب المكان حوله بحذر.. فقال جون وهو يسرع في خطواته بدوره: ألكس.. اين ستبحث عنهم؟.. المكان واسع جدا.. وكل ركن فيه يبدوا لي انه يستحق البحث..
قال ألكس بغضب: الم ترى ما فعلوه اولئك الاوغاد؟.. لقد دمروا سيارتين.. هذا غير عدد المصابين والجرحى والقتلى في هذين الانفجار.. سحقا لهم.. علينا ان نقبض عليهم ليكونوا بين ايدينا.. وبعدها...
بتر ألكس عبارته وعقد حاجبيه بقوة وهو يقترب من احد المباني.. فقال جون متسائلا: ما الامر؟..
قال ألكس وهو يتطلع الى زجاج النوافذ للمبنى والتي عكست حركة ما على سطح المبنى المجاور.. ودون ان يلتفت قال بنبرة واثقة: استطيع ان اراهن بأنهم هناك.. يختفون على سطح المبنى الذي يقع خلفنا..
اسرع جون يقول: لا تتسرع .. لا يمكنك الجزم بذلك..
قال ألكس ببرود: لكن لن اترك احتمال ولو واحد بالمائة على ان يكونوا هؤلاء هم اولئك المتمردون..
والتفت في حركة مباغتة..ليصوب مسدسه بحركة مدروسة ويهم باطلاق النار.. وهي يكاد يكون واثقا ان رصاصته ستصيب هدفها دون ادنى شك..
:
:
وعلى سطح ذلك المبنى.. ما ان انتبه رائد على ألكس الذي التفت نحوهم حتى قال متسائلا: يبدوا لي وانه قد لحظ وجودنا ..
قال عادل باستخفاف: انت تمزح.. كيف له ان يلحظ وجودنا ونحن على سطح هذا المبنى الذي...
لكنه عبارته لم تكتمل.. واتسعت عيناه في قوة وهو يلمح ذلك المسدس المصوب نحوهم.. وقبل ان يستطيع استيعاب الموقف.. وقبل ان يتحرك قيد انملة.. انطلقت الرصاصة نحوه تماما..
اما رائد الذي كانت لديه الخبرة بما يحدث بحكم عمله في الشرطة سابقا.. فقد اندفع من فوره ليحمي عادل من تلك الرصاصة التي تعرف هدفها جيدا.. اندفع بكل قوته.. ليدفع عادل ويحمي جسد هذا الاخير من تلك الرصاصة ولكن...
كان لحمايته جسد عادل ثمنا.. ثمنا قد دفعه عندما اصابته تلك الرصاصة بدلا من ذلك الاخير..واستقرت في ذراعه لتجعله يطلع صرخة ألم..
وقبل ان يستفسر عادل عن تلك الصرخة.. رأى الدماء تغرق كم قميص هذا الاخير لتحوله للون الاحمر..وفهم في هذه اللحظة فقط سبب اندفاع رائد نحوه ودفعه على ذلك النحو ..كان يرغب في حمايته حتى لو ضحى هو بحياته..
وتطلع الى رائد بخوف وتوتر قبل ان يقول بصوت مرتبك متلعثم: رائد.. لم فعلت هذا؟.. لم حميتني بجسدك؟..
قال رائد وهو يلهث وبصوت متعب.. وقد بدأت قطرات العرق تتجمع على جبينه: لقد اخبرني هشام ذات يوم.. ان حماية انسان غال على قلبك.. تستوجب منك الدفاع عنه بذراعيك.. وبكل نفس لديك.. حتى وان كلفك ذلك التضحية حياتك ..
شعر عادل بالتأثر من كلماته وتطلع الى رائد بخوف وهو يقول: انت مصاب.. وبحاجة الى اسعاف..
قال رائد وهو يحاول الوقوف على قدميه والتوجه الى حيث بندقيته المزودة بنقطة تحديد الهدف عن بعد: ليس بعد.. المهمة لم تنتهي ..
اقترب عادل في سرعة منه .. ليقول بجدية: سأفعلها انا هذه المرة.. وسأقتنص ممن اصابك..
قال رائد باجهاد وهو يشعر بتعبه يتزايد: دعك مني لا تحول الامور الى...
جذب عادل البندقية من كف رائد على حين غره.. وصوبها نحو ألكس الذي كان يلقي الاوامر لعدد من الجنود بتفتيش المبنى الذي يختبأ علىسطحه رائد وعادل .. ولم ينتبه لتلك البندقية المصوبة تحوه لحظتها.. وهتف عادل قائلا بحقد وهو يصوبها نحو صدر ألكس تماما: فلتمت ولينتهي العالم من وغد جديد..ليتمكن الناس من الحياة بسلام..
وضغطت اصابعه على الزناد بكل قوة وحزم.. وانطلقت تلك الرصاصة متجهة نحو هدفها .. اما جون الذي التفت بغتة نحو ذلك المبنى.. لمح تلك البندقية المصوبة نحو ألكس.. وصرخ حينها محذرا وهو يندفع نحوه بكل قوته: احذر يا ألكس ...
لكن جاءت صرخته متأخرة.. واخترقت تلك الرصاصة ذلك الجسد.. لتتفجر تلك الدماء على صدر ذلك القائد .. ذلك القائد الذي كان حلمه هو استعمار هذه البلاد في يوم ...
:
:
يتبع...
 
بـــــــ الحب (7) والواقع ـــــــــــين
::شرط مستحيل::


كان لتلك الرصاصة التي اخترقت صدر القائد الاعلى للجيش البريطاني كل الاثر في تشتيت انتباه الجنود والقائد المساعد جون.. عن اولئك الاثنين اللذين هبطا من على سطح ذلك المبنى .. كان احدهما يمسك ذراعه بكل ألم.. وهو يضغط باسنانه على شفته السفلى منعا اي آهة ألم قد تصدر من بين شفتيه.. اما الآخر فقد عرض مساعدته للاول لاكثر من مرة ..ولما لم يجبه الا رفض هذا الاخير.. اكتفى بمراقبته بخوف واهتمام شديدين.. وغادرا المبنى بسرعة كبيرة متوجهين نحو سيارتهم التي اصطحبتهم الى المكان المنشود..
:
:
وعلى الطرف الآخر كان الهرج والمرج يسود المكان.. وخصوصا الجنود الذن كانوا يحاولون الدفاع عن قائدهم بأية طريقة .. ولما كانوا يجهلون موقع العدو.. فقد تدافع عدد منهم الى عدد من المباني المواجهة لهم.. حتى استوقفهم جون وهو يصيح بانفعال: قوموا بتفتيش المبنى المواجه لنا تماما.. انهم على سطحه بكل تأكيد..من هناك انطلقت الرصاصة..
والتفت على احد الجنود المجاورين له قائلا بصوت متوتر ومنفعل وهو يحاول اسناد ألكس: وانت ساعدني في اسناد القائد وايصاله الى السيارة..
ارتبك الجندي لوهلة لكنه اسرع بتنفيذ الامر.. ولكن بغتة توقف جون وهو يخرج جهاز اللاسلكي من جيبه ويصرخ فيه قائلا بعصبية: الى جميع الفرق والوحدات..في حين لم تعثروا عليهم بالمبنى.. حاصروا جميع المستشفيات.. وجميع الطرق المؤدية الى خارج المنطقة.. لديهم مصاب.. وسيحاولون اسعافه.. اقبضوا عليهم احياء او اموات ..انتهى..
قالها واغلق جهاز اللاسلكي ويواصل اسناده لألكس.. ليقول بصوت متوتر ومشفق: تحمل قليلا يا ألكس.. سنصل الى المشفى بعد دقائق..
قال ألكس بحروف متقطعة :سيــــهـ..ـربــ..ــــون...
وتبع عبارته بسعال عنيف داهمه.. فقال جون في سرعة وقلق: استرح انت.. لقد امرت بمراقبة جميع المستشفيات.. لا تخشى شيئا سنقبض عليهم..
اكتفى ألكس بما سمعه.. ليعم الصوت المكان .. ومن ثم لم يلبث ان امسك صدره بألم حاد.. وهو يشعر بأن خناجر حادة تكاد تمزقه..
اما جون فقد عاونه هو والجندي الآخر حتى وصل الى السيارة العسكرية وانطلقوا بها جميعا الى المبنى البريطاني على الفور..
:
:
انشدت اعصاب هشام كلها وهو يتحدث الى عادل بنبرة حادة: ولم لم تحاول اسعافه؟.. لم لم تصحبه الى اي مشفى؟؟..
قال عادل وهو يشعر بغصة في حلقه: الطرق كلها مغلقة .. والجنود البريطانيون منتشرون على مساحة واسعة حتى ان الوصول الى اي عيادة طبية بات ضرب من المستحيل..
قال هشام بتوتر وعصبية: لكن لابد من وجود حل..صحيح اننا ربطنا ذراعه لمنع النزيف.. لكن الدماء لا تزال تتدفق من جرح ذراعه بغزارة.. والرصاصة لا تزال فيها..
قال عادل بيأس وهو يلقي بجسده على احد المقاعد: وماذا عسانا ان نفعل؟.. لا ازال اشعر بالذنب فقد اصيب وهو يحاول انقاذي .. لابد من حل.. صدقني لو كنت استطيع مساعدته وعلاجه لما تهاونت..
اقترب مارك منهما في تلك اللحظة وقد خطر في ذهنه امر ما جعله يقول بتردد: لكني اعرف من يمكنه المساعدة..
عقد هشام حاجبيه في شدة وهو يلتفت الى مارك ويقول بصوت آمر: من هو؟.. تحدث..
ازدرد مارك لعابه ومن ثم قال بارتباك: انه.. انها.. سوزي ..
اتسعت عينا هشام بقوة في حين قال عادل باستنكار: ان كنت تعني تلك البريطانية.. فقد جننت حقا..
اسرع مارك يدافع عن موقفه قائلا: انها ممرضة بالجيش البريطاني .. يمكنها مساعدة رائد.. اكثر من اي شخص منا يجهل اساليب التمريض..
قال هشام بعد برهة من التفكير: هل يمكننا الثقة بها؟..
قال عماد بدهشة وهو يتقدم من هشام: اتعني ما قلته حقا يا هشام؟.. هل تسأل اذا كان بامكاننا الثقة باحد اعدائنا؟؟ ..
اسرع مارك يقول برجاء: سوزي ليست كما تظنون.. صدقوني.. انها انسانة طيبة متفهمة لوضعنا.. وعندما تعد فهي تنفذ..
قال عادل بسخرية مريرة: اتريدنا ان نثق بوعود من دمروا بيوتنا وقتلوا اهلنا وشردوا اطفالنا؟؟.. اتريدنا ان نثق بمن كان لهم يد في استعمار بلادنا؟؟..
قال مارك وهو يتنهد: سوزي ليس لها يد في كل ما يحدث.. هي مجرد ممرضة.. تطوعت لتساعد افراد شعبها.. لم تقتل.. لم تدمر.. ولم تتلوث يداها بدم قتلانا..
قال عزام هذه المرة بعصبية: لكنها منهم.. لا تنسى هذا.. ولاءها سيكون لهم.. وانت بالتأكيد ستدافع عنها لانك تحمل الجنسية البريطانية بدورك..
قال هشام فجأة وهو ينهي الحوار: احضرها الى هنا يا مارك..
قال مارك في سعادة وقد تجدد الامل في قلبه: في الحال..
وقبل ان ينطق احدهم بكلمة استدار هشام الى عزام ورمقه بنظرة عتاب وهو يقول: لو كان مارك كما تصف لما اشترك في فرقة المقاومة..
استغرب الجميع موقف هشام وهم يتطلعون الى مارك الذي اسرع يلتقط المفتاح الملقى على طاولة صغيرة وينطلق مسرعا نحو الخارج..
وقال عماد بدهشة كبيرة: انت.. انت يا هشام.. تسمح لبريطانية بكشف امرنا.. وان نكون تحت رحمتها..
تنهد هشام وقال بمرارة وهو يجلس على احد المقاعد: اعذروني جميعا.. لكن لن يمكنني رؤية رائد وهو ينزف بذلك الشكل ويكاد يقترب من الموت واقف مكتوف اليدين.. ومادام بامكاني مساعدته فلن اتأخر حتى وان كانت هذه الوسيلة خطيرة..
واردف وهو ينقل بصره بين نظراتهم المستنكرة: انا لن اجبر احدا على الموافقة على ما قلته قبل قليل.. لكنه الحل الوحيد الذي وجدته بين يدي وتعلقت به لحماية احد افراد فرقة المقاومة ..
ولما جاوبه الصمت من الجميع لم يتمكن من التحكم باعصابه وقال بعصبية: ماذا كنتم تريدونني ان افعل اذا؟.. هل اتركه يموت امام انظارنا و في يدنا انقاذه؟.. هل كان في يد احدكم المساعدة ورفضت؟.. اخبروني بالله عليكم .. ما الذي كنت استطيع فعله غير الثقة بسوزي ..
عزام الذي كان يشعر بتأنيب الضمير لما تفوه به لمارك قبل قليل .. قال مبتسما وهو يقترب من هشام ويقف امام الجميع بتحدي: انا اوافقه الرأي..
بدا البقية وكأنهم يتطلعون الى معتوهين.. في حين قال عزام مردفا بحزم: من لا يريد تعريض نفسه لأي مخاطرة بامكانه البقاء في احدى الغرف.. ريثما تنتهي الممرضة مما تفعله .. او من يخشى على نفسه من كشف مكاننا.. فبامكانه الانسحاب.. فأكثر ما يعنينا الآن هو انقاذ رائد .. شقيقنا جميعا من خطر الموت..
ابتسم هشام بشحوب لمساندة عزام له.. وومن ثم هب من مقعده وقال بهدوء: افعلوا ما تريدون.. الامر عائد اليكم .. سواء تركتم المكان مؤقتا او رغبتم بالانسحاب.. فأنا ادرك ان معكم حق في كل ما ستفعلونه.. فجميعنا نخشى الوقوع في قبضة اولئك الاوغاد..
واردف بصوت متألم: سأذهب للاطمئنان على رائد الآن.. وان جاء مارك.. فارسله الى الغرفة يا عزام..
اومأ عزام برأسه دون ان يعلق.. ولم ينتظر هشام تعليقا بل قادته قدماه الى تلك الغرفة التي يرقد بها رائد وهو يصارع للألم والمعاناة ...
#########
اصوات ضجة وجلبة طغت على المبنى البريطاني.. وجعلته في حالة حركة دائمة .. وبدا ان امرا مهما قد سبب كل هذه الفوضى .. حتى ان تلك الاصوات قد وصلت الى مسامع تلك الفتاة التي كانت كانت ممدة على فراشها بالمشفى الصغير ..وجعلتها تنهض معتدلة وهي تتساءل في قلق عن تلك الجلبةالتي اخذت ترتفع مع مرور الوقت .. وكأن مسببوا تلك الضجة يقصدون هذا المشفى..
وشعرت بانقباض في قلبها واسئلة كثيرة تدور في عقلها ..واخيرا نهضت من على الفراش وكادت ان تتحرك من مكانها.. لكنها تذكرت المغذي المتصل بكفها.. فاسرعت تمسك به وتجذبه معها حتى وصلت الى الباب..
وهناك حاولت ان تصيخ السمع الى ما يحدث بالخارج.. وهي تقرب اذنها من الباب.. لعلها تعرف ما يحدث في هذا المبنى.. لكن كل ما كانت تستمع اليه.. هي عبارات اشبه بـ (اسرعوا)..(لا تتأخروا).. (الوضع خطير)..
شعرت بقلق مبهم بدأ يتسلل اليها.. وكورت قبضة يدها وهي تقربها من صدرها .. ماذا يمكن ان يكون قد حدث؟..
وامتدت يدها لفتح الباب.. وعندما لم يستجب لها.. تذكرت انها سجينة.. ان لم تكن خلف تلك القضبان.. فبالتأكيد ستكون في هذا الغرفة بالمشفى..
وعقدت العزم على ما ستفعل.. وفي سرعة وقبل ان تحجم عن ما ستفعل.. امتدت كفها لتطرق الباب.. وبكل ما اوتيت من طاقة اخذت تطرق ذلك الباب .. لعل احدهم يستمع اليها وسط كل تلك الاصوات..
وعندما لم يستجب لها احد.. رفعت صوتها وهي تصرخ قائلة: افتحوا الباب.. افتحوه..
واصلت صراخها.. حتى شعر بها احدهم اخيرا.. وفتح الباب في خشونة قائلا بانفعال: ما بك؟.. هل فقدت عقلك؟.. لم كل هذا الصراخ؟..
تراجعت عهد قليلا وقالت بصلابة مصطنعة: هذا السؤال عليك ان تسأل نفسك عنه؟.. فما الذي يجري بالخارج؟.. حتى يمتلأ المبنى بالصراخ..
قال الجندي بعصبية: اصمتي ايتها الوقحة.. ولا شأن لك بما يحدث بالخارج.. ومن اجل سلامتك حاولي المحافظة على هدوءك..
قالت عهد في سرعة قبل ان يغلق الباب: لن اصمت.. وسأظل اصرخ.. حتى اعرف بما يحدث في الخارج.. فمن حقي ان اعرف ما دمت في هذا المكان..وعلي ان اخشى على نفسي مما يكون قد حدث..
قال ببرود وقسوة : لا تشغلي بالك .. فلم يحدث أي شيء يهدد هذا المبنى.. مع ان هذا لن يغير من مصيرك شيئا.. وان كان الامر يهمك لمعرفة ما حدث.. فالقائد ألكس هو المصاب..
لم تستطع عهد ان تمنع نفسها من ان تتساءل قائلة: وما الذي اصابه؟ ..
ارتفع حاجبا الجندي بسخرية وهو يقول: يا لرقة مشاعركم .. تسألين عما اصابه يا فتاة وانتم السبب في ما جرى له؟..يا للحقارة..
قالها ومن ثم اغلق الباب خلفه في قوة.. اما عهد فقد تطلعت الى الباب للحظة في عدم استيعاب.. ومن ثم لم تلبث ان ازدردت لعابها في ارتباك.. ما الذي حصل لها؟.. لم كل هذا القلق؟.. ما شأنها هي به؟.. لم تفكر به وبما اصابه؟ .. لم تسأل عنه؟..
وتراجعت الى حيث فراشها لتجلس على طرفه بتوتر.. لم بدا الخوف يتسلل اليها؟.. لم؟..انسيت انه القائد الاعلى للجيش البريطاني وهو السبب الرئيسي فيما يصيب وطنها وابناء شعبها؟..انسيت انه السبب الرئيسي في قتل والدها؟.. انسيت ان هدفها كان الانتقام اولا واخيرا؟.. انسيت كل هذا فجأة.. لتسمح لقلق تافه بالسيطرة عليها.. فليصب او يمت حتى فلن يهمها..
واطرقت برأسها لتقع انظارها على كفها اليمنى.. وسرت قشعريرة في اطرافها كلها وهي تتذكر احتضانه لكفها ذلك اليوم بالمشفى.. وكأنه كان يريد ان يبثها بعض القوة والاطمئنان.. او ربما كان يخشى ان يفقدها..
وايضا نظرته التألمة ذلك اليوم لا تزال تذكرها.. وكلماته تلك تتردد في رأسها ..(( اتظنينها شفقة حقا يا عهد؟؟)).. يكفيها ما هي به الآن.. فلم يزداد الامر سوءا بأفكارها الحمقاء تجاه ذلك القائد الآن؟.. تريد ان تفكر في الانتقام والانتقام وحده من سيريح قلبها الذي اضناه التعب من الشعور بالوحدة والضياع..
والتقطت نفسا عميقا ملأت به صدرها لعلها تبعد تلك الافكار عن رأسها ومن ثم لم تلبث ان قالت وعلى شفتيها ارتسمت ابتسامة ساخرة مريرة: أي فكرة مجنونة تدور في رأسك الآن يا عهد؟..
#############
توترت انفاس مارك وهو يمسك بذلك المفتاح.. ويحاول بجهد ان يدخله في ثقب الباب.. لكن اعصابه المتوترة.. جعلته يفشل في ذلك عدة مرات.. حتى استطاع اخيرا ان يضعه في موضعه الصحيح ويدير المفتاح حتى سمع صوت قفل الباب وهو يفتح..
وبخطوات هادئة دلف الى الداخل .. وان كان التوتر قد سيطر عليه خوفا من ان ترفض سوزي مساعدة رائد بحكم انه عدو لها..
وسمع صوتها المتلهف وهي تقول وحواسها كلها معلقة مع الواقف امامها: مارك لقد عدت سالما.. كم اشعر بالسعادة لذلك.. لقد كنت خائفة عليك.. خائفة ان تصاب بمكروه بعد ان التقينا اخيرا..
تطلع اليها مارك بابتسامة واسعة ومن ثم اقترب منها ليمد كفه لها ويقول بهدوء: انهضي..
امسكت بكفه دون تردد لتنهض واقفة .. وقالت متساءلة بقلق: هل هناك شيء؟..
قال وهو يتطلع اليها بحنان ويترك الحرية لاصابعه لان تتخلل شعرها الاشقر الطويل: اكنت خائفة علي حقا؟..
قالت وقد توردت وجنتاها خجلا: بكل تأكيد.. كيف لا اخشى عليك.. وقد كنت اقرب الاصدقاء الي..
"اصدقاء" .. اهذا كل ما استطعت قوله يا سوزي بعد ان التقينا اخيرا؟.. ولمعت نظرة الالم في عينيه لكنه سرعان ما حل محلها نظرة جدية وهو يقول: ونظرا لكوننا اصدقاء.. فعلى الصديق ان يساعد صديقه ان احتاج اليه .. اصحيح؟..
قالت سوزي مستغربة: بكل تأكيد.. ما الذي حدث لتسألني سؤال كهذه؟..
قال متجاهلا عبارتها وهو يتطلع اليها بتمعن: وان اخبرتك ان هناك من هو بحاجة ماسة الى مساعدتك.. فهل ستساعدينه؟..
شعرت سوزي بالقلق من تساؤله وهتفت قائلة بتوتر: مارك.. اوضح ما تقوله.. لم افهم من هو الذي بحاجة الى مساعدة .. ولماذا؟..
وضع مارك قبضته على كتفها وقال وهو يضغط عليها برجاء: احد افراد فرقة المقاومة قد اصيب..ولم نستطع نقله الى أي مشفى بسبب القوات البريطانية التي تحاصر كل مشفى وعيادة في المنطقة.. لم نحتمل رؤيته وهو يصارع الموت هكذا.. والنزيف يكاد يقتله.. لقد اصيب برصاصة في ذراعه.. فهل يمكنك مساعدته؟..
اطرقت سوزي برأسها في حيرة.. تساعد من؟.. ولماذا؟.. تساعد افراد فرقة المقاومة الذين يقاتلون الجيش البريطاني وتنقذ حياة احدهم.. لكن أليست هي ممرضة ومن واجبها مساعدة أي شخص كان ما دام في حاجة اليها دون ان تضع أي قوانين امام عينيها؟.. اليس واجبها الاساسي ان تبذل كل مافي وسعها لانقاذ حياة البشر؟..
ورفعت رأسها الى مارك لتقول بابتسامة باهتة: سأساعده ..
تنهد مارك باتياح ومن ثم قال وقد انفرجت اساريره: كنت اعلم انك لن تخيبي ظني مادمت قد طلبت مساعدة منك..
واردف بتردد: لكن لي رجاء عندك.. لا اريد ان تصل أي اخبار عن موقع هذا المكان او احد الموجودين فيه للمبنى البريطاني.. ان حدث وعدت اليه..
قالت سوزي وهي تومئ برأسها: لا تقلق.. لقد وعدت سابقا .. كما وان هذا قد يضرك.. ولست حمقاء لأكون سببا في اذيتك يا مارك..
منحها مارك ابتسامة واسعة واسرع يجذبها من كفها لتتبعه.. فقالت في سرعة: مارك .. الن تندم لانك منحتني ثقتك هذه كلها في يوم؟..
اخذ مارك يحث خطاه على السير وهو يعبر تلك الساحة الخارجية معها وقال نافيا: ابدا.. فأنا اثق في وعدك .. وبما انك قد وعدتني فلن تخلفي وعدك قط..
قالت سوزي بتأثر وقد شعرت بغصة مرارة في حلقها: بعد كل ما فعلته معك في الماضي تقول هذا؟.. بعد ان تخليت عنك وتركتك.. تقول انك لا زلت تثق بي .. هل اقول اني كنت اغبى انسانة في هذا العالم عندما فكرت بالتخلي عنك و...
توقف بغتة.. ليضع كفه على شفتيها ويقول مؤنبا: فلننسى الماضي الآن.. فقد ولى وانتهى.. ثم ان هناك من يحتاج مساعدتك.. وهو اولى من ان نضيع وقتنا في الحديث..
اومأت سوزي برأسها موافقة..ومن ثم اكملا طريقهما ..والاولى شعرت بندمها يتضاعف على تخليها عن مارك في ذلك الوقت.. حتى من دون سماع مبرراته.. لقد قرأت فصدقت فهربت.. هكذا وبكل سهولة اطلقت الحكم على مارك بأنه مخادع .. كاذب.. لم يحبها في يوم.. لم تمنحه فرصة لتسمعه.. بل على العكس.. هربت لتعذبه وتعذب نفسها.. هذا غير الاشاعات التي اطلقتها بأن زواجها قريب من شاب ثري.. ترى أي حماقة ارتكبت في حق مارك وفي حق نفسك يا سوزي؟.. أي حماقة؟..
#############
تنهد جون بصوت مسموع وهو يقف في مواجهة الطبيب .. ومن ثم قال: المهم الآن أن العملية قد نجحت..
قال الطبيب بهدوء: بلى ولكنه لا يزال تحت الملاحظة..
تساءل جون قائلا باهتمام يشوبه القلق: ومتى سيفيق؟..
ابتسم الطبيب وقال وهو يضع كفيه في جيبي معطفه الطبي: قريبا.. ربما غدا صباحا او بعد غد على الاكثر..
ابتسم جون بسرور وقال شاكرا: شكرا جزيلا لك..
قال الطبيب بهدوء وهو يتطلع الى ساعة يده: هذا واجبي.. والآن بالاذن.. فيجب علي ان ارى حالات اخرى..
اومأ جون براسه متفهما..ومن ثم لم يلبث ان تقدم بلهفة ليتطلع من تلك النافذة الزجاجية التي تفصله عن غرفة ألكس.. وراقب جسده المتصل بعددمن الاجهزة.. وصدره الذي تم تضميده.. وتنهد بارتياح وهو يتذكر كلمات الطبيب المطمأنة له.. وارتسمت ابتسامة واسعة على شفتيه تعبر عن مدى فرحته لنهوض ألكس بالسلامة...
:
:
(( هل تظنينها شفقة حقا يا عهد؟؟))
توقفت افكار عهد على تلك العبارة التي نطقها ألكس ذات يوم.. واغمضت عينيها بقوة.. وافكار شتى تعصف بذهنها.. ماذا عساها ان تكون اذا لم تكن شفقة؟.. قلق.. رد جميل.. تعاطف.. ام شيء آخر تماما.. لم يرمي بها في دوامة من الاسئلة دون ان يمنحها اجابة.. وتلك النظرات .. ما تفسيرها؟.. ان ما يثير غرابتها انها لم ترها في عينيه الا مرتين.. مرة عندما رفضت ان تتناول أي شيءفي السجن.. ومرة عند نقلها الى المشفى.. لكن.. لكن لماذا يبدوا غريبا في تصرفاته معها؟.. وكأنه قلق عليها..قلق؟؟.. أي جنون هو هذا؟.. قائد للجيش البريطاني سيفكر بالقلق على احد اسراه..يالي من حمقاء ..
وفتحت عينيها بغتة عندما وصلها صوت فتح الباب.. وصوت احد الجنود وهو يفتح الباب على مصراعيه ويقول وهو يؤدي التحية العسكرية: تفضل سيدي القائد..
لا تعلم عهد وقتها لم شعرت بشيء ينزاح عن صدرها.. وكأن هما ثقيلا قد انزاح عنها.. وارتفعت انظارها لعلها تلمحه .. او تفهم معنى نظراته نحوها..
ولكن.. نظرتها تجمدت على وجه ذلك القادم.. والذي لم يكن ألكس ابدا.. كان شخصا تبدوا على وجهه معالم القسوة والبرودة.. شخص يبدوا لك انه لن تطرف له عين لو قتل شعبا بأكمله..
وارتجفت اطرافها توترا بالرغم منها وهي تلمحه يعطي الاوامر لجندي آخر يتبعه ويقول ببرود: احضرها فورا..
اومأ الجندي برأسه وادى التحية العسكرية وهو يقول: امرك..
واسرع يتقدم نحو عهد.. التي كانت نظراتها توحي بالدهشة.. كادت ان تسأل اين هو ذلك القائد؟.. اين هو ألكس؟.. على الاقل لن يكون بمثل هذه الوحشية التي تلمحها على وجه هذا الواقف امامها..لكن كيف لها ان تسأل؟.. من اعطاها الحق بالسؤال؟.. ثم انها مجرد اسيرة.. مجرد اسيرة سيكون مصيرها الذل والتعذيب طوال حياتها و...
لكن لحظة كيف تناست ما جرى.. ألم يقولوا ان ألكس قد اصيب؟.. اذا فهذا القائد بديل له في الوقت الحالي.. حتى يشفى ألكس.. او ربما هذا الاخير لم يعد على قيد الحياة...
انتزعها من افكارها صوت ذلك الطبيب الذي دخل الى الغرفة وهو يقول بصوت غاضب: لا يحق لك اخراجها من هنا واستجوابها يا ايها القائد .. انها في طور النقاهة.. وجسدها لا يزال ضعيفا..
تطلع له القائد بنظرة باردة وقال: انها الاوامر..
التفت له الطبيب وقال بتحدي: لكن القائد ألكس .. امر بأن تبقى هذه الفتاة تحت الملاحظة الطبية حتى تتعافى..
قال القائد البديل ببرود اشد: اظنك تعلم ان القائد ألكس مصاب .. وان اصابته ستبقيه طريح الفراش ربما ليومين قادمين.. ولن يمكننا الانتظار اكثر من هذا ..
اسرع الطبيب يقول: لكن جسدها لا يزال منهكا وضعيفا ولن يحتمل أي وسيلة من وسائل التعذيب الـ...
قاطعه القائد وهو يشير له بيده قائلا بصرامة: هذا يكفي..
ومن ثم اشار للجندي قائلا: هيا ..
جذب الجندي عهد من ذراعها ليجبرها على الوقوف.. وهذه الاخيرة تتلفت بينهم بخوف.. تتمنى لو يتركونها هنا كما يطلب الطبيب.. لقد سمعتهم ينطقون كلمة " تعذيب".. تلك الكلمة البشعة التي تكره سماعها.. ما الذي سيفعلونه بها اكثر من هذا؟..الم يكفيهم بقاءها تصارع الخوف لخمسة ايام في تلك الزنزانة الحقيرة؟.. قلبها يرتجف ذعرا.. وانظارها بدأت تتوتر.. وهي تنتظر بخوف نهاية هذه المناقشة التي تتمنى ان تكون لصالحها.. لكن هل تتحقق الاماني بكل هذه السهولة؟؟...
استجمع الطبيب شجاعته عند تلك اللحظة وقال بجدية: القائد ألكس بنفسه قد طلب ان لا يتم استجواب هذه الفتاة من شخص سواه.. لأنه المسئول عنها..
رمقه القائد بنظرة صارمة وقال : انا القائد الآن..ولا يحق لأحد معارضة اوامري..
ومن ثم ابتعد عن المكان .. فلحق به الجندي وهو يجر عهد خلفه في قسوة.. وذلك الطبيب يتطلع اليها في قلة حيلة .. واخيرا قال بقلق: اعلم اني سألاقي التأنيب على ما حدث من القائد ألكس.. اعلم هذا..
اما عهد.. فقد انقادت الى مصيرها المجهول.. بعينين خائفتين.. وبقلب راجف.. وبشفتين تدعو الله تعالى على ان يفرج كربها هذا.. وان يحميها من هؤلاء الذين خلت قلوبهم من شيء يسمى الرحمة..
واغمضت عينيها للحظة وهي تتخيل ما يمكن ان يواجهها تحت عنوان " التعذيب".. ولم يلبث حلقها ان جف هلعا.. واطرافها قد ارتجفت ذعرا.. وهي تفكر فيما سيحدث لها خلال الدقائق القادمة...
###############
توقفت اقدام سوزي عن متابعة السير عندما لمحت باب المنزل الرئيسي مواجها لها.. وتطلعت له بنظرات متوترة وكأنها تخشى الاقدام على مثل هذه الخطوة..
اما مارك فقد استغرب توقفها هذا .. والتفت لها ليقول متسائلا: لم توقفت يا سوزي؟..
ضمت كفيها معا وقالت بصوت متوتر: اشعر بالقلق والتوتر عند التفكير في دخولي هذا المنزل..
قالت مارك وهو يتطلع لها بحيرة واهتمام: وما الذي يجعلك تتوترين الى هذه الدرجة؟..
ابتسمت سوزي ابتسامة مضطربة وهي تلتفت له وتقول: ابسط امر يشعرني بالتوتر.. هو كيفية استقبالهم لي.. ونظراتهم التي ستظل تتهمني في كل لحظة.. ولا يمكن ان ألوم احدا فأنا في النهاية احد الاعداء..
زفر مارك بحدة ومن ثم اقترب منها ليضع يده على كتفها ويقول مطمئنا: لا تجعلي الاوهام تسيطر على عقلك.. فأنت الى الآن لم تلتقي بأحد لتجزمي بأنه سيعتبرك احد الاعداء وسينظر اليك بالنحو الذي تصفين.. لا تنسي اننا قد وثقنا بك ومنحناك ثقتنا.. ولو كنا سنظل نتهمك طوال الوقت.. لما فكرنا مجرد تفكير ان نثق بك..ونترك لك مهمة اسعاف احدنا..
قالت سوزي وهي تزدرد لعابها وقد شعرت بالشكوك تراودها: هذا كلامك انت يا مارك.. فماذا عن البقية؟..
تنهد ومن ثم قال بابتسامة: ليس كلامي انا فقط.. ثم اخبرتك ان لا تجزمي بالشيءقبل ان تريه بنفسك..
تنهدت باستسلام.. فأسرع هو يتخطاها الى الداخل وهو يقول بصوت مشجع: تقدمي هيا..
دلفت سوزي خلفه بخطوات متوترة.. قلقة مما سيواجهها هنا ..من المستحيل ان يثقوا بها هي تدرك ذلك.. وسترى في نظراتهم الاتهام والشك بها.. وربما يزداد الامر الى اكثر من ذلك.. ويحاولون تجريحها بالكلمات او ربما...
(اين القائد؟)
عبارة القاها مارك انتزعت سوزي من افكارها.. وجعلتها تلتفت الى من يحدثه مارك.. وهنا اتسعت عينيها في دهشة ولم تستطع منع نفسها من ان تشهق قائلة: انت؟!..
تطلع لها ذلك الشاب ومن ثم قال مجيبا على سؤال مارك وهو يشير نحو احدى الغرف: انه ينتظرك هناك..
قالها واسرع يتخاطهما الى الغرفة.. متجاهلا ما قالته سوزي تماما وكأنه لم يستمع اليه منذ البداية..وما ان تأكدت هذه الاخيرة من انه قد دلف الى الغرفة حتى قالت وهي تسير الى جوار مارك متوجهين الى الغرفة ذاتها: انه هو.. هو من قام باختطافي ..
قال مارك بابتسامة خافتة: اعلم هذا.. ولست اعلم ان كان علي ان اشكره.. ام اغضب من ما فعل؟..
رفعت سوزي انظارها اليه ومن ثم قالت متسائلة بغرابة: اعلم انك ستشكره لوجودي معك الآن.. لكن لم الغضب منه؟..
قال مارك وهو يلتفت عنها ويده تمسك بمقبض الباب: لأنه قد جعلك تعيشين الرعب والخوف لثلاثة ايام.. او ربما ما هو اكثر..
ارتفع حاجبا سوزي بحنان وارتسمت على شفتيها ابتسامة عندما شاهدته في تلك اللحظة يفتح الباب بهدوء ويدلف الى الداخل..
اما بالداخل.. فما ان انفتح الباب حتى التفت هشام ورائد الممدد على الفراش بتعب الى القادم.. وهنا وقعت انظارهما على مارك وعلى تلك الفتاة التي دخلت خلفه بخطوات مرتبكة .. وهي تطرق برأسها ببعض القلق..
واخيرا رفعت انظارها لتقع انظارها على شاب تبدوا ملامحه مألوفة لها.. وخصوصا رسم عينيه وانفه.. واكتشفت بعدها سبب شعورها هذا وهي تلتفت الى مارك.. ان هذا الشاب يشبه مارك الى حد ما..ربما يكون احد اقرباءه..
وعلى المقابل كان هشام يتطلع الى سوزي بعينين تفضحان انبهاره بها.. وبملامحها الفاتنة.. حقا كيف لشقيقه الذي لم يتجاوز الثامنة عشرة وقتها ان لا يقع اسيرا لكل هذا الجمال؟ ..
اما عادل الذي دلف للغرفة توا قال بابتسامة باهتة وعيناه معلقتان بسوزي: من اين اتيت بكل هذا الجمال البريطاني ؟..
ابتسم مارك الذي فهم العبارة التي نطقت بالعربية للتو.. وقال بعربية جيدة بعض الشيء: من الغرفة الخارجية للمنزل..
غمز عادل بعينه ومن ثم قال : كل هذا الجمال كان في الغرفة الخارجية؟..
التفت له مارك ورفع احدى حاجبيه ليقول : اظن ان هذا غزل صريح لصديقتي يا سيد..
سوزي الذي لم تفهم حرفا مما دار التفتت نحو مارك وتطلعت اليه بتساؤل.. وعندما انتبه لنظراتها تلك.. التفت لها وابتسم لها مطمئنا..
وحينها فقط قال هشام بالانجليزية ونظراته مثبتة على سوزي وبلهجة جدية: اسمحي لي اولا يا آنسة ان اعتذر عما حدث لك.. لم نرد اختطافك.. لكن حدث ذلك بالرغم منا عندما شاهدت وجه احدنا..المهم الآن اننا بحاجة لمساعدتك في اسعاف من ترينه ممدد على هذا الفراش.. وارجو ان تبذلي قصارى جهدك في اسعافه.. ولا تنسي اننا قد منحناك ثقتنا..
اومأت سوزي برأسها وهي تزدرد لعابها بقلق.. ومن ثم لم تلبث ان تقدمت من الفراش وهي تتطلع الى رائد .. الذي لم يرد ان يكون في وضع كهذا وان يعرض الجميع للخطر بسبب اصابته.. لقد قال لهشام انه مستعد لتحمل آلامه حتى ينفك الحصار عن المنطقة.. لكنه عارض بشدة.. وقال انه ليس مستعدا لفقد أي شخص من المجموعة.. وان كان هناك من هو خائف على نفسه.. فيمكنه الانسحاب من فرقة المقاومة..
اما سوزي فقد اقتربت لتمسك بمعصمه وتقيس نبضات قلبه.. ومن ثم لم تلبث ان استدارت اليهم وقالت بنظرات مبعثرة: انني بحاجة لبعض الادوات لاستخراج الرصاصة من ذراعه..
اسرع هشام يقول: اطلبي ما تريدين وسأحاول احضاره..
قالت وهي تلتفت له: مخدرا موضعيا.. سكينا حادة وتم تسخينها على درجة مناسبة.. وخيطا بلاستيكيا لخياطة جرحه..
اسرع هشام يلتفت لعماد ويقول في سرعة: اظن ان كل هذا موحود هنا .. اليس كذلك؟..
قال عماد وهو يومئ برأسه: بلى..
ومن ثم اسرع هو مع عادل لجلب ما يحتاجونه من الخارج.. اما هشام فقد التفت الى مارك وقال بهدوء: من رأيت عندما قدومك الى هنا؟..
فهم مارك ما يرمي اليه هشام وقال وهو يميل نحوه : ثلاثة فقط.. من بينهم المتواجدون هنا.. وعزام..
ابتسم هشام ابتسامة باهتة ومن ثم قال: اتمنى ان يعذروني على الموقف الذي وضعتهم به.. لكني كنت مضطر كما ترى ..
اومأ مارك برأسه متفهما.. ومن وضع كفه على كتف هشام مبتسما.. وسوزي التي كانت تلمحهما بطرف عينها استطاعت ان تعرف ان ما يربطهما علاقة قوية بكل تأكيد ..
وسرعان ما تم احضار الادوات وبدأت سوزي عملها بارهاق .. نظرا لان المخدر موضعي لا يستمر تأثيره البسيط الا لنصف ساعة او خمس واربعون دقيقة على الاكثر..وايضا ذلك بسبب الادوات التقليدية التي لا تصل الى نصف ما تحتوي عليه المستشفيات..
ومرات عديدة استطاعت ان تلمح الالم على وجه رائد الذي تصبب عرقا.. والى اسنانه التي باتت تصطك وهو يشد عليها محاولا احتمال الالم..
وبكل اختصار كان امرا مرهقا على الجميع.. الذين عانوا الامرين في هذه الساعة .. حتى انتهت سوزي من عملها .. ولتقف بارهاق بينهم وتقول : انه يحتاج لشرب شيء يعوض ما فقده من دماء...
نهض هشام هذه المرة من مكانه وخرج خارج الغرفة ليحضر له ما يحتاجه.. اما مارك فقد ابتسم بفخر وهو يقول: قمت بعمل رائع يا سوزي.. انا فخور بك..
قالت سوزي بابتسامة واهنة: انه واجبي كممرضة على اية حال..
تطلع لها مارك وقال بامتنان: لن انسى ما فعلته معنى ابدا..
ابتسمت سوزي ومن ثم لم تلبث ان تنهدت.. فأسرع مارك يقول: انت متعبة .. ارتاحي يا سوزي..
قالت سوزي وهي تهز رأسها نفيا: لا عليك..
اطال مارك النظر الى سوزي هذه المرة وكأنه يريد ان يحفر ملامحها في ذاكرته..تلك الملامح التي غابت عنه لمدة تشارف العام..
وانتبهت سوزي لنظراته التي تتفحص كل جزء من وجهها.. فقالت بحرج: لم تتطلع الي هكذا يا مارك.. وكأنك لم ترني منذ سنين..
قال مارك بهيام: سنين فقط.. بل قولي قرون من الزمن..
عاد هشام في تلك اللحظة ليسلم رائد محلولا من السكر.. ويترك هذا الاخير ليشربه قائلا وهو يعقد ذراعيه امام صدره بمرح: لقد تواضعت وجلبت لك ما تحتاجه نظرا لوضعك الصحي.. ولكن سأجعلك تعوضها مستقبلا..
ابتسم له رائد بوهن ومن ثم قال وهو يمسح العرق المتصبب على جبينه: شكرا لك على اية حال..
ومن ثم لم يلبث ان التفت الى سوزي المنشغلة بالحديث مع مارك وقال بلهجة انجليزية: يا آنسة..
التفت له سوزي من فورها وقالت متسائلة: اجل..
منحها رائد ابتسامة ممتنة وهو يقول: اشكر لك مساعدتي.. ومجهودك الذي بذلته معي.. لقد اسعفت جراحي على الرغم من اننا المتسببون في اختطافك..

اكتفت سوزي ان قالت باقتضاب بعد ان تذكرت انهم السبب في وجودها هنا: العفو..لقد فعلت ما ينص عليه واجبي كممرضة فحسب..
وكأنها ترسل رسالة لهم بأنها لم تفعل هذا الا لكونها تريد المساعدة ولا تعني بذلك اي تعاون معهم ابدا..
نهض هشام من مكانه في تلك اللحظة واقترب منهما.. فقال مارك وهو يتطلع الى هشام بنظرة تعني (هل اخبرها؟): صحيح نسيت ان اعرّفك يا سوزي..
اكتفى هشام بهز كتفيه وكأنه يخبره بأن هذا لن يغير في الامر شيئا .. فقال مارك وهو يوجه انظاره نحو سوزي: بشقيقي هشام.. قائد فرقة المقاومة..
تطلعت سوزي بدهشة الى مارك ومن ثم لم تلبث ان نقلت بصرها بينهما وهي تحاول استيعاب الامر قائلة: شقيقك؟.. لكن كيف؟.. انت بريطاني وهو قائد فرقة المقاومة وهذا...
قال مارك مقاطعا: انه شقيقي من والدتي فقط..
فهمت سوزي الآن سر الشبه بين ملامحهما.. انهما شقيقان اذا .. امر لم يخطر ببالها ابدا..
اما هشام فلم يهتم كثيرا بما دار بينهما من حوار وهو يقول: نحن ممتنون لانقاذك حياة احدنا يا آنسة .. وتعبيرا لك عن امتناننا قررت ان...
ودار بصره بينهما وهو يقول: ان ابقيك في غرفة بداخل المنزل بناءا على طلب مارك..
نطقت عيون مارك بالسعادة قبل شفتيه ..وهو يتطلع الى شقيقه بسرور لموافقته على مطلبه سريعا هكذا ..
لكن هشام قال سريعا لتختفي البسمة من على شفتي مارك: لكن بشرط واحد...
التفت مارك وسوزي الى هشام بلهفة وقد اسعد الثانية ان تغادر تلك الغرفة الخارجية الكئيبة.. لتسمعه يقول في تلك اللحظة مردفا: ان تستطيع اقناع افراد المجموعة بطلبك هذا..
اتسعت عينا مارك لطلب هشام الاشبه بالمستحيل وكاد ان يهم بقول شيء ما..لكن اسرع هشام يقول مقاطعا: عليك ان تسعى لما تريد.. وتذكر جيدا.. انك لن تحصل على ما تريد بسهولة هكذا.. عليك ان تتخطى بعض الصعوبات قبلا.. واظن اذا كانت سوزي مهمة لديك كما تقول.. ستسعى لذلك بكل طاقتك.. أليس كذلك؟..
اومأ مارك برأسه بشحوب.. وخصوصا بعد ان تفاجأ بشرط هشام الغريب.. واكمل هشام وهو يتنهد: اعلم ان الامر صعب عليك وحدك.. لهذا سأقف بجوارك لأني لا امانع ان تبقى ممرضة قد انقذت حياة احدنا بيننا..
قالها ومن ثم ابتعد عن المكان.. في حين توتر مارك وهو يلتفت الى سوزي ويتطلع اليها بنظرة صامتة طويلة.. لقد وضعه هشام في موقف صعب.. موقف اكبر من ان يتحمله .. كيف له ان يقنع افراد المجموعة المعارضين لفكرة مساعدة سوزي لرائد فقط.. انه امر اشبه بالمستحيل.. يمكنه القول.. ان هذه اشبه بمعركة لاثبات مدى صدق وعمق مشاعره لسوزي...
:
:
يتبع..
 
بـــ الحب (8) والواقع ــــين
:: تعذيب::


صفعة قاسية وقوية تلك التي هوت على وجنة عهد.. واجبرتها على ان تلتفت بالرغم منها وبكل قسوة .. وهي تشعر بألم فضيع ينتشر في كل ركن من وجهها.. هذا غير ذلك السائل اللزج الذي شعرت به يسيل من شفتيها..
كل هذا وهي جالسة على ذلك المقعد المعدني ويداها وقدماها مقيدان اليه دون ان تقوى على التحرك او الدفاع عن نفسها.. وسمعت ذلك الصوت الغليظ التي باتت تبغضه وهو يقول بغضب: كفى كذبا ايتها الوغدة.. واخبريني اين هو المقر؟..
طفرت دموع القهر من عينيها وهي تصرخ قائلة محاولة ان تبعد عن نفسها شعور الذل والهوان: اخبرتك بأني لا اعرف.. لم لا تفهم؟ ..
انهالت صفعة اخرى على وجهها وذلك القائد يقول بخشونة: اظن ان كلامي كان مفهوما عندما قلت انه يكفي كذبا يا فتاة ..
التفتت له وفي عينيها نظرة حقد وغضب .. وهي تحاول مقاومة ذلك الالم الذي تشعر به لشدة ضربات ذلك الوغد الذي يقف امامها..واستجمعت شجاعتها لتقول بقوة: لقد قلت اني لا اعلم .. لا اعلم..
مال نحوها في شدة ليقول وهو يصر على اسنانه بعصبية: لا اريد ان الجأ الى الاساليب الاكثر قسوة يا فتاة.. لهذا اشتري سلامة نفسك وتحدثي..
رفعت انظارها اليه وقالت وهي تلهث: ليس لدي ما اقوله ..
جذبها من قميصها بغتة نحوه بانفعال وقال : لآخر مرة اسألك يا فتاة ..اين هو المقر؟..
شعرت بالاشمئزاز لقربها منه على ذلك النحو.. وفي الوقت ذاته على الخوف لما يمكن ان يفعله بها وقالت بصوت مختنق: ايجب ان اكذب حتى تصدقوني؟..
تطلع لها وهو يضيق عينيه وقال ببرود مصطنع: بل قول الحقيقة هي ما ستجعلنا نصدقك..
هتفت عهد قائلة : لكنها الحقيقة..
ابعدها عنه في خشونة وقوة حتى ان ظهرها قد ارتطم بالمقعد المعدني ومن ثم قال بغضب: انت حمقاء.. لا تدركين ان الموت سيكون مصيرك ان لم تتعاوني معنا..
تطلعت له عهد ببرود ومن ثم قالت بالعربية عمدا: وكأنه لن يكون مصيري اذا تعاونت معكم..
هتف فيها قائلا عندما لم يفهم ما قالته: ما الذي تفوهت به توا؟..
ظلت صامتة وهي تتطلع له بنظرات لو كانت تقتل لكان قد تحول الى جثة هامدة في تلك اللحظة.. في حين قال وهو يعقد حاجبيه بغضب:سأريك يافتاة .. وسأجعلك تندمين على اليوم الذي ولدت فيه..و تنطقين بكل ما تعرفينه ..
قالها ومن ثم اشار اشارة الى الجندي الذي يقف مقابلا لجهاز ما وقال مردفا بنظرة وحشية: قم بتوليد الكهرباء في مقعدها ..
ومن ثم لم يلبث ان تطلع اليها بتشفي وهو يرى نظرات الخوف تطفو على سطح عينيها وبالذعر قد جمد اطرافها واسرع يوقف الجندي قبل ان يولد الكهرباء وهو يقول بمكر: هه .. هل ستتحدثين؟.. ام الجأ الى الحل الآخر؟..
ارتسم الذعر على وجهها وجعلها تقول بصوت مرتجف: سأتــ..سأتحدث..
ابتسم القائد بانتصار وقال وهو يميل نحوها بعض الشيء: هيا.. انا اسمعك..
تطلعت له للحظة .. ومن ثم همت بقول شيء ما.. لولا ان استوقفها عقلها.. ما هذا الذي تفكر فيه؟.. اتريد ان تتحدث حقا؟.. ان تقول ما يمكن ان يسبب الاذى لغيرها.. ايمكن ان تنطق بما قد يقتل افراد فرقة المقاومة؟.. ألكس بنفسه قال ان مصيرهم هو الاعدام.. ثم انها منهم.. وفي الحالتين سيكون مصيرها هو الموت والتعذيب.. لقد فقدت كل شيء.. قعلى الاقل لتحمي غيرها من هم يحاولون حماية الوطن.. وهم امل هذا الشعب..
وبكل حقد الدنيا.. وبكل ذرة كره سكنت قلبها .. انقلبت ملامحها الى السخرية لتقول بكره: ابحث عنه على الخارطة ..
التمعت عينا القائد بغضب ثائر.. ورمقها شزرا ليقول وهو يلتفت الى الجندي : ولّد الكهرباء في مقعدها.. الآن..
واغمضت عهد عيناها بذعر وقد باتت هذه المرة مستسلمة لما قد يصيبها تماما...
#############
لم يعلم مارك بما عليه فعله في تلك اللحظة كان بين خيارين احلاهما مر.. اما ان يحارب بكل قوة لتبقى سوزي معهم بداخل المنزل في غرفة مستقلة.. محاولا اقناع الجميع بهذا الامر.. وهو يدرك جيدا ان الرفض سيكون جوابه بحجة انه معرضون للخطر لانها احد الاعداء.. ومن يدري ربما يكون تفكيرهم هذا صحيحا.. وتضطر سوزي لأن تفصح عن كل شيء تحت ضغوط من المسئولين البريطانيين..
او ان يترك من سكنت قلبه وعقله وروحه مرمية في غرفة خارجة كئيبة بلا ضوء .. وحيدة تصارع الخوف والالم والجوع..
والتقط نفسا عميقا وقد ادرك ان ليس امامه سوى خيار واحد.. سيحاول اقناع سوزي به اولا.. ومن ثم سيحاول اقناع البقية.. فربما حينها .. ربما يقتنعون بوجودها بينهم..
والتفت الى سوزي الحائرة وهي تتمنى ان يقاوم ويحارب من اجلها.. وقال بهدوء مشوب بالقلق: سوزي انا مستعد لفعل أي شيء من اجلك.. أي شيء.. لكن ادرك ان محاولتي في اقناعهم ستبوء بالفشل ما دام ولاءك لبريطانيا.. لهذا.. لن اطالبك بالكثير سوى.. سوى ان...
ازدردت سوزي لعابها بارتباك وقالت وهي تشعر بالقلق مما سيقوله: سوى ماذا؟..
قال مارك بنظرة حازمة: سوى ان تنسي ولاءك للمبنى البريطاني ما دمت موجودة بيننا.. ولو حدث وعدت يوم للمبنى البريطاني ستنسين انك قد رأيت أي منا.. وستنسين هذا المقر تماما..
زفرت سوزي قائلة وهي تومئ براسها: كل هذا كنت اتوقعه .. ومستعدة له.. فشيء اكيد اني ما دمت بينكم فلن اخون ثقتكم بي.. وان عدت الى هناك.. سأظل محافظة على هذا السر..
قال مارك بنظرة متسائلة وبشك: حتى وان تعرضتي للمساءلة من قبل القادة هناك؟؟..
اومأت سوزي رأسها باصرار وقالت: اجل واقسم على هذا..
تنهد مارك بارتياح وقال بابتسامة شاحبة: بقي علي الآن المهمة الاصعب.. انتظريني هنا..
منحته ابتسامة وفي عينيها نظرة متوترة وقالت: حسنا..
ورأته في تلك اللحظة يغادر الغرفة.. واخذ يبحث عن شقيقه الذي غادرها هو الآخر قبل دقائق وما ان وجده مجتمع مع افراد الفرقة في غرفة المعيشة .. حتى قال بهدوء وهو يدلف الى الغرفة بدوره: عذرا على المقاطعة..
رفع هشام رأسه له وقال وهو يشير له على مكان مجاور له: تعال واجلس.. اظن ما نتحدث فيه سيهمك..
نقدم مارك بخطوات هادئة وعيناه تحملان فضولا وتساؤلا عن هذا الحديث الذي سيهمه.. وما ان احتل مقعده حتى سمع هشام وهو يردف: كما اخبرتكم.. لقد انقذت هذه الممرضة حياة احدنا.. مع اننا المتسببون في خطفها.. لهذا قررت ان ابقيها هنا بدلا من ان تبقى وحيدة في الغرفة الخارجية وانتم تعلمون انها فتاة وصغيرة السن.. لن تختمل الوحدة والخوف في الغرفة الخارجية.. لهذا اشفقت عليها بابقاءها هنا.. في غرفة التخزين التي ستتحول الى غرفة مناسبة مع بعض التعديلات .. لكن هذا كله لن يحدث الا بعد موافقة اكبر عدد من الاعضاء .. والى الآن قد حصلت على موافقة اربعة منا.. ولا زال هناك عشرة آخرون احتاج لموافقتهم..
قال (جلال) عضو آخر من اعضاء الفرقة: في الحقيقة يا هشام .. ان كلامك منطقي بعض الشيء في عدم تركها خارجا وحيدة وهي كما تقول صغيرة السن.. لكن ماذا عن وجودها هنا ورؤيتها لجميع افراد الفرقة.. هذا غير معرفتها لموقع المنزل .. ومن يدري ربما تصل اخبارنا كلها الى المبنى البريطاني بوسيلة ما..
اسرع مارك يقول: هل تسمحون لي بالحديث؟..
التفت له البعض وهم يرغبون في سماع ما سيقوله.. في حين اكمل هو وهويشبك اصابع كفيه: في الحقيقة.. لقد تحدثت اليها.. وطلبت منها ان تنسى المبنى البريطاني ما دامت موجودة هنا.. وان مادمنا قد منحناها ثقتنا فعليها ان لا تخون هذه الثقة.. كما وانها قد اقسمت على عدم التفوه بحرف للبريطانيون حتى لو تعرضت للضغط..
قال احدهم وهو يلوح بكفه بحنق: مجرد حديث..
قال هشام هذه المرة: لم اذا ساعدت احدنا في رأيك؟.. الم كان من الاجدر بها ان تتركه يصارع الالم او نضطر لنقله لاحد المستشفيات ليتم القبض عليه في النهاية.. انها لم تفعل هذا الا لأنها ارادت المساعدة.. ولا اظن ان من ينقذ حياة احد اعداءه.. سيفكر في الخيانة.. وخصوصا وان بيننا من يهمها امره..
قالها والتفت لمارك وهو يبتسم بهدوء.. في حين تطلع مارك لهم بحرج ومن ثم قال وهو يزدرد لعابه: انها صديقة لي منذ ايام الثانوية.. وقد توطدت علاقتي بها لدرجة قوية.. لدرجة تجعلني اصدق كلماتها.. ووعدها..
تنهد جلال وقال وهو يلتفت الى هشام: لا بأس يا هشام.. انا موافق على هذا الامر.. ليس لشيء سوى اني اشفق على حالها وممتن لما فعلته مع رائد..
قال آخر: انا ايضا اوافق على قرارك هذا يا ايها القائد..
ابتسم هشام وقال وهو يدير انظاره بينهم: لازلت بحاجة لموافقة البقية ايضا.. الاغلبية هكذا هي الرافضة للقرار الذي اتخذته..
ومن ثم التفت الى مارك وكأنه يأمره بالحديث وفي الدفاع عن ما يريد.. ولم يكذب مارك خبرا.. بل قال وهو يلتقط نفسا عميقا: حسنا.. ربما لاتثقون بها هي.. لكن ثقوا بي او بهشام.. فهو في النهاية قائدكم ومن المستحيل ان يتخذ قرارا وهو يشعر انه سيعرضكم للخطر.. انا معكم في ان وجود فتاة من المبنى البريطاني فيه خطر علينا جميعا.. لكن وجودها ايضا سيفيدنا نظرا لكونها ممرضة ستعالج جرحانا..انا لن اصر اكثر على مطلبي لكن تذكروا ان ليس لديها مكان آخر تذهب اليه.. فلا يمكننا طردها فتعود الى المبنى البريطاني.. الذين سيتساءلون وبكل تأكيد عن مكان وجودها كل تلك الفترة..اما فيما بعد فيمكننا تدبير خطة ما..وامر آخر وهو انه لا يمكن لنا ترك فتاة لم تتجاوز الثامنة عشرة وحيدة في غرفة مغلقة بالخارج .. وفي مكان مظلم وكئيب.. لقد دخلته مرة واحدة ولم احتمل وجودي فيه.. فكيف هي؟..
تلتفت البعض لزميله وكأنه يتساءل عن قراره.. وارتفعت بعض همهمات الاستنكار.. وظهر التردد في عيون آخرون .. الى ان تساءل احدهم بهدوء: الا يمكننا اعادتها في الوقت الحالي الى المبنى بخطة ما؟..
هز هشام كتفيه بقلة حيلة ومن ثم قال: للاسف كلا.. فالاوضاع الآن متردية .. البحث عن سوزي لا زال مستمرا .. والجيش البريطاني يحاول الحصول على أي اثر يرشده لنا..
واردف وهو يحاول ان يقنعهم بالتراجع عن رأيهم: لكن فيما لو انتظرنا لشهر قادم.. ستتحسن الاوضاع.. ومن يدري ربما يكون وجود سوزي بيننا اكثر نفعا.. بخبرتها الطبية.. وايضا ربما نتمكن من خلالها ان نسترشد الى المبنى البريطاني..
قال احدهم بسخرية: اتظن انها سترشدنا اليه بهذه السهولة؟؟ ..
قال هشام وابتسامة غامضة تتراقص على شفتيه: لم اقل ان هي من سترشدنا.. بل نحن من سنسترشد له عن طريقها..
افكار كثيرة تصارعت في عقولهم وهم يحاولون فهم ما تعنيه عبارة هشام.. ولا زال الجدل مستمرا في محاولة الوصول الى حل ما.. واخيرا كان الموافقون على قرار هشام اقل من المعارضون له.. وكان جواب البقية هو الرفض لوجود سوزي بينهم.. الرفض القاطع!..
############
تطلع جون بقلق الى جسد ألكس الممد امامه دون حراك.. اللهم الا من صوت تنفسه وصدره الذي يعلوا ويهبط ويدل على بقاءه على قيد الحياة.. والتفت الى ذلك الجهاز المزعج الصوت .. وتنهد وهو يرى ان ضربات القلب لا تزال مستقرة..
وما ان احس بدخول احدهم للغرفة حتى استدار اليه في سرعة.. واسرع يقول وهو يرى انها ممرضة جاءت لترى حالة القائد: كيف حاله الآن يا آنسة؟.. ولم لم يستيقظ حتى الآن؟.. لقد قال الطبيب ان هناك احتمال بأن يصحو اليوم..
قالت الممرضة بهدوء وهي تتفحص الاجهزة الموصلة اليه.. وتلك الاسلاك والانابيب الموصلة بجسده : انني افحص حالته للتو كما ترى يا سيدي.. اما عن نهوضه اليوم .. فكما قال لك الطبيب.. انه احتمال.. مجرد احتمال ولا يستطيع ان يؤكده لك..
تطلع لها جون بحدة.. من هذه التي تتحدث اليه بهذه الطريقة؟.. وخصوصا في امر يعني القائد الاعلى للجيش البريطاني.. انها غير آبهة بشيء وكأنها تعالج احد من عامة الشعب..
ولم يلبث ان قال بسخرية: شكرا على المعلومات القيمة..
تطلعت له الممرضة بنظرة باردة.. وادركت انه يعني السخرية بعبارته تلك لكنها لم تأبه به واكتفت بأن قالت: من فضلك.. المريض بحاجة للراحة.. لو سمحت بالخروج الآن..
تطلع لها بحنق ورفع احدى حاجبيه مستنكرا.. ومن ثم لم يلبث ان جذب مقعدا ليجلس عليه ويقول ببرود متعمد: لن يمكنني الخروج في الوقت الحالي.. فحالة القائد تهمني اكثر من أي شخص آخر..
رمقته الممرضة بنظرة متضايقة ومن ثم لم تلبث ان غادرت المكان بخطوات غاضبة.. اما جون فقد تطلع الى ألكس بعينين تحملان اهتماما حقيقيا وهو يقول بصوت دافئ: انهض يا ألكس.. الجيش البريطاني يحتاجك.. بل الجميع هنا في حاجة اليك.. هيا انهض..
لم يبد على ألكس انه قد سمعه وجسده ساكن كما هو.. واكتفى جون بقوله هذا.. ليعقد ساعديه امام صدره.. ويتطلع الى نقطة وهمية قبل ان يرحل بعقله بعيدا...
:
:
ابتسامة وحشية تحمل معاني الخبث والتشف والسخرية تلك التي تراقصت على شفتي ذلك القائد البريطاني وهو يلمح معالم الألم والمعاناة والعذاب على وجه تلك الفتاة التي ارتجف جسدها كله من شدة الالم.. وبات الشحوب هو اساس معالمه.. ولم تخف عن عينيه نظرة الخوف التي ارتسمت جلية في عينيها من معاودة تعذيبها بتلك الطريقة البشعة..
وعاود سؤال البغيض وهو يقول بسخرية: والآن هل ستجيبين عن سؤالي يا فتاة؟..
اكتفت عهد بالصمت وهي تتطلع اليه بنظرة تائهة .. خاوية.. لا تعني أي جواب.. تخشى لو فتحت شفتيها بكلمة ان تتحدث وتخبره بكل ما يريد..هي لم تعد تحتمل كل هذا الالم والعذاب .. جسدها بات يرتجف والدموع قد جفت في عينيها .. تريد ان تصرخ بكل قوة لتعبر عن معاناتها والمها قائلة... كفى.. كفى تعذيبا وذل واهانة.. انها ديارنا.. بلدنا نحن.. اخرجوا منها.. ما الذي تريدونه منا؟.. غادرونا.. كفى ظلما.. كفى قتلا.. كفى دماءا.. نريد ان نحيا حياة هادئة نظيفة.. بعيدا عن القتل والسفك للدماء.. نريد ان نستعيد ولو لحظة مما كنا نعيش به في الماضي .. لحظة واحدة فقط تعبر عن السلام والحياة الهادئة.. يكفي يا ايها المتوحشون .. يكفي ذل واهانة.. انها بلادنا وسندافع عنها بكل قطرة دم في جسدنا.. اتسمعون؟.. انه وطننا.. وطننا نحن فقط ...
وتحت وطأة تلك الكلمات التي بثت في عهد شعورا بالقوة والشجاعة والاصرار.. اختفت النظرة الخاوية من عينيها وحلت محلها نظرة تختلف تماما.. لم تكن نظرة توحي بالضياع كما كانت سابقتها.. بل كانت نظرة توحي بالقوة.. بالتحدي والاصرار.. نظرة جعلتها تنطق– وان كان صوتها ضعيفا في ذلك الحين- قائلة: كلا..
انعقد حاجبا القائد في شدة وهو الذي كان يتوقع رضوخا تاما منها بعد ان عرضها لكل هذا التعذيب.. وثارت اعصابه لتجعله ينقض نحوها ويمسك خصلات شعرها القصير بكل قسوة ليقول واسنانه تصطك غيضا: تبا لك من فتاة.. سأحطم رأسك هذا مع العناد الذي يسكنه..
تأوهت عهد بألم وهي تشعر باصابعه تكاد تنتزع خصلات شعرها.. في حين كان يتعمد هو ان يزيد في قوته.. لعلها تستسلم تحت وطأة كل هذه الضغوط والالم وتجيبه عما يريد .. وعندما ظل الصمت هو جوابها الوحيد.. ترك خصلات شعرها في خشونة.. وقال ببرود متعمد: يبدوا وان الحلول الاخرى باتت تعجبك..
واشار اشارة الى الجندي الذي لم يكن في يده شيء سوى الطاعة العمياء.. وولد الكهرباء مرة اخرى في ذلك المقعد المعدني...
وعهد تلك الفتاة التي اقل ما يمكننا وصفها به هي الشجاعة.. صمدت امام كل تلك المعاناة التي تحياها و فضلت الاستسلام لهذا المصير على تعريض غيرها للمصير ذاته.. وهي تغمض عينيها بكل قوة محاولة ان تمنع صرخات الالم التي تنبعث من روحها من دون جدوى.. ربما كانت تشعر ان الموت قد اقترب.. وان امنيتها باتت قريبة بالرحيل عن هذا الواقع المرّ..وفي غمرة المها وصراعها مع عذابها.. تذكرت شخصا استغربت ان يخطر على ذهنها في هذه اللحظة.. ربما لانه لم يؤذيها ويعرضها لكل هذا العذاب كما يفعل غيرها.. أو ربما لأنه لم يحاول قتلها على الرغم من انه الد اعدائها ..
وانتقلت افكارها الى لسانها لتتوقف عن التعبير عن الألم بالصرخات.. وتهمس باسمه بصوت لم يسمعه سواها قائلة: ألكس..
ولم تعد ترى أي شيء مما حولها بعدها.. فقد سقطت فاقدة الوعي تماما...
:
:
تطلع جون الى ساعة الحائط التي اعلنت مرور ساعتين دون ان تبدوا أي بادرة على نهوض ألكس.. وتنهد بملل وهي يتطلع الى هذا الاخير بكل حنان وعطف.. واخيرا قال بصوت تصنع فيه المرح: لا تحاول لن اؤدي أي من اعمالك.. ستنهض وحدك وتقوم بها.. افهمت؟.. ستنهض وحدك والآن..
وبات الامر اشبه بالحديث الى تمثال.. لم يجد منه ردا او حركة ما عدا صوت انفاسه المنتظمة.. وابتسم رغم أي شيء فهذا يعني انه على خير ما يرام وسينهض قريبا.. ربما لم يدرك بمعزة ألكس الحقيقية عنده الى الآن.. رغم انهما كانا زميلان منذ انضمامه هو للجيش.. ومع هذا فلم يشعر يوم بكل هذا الخوف عليه الا اليوم.. ربما لأنه خشى ان يفقده .. ربما...
( سيد جون..)
التفت جون الى مصدر الصوت ورأى جندي يقول بجدية: المدير يطلبك..
اومأ جون برأسه.. ومن ثم نهض من مقعده.. قبل ان يلقي نظرة اخيرة على ألكس وهو يقول بابتسامة: سأعود...
وانطلق مغادرا الغرفة.. وفي قلبه امل بأن يرى ألكس سليما معافى اليوم...
############
(لا...)
كلمة قالها مارك بكل استنكار وغضب الدنيا ورددها قائلا بكل اصرار: لا .. لا .. مستحيل ان اترك سوزي تعود الى تلك الغرفة.. انت لم ترى ما رأيته.. لم ترى الخوف في عينيها.. لم تسمع صوتها وهي تترجاني بالبقاء معها لانها خائفة من بقاءها وحيدة.. من المستحيل ان اتركهم يختارون مصير سوزي..لن اتركهم يعيدونها الى الظلمة والخوف مرة اخرى.. سوزي ستبقى.. اتسمعني يا هشام؟.. ستبقى..
هتف به هشام بتأنيب: وهل تراني موافقا على قرارهم هذا يا مارك؟.. لقد وقفت الى جانبك.. وحاولت اقناعهم.. لكن هم من رفضوا.. فماذا عساي ان افعل؟..
قال مارك وهو يعقد حاجبيه بتحدي: في هذه الحالة.. سأترك هذا المكان بأكمله وسآخذ معي سوزي الى أي مكان آخر..
قال هشام وهو يتطلع له وفي عينيه نظرة محذرة: انتبه اننا في حرب الآن.. وان سوزي تعد مختطفة من الجيش البريطاني .. ولو شاهدك احد معها.. فستتهم انت بهذه التهمة..
قال مارك وهو يهز رأسه: يمكن لسوزي ان تخبرهم بالحقيقة..
التفت له هشام بحدة وقال متسائلا: أي حقيقة تعني؟..
ارتبك مارك للحظة ومن ثم قال: ان لا دخل لي بالموضوع .. وانها لم ترى وجه من اختطفوها..
قال هشام ببرود: كفاك تخيلا.. اتتوقع انهم سيتركونك بكل هذه البساطة.. سيسألونك اين رأيتها وكيف ومتى .. وعندها ستكون انت المتهم الاول.. وربما تتهم سوزي الاخرى بتسترها على من اختطفوها..
- لا يمكن ان يكون الموضوع بهذه الصعوبة التي تصف..
- بل قل انه ليس بالسهولة التي تظنها..
قال مارك وفي عينيها نظرة رجاء: اذا دعها تبقى هنا.. اتوسل اليك.. انها لن تحتمل بقاءها وحيدة في تلك الغرفة..
تنهد هشام ولم يستطع ان يخب تلك النظرة المتوسلة في عيني مارك وقال بابتسامة باهتة: سأحاول معهم مرة اخرى.. لكنها ستكون المرة الاخيرة..
ارتسمت ابتسامة امل على شفتي مارك وقال في سرعة: لا بأس..
اسرع هشام بخطواته متجه الى الردهة التي اجتمع فيها عدد من افراد المجموعة.. اما مارك عندما لم يرى امامه ما يقوم به.. انطلق الى الغرفة التي طلب من سوزي انتظاره بها..
وما ان فتح الباب ببطء حتى التفتت له سوزي في لهفة وكأنها تنتظر جوابا يريحها من كل ما عانته في الايام الماضية.. لكن ملامح مارك الجامدة لم تمنحها الجواب الذي يشفى غليلها .. وتطلعت اليه بتساؤل ولهفة وهي تقول بصوت سمع فيه نبرة القلق: ما الذي حصل يا مارك؟.. الى ماذا انتهى الامر؟.. وهل وافقوا على بقائي هنا؟..
اسئلة لم يستطع مارك ان يجيب عنها.. ما الذي تريده ان يقوله لها؟ .. لقد رفضوا وستعودين الى تلك الغرفة الكئيبة.. يقول هذه الكلمات ليقتل الامل الذي قد زرعه هشام في قلبه وقلبها.. ام يقولها ليمحو معالم السعادة التي بدت على وجهها عند سماعها لقرار هشام..
وارتفعت يد مارك لتربت على كتفها بهدوء وهو يقول: لا تقلقي.. كل شيء سيكون على ما يرام..
اسرعت تسأل وابتسامة تعلو شفتيها: ما الذي تعنيه؟؟.. هل وافقوا؟..
كيف له ان يحطم هذه السعادة التي يراها على وجهها؟.. كيف له ان يكون مصدر في حزنها؟.. ليس امامه سوى ان يقول الحقيقة لها.. حتى لا تحيا في وهم اكثر من ذلك..
وقال بصوت حاول ان يجعله طبيعيا: شقيقي يحاول اقناعهم.. وسيكون كل شيء على ما يرام كما اتمنى..
اختفت الابتسامة من على شفتي سوزي.. ونظرة اللهفة التي رآها في عيني سوزي منذ ثواني حلت محلها نظرة ألم.. وقالت وهي تطرق براسها : كنت اعلم..
عقد مارك حاجبيه ولم يعجبه ان يرى سوزي على هذا النحو من الانكسار.. ورفع وجهها باصابعه وهو يقول بتساؤل: بم كنت تعلمين؟..
واتسعت عيناه بغتة وهو يرى عيناها وقد ملأتها الدموع وقالت من بين شهقاتها: كنت اعلم انهم لن يقبلوا بوجودي بينهم.. كنت اعلم انهم سيرفضونني..
(هذا غير صحيح..)
التفت كلاهما الى صاحب العبارة السابقة والذي كان جالسا على فراشه وقد نسيا وجوده تماما في غمرة ما جرى.. وتطلعا له بتساؤل لكي يكمل عبارته.. فابتسم لهم هو وقال بمرح: لا يمكن لأحد ان يرفض وجود من اسعفت ذراعي ..
ونهض من مكانه ببطء قائلا: سأذهب لأتحدث معهم.. لأجلكما..
قالت سوزي في سرعة وصوتها لا تزال تخنقه الدموع: انت بحاجة للراحة..
قال رائد مبتسما: لا عليك ..سأتحدث اليهم فحسب..فعلى الاقل عندها سأشعر انني رددت جميلك..
وبخطوات بطيئة غادر الغرفة.. واسرع مارك يتبعه ليعاونه في سيره وهو يلقي نظرة اخيرة على سوزي.. التي لم يعد يشغل بالها سوى حياتها القادمة بين اعدائها.. وبعدها عن المبنى البريطاني الذي تنتمي اليه..
############
تأوهات خافتة تلك التي خرجت من بين شفتي ذلك الشاب وهو يشعر بصداع حاد .. وبألم شديد يكاد يمزق صدره.. وكأن ثقلا من الحديد قد وضع عليه ليسبب له كل هذا الألم.. وحرك رأسه بحركات بسيطة نحو اليمين واليسار.. قبل ان يفتح عينيه ببطء ويتطلع الى كل ما حوله بحيرة..
اول سؤال خطر بذهنه هو.. اين هو؟..ولكن سرعان ما عرف اجابة هذا السؤال وهو يلمح الاجهزة الطبية المنتشرة بالغرفة .. وانعقد حاجباه وهو يحاول ان يتذكر سبب وجوده في هذا المكان.. وما حصل له.. لكن ذاكرته لم تسعفه .. فاسبل جفنيه بهدوء وهو يحاول الحصول على اكبر قدر من الراحة..
وبدد دخول الطبيب الى الغرفة رغبته في الراحة.. والتفت اليه ليقول السؤال الذي يلح على رأسه بقوة قائلا: ما الذي جاء بي الى هنا؟..
اندهش الطبيب من افاقة ألكس المفاجأة.. لكنه ما لبث ان ازاح كل هذه الافكار جانبا وهو يقول بابتسامة: افقت اخيرا.. اخبرني كيف تشعر الآن؟..
قال ألكس وهو يفتح عينيه وبوهن: ان اردت الصدق.. فأشعر بألم شديد في صدري..
قال الطبيب بهدوء: هذا امر طبيعي بعد الجراحة التي اجريت لك..
عقد ألكس حاجبيه وبدا غير متذكرا لهذا الحدث ..فقال متسائلا بحيرة: جراحة؟.. ولم اجريت لي هذه الجراحة؟..
قال الطبيب بهدوء وهو يتقدم منه: لقد اصبت برصاصة واستخرجناها من جسدك..وانت الآن في خير حال..
استرجع ألكس في هذه اللحظة ما جرى له.. لحظة التفاته ليعطي الاوامر لأحد الجنود.. ولحظة ان شعر بخيط من النار يخترق جسده.. وبعدها لم يعد يشعر بأي شيء.. لقد اصيب من قبل اولئك المتمردون.. اولئك الذين حاول ان يصل اليهم بأية وسيلة كانت و...
(سيدي القائد)..
التفت له ألكس وهو يعقد حاجبيه متسائلا.. وتردد الطبيب من اخباره او عدمه.. لكنه في النهاية حسم امره.. فقد كانت اوامره واضحة وحازمة بهذا الشأن.. وقال بهدوء: هناك ما اود اخبارك به..
قال ألكس بحزم وهو يضع يده على صدره لعله يخفف آلامه: تحدث..
جلس الطبيب على المقعد المجاور لفراش ألكس وقال: انه يتعلق بتلك الاسيرة التي فرضت اوامرك على ان لا يتم استجوابها من سواك..
شعر ألكس بقلق خفي بدا يتسلل اليه.. ربما لان الامر يتعلق بتلك الغريبة التي تحرك في داخله مشاعر يحاول تناسيها.. او ربما لأن لهجة الطبيب اشعرته بأن امر ما قد حدث لها.. لهذا طغى الاهتمام على رنة صوته وهو يلتفت للطبيب و يقول: ما بها؟..
لم يعرف الطبيب بم يبدأ حديثه.. وظل صامتا لبرهة.. فقال ألكس الذي انشدت حواسه مع ما سيقوله الطبيب عن عهد: تحدث يا ايها الطبيب..انا اسمعك..
زفر الطبيب بحدة ومن ثم قال فجأة: لقد اخذوها ليتم استجوابها..
لحظات مرت على ألكس وهو يحاول استيعاب ما نطقه الطبيب منذ ثوان.. ومن ثم لم يلبث ان قال بعدم فهم: ماذا تعني بأخذوها؟ .. من اخذها؟.. انا القائد هنا..ولا اظن اني قد قضيت وقتا طويلا يسمح لهم بالتصرف في عدم وجودي..
تطلع له الطبيب وفي عينيه نظرة اسف وهو يقول: انه القائد النائب لك في حالة غيابك.. لقد اصر على استجوابها هو.. مع اني حاولت منعهم من ذلك.. واخبرتهم انها الاوامر.. لكنه رفض بشدة.. وقال انك لا تزال على فراش المرض.. ومن يدري متى ستنهض منه..المعذرة..
تغضن جبين ألكس بغضب.. وكور قبضتيه بقوة لعله يحاول منع نفسه من أي تصرف متهور يقوده اليه البركان الثائر في اعماقه.. منذ متى من حق أي انسان مخالفة اوامره وهو القائد الاعلى للجيش البريطاني؟.. وعهد هو المسئول عن استجوابها وقد قالها مئة مرة.. ومادام ذلك القائد لم يفهمه.. فسيفهمه على طريقته..
وحاول ان يعتدل على فراشه بصعوبة بالغة.. وهو يشعر بآلامه تزداد.. لكنه تجاهلها وهو يقاوم بكل اصرار.. اما الطبيب فقد قال بقلق: سيدي القائد.. ان جرحك لم يلتئم بعد..
قال ألكس بحدة: اين هم الآن؟..
تطلع له الطبيب بتوتر ومن ثم قال: انت بحاجة للراحة يا سيدي.. ارسل أي جندي للقيام بـ...
هتف به ألكس وهو يكرر عبارته بحدة اكبر: قلت اين هم الآن؟..
اخفض الطبيب بصره وقال :في غرفة الاستجواب..
- واي غرفة استجواب هي؟..
هز الطبيب كتفيه وقال : لست اعلم..
اسرع ألكس يقول بصرامة: لا بأس.. سأعرفها بطريقتي..
واسرع ينزع تلك الاسلاك والانابيب المتصلة بجسده.. فشهق الطبيب قائلا بدهشة: انك تؤذي نفسك..
صاح فيه ألكس: لا شأن لك..
واسرع ينهض من مكانه متجاهلا آلام صدره الرهيبة التي بدت اشبه بسكاكين تمزق جسده.. وبذلك الدوار الذي اخذ يعصف برأسه.. وشاهد عند زاوية الغرفة سترته العسكرية المركونة على احد المقاعد.. فاسرع يلتقطها ويضعها على كتفيه باهمال..وهو يسرع بمغادرة الغرفة .. وصوت الطبيب لا يزال يهتف به: توقف يا ايها القائد..
كل هذا قد تجاهله ألكس وخطواته تعبر عن غضبه من تصرف القائد النائب له.. مخالفته لأوامره اولا.. واستجواب سجينة دون الرجوع اليه.. هذا غير انه قد شدد لكل الاطباء بعدم السماح لأحد باستجوابها سواه.. وذلك التوتر الذي بات يسيطر عليه.. لمجرد تخيله بأنها لن تكون على ما يرام.. لم يشعر به الآن؟.. لم هو قلق عليها؟.. يكفي عواطف غبية .. يكفي مشاعر حمقاء.. ان غضبه هو نتيجة لمخالفة ذلك القائد اوامره.. وليس لانه يخشى على تلك السجينة من الاذى .. ليس هذا ابدا...
وخانته قدماه.. ليشعر انهما لم تعدا قادرتين على مواصلة السير مع ذلك الدوار الذي اخذ يشتد عليه.. وشعر بالارض تميد من تحته.. لكن تلك الصرخة اعادته لأرض الواقع وصاحبها يقول وهو يمسك به ويساعده على الوقوف من جديد: رويدك.. انتبه على نفسك..
التفت الى صاحب الصوت وقال بتعب وهو يضع كفه على كتف جون: جون.. ساعدني على الذهاب الى غرف الاستجواب ..
قال جون وهو يعقد حاجبيه: لا.. بل سأعيدك الى المشفى ..صحتك متدهورة جدا..
قال ألكس باصرار شديد استغربه جون: ان كنت ترفض مساعدتي بالذهاب الى هناك.. قسأذهب وحدي.. هل تفهم؟..
ادرك جون ان ليس هناك من حل امامه سوى الانصياع لأوامر ألكس.. وابتسم له ابتسامة شاحبة وهو يقول موافقا: لا بأس.. ليس امامنا سوى اطاعة اوامرك يا ايها القائد..
اكتفى ألكس بشبح ابتسامة لم يلمحها جون حتى على شفتيه .. وهو يعاونه على السير بين الممرات.. والاول كانت خطواته تزداد بطئا بالرغم منه.. سيراها بعد دقائق.. لكن على اية حال ستكون؟؟...
:
:
يتبع..
 
بـــ الحب (9) والواقع ــين
:: فارس::


من هو فارس الذي تركته يحتل عنوان هذا الجزء؟.. من يكون؟.. وما صلته بأحداث وشخصيات الرواية؟.. اهو اسم لشخص ما؟.. ام هي صفة له؟.. ام هما الاثنان معا؟ ..سأترك الاحداث تجيبكم الآن.. وسأنسحب بهدوء ...
بعيدا عن الحدود.. وعن تلك الاوضاع المضطربة.. وفي المنطقة الوسطى وعند تلك المباني والشركات التجارية.. توقفت تلك السيارة بهدوء في احد تلك المواقف الخاصة لشركة الزجاج .. وهبط صاحبها منها بحمود..
وتحركت اقدامه نحو ذلك المبنى وفي عينيه نظرة يمكننا وصفها باليأس..وملامحه الجامدة ليست سوى قناع يخفي به حزنه وألمه.. وصرخة قهر وعذاب تكاد تخرج من اعماق اعماقه ..
وامتدت كفه لتضغط زر المصعد.. وشعر باللحظات التي تفصله عن وصول المصعد اشبه بالدهر.. الى ان وصل اخيرا وانفتح باب المصعد على مصراعيه.. وما ان كاد يخطوا الى داخل المصعد.. حتى سمع صوتا انثويا يقول بابتسامة: سيد فارس.. منذ متى لم نرك؟..
ارتفعت عيناه لتقع على موظفة من موظفات الشركة.. ولم يكلف نفسه عناء الالتفات لها واكتفى بأن ضغط على زر الطابق الاخير.. اما الموظفة فقد استغربت صمته.. وغادرت المصعد بحيرة.. ويبدوا وانها لم تعتد على هذا الاسلوب من هذا الشاب بالذات..
وارتفع المصعد بصاحبه حتى الطابق الاخير.. وعاد الباب لينفتح ويسمح له بالخروج.. وتنهد بصوت مسموع قبل ان يخرج من المصعد ويتوجه الى مكتب بعينه خطّ على اللافتة المجاورة له عبارة (رئيس مجلس الادارة)..
وهناك ما ان رأته السكرتيرة حتى ابتسمت مرحبة كمن اعتادت على وجوده في هذا المكان وقالت : اهلا سيد فارس ..
تجاهل فارس ترحيبها تماما .. وقال بجمود: اريد ان اقابله..
قالت السكرتيرة وقد استغربت ملامح وجهه الجامدة: لحظة واحدة.. تفضل بالجلوس..
لكن ذلك الواقف امامها بدا وكأنه لم يسمع أي حرف مما قالته .. وهو يصر على الوقوف امامها بملامح جامدة وغامضة لا توحي بأي شيء مما يسكن اعماق هذا الشاب.. او بما يشغل تفكيره في هذه اللحظة..
وامتدت كف السكرتيرة لتمسك بسماعة الهاتف وتضغط رقما داخليا يصلها بمكتب رئيس مجلس الادارة.. وما ان سمعت صوت محدثها حتى قالت : سيدي.. السيد فارس يرغب بمقابلتك..
استمعت الى جوابه ومن ثم قالت بهدوء: حسنا..
وانهت الاتصال وهي ترفع نظراتها الى فارس وتقول بابتسامة: انه بانتظارك..
ودون ان يلقي عليها عبارة شكر كما اعتادت.. دلف الى ذلك المكتب بخطوات ثابتة.. وعيناه تتطلعان الى ذلك الشاب الجالس بكل شموخ خلف مكتبه.. والذي نهض من خلفه عندما شاهده يقترب وقال بابتسامة واسعة: لم نرك منذ مدة.. هل انستك الدنيا اصحابك؟..
ارتسم شبح ابتسامة ساخرة ومريرة في الوقت ذاته على شفتي فارس وهو يقول مرددا: هه..الدنيا؟.. اي دنيا؟..
استغرب اسلوبه واقترب منه ليقول : ما بك؟..
لم يجاوبه سوى الصمت.. ونظرة غريبة لمعت في عيني فارس دفعته لأن يقول وهو يشير نحو المقاعد: اجلس ولنتحدث بهدوء..
وفي هذه المرة نفذ فارس الامر وهو يتجه ليجلس على الاريكة الجلدية .. ربما لحاجته حقا للحديث الى شخص ما .. وارتفعت انظاره لا اراديا الى صاحبه وهذا الاخير يقترب منه ويجلس على مقعد مجاور له قائلا بهدوء: لم تبدوا جامدا هكذا .. لم اعرفك كالتمثال يا فارس.. اين هي ابتسامتك وروحك المرحة؟..
قال بنظرة غريبة وهو يلتقط نفسا عميقا: رحلت يا حازم.. رحلت مع الذين رحلوا..
شعر حازم بقلق خفي تسلل الى اعماقه مع عبارة فارس.. ووضع كفه على كتفه ليقول بهدوء: اوضح بالله عليك.. واخبرني ما الذي حدث؟..ومن اولئك الذين رحلوا؟..
اطرق فارس برأسه بمرارة عميقة وشبك اصابع كفيه وقال وهو يشد عليهما بقوة: جميعهم.. جميعهم رحلوا.. تاركيني خلفهم.. ليتهم اخذوني معهم.. ليتهم.. لكنت الآن بعيدا عن هذا الواقع وهذا الضياع..
لم يحتمل حازم سماع هذه العبارات من صديق عمره وقال بصوت حاد: فارس تحدث .. لم اعد احتمل مثل هذه الالغاز.. اخبرني ما الذي حدث بالضبط؟..
ارتفع رأس فارس ليتطلع الى نقطة وهمية وقال وهو يستعيد بذاكرته ما حصل: ربما كان ذلك قبل شهر.. قبل سنة.. لست اعلم.. لكنه حصل.. ذلك الكابوس الفضيع حصل ودمر حياتي بأكملها.. عدت يومها إلى المنزل متأملا أن المح سعادة على وجه والدي.. لتحصيلي ايجارات كافة المباني .. او نظرة حنان في عيني والدتي للجهد الذي بذلته في يومي ..او حتى صرخات مرحة من شقيقي الاصغر.. لكن لم ارى أي شيء من هذا.. لم ارى سوى دمار .. بقايا بيوت وانقاض .. وتحت ذلك الرماد.. كانوا هم.. قتلوهم الاوغاد.. قتــ...
واختنقت الحروف في حلقه دون ان يجد القدرة لديه على المواصلة.. بعد ان عاش الموقف للمرة الثانية.. ذلك الكابوس الذي يلاحقه اينما كان.. ولمعت الدموع في عينيه.. دموع انسان تائه مشتت.. فقد اغلى الناس على قلبه في ظروف اقرب ما تكون للبشاعة..
وانعصر قلب حازم حزنا على صاحبه .. وتطلع له بحنان شديد وقد شعر بذلك الحزن الذي يخفيه في صدره كل ذلك الوقت.. وقال وهو يضغط على كتفه مواسيا: لا تبتئس هكذا.. وادعو لهم بالرحمة.. واعلم انه كان قدرهم المكتوب.. ولا احد بامكانه ان يغيرالقدر..
وبحروف مختنقة وبصوت غلبت عليه الرجفة قال فارس: ليتني لم اغادر المنزل يومها.. ليتني بقيت الى جوارهم.. لربما.. ذهبت معهم.. ولم ابقى وحيدا في هذا العالم..
قال حازم باستنكار: أي كلام تقوله؟.. اين ايمانك بالله تعالى؟.. ان الله قد كتب لهم ان ينتهي عمرهم هذا اليوم.. وكل انسان لا يموت الا في يومه..
هتف فارس بحدة وغضب مكتوم وهو يكور قبضة يده بقهر وعذاب: لقد قتلوهم.. قتلوهم.. هم السبب .. اولئك البريطانيون الاوغاد..
ربت حازم على كتفه وقال باهتمام: هدئ من اعصابك.. سأطلب لك شيئا لتشربه.. وسأكمل حديثي معك..
تطلع له فارس بنظرة بدت فيها لمعة الدموع واضحة وقال وهو يتنهد بقلب يعتصر ألما: حازم.. أمن العار ان يبكي الرجل حقا؟؟ ..
ابتسم له حازم ابتسامة شاحبةواتفطر قلبه الما على صديق عمره وهو يرى الحال الذي وصل اليه.. ومن ثم قال وهو يصطنع الهدوء ويميل نحوه: ابدا.. فرغ احزانك.. فرغها ولا تكبتهابداخلك..
وكأن دموع فارس كانت تنتظر هذه الكلمة.. لتسيل دمعة ساخنة على وجنته.. عبرت عن كل ما يحمله في صدره من ألم وقهر ومرارة وضياع..
وما لبث ان مسحها بكفه بسرعة وهو يقول محاولا تمالك احزانه: لا اعرف لم جئت الى هنا اليوم.. لكني شعرت برغبة جامحة في الحديث الى شخص ما.. وقادتني قدماي الى هنا...
منحه حازم ابتسامة مواسية ومتعاطفة قبل ان ينهض من مكانه قائلا على عجل: لاني صديق عمرك.. ولا تقوى على ان لا تشاركني احزانك..
قال فارس بابتسامة واهنة: ربما..
واتجه حازم ليجري اتصالا سريعا ومن ثم ينهي المكالمة ليعود ويجلس على مقعده المجاور لفارس ويقول وهو يلتقط نفسا عميقا: اأنت متأكد من انهم جميعا قد قتلوا تحت الانقاض؟؟ ..
تطلع له فارس بنظرة واهنة وقال بيأس: لقد كانت بقايا منازل ودمار.. أي بشر سيبقون احياء تحت الانقاض؟..
قال حازم باصرار: لكن هذا لا يعني انهم قد ماتوا.. من المحتمل انهم بمشفى ما.. ويتلقون العلاج الآن..
قال فارس وقد تسلل الى نفسه شيء من الامل: اتظن ذلك حقا؟!..
اسرع حازم يقول:بكل تأكيد.. لماذا تجزم بحدوث الشيء قبل وقوعه؟.. ربما يكونون احياء.. او في مثل حالك الآن..
هز فارس رأسه وقال بعدم تصديق: لا.. لا يمكن.. لو كانوا احياء لاتصلوا بي وطمأنوني على حالهم..
سأله حازم بغتة وهو يتطلع اليه بنظرة ثاقبة: وهل فعلت انت؟..
وقبل ان يجيبه فارس على سؤاله.. سمع كلاهما طرق على باب المكتب.. فقال حازم وهو يحاول رفع صوته: تفضل..
دخل عامل الكافتيريا الى الداخل وهو يحمل بين يديه صينية يعلوها كأسين من العصير.. وتقدم ليضع كأسي العصير امامهم على الطاولة الزجاجية ومن ثم يقول بصوت هادئ: اتريد أي شيء آخر يا سيد حازم..
قال حازم باقتضاب: لا شكرا..
ترك العامل المكتب من بعدها وهو يغلق الباب خلفه.. وعاد حازم ليلتفت الى فارس ويقول بصوت متسائل: لم تجبني.. هل اتصلت بهم انت؟..
قال فارس بحيرة وضياع: لم اكن قادرا على فعل شيء وقتها.. لقد بدا الامر لي اشبه بالكابوس الذي تمنيت ان اصحوا منه تماما.. لكنت كنت انهض كل يوم لأجد انها حقيقة.. وواقع مر قُدر علي ان اعيشه وحيدا..
قال حازم وهو يسلمه كأس العصير: صحيح.. اين كنت تنام طوال الايام الماضية؟..
التقط فارس كأس العصير منه وقال بغير اهتمام: وهل هذا يهم؟ ..
قال حازم بغتة بلهجة تحمل صيغة الامر: اتصل بهم الآن..
فارس الذي يحاول ان يستمد البرودة من كأس العصير الذي يشربه لعله يطفئ شيئا من لهيب اعماقه.. قال وهو يرفع انظاره اليه: اخشى ان اصدم بحقيقة موتهم..
قال حازم بشحوب: لن تخسر شيئا.. ففي الحالتين قد صدمت بهذه الحقيقة..
- لكنك الآن منحتني بعض الامل..
- لنقل انه مجرد احتمال.. قد يصيب او يخيب..
لم يجد فارس امامه ضررا من المحاولة.. واخرج هاتفه المحمول من جيب بنطاله ليقول بمرارة شخص قد فقد اقرب الناس اليه.. وبلهفة غلبت على صوته: ليتني استمع الى صوتهم من جديد.. اشتقت اليهم كثيرا..
شجعه حازم بنظراته وهو ينتظر منه الاتصال.. ولم يكذب فارس خبرا.. بل سارع بالاتصال وهو يضغط ارقام هاتف والده.. منتظرا الاجابة بكل امل ولهفة...
#############
تطلع الجندي باشفاق الى تلك الفتاة التي فقدت الوعي على ذلك الكرسي المعدني.. ولا زال القائد يطالبه بتوليد الكهرباء في مقعدها.. وقال اخيرا بكلمات متوترة: لكنها يا سيدي فاقدة الوعي..
قال القائد بسخرية: فاقدة الوعي؟.. اتظن ذلك حقا؟.. انها تتظاهر بذلك ليس الا حتى نتوقف عن تعذيبها..
قال الجندي وقد بدت له كلمات القائد غير مقنعة: لكن يا سيدي.. انظر اليها..والى وجهها الشاحب.. والى رأسها الذي سقط على كتفيها..حتى صرخاتها قد توقفت تماما ..انها فاقدة الوعي بالفعل يا سيدي..
شعر القائد بالشك يتسلل اليه .. وان عهد قد تكون حقا فاقدة الوعي.. لكنه قال بلامبالاة وكأن الامر لا يعنيه: ولدّ الكهرباء فقط.. ودعك من اية امور أخرى..
وقبل ان تمتد يد الجندي لتوليد الكهرباء مرة أخرى .. اخترق المكان صوت صارم غاضب وهو يقول: توقفوا حالا.. هذا امر..
تجمدت يد الجندي في الهواء قبل ان تصل الى ذراع توليد الطاقة.. في حين التفت القائد النائب الى صاحب الصوت وقال ببرود: وبأي حق تعطي الاوامر يا ايها القائد؟.. انا المسئول عن هذه استجواب هذه الاسيرة..
تطلع له ألكس بنظرات صارمة وهو يستند الى كتف جون ومن ثم قال: بحق اني القائد الاعلى للجيش البريطاني وان كنت قد نسيت.. فأنا مستعد لتذكيرك..
واردف وهو يلتفت الى الجندي: فك قيودها حالا..
التفت الجندي الى ألكس وقال بتوتر: حاضر..
واتجه يفك قيود عهد بكل سرعة.. في حين قال القائد النائب بغضب: ليس من حقك ان تعطي الاوامر هنا.. انا المسئول عن استجواب هذه الاسيرة بأوامر من المدير..
قال ألكس بنظرات قوية: وانا المسئول عن هذه الاسيرة كما نصت اوامري.. ولا يحق لأحد مخالفتها..
قال القائد النائب في سرعة: أي اوامر تلك التي خالفتها؟.. لقد كنت طريح الفراش وكنا بحاجة لاستجواب الــ...
قاطعه ألكس بغضب وهو يرفع كفه : كفى.. لا اريد سماع المزيد ..
وعاد ليتطلع الى الجندي ليقول وهو يلتقط انفاسه: ما هي احوال الاسيرة؟..
انتهى الجندي من فك قيودها في تلك اللحظة والتفت الى ألكس ليقول بقلق: فاقدة الوعي يا سيدي..وحرارة جسدها في ارتفاع ..
تملك الحقد قلب ألكس بغتة تجاه ذلك القائد وقال وهو يلتفت له: لو ماتت هذه الاسيرة .. فستكون انت المسئول الوحيد عن ذلك ..
قال القائد محاولا الدفاع عن موقفه: طوال حياتنا العسكرية نستخدم هذه الاساليب في التعذيب.. فما الذي اختلف الآن؟ ..
سؤال عاد ليتردد في ذهن ألكس .. وليس ألكس لوحده بل جون ايضا الذي استغرب غضب الاول وانفعاله لأجل تلك الاسيرة .. وادرك ان في الامر سرا عليه ان يعرفه.. ألكس لا يبدوا له طبيعيا.. خصوصا اذا تعلق الامر بهذه الفتاة .. منذ متى وكان الاسرى يشغلون باله الى درجة ان ينهض من فراش المرض لأجلهم؟؟!..
(جون.. استدعي الممرضين لاصطحابها)
افاق جون على عبارة ألكس وقال بهدوء: حسنا سنعود الى المشفى..ونستدعيهم..
لكن كف ألكس استوقفته قبل ان يخطو أي خطوة وقال : لا يهم..
وهتف بالجندي الواقف بحيرة الى جوار عهد التي بدت اشبه بالموتى.. بوجهها الخالي من الحياة وبطريقة جلوسها العشوائية: اذهب انت.. واستدعي الممرضين لاعادتها للمشفى..
اسرع الجندي يومئ برأسه.. وهو يبتعد عن المكان.. في حين قال جون متسائلا بحيرة: لماذا رفضت ان نذهب نحن؟..
كان الجواب جاهزا في عقل ألكس .. ولكن لسانه رفض ان يترجمه لجون.. كيف له ان يقول انه يخشى ان يستغفله القائد النائب في عدم وجوده.. ويعاود تعذيبها.. ربما هي شفقة عليها.. ربما هو قلق.. ربما هو اهتمام.. وربما هو اكثر من كل هذا.. وهذا ما لا يحاول الاعتراف به لنفسه .. .
ومضت دقائق وعيون ألكس مثبتة على ذلك الجسد الممدد بلا حراك.. حتى انه خشي ان تلفظ انفاسها حقا.. وكاد ان يخطو مقتربا منها.. متجاهلا أي شخص كان.. لكن جرح صدره منعه عندما شعر بآلامه العنيفة تعود اليه.. ووضع كفه لا اراديا على صدره.. فقال جون بقلق: ما بك؟..
هز ألكس رأسه بصمت وهو يحاول تحمل آلامه.. في حين قال جون بحدة: اخبرتك ان علينا ان نعود الى المشفى .. حالتك الصحية تسوء..
قال ألكس بصوت متعب: حسنا .. فلنعد..
ولمح ألكس بين عينيه النصف مفتوحتين.. طبيب وممرضين جاءا بفراش متحرك.. لنقل عهد من هذه الغرفة.. وبينما كانت قدماه تتحرك بذلك الممر بكل صعوبة.. قال بصوت اقرب للهمس: اخبرني بحالتها يا جون بعد ان توصلني الى الغرفة..
تطلع له جون باستنكار.. ولكنه ادرك ان ألكس سيصر أكثر على رايه لو خالفه لهذا قال بهدوء: حسنا ..سأفعل ..
ومر ذلك الفراش من جانبه في تلك اللحظة.. ليلمح ألكس ما لا يريد ان يراه.. لمح وجه شاحب يحمل تعابير انسان قد انظلم .. انسان قد اهين.. وممن؟.. منهم هم.. شعر في تلك اللحظة فقط.. بالعار والخزي من تعذيبهم لفتاة كل ذنبها هي محاولة الدفاع عن ارض بلادها.. .
ولم يسمع أي منهم ذلك الهذيان الذي كان مصدره هي عهد.. وحتى وان سمعها احدهم لم يكن ليفهمه وهي تنطقه بالعربية ..وبصوت هامس وحروف متقطعة كانت تردد: ابـ..ـي.. امي.. خذا..ني معـ..ــكما.. ارجوكـ..ــما.. خذاني...
وظلت هذه الكلمات تتردد دون ان يفهم أي منهم ما تقوله.. وتلك الكلمات لا تزال تتكرر من بين شفتيها (خذاني معكما.. خذاني)..
#############
(موافقة بالاجماع)
تطلع مارك مستغربا الى رائد الذي خرج من غرفة المعيشة لتوه ونطق عبارته السابقة.. وقال متسائلا بحيرة: ماذا تقول؟..
رفع رائد ذراعه السليمة وهو يرفع اصبعه السبابة والوسطى علامة النصر ويقول بابتسامة: لقد وافقوا .. وبالاجماع تقريبا هذه المرة..
هتف فيه مارك غير مصدقة وبفرحة كبيرة: اتقول الصدق؟..
قال رائد وهو يمط شفتيه: وهل تراني في سنك حتى اكذب عليك..
قال مارك بابتسامة واسعة: ومن قال انك لست في سني.. لقد بلغت العشرون قبل شهرين.. اما انت فلم يتجاوز عمرك الاربعة والعشرون عاما.. أليس كذلك؟..
قال رائد بسخرية: شكرا لأنك جعلتني اصغر سنا بثمان سنوات كاملة..
واردف وهو يلتفت له بابتسامة: هيا افرح الآن.. واعلم اني لم افعل هذا لأجلك.. بل لأجل تلك الفاتنة التي انقذت حياتي..
كاد مارك ان يتحرك بأتجاه الغرفة ..ليبشر سوزي بهذا الخبر.. ولكن عاد ليلتفت الى رائد بغتة وهو يقول بابتسامة مرحة: اظن ان وجودها هنا بينكم اصبح خطر عليها..
لم يفهم رائد ما يعنيه مارك في البداية.. ولكنه فهم مقصده وهو يراه يتجه نحو الغرفة وقال بصوت عالي تعمد ان يسمعه مارك: من جهتك انت وحدك..
ارتسمت ابتسامة واسعة على شفتي مارك عندما وصلت الى مسامعه العبارة..ودون ان يلتفت واصل طريقه الى داخل الغرفة .. ليلمح سوزي تجلس على احد المقاعد.. وهي تضع يدها اسفل ذقنها.. ربما لشعورها بالملل وربما لشعورها باحباط كبير وهي تجد انه لا مفر من العودة الى تلك الغرفة.. وشعرت بغتة بيد على كتفها.. فرفعت رأسها وما ان رأت مارك حتى قالت بألم وهي تلتفت عنه: هل جئت لتصحبني الى الخارج؟ ..
ارتفع حاجبا مارك باشفاق ومن ثم قال بابتسامة: لا.. بل جئت لأخبرك انه لم يعد هناك داع لخروجك..
التفتت له سوزي في سرعة.. وقالت متسائلة: هل تعني اني سأعود للمبنى البريطاني؟..
هز مارك رأسه نفيا وقال مبتسما: بل ستبقين هنا.. بيننا..
نهضت سوزي من مقعدها قائلة في لهفة: انت تمزح..
قال وعيناه تلمعان بفرحة: ابدا.. لقد استطاع رائد اقناعهم..
قالت سوزي وقد شعرت بتفكيرها يتوقف من الفرحة التي تشعر بها.. لن تضطر للعودة مرة اخرى الى تلك الغرفة.. ستبقى معهم اخيرا.. وقالت وهي تشعر براحة كبيرة: اخيرا..
اختفت الابتسامة من على شفتي مارك.. وحلت محلها ملامح الجدية وهو يقول: لكن كما اتفقنا يا سوزي.. لقد وثق الجميع بما قلته.. بأنك لن تتسببي لهم بأي اذى ولن تحاولي الابلاغ عن أي شخص هنا..
التقطت سوزي نفسا عميقا ومن ثم قالت: ربما اكون مجندة للجيش البريطاني يا مارك.. ولكني لست مخادعة او منافقة.. لاطعن من مدوا لي يد المساعدة ولم يحاولوا حتى سؤالي عما يخص اعدائهم..
اطمئن قلب مارك وقال بابتسامة هادئة: اظن اني قد وضعت ثقتي في الشخص المناسب..
لم تعقب سوزي على عبارته واكتفت بنظرة امتنان طويلة.. لكنها ما لبثت ان قالت في سرعة وكأن امر قد خطر على ذهنها: صحيح يجب علي شكر ذلك الشاب ..
اتسعت ابتسامة مارك وهو يقول: تعنين رائد؟..
اومأت برأسها ايجابيا .. فغمغم قائلا: تعالي معي اذا..
قالها واسرع يحذبها معه وهو يمسك بمعصمها بخفة.. وهو يحمل على شفتيه ابتسامة قلما كانت ترى على وجهه..ابتسامة تنطق بالسعادة وتتلهف لمستقبل مشرق...
#########
(هذا الرقم لم يعد موجودا بالخدمة)
بدت نظرة جلية للاحباط والالم العميق في عيني فارس وهو ينهي الاتصال من آخر فرد من عائلته.. والنتيجة هي عدم وجود أي رقم بالخدمة.. وقال وقبضته تشتد على هاتفه: ألم اقل لك؟..
اسرع حازم يقول وهو يحاول ان يخفف من حزن صديقه: لكن هذا لا يعني عدم بقائهم على قيد الحياة..
ارتفعت انظار فارس الى حازم.. وقال وهو يتنهد: لم افهم..
اخذ حازم الهاتف من بين يدي فارس وقال: لو تحطم هاتفك او تعطل.. فهذا لا يعني انك لست على قيد الحياة..
انعقد حاجبا فارس في تفكير .. في حين اردف حازم قائلا بابتسامة : استمع الي .. قد يكونون على ما يرام.. لا تستبق الامور.. ابحث عنهم في المستشفيات وحتى في مراكز الشرطة.. وانا سأبذل كل جهدي لمساعدتك.. سأتصل بكل اقاربي ومعارفي لتقصي اي اخبار عنهم..
ابتسم فارس ابتسامة باهتة بدت وكأنها تزيده وسامة ..وقال اخيرا بامتنان: لا اعرف كيف اشكرك.. لقد خففت عني كثيرا.. هذا غير الامل الذي منحتني اياه.. لقد كنت اتطلع الى كل ما حولي بعينين لا ترى الا السواد.. ولكني الآن بدأت ارى الالوان تتشكل فيما حولي..
- لكني لا اريد منك ان تتعلق بأمل ان يكون ما قلته صحيحا.. تذكر انه مجرد احتمال.. احتمال فحسب ..
قال فارس وهو يلتقط نفسا عميقا يملأ به رئتيه ومن ثم يزفره بقوةة: هذا افضل من اظل متوقعا موت الجميع وهناك من قد يكون على قيد الحياة..
رشف حازم القليل من عصيره ومن ثم التفت له ليقول: لم تخبرني .. هل جميع اقربائك يقيمون في تلك المنطقة التي دمرت؟..
هز فارس رأسه نفيا وقال: لا.. عمتي تقيم في هذه المنطق ة..
فال حازم بابتسامة: اذا ها قد انتهى الامر على الاقل ستقيم عند عمتك حتى ...
قاطعه فارس هاتفا: لا اريد ان اكون عالة على احد يا حازم .. وامر آخر فعمتي قد قررت السفر الى الخارج.. بعيدا عن اوضاع البلاد المتردية..
تسائل حازم قائلا بتردد: الم تفكر في السفر معها؟..
قال فارس وهو يستند برأسه لمسند الاريكة الجلدية: ان اردت الحق.. فلا.. لا ارغب بالسفر.. لم اسافر واغادر الوطن؟.. مادمت سأشعر بالغربة في كلا الحالتين..
قال حازم وبدا انه قد تضايق من حديث فارس:ما هذا الذي تقوله؟.. انه وطنك.. فكيف تشعر بالغربة فيه؟..
قال فارس وفي عينيه نظرة كسيرة: لو فقدت يوما منزلك واهلك وكل من تحب.. ستعرف حينها كيف يمكن ان اشعر بالغربة في وطني.. في وطن فقدت فيه كل شعور بالامان.. وبات الضياع والخوف هما اساس حياتك..
ومن ثم اردف وهو ينهض من مكانه: اعلم اني اثقلت عليك يا حازم.. وعطلتك عن اعمالك.. اعذرني فلم يكن امامي سواك لأتحدث معه..
قال حازم وهو ينهض بدوره: لا احب سماع هذا الكلام منك.. انت اخي.. وان لم افرغ نفسي لسماعك..ومحاولة مشاركة احزانك.. فالى من سأستمع؟..
ابتسم له فارس واكتفى بقوله: شكرا لك يا .. اخي ..
قالها واستدار لمغادرة المكان.. لكن صوت حازم استوقفه وهو يقول: لحظة.. لم تجبني.. اين كنت تنام طوال الايام الماضية؟..
التفت له فارس وقال مجيبا: ان كان الامر يهمك.. فقد كنت انام باحدى الشقق التابعة لمباني والدي..
قال حازم باستنكار وضيق: تنام في احدى الشقق ومنزلي موجود؟.. منذ اليوم ستنام في منزلي .. افهمت؟..
قال فارس بابتسامة باهتة: لا ترغمني على ما لا اريد.. انا آخذ حريتي في تلك الشقة.. كما وان وجودي بين افراد عائلتك سيقيدهم..
- عن اي تقييد تتحدث؟.. لا تكن سخيفا يا فارس.. ستأتي اليوم الى...
قاطعه فارس وقال وهو يتنهد: ارجوك يا حازم.. اتركني افعل ما يريحني..
ابتسم حازم وقال وهو يهز كتفيه: فليكن افعل ما تشاء .. لكن...
واردف ونظرة تهديد مصطنعة في عينيه: لكن اعلم اني لن اتركك وحدك في تلك الشقة.. توقع مجيئي في اي وقت.. حتى للنوم معك..
قال فارس بابتسامة: على الرحب والسعة..
قال حازم محاولا اضفاء بعض المرح: هيا غادر الآن .. فلدي عمل كثير..
تطلع له فارس بسخرية ومن ثم قال: اظن انك تتعمد طردي متحججا بالعمل..
قال حازم بابتسامة: ربما..
وتقدم منه ليقول وهو يضع كفه على كتفه: هيا اذهب لترتاح .. وعندما اراك في المرة القادمة اريد ان ارى ابتسامة تنير وجهك .. اتفقنا..
كور فارس قبضة يده.. ورفعها الى مستوى صدره.. فابتسم حازم وهو يستعيد ذكريات مراهقته مع فارس وهو يتطلع الى قبضة يد هذا الاخير.. وكور قبضة يده بدوره ورفعها في مستوى قبضة يد فارس.. وسمع هذا الاخير يقول وهو يضرب قبضته بقبضة حازم بمرح: اتفقنا..
واردف بابتسامة: بالاذن..
شيعه حازم بنظرات حنان وحب لهذا الصديق الذي قلما يوجد هذه الايام.. وتابعه بنظراته حتى غادر المكتب وما ان فعل حتى تنهد وهو يقول في صوت حمل في رنته الاهتمام والألم: كان الله في عونك يا فارس..لقد وضعك القدر في اختبار صعب جدا.. وتركك لتجتازه وحدك.. متحديا كل العواقب والعراقيل.. لهذا كن قويا يا فارس كما عهدتك دائما..حاول ان تصبر على ما اصابك.. واعلم ان ما بعد الصبر الا الفرج باذن الله تعالى..
###########
التقط ألكس انفاسه بصعوبة وهو يسير بخطوات بطيئة حتى وصل اخيرا الى فراشه..ولم يلبث ان ارتمى بجسده عليه..فقال جون باشفاق: اتريد اي شيء آخر؟ ..
مدد ألكس ساقيه على الفراش وقال بعد ان شعر بالقليل من الراحة تتسلل اليه بعد التعب: ما اخبرتك به فقط..
قالجون بقلة حيلة: حسنا.. استرح انت ولا تشغل بالك بأي شيء آخر..
واستدار عنه ليتوجه في ذلك الممر بحثا عن الغرفة التي يمكن ان تكون عهد فيها الآن.. العديد من الغرف يراها امامه.. والعديد من ارقام تلك الغرف تمضي امام ناظريه دون ان يعلم ايها لتلك الاسيرة..
واخيرا لم يجد حلا امامه سوى ان يسأل احدى الممرضات التي اجابته بعدم علمها.. ولكنها ستحاول المساعدة قدر المستطاع ..
وانطلق معها بين الممرات حتى وصلا اخيرا للغرفة المنشودة.. وهناك شاهد الطبيب وعدد من الممرضات مجتمعين حول فراش عهد باهتمام..
شكر الممرضة على عجل ومن ثم دلف الى الغرفة وهو يقترب من الطبيب ويقول بهدوء: لوسمحت..
التفت له الطبيب متسائلا.. وفي تلك اللحظة فقط وقعت انظار جون على عهد.. وبالرغم من كل شيء شعر بالشفقة تتسلل اليه وهو يرثي حالها.. يرثي عذابها هذا وهي لا تزال صغيرة السن.. وقال متسائلا وهو يبعد انظاره عنها: كيف هي حالتها الآن؟..
اعطى الطبيب بعض الاوامر للمرضة ومن ثم قال بهدوء: ارتفاع شديد في درجة حرارة جسدها.. وانخفاض في ضغط الدم .. وربما لو تجاوبت مع العلاج ستشفى سريعا..
اومأ جون برأسه ومن ثم قال بسؤال لم يستطع ان يمنع لسانه من النطق به: واذا لم تتجاوب مع العلاج؟..
قال الطبيب وهو يتنهد: حالتها ستسوء اكثر.. وربما تتعرض لمضاعفات..
واردف وهو يلتفت الى جون بعتاب: اخبرتكم بأنها لا تزال تحتاج لرعاية طبية وجسدها لا يحتمل وسائل التعذيب لكن لم يستمع الي احد.. لهذا اخلي اي مسئولية منذ الآن لو حدث لهذه الفتاة اي مكروه..
ازدرد جون لعابه ولم يعلم بم يجيب.. كان يود ان يدافع عن نفسه ويقول انه لم يكن له يد في كل ما حدث.. ولكن فيم سيفيد هذا؟..
وتراجعت خطواته بهدوء دون ان يشعر به الطبيب المنشغل بحالة عهد..ليغادر الغرفة ويعود الى غرفة ألكس.. وقد قرر ان يخبره بحالة الاسيرة كما طلب.. ولكن سيحاول بقدر الامكان ان يجعل كلماته اخف وقعا على ألكس.. فهو لا يزال متعبا.. وليس في حاجة لما يزيد تعبه اكثر...
:
:
يتبع...
 
بـــ الحب (10) والواقع ـــين
::خيانة؟::


قلق .. توتر.. وربما خوف ايضا ..كان يسكن ألكس وهو يستمع الى جون الذي اخبره بأن ما اصاب عهد هو ارتفاع في درجة حرارتها فقط.. وستكون على ما يرام كما طمأنه الطبيب.. ولكن مشاعر ألكس لم ترتح تجاه هذا الجواب.. كان يريد ان يطمئن عليها بنفسه.. ربما لأنه لا يشعر بالثقة لما قاله جون.. او ربما لأن عينيه تتلهفان لرؤيتها وهي على ما يرام حقا.. وتساءل قائلا : أأنت متأكد؟.. أحرارتها مرتفعة فقط؟..
اومأ جون برأسه وهي يزدرد لعابه .. فقال ألكس وهو يزفر بحدة: لقد مرت اكثر من ساعة.. ويكفي بقائي هنا حبيسا لهذه الغرفة كل هذا الوقت..
تطلع له جون بنظرات شك وقال: واين ستذهب وانت في هذه الحالة؟..
صمت ألكس ولم يجبه.. واكتفى بنظرات باردة يخفي بها قلقه.. في حين قال جون بصوت حاد قد خرج من بين شفتيه بالرغم منه: ربما ليس من حقي ان اقول لك ما سأقوله.. لكن مصلحتك تهمني .. مادمت زميل لك في الجيش.. وصديق لك منذ انضمامي له..
استغرب ألكس لهجة جون المحتدة وقال متسائلا وهو يعقد حاجبيه: ما الذي تريد قوله بالضبط؟..
قال جون وهو يشبك اصابع كفيه: اترى ان ما تفعله مع تلك الاسيرة هو الصواب؟.. شفقتك عليها تعدت حدود المعقول.. حتى باتت اشبه بقلق او ربما هو اهتمام وخوف من أي مكروه قد يصيبها..
قال ألكس محاولا الدفاع عن نفسه وقد شعر ان جون قد اصاب شيئا من الحقيقة: انت تهذي..
قال جون وهو يتطلع الى عينيه مباشرة ربما يرى الصدق فيهما: ألكس انا لست هنا لكي احاكمك او احقق معك.. كل ما في الامر هو اني اردت ان انصحك.. وان انبهك ان ما تفعله هو خيانة لوطنك..
شعر ألكس بالصدمة لوقع الكلمة الشديد على اذنيه.. "خيانة".. اوصلت الامور الى هذه الدرجة من السوء؟.. وقال باستنكار: عن أي خيانة تتحدث يا جون؟.. انا اعمل بكل أخلاص من اجل وطني.. ولم اقصر في عملي يوما..
زفر جون وقال وهو يبعد انظاره عن ألكس ويتطلع الى كفيه .. ربما تهربا من نظرات ألكس المستنكرة والتي ترفض الاعتراف بالحقيفة: لو انتبهت لتصرفاتك لأدركت صدق ما اقوله .. وما فعلته اليوم خير برهان.. الم تمنع بنفسك استجوابها؟ .. هل لي ان اعلم لم فعلت ذلك؟..
قال ألكس ببرود: لان استجوابها يعد مخالفة لأوامري.. وانا اكره ان يخالفني احدهم..
قال جون وهو يتنهد ويرفع راسه الى ألكس: ربما كان هذا جزءا من الحقيقة.. لكن ماذا تسمي رغبتك في السؤال عن حالها الآن؟.. والحاحك في الاطمئنان عليها؟.. مشاعرك بدأت تقودك الى منحنى خطير.. فاحذر يا ألكس ولا تنقد خلفها ..
قال ألكس بصرامة: لست انا من يتوجه له هذا الكلام.. الا تعرف ان حياة الجيش قد علمتنا معنى ان نحيا بعقولنا فقط.. متناسيين أي مشاعر اخرى..
قال جون وهو يشير له ويضيق عينيه: وخلقت في داخلك رغبة مكبوتة في ان تشعر بتلك المشاعر..وكان كل الخوف في ان تتفجر هذه المشاعر في اية لحظة..وقد حدث هذا عندما وقعت عيناك على الاسيرة.. متناسيا انها احد اعدائك .. ولا اريد ان اذكرك ما يعنيه مشاعرك تجاه عدوة لك مرة اخرى..
اشاح ألكس بوجهه وقال بحزم : هذا يكفي.. دعني وحدي الآن..
قال جون محاولا تهدئة الوضع: لم اقصد الا النصح يا ألكس..
كرر ألكس بحزم اكبر: قلت دعني وحدي..
نهض جون من مجلسه وقال وهو يلقي نظرة اخيرة عليه: كما تشاء..
ومن ثم لم يلبث ان استدار عنه.. ليغادر الغرفة بخطوات سريعة .. وما ان اغلق جون خلفه الباب.. حتى التفت ألكس ببطئ الى الباب .. وتطلع اليه للحظة بشرود.. قبل ان تنطق شفتاه: أيعقل ان يكون ما افعله هو.. الخيانة حقا؟؟..ايعقل هذا؟..
############
ضحك حازم بمرح وهو يتطلع الى فارس الذي كان يحاول لأكثر من مرة أن يكسر قشر البيض لاعداده لطعام العشاء.. لكن في كل مرة كانت محاولاته تنتهي بالفشل.. وبالبيض الى سلة المهملات!..
والتفت فارس بحنق الى حازم وقال : اجل اضحك.. وماذا يهمك انت؟.. لديك ألف خادم ليعدوا لك طعامك..
قال حازم و ضحكاته تزداد: لم اتخيل يوما ان ارى فارس المغرور يطهو.. وماذا؟ .. بيض ايضا.. حالتك مستعصية جدا.. قلت لك منذ البداية ان علينا ان نشتري طعام العشاء من احد المطاعم افضل .. ولكنك رفضت واصريت ان تدعوني على عشاء في شقتك.. وياله من عشاء هذا الذي لا تعرف اعداده حتى..
قال فارس بعصبية يخفي بها حرجه: وما ذنبي انا؟.. لم اعرف ان قلي البيض صعب الى هذه الدرجة.. ثم اني سأطلب طعام العشاء من احد المطاعم.. فلا تقلق على نفسك..
رفع حازم احد حاجبيه وقال مبتسما وهو يتطلع الى قشور البيض المكسور: ماذا؟.. هل يأست بهذه السرعة؟.. لقد افسدت سبع بيضات فقط.. لا يزال هناك ثلاث اخريات..
أمسك فارس بمقلاة الطهو وقال بتهديد: ان لم تغرب عن وجهي الآن.. فسأريك كيفية طهو اللحم البشري..
قال حازم باستغراب مصطنع: أتتناول مثل هذه الاطعمة؟.. انت غريب حقا..
قال فارس بعصبية: سترى كيف اتناولها الآن..
ضحك حازم واسرع بالابتعاد عن المكان..في حين اسرع فارس بغسل يده ويتبعه مغادرا المطبخ قبل ان يلقي بثقل جسده على احد المقاعد بالردهة..والتفت ليشاهد حازم الذي تمدد على الاريكة بكل حرية وهو يتطلع الى هاتفه باهتمام..
واغمض فارس عينيه للحظة وهو يسند رأسه لمسند المقعد .. ومن ثم قال وهو يعيد فتح عينيه : ماذا فعلت؟..
لم يفهم حازم بالبداية.. لكنه سرعان ما استوعب قصده.. فاعتدل في جلسته وقال بجدية: اتصلت في اكثر من مستشفى ومركز للشرطة.. والنتيجة واحدة.. جميع الاسماء لم يعثروا لها على اي اثر..
واردف بهدوء: لكني فكرت في انه من الممكن انهم لم يتعرفوا على هوية الشخص بعد.. لهذا فقد سألت عن الحالات المجهولة الهوية.. واكتشفت انها تصل الى العشرين حالة في اربع مستشفيات.. وسنذهب لأي من المستشفيات للتأكد .. غدا ان شئت..
قال فارس بابتسامة باهتة: لقد بحثت انا الآخر في اكثر من مستشفى ولم اعثر على أي اثر.. واما الحالات المجهولة الهوية فلم اقم بالسؤال عنها.. فما قلته للتو لم يخطر بذهني..
قال حازم بابتسامة: هذا جيد.. سنذهب غدا اذا ونكمل البحث..
قال فارس بامتنان: اعذرني ان كنت اتعبك معي..
قال حازم بعتاب: انت اخي يا فارس.. وليس بين الاخوة اعتذار..
واردف بمرح لعله يبعد هذا الجو الكئيب الذي بدأ يسيطر عليهما: ألن تطلب عشاءا ؟.. ام تراك ستكتفي بقشور البيض المكسور؟..
قال فارس بسخرية: القشور ستكون لك.. اما العشاء فسيكون لي..
قال حازم مبتسما: يا لأنانيتك..
ابتسم فارس بألم لذكرى مرت في ذهنه وقال بشرود: كثيرا ما كان شقيقي يصفني بالانانية.. وايضا...
بتر عبارته بغتة لينهض من مجلسه ويسير بخطوات متثاقلة حتى وصل الى النافذة المطلة على الطريق.. فأخذ يتأمل منها بشرود وصمت.. واحترم حازم صمته ولم يرد قطع خلوته مع نفسه.. وقال فارس بغتة مبددا الصمت: اتمنى.. فقط اتمنى لو اراهم مجددا .. ولو من بعيد.. ان اسمع صوتهم.. حتى وان كان لدقائق فقط.. اشتقت اليهم يا حازم.. اشتقت اليهم بأكثر مما تتصور..
تطلع له حازم بألم ومن ثم قال وهو يتنهد: ادعو الله يا فارس ان يكون افراد اسرتك بخير وعلى قيد الحياة..
اكتفى فارس بكلمة واحدة.. كان يشعر بها وكأنها امله الوحيد الذي يتشبث به بيديه واسنانه.. وقال بصوت اقرب للهمس ومن اعمق اعماق قلبه: يا رب..
############
(اظن ان الوقت المناسب هو الآن)
تطلعت سوزي الى مارك بحيرة وهي عاجزة عن ما يعنيه بعبارته السابقة .. وقالت وهي تتساءل: وقت مناسب؟.. لماذا بالضبط؟..
قال مارك وهو يتطلع الى عينيها مباشرة: لاخباري بحقيقة اختفائك.. طوال تلك الايام..
ارتبكت سوزي لوهلة واشاحت بوجهها لعلها تستمد شيء من القوة والشجاعة لتواجه بها مارك.. ومن ثم لم تلبث ان قالت بصوت خافت: اظن لو قلت لك ان سببي هي الرسالة .. فستفهم ما اعني وتكتفي به..
قال باستغراب : رسالة؟.. عن أي رسالة تتحدثين؟..
قالت وقد اكتسب صوتها بعض الالم: تلك التي بعثتها لك ليليا واخبرتك فيها ان تكتفي بخداعي..
قال مارك وهو لا يكاد يفهم أي من تلك العبارات: لحظة.. لحظة.. أي رسالة؟.. وما دخل ليليا بالموضوع؟.. وعن أي خداع تتحدثين عنه؟..
قالت سوزي بحدة وقد استخدمت اسلوب الهجوم للدفاع عن موقفها: لا تحاول التغابي او التبرير لما فعلت.. فأنت تعلم انها الرسالة التي تتحدث فيها ليليا عن خداعك لي بأسم الحب..
اشار مارك الى نفسه وقال بدهشة: انا؟.. انا خدعتك تحت اسم الحب يا سوزي..
قالت سوزي وهي تشيح بوجهها عنه: اجل..
قال مارك وهو يحاول تمالك اعصابه: هل لك ان تخبريني بكل شيء منذ البداية.. فلم اعد استطيع استيعاب ما تقولين..
التفتت له سوزي وقالت وهي تشعر بغصة في حلقها: لك هذا.. لقد كان ذلك في اليوم الاخير للدراسة عندما...
واخذت تسرد عليه كل ما جرى.. وكل لحظة ألم عاشتها وهي تقرأ تلك الرسالة التي توضح خداعه وخيانته لها.. وما ان انتهت من حكايتها حتى تطلعت الى مارك الذي بدا وجهه متجهما.. وعيناه تحملان نظرة غضب لم ترى لهما مثيلا من قبل.. ترى ما سر هذه النظرة؟..أ غضب على ليليا لانها كشفت خدعته؟..
وانتظرته ان يتحدث لكنه لم يعلق وهو يكتفي بتلك النظرات الغاضبة والثائرة.. وقالت متسائلة وهي تتطلع اليه بحنق: لم لا تتحدث؟.. ام ان ليس لديك ما تقوله بعد ان انكشفت الاعيبك امامـــ...
قاطعها مارك بانفعال وغضب: اصمتي ايتها الغبية الحمقاء.. يكفيك اتهامات باطلة تنسبينها لي وكأنك لا تعرفين من اكون حتى الآن..
واردف وهو يحاول تمالك اعصابه ويشير لها: انت آخر شخص توقعته يا سوزي ان يصدق كلمة ما عني.. وبكل سهولة تقولين اني كنت مجرد مخادع وخائن..
قالت سوزي مدافعة عن موقفها: الرسالة كانت في جيب سترتك..
قال مارك بعصبية: لو كنت انا كما تظنين لما تركت لك السترة لتبحثي فيها كما تشائين .. ولكنك حمقاء لتفكري بهذا الاسلوب..
قالت سوزي وهي تزدرد لعابها بتوتر من لهجته الغاضبة والعصبية: لأنك قد نسيت امرها عندما انسكب العصير على سترتك..
مال نحوها ليقول بحدة: ومن سكبه ؟ .. ليليا.. ومن طلب مني ان اخلع السترة ؟.. ايضا هي.. الا يوحي لك كل هذا.. انها هي اعدت كل هذه الخطة من اجل ان تفرقنا عن بعضنا البعض .. ويبدوا انها نجحت في ذلك..
قالت سوزي وهي تلوح بكفها بضعف وتساؤل: لو كانت خطة منها حقا .. كيف كان لي ان اعلم ذلك حينها؟..
قال مارك وهو يشير الى نفسه: بسؤالي انا.. بدلا من الهروب الذي لم يجلب لكلينا الا الالم والحزن.. وضياع ايام عمرنا دون فائدة ترجى..
لم تعلم سوزي ما عليها ان تفعله؟.. اتصدق كلمات تلك الرسالة التي وجدتها في جيب سترته.. ام تصدق كلمات مارك لها؟.. لقد بدا حنونا طيبا منذ ان رآها هنا.. وبدت نظرة الحب في عينيه واضحة والشوق في كل خلجة من خلجاته عندما شاهدها امامها بعد عام كامل من الفراق.. احقا هي من اذنبت في حقه؟.. احقا هي من ظلمته وهي التي كانت تظن نفسها مجرد ضحية له؟.. يبدوا انها كانت غبية فعلا بهروبها بدلا من الاستفسار عن كنه تلك الرسالة من مارك..
لقد وثق بها .. دافع عنها بكل صدق وقوة لكي تبقى بينهم على الرغم من انها تعتبر في نظرهم مجرد عدوة لهم.. وبعد كل هذا تتهمه بالخداع.. الم تفهمي بعد يا سوزي انها خدعة.. أأنت بحاجة الى دليل اكبر من حب مارك لك؟..
وتنهدت بصوت مسموع قبل ان تقول: لم اكن افكر وقتها يا مارك سوى في استعادة كرامتي وكبريائي الذين حطمتهما ودست عليهما بفعلتك..
قال وهو يكور قبضته بألم: وتقتليني خلفك بكل هذه البساطة..
قالت سوزي بصوت متحشرج: لا تظن اني لم اقتل نفسي معك يومها..
قال مارك بسخرية مريرة: على الاقل لقد كانت لديك اسبابك في الهروب.. وفي نسيان شخص خدعك من وجهة نظرك.. اما انا فقد كنت انتظر فتاة عشقتها قد رحلت دون سبب.. ولكن يبدوا لي ان انتظاري كان مجرد وهم وسراب..
قالها واستدار عنها.. ليبتعد عنها بخطوات سريعة.. ويد سوزي تمتد لتستوقفه.. لكن كلماتها توقفت في حلقها لتمنعها من النداء.. تريد ان تهتف به.. لكن تعطلت لغة الكلام في هذا الوقت.. واكتفت بنظرات الندم التي طفت على سطح عينيها.. ودموع الألم التي جعلت الرؤية لها ضبابية غير واضحة.. تماما كما هو مستقبلها مع مارك ...
############
كان لابد له ان يسأل.. ان يطمئن.. يوم كامل قد مر دون ادنى خبر عنها.. ماذا جرى لها؟.. وما الذي فعلوه بها؟.. هل نهضت ام انها لا تزال طريحة فراش المرض؟..ربما كان جون يكذب عندما اخبره انه مجرد ارتفاع في الحرارة.. ربما كان الامر يفوق هذا.. لكن كيف له ان يعلم؟ ..
واسرع يضغط زر الاستدعاء المجاور لفراشه.. وسرعان ما جاءت احدى الممرضات لتقول متسائلة: هل من امر يا سيد ألكس؟ ..
قال ألكس بلهجة حازمة: لدي بعض الاعمال التي يتوجب علي ان انهيها.. هلاّ ازلت هذه الانابيب والاسلاك من جسدي..
اقتربت منه الممرضة وقالت بقلق: ولكن هذا سيزيد من حالتك الصحية سوءا..
قال ألكس ببرود: لا يهم.. فلن اتأخر ساعة واعود..
قالت الممرضة وهي تبدأ بالتأكد من حالته الصحية: نصف ساعة تكفي يا سيدي.. ارجوك والا سألاقي التأنيب على سماحي لك بالمغادرة..
قال ألكس بلامبالاة: حسنا.. حسنا.. فقط انزعي هذه الاشياء عني الآن..
شرعت الممرضة بابعاد الاسلاك والانابيب عن جسده مرغمة تحت اصراره الشديد.. وما ان انتهت حتى قال وهو ينهض واقفا: اخيرا..
ومن ثم التقط سترته ليرتديها ببطء حتى لا تزداد آلام صدره ..واسرع في مغادرة الغرفة .. وقد قادته قدماه الى مكتب الطبيب .. ربما لرغبته الملحة في معرفة حالتها الصحية الحقيقية..وفي ان يطمئن عليها..
وارتفعت قبضته لتطرق الباب ومن ثم يدلف الى الداخل.. لكنه تفأجأ من عدم وجود الطبيب في مكتبه..واستدار ليسير في الممرات باحثا عنه..حتى استدل عليه اخيرا وهو يفحص احدى الحالات في احدى الغرف بالمستشفى.. وانتظره ريثما ينتهي بأعصاب متوترة.. وهو ينتظره بكل لهفة حتى يخرج من الغرفة ليستطيع سؤاله عن عهد..
واخيرا غادر الطبيب الغرفة وهو يعطي ارشادته للمريض وللمرضة الواقفة الى جوار فراش الاول.. وما ان رآه ألكس يقبل ناحيته حتى قال بهدوء يخفي به لهفته: من فضلك.. اردت ان اسألك عن احدى الحالات..
تطلع له الطبيب وقال بدهشة: الا يفترض ان تكون في غرفتك الآن يا ايها القائد؟.. ما الذي جعلك تغادرها؟..
زفر ألكس بحدة .. ان هذا ليس وقت مثل هذه الاحاديث .. وقال في سرعة: سأعود بعد ان تجيبيني عما اريد ..
وضع الطبيب احدى كفيه في معطفه الطبي وقال بضيق لعدم استماع ألكس لنصائحه : تفضل واسأل عما تريد..
ظهر التوتر هذه المرة واضحا في رنة صوته وهو يقول بتساؤل: كيف هي حالة الاسيرة؟..
فهم الطبيب هذه المرة من يعني ألكس بسؤاله بحكم ان هذا الاخير كان يتردد على غرفتها في المرة السابقة.. واجابه بهدوء: حالتها تحسنت تقريبا..
ظهرت تنهيدة راحة من بين شفتي ألكس بالرغم منه .. ومن ثم قال : هل يمكنني رؤيتها؟..
تطلع له الطبيب بعين ثاقبة ومن ثم قال: يمكنك ذلك.. لكنها تصحو لدقائق فقط وتعود للنوم..
تراقص شبح ابتسامة على شفتي ألكس وقال في سرعة: لا بأس..
وابتعد عن الطبيب بخطوات سريعة وكأنه يخشى ان يتراجع هذا الاخير بسماحه له برؤيتها لو تأخر بعض الشيء.. وتذكر بغتة انه لم يستفسر عن رقم الغرفة.. وخبط جبهته بكفه بحنق .. واخذ يبحث عمن يرشده اليها ..
واخيرا وقف امام باب غرفتها بعد ان استدل عليها.. تنفس الصعداء.. سيراها.. ولكن على أي حال ستكون؟.. قوية صلبة.. عنيدة ومكابرة..وتمطره بشتائمها كما يعرفها؟.. ام ستكون ضعيفة خائفة .. قلقة من ما قد يفعلوه بها؟..
وامتدت كفه لتدير مقبض الباب..ومن ثم دخل الى الغرفة.. تلك الغرفة التي يتسلل اليها نور الشمس الدافئ من بين الستائر النصف مغلقة.. والتي يتردد فيها اصوات الاجهزة الطبية.. وعلى ذلك الفراش الابيض تنام هي.. بكل ضعف .. بكل حزن وألم.. وبكل رقة وبراءة.. وجهها بات يكسيه الشحوب..وجسدها اصبح هزيلا اكثر من اللازم .. ما الذي فعلوه بك يا عهد؟.. ما الذي اجرموه في حقك اخبريني؟..
لم يحتمل رؤيتها بكل هذا الضعف وهو يقف بعيدا عنها.. اراد ان يكون قريبا منها.. يطلب منها بنظرته ان تحتمل وتصبر.. ويخاطبها من بين كلماته ليوضح لها قلقه عليها.. ويترك العنان لمشاعره لتفيض وتعبر لها انه سيحميها في المرة القادمة.. ولن يترك لهم ان يلمسوا شعرة واحدة من رأسها مجددا..
واقترب منها ليتطلع اليها .. وخفقات قلبه باتت مسموعة له هذه المرة.. ما الذي يحدث له؟.. لماذا كلما رآها او كان الى جوارها يحدث هذا له؟.. يعبر عن كل ما بداخله لنفسه بكل صدق.. ويطفوا قلقه وخوفه عليها على أي شيء آخر.. لماذا؟.. أنه لم يعتد ان يخشى على احد في حياته..فلماذا هي بالذات؟ .. لماذا وضعها له القدر في طريقه؟.. الامور سيئة بما فيه الكفاية في ظل هذه الظروف ..وبها قد تكون اسوأ مما هي عليه..
لكني لا استطيع.. اخبروني كيف لي ان احتمل رؤيتها ممدة على فراش المرض امامي دون ان احاول ان امدهابشيء من القوة.. لتنهض معافاة من جديد.. ربما ما افعله هو اكبر خطأ.. لكن صدقوني لا استطيع.. اقسم اني لا استطيع التحكم بمشاعري تجاه هذه الفتاة بالذات..
وتحركت قدماه لتقف بجوار فراشها تماما.. وعيناه تتأملان ملامحها.. لا تزال صغيرة على كل ما يحدث لها.. لا تزال صغيرة لتتحمل كل هذا العذاب.. لا تزال صغيرة لتقاتل ضد جيش بأكمله.. ولا تزال صغيرة لتتعلق مشاعره بفتاة مثلها..
جذب له مقعدا اخيرا ليجلس الى جوارها.. وامتدت كفه لتلتقط كفها بين انامله.. ويحتضنها بكل دفء..كفها باردة كالثلج.. ليته يستطيع بث بعض من الدفء لها.. ليس لكفها فقط.. بل لمشاعرها كذلك..
وازدرد لعابه ليقول بهدوء: اعلم.. اعلم اني مخطئ.. لكن صدقيني كل هذا اقوى مني.. لا تسأليني لم انت بالذات؟ .. ولا تسأليني كيف؟.. كل ما اعرفه ان شيء قد بدأ يتحرك بداخلي منذ ان وقعت عيناي عليك..
عهد التي كانت تشعر بحركة وصوت معها في ذات المكان .. حاولت فتح عينيها لتعرف مصدره.. لكنها لم تدرك ان فتح عينيها بات مرهقا الى هذه الدرجة.. تشعر بارتجافة جفناها.. لكن بدون أي استجابة..
واخيرا وبعد محاولات عدة استجابت لها عينيها لتتطلع الى اول ما وقعت عيناها عليه باستغراب..اين هي يا ترى؟.. وماذا عساها ان تفعل في هذا المكان؟..
عادت لتشعر بذلك الصوت يتردد لكنها لم تفهم أي حرف ولم تحاول حتى ان تفهم وهي تتطلع الى ذلك الشخص الجالس الى جوارها باستغراب.. وحركت اطرافها حركة خافتة جدا.. جعلت ألكس ينتبه لتلك الحركة..و يلتفت اليها لترتسم ابتسامة على شفتيه بالرغم منه وهو يتطلع الى عينيها اللتان تطلعان اليه بحيرة..
وربت على كفها ليقول وقد انفرجت اساريره وشعور بالراحة طغى على صوته: اخيرا افقت..
تطلعت لما حولها باستغراب.. وكانت تريد ان تنطق لكن الحروف كانت اثقل من اطنان من الحديد على لسانها في تلك اللحظة.. شعرت بحلقها جاف جدا.. وحاولت ان تزدرد لعابها لعلها ترطبه لكن دون فائدة.. وقالت بالعربية دون ان تشعر: اين انا؟..
سمعها ألكس لكنه لم يفهم حرفا مما قالته.. وتطلع لها بعيون حائرة قبل ان يقول: ماذا تقولين؟..
انتبهت للغته الانجليزية في الحديث.. واعادت جملتها قائلة بصوت مبحوح وبالانجلينزية: اين .. انا؟..
اجابها ألكس بهدوء: في المشفى..
تلفتت عهد حولها وتذكرت هذا المكان الذي يكون ارحم من أي مكان آخر قد تكون فيه.. على الاقل تسترجع شيء من قوتها.. وتكون في سلام بين جدران هذا المشفى..
وعادت لتشعر بجفاف حلقها فأخذت تتطلع حولها باحثة عن شيء ما.. فأسرع ألكس يسألها عندما لاحظ نظراتها: عما تبحثين؟..
قالت عهد باقتضاب: الماء..
قال ألكس بهدوء: انتظري للحظة..
ونهض من مجلسه ليضغط الزر المجاور لفراش عهد.. وهنا فقط انتبهت عهد انه قد ترك كفها عندما نهض.. اذا كان يمسك بها طوال الوقت!!..لماذا؟..لماذا يفعل هذا بي؟.. لماذا يجعلني اسيرة افكار لا نهاية لها؟..
وعاد ألكس ليجلس على المقعد ويقول متسائلا: كيف تشعرين؟..
عقدت حاجبيها وقالت وهي تتطلع اليه بضيق: وفيم يعنيك هذا الامر؟..
لم يتوقع جوابها هذا.. واكتفى بالصمت وهو يتطلع اليها بنظرات حانقة وغاضبة.. متى ستفهم هذه الفتاة ؟.. متى ستدرك انها باتت جزء من حياتي؟..باتت شيئاً مهماً لا يمكنني الاستغناء عنه..
ولم تمض دقائق حتى جاءت الممرضة .. وقال ألكس عندما رآها تقترب من فراش عهد: لقد افاقت للتو.. وهي تطلب شرب الماء..
التفتت له عهد باستغراب.. وما شأنه هو؟.. هل يهمه ان كنت اشعر بالظمأ ام لا؟.. هو بنفسه من القى بي في ذلك السجن المظلم الحقير.. اعاني الالم والخوف والظلم..
وما ان انتهت الممرضة من فحص حالتها حتى طلبت منها عهد ان تساعدها في ان تعتدل جالسة على الفراش.. فنفذت لها الممرضة ما تريد.. وعاونتها حتى جلست على الفراش..
وقالت قبل ان تخرج:سأحضر لك الماء.. لكن لا تجهدي نفسك ببذل أي مجهود..
اومأت عهد برأسها ايجابيا وهي تشعر بتعب جسدي وبصداع ألمّ برأسها.. وبالألم في كل جزء من جسدها..والتفتت الى ألكس لتسأله عما يريد بوجوده معها حتى الآن.. لكن ما رأته جعلها تلجم لسانها عن نطق أي حرف.. ربما بسبب نظراته الغريبة لها.. وربما بسبب ذلك الضماد الذي يلف صدره..لقد تذكرت الآن فقط انه قد اصيب قبل ان يحدث أي شيء مما جرى لها..
وبالرغم منها.. خرجت الحروف لتتساءل بقلق عن حالته قائلة: أأنت على ما يرام؟.. فقد سمعت انك قد اصبت مؤخرا ..
قالتها وازدردت لعابها في ارتباك.. في حين ابتسم ألكس ابتسامة واسعة معبرا عن فرحته في تلك اللحظة.. لقد سألت عنه.. سألت عنه هو.. اهتمت بحالته الصحية.. وقلقت عليه.. هل هو يحلم؟.. ام انه اخطأ سماع العبارة؟..
وتطلع الى عهد ليقول بنظرة سعيدة وبابتسامة: اجل انا على ما يرام الآن..
اشاحت بوجهها عنه.. ربما لتهرب من نظراته التي يوجهها نحوها .. لا تريد ان تفهم معناها.. فلتظل مجهولة بالنسبة لها افضل بألف مرة..
ودخلت الممرضة في تلك اللحظة وقد قطعت افكار الاثنين .. وهي تحمل بيدها كوب من الماء الفاتر.. والتقطته عهد من يدها بكل لهفة.. لتشربه وتروي ظمأها وترطب حلقها الجاف ..
وتطلع اليها ألكس بنظرات هادئة.. وبداخله مشاعر متضاربة .. تبدوا كطفلة وهي تشرب.. وكأنها طفلة قد حرموها من طعامها المفضل ومنحوها اياه بعد فترة لتنقض عليه بكل ما اوتيت من طاقة.. حتى الماء ينسكب احيانا على ملابسها.. كم تبدين بريئة وعفوية بتصرفاتك هذه يا عهد.. لكن...
وانتظر حتى غادرت الممرضة الغرفة ومن ثم قال متسائلا وهو يشبك اصابع كفيه: اود ان اسألك..
التفتت له عهد دون ان تعلق وكأس الماء الذي فرغ بين يديها تضغط عليه باصابعها لعلها تخفف توترها تجاه هذا الجالس بجوارها.. واردف هو قائلا وهو يرفع نظراته اليها: ما الذي فعلوه بك؟..
تطلعت له بدهشة.. باستغراب وحيرة.. لم يسأل؟.. لم؟.. وقالت بنبرة تحمل السخرية والمرارة في الوقت ذاته: وما الذي سيفعلونه سوى التمتع بتعذيبي طوال الوقت.. سواء بالضرب.. او بالــ.. بالــ...
توقفت كلماتها في حلقها وهي تتذكر لحظاتها القاسية وهي تصارع الالم والمعاناة.. وعاد ألكس ليستفسر باهتمام: وماذا؟؟..
ارتجفت حروفها بالرغم منها وهي تقول: الكهرباء..
اتسعت عينا ألكس بصدمة.. اأستخدموا معها الكهرباء حقا؟.. كيف لهم ان يستخدموها مع فتاة ؟.. هو نفسه لم يستخدم هذه الوسيلة الا لتعذيب من تعسر عليه استجوابهم.. لكن ان يستخدمها مع فتاة.. محال..
وكور قبضته بكل قوة وغضب بالرغم منه .. وتطلع اليها بنظرات مواسية او آسفة.. وكأنه يرجوها بنظراته ان تعذره لأنه لم يستطيع ان يمنعهم مما فعلوه بها..
وتساءلت عهد باستغراب وهي تراه يتطلع اليها بصمت قائلة: ما الامر؟..
كاد ان ينطق .. ان يقول.. ولو كلمة يعبر فيها عن مشاعره .. لكن.. اقتحمت كلمات جون عليه افكاره في تلك اللحظة..
((كل ما في الامر هو اني اردت ان انصحك.. وان انبهك ان ما تفعله هو خيانة لوطنك..))
احقا ما يفعله هو خيانة لوطنه؟.. احقا؟..أعليه ان يبتعد عن هذه الفتاة وينساها.. هذه الفتاة التي تمكنت من السيطرة على مشاعره..
وتخبطت افكاره وتضاربت مشاعره.. لينهض واقفا ويقول بضيق: بالاذن..
تطلعت له عهد بغرابة.. منذ لحظات كان هادئا.. فما الذي قلب حاله هكذا؟.. تابعته بنظراتها حتى خرج من الغرفة..وسار بعدها وهو يشعر بضيق من كلمات جون.. ومن تأنيب ضميره الذي جعله يغادر غرفة عهد تحت وطأة شعوره بخيانة وطنه..
وعلى الطرف الآخر.. كان يبدوا ان عهد غارقة في تفكير عميق..وبدت افكارها تلك حول امر بالغ الاهمية والخطورة.. وخصوصا وهي تتطلع الى باب غرفتها.. الذي نسي الكس اقفاله.. وتركه مفتوحا...
#############
اقترب عزام من هشام وقال مبتسما وهو يضع كفه على كتفه: هه.. الا توجد أي خطة مؤخرا يا ايها القائد؟..
التفت له هشام وقال بابتسامة: بلى.. ولكني انتظر حتى تهدئ الاوضاع بعد اصابة قائدهم.. ففي الفترة الحالية سيكونون متيقظين اكثر من اللازم..
قال عزام وهو يمسك بذقنه في تفكير: وربما تكون تحركاتهم غير دقيقة بسبب عدم وجود قائدهم بينهم..
قال هشام بهدوء: هناك من سينوب عنه بكل تأكيد.. دعك من المهمات الانتحارية الآن.. واخبرني.. كيف حال سوزي مع الجميع؟.. هل استطاعت التأقلم معهم؟..
قال عزام بمرح: لقد طننت انك ستسألني كيف حال الجميع مع سوزي؟.. وهل تمكنوا من التأقلم في ظل وجودها بينهم؟ ..
قال هشام وابتسامته تتسع: لا بأس اجب على جميع الاسئلة التي طرحتها انا.. وانت ايضا..
قال عزام بجدية هذه المرة: ان اردت الصدق.. فهي تحاول التأقلم معهم قدر الامكان.. لكن ارى انها لن تفلح.. فأغلب الموجودون هنا ينظرون اليها بنظرات اتهام.. وكأنها المسئولة عن هذه الحرب ..
قال هشام بدهشة: ماذا تقول؟.. لقد اقتنعوا بوجودها بينهم.. فلم يكرهون وجودها الآن؟..
قال عزام وانظاره ترتفع لتلتقي بعيني عزام: لانها بريطانية برغم أي شيء يا هشام..
تنهد هشام وقال وهو يستدير عنه ويسير في طريقه نحو الردهة: اعلم.. وهذا ما جعلني اتردد ألف مرة قبل ان اتركها بيننا.. لكن كلمات شقيقي لي وثقته الكبيرة بها جعلا شيء من هذا التردد يختفي..
قال عزام وهو يسير الى جواره:وايضا يقولون ان الحب اعمى ..
قال هشام وهو يلوح بكفه: على اية حال هي لن يمكنها فعل شيء في ظل وجودها هنا.. الا لو قمنا باخراجها بانفسنا..
هز عزام كتفيه قائلا: ربما..
ومن ثم اردف قائلا: صحيح..نسيت ان اخبرك.. هي تبدوا حزينة هذا اليوم .. واظن ان السبب هو امر حدث بينها وبين مارك..
تساءل هشام باهتمام وهو يحتل احد المقاعد: وكيف عرفت بذلك؟..
تبعه عزام بالجلوس على المقعد المجاور ومن ثم قال: الامر واضح للعيان.. هو يتحاشى الحديث اليها .. والبقاء معها.. بعد ان كان دائم الجلوس معها..
عقد هشام حاجبيه وقال: اتتوقع انها مجرد مشكلة عادية؟ .. ام انها مشكلة تتعلق بوجودها هنا؟..
- يمكنك ان تجد الاجابة لدى شقيقك..
اومأ هشام برأسه وقال : معك حق.. يتوجب علي سؤاله..
ران الصمت للحظات قبل ان يقطعه عزام بقوله: هشام .. احقا لن تحاول سؤال سوزي عن موقع المبنى البريطاني الذي قد يساعدنا في الوصول اليه وان نضرب ضربتنا في مركز العدو؟.. وربما انقاذ عهد الذي قد يكون اسيرا فيه..
وضع هشام ساقه اليمنى على اليسرى وقال وهو يلتقط نفسا عميقا: فكرت ان اسألها او اترك ذلك لمارك.. او حتى ان استدرجها في الحديث.. لكن اشك في ان هذا سيفيد معها..
قال عزام في سرعة وهو يميل نحوه: يمكننا المحاولة على الاقل..
قال هشام بهدوء وهو يمدد ذراعيه الى جواره: سنحاول.. لكن دون الضغط عليها..
اومأ عزام برأسه متفهما.. اما افكار هشام فقد انحصرت على الخلاف الذي بين شقيقه وسوزي..وفي الاسباب التي قد تكون ادت لنشوبه.. .
###########
 
بــــ الحب (11) والواقع ـــين
:: هروب::


الحرية..كلمة من ستة حروف فقط.. كلمة من السهل ان ينطق بها اللسان.. لكن نيلها يعد من المهمات الصعبة او الاقرب الى المحال.. صحيح ان هناك الملايين ممن يتمتعون بها.. لكن لا يعرف قيمة الشيء الا فاقده..
فلو تخيلت نفسك يوما مسجونا فقط في غرفة .. وحيدا دون أي وسيلة تصلك بالعالم الخارجي.. وليوم واحد فقط.. ستشعر انك تكاد تصاب بالجنون.. تريد الخروج بأية وسيلة كانت .. لكن كيف؟..
ولو جاءتك الفرصة.. فهل ستتخلى عنها؟.. ام ستتمسك بها بيديك واسنانك؟.. وستحاول قدر الامكان نيل حريتك مغامرا بحياتك ومتناسيا أي خطورة قد تواجهك..
هذا ما كانت تشعر به عهد بكل اختصار..عندما شاهدت ذلك الباب مواربا ولم يتم اقفاله.. كان شعورها هو خليط من الفرحة والامل والقلق والخوف..الفرحة والامل لكونها قد تستطيع الخروج من هذا المكان اخيرا بعيدا عن الذل والاهانة.. والقلق والخوف من اقدامها على خطوة خطرة كهذه..
وانتصر الامل في قلبها ليجعلها تنزع المحاليل المتصلة بكفها.. وتلك الاسلاك المخصصة لقياس ضربات القلب .. وتنهض من على فراشها وهي تسير بخطوات بطيئة نحو الباب ..وهي تشعر ان هذا الباب هو الحاجز بينها وبين حريتها ..وامتدت كفها لتفتحه بشكل اكبر وتنظر من خلاله...
كان الممر يبدوا لها خاليا تقريبا.. فأسرعت تخرج من غرفتها وهي تطرق برأسها وترفع ياقة قميصها لتخفي ملامح وجهها .. فقد يتعرف عليها احد الاطباء او الممرضات الموجودين بالمشفى..
سارت بين الممرات برعب وخوف سيطرا عليها.. وهي تتخيل ان نظرات الممرضات اللاتي تراهن متوجهة نحوها.. وما ان لمحت احد الجنود يسير في الممر حتى اتسعت عيناها في رعب.. ودلفت الى الغرفة المجاورة لها بسرعة ومن دون تفكير.. وهي تشعر ان قلبها يكاد يخرج من جسدها من شدة ضرباته السريعة..
وضعت يدها على صدرها لعل ضربات قلبها تنتظم.. ومن ثم اخذت نفسا عميقا تملأ به صدرها.. وما ان كادت ان تفتح الباب من جديد.. حتى شعرت بدوار يكتنف رأسها وان الرؤية باتت غير واضحة امامها.. لا ليس الآن.. ليس الآن..
ولم تجد امامها سوى ان تغمض عينيها .. فلربما تستطيع ان التخفيف من شدة الدوار..ولم تمض دقائق حتى فتحت عينيها بحزم وهي تشعر بالاصرار على المواصلة وعدم التوقف فيما اقدمت عليه.. لتقترب من باب الغرفة والتي كانت خالية من أي شخص لحسن حظها.. وتفتحه ببطء وتراقب ان كان هناك من يوجد من الجنود في الممر.. وتنفست الصعداء عندما شاهدت ممرضة واحدة فقط قد سارت بالممر واكملت طريقها بهدوء..
وبخطوات حذرة ومتوترة غادرت الغرفة.. وهي تسرع في خطواتها بين الممرات دون ان تعرف اين الطريق نحو المخرج من هذا المكان .. وخفق قلبها فجأة في قوة.. وتوقفت اقدامها امام ذلك الباب..وهي تلمح اللافتة التي تعلوه والذي كتب عليها بالانجليزية (مخرج الطوارئ) ..اذا فهذا هو المخرج.. هذا هو طريقها للحرية.. اخيرا.. اخيرا يا عهد ستتنفسين هواء بلادك النقي.. وتعودين لتسيرين على ترابها الندي..
وبرقت عيناها ببريق الفرح والامل وهي تدفع الباب بكل قوة.. ومن ثم تهبط تلك السلالم في سرعة.. باب الخروج يقترب .. والحرية باتت قاب قوسين او ادنى منها.. ستعود الى عالمها اخيرا.. بعيدا عن الذل والعذاب والهوان.. ستعود...
لمحت باب آخر عند زاوية تلك السلالم..وبخطوات سريعة وصلت اليه.. وبكل لهفة وامل وفرح بات ينبض به قلبها.. امسكت بمقبضه بأنامل ترتجف وحاولت ان تفتح الباب.. ولكن ...
تبخرت آمالها بالحرية وهي تجد الباب موصدا بقوة.. حاولت ان تجذبه او تدفعه.. حاولت بكل طاقتها وقوتها.. واخيرا تنهدت بتعب وألم وهي تقول وغصة مرارة في حلقها: تبا..
قالتها وركلت الباب بكل ما اوتيت من قوة.. وبغتة شعرت بصوت خطوات على ذلك السلم وبحثت عن أي مكان لتختبئ فيه لكن وقبل ان تتحرك خطوة واحدة سمعت صوتا يقول بحزم: اظن ان اللعبة قد انتهت عند هذا الحد..
ورأته اخيرا وهو يقف عند اعلى السلم..ألكس بنظرته الصارمة.. وقد بدا وانه عاد كما رأته اول مرة.. بقسوته وجبروته...
###########
توقفت سيارة رمادية اللون بجوار احد المستشفيات.. وخرج منها شابان.. احدهما طويل القامة عريض المنكبين.. يغطي رأسه شعر اسود غليظ.. وعيناه تتمتعان باللون ذاته .. اما بشرته فكانت تتمتع بسمار خفيف.. تزيد من ملامحه الرجولية الوسيمة..
اما الآخر فقد كان طويل القامة ذا شعر بني قاتم.. ويتمتع بوسامة محببة..و ذلك الزي الذي يرتديه يدل على ثراءه بكل وضوح..
وقال الاول بهدوء في تلك اللحظة وهو يسير باتجاه المشفى: هذا ثالث مستشفى ندلف اليه ونسأل فيه دون فائدة.. حتى تلك الحالات المجهولة لم تفدنا في شيء..
قال الآخر مبتسما وهو يسير الى جوار الاول: اصبر قليلا يا فارس .. ما هذه العجلة التي اراها فيك؟.. على الاقل انت الآن تبحث خلف امل معين.. بعد ان كنت موقن بموتهم جميعا.. فتحلى بقليل من الصبر..
زفر فارس بحدة وقال: لا اعلم ما الذي جرى لي.. ان الترقب لما قد يحدث هنا يكاد يقتلني حيا.. اشعر بالتوتر.. بالخوف .. أهم على قيد الحياة حقا؟.. ام لقوا حتفهم جميعا؟ .. اريد ان اعرف الحقيقة .. بدلا من العيش على وهم قد يكون كاذبا..
وضع حازم كفه على كتفه..ومن ثم قال باهتمام: شعورك هذا طبيعي .. أي شخص في مكانك كان سيشعر ما تشعر به تماما .. اهدئ الآن.. ودعنا نكمل مابدأناه..
واكملا طريقهما الى داخل المشفى ليتوجها الى قسم الاستقبال .. وسأل فارس الموظفة ان كان هناك أي مريض في المشفى تحت اسم أي احد بالمشفى من اقاربه .. وكان جواب الموظفة هو النفي بعد أن بحثت في سجلات المشفى.. وهنا تدخل حازم ليقول: وبالنسبة للحالات المجهولة الهوية..
عادت الموظفة لتبحث بين سجلات المشفى قبل ان تقول: هناك اربع حالات لم نتعرف عليها حتى الآن.. وحالتان قد توفيتا قبل اسبوعين..
ازدرد فارس لعابه بتوتر ومن ثم قال: هل يمكنني رؤيتهم؟ ..
قالت الموظفة بابتسامة اعتادت عليها: سأمنحك ارقام الغرف والاقسام.. ويمكنك سؤال الطبيب المشرف فيما يخص رؤية المرضى..
قال حازم بهدوء: شكرا لك ..
منحتهما ارقام الغرف والاقسام .. فأسرع حازم وفارس يتوجهان للمصعد ويستقلانه الى الطابق الثاني .. حيث ستكون هناك اول حالة مجهولة الهوية.. وقال حازم في تلك اللحظة وهما يخرجان من المصعد: يمكننا ان نستثني بعض الحالات .. كالمصابة بأمراض القلب او ...
قاطعه فارس بهدوء: لا اريد ان نستثني أي احد.. اريد رؤية جميع الحالات..
هز حازم رأسه متفهما.. ومن ثم توجها الى مكتب الطبيب ليستشيراه في رؤية اولى الحالات .. ووافق على ذلك على ان يأخذهما هو بنفسه لتلك الحالة..
ورافقاه الى الغرفة المحددة.. وهناك فتح الطبيب الباب وهو يقول: لقد نقل هذا الرجل الى هنا بعد ان اصيب في حادث سيارة.. منذ اربعة ايام وحسب..
اطل فارس برأسه ولمح الرجل الممدد على الفراش ومن ثم زفر بعمق قائلا: فلننتقل الى مريض آخر ..
استدار اليه الطبيب وفهم من عبارته بأن هذا ليس هو المريض المقصود..وانتقل معهما الى ثلاث غرف اخرى .. لكن كان لها جميعها النتيجة ذاتها..
وقال الطبيب في تلك اللحظة وهو يغلق باب غرفة الحالة الاخيرة: كان بودي المساعدة ..
قال فارس بهدوء: لقد فعلت الواجب واكثر يا ايها الطبيب .. فشكرا لك..
اما حازم فقال متسائلا: نود سؤالك عن الحالتين اللتان نقلتا الى هنا قبل اسبوعين وتوفيتا..
عقد الطبيب حاجبيه وقال مفكرا: قبل اسبوعين.. قبل اسبوعين ..لست اتذكر بصراحة.. ربما لم اكن المشرف على تلك الحالات وقتها..
التفت حازم الى فارس وقال بتساؤل: أليس لديك اي صور لأي من اهلك؟..
قال فارس وهو يخرج محفظته من جيب سترته: بلى .. دعني اخرجها لك..
وفتح محفظته ليخرج ثلاث صور .. منحه اثنتين منها واعاد الثالثة الى المحفظة مرة اخرى.. فسأله حازم مبتسما: لم اعدت تلك الصورة الى المحفظة؟ ..
قال فارس بهدوء مجيبا: لانها صورتي..
تطلع له حازم بشك لكنه لم يستمر في نظراته تلك.. بل التفت الى الطبيب ليمنحه الصورتين.. فقال الطبيب وهو يطلع الى الصور في تمعن:اظن اني رأيت هذا الرجل من قبل.. وايضا هذا الشاب.. انا متأكد..
غرق في تفكير عميق ومن ثم قال بغتة كأنه تذكر امر ما: بلى.. لقد تذكرت انهما...
قالها وبتر عبارته فجأة ..فقال فارس بلهفة: اجل.. اين رأيتهما؟.. اخبرني بالله عليك.. اين ومتى رأيتهما؟..
صمت الطبيب للحظات كانت اشبه الدهر لفارس.. وهذا الاخير يتطلع اليه بلهفة وترقب وتوتر.. وانخفضت عينا الطبيب ليقول بصوت خافت: البقاء لله يا بني.. هاتين هما الحالتين اللتين لم نتعرف عليهما و توفيتا في المشفى دون ان نعلم عنهما اي بيانات شخصية.. تحلى بالصبر واطلب من الله ان يرحمهما.. عن اذنكما..
قالها واسرع يبتعد عنهما.. تاركا خلفه شابا مصدوما ..شابا حمل قلبه معنى المعاناة والحزن.. معنى الضياع والوحدة..قلبه الذي ينعصر ألما وحزنا لمعايشته مقتل والده وشقيقه للمرة الثانية.. لكن هذه المرة.. كان قد تيقن من هذا الخبر تماما...
##########
العودة الى ذلك السجن مرة اخرى.. الى التعذيب.. الى مقعد الكهرباء المرعب.. الى الضرب.. الى الزنزانة القذرة.. لا والف لا..لن اعود.. سأخرج من هنا.. سأخرج.. ولن يستطيع احد اجباري على العودة ابدا...
ودون ان تبالي بذلك الواقف اعلى السلم.. استدارت عنه لتجري بكل قوتها قاصدة النزول.. واخذت تتخطى درجات السلم بكل ما تمتلك من قوة وطاقة..وهي لا تعرف ان كانت تتخطى درجة ام اثنتين في كل مرة..وسمعت صوته من خلفها وهو يهتف بها: توقفي.. قلت لك توقفي..
لكنها لم تهتم.. ولم تخش شيئا مايهمها الآن هي الحرية والخروج من هذا المكان ولا شيء آخر..
ولم تنتبه لتلك الاقدام التي اقتربت منها وباتت لا يفصلها عنها الا خطوات..كل ما كان يهمها لحظتها هو الوصول الى المخرج مهما كلف الامر.. وشهقت فجأة عندما شعرت بأحدهم يمسك ذراعها بكل قوة وهو يقول بصرامة: قلت توقفي.. الا تفهمين؟.. ثم لا تظني بأنه بامكانك الخروج من هذا المكان .. جميع الابواب هنا تفتح ببطاقة خاصة.. فلا تحلمي بالهروب ابدا..
التفتت له عهد وتطلعت اليه بكل كراهية وحقد.. بكل ذرة انتقام عاشت في صدرها لمقتل والديها امام ناظريها.. بكل صرخة ألم سمعتها من افراد فرقة المقاومة وهم يقاتلون الجيش البريطاني.. وبكل قطرة دم سالت على تلك الارصفة والشوارع ظلما..
واستغرب ألكس نظرتها في البداية.. لكن سرعان ما فهمها.. لا.. ليس هذا ما اريده يا عهد.. لا تنظري الي بكل كره هكذا.. صدقيني كل ما افعله بالرغم مني.. انها الاوامر.. لا يمكنني مخالفتها..لا يمكنني فعل شيء حيالها..
وتراخت قبضته بالرغم منه في غمرة تفكيره.. واستغلت عهد هذا الامر لصالحها .. لتتحرر من قبضته وتعود لتنطلق هابطة الدرجات.. هناك باب آخر ربما بامكانها الخروج منه.. فلتسرع فقط بشكل اكبر..
ألكس الذي شعر بالحنق عندما شاهدها تعاود الهرب.. اسرع يهبط الدرجات خلفها.. لكن.. واختصارا للوقت وللجهد.. لم يجد امامه لايقافها سوى ان يقفز من اعلى حاجز او درابزين السلم ليتخطاها ويهبط على الدرجات التي بالاسفل وامام عهد تقريبا.. وهذه الاخيرة ارغمت على التوقف وهي تتطلع اليه بخوف.. وتحاول منع شهقة من ان تخرج من بين شفتيها ..
وقال هو ببرود: اظن انه قد حان الوقت لأقول لك ان اللعبة قد انتهت يا فتاة.. وبفشلك..
ازدردت لعابها بقلق وتوتر.. وتراجعت بخطواتها الى الخلف ..حتى اصطدمت قدمها بالدرجة التي خلفها.. وكادت ان توقعها ارضا.. لولا ان اسرعت كف ألكس لتجذب ذراعها اليه .. وما ان اطمئن الى توازنها حتى قال وهو يدفع عهد امامه: الم اقل لك ان اللعبة قد انتهت عند هذا الحد؟..
قالها واكمل طريقه ليدفعها امامه بخشونة.. وتطلعت هي اليه بنظرات ساخطة ..وفي اعماقها شعرت بالقهر لعدم تمكنها من فعل أي شيء سوى الاستسلام له وهو يعيدها الى داخل المشفى من جديد..
حتى وصلا الى غرفتها فدفعها الى داخلها بقوة وهو يقول: يبدوا انني اخطأت عندما تركتك دون حراسة.. كان يجب علي ان ادرك انك حتى وان كنت ضعيفة الجسد..فستفعلين ما يدور في رأسك رغم خطورته..
قالت بحدة وغضب وهي تستدير له: لن تخفيني انت ولا عشرة من حراسك..
رأته يندفع نحوها وفي عينه نظرة غضب.. وتراجعت في خوف وهي تشعر انه لن يتوانى في ضربها.. لكن فاجأها عندما امسك بمعصمها وصاح فيها هاتفا: انت مجنونة.. مجنونة تماما..كيف تنزعين المحاليل هكذا؟..
ادهشها واذهلها قوله.. وجعلها تتطلع اليه ببلاهة.. وقبل ان تجد الوقت لتعلق على ما قاله .. اردف هو قائلا: سأنادي لك الممرضة لتعاود وضعها لك..
وابتعد مغادرا الغرفة تاركا عهد تحت تأثير تصرفه الغريب .. وهي تقف مذهولة تتطلع الى النقطة التي اختفى فيها...
###########
(هذا يكفي..)
صاحت سوزي بهذه العبارة في وجه مارك الذي كان يجلس على احد المقاعد بالردهة ويطالع احد الكتب الاجنبية باهتمام.. والتفت لها مارك عند سماعه عبارتها ليتطلع اليها ببرود .. ومن ثم يعاود قراءته وكأن شيئا لم يكن.. فقالت سوزي هذه المرة بلهجة اقرب للتوسل: هذا يكفي.. ارجوك .. لم اعد اطيق صبرا.. لقد وافقت على بقاءي هنا.. لانني سأكون قريبة منك طوال الوقت.. لكني لم اكن اتوقع ان هذا سيجعلني قريبة منك بالمسافة وحسب..
رفع مارك انظاره اليها وقال وهو يشد على قبضته الممسكة بالكتاب: وما الذي جعلني بعيدا عنك يا سوزي؟ .. سوى ما فعلته سابقا.. لقد كنت اراك دوما على انك اكبر من ان تصدقي مثل هذه التفاهات .. لكني كنت مخطئا.. وليكن في معلومك انني قد وضعت في وضع مشابه لوضعك .. فقد سمعت العديد من الاشاعات حولك.. لكني تمسكت بك .. على عكسك تماما..
قالت سوزي برجاء: فلننسى الماضي يا مارك.. ارجوك.. نحن الآن نحيا بالحاضر.. وليس أي حاضر.. حاضر قد يجعلنا نفترق في اية لحظة بالرغم مني ومنك..
قال متسائلا بحدة بغتة: اهذا يعني انك ترغبين في العودة الى المبنى البريطاني ؟..
قالت سوزي وهي تعض على شفتيها بمرارة: وان بقيت.. لمن ابقى؟.. لشخص لا يريدني الى جواره..بسبب خطأ مضى عليه اكثر من عام..
- لكنه كلفني الكثير..
اسرعت سوزي تقول بألم: ولا تظن ان الامر كان سهلا علي كذلك.. لقد عشت ايام عصيبة.. وليال سوداء.. وانا اتخيلك...
صمتت دون ان تكمل وكأنها تخشى ان تذكر مارك بسبب غضبه منها.. واردفت قائلة وهي تتنهد: لو كنت اعلم ان قولي الحقيقة.. سيجعلك تكرهني الى هذه الدرجة .. لما نطقت بحرف واحد منذ البداية.. او اتخذت الكذب بديلا لي..
قال مارك وهو ينهض من مجلسه: من قال اني اكرهك؟ ..لكني لا استطيع ان انسى انك قد جعلتيني احيا عام كامل من العذاب بسبب خدعة بلهاء..قد انطلت عليك بسهولة ..
قالت سوزي بحزن وهي تشير اليه: ارأيت انت بنفسك قلت انها خدعة.. وليس لي أي يد في ابتعادي عنك.. لقد خُدعت حينها ..
قال مارك بابتسامة باهتة وهو يقترب منها: سوزي .. دعيني افكر قليلا في مصير علاقتنا هذه..
قالت سوزي بخوف: لماذا؟..
قال مارك وهو يلوح بيده: لاسباب عدة منها ان وضعنا الآن قد اختلف تماما.. واصبحنا اشبه بالــ...
قاطعته سوزي لتقول بتوتر: لا تقل اعداء.. فلن نكون كذلك في يوم يا مارك..
قال مارك وهو يتطلع اليها: حسنا لن اقول شيئا.. فقط امنحيني فرصة حتى الصباح لأخبرك برأيي في ان نظل كما كنا سابقا.. او يقتصر الامر على الصداقة وحسب..
اسرعت سوزي تقول وهي تتطلع اليه بنظرات ندم وحب: مارك.. اقسم لك.. ان قلبي لم يحمل حب شخص سواك .. فلننسى الماضي.. ولنبدأ من جديد..
تطلع لها مارك بابتسامة ونظرة حنان وكاد ان ينطق بقول شيء ما.. لولا ان استوقفه استدعاء عادل له وهو يقول: مارك.. القائد يريدك..
التفت له مارك واومأ برأسه ايجابيا ليقول: حسنا.. قادم..
وقبل ان يتحرك من مكانه.. وجد سوزي تمسك بكفه وتشد عليها برجاء قائلة: دعنا نبدأ من جديد يا مارك.. ارجوك ..
التفت لها مارك ليقول بهدوء: سأعود اليك يا سوزي.. انتظري..
وسار عنها تاركا اياها تصارع الحزن والندم وحدها.. في حين توجه هو الى هشام.. ليقول بابتسامة ليس فيها اية حياة: هل طلبتني يا ايها القائد؟..
قال هشام وهو يشير له بالجلوس: اجل.. واود سؤالك عن امر ما..
قال مارك باهتمام دون ان يجلس: وما هو؟..
احتل هشام هذه المرة احد المقاعد وقال وهو يشير له بالجلوس مرة اخرى: اجلس اولا..
اتخذ مارك مجلسه باستغراب وانتظر ان يبدأ هشام بالحديث.. حين رآه يلتقط نفسا عميقا ومن ثم يشبك اصابع كفيه ليقول: كيف هي احوالك مع سوزي؟..
كان سؤالا مباغتا لم يتوقعه مارك.. وقال مصطنعا المرح ليخفي توتره: ما هذا يا اخي؟.. اتريد ان تتذكر ايام عملك في الشرطة وتبدأ في التحقيق معي؟..
مال هشام نحوه وقال متجاهلا عبارة مارك ليكرر سؤاله : ما هي احوالك معها يا مارك؟؟ ..
ازدرد مارك لعابه بتوتر.. ومن ثم تنهد بعمق.. وهو يشعر ان تنهيدته تلك قد خرجت من اعماق قلبه لتعبر عن ما يعيشه من حزن وحيرة وضياع بعد ابتعاده عن سوزي..وقال بعدها بابتسامة باهتة: كان كل شيء بخير.. حتى اخبرتني بسبب ابتعادها عني طوال تلك المدة..
قال هشام متسائلا باهتمام : هذا يعني ان سبب خلافكم لا يعود الى انتماءها الى المبنى البريطاني..
اسرع مارك يقول: لا ابدا..
زفر هشام بحرارة ومن ثم ابتسم قائلا: لقد ارحتني بكلامك هذا..
واردف قائلا وهو يعتدل في جلسته: اذا ما سر ابتعادها عنك طوال تلك المدة؟..
نظر مارك للبعيد وقال : سأخبرك..
واخذ يسرد عليه كل ما جرى.. كما اخبرته سوزي.. وعقله يبحث عن وسيلة لينهي حيرته هذه .. بنسيان الماضي.. او تركه ليكون سببا في تدمير حبهما ..
#############
جلس حازم بقلة حيلة على احد المقاعد بالردهة وهو يتطلع الى فارس الذي لم ينطق بحرف واحد بعد مغادرتهم للمشفى.. واكتفى بالتطلع من النافذة الى الافق الممتد امامه..والى تلك المباني الجامدة وحركة السير المعتادة في الطريق.. وحاول حازم ان يحدثه ان يجعله يتجاوب معه في الحديث لكن جوابه كان الصمت..
ولمعت نظرة ندم في عيني حازم وشعر بتأنيب الضمير .. فهو في النهاية من طلب منه ان يبحث عن افراد اسرته .. وقال بندم: يبدوا وانني السبب في حزنك هذا .. ليتني لم امنحك املا كاذبا منذ البداية ..
اكتفى فارس بتنهيدة الم عبر فيها عن عذابه ومعاناته .. اما حازم فقد اردف قائلا وهو يرفع انظاره الى فارس: ارجوك يا فارس تحدث.. ولا تحملني ذنب صدمتك للمرة الثانية.. اعلم اني السبب.. لكني ظننت انهم قد يكونون على قيد الحياة او...
قاطعه فار س بغتة بصوت صارم: لم ينتهي الامر بعد.. لا يزال امامي عائلة خالي وعمي.. سأبحث عنهم.. لعلي اجد من فيهم على قيد الحياة..
تطلع له حازم باستغراب ومن ثم لم يلبث ان هب واقفا وقال بابتسامة واسعة وفرح عبرت عنه كلماته: اجل هذا هو فارس الذي اعرفه.. سنواصل البحث معا.. فلربما تعثر على أي خيط يوصلك الى اهلك..ومن جهتي سأبلغ كل معارفي باسماء واوصاف افراد عائلتك حتى نصل اليهم..
استدار له فارس وقال وهو يرسم على ثغره ابتسامة شاحبة: سنبدأ بالبحث مجددا غدا.. وسأحاول من جهتي بذل كل ما في وسعي.. لكن لي عندك طلب بسيط..
تطلع له حازم باستفهام وهو يقول: اطلب ما تشاء يا فارس..
تقدم فارس منه وقال وهو يجلس على المقعد المواجه لحازم: اود ان تجد لي عمل عند أي شركة ..
تطلع له حازم وقال بابتسامة خبيثة: اظن انك كنت تقول دائما .. ان اجمل شيء في الحياة هي الحرية دون عمل او دراسة يقيدانك ..
قال فارس بشحوب: كنت اقول ذلك عندما كنت بين اهلي واصدقائي.. اما الآن .. فأريد ان انسى.. وان اضع احزاني كلها في شيء معين.. واظن ان العمل سيساعدني على ذلك ..
قال حازم وهو يعقد ذراعيه امام صدره: لا بأس انا موافق.. لكن بشرط.. ان تعمل في شركتي انا..
تطلع له فارس وقال وهو يرفع حاجبيه باستهزاء: لا تحلم.. لن اكون تحت امرتك في يوم.. اعلم انك تريد ان تستغل الوضع ..
قال حازم باستنكار مصطنع: فليكن .. لا تحلم بالعمل اذا.. وابحث عمن يوظف شاب فاشل مثلك..
- انا الفاشل .. ام انت؟.. يا من تم تعيينك دون شهادة جامعية حتى..
قال حازم وهو يحك رأسه باحراج: لكني حصلت عليها منذ عام..
قال فارس وهو ينهض من مكانه وابتسامة على ثغره: دعنا من هذا الآن.. وانتظر لكي اعد لك اجمل عشاء ستتناوله..
اسرع حازم يقول برجاء وخوف مصطنعان: ارجوك .. كل شيء الا قشور البيض التي ستتبقى من عشائك ..فلنخرج ونتناول طعام العشاء في اي مكان بالخارج افضل..
هز فارس كتفيه وقال بابتسامة واسعة: كما تشاء وانت من خسر لأنك لم تتذوق عشاءي..
قال حازم بمرح: بل قل من ربح ببقاءه سالما حتى الغد..
تطلع له فارس بطرف عينه .. فهب حازم من مجلسه ليقترب منه ويقول وهو يضربه على كتفه بخفة: تبدوا سعيدا على عكس حالتك منذ لحظات..
قال فارس بابتسامة باهتة: صدقني كل هذا يعود بعد الله تعالى ..لك.. لقد وقفت بجانبي في مصيبتي وخففت عني بأكثر مما تتصور ..
قال حازم وهو يعقد حاجبيه: للمرة الألف يا فارس اقول لك اني لا احب ان تكون بيننا مثل هذه الرسميات.. انت اخي.. لم لا تفهم ذلك؟.. ولو كنت انا في مكانك لفعلت الشيء ذاته ..
هز فارس كتفيه وقال مبتسما: ربما..
- والآن.. الن نخرج؟.. اشعر بالجوع..
قال فارس في سرعة: انتظر لحظة.. سأجلب هاتفي المحمول من غرفة النوم.. والحق بك..
قال حازم بهدوء: حسنا..
ورأى فارس يبتعد عنه الى غرفة النوم.. فعاد هو ليجلس على الاريكة.. وهو يسند رأسه الى مسندها.. وهنا فقط انتبه لمحفظة فارس التي وضعها على طاولة مجاورة.. وبدأ الفضول يسيطر على تفكيره.. يريد ان يعرف السبب الذي دعا فارس لأن يخفي الصورة الاخيرة في المشفى ..
وبخطوات سريعة توجه الى حيث المحفظة والتقطها بين كفيه ..وهو في لهفة لأن يفتحها ويخرج تلك الصورة منها.. لكن فاجأته تلك اليد التي امتدت لتأخذ المحفظة من بين يديه وصوت فارس الساخر يقول: عيب عليك يا اخي.. ان اردت نقودا اخبرني.. فلن اقصر عليك في شيء..
ارتبك حازم لوجود فارس امامه والذي لم ينتبه له ابدا.. ومن ثم قال بسخرية بدوره ليغطي على ارتباكه: انا اريد نقودا منك؟.. لا تنسى اني صاحب شركة.. واملك من الثروة اضعاف ما تملكه انت..
قال فارس وهو يضع المحفظة في جيبه وبابتسامة ويبتعد عنه نحو الباب : تعني لوالدك..
قال حازم في سرعة وهو يلحق به: ولي ايضا نصيب كبير منها..
وخرجا كلاهما من الشقة على عجل.. وقد تناسى حازم موضوع الصورة تماما...
#############
شعرت عهد بالغضب بعد ان غادر ألكس الغرفة.. كيف؟ .. كيف لم تستطع الهرب؟.. كانت فرصتها .. كان بامكانها ان تهرب.. كان عليها ان تستغل هذه الفرصة التي قدمها لها القدر على طبق من ذهب .. والفرص تمر مر السحاب.. والآن ماذا عساه يكون مصيرها؟ .. ذل.. اهانة.. عذاب.. فلتمت افضل لها اذا.. لن يهمها شيء بعد الآن .. لقد اكتفت..
وقاطع افكارها دخول الممرضة الى داخل غرفتها.. وهي تقول بصوت هادئ: ارجو منك يا آنسة ان تعودي الى فراشك.. لأعيد وضع الـ...
قاطعتها عهد بحدة: كلا..
قالت الممرضة وهي تقترب من عهد: لكنها اوامر القائد ألكس و ...
صاحت فيها عهد بغضب: فلتذهبي انت وقائدك الى الجحيم.. لن تهمني اوامره ابدا..
قالت الممرضة وقد باغتها اسلوب عهد: لن يمكنني مخالفة الاوامر ..
شعرت عهد بالعصبية تتملكها لتجعلها تقول: غادري المكان الآن.. اخبرتك بأني لا اريد اعادة وضع هذه الاشياء..
اقتربت منها الممرضة لتقول باسلوب حاولت فيه اقناع عهد: لكن يا آنسة.. هذا سيؤذيك انت و...
قاطعتها عهد لتهتف بانفعال وهي تشير لها بكفها بتهديد: اياك والاقتراب.. والا ستلاقين مالا يعجبك.. قلت غادري المكان وحالا..
عقدت الممرضة حاجبيها لتقول بحنق: فليكن.. افعلي ما تريدين ..
قالتها وغادرت المكان وهي تسير بخطوات غاضبة من تحدث اسيرة معها بهذه الطريقة الوقحة ..ورآها ألكس ليوقفها قائلا: مابك؟..
قالت الممرضة وهي تلوح بكفها بقهر: تلك الاسيرة الحمقاء.. رفضت اعادة وضع المحاليل.. واخذت تصرخ وتهدد.. وكأن امرها يهمني..
قال ألكس وهو يعقد حاجبيه متسائلا: احاولت الحديث معها واقناعها؟..
قالت الممرضة بضيق: اجل ولم اجد الا التهديد منها..
قال ألكس وقد حسم امره: حسنا سأقنعها انا..
قالت الممرضة باستغراب: دعك منها يا سيدي..انها تضر نفسها بما تفعله..
قال ألكس ببرود وهو يتطلع الى باب غرفة عهد: وانت تعلمين انها اسيرة هنا.. وربما يكون بحوزتها معلومات تهمنا..
ودون ان يهتم بنظرات الممرضة له.. قال وهو يسير في طريقه نحو غرفة عهد: انتظري هنا.. سأقنعها واعاود نداءك لتضعي لها المحاليل..
اومأت الممرضة برأسها .. في حين اسرع ألكس يتوجه الى الغرفة وهي يتمتم بينه وبين نفسه: اعلم انك تحاولين قتل نفسك ياعهد.. لكني لن اسمح لك بهذا ابدا..
ودلف الى داخل الغرفة ليقول بلهجة امر ما ان وقعت عيناه على عهد: اظن اني قد امرت الممرضة لتأتي الى هنا وتعاود وضع المحاليل..
قالت عهد باستخفاف: واظن اني رفضت.. وهذا شأني وحدي ..
قال ألكس وهو يقترب منها ويتطلع اليها بنظرات حازمة: اتفضلين استخدام القوة؟..
قالت عهد بتحدي: حتى لو وضعتها بالرغم مني.. فسأنزعها ولن يهمني احد..
قال ألكس وهو يصيح بوجهها قائلا: امجنونة انت؟.. ما تفعلينه لن يضر احد سواك..
قالت عهد ببرود: لا يهمني..
قال ألكس في سرعة دون ان ينتبه الى كلماته: ولكنه يهمني انا..
انصدمت عهد مما سمعته للتو واتسعت عيناها لتلتفت اليه وتطلع اليه بنظرة استغراب ودهشة.. وألكس الذي وضع نفسه في موقف حرج لم يعرف ما عليه فعله .. ايحاول ان يغطي على قوله ذلك؟ .. ام يكتفي بالصمت؟..
وفجأة ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتي عهد لتقول: اعلم .. اعلم انني اهمكم جميعا يا ايها البريطانيون.. لأجل المعلومات التي بحوزتي على حد قولكم..
والتفت له لتقول بنظرة قوية وبلهجة صارمة: لكن لا تحلموا.. لن انطق بحرف واحد مهما حاولتم.. لن اذل.. ولن اهان.. الموت عندي هو افضل من ان اكون مهانة من أمثالكم ..
قال ألكس وهو يلتقط نفساعميقا ويقترب منها بخطوات بطيئة: كل ما قلتيه الآن لا يهم.. اتسمعين ؟.. لا يهم..
ضيقت عهد عينيها وقالت بشك: ماذا تعني بقولك هذا؟..لا تقل لي ان حياتي تهمك في امر غير التصريح بالمعلومات..
كور ألكس قبضتيه وهو يحاول السيطرة على نفسه ومشاعره .. ومن ثم قال بصوت هادئ: ستعاودين وضع المحاليل وهذا آخر كلام اقوله..
قالت عهد بغضب: فلتقل ما تقوله.. لست قائدا الا على جنودك .. اما انا فدعني وشأني.. انا ارحب بالموت.. فما الذي يهمك انت؟..
قال الكس بلهجة منفعلة: لا تتحدثي الي بهذه الطريقة والزمي حدودك يا فتاة..
قالت عهد بحدة: وانا لا اريد رؤية احد.. فدعني وحدي..
تطلع اليها بغتة بنظرات طويلة وغامضة لم تفهمها عهد.. واقترب منها ليمسك بذراعها.. لكن هذه المرة لم تكن مسكته قاسية كما اعتادت .. بل كانت رقيقة ان صح القول.. وطفت الدهشة على سطح عينيها وهي تراه يقول بابتسامة نادرا ما تراها على وجهه.. ولهجته قد اكتسبت هدوءا ودفئا بغتة.. وكأنه يريد توصيل رسالة ما اليها : لا تهمني اية معلومات يا عهد.. ولا يهمني ان حصلنا عليها ام لا.. وجودي الدائم معك.. الم يوحي لك بشيء طوال تلك المدة؟ ..
تطلعت له عهد فاغرة الفاه.. غير قادرة على استيعاب أي حرف مما قاله وهي تحت تأثير صدمتها.. واردف هو قائلا وهو يترك ذرعها: الموت ليس حلا لأي شيء.. لا تضعفي.. لا تستسلمي.. كوني كما رأيتك اول مرة..شجاعة وقوية ..
لم تستطع عهد ان تستوعب ما يحدث.. من هذا الذي يشجعها؟ .. من هذا الذي يمنحها املا لكي تحيا؟.. ألكس؟.. القائد الاعلى للجيش البريطاني.. الشخص الذي تمنت قتله منذ ان رأت موت والديها.. ودمار بلادها..
وقبل ان تنطق باي كلمة.. قال ألكس في سرعة وبلهجة اقرب الى الطلب منها الى الامر: ستعاودين وضع المحاليل.. اليس كذلك؟..
تحرك رأس عهد وحده لتومئ به ايجابيا.. هي لا تتذكر انها فعلت.. ربما عقلها الباطن جعلها تومئ به دون ارادة منها.. وربما كانت لا تزال تحت تأثير كلماته حتى تلك اللحظة..
فقال هو بلهفة وهو يغادر المكان: سأنادي لك الممرضة.. فورا ..
قالها وغادر الغرفة.. وعهد التي كانت غارقة في افكارها.. كانت تشعر برجفة تسري في اطرافها.. كلما تذكرت نظراته الغامضة تلك التي يوجهها اليها...
:
:
يتبع...
 
بــــ الحب (12) والواقع ـــين
::أمر استجواب::

اربعة ايام مرت.. لم يرى خلالها عهد الا لمرة واحدة فقط.. الاعمال تراكمت عليه في فترة غيابه بالمشفى.. ولهذا عليه ان يعيد جميع حساباته الآن.. ويعيد تنظيم امور الجيش .. لكن لم يشعر ان العمل بات مملا؟.. وانه يريد التخلص منه للذهاب اليها...
اجل يريد الذهاب اليها.. يريد رؤيتها.. يريد سماع صوتها.. بأية وسيلة .. حتى وان كانت اختراق جدران هذا المبنى.. لا تسألوه عما جرى به فجأة.. فلن يستطيع الاجابة.. كل ما يمكنه قوله انها باتت شيئا لا يمكنه الاستغناء عنه.. تماما كالهواء الذي يتنفسه.. فهل يستطيع احدكم الاستغناء عن الهواء؟..
وتحركت قدماه ليغادر المكتب .. لا يهمه احد.. يريد ان يراها..وهو القائد هنا.. لن يناقشه احد بما يود فعله.. وسرعان ما قادته قدماه الى غرفتها.. ومتجاهلا الحارسان فتح الباب ودخل الى الغرفة.. فشوقه بات يسيطر عليه ويجعله يتناسى أي شيء آخر الآن...
وما ان خطت قدماه الى الداخل.. حتى تجمد في مكانه ..ليس لسبب سوى انه قد رآها.. وعلى اجمل صورة كانت .. ببراءتها ورقتها وطبيعتها.. وقد عادت الحيوية الى وجهها.. فاختفى شحوبه وبات نقيا صافيا.. وعيناها.. تلك العينين اللتين شغلتا تفكيره.. تبدوا كأشعة الشمس المنعكسة عليها .. والتي تتناسب مع لون شعرها البني القصير...
وهي التي كانت تتطلع الى الخارج بكل شرود.. لم تنتبه الى ذلك الواقف يتأملها بنظرات عنوانها الانبهار .. واخيرا تنهدت وهي تلتفت.. ورأته.. ألكس يقف عند باب الغرفة ويتطلع اليها بطريقة لم تعتدها..وكأنها نظرات اعجاب تلك التي يوجهها اليها..
وتساءلت قائلة بصوت خافت: ما الامر؟..
افاق ألكس من تأمله لها.. واقترب منها ليقول بصوت مرتبك بعض الشيء: كيف حالك اليوم؟..
ازدردت لعابها بتوتر.. أيهمه حالها حقا؟..وحاولت ان تجعل صوتها طبيعيا ولكنه ظهر على الرغم منها متوترا يعكس مشاعرها تماما وهي تتمتم: بخير..
جذب له ألكس مقعدا وقال وهو يضعه بجوار فراشها ويجلس عليه: هذا جيد..
تطلعت هي اليه في تلك اللحظة.. انه يبدوا في حال جيدة.. لكن.. لم الرباط لا يزال يلف جسده؟.. ألم يشفى بعد؟.. وما شأنك انت يا عهد؟.. هذا مجرد عدو لك.. لم لا تفهمين ان هدفك هو الانتقام منه ومن امثاله الذين قتلوا والديك واهلك؟..
وتنهدت بصوت مسموع وهي تلتفت عنه.. فاستغرب هو تنهيدتها في البداية.. وتساءل قائلا: هل هناك ما يضايقك؟..
ابتسمت عهد بسخرية مريرة وقالت: ابدا لا شيء.. فلا يوجد شيء هنا يدعوني لأن اتضايق..
قال ألكس وهو يعقد ذراعيه امام صدره.. وعيناه تتطلعان الى الحزن الذي بدا واضحا في عينيها: ولم لا تتفاءلين؟.. فلربما تحسنت الاوضاع عما هي عليه..
التفت له وقالت ببرود يغلف ألمها: اجل اعلم انها ستتحسن.. فسيعود والداي الى الحياة.. واعود الى منزلي الذي تحول الى حجارة ورماد.. وسأخرج انا من هذا المبنى دون ان يصيبني أي شيء..
تطلع لها الكس ومن ثم زفر قائلا: اعلم ان هذا يحزنك.. لكن تأكدي ان ليس في يدي ما اقوم به..
قالت عهد بحدة وهي تشيج بوجهها: لم اطلب شيئا منك.. فقط لا تقل كلاما ليس له أي اساس من الصحة..
قال ألكس في سرعة: عهد..انا احاول ان اساعدك.. صدقيني..
كورت قبضتها بألم .. وقالت وهي نشعر بغصة في حلقها : تساعدني ؟.. وكيف تساعدني؟.. انت قائد هنا.. وانا مجرد اسيرة.. لن يمكنك حتى مخالفة الاوامر لو طُلب منك قتلي.. أليس كذلك؟..
لم يعرف ألكس بم يجيب.. سؤالها اثار في نفسه العديد من الافكار..والجواب اصعب من ان ينطقه من بين شفتيه..هو يعرف انه سيساعدها.. وسبحاول منع أي اذى قد يصيبها.. لكن ايمكنه مخالفة الاوامر حقا من اجلها؟؟..
ولما لم تحصل عهد على تعليق من ألكس.. اكتفت بأن ابتسمت بسخرية وقد عرفت الجواب مسبقا..
وران الصمت عليهما لأكثر من ثلاث دقائق.. وكلاهما يكتفي بادارة افكاره في رأسه.. حتى قال ألكس اخيرا وهو يقطع هذا الصمت: كل ما يمكنني قوله.. انني سأحاول المساعدة.. خذيها كلمة مني..
ادارت وجهها عنه دون ان تنطق بكلمة..فكاد ألكس ان يناديها.. لكن فهم رغبتها في عدم الحديث اليه.. فنهض من مكانه وقال ببرود: لقد فهمت..
واستدار عنها .. ليمضي في طريقه ولكن قبل ان يدير مقبض الباب قال بهدوء: ربما تكونين قد نسيت هذا.. لكني قد انقذتك من خطر الموت سابقا واحضرتك لتعالجي هنا.. متجاهلا اية اوامر اسندت الي..
قالها ومن ثم فتح الباب ليغادر الغرفة .. ربما لم يكن من حقه ان يغضب من ما قالته عهد.. فهو في النهاية عدو لها وعليه ان لا ينسى هذا.. لكنه وبرغم كل شيء حاول مساعدتها واكثر من مرة.. ولا يزال يحاول ان يبعد أي اذى قد يصيبها .. حتى وان كان هذا على حساب مركزه.. كقائد للجيش البريطاني..
#### #######
عادت الذاكرة بمارك الى الوراء..قبل اربعة ايام مضت.. وبالتحديد حين اخبر شقيقه هشام بالسبب الذي دعا سوزي للابتعاد او الهروب كما اطلق عليه دون ان تواجهه حتى..
وتطلع اليه هشام باهتمام بعد ان انتهى مارك من سرد ما جرى وقال متسائلا: وانت؟.. ماذا كانت ردة فعلك عندما سمعت هذا السبب منها؟..
هز مارك كتفيه بحيرة وهو يقول: لقد وجدت نفسي اغضب من هذا السبب التافه.. ومن تصديقها مثل هذا الحديث عني..حتى انني لم اتحدث اليها بشكل جيد حتى الآن..
صمت هشام وهو غارق في تفكيره .. ومن ثم قال بهدوء: سوزي كان لها الحق في ان تشك بك يا مارك..
اتسعت عينا مارك بصدمة مما قاله شقيقه.. وقال وهو يشير الى نفسه: كان لها الحق في ان تشك بي انا؟..انا من منحها قلبه؟ ..
قال هشام وهو يعقد حاجبيه: لا ترى الموضوع من زاويتك انت وحدك.. هي ايضا لها مبررها بما فعلته.. لا تنسى انها قد مرت بتجربة مريرة في السابق كما اخبرتني.. بأن هناك من خدعها تحت اسم الحب.. فكيف لا تريدها ان تشك بك؟ .. وهي ترى ذلك الخطاب في جيبك.. وليس هذا فقط .. كان من ليليا ايضا التي كانت تتحدث فيه عن انك لا تريد من وراء هذه العلاقة الا تحطيم غرورها..
والتفت له ليردف بعتاب: ماذا كنت تريد من فتاة تحطم كبرياءها وهي تشعر انها اهينت؟ .. سوى الابتعاد عمن سبب لها هذا الجرح العميق في قلبها.. لقد عانت فراقكما .. وربما اكثر منك.. لانها كانت تراك احب الناس على قلبها.. وفجأة يتغير كل هذا لتبدوا اكثر الناس خداعا في نظرها..
اشاح مارك بوجهه قائلا: على الاقل كان بامكانها مواجهتي .. فلو فعلت ما كان كل هذا ليحدث..
قال هشام بجدية: لقد مضى كل شيء يا مارك الآن.. ولن تستطيع ان تعيد الماضي.. ولكن .. يمكنك ان تستغل الحاضر..أليس كذلك؟..
:
:
(( يمكنك ان تستغل الحاضر.. يمكنك ان تستغله))
وفتح عينيه المغمضتين ليتطلع الى ما حوله.. ومن ثم يرسم ابتسامة على شفتيه وينهض من مكانه.. وسار في تلك الردهة باحثا عنها.. ولما لم يجدها.. طرق باب الغرفة الجانبية الصغيرة التي خصصها هشام لها.. وجاءه صوتها وهي تقول بصوت خافت ومتوتر: من؟..
قال مارك والابتسامة لم تفارق وجهه: شخص يرغب في التحدث اليك..
لم تستطع سوزي ان تمنع شهقة من ان تخرج من بين شفتيها وهي تنهض واقفة وتقول بصوت يحمل بين طياته اللهفة: اهذا انت يا مارك؟..
قال بمرح وهو يواصل طرق الباب: ومن سيكون سواي؟.. افتحي الباب هيا..
تقدمت سوزي بخطوات بطيئة من الباب.. ومسحت دموعها باناملها على عجل وهي تقول: لحظة واحدة..
اسرعت ترتب شعرها وهندامها.. قبل ان تفتح الباب وتزدرد لعابها لتقول: ما الامر؟..
تقدم منها مارك وقال بابتسامة واسعة: اشتقت اليك..
ارتفع حاجبا سوزي بدهشة من كلماته.. ومن ثم قالت بفرحة: لو تعلم كيف مرت علي الاربعة ايام الماضية.. لقد كنت احيا في جحيم خوفا من ان لا تغفر لي شكي بك في الماضي..
امتدت كف مارك الى وجنتها ليقول بحنان: اتحبينني حقا يا سوزي؟..
اسرعت سوزي تقول وهي تشعر ببعض الخجل يتسلل اليها: بل اعشقك..
تراخت كف مارك ليضغط على كتفها بحنان ويقول بهمس: وانا اهيم بكل ما فيك..
قالت سوزي وهي تهتف بفرح وعيناها تنطقان بالسعادة: هذا يعني انك قد سامحتني.. اصحيح؟..
قال مارك بمرح: أسامحك على ماذا؟.. لم يحدث شيئا منذ الاساس..
تطلعت اليه بنظرات هي مزيج من الحب والامتنان ومن ثم همست قائلة:كم هو كبير قلبك يا مارك..
قال مارك بمرح وهو يمد يده لمصافحتها: صفحة جديدة اذا..
اومأت سوزي برأسها وقالت بابتسامة وهي تصافحه بدورها: صفحة جديدة..
واردفت بخفوت: وستكون بيضاء نقية هذه المرة..
لكن من يدري يا سوزي.. لا يمكنك الجزم بهذا ابدا.. وخصوصا في ظروف الحرب هذه.. امامك مستقبل مجهول.. لن يمكنك ان تتوقعي ما يخبأه لك ابدا...
#########
قال حازم بابتسامة واسعة وهي يشير بكفه لكل ما حوله: انظر حولك يا فارس واخبرني.. اليس هذا المطعم افضل بمائة مرة من المطعم الذي اخذتني اليه بالامس؟..
قال فارس وهو يرفع احد حاجبيه بحنق: واغلى ثمنا.. لكن بما انك تدير شركة كاملة.. فكيف لك ان تأبه بالمال؟..
مال حازم تجاهه وقال بخبث: وانت الآخر .. تمتلك خمس مباني على ما اظن.. تحصل على ايجار شهري لها وانت جالس في المنزل .. ماذا تريد اكثر من هذا؟..
شعر فارس بغصة في حلقه وقال ونظرته تتطلع الى اللاشيء: جميعها كانت لوالدي.. لم اكن املك ايا منها.. لكنها الآن انتقلت الي بعد ان...
لم يستطع اكمال جملته ونهض من مكانه ليقول بهدوء: عن اذنك سأذهب الى دورة المياه..
شعر حازم انه اخطأ بتذكيره بأمر تلك المباني.. وهو يرى الحزن في عيني فارس.. وخفض عينيه بأسف وهو يعد نفسه انه سيحاول قدر الامكان ان يبعد نظرة الالم من عيني صديقه.. والمرارة من صوته.. ويعيده الى سابق عهده.. شاب مرح .. اجتماعي.. يمتلأ بالحيوية والنشاط و...
توقفت افكاره بغتة عندما وقعت عيناه على محفظة فارس.. تلك المحفظة من جديد..وكأنها تلاحقه اينما ذهب!.. يريد ان يشغل ذهنه بالتفكير بأي شيء آخر.. لكن.. حقا يشعر بفضول كبير ليعرف ان كان فارس صادقا في حديثه ام لا.. وان كانت تلك الصورة الاخيرة حقا له..
وامتدت كفه لتلتقط المحفظة وعيناه تتطلعان اليها بفضول شديد .. وفرد جانبيها ليبحث في الجيوب الداخلية لها.. حتى عثر اخيرا على مجموعة الصور..
وبسرعة تجاوز بها صورة والد فارس وشقيقه.. توجه الى الصورة الثالثة ليتطلع اليها بكل لهفة وفضول..
وتطلع اليها باستغراب.. والى ذلك الطفل الصغير الذي يقف فيها وهو يبتسم بمرح .. انه هو فارس بكل تأكيد عندما كان طفلا.. اذا كان صادقا فيما قاله.. لكن.. من تلك التي تقف بحانبه؟.. طفلة تبدوا اصغر منه سنا.. تضع احدى كفيها عند خصرها.. وتبتسم بشقاوة للـ (كاميرا) ..
صحيح ان ملامحهما لا تتشابهان كثيرا .. لكن بكل تأكيد هي من عائلته.. لم يكن لفارس اي اخوات.. اذا من تكون هذه الطفلة؟..
لم يسمح للتفكير بأن يشده اكثر من هذا.. واعاد الصور الى مكانها .. وهو يعيد المحفظة كما كانت على الطاولة..
ولم تمض دقائق حتى عاد فارس الى الطاولة من جديد.. وهو يقول بهدوء: ادفع الحساب لنغادر المطعم..
قال حازم بمرح وهو يغمز بعينه: ولم لا تدفعه انت؟..
قال فارس باستنكار: من دعا من؟..
ضحك حازم على لهجة فارس وقال وهو يشير له بكفه: لا تقلق سأدفع انا..
واخذ ينادي النادل ويطلب منه احضار فاتورة الطعام.. وبعد دقائق كانا قد غادرا المطعم بأكمله.. وانطلقا بالسيارة دون هدف.. فقال له حازم وهو يستند الى مسند المقعد: اتود ان نبدأ بالبحث اليوم ايضا؟..
قال فارس بحزم: ان لم يكن لديك مانع..
هز حازم كتفيه وقال بهدوء: ابدا.. سأحاول بذل كل ما في وسعي لمساعدتك..
واردف وهو يلتفت متسائلا بمغزى: لكن اخبرني.. انت لم تتحدث ابدا عن فتيات.. سوى والدتك وعمتك .. أليس هناك فتيات في عائلتك؟..
ابتسم فارس بسخرية قائلا: لم؟.. اترغب بخطبة احداهن؟ ..
قال حازم بابتسامة: ربما..
اجابه فارس بهدوء: بلى لدي ابنة عمتي ..التي اخبرتك انها ستسافر الى الخارج.. اتريد ان اخطبها لك؟..
قال حازم بابتسامة هادئة:لا.. ليس في الوقت الحالي..
واتسعت ابتسامته..وهو يشعر انه قد اصاب الهدف.. وانه قد عرف هوية تلك الفتاة التي بالصورة...
###########
عاد ألكس من مهمة مراقبة وتفتيش مباني اسندت اليه..الى المبنى البريطاني وهو يشعر بتعب قد بدأ يتسلل الى جسده.. وما لبث ان توجه الى غرفته بالمبنى.. ليفتح بابها ويستلقي على فراشها بكل تعب...
وزفر بحدة وهو يشعر بعطش شديد.. اجبره على النهوض والتوجه الى البراد الصغير الموجود بالغرفة.. ليفتح بابه ويلتقط زجاجة الماء ويملأ بها جوفه.. متجاهلا قطرات الماء التي بللت بدلته العسكرية..
وتنهد اخيرا براحة وهو يعود ليستلقي على الفراش من جديد ويقول: ما اجمل الراحة..
واغمض عيناه وهو يتمنى ان يغط في نوم عميق دون ان يوقظه احد.. لكن فجأة اخترقت صورة عهد احلامه.. بحزنها ونظرتها المتألمة.. لتجعله يفتح عينيه بقلق لا يعرف سببا له ..وهب جالسا على فراشه ليفرك جبهته بألم.. محاولا ان يستعيد نشاطه ..
ودقائق مرت حتى غادر غرفته.. وتوجه الى ذلك المشفى الصغير التابع للمبنى.. وتحركت قدماه بسرعة متوجهة الى غرفتها..ولم يكن الحارسان موجودان كما هو المعتاد.. شعر بالحيرة والدهشة مما دفعه لأن يخرج مفتاح من جيبه ليحاول فتح الباب.. وهنا ازدادت دهشته وغرابته عندما وجد ان الباب كان مفتوحا ولم يكن مقفلا على الاطلاق .. وانعقد حاجباه بقلق واسرع ليدلف الى الداخل .. وما لبثت عيناه ان اتسعتا بقوة وهو لا يلمح لها اي اثر في الغرفة.. فقد كانت فارغة من اي شخص.. حتى دورة المياه.. لم يكن لها اي اثر فيها .. وهتف قائلا بحدة: الاغبياء.. هل تركوها تهرب مجددا؟! ..
واندفع بخطوات سريعة وغاضبة باحثا عن الطبيب .. وما ان لمحه حتى وقال باندفاع: اين هي تلك الاسيرة يا ايها الطبيب؟.. واين الحارسان الموجودان بجوار بابها؟..
قال الطبيب وهو يلتفت له بحيرة: ألم تعلم يا سيدي القائد؟.. ألم يخبرك أحدهم؟..
شعر ألكس بانقباض قلبه لعبارة الطبيب وقال وهو يحاول يخفي توتره وبلهجة متسائلة: يخبرني ماذا ؟..
اجابه الطبيب قائلا: لقد تم اعادة الاسيرة الى زنزانتها صباحا..
اتسعت عينا ألكس على آخرهما وقال بصدمة: وبأمر من تم هذا الامر؟..
قال الطبيب وقد استغرب انفعال ألكس: بأمر المدير..
قال ألكس بعصبية: فليكن .. سأذهب واتفاهم معه بنفسي..
تبعه الطبيب بنظرات مستغربة وهو يستدير عنه ويغادر المكان على عجل.. ولم يلبث ان هز كتفيه بلامبالاة وهو يقول : وما شأني انا؟..
اما ألكس فقد انطلق بين الممرات بخطوات سريعة وعصبية قاصدا مكتب المدير.. وما ان وصل حتى طرق الباب طرقات سريعة.. ودلف الى الداخل بعد ان سمع الاذن بالدخول ..
وما ان رآه المدير حتى قال بهدوء: القائد ألكس.. جيد انك جئت بنفسك .. كنت سأطلب منك المجيء الى مكتبي بعد ان عدت من مهمتك..
وكأن ألكس لم يستمع الى أي كلمة مما قالها المدير.. وقال بهدوء: لدي سؤال يا سيدي..
قال المدير وهو يرفع انظاره له بملامح حازمة: قل ما لديك..
قال ألكس وهو يحاول ان يجعل نبرة صوته طبيعية: لماذا اعيدت الاسيرة الى السجن مرة اخرى؟..
قال المدير ببرود: هذا ما اردت ان احدثك فيه.. فقد اعيدت الى هناك بعد ان تأكدت من الطبيب انها قد تعافت وان بامكاننا ان نخضعها للاستجواب مرة اخرى..
عقد ألكس حاجبيه بضيق وكأن ما قاله المدير لم يعجبه.. واردف هذا الاخير ليقول بصرامة: وبالتالي بما انك المسئول الاول عنها.. فأنا اصدر اليك أمر استجوابها.. وفي اسرع وقت ممكن..
التفت ألكس الى المدير بحدة ودهشة.. كمن لم يتوقع امرا كهذا.. وهم بنطق شيء ما.. لولا ان تراجع وادرك انها اوامر عسكرية لن يمكنه ان يتناقش فيها مع المدير.. وادى التحية العسكرية ليقول بحزم: امرك..
واستدار منصرفا ليغادر مكتب المدير بأكمله وذهنه قد انشغل بأمر واحد.. كيف يمكنه استجواب عهد؟.. كيف؟..
############
تقدم عزام من تلك الغرفة .. ليدلف اليها بهدوء ومن ثم يحتل احد المقاعد الموجودة بها..ويقول وهو يضع ساقه على الاخرى: وصل التقرير..
قال عادل ساخرا: قل ما لديك.. بدلا من ان تتقمص دور رجل المخابرات الذي لا تمت له بصلة..
رفع عزام ناظريه الى عادل وتطلع اليه باستهزاء.. ومن ثم التفت الى هشام ليقول بهدوء: هناك حملات تفتيش في المنطقة الجنوبية ..
قال هشام باهتمام: اين بالضبط يا عزام؟..
قال عزام وهو يحاول التذكر: من خلال مراقبتي للمكان .. فأظن ان التفتيش قد اقتصر على الشركات والمباني التجارية الموجودة بالمنطقة.. اما المنازل فلم تمس حتى الآن..
واردف قائلا في سرعة: لم لا نقوم باعداد خطة لاصطيادهم في تلك المنطقة بالذات؟..
ابتسم هشام ابتسامة خافتة ومن ثم قال: ليت الامور بمثل هذه السهولة.. لابد وان نتقصى اثارهم اولا .. ونعلم خط سيرهم اليومي.. على الاقل خلال ثلاثة ايام.. وبعدها يمكننا اعداد الخطة التي تتحدث عنها..
واردف وهو ينهض من مجلسه ويكور قبضته بحنق: كما وان الذخيرة في تناقص.. والقنابل ايضا.. ارسلت في طلبها من مركز للشرطة..بصفتي نقيب للشرطة.. لكنهم رفضوا طلبي نظرا لظروف الحرب الغير مستقرة.. وفي الوقت الحالي رائد لا يزال يحاول معهم لأخذ ما نحتاج اليه..لكن لا اظن ان هذا سيفيد.. نحن بحاجة لتأمين عدد كبير من الذخيرة ..
قال عزام وهو يزفر بحدة: معك حق.. لكن ما العمل الآن؟ ..
عقد هشام حاجبيه وقال بحيرة: لست اعلم .. لكن في ذهني فكرة الآن.. لا اعلم ان كنت سأنفذها ام لا..
قال عادل في سرعة: نحن احق بالذخيرة تلك.. على الاقل نحن نساعد في حماية وطننا..
قال هشام بهدوء: وهم ايضا يساعدون في تأمين الاستقرار والامن في البلاد.. ما يهمني الآن.. هو انه لن تكون هناك مهمات حتى اشعار آخر.. وارجو ان تبلغ الجميع.. بأننا بحاجة للاسلحة والذخيرة..فربما هناك من يستطيع تأمينها لنا..
قال عادل وهو يهز كتفيه: فليكن.. ساذهب لابلاغ الجميع ..
وما ان غادر عادل الغرفة .. حتى قال عزام مبتسما: تريد ان تقلب الموازين يا هشام.. اليس كذلك؟..
ضحك هشام وقال: لا احد يفهمني سواك.. يبدوا وانك قد فهمت ما ارمي اليه..
قال عزام بجدية: الوضع اخطر مما تظن يا هشام.. انت شرطي سابق وتعلم خطورة ما انت مقدم عليه..
قال هشام وهو يتنهد ويعود ليجلس على مقعده: بلى.. ادرك هذا.. لكن ما باليد حيلة.. لو لم نستطع تأمين الاسلحة .. فسنضطر لاقتحام الخطر.. ولا تنسى اني شرطي سابق وكذلك رائد وجلال.. بامكاننا ان نؤمن ظهوركم بالتعاون مع زملاؤنا هناك..
قال عزام مبتسما: هل اسمي هذا مغامرة ام جنون ام شجاعة؟؟ ..
قال هشام بابتسامة وعيون شاردة: اطلق عليه ما شئت .. المهم انني افعل هذا في سبيل هدف نبيل.. ومن اجل الحرية التي يحلم بها كل شخص بعيش فوق اراضي هذه البلاد...
###########
السجن مرة اخرى.. هذا المكان القذر الذي تبغضه.. اين منزلها؟.. ذلك الحضن الدافئ الذي لطالما احتضنها .. اين غرفتها وسريرها؟.. كل شيء بات من الماضي.. مجرد رماد.. تريد ان تشعر بالأمان.. تريد ان تشعر ان هناك من يستطيع احتوائها بحبه.. ويحتضنها بحنانه.. يبثها شيء من الامان .. ويزيح عنها الخوف والالم.. شخص قادر على ان يمسح دموعها .. ويكون اقرب من الوريد اليها...
اين انت يا امي؟..اين انت يا ابي؟.. اين انت يا عمي؟.. اين انتم جميعا؟.. اشتقت اليكم.. لم لا تأتون الي؟.. لم رحلتم عني وتركتموني وحيدة؟.. خذوني معكم.. لا اريد ان ابقى وحيدة.. انتم تعلمون ان اكثر ما ابغضه هو الوحدة.. لم اذا رحلتم وتركتموني؟.. لم تخليتم عني بكل هذه البساطة؟.. عودوا الي.. او خذوني اليكم ...
وترقرقت دموع الالم في عينيها.. لتسيل على وجنتيها دون سابق انذار..والحزن يكاد يفطر قلبها.. يكفي.. ارجوكم يكفي.. اعيدوني الى بيتي.. اعيدوني الى اهلي.. اعيدوني الى حياتي..لقد اكتفيت اريد ان ارتاح ..
وعضت على شفتيها بمرارة وهي تتطلع الى ذلك الصحن الذي وضع امامها.. يطلبون منها ان تأكل.. يريدونها ان تتناول شيئا من طعامهم.. تبا لهم من اوغاد.. اكرههم..
ورمت الصحن بكل ما امتلكت من قوة ليسقط على الارض ويتناثر الطعام امام ناظريها التي لم تعد ترى الا رؤية مشوشة بسبب دموعها التي ملأت عينيها.. وهتفت قائلة بصوت اقرب الى الصراخ: لا اريد شيئا منكم.. اريد الموت.. اعيدوني الى منزلي او دعوني اموت..
وتعالت شهقاتها وهي تحاول ان تتوقف عن البكاء.. وضمت ساقيها الى صدرها.. وهي تشعر بالخوف يتسلل الى نفسها ..تريد امانا.. تريد حضنا دافئا.. تريد ...
ارتفع بغتة صوت احد الجنود وهو يهتف من خارج الزنزانة: هذه هي الزنزانة يا سيدي..
اسرعت تمسح دموعها بظهر كفها.. وسمعت صوت جون في تلك اللحظة يقول: افتحها الآن.. سوف آخذها للاستجواب ..
- امرك..
قالها واسرع يفتح قفل الزنزانة.. ليتقدم جون ويدلف الى الداخل .. ويتطلع الى عهد الجالسة في ركن المكان على ذلك الفراش الممزق الملاءات.. ومن ثم ادار عينيه ليرى صحن الطعام الذي بدا واضحا له انه قد رمي بطريقة متعمدة..
وعاد ليلتفت اليها ويقول ببرود: انهضي سآخذك لكي يتم استجوابك..
لم تتحرك عهد قيد انملة وهي تتطلع اليه بنظرات حاقدة.. فعقد حاجبيه وهو يقترب منها ليمسك بذراعها ويقول بصرامة: لست هنا لكي اتناقش معك.. انا آمرك وانت تنفذين.. هل هذا مفهوم؟..
لم يبدوا على عهد انها قد سمعته حتى.. وهي مصرة على صمتها .. فجذبها هو مرغما اياها على الوقوف .. ليغادر الزنزانة متوجها الى غرفة الاستجواب...
:
:
أيطلبون منه هو استجوابها؟.. ايريدون منه هو تعذيبها؟.. ايريدون منه ان يؤذيها؟.. فليطلبوا منه اذا اولا ان يكون بلا مشاعر او قلب.. فمشاعره الآن باتت عائقا بينه وبين ان يؤذي عهد او يمسسها بأي سوء...
وتنهد وهو يرفع عيناه الى ساعة الحائط.. لماذا يشعر ان الوقت يمضي سريعا؟.. لا يريد لتلك اللحظة ان تأتي.. لا يريد..لن يستطيع ان يكون هو سببا لآلامها .. يداه لن تستجيبا له لو اراد اذيتها..وقلبه لن يقبل بأن يرى نظرة حزن في عينيها.. ماذا عساه ان يفعل؟.. انه اصعب امتحان يمر عليه في حياته.. فقرار واحد منه سيتحدد عليه كل شيء..
افكار كثيرة باتت تتقاذفه.. وهو غير مدرك لما سيفعل .. حياته ومصيره ومستقبله يتوقفان على قراره..بين ان يستجوب اسيرة ملكت مشاعره.. ويسمح لنفسه بأذيتها منجاهلا نداء قلبه.. او .. يتجاهل الاوامر و...
قاطع افكاره صوت طرقات على الباب.. فرفع رأسه ليرى جون يتقدم منه ويقول ببرود: هي في غرفة الاستجواب الآن..
اسرع ألكس يسأل: وكيف هي حالها عندما رأيتها؟..
تطلع له جون بحنق ومن ثم قال: ليتني اعلم سر اهتمامك بفتاة غبية مثلها.. لا تكف عن توجيه نظرات الكره لكل من تراه..
نهض ألكس من خلف مكتبه وقال وهو يعقد حاجبيه: لا تقل لي انك آذيتها.. لقد ارسلتك انت بالذات حتى لا تؤذيها..
قال جون بعصبية: ولم اؤذيها؟.. وما شأني بها؟.. ومن ثم اعلم جيدا انك ارسلتني لهذا السبب.. ولكي لا يشك احدهم بك.. والآن اذهب لاستجواب رفيقتك الحمقاء تلك ..
قال ألكس وهو يحاول تمالك اعصابه: جون.. لا داعي لأن تثور هكذا.. كل ما قلته هو ان كنت قد آذيتها ام لا؟ ..
قال جون وهو يتطلع اليه باستنكار: لم اكن اعلم ان اهتمامك بها سيجعلك تفقد الثقة بي الى هذا الحد..
اقترب منه ألكس وقال وهو يقف بجانبه ويضع كفه على كتفه: لا تتضايق مني ياجون.. اعصابي اليوم متوترة..
قال جون باستهزاء: اجل وكيف لا تكون كذلك.. وانت ستكون مقدما على استجوابها..
هز ألكس رأسه في قلة حيلة.. ومن ثم غادر المكتب بخطوات بطيئة وكأنه لا يريد ان يصل الى هناك..الى حيث تلك الاسيرة.. لا يريد ان يعذبها.. لا يريد ان يؤذيها.. يريدها ان تبقى بخير دائما..
وابتسم بسخرية وهو يتحدث الى نفسه: ماذا جرى لك اليوم يا ألكس؟.. اصبحت تفكر فيها اكثر من ان تفكر في نفسك.. االى هذه الدرجة قلبت هذه الفتاة حياتك؟..
وواصل طريقه وهو يعقد حاجبيه بتفكير عميق.. لقد اتخذ قراره اخيرا.. لكن هل سيكون هو القرا ر الصحيح؟..
:
:
هذا المقعد البغيض.. يشعرها بالرهبة.. بالخوف.. اطرافها بدأت ترتجف.. تريد ان تنهض.. تريد ان تهرب.. لكن اين المفر؟.. تتذكر في تلك المرة.. عندما تلقت التعذيب على هذا المقعد.. تحركت شفتاها واستنجدت به.. لكن لماذا هو بالذات؟!.. ربما لأن لم يبقى لها أي انسان يقف الى جوارها .. وربما لأنها رأت بعض التعاطف في تصرفاته تجاهها.. .
وانقطعت افكارها اثر سماعها صرير الباب وهو يفتح ..وارتفعت انظارها لترى ألكس يقف امامها .. بصرامته وحزمه و... ونظرة غريبة في عينيه.. لماذا يتطلع اليها بتلك النظرة؟.. ما الذي يعنيه بها؟..
واقترب منها ليستعد لاستجوابها .. وعيناه قد استقرتا عليها.. وازدردت عهد لعابها بخوف.. ما الذي يحاول هو فعله بها هذه المرة؟.. ماذا سيكون مصيرها بعد ان وقعت بين يديه؟..هل سيرحمها و يرأف بحالها؟.. او سيكون كغيره.. يطبق الاوامر دون تفكير..
اللحظات القادمة تحمل لها الكثير.. لكن الاهم من كل هذا.. هل سيكون ما تحمله لها في صالحها ام انه سيكون ضد مصلحتها؟...
:
:
يتبع...
 
بـــ الحب (13) والواقع ــــين
:: الحرية::


اقترب منها بخطوات بطيئة وقال متحدثا الى الجندي المرافق معهم دون ان يلتفت له: لا تولد الكهرباء قبل ان آمرك انا بذلك..
قال الجندي دون ان يناقش: امرك..
اما ألكس فقد مال بوقفته نحو عهد وقال بصرامة: استمعي الي.. لديك حل من اثنين.. اما ان تعترفي بكل ما تعرفين.. او سيكون مصيرك هو الموت..
قالت عهد ببرود: افضل الموت.. لانني ادرك جيدا انني في الحالتين سأقتل..
قال ألكس وهو يعقد حاجبيه: لو تعاونتي معنا.. لن تتعرضي لأي شيء.. وسوف يتم فك اسرك.. ماذا تريدين اكثر من هذا؟..
اسرعت عهد تقول : لا تظن انه يمكنك خداعي بمثل هذه الــ....
قاطعها ألكس قائلا: لست اخدعك.. ويمكنك التأكد من ما قلته.. سنخرج من هنا اولا.. وستعترفين لي بكل شيء .. وبكل ما تعرفينه عن فرقة المقاومة..وترشدينني الى مكانهم..وبعدها أطلق سراحك ...اتفقنا؟..
كادت عهد ان تعترض.. ان تقول بأنها لن تنطق بحرف واحد عن فرقة المقاومة.. لكن .. امور كثيرة دارت في عقلها .. لو غادرت هذا المكان ستكون قريبة من النجاة.. ربما تستطيع الهرب حينها .. ولو لم تستطع فلن تخسر شيئا.. على الاقل ستتظاهر انها موافقة على عرضه.. وستبذل كل ما في وسعها للهرب اذا غادرت هذا المبنى..
ورفعت عيناها اليه لتقول بهدوء: انا موافقة..
اسرع ألكس يلتفت للجندي ويقول بلهجة آمرة: فك قيودها..
اقترب الجندي من المقعد الذي تجلس عليه عهد .. وفك قيودها كما امره ألكس..في حين جذب هذا الاخير عهد من ذراعها وقال ببرود: هيا ..
اسرع الجندي يقول: هل آتي معك يا سيدي؟..
قال ألكس وهو يلتفت له: لا داعي.. يمكنني ان اتصرف وحدي.. لكن ضع الاغلال حول معصميها ..
اومأ الجندي برأسه وهو يقترب من عهد ويطوق معصميها بالاغلال .. واشار له ألكس اشارة بمعنى انه يريد المفاتيح.. فأسرع الجندي يخرجها من جيبه ويناولها له..
كل هذا جرى وعهد غارقة في تفكير عميق.. لا يهمها ما يعفعلونه بها في الوقت الحالي.. بعد ان تخرج من هذا المبنى ستهرب .. اجل ستهرب.. ستستغل هذه المرة هذه الفرصة التي منحها اياها القدر ولن تفرط فيها..
وظلت تفكر وتتطلع لكل ما حولها.. وهي تخطط للهرب .. وألكس يسير بها بين الممرات.. حتى وصل الى احد الابواب .. فأخرج بطاقة خاصة ادخلها في المكان المخصص لها..ففتح الباب تلقائيا.. وقال ألكس في تلك اللحظة وهو يعيد البطاقة الى جيبه: ارأيت يا فتاة.. لم يكن بمقدورك الهرب من هذا المبنى في المرة الماضية.. ولن يمكنك هذا الا بهذه البطاقة..
التفتت له عهد ورأته وهو يلوح لها بالبطاقة ببطء.. وقفز على ذهنها فكرة ان تخطفها من بين يديه وتهرب.. لكن سرعان ما استنكرت فكرتها الحمقاء .. فهناك مئات الجنود الذين يملئون هذا المبنى.. فكيف ستخرج من بينهم بكل هذه البساطة؟..
وشاهدت ألكس وهو يضغط زر مصعد ويجذبها معه حتى استقلاه الى الطابق الارضي.. وهناك سار ألكس بين الممرات .. وعهد التي تحاول حفظ أي شيء مما حولها لم تستطع ان تتذكر تلك الممرات التي دخلوا منها والتي كانت اشبه بمتاهة .. فكل ممر يتفرع منه ممرين آخرين او ثلاثة احيانا.. يا لخبثهم .. كل هذا لتأمين سلامتهم.. وعدم هروب أي احد من اسراهم..
واخيرا شاهدت امامها باب كبير الحجم.. فتحه ألكس ببطاقته الخاصة مرة أخرى.. ليخرجوا منه.. وهنا..وهنا فقط شعرت عهد انها قد ولدت من جديد وهي ترى ضوء الشمس والهواء الذي يلفح وجهها .. وابتسمت وهي تلتقط نفسا عميقا تملأ به رئتيها.. ومن ثم قالت بالعربية وهي تزفره: واخيرا تنفست هواء بلادي.. تخيلت انني سأموت قبل ان ارى النور من جديد..
شعرت بغتة بقبضة ألكس وهو يشد على ذراعها.. والتفتت اليه لتسمعه يقول متسائلا: ماذا قلت لتوك؟..
مطت عهد شفتيها بحنق ومن ثم قالت: ان كان الامر يهمك .. فقد كنت سعيدة لرؤية نور الشمس من جديد..
ارتفع حاجبا ألكس باستغراب ومن ثم لم يلبث ان قال وهو يجذبها معه باتجاه سيارته العسكرية: لديكم افكار غريبة..
شعرت عهد بالعصبية .. وكادت ان ترد عليه..لكنها عدلت عن ذلك في اللحظة الاخيرة .. بالتأكيد سيكون كلامها غريبا بالنسبة له.. لأنه لم يحرم من النور في زنزانة مظلمة او في غرف الاستجواب الكئيبة.. وما الذي سيهمه هو ما دام كل شيء في متناول يده؟..
واقترب منها في تلك اللحظة ليقول بابتسامة ساخرة: هل تسمحين لي بتفتيشك؟.. فأنا اخشى على نفسي من الركوب مع فتاة حاولت قتلي مرتين..
عقدت عهد حاجبيها وقالت بغضب: ابحث في جيوبي كما تشاء.. لكن لا تنسى ان في مكان كالمبنى البريطاني لن يمكنني الحصول على أي سلاح.. كما وان يداي مقيدتان.. فكيف يمكنني ان اضرك؟..
قال باستهزاء وهو يبحث في جيوبها : كل شيء متوقع من مجنونة مثلك..
عضت عهد على شفتيها .. كانت تظن انه قد تغير في تصرفاته معها هي بالذات.. كانت تظن انه يشعر بالاهتمام تجاهها .. لكن يبدوا انها كانت تتوهم لا اكثر ولا اقل .. كل تصرفاته معي مجرد خدعة.. ربما لأنه يريد مني ان اتعاون معه.. وارشده الى مقر فرقة المقاومة.. لكنه يحلم ...
واكتفت بالصمت وهي تراه يقودها نحو السيارة ويفتح الباب ليدفعها بداخله ببعض القوة.. حتى ان عهد قالت بعصبية: كان بامكانك ان تطلب مني الجلوس وسأفعل..
تطلع لها ألكس ببرود ومن ثم اغلق الباب بقوة متعمدا.. ولم يلبث ان دار حول مقدمة السيارة ليجلس على مقعد السائق ويغلق الباب خلفه..وهناك انطلق بالسيارة حتى وصل الى البوابة الرئيسية التي تفصل المبنى عن العالم الخارجي.. وتطلعت عهد بترقب وهي تتمنى بكل لهفة ان يتجاوزها.. فعندها فقط ستتجاوز مرحلة الخطر..
واقترب في تلك اللحظة احد الجنود من السيارة وقال متسائلا: القائد ألكس؟.. لم تصدر الينا اية اوامر ان هناك مهمة جديدة..الى اين انت ذاهب يا سيدي؟..
قال ألكس وهو يشير الى عهد بطرف عينه: سترشدني هذه الاسيرة الى مقر فرقة المقاومة..افتح البوابة الآن..
قال الجندي دون ان يكون قادرا على عصيان الاوامر: امرك سيدي..
والتفت الى احد الجنود ليقول في سرعة: افتحوا البوابة واسمحوا للقائد بالخروج..
انفتحت البوابة على مصراعيها.. وتجاوزت سيارة ألكس البوابة بهدوء.. وهنا فقط تنهدت عهد بارتياح وكأن حمل ثقيل قد ازيح من على صدرها.. وقال ألكس وعيناه تتطلعان الى الطريق امامه: يبدوا انك تشعرين بالراحة لمغادرتك المبنى..
قالت عهد وهي تتعمد ان تغيظه: بأكثر مما تتصور..
لم يأبه ألكس بما قالته.. واستمر في قيادته للسيارة.. واستغربت عهد عدم توجيه أي سؤال لها عن مقر فرقة المقاومة .. والتفتت له في تلك اللحظة فقال وهو يشعر بنظراتها: مابك؟ ..
لم تجبه وظلت صامته وهي تراه يسير بين الشوارع.. شعرت انه يبتعد عن المبنى كثيرا حتى وصل الى منطقة تعرفتها من فورها ..انها المنطقة التي اصيبت فيها قبل ان تنقل الى المبنى البريطاني.. لماذا اعادها الى هذا المكان يا ترى؟..
وتوقف بغتة بالسيارة ليقول بهدوء: والآن وقد توقفنا.. اظن انك ستخبريني بمقر فرقة المقاومة.. وخصوصا وقد نفذت وعدي واخرجتك من المبنى البريطاني..
كانت عهد تريد ان تجاريه.. لكن ان اجابت بنعم.. فسيكون عليها اختلاق أي كذبة.. او عنوان مزيف لفرقة المقاومة.. لكن لا تريد ان تمنحه أي عنوان.. فقد تظلم غيرها.. تريد عنوان لن يستفيد منه أي شيء..
وقالت بخفوت بعد تفكير: بالمنطقة الثانية .. الشارع (22) ..
ارتسمت ابتسامة على شفتي ألكس لم تلحظها عهد..وقال بهدوء: فليكن.. لكن اريد ان اتأكد من هذا العنوان أولا.. وستكونين معي..
قالت عهد في سرعة: نحن لم نتفق على هذا.. لقد اتفقنا ان اخبرك ومن ثم تطلق سراحي..
التفت لها ألكس وقال وهو يميل نحوها: يجدر بي ان اتأكد من صحة المعلومات اولا.. اليس كذلك؟..
ازدردت عهد لعابها بتوتر.. سينكشف امرها.. سيعلم انه ليس العنوان المطلوب.. لكن أليس بامكانها التعذر بأي شيء؟ .. اليس ...
انقطع سيل افكارها وهي ترى ألكس يعقد حاجبيه باهتمام وكأنه يريد ان ينصت لصوت ما.. وتساءلت قائلة بقلق: ما الامر؟..
اشار لها بكفه ان تصمت.. ومن ثم لم يلبث ان قال وهو يفتح بابه: ساذهب واتفقد الامر..اياك والتحرك من مكانك..
ارتفع حاجبا عهد باستغراب.. ما الامر؟.. هل سيتركها وحدها حقا؟..ورأته يخرج المفتاح من جيبه ليفك قيودها.. استغربت هذا الامر في البداية.. ومن ثم تنبهت لما يفعل.. انه يحاول ان يقيدها بشيء ما في السيارة حتى لا تهرب..
وطوق معصمها بالطرف الآخر للمقود.. وشعرت عهد بالحنق.. لان خطتها بالهرب على وشك الفشل..وابتسم بسخرية وهو يغادر السيارة ويقفل بابها خلفه.. يمكنها ان تفتح الباب بذراعها الاخرى بسهولة.. لكن كيف يمكنها ان تخرج وهي في وضع كهذا؟.. حاولت ايجاد أي شيء يساعدها في فك اغلالها.. واخيرا لمحت ما لم تكن تتوقع .. المفاتيح!!.. لقد نسيهم بكل تأكيد بعد ان فتح قفل الاغلال قبل قليل..
وبكل لهفة اسرعت تلتقطها وهي تحاول ان تمنع ارتجافة اناملها خوفا من ان يسقط المفتاح من قبضة يدها.. وانفتحت الاغلال.. وابتسمت بكل سعادة وهي تهتف : حمدلله.. حمدلله..
واسرعت تفتح قفل الباب المجاور لها.. وتلتفتت بحذر.. قبل ان تسرع بخطواتها مبتعدة..اخيرا الحرية.. انها قريبة منك يا عهد..انها قاب قوسين او ادني منك.. اهربي.. اسرعي.. لا تضيعي هذه الفرصة من بين يديك...
وعلى جانب آخر تماما وبجوار تلك السيارة.. توقف ألكس وهو يبتسم بحزن و يتطلع اليها وهي تجري مبتعدة .. وهمس قائلا بكل المرارة التي تسكن قلبه: سأشتاق اليك يا عهد.. ساشتاق اليك..
############
قال حازم وهو يحاول اضفاء بعضا من المرح: فارس.. كفاك نوما.. فلنخرج الآن.. سأريك مكان لم تحلم بزيارته حتى..
فارس الذي كان متمددا على الفراش ويغطي عينيه بذراعه .. ازاحها وقال بهدوء: اخبرتك بأني لا اريد الذهاب الى أي مكان.. دعني انم.. واذهب انت..
قال حازم الذي كان يقف بجوار الفراش: اذهب وحدي؟ .. وما المتعة في ذلك ان ذهبت وحدي؟.. هيا انهض واخرج معي..
قال فارس بعصبية: حازم.. قلت لك لا اريد الذهاب.. دعني وحدي من فضلك..
قال حازم بهدوء: فارس انت كنت تعلم انهم ليسوا على قيد الحياة.. كل ما كنت تفعله هو البحث خلف احتمال.. مجرد احتمال..
قال فارس بغضب: اغلق هذا الموضوع.. وغادر الغرفة..
جلس حازم على طرف الفراش وقال بحدة: لم اخرج.. وستستمع الي حتى انتهي من كلامي..
غطى فارس عينيه بذراعه وقال بحدة مماثلة: وانا لن استمع الى شيء..
التفت له حازم وازاح ذراعه وهو يقول بحنق: بل ستستمع الي.. لما كل هذا الحزن الآن؟.. ألم تكن تعلم بأنهم قد لقوا حتفهم جميعا.. فما الذي تغير الآن؟..
ازدرد فارس لعابه وهو يحاول ان يبتلع غصة المرارة التي تسكن حلقه.. ورفع عيناه الى سقف الغرفة ليقول بصوت حزين: ربما لأنني تمسكت بأمل ان يكونوا على قيد الحياة.. لكني اليوم تيقنت انهم جميعا.. قد .. قتلوا..
قال حازم وهو يربت على كتفه: فارس.. يكفيك ما تفعله بنفسك.. هذا هو قدرهم.. ادعوا لهم بالرحمة.. ولا تبتئس.. الحياة ممتدة امامك.. حاول ان تنسى احزانك وتصبر على ما اصابك..
تنهد فارس وقال وهو يغمض عينيه: ليت الامر كان بسهولة.. هؤلاء اهلي.. والدي ووالدتي.. شقيقي وعمي.. كيف تطلب مني ان انسى حزني عليهم.. لقد كنت اتمنى ان يكون ولو شخص منهم على قيد الحياة.. لكن يبدوا وانني كنت احيا في وهم ومن اجل وهم..
قال حازم باصرار: ولهذا اخبرك ان عليك ان تسلم بهذا الواقع.. وان تعيش من اجل نفسك ومن اجل هدفك بالحياة.. لطالما رحل اشخاص غاليين على قلوبنا.. لكن الحياة لا تتوقف .. اكمل طريقهم انت.. وواصل حياتك.. فعندها فقط ستشعر ان اهلك يشعرون بالسعادة وهم يرونك كما كانوا يتمنون لك..
قال فارس بسخرية مريرة: لقد قتلوا جميعا.. كيف سيرونني؟ .. كيف سيشعرون بي؟. . يكفي امال مزيفة يا حازم .. يكفي..
صمت حازم لبعض دقائق وهو لا يعلم كيف يتصرف ليخفف من آلام صديق دربه.. واكتفى بأن يتطلع الى اصابع كفه بشرود..وبغتة قال وهو يلتفت له: فارس الن تطهو لي طعاما.. لقد بدأت اشعر بالجوع..
قال فارس ببرود: عد الى منزلك اذا..
ارتفع حاجبا حازم وقال : هل تطردني من منزلك؟.. اهذا جزاءي؟.. حسنا سترى يا فارس..
فتح فارس عينه ليرى ما ينوي حازم فعله.. لكنه عاد يغمضهما عندما شعر بوسادة تضرب بوجهه.. فقال بحنق: تبا لك.. ساريك..
واسرع يلتقط وسادة هو الآخر.. ويرميها على حازم الذي ابتعد عنها بمهارة قبل ان تصيبه وقال باستهزاء: الا يمكنك التصويب بشكل جيد يا اخي..
قال فارس وهو يبتسم بسخرية: يمكنني التصويب اذا كنت امسك بسكين فقط..
ضحك حازم بمرح قائلا: يالك من مجرم..
استغل فارس ضحك حازم.. ليرميه بوسادة اصابت وجهه.. وقال فارس في تلك اللحظة بسخرية: الا يمكنك تفادي الوسادة بشكل جيد يا اخي..
عقد حازم حاجبيه وقال بغضب مصطنع: سأريك من هذا الذي لا يمكنه تفادي الوسادة..
ومضى الوقت عليهما دون ان يشعرا به.. وحازم بدا سعيدا وهو يرى رفيقه يبتسم ويضحك من جديد.. وتمنى من كل قلبه ان يتجاوز فارس هذا الكابوس الذي مر على حياته...
###########
كان الطريق امامها ممتدا ويبدوا لها ان لا نهاية له.. كانت تجري دون هدف محدد.. تريد الابتعاد وحسب.. تريد الهروب قبل ان يلحق بها.. ويعرف انها هربت.. تريد الحرية .. تريد ان تشعر بها.. بدلا من الاهانة والقسوة والعذاب...
مرات عديدة سقطت وهي تجري بكل ما يمكنها من قوة.. واخيرا شعرت انها لم تعد تستطيع التنفس.. توقفت عن الجري وهي تلهث بصوت مسموع.. وتحاول تمالك نفسها لمواصلة الجري .. لا تعرف كم من الوقت جرت.. او كم هي المسافة التي قطعتها.. ما يهمها ان تعرفه ان لا احد يستطيع الوصول اليها في هذا المكان.. او بامكانه اللحاق بها ..
وقفز على ذهنها بغتة امر غاب عنها..ربمايكون ألكس يلحق بها الآن.. والتفتت في سرعة لتتطلع فيما حولها بخوف وتوتر..ومن ثم لم تلبث ان واصلت جريها بكل ما اوتيت من طاقة.. خوفا من ان يصل ألكس اليها...
ولم تكن تدرك ان ألكس يجلس في سيارته الآن يدير محركها وهو يستعد للعودة للمبنى البريطاني ومواجهة مصيره بعد ان تسبب بهروب اسيرة من المبنى.. وقال بألم وهو يتحدث الى نفسه: فليسدل الستار.. فقد حانت النهاية..
وارتفعت عيناه الى الطريق الممتد امامه وقال بصوت هامس: الوداع يا عهد...
وازدادت قوته وهو يدوس على دواسة الوقود.. حتى وجد نفسه يسرع بالسيارة دون ان يشعر.. لكن لم يكن يهمه أي من هذا .. كل ما كان يهمه هي سلامة عهد.. فهو يدرك انهم لن يتركوها وشأنها.. حتى بعد ان ساعدها هو على الهرب...
:
:
غبار ورمال ذلك الذي يلفح وجهها.. اهذه هي مدينتها حقا؟.. اين هي المنازل؟.. اين غابت اصوات العصافير؟.. اين تلك السماء الزرقاء الصافية؟.. لماذا بات لونها رمادي؟ .. لماذا الدمار يسكن كل شيء؟.. اهذه هي الحرب؟ .. اهذه هي نتائجها؟.. ما هو مصيرها في هذه الدنيا اذا؟.. دون منزل.. دون امان.. اتعود الى فرقة المقاومة؟..
انها تملك الحرية الآن بعد ان فقدتها.. صحيح انها سعيدة بها.. لكن اين الملجأ لها الآن؟..
ليس امامها سوى العودة الى فرقة المقاومة.. لا مكان يحتضنها سواه..لكن وقبل كل هذا عليها ان تجد ما ترتديه على هذه الملابس البالية .. قميصها قد تمزقت اكمامه.. ولهذا عليها ان تبحث عما ترتدي سواء قميص او سترة حتى لا يكتشف امرها في فرقة المقاومة..
سارت في ذلك الطريق وهي تحاول ايجاد اي طريقة لتحصل لها على ملابس بحالة جيدة..و...
توقفت بغتة عن مواصلة السير وهي تتذكر قلادتها.. لم يرها احد لانها كانت ترتديها اسفل قميصها.. صحيح انها هدية غالية على قلبها لكن ما باليد حيلة..
وتوجهت لتسير بين الطرق.. هي تتذكر هذه الاماكن جيدا.. فهي مدينتها التي لطالما تجولت بين منازلها ومتاجرها.. هنا كانت تلعب مع رفاقها.. وهناك كان والدها يعيدها الى المنزل بعد عودتها من المدرسة .. وهناك كانت تتجول مع عائلة عمها.. لا زالت تتذكر جولاتهم الى الاسواق المنتشرة على طول هذا الشارع..
واخيرا وصلت الى مبتغاها متجر المجوهرات.. واضطرت لأن تبيع قلادتها والمبلغ الذي حصلت عليه كان جيدا يكفي لما تريد ويزيد..
واكملت طريقها بعد ان حصلت على المبلغ لتعود وتتجول في ذلك السوق.. ولمحت ذلك المتجر المحطم الذي حصلت منه على سترتها يومها.. لقد بات افضل حالا على ما رأته عليه سابقا.. وصاحبه حاول بقدر الامكان اصلاحه..
دلفت الى الداخل وأخذت ما تحتاج اليه.. واتجهت الى البائع لتدفع المبلغ المطلوب.. وما ان وضعت يدها في جيبها لتخرج النقود.. حتى شعرت بورقة ما.. ورقة لا تظن انها كانت موجودة في بنطالها منذ الاساس..
عقدت حاجبيها بحيرة.. ودفعت للبائع واتجهت الى غرفة تغيير الملابس.. وهناك اخرجت تلك الورقة من جيبها وفضتها لتبدأ بقرائتها .. واتسعت عيناها بقوة وهي غير مصدقة لأي حرف مما تقرأ..ربما كانت تتوهم.. من المستحيل ان يكون ما جاء في هذه الورقة صحيحا .. ربما كان هذا مجرد حلم وستصحو منه بعد قليل.. وعادت تقرأها مرة اخرى وهي تحاول ان تستوعب كل حرف فيها..
(( اتمنى لك حظا موفقا.. لو حدثت لك أي مشكلة فستجدينني معك.. رقم هاتفي الخاص في نهاية هذه الورقة ..
الوداع .. ج.أ))
الآن فقط تيقنت ان هذه الرسالة مرسلة من ألكس ..حرف (أ) يشير الى ذلك..ا ساعدها على الهروب حقا؟.. ليس سواه من غادر السيارة وترك لها المفاتيح .. لماذا فعل هذا؟ .. لقد شعرت انه مهتم بها .. لكن اي اهتمام في هذا العالم يجعله يضحي بمنصبه في الجيش وخيانة وطنه لتهريبها؟.. اهو حقا صادق في مساعدته لها بالهروب؟..الا يفكر مثلا في ان يحاول استدراجها لتنطق بكل شيء يريد؟.. لكن شيء ما بداخلها.. شيء في اعماقها.. يهمس لها انه صادق .. وانه فعل كل ذلك من اجلها هي..
ورفعت عيناها بشرود.. لتقول بصوت خافت اقرب الى الهمس: لن انساك ابدا يا ألكس.. ولن انسى ما فعلته لأجلي.. سأظل اتذكرك.. وداعا يا.. ايها القائد..
ودون ان تشعر .. ترقرقت دموع في عينيها لتنذر بسيلها على خديها.. وشعرت لحظتها ان كل ما قاسته في ذلك المبنى الحقير تستطيع ان تعبر عنه الآن بدموعها هذه..
ولكنها عادت لتتذكر انها الآن اقرب للحرية.. انها حرة من جديد.. لم الحزن؟.. عليها ان تفرح.. ان تبتسم .. ان تصرخ بأعلى صوتها وتعبر عن حريتها هذه التي فقدتها تحت وطأة الاعداء..لكن.. لم تشعر ان سعادتها ناقصة.. وكأنها قد فقدت شيئا مهما بالنسبة لها..
##########
(السيد فارس ينتظرك بالخارج يا سيدي)
قالتها السكرتيرة وهي تتحدث الى مديرها عبر الهاتف.. وما ان سمعت صوت محدثها الذي قال بحدة: كم مرةعلي ان اخبرك بأن لا تتركيه ينتظر وان تدخليه على الفور..
قالت السكرتيرة وقد شعرت بالارتباك لقاء لهجة مديرها التي تغيرت نحوها: عذرا يا سيدي.. لكنه هو من فضل الانتظار عندما علم انك مع احد الموظفين بالمكتب..
قال المدير في سرعة دون ان يهتم ما قالته: فليكن.. ادخليه الآن..
اسرعت تقول بدورها: في الحال..
واغلقت سماعة الهاتف لتقول وهي ترفع انظارها الى فارس وتشير له بالدخول: المدير ينتظرك..
قال فارس وهو يميل نحوها وبابتسامة: هل تحدث اليك مديرك هذا بانفعال؟..
قالت وهي تبادله الابتسامة: لقد اعتدت على انفعاله عندما انسى اي امر طلبه مني..
قال فارس وهو يعتدل في وقفته: اعدك ان اضايقه اليوم واحاول رفع ضغطه حتى لا يتشاجر معك مرة اخرى..
اكتفت السكرتيرة بابتسامة دون ان تعقب.. فرتب فارس من هندامه قبل ان يدلف الى الداخل ويقول بصوت يصطنع فيه الحدة: كم مرة اخبرتك بأن لا تضايق سكرتيرتك الحسناء تلك؟..
قال حازم مبتسما وهو ينهض من خلف مكتبه: دعك منها.. كان عليها ان تنفذ ما اخبرتها به.. لكنها تحاول التظاهر بالذكاء احيانا..اخبرني ما الذي جاء بك اليوم الى الشركة؟..
قال فارس وهو يقترب منه ويرسم على شفتيه ابتسامة خبيثة ويغمز بعينه: ربما لرؤية سكرتيرتك تلك..
قال حازم وهو يحدجه بنظرة ثاقبة: لن اصدق ان فارس يهتم بأي فتاة في العالم.. حتى لو قلت لي هذا بنفسك.. انسيت ما كان يحدث في الماضي عندما كنا زميلا دراسة بالجامعة .. عندما تحاول اي فتاة التحدث اليك.. كنت تكتفي برد مقتضب وتكمل سيرك دون ان تمنحها فرصة لأن تقول اي شيء .. ومع هذا فقد كن الفتيات يحمّن حولك انت .. اما انا التي كنت امرح مع هذه وتلك ..لم اجد من بعضهن الا الصد والرفض..
قال فارس بلهجة واثقة: الا تعلم ان الطريق الى قلب المرأة هي صدها والابتعاد عنها؟..
قال حازم بسخرية: حقا؟.. لهذا اراك لم تتزوج حتى الآن.. لأن جميع الفتيات اللاتي حاولن التقرب منك.. قمت برفضهم ..
صمت فارس للحظات ومن ثم قال بهدوء: انت تشترك معي في ذات المصير..
- على الاقل انا لم اقل اني اريد الوصول الى قلب امرأة ما,, والآن اخبرني ما الذي جاء بك الى هنا؟..
قال فارس وهو يتجاوز حازم ليجلس على المقعد المجاور للمكتب: ان اردت الصدق.. فقد جئت الى هنا.. لأنني افكر في قبول عرضك..
اسرع حازم بالجلوس في مواجهته ويقول وهو يغمز بعينه: بالخدمة في منزلنا؟..
قال فارس بسخرية: بل في ان تتلقى راتبا مغريا مني مقابل تنظيف سيارتي يوميا..
قال حازم مبتسما وهو يميل نحوه: اذا كان المبلغ مغريا حقا سأفكر في الامر..
واردف بجدية: احقا ترغب في العمل في الشركة معي؟..
اومأ فارس برأسه ايجابيا.. فقال حازم متسائلا: وما العمل الذي ترغب فيه؟..
قال فارس مبتسما بمرح: منصبك..
قال حازم باستنكار مصطنع: يالك من خبيث.. اتريد ان تستولي على الشركة؟..
ابتسم فارس ليقول هذه المرة بجدية: في الحقيقة.. لا اريد سوى العمل في مجال دراستي..
قال حازم بعد تفكير: بما ان دراستك هي المحاسبة.. ما رأيك ان اعينك مديرا للمحاسبين في الشركة..
ارتفع حاجبا فارس ليقول بسخرية: بهذه السرعة اصبح مديرا.. يبدوا ان الترقيات سريعة جدا في شركتكم ..
قال حازم وهو يشبك اصابعه وبابتسامة: بأكثر مما تتصور..
قال فارس وهو يدس اصابعه بين خصلات شعره ويتنهد: حازم .. عاملني كبقية الموظفين هنا.. لا اريد ان يتحدث عنك احدهم.. ويقولون فيما بعد انك قد عينت صديقا لك مديرا للقسم وهو لا يستحق لهذا المنصب..دعني اعمل في ذلك القسم كأي موظف عادي ..
قال حازم وهو يمط شفتيه باستنكار: ومنذ متى يهمني كلام الناس.. انا لا أأتمن سواك ليكون مديرا لقسم المحاسبة كما وانني كنت افكر في ان اضع مديرا جديدا للقسم منذ فترة.. لأن المدير الحالي ليس كفؤ للمنصب ابدا ..
قال فارس مبتسما وهو يرتخي في جلسته: كما تشاء.. لكن لا شأن لي ان ظهرت حولك الاشاعات..
قال حازم وهو يرفع سماعة الهاتف المتصل بمكتبه: انا سأتحمل كل هذا.. اخبرني الآن..ماذا تشرب؟..
قال فارس بابتسامة باهتة: كأسا من العصير..
طلب حازم من سكرتيرته عبر الهاتف ان تطلب من كافتيريا الشركة باحضار كأسين من العصير.. ومن ثم انهى الاتصال ليقول وهو يلتفت له: انتظرني اليوم مساءا سآتي للمبيت معك..
قال فارس وابتسامته تتسع: لا تنسى احضار طعام العشاء معك..
قال حازم باستنكار: اتمزح؟.. كيف يمكنني ان انسى شيئا كهذا؟.. هذا هو اول شيء سأفعله..
ضحك فارس بمرح ومن ثم قال وهو يميل نحوه: االى هذه الدرجة تخاف من تناول وجباتي التي اطبخها؟..
لم يعلق حازم واكتفى برؤية فارس والابتسامة تشرق على وجهه.. فلأول مرة منذ شهر مضى تقريبا.. يرى السعادة تضيء في عيني صديقه..
#############
على اضواء لهيب الشمعة المتراقص.. وقف مجموعة من الشباب حول طاولة مستطيلة الشكل.. وهم يتطلعون الى تلك الاوراق التي رسم عليها رسومات معينة بقلم من الرصاص ..
واشار قائدهم الى شكل للمربع على تلك الورقة وقال وهو يعقد حاجبيه: فلنتخيل ان هذا هو مركز الشرطة.. وهذا هو مدخله.. بعض من زملائنا يقومون بحراسته في الفترات المسائية فقط.. وسنقوم بالحصول على ما نريد من اسلحة.. خلال فترة حراستهم فقط..
واردف وهو يشير الى موقع يبعد عن ذلك المربع قليلا: ستتوقف السيارة التي ستقلنا على بعد مائة متر او اكثر من مركز الشرطة حتى لا ينتبه اليها احد..
ومن ثم قال وهو يرفع رأسه اليهم: بالتأكيد لن ننسى كاميرات المراقبة.. والشرطة التي بداخل هذا المبنى..انا ورائد سندخل الى هناك .. سيتوجه رائد الى قسم المراقبة.. وسيضع شريطا يعرض خلو المخزن من اية اشخاص.. اما انا فسأحاول ان اكون بداخل المبنى لسببين.. اولهما ان احاول حمايتكم لو كشف امرنا.. وثانيهما ان ابعد عنكم اية شبهة.. بكوني قائد للفرقة..
قال عماد متسائلا وهو يشير الى ذلك المربع المرسوم على الورقة: لكن يا هشام.. كيف لنا ان نخرج الاسلحة من المركز .. الا يوجد جهاز لكشف الاسلحة عند بوابته..
قال هشام مبتسما: ومن قال اننا سنستخدم الابواب.. سواء عند دخولنا الى المركز او عند خروجنا منه.. هناك وسيلة تسمى تسلق الاسوار.. وبما انه سيكون وقت الحراسة الخاص بزملائنا فسيكون كل شيء على ما يرام باذن الله..
قال جلال بتوتر: الا يحتمل ان يسبب هذا مشاكل لزملاؤكم بالعمل؟..
قال هشام وهو يهز كتفيه: وماذا عساي ان افعل؟.. من واجبنا جميعا التضحية من اجل الوطن.. وعمل بسيط كالتغطية على حصولنا على بعض الاسلحة للدفاع عن الوطن لن يضر احدا..
اسرع عزام يقول: هشام.. الا ترى ان ما انت مقدم عليه يعدخطرا علينا جميعا؟.. انت تسرق اسلحة من بلادك..لا تنسى هذا..
قال هشام مبتسما: اتفضل انت ان نسرق من المبنى البريطاني مثلا؟..
قال عزام بضيق: الامر لا يحتمل المزاح.. قد تتهم بقضية امن دولة..
قال هشام وهو يرفع حاجبيه بدهشة مصطنعة: وما شأني انا؟.. سأكون بداخل المبنى وقتها.. ورائد كذلك يقوم بعمله.. ولم يرى احد من سرق الاسلحة .. فلم تصور كاميرات المراقبة احدا.. ربما يكونون مجرد لصوص عاديين..او تجار اسلحة تسللوا الى مركز الشرطة وفروا بما لديهم..
ابتسم عزام وهو يهز رأسه قائلا: يالك من ماكر..
قال عادل وهو يعقد حاجبيه: لكن لحظة.. اانت تثق في جميع زملاؤك اللذين سيقومون بالمراقبة وقتها؟..
اومأ هشام برأسه قائلا: اثق بالأغلبية منهم.. اما البقية فقد تطوعوا في هذا العمل.. عندما علموا بهدفي من وراء سرقة هذه الاسلحة..
هم جلال بقول شيء ما.. عندما ارتفع صوت ضربات على باب المنزل.. كانت ضربات سريعة ممتابعة.. وكأن من خلفها يطلب منهم السرعة في فتح الباب.. وتوتر الجميع وهم يتلفتون بينهم وافكارهم تدور حول من قد يكون قد جاء الى هنا..فالجميع موجود في هذا الوقت بداخل المنزل.. ولم يخرج احد.. من اذا هو القادم؟.. من هو زائر الليل هذا؟.. ايعقل ان يكون هم.. اولئك البريطانيون قد كشفوا امرهم ..
وارتفع بغتة صوت هشام ليقول: فليبقى الجميع هنا.. سأذهب لأرى من الطارق..
وتحركت اقدام هشام ليسير متوجها الى الخارج.. لكن شعر بغتة بأحدهم يقف ليمنعه من المرور وهو يقول باصرار: لن تذهب يا هشام..
قال هشام وهو يزفر بحدة: مارك ابتعد عن طريقي.. يمكنني ان اتصرف.. ثم لو كانوا الجنود البريطانيون.. فثق انهم لن يطرقوا الباب.. بل سيقتحمون المكان فورا..
اقتنع مارك بوجهة نظر هشام وتركه ليتخطاه..ويتوجه نحو الباب الرئيسي.. وقبل ان يفتحه هتف قائلا بصوت حازم: من الطارق؟..
جاءه صوتا خائفا مذعورا من خلفه يقول: انا يا ايها القائد..
عقد هشام حاجبيه.. هو يذكر هذا الصوت جيدا.. ايكون هو حقا من هو خلف الباب؟.. واسرع يفتح اقفال الباب.. ليقول بعد ان لمح وجه الواقف خلف الباب.. وبكل دهشة وذهول الدنيا: عهد.. اهذا انت؟؟!..
ازدردت عهد لعابها لتقول في سرعة وقلق: اجل.. اريد الدخول من فضلك يا ايها القائد..
افسح لها هشام لكي تدخل.. ومن ثم قال وهو يتطلع اليها بغير تصديق: كيف وصلت الى هنا؟؟.. واين كنت كل ذلك الوقت؟؟..
رفعت عهد عيناها الى هشام لتقول بصوت مرتبك: لقد هربت..
تساءل هشام بغير تصديق: هربت؟؟.. هل تقول الصدق؟! .. كيف تمكنت من الهرب من المبنى البريطاني؟؟..
قالت عهد وهي تتنفس بتعب: انها حكاية طويلة.. اريد ان ارتاح قليلا.. وبعدها سأحكيها لك يا ايها القائد..
وضع هشام كفه على كتفها وقال مبتسما: لا بأس.. ارتح الآن .. وسنتحدث فيما بعد..
ارتبكت عهد لامساكه لكتفها على ذلك النحو.. هي لا تزال تدرك انهم يعتبرونها شاب بينهم.. ولهذا سيتصرفون معها على هذا الاساس.. واسرعت تبتعد عنه بخطوات بسيطة لتقول بتوتر: ارغب في شرب بعض الماء..
قال هشام وهو يشير لها باتجاه المطبخ: يبدوا انك متعب.. اذهب لتشرب وتأكل ما تريد.. وعندما ترتاح.. ستخبرنا بكل شيء..
اومأت عهد برأسها ايجابيا.. وكادت ان تتحرك من مكانها.. لكن شيء ما قد شل اطرافها.. شيء جعلها تتطلع بكل صدمة الى الشخص الذي يقف امامها.. الشخص الذي يمكن ان يؤثر على حياتها.. وتسارعت ضربات قلبها بغتة..لتتوتر نظراتها وهي تتطلع الى سوزي.. وفي اعماقها شعرت ان امرها قد انتهى تماما...
:
:
يتبع..
 





روايه بــــ الحب والواقع ـــين



تسلمى رنوووون على مجهودك

ال

مش قادر
على وصفه

بصراحه

مجهود من المجهودات الجباره

روايه بــــ الحب والواقع ـــين

 
البلبل
كل الشكر روعه تواجدك المميز
وحضورك الكريم
تحياتي
روايه بــــ الحب والواقع ـــين
 
بـــ الحب (14) والواقع ـــين
:: ورطة وعقوبة::


بين خوف وقلق.. بين فرحة بالعودة وحزن من المستقبل المجهول.. بين امل لوجودها هنا بينهم من جديد.. وبين توتر لوجود سوزي في هذا المكان معها.. لا تعرف ما الذي جاء بسوزي الى هنا.. لكن كل ما تحشاه هو ان يكون لسوزي يد في كشف امرها في مقر المقاومة.. بعدها لن تعرف الى أي مكان تذهب.. وكيف السبيل لتحقيق هدفها بالانتقام؟ ..
وارتفعت انظارها الى سوزي لتطلع اليها برجاء على ان لا تكشف امرها.. وتفهم انها تحيا كشاب هنا.. اما سوزي التي لم تكن اقل دهشة من وجود عهد في هذا المكان .. شعرت بالحيرة من الوسيلة التي استطاعت بها الهروب من المبنى .. ففي المبنى البريطاني لا يوجد سوى سبيلين للخروج منه.. اما ان تكون قد خرجت منه بعد ان قررت ان تتعاون معهم وتكون اقرب الى الجاسوسة لهم.. واما ان يكون قد ساعدها احدهم على الهرب...
وعقدت حاجبيها بتفكير وهي تتطلع الى عهد التي كانت توجه نظراتها لها.. لم تفهم هذه النظرات في البداية .. حين سمعت صوت مارك يقول متسائلا: هل تعرفينه؟..
التفتت له سوزي لتقول بعدم فهم: اعرف من؟..
قال وهو يشير لعهد بعينه: هذا الشاب الواقف هناك.. انك تتطلعين اليه منذ مدة.. وهو يبادلك النظرات كذلك..
قالت سوزي باستغراب مرددة: شاب؟؟..
ومن ثم لم تلبث ان فهمت الامر برمته.. لقد جاءت عهد الى المبنى البريطاني على اساس انها شاب.. واكتشف عن طريقها انها فتاة.. اذا فالجميع هنا يظنونها رجلا وليس فتاة..
والتفتت الى مارك لتقول بابتسامة: اجل اعرفه.. لقد قمت بالاشراف على علاجه في المبنى البريطاني ..
قال مارك بصدمة: هل كان اسيرا في المبنى ؟؟..
قالت سوزي وهي تتطلع اليه بحيرة: الم تكونوا تعرفون ذلك؟؟..
اجاب مارك بذهن مشتت: بلى .. اعني لم نكن متأكدين من انه قد اسر حقا في المبنى البريطاني.. لكن بما انه كان اسيرا هناك.. فكيف استطاع مغادرة المبنى؟..
قالت سوزي وهي تعود لتلتفت الى عهد وتتطلع اليها بحيرة: هذا ما اود معرفته انا الاخرى...
اما عهد التي كانت تشعر بالخوف من وجود سوزي بينهم.. ومن كشف امرها للجميع.. لم تتوقف عن التطلع اليها بنظرات رجاء.. فهمتها اخيرا سوزي وهي تبادلها ابتسامة مطمأنة.. وهنا فقط اطمئنت عهد.. وهي تتنهد براحة.. وتتطلع الى سوزي بامتنان..
واكملت طريقها للتوجه نحو المطبخ الصغير وتلتقط منه كأس زجاجي.. لتملأه بالماء وتشربه .. وهي تشعر ان ما يملأ جوفها هو طعم الحرية لا الماء.. الآن فقط تشعر انها بين اهلها.. على ارض وطنها..لكن ماذا عن ألكس؟؟.. لماذا لم تفكر فيه قبل الآن؟.. ما الذي سيحدث له بعد ان تعمد تهريبها؟.. بالتأكيد سيعاقب.. لكن أي عقوبة سينال؟..
وتوقفت عن شرب الماء بضيق وهي تعيده على الطاولة.. وعقلها يفكر فيمن ضحى بكل شيء في سبيل تهريبها من هذا المكان...
###########
(هل انت سعيد الآن؟)
قالها جون وهو يتطلع الى ألكس بكل غضب وانفعال.. والتفت له ألكس بنظرة باردة لم تحمل أي معنى.. اما جون فقد اردف قائلا وقد زادت نظرة ألكس له من غضبه: اجل ولم لا تكون سعيدا ؟.. وانت كدت ان تخسر منصبك بسبب تلك الحقيرة..
عقد ألكس حاجبيه قائلا: هي لا دخل لها بالامر..
قال جون بقهر: لا دخل لها؟.. من الذي هرب اذا؟.. الم تمنحها الفرصة للهرب بنفسك؟.. كيف تذهب معها لوحدكما هكذا؟.. حتى انك رفضت أن يكون احد الجنود معك.. ولولا ذلك الجندي الذي ادلى بشهادته بما حدث في غرفة الاستجواب.. وبرغبتك في معرفة مقر المقاومة منها .. لربما كنت قد فصلت من الجيش بأكمله..
قال ألكس وهو يغلف ملامحه بالبرود: من قال انني منحتها فرصة للهرب.. لقد كانت مقيدة الى مقود السيارة.. لكن لا اعرف كيف فكت القيود وهربت..
تطلع اليه جون بنظرات متشككة وقال بحدة: ألكس.. لا تحاول اقناعي انها هربت هكذا.. من قائد اعلى للجيش البريطاني وبكل هذه السهولة.. بدأت اشك ان لك يدا في الموضوع..
قال ألكس بعصبية ليخفي توتره: هل تظن انني سأحاول تهريبها متناسيا منصبي كقائد للجيش؟.. ومن اجل من؟.. مجرد اسيرة من اراضي هذه البلاد..
قال جون وهو يحاول ان يقنع نفسه بما قاله ألكس: لكنك كنت تبدي اهتماما نحوها..
لوح ألكس بكفه وقال بلامبالاة: لكن لن يصل هذا الامر الى حد مساعدتها على الهروب.. لم افقد عقلي بعد لأفعلها..
قال جون وهو يعقد ذراعيه امام صدره ويقول : لا بأس.. سأحاول اقناع نفسي بما قلته.. لكن لو تمكن أي احد من الوصول الى هذا المبنى.. ستكون هذه الفتاة هي السبب.. وستكون انت المسئول امام القضاء ..لقد تم ايقافك عن العمل لمدة اسبوع هذه المرة.. ولا احد يعلم ما الذي سيكون موقفك في المرة القادمة؟..
لم يجب ألكس وهو يلمح جون يغادر غرفته.. كانت خطوة كبيرة وجريئة تلك التي فعلها من اجل مساعدتها على الهروب ..لقد ضحى بمنصبه اولا.. وعرض هذا المبنى للخطر عندما تركها تهرب.. لكن .. لم يكن بيده حل آخر.. كان يريد ان يبعدها عن كل ما لاقته من عذاب والم هنا.. وكانت هذه هي الوسيلة الوحيدة.. صحيح انه ربما يعتبرها البعض خيانة لوطنه.. لكنه في النهاية قد استجاب لنداء قلبه ...
#############
كان اكثر ما يخيفها هي لحظة المواجهة.. وها قد حانت هذه اللحظة.. الجميع هنا يريدون تفسيرا منها حول اختفاءها طول تلك المدة.. بامكانها ان تكذب.. وتختلق أي عذر .. لكن لا تريد ان تكذب .. ستقول الحقيقة.. ربما لا يصدقها البعض .. ويتهمها بالكذب.. او ربما متعاونة مع الجيش البريطاني.. لكن هذا افضل من ان تكذب.. ويفتضح امرها فيما بعد.. عن طريق سوزي مثلا..
وشاهدت هشام يقترب منها ليقول وهو يجلس على المقعد المجاور للاريكة التي تجلس عليها: والآن يا عهد.. اخبرني سبب عن غيابك طوال تلك المدة.. وهل كنت في المبنى البريطاني حقا؟..
اطرقت عهد براسها وقالت وهي تزفر بحدة: اجل.. لقد كنت هناك..
حدجها هشام بنظرة ثاقبة .. قبل ان يقول وهو يعقد حاجبيه: لقد توقعنا هذا.. ان تكون اسيرافي المبنى البريطاني.. لكن ما لم افهمه.. هو كيفية عودتك الينا .. هل استطعت ان تهرب منهم بهذه السهولة حقا؟ ..
قالت عهد وهي تزدرد لعابها بارتباك: ليس بالضبط.. في الحقيقة لقد حاولوا استجوابي اكثر من مرة.. وفي المرة الاخيرة....
واخذت تسرد عليه ما جرى معها.. دون ان تذكر ألكس .. او مساعدته لها.. واكتفت بأن قالت اخيرا: لقد قيدني قائدهم الى مقود السيارة.. لكن عندما عندما خرج منها ليتأكد من امر ما.. وجدت انه قد نسي اخذ المفاتيح معه.. وقد كانت فرصة لم احلم بها ابدا..لهذا اسرعت بالهروب حينها.. لأجري بكل ما املك من طاقة وانا اتمنى ان اشعر بالحرية من جديد..
قال هشام وهو يميل نحوها: لو كان ما تقوله صحيحا يا عهد.. فأنت شاب شجاع افتخر بوجوده بيننا.. لكن هل انت متأكد انهم لم يحاولوا اللحاق بك بعد هروبك؟..
اومأت عهد برأسها ايجابيا وقالت: اجل.. فقد ذهبت الى اكثر من مكان.. قبل ان اصل الى هنا..
قال هشام وهو يبتسم بهدوء: هذا جيد.. حمدلله على سلامتك يا عهد اولا.. واهلا بك بيننا من جديد..واظن انك ستفيدنا كثيرا في مهماتنا القادمة؟..
اشارت عهد الى نفسها لتقول باستغراب: انا؟.. كيف؟..
ربت هشام على كتفها ليقول بابتسامة: سأخبرك.. لكن ليس الآن..وسأستدعيك عندما احتاج اليك.. بالاذن..
قالها ونهض من مكانه ليغادر المكان.. وزفرت عهد بحدة من توترها طوال الوقت.. وبغتة تذكرت امرا جعلها تدخل كفها في جيب بنطالها.. وتتطلع الى ذلك الهاتف المحمول الذي قامت بشراءه.. هي تعلم انها لم تشتريه الا لسبب واحد.. وهو ان تتصل بألكس لو حدث لها أي شيء.. وهو بدوره قد وعدها ان يكون بجوارها لو اصابها أي مكروه..
وترددت طويلا وهي تفتح ركن الرسائل لتضغط على الازرار رسالة محتواها: (شكرا لك.. ع)..
لم تعلم ان كان عليها ارسالها حقا وشكره ام لا.. لكنه ساعدها وضحى بكل شيء لأجلها.. اتستخسر فيه مجرد رسالة تعبر فيها عن شكرها؟.. وحسمت امرها لتضغط على زر ارسال..
وارتسمت ابتسامة خافتة على شفتي عهد.. وهي ترى ان الرسالة قد وصلت اليه.. يا ترى.. كيف سيكون موقفه منها ومن هذه الرسالة التي ارسلتها له؟..
:
:
نغمة مميزة اعلنت له عن وصول رسالة ما الى هاتفه الخاص.. والتقطه ليرى من المرسل.. وهو يشعر انه قد يكون احد اقرابه في بريطانيا.. لكن.. عيناه تجمدتا على الشاشه.. وهو يقرأ الكلمتين لعدة مرات.. انها منها.. هو واثق من هذا..اذا فهي بخير الآن..
وارتسمت ابتسامة على شفتيه دون ان يشعر.. لقد فكرت فيه.. وفكرت فيما فعله لأجلها.. كان بحاجة الى بادرة منها.. وها هو ذا قد حصل عليها..ربما يكون هذا هو الجسر الذي سيصل عبره الى قلبها العنيد.. وعاد ليقرأ كلمات رسالتها القصيرة بكل شوق ولهفة...
############
توقف حازم عن السير امام ذلك مكتب ما موجود بالطابق الثاني في شركته.. وامسك بمقبض الباب ليديره ويدلف الى الداخل .. ويقول بصوت صارم: كيف يسير العمل هنا؟..
التفت له ذلك الشاب بحدة ومن ثم لم يلبث ان قال بسخرية: لقد قمت بسرقة نصف الشركة تقريبا..
قال حازم وهو يقترب ليجلس على المقعد المواجه للمكتب ويضع كفيه خلف رأسه: كل هذا في يوم واحد..
قال فارس مبتسما: وانتظر سرقة النصف الآخر من الشركة غدا..
التفت له حازم ليتطلع اليه بطرف عينه ويقول: يبدوا وانني اخطأت عندما عينتك مديرا لقسم الحسابات..
قال فارس وهو ينشغل بمتابعة الملف الذي امامه: هذه مشكلتك ..
لكن بغتة انزاح الملف .. وسمع صوت حازم يقول: دعك من العمل..ولنتجول قليلا..
قال فارس وهو يرفع رأسه له قليلا: حازم.. كن جديا واذهب لمكتبك ودعني اكمل اعمالي هنا.. فلست مثلك ..لدي صلاحية بمغادرة المكان في أي وقت لاني ابن صاحب الشركة..
قال حازم وهو يمد ذراعه امامه ليريه ساعة يده: انظر بنفسك.. لم يبقى على نهاية وقت العمل سوى نصف ساعة.. لا تكن سخيفا وتمثل المثالية والانضباط في العمل.. هيا انهض معي.. ولو حدثك احدهم قل اني انا من طلبك للخروج معه..
قال فارس مبتسما: فليكن.. سأخبرهم بذلك ليصل الامر لوالدك بعدها..
امسك حازم بمعصم فارس وقال وهو يجذبه معه: لا بأس.. فليصل الامر اليه..
قال فارس وهو ينهض من خلف المكتب ويعيد الملفات الى الادراج : يبدوا انك واثق ان والدك لن يتحدث لو علم بما تفعل..
ضحك حازم قائلا: انه يعلم منذ مدة بأمر مغادرتي للشركة قبل وقت انتهاء العمل..
قال فارس بسخرية: يالك من رئيس مجلس ادارة ناجح..
لوح حازم بكفه قائلا: العمر ينتهي يا فارس والعمل لا ينتهي.. دعني استمتع بشبابي..
ابتسم لعبارته وقال وهو يغادر من خلف المكتب: أي شباب هذا.. لقد بدأت تقترب من الثلاثين..
قال حازم في سرعة: لو سمحت لا تزدني اعواما.. لقد اكملت السابعة والعشرين عاما فحسب..
قال فارس بخبث وهما يغادران المكتب معا: ثلاثة اعوام فقط تفصلك عن الثلاثين..
التفت له حازم وقال بسخرية: وكأنك لست في مثل عمري انت الآخر..
هز فارس كتفيه ومن ثم قال: على الاقل لم اقل اني اريد الاستمتاع بشبابي..
- دعك من هذا.. واخبرني .. الى اين تريد ان نذهب؟..
قال فارس وهما يتوجهان نحو المصعد ويضغط الزر المجاور له: ما رأيك ان نطلب غداءا من احد المطاعم.. ونتناوله في الشقة الخاصة بي..
قال حازم مبتسما يترقب وصول المصعد: فكرة جيدة..
واستقلا المصعد الى الطابق الارضي.. ليغادرا مكتب الشركة.. وينطلقان كل منهما بسيارته..وتعالى رنين هاتف فارس المحمول .. فأجاب عليه قائلا وهو يقود السيارة: هه .. ماذا تريد؟..
قال حازم مبتسما وهو يلحق به بسيارته: دعني اسير امامك.. فلن تعرف الطريق الى المطعم..
قال فارس بضجر: حسنا.. مع السلامة..
انهى المكالمة ليبطء من سرعته.. ويترك المجال لحازم بأن يتخطاه .. ولم تمض دقائق حتى توقفت سيارتهما امام مطعم في العاصمة.. فقال حازم بصوت عالي بعض الشيء وهو يهبط من سيارته: ما رأيك؟.. هل يبدوا جيدا ام نختار غيره؟..
قال فارس وهو يسند رأسه لمسند المقعد: لا بأس به..
قال حازم وهو يشير الى المطعم : اذا سأدخل واطلب طعام الغداء لكلينا.. هل ستأتي؟..
اشار فارس بكفه علامة النفي.. ومن ثم لم يلبث ان التفت ليتطلع من خلال نافذة سيارته الى الطريق والسيارات التي تمضي فيه.. واغمض عينيه وهو يتنهد ويلتفت عن النافذة.. لكن صوتا ما جعله يعيد فتح عينيه ويلتفت الى الخارج..ليتطلع باهتمام لما يجري...
لقد شاهد شاب في اوائل العشيرينيات من عمره .. يقف الى جوار فتاة وهو يحاول اقناعها بدخول المطعم .. ويبدوا وانها رافضة لهذا الامر..
ارتسمت ابتسامة على شفتيه وهو يفتح نافذة السيارة.. ويستمع للحوار الذي يدور بينهما..
- وماذا به؟.. اليس جيدا؟..
- بلى.. لكنك تعرف اني افضل المطعم الذي يقع في المنطقة الجنوبية اكثر..
قال الشاب بحنق: اتريدين الذهاب الى هناك حقا؟.. اجننت؟ .. انسيت ما يجري هناك من تفجيرات؟..اتريدين ان نتناول طعام الغداء في وسط الخطر..
ضحكت الفتاة قائلة: وماذا في هذا؟.. نحتاج الى القليل من الاثارة في حياتنا..
ظل فارس على حاله في مراقبتهما وهو يستمع الى حوارهما.. وابتسامة تتراقص على شفتيه.. الى ان سمع بغتة صوت حازم يفتح الباب المجاور له.. ويضع اكياس علب الغداء على المقعد المجاور: لقد احضرت الغداء..
لم يهتم فارس وهو يلاحق الفتاة والشباب بانظاره وهما يدلفان الى داخل المطعم.. فتساءل حازم باستغراب قائلا: الام تنظر؟..
قال فارس بشرود: انها هي..
قال حازم بدهشة: هي ؟.. من؟..
قال فارس وقد شعر بغتة بما قاله: اعني انها تشبه شخصا اعرفه ..
واردف وهو يلتفت له محاولا تغيير دفة الحديث: هذا لا يهم.. الم تحضر طعام الغداء بعد؟..
قال حازم بسخرية: هنيئا لمن تفكر به يا اخي.. الغداء امامك.. الا تراه؟..
قال فارس ببعض الارتباك: اذا فيم الانتظار؟..هيا غادر الى سيارتك..
قال حازم وهو يغمز بعينه له: لكن صدقني.. سأعرف منك ما تعنيه بـ "هي" اليوم..
هز فارس رأسه باستخفاف.. ومن ثم انطلقا كلاهما في شوارع العاصمة متجهين الى شقة فارس...
###########
تطلع عماد بقلق الى ساعة معصمه وهو يجلس في سيارته بمنطقة مجاورة لمركز للشرطة وقال للمرة الثانية : الا ترى انهم قد تأخروا يا عزام؟...
قال عزام بضجر: كلا.. ثم انك تسال ذات السؤال للمرة الثانية وقد اجبتك بالاجابة ذاتها قبل قليل..
قال عماد وقد سيطر عليه قلقه: لقد دخلوا الى المركز منذ ساعتين.. يفترض ان يخرجوا الآن..
قال عزام بهدوء محاولا شرح الامر: لقد قال هشام ان مهمة كهذه ستستغرق وقت قد يصل الى الخمس ساعات.. نظرا لصعوبة ما يخطط له.. فهو يحاول ايجاد الفرصة للدخول الى المكان المخصص للاسلحة التابع للمركز.. وفي هذه الحالة يجب عليه ان ينتظر ان يبدأ وقت عمل زملائنا.. هذا غير الاجراءات التي شرحها من قبل لتحقيق سلامة ما سيقوم به...
قال عماد وهو يلتفت له : لكن ربما الامر لم ينجح معهم.. او ربما امرهم قد انكشف..
قال عزام بضيق: تفاءل بالخير.. وانتظر قليلا.. لو مرت الثلاث ساعات الباقية دون خبر.. فعندها ستكون على حق في ظنونك هذه..
ومر الوقت بطيئا عليهما .. وكلاهما لا يكتفيان من التفكير مما يجري بداخل مركز الشرطة..
وفي جهة اخرى كان هناك شرطي يعمل في سرعة على جهاز كمبيوتر.. قبل ان يقول وهو يلتفت الى ذلك الواقف امامه: تم تعطيل اجهزة التصوير الموجودة بالمخزن.. وسيتم بث شريط تصوير قديم خلال هذه الفترة..
ابتسم رائد وقال: هذا جيد.. واشكرك لتعاونك معنا..
ورفع هاتفه المحمول ليتصل به.. وما ان سمع محدثه حتى قال: المكان آمن الآن.. ابدأوا بالعمل..
ولم تمض خمس واربعون دقيقة حتى ارتفع رنين هاتف عماد المحمول قاطعا الصمت الذي ران عليهما لفترة تجاوزت العشر دقائق.. فألتقطه عماد من مكان ما بجاوره في السيارة.. ليجيبه قائلا بصوت متوتر: هه.. ما الاخبار؟..
سرعان ما تحول توتره عندما سمع صوت محدثه الى تنهيدة ارتياح وقال في سرعة: اذا ماذا تنتظرون؟.. هيا اسرعوا بالقدوم ..
واردف وهو ينهي المكالمة: حسنا.. الى اللقاء..
التفت له عزام في تلك اللحظة وقال متسائلا بلهفة: ما الاخبار؟..
قال عماد وابتسامة على ثغره: لقد اتصل بي هشام ليخبرني انهم دخلوا بنجاح الى مخزن الاسلحة.. ولن تمضي دقائق حتى يكونون قد حصلوا على ما نريد..
ابتسم عزام وقال وهو يلتفت عنه ويسند رأسه لمسند المقعد: هذا جيد.. ولكن...
قال عماد باهتمام: لكن .. ماذا؟..
قال عزام بقلق وهو ينظر الى ما امامه: اشعر ان ما نقوم به خطأ .. نحن نسرق اسلحة بلادنا..
تنهد عماد وقال : اعلم ان ما نقوم به خطأ في الوقت الحالي.. لكن اخبرني.. ما الحل في رأيك؟..انظل واقفين نتطلع لكل ما حولنا وفي يدنا ان نساعد في تحرير البلاد من هذا العدو؟.. لقد رفضوا بأنفسهم ان يمنحونا ما نحتاجه من سلاح .. على الرغم من اننا نسعى لهدف نبيل..
قال عزام وهو يحاول ان يضيف بعض الهدوء على صوته:كل ما نحتاجه هو الذخيرة من الرصاص والقنابل.. فقط لو قبلوا بمنحنا اياهم..
قال عماد وهو يعقد حاجبيه: هشام قد تكفل بالامر كله ..وقال انه ما دام هدفنا هو حماية البلاد.. وحماية شعبها.. فسيقبلون الشرطة بما قمنا به..
ابتسم عزام وهز كتفيه قائلا: ربما.. تكون على حق ..
ولم تمض ربع ساعة.. حتى كان قد غادروا من جوار مركز الشرطة بصحبة زملاؤهم..والتفت عزام الى المقاعد الخلفية حيث يجلس عادل وجلال واحد اعضاء فرقة المقاومة.. وقال متسائلا: اين هشام ورائد؟..
قال جلال مجيبا: سيتبعانا فيما بعد..فهشام لا يريد ان يثيرحولنا الشكوك بخروجهما معنا في ذات الوقت..
قال عزام بتفهم: فليكن..
وغادرت السيارة بهم الى مقر المقاومة.. بعد ان حصلوا على ما يريدون من اسلحة.. لكن.. هل سيمر الامر على خير يا ترى؟..
###########
تردد ألكس ألف مرة قبل ان يرسل تلك الرسالة.. شعر انه سيكون جريئا لو ارسلها.. خصوصا وانه لا تزال هناك حواجز عديدة بينهما.. لكن ما باليد حيلة.. لم يعد هناك وسيلة توصله بها سوى هذه..
لقد اشتاق اليها.. الى رؤية عينيها الصافيتين.. والى سماع صوتها حتى وان كانت ستصرخ او تشتم..لقد امتنعت عيناه عن رؤيتها.. وامتنعت اذناه عن سماع صوتها.. لكن كيف له ان يمنع عقله من التفكير بها؟.. كيف؟؟..
وضغط بتردد زر الارسال ليرسل الرسالة..وهو يأمل ان لا تبعده هذه الرسالة اكثر عن عهد..
:
:
جلست عهد بملل على الاريكة الموجودة بالردهة.. وهي تسند رأسها لمسندها..لقد رفض هشام انضمامها لهذه المهمة بحجة ان في هذا خطر عليها بعد ان هربت من المبنى البريطاني .. وبالتأكيد سيحاولون البحث عنها في كل مكان..
وبينما هي كذلك سمعت صوت هاتفها المحمول وهو يعلن وصول رسالة قصيرة اليه..لم تعلم لم شعرت بتوتر مبهم يتسلل اليها.. ربما لانها تعلم ان لا احد يعلم برقم هاتفها سوى شخص واحد فقط..
وفتحت الرسالة لتقرأ فحواها والتي كانت تقول: (لقد نفذت الوعد الذي قطعته على نفسي.. بأن اخرجك من المبنى كما ادخلتك اياه.. كوني حذرة.. ولا تترددي لاخباري عند وقوعك في أي مشكلة.. سأكون الى جوارك دائما..أ)
هو من جديد.. يخبرها انه سيكون الى جوارها على الرغم من كل ما تسببت فيه له من مشاكل بكل تأكيد بعد هربها.. أحقا لا يطلب أي شيء من وراء ما يفعله معها؟..لو كان الامر كذلك.. فما ان يكون طيبا معها اكثر من اللازم وقد عطف ورأف بحالها .. أو ربما يكون يــ...
لا .. لا غير معقول.. ما هذا الذي افكر به؟.. الى اين أخذتني تلك الافكار؟..يالي من بلهاء.. انه مجرد عطف وشفقة منه لا اكثر ولا اقل..
وحاولت اقناع نفسها بهذه الفكرة.. حتى لا تقودها افكارها الى منحنى خطير في حياتها.. وان كانت تشعر في قرارة نفسها ان ما بداخلها تجاه ذلك القائد قد تغير كثيرا .. منذ ان رأت الاهتمام في عينيه تجاهها...
##############
عقد حازم حاجبيه وهو يستمع عبر الهاتف الى شخص ما .. وما ان انتهى محدثه من حديثه حتى قال: حسنا.. حاول البحث من جديد في سجلات الشركة.. وكما اخبرتك اسم العائلة هي (...) حاول البحث عن اي شخص يحمل اسم العائلة ذاته..
واستمع للحظات اليه .. ومن ثم لم يلبث ان قال: شكرا لك.. الى اللقاء..
وواصل اداء اعماله بعد ان انهى الاتصال..واستغرق في ادائها حتى مرت ساعة كاملة تقريبا.. قبل ان يرتفع رنين هاتفه المحمول مرة اخرى.. فتوقف عما يؤديه والتقط هاتفه المحمول الموجود امامه على طاولة المكتب..
واجابه بعد ان شاهد اسم المتصل قائلا: اهلا سالم.. اخبرني هل هناك اية اخبار جديدة؟؟..
استمع الى محدثه .. وقد بدت على وجهه امارات الاهتمام.. ومن ثم قال بدهشة: اانت واثق مما تقول؟..
جاءه صوت محدثه وهو يقول في سرعة: كل الثقة يا سيد حازم.. لقد بحثت في العديد من المؤسسات والشركات ..وبعد بحث طويل منذ ان كلفتني بذلك منذ اسبوعين وجدت اسم العائلة..
قال حازم وهو يعقد حاجبيه: لكن لا زال هناك شك بأن يكون الشخص الذي وجدته هو احد الذين اخبرتك عنهم.. او ربما يكون مجرد تشابه في اسماء العائلات..
قال سالم نافيا: كلا.. ليس احد اللذين منحتني اسمائهم..
قال حازم بهدوء: حسنا امنحني الاسم الذي وجدته وكل المعلومات التي وجدتها عنه..
اخذ سالم ينقل اليه كل ما عرفه عن الشخص المطلوب.. فقال له حازم بابتسامة وهو يخط تلك المعلومات على ورقة: شكرا جزيلا لك.. ولو افادتني هذه معلومات حقا.. فستكون قد قدمت الي خدمة لن انساها لك ابدا ما حييت..
واتسعت ابتسامته وهو يردف: الى اللقاء الآن.. فأنا اتحرق شوقا لاخباره بما وجدت..
وانهى المكالمة لينهض من خلف مكتبه وهو يجمع الملفات ويضعها في درج مكتبه ويقفله بمفتاحه الخاص..واختطف الورقة في سرعة من على المكتب قبل ان يغادر مكتبه.. والتفت للسكرتيرة ليقول في جدية: ربما لن اعود للمكتب بعد مغادرتي اليوم.. اجّلي جميع المواعيد حتى الغد..
قالت السكرتيرة وقد وقفت منذ ان رأته يغادر المكتب: حاضر سيد حازم..
غادر المكان ليتوجه بعدها الى المصعد ويستقله الى الطابق الثاني.. وما ان وصل اليه.. حتى اسرع يغادر المصعد وهو يسير بين الممرات بكل عجلة ولهفة.. واخيرا فتح احد الابواب ليقول وابتسامة على ثغره: كيف هي احوال العمل؟..
التفت له فارس وقال بحدة: الا تكف عن اقتحامك للمكتب كلما كنت منشغلا في العمل؟..
قال حازم وهو يجلس على المقعد المواجه لمكتب فارس ويضع ساقا على الاخرى: لا تقل لي انني قد اخفتك..
قال فارس وهو يتطلع الى ساعته: بل لا تقل لي انت بأنك تريد مني مغادرة العمل قبل ساعتين من انتهاءه..
هز حازم رأسه نفيا ومن ثم قال وهو يميل بجسده نحوه: لا لن اقولها انا .. بل انت .. عندما تعرف ما حصلت عليه اليوم..
ارتفع حاجبا فارس وقال وهو يسند ذقنه على قبضة يده ويقول بسخرية: وما هذا الذي حصلت عليه؟..
قال حازم بمكر وهو يضغط على حروف كلماته: معلومات .. تخص احد افراد..عائلتك..
اتسعت عينا فارس بشدة كمن لم يتوقع امرا كهذا.. وظهر الاهتمام على كل لمحة من ملامح وجهه.. وقال متسائلا بلهفة وقلق: اتقول الصدق؟.. ام انها مجرد مزحة منك؟..
قال حازم وهو يعقد ذراعيه امام صدره: لن امزح في امر كهذا.. جميع المعلومات عن هذا الشخص موجودة في هذه الورقة..
قالها ورفع ذراعه ليلوح بالورقة ببطء امام انظار فارس المتلهفة والمتشوقة لمعرفة ما فيها..وامتدت يد هذا الاخير في سرعة رغبة في اخذها من كف حازم.. لكن اسرع هو – حازم - يبعد يده وهو يقول مازحا: كم ستدفع لقاءا لها؟..
قال فارس بحدة وهو يشعر ان اعصابه باتت مشدودة الى اقصى حد: يكفي يا حازم.. ستتلف اعصابي.. امنحني ما وجدت فورا ..
ناوله حازم الورقة وهو يتطلع الى تعابير وجهه باهتمام.. عندما اختطف فارس الورقة من بين يديه بكل سرعة ولهفة .. واخذت عيناه تتقافزان على السطور بكل توتر وترقب ...
:
:
يتبع..
 
بـــ الحب (15) والواقع ـــين
::شك::


ناوله حازم الورقة وهو يتطلع الى تعابير وجهه باهتمام.. عندما اختطف فارس الورقة من بين يديه بكل سرعة ولهفة .. واخذت عيناه تتقافزان على السطور بكل توتر وترقب ..
ومن ثم لم تلبث ان خفتت تلك الانفعالات على وجهه بغتة.. ليحل محلها الجمود.. وهو يترك الورقة تسقط على المكتب بلامبالاة.. فقال حازم بقلق: ما الامر؟.. أليس احد افراد عائلتك؟.. انه يحمل اسم العائلة ذاته..
قال فارس ببرود وهو يرفع انظاره له: لست ادري.. وعلى العموم انا لا اعرف شخصا بهذا الاسم..
قال حازم وهو يزفر بحرارة: اذا فليس هو الشخص المطلوب.. المعذرة يا فارس.. لكن لا زلت ابحث بكل جد حتى بعد ان اخبرتني في آخر مرة بأنك قد تيقنت تماما من موتهم جميعا.. لكني لا زلت ابحث عن أي طرف خيط يقودنا اليهم..
قال فارس وهو يبتسم بسخرية مريرة.. وعيناه تحملان نظرة شاردة: وها قد انقطع طرف الخيط هذا.. بوصولك الى الشخص الخطأ..
واردف وهو يتطلع اليه ويلوح بكفه مصطنعا اللامبالاة: اخبرتك بأن لم يعد منهم من هو على قيد الحياة.. فلا تتعب نفسك معي يا حازم..
قال حازم بنظرة تجمع بين الطلب والرجاء: دعني ابحث عنهم .. فلربما استطيع ان...
قاطعه فارس ببرود قائلا: ابحث ان شئت.. ولكنك ستتعب نفسك على لاشيء.. جميعهم قد قتلوا.. هذا امر قد تيقنت منه.. ولن يمكن لأحد ان يجعلني اغير قراري..
قال حازم وهو ينهض من مكانه: فكر بسوداوية كما تشاء..اما انا فسأواصل البحث.. واعدك انني لن اتوقف عن ذلك.. الا بعد ان اجد احدا فيهم على قيد الحياة..
قال فارس وهو يرى حازم يمضي نحو الباب: او عندما تتيقن من موتهم انت الآخر..
توقف حازم للحظات بعد ان استمع الى عبارته.. ومن ثم لم يلبث ان التفت له فجأة وقال : انت الآخر لم تتيقن من موتهم جميعا ..
قال فارس وهو يلتفت له وقد شعر ان حازم يرمي الى شيء بعبارته تلك: ماذا تعني؟..
قال حازم وهو يضيق عينيه: لو كنت قد تيقنت من موتهم.. لما رأيت اللهفة في عينيك عندما اخبرتك عن المعلومات التي لدي عن احد افراد عائلتك..
ارتبك فارس بشكل واضح.. ومن ثم التفت عنه ليقول بصوت متوتر: ربما معك حق..
ابتسم حازم وقال : اذا لم تسلم نفسك للحزن والالم؟.. لم لا تكون متفائلا مادام هناك من قد يكون على قيد الحياة منهم؟ ..
قال فارس بصوت جامد: حتى لا اصدم بموتهم جميعا.. يكفيني الصدمة التي تلقيتها عندما علمت بموت عائلتي.. لا اريد ان اصدم من جديد.. وافقد آخر امل لي في بقاء احدهم على قيد الحياة..
قال حازم بهدوء: اذا اترك هذه المهمة لي.. سأواصل البحث من جديد.. وباذن الله تعالى سنصل الى شيء ما..
تنهد فارس وقال: اتمنى هذا..
اما حازم فقد انصرف مغادرا المكتب.. وقد اخذ قرارا بمواصلة البحث من جديد...
############
زفر هشام بتعب وهو يلقي بنفسه على احد المقاعد.. ومن ثم قال وهو يغمض عينيه: واخيرا انتهينا..
قال عزام وهو يلقي بنفسه على مقعد آخر: لم اتوقع ان نشعر بالارهاق الى هذه الدرجة في مهمة كهذه..
قال هشام بهدوء ودون ان يفتح عينيه: ربما ما نشعر به هو ارهاق نفسي اكثر منه جسدي..
قال عزام مغيرا دفة الحديث بغتة: فيما يخص عهد.. هل ستتركه يعود ليعيش هنا بيننا من جديد؟..
فتح هشام عينيه وقال وهو يلتفت له: اجل..
قال عزام وهو يعقد حاجبيه: اانت تثق به؟.. الا يحتمل ان يكون قد كذب فيما قاله.. وانه لم يهرب من المبنى.. بل ربما عاد الينا ليتجسس علينا لمصلحة بريطانيا..
قال هشام وهو يمسك بذقنه بتفكير: ما افكر فيه مختلف.. انا اخشى انهم قد سمحوا له بالهرب ليتمكنوأ من معرفة مقر المقاومة.. ويرصدوا تحركاته..
قال عازم وهو يلتقط نفسا عميقا: لا اظن والا لما تركونا كل هذه المدة.. ربما اصبح منهم.. لا اقول انه يفعل هذا لانه يفكر في خيانة وطنه.. لكنه ربما فعل هذا.. لأنه يخشى ان يضروه بشيء ما.. ربما قد هددوه بالقتل ..
صمت هشام وغرق في تفكير عميق دام ثلاث دقائق ومن ثم لم يلبث ان قال: سأضعه تحت الاختبار.. فاذا تمكن من اثبات صدق ما قاله فسيكون بيننا.. اما اذا اكتشقت انه كان يخدعنا طوال الوقت.. فسيطرد من هنا..
قال عزام وهو يميل نحوه باهتمام: واي نوع من الاختبارات تلك؟..
قال هشام وهو ينهض من مكانه: ستراها الآن بنفسك..
واخذ يسير متوجها نحو باب الغرفة الذي يطل على الردهة.. وقال مناديا مارك الذي يجلس مع عادل ورائد: تعال الى هنا يا مارك..
التفت له مارك.. وقال وهو ينهض من مكانه ويتقدم منه: ماذا هناك يا هشام؟..
انتظره هشام حتى دلف الى الغرفة.. ومن ثم قال متسائلا: الم تخبرك سوزي أي شيء عن عهد؟..
عقد مارك حاجبيه وقال: شيء مثل ماذا بالضبط؟..
قال هشام وهو يحاول الشرح: اعني ..كيف كان وهو هناك في المبنى البريطاني؟.. كيف تصرف معهم؟.. هل تمكنو من الحصول منه على اية معلومات؟..
قال مارك وهو يحاول التذكر: كل ما اذكره ان سوزي قالت لي يوم ان رأت عهد.. بأنها كانت الممرضة المشرفة على حالته.. ولم تضيف بأي كلمة اخرى..
صمت هشام لبرهة ومن ثم قال بحزم: فليكن.. اذهب واطلب منها المجيء الى هنا ؟..
استغرب مارك من سؤال هشام عن عهد.. لكنه قرر تنفيذ طلب شقيقه وتوجه بهدوء لغرفة سوزي.. وطرق بابها ليقول : سوزي هل انت مستيقظة؟..
رأى مقبض الباب وهو يتحرك وصوتها يأتي من خلفه قائلة بهدوء: اجل مستيقظة.. هل هناك شيء يا مارك؟..
ابتسم مارك وهو يراها تقف من خلف الباب..برقتها وجمالها ..وسحر عينيها.. وطال في تطلعه اليها حتى قالت سوزي مستغربة وهي تكرر سؤالها: مارك هل هناك شيء؟..
افاق من تأمله لها.. وقال بابتسامة واسعة:تبدين جميلة اليوم يا سوزي..
قالت سوزي بابتسامة خجلة وهي تعيد خصلات من شعرها الاشقر خلف اذنها: اليوم فقط..
قال وهو يغمز بعينه: بل كل يوم فأنت...
بتر عبارته ومن ثم قال فجأة كمن تذكر شيء ما: صحيح لقد طلب مني هشام ان اناديك لانه يريدك في موضوع ما.. لكن رؤيتي لكل هذه الفتنة امام عيني .. جعلتني انسى هذا الامر..
خفضت سوزي عيناها بخجل .. فقال مارك وهو يمسك بكفها: هيا لنذهب لشقيقي الآن.. كي لا يقول انني اخذت اتحدث معك متناسيا طلبه لي..
قالت سوزي وهي تتمسك بكفه اكثر: اتعرف؟.. لقد بدأت احب وجودي في هذا المكان لأنك فيه..
توقف قليلا ليتطلع اليها.. ومن ثم قال بمرح: صدقيني لو لم يكن معنا احد هنا.. لرددت على عبارتك تلك..
ابتسمت سوزي لعبارته تلك.. ورأته يلتفت حوله بحذر.. وعندما لم يرى احد منتبه له.. رفع كفها في سرعة وقبله..
اما سوزي فقد قالت بصوت هامس: يالك من مجنون..
ضحك مارك وهو يجذبها معه.. حتى وصلا الى الغرفة التي بها هشام.. فقال مارك بابتسامة: ها قد جلبتها لك.. لكن عاملها بلطف من فضلك..
قال هشام مازحا: لا تقلق .. فلست زوجة ابيها.. اذهب انت.. ودعنا وحدنا..
قال مارك متسائلا بلهجة اقرب الى الرجاء: الا يمكنني البقاء معكم؟..
قال هشام بملل: فليكن ابقى هنا.. ولكن لا تفتح فمك بكلمة قبل ان انتهي من حديثي لها..
قال مارك مبتسما وهو يجذب مقعدا لسوزي: حسنا ..حسنا..
واردف وهو يتطلع الى سوزي: تفضلي بالجلوس..
شكرته سوزي وهي تتخذ مكانها على المقعد.. وجلس مارك بدوره بجوار عزام.. اما هشام فقد جلس في مواجهة سوزي وهو يقول بالانجليزية: اود ان اسألك عن عهد..
قالت سوزي دون تفكير: ماذا بها؟؟..
ومن ثم انتبهت لما قالته.. وتذكرت ان لا احد يعلم بحقيقة عهد هنا سواها.. فقالت في سرعة: اعني ماذا به؟..
لم يهتم هشام لما قالته.. وقال متسائلا: اود ان اسألك عنه وهو في المبنى البريطاني.. هل كان يتعاون مع الجنود هناك؟.. هل نال تعذيب اجبره على التحدث وقول ما لديه من معلومات؟.. او مثلا تم تهديده بفقده لحياته لو انه لم يتعاون معهم؟..
قالت سوزي وهي تعقد حاجبيها بتفكير: في الحقيقة.. لقد تعرض للتهديد حقا لقاء التعاون معهم.. ومنحهم أي معلومات يطلبونها..
قال هشام في سرعة وهو يعتدل في جلسته: وماذا كانت ردة فعله على تهديدهم له؟؟..
قالت سوزي وهي تتطلع الى نقطة وهمية: كان يرفض ان يبوح بكلمة واحدة.. حتى عندما اخبرته بأنهم قد يعذبونه بسبب صمته هذا.. قال لي انه لن يكون سببا في مقتل غيره ابدا..
ظهرت الراحة على وجه هشام.. في حين اردفت سوزي: وبعدها لم اره.. فقد جئت الى هنا.. لكن لا تقلق فعهد مخلص لكم بأكثر مما تتصور.. لانه لا يقاتل ضد بريطانيا فقط.. ويحاول الدفاع عن بلاده.. بل انه يقاتل من اجل ان ينتقم لوالديه الذي كان موتهم بسبب.. الجنود البريطانيون..وهو من اخبرني بذلك يومها..
قال هشام وابتسامة على شفتيه: اشكرك يا سوزي.. لقد ارحتني بكلماتك..
ابتسمت سوزي بدورها ومن ثم قالت : العفو.. لم افعل ما يستحق الشكر..
لم تنتبه الى مارك الذي تقدم منها وقال وقال وهو يميل نحوها: اذا فقد كنت تتحدثين مع عهد كثيرا..
ضحكت سوزي وقالت: حسنا وان يكن.. لقد كان مريضا ليس اكثر وكنت انا المشرفة على حالته..
ظهر الضيق في عيني مارك.. لكنه لم يعلق على ما قالته.. كان غريب لسوزي البريطانية ان تلمح الضيق في عيني أي صديق بريطاني لها لو اخبرته بالشيء ذاته.. لكن مارك نصف بريطاني.. ربما لهذا السبب قد شعر بالغيرة تتحرك بداخله وهو يجد ان حبيبته كانت تتحدث وتجلس بكل حرية مع شخص آخر سواه..
والتفت عنها وكاد ان يبتعد.. لولا ان شعر بكف تمسك بذراعه.. وصوت سوزي تقول له بابتسامة واسعة: ماذا بك؟.. ما الذي جعلك تتضايق فجأة؟..
التفت لها وقال وهو يرسم ابتسامة وهمية على شفتيه: لا شيء.. ما الذي دعاك لقول ذلك؟..
اشارت الى نفسها وقالت بثقة: احساسي..
ارتفع حاجباه وقال بدهشة مصطنعة: حقا؟.. الم يخبرك احساسك ما الذي ضايقني ايضا؟..
مالت نحوه قليلا وقالت وهي تغمز بعينها: اذا انت متضايق فعلا..
واردفت بابتسامة مرحة: وكذلك اخبرني احساسي الذي تستهزأ به.. عن سبب ضيقك ذاك..
ولما لم ترى تصديقا منه.. قالت وهي تعقد ذراعيها امام صدرها : بسبب عهد.. اليس كذلك؟..
شعر مارك بالدهشة لوهلة من معرفتها بسبب ضيقه.. لكنه ادرك انها من الممكن انها قد لمحت الضيق على وجهه.. عندما سألها عن اشرافها على حالة عهد.. واستغرب وهو يرى سوزي تمسك بكفه وتقول وهي تضغط عليها بحب: اعرفك اكثر من نفسي يا مارك.. لا تزال غيورا.. لكن تأكد ان غيرتك هذه لا اساس لها .. فعهد هذا ...
صمتت قليلا دون ان تقوى على قول الحقيقة التي اتمنتها عليها عهد .. وترجتها بنظراتها ان لا تخبر احد بها.. واردفت قائلة في سرعة: فعهد هذا اصغر مني سنا ..
قال مارك بابتسامة باهتة: اعذريني يا سوزي.. اعلم ان غيرتي ليس لها أي داع.. لكن لا ازال اتضايق عندما اجدك تتحدثين او تجالسين شخص ما سواي و...
بتر عبارته عندما لمح هشام من وراء كتفي سوزي وهو يناديه.. فابتسم وقال وهو ينقل نظراته الى سوزي من جديد: دقائق واعود يا سوزي..
اومأت برأسها وهي تراه يبتعد عن المكان.. في حين التفتت هي دون ان تعلم ما تفعله من دونه.. وبغتة تذكرت عهد..انها لم تعرف منها بعد عن كيفية هروبها من المبنى البريطاني .. ستذهب لها وتسألها.. وماذا عن مارك وغيرته تلك؟.. انه ليس هنا الآن لكن ماذا لو رآها؟.. ستبرر له بأي شيء .. المهم انها تريد ان تعرف منها الآن كل شيء..
وسارت وهي تبحث عنها حتى وجدتها اخيرا تجلس في زاوية منعزلة وذهنها شارد في امر ما.. وقالت بصوت اقرب الى الهمس: عهد..
التفتت عهد بحدة على الرغم من صوت سوزي الهامس.. الا ان لهجة هذه الاخيرة البريطانية.. هي من ارعبتها وجعلتها تظن ان كل ما مر عليها ليس سوى حلم..وانها قد عادت الى المبنى البريطاني من جديد..وزفرت وهي ترفع راسها اليها وتقول متساءلة: نعم..
ابتسمت سوزي وقالت وهي تجذب لها مقعد وتجلس بجوارها: رويدك.. لم اشعر انك قد انزعجت عندما رأيتني؟..
قالت عهد وهي تلتفت عنها بجمود: ربما للهجتك البريطانية التي ذكرني بالمبنى..
قالت سوزي بعد تردد: هل لي ان اسألك سؤالا؟..
التفتت لها عهد وقالت وهي تلتقط نفسا عميقا: تريدين سؤالي عن كيفية هروبي .. اليس كذلك؟..
اومأت سوزي برأسها قائلة: اجل.. اشعر بالفضول لمعرفة ذلك ..
قالت عهد وهي تتطلع اليها بحزم: سأخبرك.. لكن بشرط..
تطلعت لها سوزي بتساؤل .. فأكملت عهد قائلة: ان تعديني بأن لا يعلم احد هنا بأني فتاة..
ابتسمت سوزي وقالت : هذا طلب بسيط.. اعدك بهذا..
صمتت عهد لدقائق واخذت تروي لها طريقة هربها.. وبالتأكيد دون ان تشير الى ألكس ومساعدته لها.. تماما كما حكت الامر لهشام.. وتوقفت عن السرد بغتة وهي تلمح الصدمة على وجه سوزي التي قالت بذهول: مستحيل!!..
عهد الذي لم تتوقع تعليقا كهذا من سوزي على عبارتها.. آثرت الصمت.. وهي تنتظر منها ان تكمل ما بدأته.. في حين هزت سوزي رأسها وقالت وهي غير مصدقة لما سمعته: مستحيل ان يحدث مثل هذا الامر.. الا اذا...
وتطلعت الى عهد وقالت بشك: الا اذا كانت حكايتك هذه كاذبة او...القائد او أي شخص آخر سواه.. هو من ساعدك على الهرب..
قالت عهد في سرعة وهي تدفع عنها اتهاما: اقسم ان هذا ما حدث.. ثم لم تستبعدين ما قد حصل؟.. لقد نسي المفاتيح بسبب عجلته وبعدها تمكنت انا من الهرب و...
هزت سوزي رأسها وهي تقول بثقة وتأكيد: هذا امر مستحيل تماما .. لو كان قد نسي المفاتيح حقا واحتمال هذا ان يحدث واحد في المليون.. فبالتأكيد بعد ان يعود الى السيارة ويكتشف هربك.. سيبحث عنك في كل مكان وسيستطيع ان يجدك بسهولة.. لا تنسي انه القائد الاعلى للجيش البريطاني.. وهو لم يحصل على منصبه هذا من فراغ..
واستطردت وهي تمسك جبينها بتفكير: ما لا افهمه الآن.. هو لماذا لم يلحق بك وقتها؟.. تقولين انك لم تشعري بأحد خلفك .. وهذا ما يزيد شكي من ان ما حدث كان.. كان تخطيطا من القائد منذ البداية و...
وضعت كفها على فمها بغتة وهي تمنع شهقة كادت ان تخرج من بين شفتيها.. وقالت بدهشة واستنكار: ولكن هذا يعتبر خيانة لدولته و...
قاطعتها عهد وهي تقول بلهجة هي مزيج من الارتباك والتوسل: لو كان ما تقولينه صحيحا.. فأرجوك لا اريد لأحد هنا ان يعلم بهذا.. لو علموا لن يصدقوا حرفا واحدا وسيظنونني متعاونة معهم..
قالت سوزي وهي تتطلع اليها بنظرات هي مزيج من الحيرة والشك: لكن ما الذي يدفع القائد لمساعدتك مادمت كما تقولين لم تتعاوني معهم؟.. ولم تخبريهم بأي شيء.. اخبريني يا عهد.. ما الذي يربط بينك وبين القائد؟..
اتسعت عينا عهد بصدمة.. واندفعت تقول: عما تتحدثين؟.. لا شيء بالتأكيد.. انت بنفسك قد رأيتي ما حدث.. واني مجرد اسيرة ...
قالت سوزي وذهنها غارق في تفكير عميق: معك حق لقد رأيت بنفسي ما حدث.. ورأيت خوف القائد عليك عندما جلبك للمبنى البريطاني.. واهتمامه بك على نحو واضح.. وهذا لا يعني سوى ان ...
وقالت مردفة وهي تميل نحوها وبصوت اقرب للهمس: ان القائد مهتم بك بشكل لا تتصورينه.. بشكل يدعوه لالقاء كل شيء خلف ظهره وتهريبك من المبنى البريطاني.. حتى على حساب نفسه ووظيفته..
تساءلت عهد بارتباك وهي تزيح خصلات متمردة من على جبينها: ما الذي يمكن ان يحدث له لو انه حقا قد سعى لتهريبي؟..
قالت سوزي بعد تفكير دام بضع لحظات: لو لم يعلم احد بتهريبه لك.. وظنوا انك قد هربت منه.. ربما يصل الامر الى ايقافه عن العمل لفترة معينة او فصله من الجيش البريطاني.. اما اذا علموا بأنه قد كان له يد فيما حدث فـــ...
بترت عبارتها بغتة وقالت مردفة بتوتر بالرغم منها.. وعهد تتطلع اليها بعينين قلقتين: فقد يصل الامر الى الاعدام..
لم تستطع عهد منع شهقتها التي خرجت من بين شفتيها وهي تردد بصدمة: الاعدام!!..
اومأت سوزي برأسها وقالت وهي تزدرد لعابها ببعض الارتباك: اجل.. فما دام هو رجل مجند للجيش وخان وطنه بفعلته تلك.. فعقوبة الخيانة هي الاعدام..
هزت عهد رأسها برفض لما تستمع له.. وقالت وهي تكور قبضتيها بتوتر: هذا مستحيل.. مستحيل.. لن يحدث له هذا..
قالت سوزي بحيرة: عهد .. ما الذي جرى لك بغتة؟..
غطت عهد فمها بكفيها وقالت بصوت متحشرج: لا اريد له ان يصاب بمكروه .. بعد ان ساعدني.. انها ليست المرة الاولى له.. لو حصل له أي شيء بسببي.. فلن اسامح نفسي ابدا.. ابدا..
قالت سوزي وهي تمسك بذراعها وتقول بصوت مطمئن: اهدئي .. اهدئي ياعهد.. ربما لم يعلم احد بالامر.. بالتأكيد لن يقوم بخطوة ما الا اذا كان قد خطط لها جيدا..لا داعي للخوف الآن.. سيكون كل شيء على ما يرام..
واكملت وهي تتحدث الى نفسها وتبعد نظراتها القلقة حتى لا تنتبه لها عهد: (او هذا ما اتمناه)..
################
وضع جون كفه على كتف ألكس وقال وهو يبتسم له ويغمز بعينه: كيف حالك يا ايها العاطل؟..
ابتسم ألكس ابتسامة شاحبة وقال وهو يرفع انظاره له: في خير حال.. ارتحت من العمل كثيرا..
قال جون باستنكار: اتحاول اقناعي بأن جلوسك هنا بلا عمل امر مريح لك؟..لو كان الامر كذلك.. فسأقول حينها اني لا اعرفك.. لقد كنت تشعر بالملل عندما نحصل على اجازة رسمية فماذا عن...
قاطعه ألكس قائلا بحدة: هذا يكفي..يكفي..
وابعد كف جون من على كتفه بخشونة وهو يكمل بعصبية: ان كان الجواب الذي سيريحك هو انني مستاء من جلوسي هكذا بلا عمل.. فها انذا اقولها لك..انني اشعر بالاختناق من جلوسي وحيدا في هذه الغرفة.. بلا هدف او أي عمل اقوم به..
قال جون ببرود وهو يعقد ذراعيه امام صدره: لا اريد قول هذا.. لكن انت من جلب كل هذا لنفسك..
قال ألكس وعيناه تتطلعان لجون بغضب: قلت يكفي.. لا اريد سماع المزيد..
صمت جون وهو يتطلع الى ألكس وينتظر منه ان يهدأ.. كان يعلم ان ألكس يكره الجلوس هكذا دون أي عمل يقوم به.. كان كالطائر الحر.. يعشق ان يؤدي اعماله بكل حرية.. ويكره ان يمنعه احد عنها.. خصوصا ما اذا كانت ادارة الجيش.. الذي كرس حياته لتدريبهم وغرس فيهم الشجاعة والقوة و...
انتشله من افكاره صوت ألكس الذي زفر بحدة .. وهو يتطلع لكل ما حوله بضجر وضيق..وعلم ان ابسط شيء يمكن ان يريحه هو خروجه من عزلته.. فقال متسائلا: ما رأيك بجولة في المبنى؟..
قال ألكس وهو يتطلع اليه بنظرة متضايقة: وماذا افعل بتجوالي في المبنى ما دمت قد اوقفت عن العمل؟..
نهض جون من مكانه وقال وهو يهز كتفيه: انهض فقط.. ولنخرج من غرفتك هذه ..
قالها ومد يده لالكس.. الذي تجاهل كفه الممدودة له ونهض من مكانه وقال متسائلا ببرود: والى اين سنذهب؟..
قال جون بابتسامة وكأنه يتحدث عن منطقة سياحية : نتجول قليلا..
سار معه ألكس وهو يشعر بضيق يجثم على صدره.. لم يعتد الجلوس هكذا دون عمل..حبيس غرفة دون ان يهتم به احد.. الجميع كانوا يغادرون اعمالهم الا هو.. احقا فعل الصواب عندما تركها تهرب و...
انقطعت افكاره اثر صوت تحيات الجنود المختلفة..( صباح الخير يا ايها القائد).. (متى سنراك قريبا؟).. (عد الى صفوفنا سريعا).. وغيرها الكثير.. واكتفى في كل مرة بالرد عليها بهزة رأس او نظرة صامتة.. دون ان ينطق بحرف واحد ..
وهمس له جون الذي يسير بجواره: تحدث بشكل طبيعي معهم .. لا اريدهم ان يشعروا بأن مثل هذا الامر قد يؤثر عليك ..لقد اعتادوا رؤيتك قويا .. فكن كذلك دوما..
قال ألكس ببرود: قد تنهار هذه القوة تحت أي ضغط يا جون.. فلا تتوقع مني ان اظل قويا الى ابد الدهر..
قال جون باستنكار وهو يلتفت له: ما هذا الكلام الذي تقوله؟.. انت قائد اعلى للجيش البريطاني و...
ضاعت كلمات جون في الهواء.. تبعثرت قبل ان تصل الى مسامعه.. لم يعد يستمع الى أي شيء يقوله هذا الاخير.. وانظاره معلقة بباب ذلك المكتب.. اول مكان كانت فيه عندما جلبها الى هنا..لقد اشتاق اليها.. لقد حاول ان يوهم نفسه ان وجودها وعدمه سيان لديه.. لكنه الآن فقط يشعر بمقدار فقدانه لها..و عاد بذهنه الى الوراء وهو يتذكر كلماتها له و...
((كفى .. أنا لست فتاة حتى تحدثني بهذه الطريقة))
((هل سأبقى وحدي هنا؟؟))
((وبحياتي ايضا سينقطع الامل فأنا لا اعلم شيئا))
((لست في حاجة الى احسانكم وشفقتكم))
((ان كان الامر يهمك .. فقد كنت سعيدة لرؤية نور الشمس من جديد))
توقفت سيل افكاره اثر تلك الكف التي وضعت على كتفه وصوت جون الهادئ وهو يقول: هه.. هل نمضي بدلا من التحديق في الباب بمثل هذه الطريقة؟..
قال ألكس وهو يلتقط نفسا عميقا ويحاول اخفاء المرارة من صوته : اجل فلنمضي.. فكل شيء قد انتهى الآن..
واكمل طريقه دون ان يمنح جوابا شافيا للحيرة التي اثارها في نفس جون من كلماته...
#############
تطلع حازم الى فارس الذي تظاهر بتناول طعامه ليهرب من عيني الاول اللتين تتفحصه..وقال وهو يتطلع اليه بنظرات باردة: هل انا وسيم الى هذه الدرجة؟..
قال حازم فجأة ونظراته مثبتة على فارس: من هي؟..
قال فارس متسائلا باستغراب مصطنع: من هي؟..
- انا الذي اسأل؟..
قال فارس مبتسما وهو يتناول ملعقة من صحنه: وعن ماذا تسال؟..
قال حازم بحدة: لا تتحامق.. لقد استطعت ان تهرب من سؤالي في المرة الماضية.. لكن هذه المرة سأعرف من تعنيها بكلماتك تلك..
ضحك فارس وهو يقول: وما الذي يجعلك تغضب الى هذه الدرجة؟ ..
قال حازم وهو يكور قبضته: لانك تحاول التهرب من سؤالي وتتظاهر بالغباء.. وثانيا لانك ترفض اخباري بهذا الامر.. تشعرني وكأني لست صديقك الذي رافقك لعشر سنوات كاملة..
قال فارس بابتسامة: الامر ليس هكذا.. لقد اخبرتك بأنها تشبه جدتي فلم تصدق..
قال حازم بضيق: فارس.. لا تتظارف من فضلك..
صمت فارس دون ان يعلق وهو يكتفي بابتسامة على شفتيه وهو يتطلع الى ملامح حازم المتضايقة والفضول الذي يطفو في عينيه.. وترك الملعقة اخيرا لتسقط في طبقه ليقول بصوت حاول ان يجعله طبيعيا: ليس لاني لا اريد اخبارك يا حازم.. بل ربما لاني لا اريد لك ان تحمل همي اكثر من هذا..
قال حازم باهتمام وهو يميل نحوه: لا شأن لك انت بي.. اخبرني فقط..
زفر فارس ودارت عيناه بين الاطباق والكأسين اللذان احتلا منتصف الطاولة.. وتناول كاسه بقبضته وقال بصوت هادئ: هي انسانة في حياتي.. لم اتخيل ان يكون لوجودها هذه الاهمية .. الا عندما..فقدتها..
واردف وهو يزدرد غصة مرارة بحلقه وقبضته تشد على الكاس دون ان يشعر: لقد كنت معتادا على وجودها.. من المستحيل ان يمر اسبوع دون ان اراها.. على الرغم من اني كنت اظن ان هذه مسالة تعود لا اكثر ولا اقل.. لكن .. خروجها من حياتي بل من هذه الدنيا بأكملها.. جعلني ادرك وقتها ان الامر يفوق ذلك.. جعلني اشعر بألم فقدانها الحقيقي.. وانتبه الى انها باتت شيء مهم في حياتي.. لكن بعد ان فقدتها الى الابد..
وابتسم بسخرية مريرة وهو يتطلع الى السائل الشفاف بداخل الكأس قائلا: لم اكتشف هذا الا بعد ان فقدتها يا حازم.. ارايت كيف هي الحياة؟..
تطلع له حازم بنظرات متفحصة.. واستمع الى تنهيدة فارس المليئة بالالم.. وقال متسائلا وهو يعقد حاجبيه: لكن لم تخبرني من هي بعد..
قال فارس بضيق وهو يشيح بعينيه بعيدا: لا اريد ان اتحدث اكثر في هذا الموضوع..
صمت حازم احتراما لرغبة فارس بعدم الحديث في هذا الموضوع.. وبعد ان ران الصمت عليهما لعدة دقائق قال حازم محاولا تغيير دفة الحديث: لم تخبرني كيف هي احوال مبانيك واحوال العمل في شركتنا؟.. وهل اعجبك العمل فيها؟..
قال فارس بابتسامة باهتة وهو يعيد الكاس الذي فرغ فيه توتره على الطاولة: المباني في حال جيدة.. ساستلم الايجارات بعد اسبوعين من الآن.. اما بالنسبة للشركة.. فالمنصب الذي منحتني اياه كفيل لأن يخبرك بأن العمل فيها امر ممتاز..
اومأ حازم برأسه وقال بابتسامة واسعة: كنت اعلم ان منصب مدير الحسابات لا يناسب شخص آخر سواك..
قال فارس بابتسامة هادئة: اشكرك على منحي ثقتك هذه التي ربما لااكون استحقها..
قال حازم بضيق مقلدا طريقة فارس في الحديث: اشكرك على منحي ثقتك هذه التي لا استحقها.. من طلب رأيك يا اخي؟؟.. انا من عينك في هذه الوظيفة.. هل لك ان تصمت عن قول مثل هذه التفاهات؟..
قال فارس وهو يرفع احد حاجبيه: لحظة واحدة.. لا تقل لي انه بتعينك لي في الوظيفة ستتحكم في طريقة حديثي ايضا يا سيد حازم..
قال حازم بمرح وهو يضع ساقا على الاخرى: جيد يجب ان تناديني بلقب "سيد" دائما ما دمت رئيسك في العمل..
قال فارس بسخرية: استقالتي ستصلك غدا اذا..
قال حازم باستغراب مصطنع: كل هذا لأنك لا تريد ان تقول لي...
قاطعه صوت رنين هاتفه.. فالتقطه من على الطاولة وهو يتطلع الى اسم المتصل.. واخيرا اجابه قائلا: اهلا..
وصمت قليلا ليردف: اجل ..لقد طلبت هذا..
وعلى الجهة الاخرى تطلع له فارس والى تعابير وجهه التي تغيرت الى الاهتمام وهو يقول: هل انت واثق؟.. لا اريد ان تكون كالمرة السابقة..
واستمع اليه بضع دقائق قبل ان يقول : حسنا .. حسنا.. انا قادم اليك بنفسي لكي اتأكد.. الى اللقاء..
وانهى المكالمة ليقول وهو يتطلع الى عيني فارس الذي بدا التساؤل فيهما واضحا: مضطر للذهاب الآن يا فارس.. سأراك غدا في المكتب..
قال فارس الذي لم يستطع ان يمنع نفسه من ان يسأل: والى اين ستذهب؟..
نهض حازم من مكانه وقال في سرعة: امر يتعلق بالعمل.. عن اذنك الآن..
واسرع يتوجه نحو الباب .. لكن قبل ان يصل اليه قال فارس مناديا : حازم.. مفاتيحك..
التفت له حازم ورأى فارس وهو يرمي له المفاتيح.. الذي تلقفها في قبضته وهو يقول بابتسامة: شكرا..
واكمل طريقه وهو يغادر شقة فارس.. وذهنه قد انشغل بفكرة ما...
:
:
يتبع..
 
بــــ الحب (16) والواقع ـــين
::بصيص أمل::

تطلع هشام الى عهد الواقفة امامه وهي تنظر اليه برجاء..وقال مجيبا بحسم: لا..
قالت عهد متسائلة: ولم لا؟.. انها المرة الثالثة الذي ترفض فيها ان اشترك معكم في مهمة ما..
قال هشام بحدة: اظن انك تعرف السبب ولا داعي لاعادته اكثر من مرة..
لم تستطع عهد السيطرة على عصبيتها وهي تلوح بكفيها قائلة: ستكون في خطر ان اكتشف الجنود البريطانيون امرك.. لقد فهمت كل هذا.. وفهمت انني في خطر منهم.. لكن هذا لا يعني ان اجلس هكذا في مقر المقاومة.. دون أي فائدة ترجى مني...
قال هشام وهو يعقد حاجبيه: عهد لم لا تفهم؟.. وجودك بيننا سيشكل عليك اكبر خطر.. اتريد العودة الى هناك من جديد؟.. انسيت ما قلته لي؟.. بأنك قد تلقيت منهم التعذيب والهوان في السجون.. اتريد ان تعود لتلك الفترة؟.. فكر جيدا قبل ان تقول بأنك تريد ان تنضم لهذه المهمة..
زفرت عهد بحدة ومن ثم قالت بتحدي: لم اذا وافقت ان اعود وانضم لفرقة المقاومة؟.. ما الذي سأفعله بوجودي في مقر المقاومة دون ان اكون قادرا على فعل أي شيء؟.. كلكم من فرقة المقاومة ولكم الحق في الدفاع عن وطنكم .. وانا كذلك ايضا..
ابتسم هشام من حماسها.. ومن ثم قال بهدوء: انا خائف عليك لا اكثر ولا اقل.. صدقني.. قد تضر نفسك لو تبينوا ملامحك.. عهد الامر ليس لعبة.. نحن سنكون في قلب الخطر .. صدقني هذا افضل لك..
عقدت عهد حاجبيها بضيق واشاحت بوجهها بحنق عنه.. فقال عزام الذي يقف على مقربة من المكان: لم لا تتركه ينضم الينا يا هشام؟..
قال هشام بهدوء: سيضر نفسه لو غادر الآن.. الجنود يبحثون عنه في كل مكان..
التفتت له عهد بغتة وقالت : دعني انضم اليكم.. حتى وان كنت سأقف من بعيد.. او حتى وان كان الامر يقتصر على وجودي بالسيارة..
هز هشام رأسه وقال بابتسامة واسعة: يا لحماسك يا عهد..
واردف قائلا وهو يشير لكل من انضم معه في المهمة: جهزوا سيارتين فقط لنصل بها الى الموقع المطلوب..
واستطرد وهو يلتفت الى عهد الذي تتطلع اليه برجاء قائلا ببرود مصطنع: وانت.. اتبعني..
ارتسمت ابتسامة على شفتي عهد وهي تسرع في التقاط سلاحا لها.. قبل ان تتبعهم الى الخارج.. وهي تشكر هشام في اعماقها الذي سمح لها بالاشتراك معهم في هذه المهمة.. على الرغم من الخطر الذي يتربص حولها...
############
( ستعود بين صفوفنا اخيرا يا ايها القائد)
قالها جون بابتسامة وهو يضع كفه على كتف ألكس.. الذي قال وهو يلتفت له ويزفر بحدة: اخيرا بعد غياب دام اسبوع كامل..
قال جون وهو يشير الى السيارات العسكرية: هيا تقدمنا يا ايها القائد..
قال ألكس وهو يعقد حاجبيه ويعدل من وضع قبعته العسكرية: هل سنقوم بالتفتيش على خط السير ذاته الذي قاموا بتفتيشه قبل يومين؟..
اومأ جون برأسه وقال: هناك مباني لم نقم بتفتشيها بعد حول تلك المنطقة..
صمت ألكس وهو يفكر في طريقة لاقتحام تلك المنطقة .. وتوجه مع جون الى سيارتهما العسكرية .. وهذا الاخير يقول: واخيرا عدت لاراك الى جواري.. بدلا من لوح الثلج ذاك..
ابتسم ألكس وقال وهو يلتفت اليه: ولم اطلقت عليه مسمى لوح الثلج؟..
قال جون وهو يحتل مقعده: لانه شخص بارد المشاعر ليس لديه اية احاسيس.. واظن انه لو انفجر مبنى خلفه لن يكلف نفسه عناء الالتفات ورؤيته..
اتسعت ابتسامة ألكس وقال وهو يحتل مقعد القيادة: اتمنى انك لم تذكر سيئاتي عند القائد النائب ايضا..
قال جون بمرح: لا تقلق لم اذكر سوى القليل فقط..
هز ألكس راسه وهو يدير المحرك ويشير للسيارات بالانطلاق خلفه.. قبل ان يدوس على دواسة الوقود وينطلق بالسيارة...
:
:
توقفت تلك السيارة بجوار عدد من المباني المترامية عند حدود المدينة وقال قائدها وهو يخرج منها: اسرعوا بالخروج.. لقد ابعدنا السيارة بما يكفي.. ويتوجب علينا العودة سيرا على الاقدام...
خرج ثلاثة اشخاص من السيارة وتبعوه سيرا على الاقدام حتى وصلو خلف مبنى ما..واشار اشارة ذات معنى لشخص يقف خلف مبنى بدوره.. فلوح له الشخص نافيا دلالة على عدم انتهاء العمل حتى الآن..فزفر بحدة وقال وهو يلتفت الى احد الاشخاص الثلاثة الذين خلفه: عادل.. هل انتهيت من زرع الالغام..
قال عادل وهو يومئ برأسه: اجل منذ عشر دقائق..
ابتسم بهدوء وقال: هذا جيد.. والآن اعط الاشارة لرائد وجلال بالذهاب خلف المبنى المجاور.. لمراقبة الاوضاع هناك..
ابتسم عادل وقال وهو يخرج هاتفه: حسنا يا ايها القائد..
ابتسم هشام وقال وهو يتطلع لما حوله بتفكير: لقد تم مراقبة هذه المنطقة طيلة اربعة ايام.. وفي كل يوم كان يتخذ الجنود البريطانيون الطريق ذاته للدخول الى داخل المدينة واقتحام احد المباني اوقتل عدد من الابرياء او هدم منزالهم.. لهذا سنضع اليوم حدا لكل هذا .. وسنمنعهم من التوغل في هذه المدينةاكثر من هذا ..
قال عزام وهو يلتقط نفسا عميقا: اشعر بالتوتر.. وكأن هذه اول مهمة اقوم بها..
عهد التي كانت تتطلع لكل ما يحدث بصمت.. كانت تشعر بالقلق والتوتر بدورها.. ربما لانها معروفة من قبل الجنود البريطانيون الآن وقد يكشفون امرها في اية لحظة.. وربما لخوفها من الوقوع في الخطر,, وربما لقلقها عليه..على ألـ...
نفضت تلك الفكرة بسرعة عن رأسها وهي تنظر الى هشام الذي اخذ يشرح خطوات ما سيقومون به خلال المهمة للمرة الثالثة لهذا اليوم.. خوفا من ارتكابهم اية خطأ...
واستمعت اليه بانصات.. وبالرغم منها كان ذهنها يشرد بين الفينة والاخرى.. وهي تتذكر الخطر الذي يتربص بألكس في هذه المهمة...
:
:
كانت السيارات العسكرية تمضي على خط السير ذاته الذي قطعه الجنود خلال ثلاثة ايام سابقة ..وبغتة توقفت كل السيارات اثر اشارة من قائدهم الذي يتقدمهم.. واعقب اشارته بأن قال بصوت عالي: توقفوا جميعا واستمعوا الي..
تنبه الجميع معه بما فيهم زميله الجالس الى جواره.. في حين قال هو وهو يتطلع الطريق الممتد امامه: الفرقة (أ) فالتتقدم الى الامام ولتتأكد من سلامة المنطقة جيدا قبل ان نمضي فيها..
اسرعت احدى السيارات العسكرية تتقدمه وتنطلق بجنودها .. واكمل القائد قائلا بصوت صارم: بقية الفرق.. انتظروا حتى يعود البقية ونتأكد من سلامة المكان..
التفت له الجالس الى جواره وقال وهو يعقد ذراعيه امام صدره: يبدوا وانك حذر اكثر من اللازم..
قال القائد وهو يجذب مشط مسدسه: لقد مررت بتجارب علمتني من هو خصمي جيدا.. وانه يفضل المفاجآت دوما .. وخصوصا اذا كانت على هيئة رصاص عن بعد.. الغام وقنابل يمتلأ بها الطريق..
قال يمسك بذقنه بتفكير: وكيف لهم ان يكتشفوا اننا نسلك هذا الطريق؟..
قال ألكس ببرود: لانه الطريق ذاته الذي كنتم تسلكونه قبل ثلاثة ايام..
قال جون وكأنه تذكر امرا غاب عن ذهنه: هذا صحيح ...
وابتسم مردفا: يبدوا انك اذكى مما تو....
وتلاشت كلماته الباقية اثر ذلك الانفجار الذي دوى بالمنطقة ورج ارجاءها رجا..واتسعت اعين البعض وهم يراقبون ألسنة اللهب التي أخذت تأكل تلك السيارة العسكرية على مسافة بعيدة بعض الشيء.. في حين اخذ البعض الآخر يصرخ بالشتائم وهم يشعرون بالغضب لما حدث لزملائهم على يد افراد لم يتجاوز عددهم العشرين من هذه الدولة..
وافاق ألكس من دهشته وقال بانفعال وهو يتطلع الى ماحدث: ارأيت؟.. الم اقل لك؟.. اولئك الاوغاد لا يفوتهم امرا كهذا.. اللعنة عليهم..ربما قد قتلوا فرقة بأكملها..
والتفت الى جون ليقول بانفعال اكبر: اتصل بالاسعاف لينقذ الناجين..
وكور قبضته بغضب.. قبل ان يدير مقود القيادة ويقول بصوت عالي: اتبعوني..
واردف وعيناه تنذران بالشر: انا اعرف كيف اتصرف مع تلك الحشرات..
:
:
صمت هشام وهو يستمع الى صوت محدثه .. قبل ان يقول بصوت هادئ: حسنا شكرا لك..
انهى الاتصال واكمل في سرعة وهو يتطلع الى من امامه: يبدوا انهم ارسلو من يختبر تلك المنطقة.. فكما يقول رائد بأن سيارة واحدة هي فقط من اقتحمت المنطقة الملغمة.. اما البقية فقد توقفوا منتظرين التأكد من سلامة المنطقة..
خفق قلب عهد بقوة وخوف.. وسؤال واحد دار في عقلها.. ايكون هو من كان في تلك السيارة؟؟.. ايكون هو؟.. اسرعت تبعد عن رأسها تلك الافكار وهي تتشاغل بحشو مسدسها بالرصاص.. محاولة ان تتناسى الامر.. على الرغم من كل الخوف الذي بددأ يسكن اعماقها..
واستمعت في تلك اللحظة الى هشام الذي اردف وهو يلتقط نفسا عميقا: كما ان رائد يقول ان قائدهم قد غير وجهتهم واتجهوا الى طريق آخر وهم يظنون فيه سلامتهم..
ابتسم عادل بمكر قائلا: لا يعلمون ان قائد فرقة المقاومة شرطي سابق.. يتوقع جميع التحركات.. وسيعمل على زرع الالغام في اكثر من طريق امامهم..
واتسعت ابتسامته وهو يكمل بسعادة: وعندها سنقضي عليهم جميعا.. وسننتصر باذن الله...
رغم اللهفة والسعادة التي نطقت بها عيون الجميع.. الا ان عهد لم تستطع ان تشاركهم فرحتهم تلك وهي تتخيل ألكس من بينهم وقد يقتل في هذه المهمة.. سيكون مصيره الموت حينها.. على الرغم من انه عدو لها.. الا انها لم تستطع ان تنسى انه قد اهتم بها.. وساعدها على الهرب مضحيا بكل شيء.. لقد انقذ حياتها.. وعليها ان ترد له جميله هذا او ...
انقطعت افكارها اثر صوت انفجار آخر.. ولم تستطع هذه المرة من ان تمنع عينيها من ان تتسعا بقوة.. وبقلبها ان يرتجف بين ظلوعها.. وهي تصرخ: (ابتعد يا ألكس)..
صرخة احتبست في حلقها ولم تغادره ابدا..
:
:
(الموت لهم.. اولئك الاوغاد لقد زرعوا القنابل في كل مكان)
قالها جون وهو يتطلع الى السيارة التي اشار ألكس بأن تتقدمهم هذه المرة ايضا.. والتفت الى ألكس الذي بدأ وجهه يكفهر غضبا..وعضلات قبضته تشتد على مقود السيارة قبل ان يصيح قائلا بانفعال: لقد تمكنوا من اصابة فرقتين حتى الآن .. اللعنة عليهم.. من اين يأتون بكل تلك الاسلحة؟ ..اولئك الاوغاد..سأقضي عليهم بيدي هاتين..
قال جون وهو يلتفت له ويقول بقلق: اظن ان من الافضل ان نتراجع يا ...
قاطعه ألكس بقسوة: ان اردت التراجع فتراجع وحدك.. اما انا..فسأواصل الطريق حتى اقتحم هذه المنطقة.. لقد اصبحت مسالة تحدي بالنسبة لي.. وسنرى من سيفوز في هذه اللعبة..
هز جون كتفيه وقال ببرود: افعل ما تشاء.. لكن لو زاد عدد القتلى في هذه المعركة.. ستكون انت السبب..
عقد ألكس حاجبيه بقوة قبل ان يلتقط جهاز اللاسلكي ويقول بصوت ظهرت العصبية فيه واضحة: المجموعة (ج) و(د) عودوا الى المبنى.. اما المجموعة (هـ) فلتبقى حتى امنحها الاوامر بما ينبغي علينا فعله..
جاءه صوت احد الجنود وهو يقول: المكان خطر عليك يا سيدي.. تراجع انت وعد الى المبنى.. وسنبقى نحن هنا نــ...
قاطعه ألكس قائلا بفضب: لا.. لن اسمح لهم بالانتصار علي.. نفذوا ما امرتكم به فقط..
والتمعت عيناه ببريق غضب وهو ينهي الاتصال ويقول بخشونة: اقسم على ان يكون موتكم على يدي ..
وما انهى عبارته حتى اخترق صوت رصاصة ما الهدوء الذي غلف المكان بعد الانفجار الاخير.. واستغرب الجميع مما جرى.. فتلك الرصاصة قد جاءت من مكان ما على جهة الشرق منهم.. ويبدوا ان هناك من اطلقها.. وقد اعلن عن وجوده بكل حماقة ....
##########
قال حازم وهو يتطلع الى جهاز الكمبيوتر امامه بكل اهتمام: حسنا لقد قرأت تلك المعلومات .. لكن هل انت متأكد انها ليست لعميل قديم عندكم..
قال الموظف وهو يشير الى الشاشة: انظر بنفسك يا سيدي
.. لقد تم الحصول على هذا الرقم من شركتنا قبل اسبوع فقط..
قال حازم بعد ان تأكد مما يقوله الرجل: حسنا اطبع لي البيانات الموجودة عن هذا العميل.. وستكون مكافأتك مجزية لو كان هو الشخص المعني لنا..
ابتسم الموظف بحماس..واسرع يطبع تلك البيانات ويناولها لحازم.. الذي قال بابتسامة: شكرا لك.. اتعبناك معنا..
اسرع الموظف يقول: في الخدمة دائما يا سيد حازم..
تناولها حازم ليعود ويقرأها من جديد.. وكأنه لم يقرأ تلك البيانات على شاشة الكمبيوتر منذ لحظات.. اسم الشخص .. ومن ثم اسم والده وهذا هو المهم.. ان لم تخنه الذاكرة فهو مشابه لاسم عم فارس.. كما وان اسم العائلة هو ذاته.. يتمنى من كل قلبه ان تكون هذه المعلومات صحيحة .. ليفرح قلب فارس الذي اختفت السعادة من عينيه منذ تلك الكارثة..
اسرع يغادر المبنى ويتوجه للسيارة الرمادية اللون التي تحتل احد المواقف التابعة للمبنى.. واستقلها لينطلق في شوارع المدينة .. وبينما هو كذلك قال بعد برهة تفكير: اظن ان فارس الآن في شقته..
التقط هاتفه في سرعة ليتصل به.. وانتظر سماع الجواب من الطرف الآخر..لكن استغرب عدم الرد في البداية ولم يلبث ان قال وهو يردف بابتسامة: هكذا اتأكد انه يغط في نوم عميق بالشقة..
واكمل طريقه ليتوجه الى احد مباني فارس .. وما ان وصل اليه حتى اوقف سيارته بشكل عشوائي بجواره.. وانطلق في سرعة صاعدا الدرجات ومتجاهلا المصعد..واخيرا وصل الى الشقة التي كانت تحمل الرقم (5)..
اخذ يضغط على زر الجرس ويطرق الباب وهو يقول بصوت عالي بعض الشيء: فارس.. افتح الباب.. فارس.. لدي خبر لك..
لم يجبه سوى الصمت.. فمط شفتيه وقال بحنق: ما هذا النوم؟.. لو لم ارى سيارته بجوار المبنى.. لاعتقدت انه ليس موجودا بالشقة..
وعاد ليطرق الباب بقوة اكبر وهو يهتف: افتح الباب يا فارس.. هيا افتحه.. يكفي نوما..افتح الباب..
دس اصابعه بين خصلات شعره وهو يزفر بضجر.. قبل ان يعيد ضغط الجرس لمرات عدة وهتافه يتعالى.. واخيرا انفتح الباب ليطل من خلفه فارس بعينين نصف مفتوحتين.. وبملابس نوم غير مرتبة.. وبشعر مبعثر .. واثار النوم لا تزال على وجهه..
ولم ينتظر حازم ان يتحدث فارس بل اندفع الى الداخل وقال بحدة: ما بالك يا اخي؟.. كل هذا نوم؟.. سيعتقد احد الجيران الآن بأنك مطلوب للعدالة من هتافي العالي وطرقاتي التي كادت تحطم باب شقتك..
تثاءب فارس وقال وهو يغلق الباب ويلتفت له: جيد انك اعترفت انك كدت تحطم باب الشقة بطرقاتك..
قال حازم بمرح وهو يتطلع الى هيئته الغير مرتبة : وماذا افعل مع شخص يغط في النوم كالاموات؟..
تطلع فارس الى ساعة يده وقال بملل وهو يتوجه نحو غرفة نومه: ما زالت الساعة الخامسة مساءا.. ما الذي دعاك لتوقظني في وقت كهذا؟.. ليتني لم افتح لك الباب واكملت نومي..
امسك حازم ساعده وقال وهو يمنعه من مواصلة طريقه: توقف.. انتظر قليلا.. لو ذهبت للنوم الآن فلن اتمكن من ايقاظك الا في الغد..
التفت له فارس وقال بحدة مصدرها ازعاجه عندما ايقظه من نومه: اخبرني ما بك؟.. لو كان السبب الذي ايقظتني له سخيفا .. فأعلم انك اليوم لن تعود الى منزلك..
قال حازم مصطنعا الغباء: لم؟.. هل ستدعوني للمبيت عندك؟..
قال فارس بسخرية وهو يحك ذقنه: بل للمبيت الى الابد..
ابتسم حازم فجأة وعقد ذراعيه امام صدره ليقول بلهجة واثقة: فليكن.. هذا وانا الذي جئت الى هنا بعد ان عثرت على معلومات تتعلق بأحد افراد عائلتك..
قال فارس وهو يلوح بكفه بعدم اهتمام: لابد وانها كسابقتها.. تلك المعلومات لا تهمني..
قال حازم وهو يميل نحوه ويتطلع الى عينيه بمكر: أأنت واثق؟..
قال فارس وهو يصطنع هذه المرة اللامبالاة: تمام الثقة.. ادرك جيدا ان المعلومات التي جلبتها لي كانت عن شخص لا يمت لي بصلة و...
قاطعه حازم وهو يقول: له اسم عمك ذاته.. لكن بما انك لا تريد ان تعرف أي شيء عنه فأنا...
قاطعه فارس هذه المرة وهو يهتف فيه قائلا بدهشة: اسم عمي؟؟.. هل انت متأكد؟.. لقد رأيت منزله الذي لم يعد منه الا مجرد بقايا .. كيف تقول انه من الممكن ان يكون الشخص الذي وجدته ويحمل اسم عمي لا يزال على قيد الحياة؟؟..
قال حازم وهو يهز كتفيه: هذا ما حدث.. لقد وجدت رقم هاتف مسجل باحدى شركات الاتصالات.. باسم هذا الشخص..
صمت فارس قليلا ومن ثم لم يلبث ان قال: لابد وانه رقم قديم اذا ..
قال حازم في سرعة: كلا.. لقد اكد لي الموظف ان هذا الرقم قد تم الحصول عليه منذ اسبوع فقط..
توترت ملامح فارس هذه المرة.. وقال باهتمام: امتأكد مما تقوله؟؟..اذا كان ما تقوله صحيحا فأعطني مالديك بسرعة..
قال حازم وهو يعقد ذراعيه امام صدره ويهز رأسه نفيا: ليس قبل ان تعتذر..
قال فارس وقد ارتفعا حاجباه بسخرية: اعتذر عن ماذا بالضبط؟..
قال حازم بابتسامة ماكرة: بما قلته قبل قليل عن رغبتك بأن تقتلني..
قال فارس وهو يقترب منه بخطوات واثقة: سيكون هذا مصيرك حقا لو لم تمنحني ما لديك..
قال حازم ببرود: لن تحصل على شيء قبل ان تعتذر..
قال فارس وهو يشير الى نفسه باستنكار: انا اعتذر منك؟.. يبدوا وانك تتخيل اشياء كثيرة هذه الايام..
اخرج حازم الورقة من جيب سترته وقال وهو يتطلع اليها: حسنا اذا يبدوا ان هذه الورقة لن تفيدك كثيرا..
اسرع فارس يقول: حازم اعطني اياها.. انت تعلم اني في اشد اللهفة لمعرفة ان كان احد من اهلي على قيد الحياة..
قال حازم باصرار: ليس قبل ان تعتذر..
زفر فارس بضجر ومن ثم قال: حسنا.. حسنا.. سأعتذر .. انا آسف على ما قلته.. لكن ان كانت هذه الورقة ليست بها ما يفيد.. فسيكون مصيرك سيئا..
ابتسم حازم واقترب منه ليقول: اتمنى ان يكون ما فيها مهما حقا بالنسبة لك..فأنا اعلم جيدا اني سأتلقى ضربا مبرحا منك اذا كانت هذه المعلومات كسابقتها..
واردف وهو يشد على كتفه بحنان: انا لم افعل كل هذا الا من اجلك يا فارس.. اتمنى من كل قلبي ان يكون من تحمل هذه الورقة اسمه هو احد اقرباءك.. فلم اكف من ان ادعو الله تعالى ان يجمعك بهم يوميا..
قال فارس مبتسما: اشكرك يا حازم.. اعلم أي اخ هو انت.. لولا الله ثم انت لما تمكنت من مواصلة حياتي وحيدا تائها.. بلا هدف وبلا اهل..
قال حازم وهو يناوله الورقة ويقول مازحا: هيا افتحها.. لنعلم ان كنت قد ربحت الجائزة ام لا..
رفع فارس احد حاجبيه وهو يفتح الورقة ببطء.. ومن ثم لم يلبث ان توقف عن فضها وهو يدعو الله من كل قلبه ان يجمعه بمن تبقى من عائلته.. ولو شخص واحد منها على الاقل.. يريد ان يشعر ان لا يزال لديه اهل في هذا العالم.. اشخاص من لحمه ودمه.. يريد ان يرى فيهم والده ووالدته.. شعور مؤلم ومفزع في الوقت ذاته.. ان تكتشف انك بلا اهل فجأة.. وحيد في هذا العالم.. دون...
( ما بالك؟.. هيا افتح الورقة.. اتلهف لرؤية تعابير الدهشة والفرح على وجهك)
قالها حازم وهو يقف الى جواره ويضغط على كتفه بانتظار ان يفض الورقة.. في حين التفت له فارس ليتطلع له بتوتر ويقول باضطراب بالرغم منه: وكأنك متأكدان الشخص الذي خط اسمه في هذه الورقة هو احد اقربائي..
قال حازم وهو يشعر ببعض الامل يغزو اعماقه: ولم لا؟.. اتكل على الله وتفاءل بالخير دائما..
قال فارس وهو يفض الورقة: ونعم بالله...
واستقرت عيناه على اول كلمة قرأها.. وهنا تجمدت مشاعره .. تجمد تفكيره وتجمدت اطرافه..لا يشعر بشيء يبعث الحياة له ولمن حوله سوى صوت انفاسه.. وعيناه تقرآن تلك الكلمات للمرة الثالثة.. وكأنه يريد ان يثبت لنفسه ان ما يقرأه حقيقي حقا..
وازدرد لعابه وهو يقرأ الورقة بصوت مسموع وخافت قائلا: الاسم (عهد احمد نادر الــ..)...
#############
كان لصوت الرصاصة الذي انطلق في المنطقة اكبر الاثر في شد الانتباه لذلك الصوت بالتحديد بعيدا عن أي مكان آخر .. حتى ان جون قال باستغراب: من هذا الاحمق الذي يطلق الرصاص ويكشف مكانه بهذه الطريقة؟.. ايكون الامر مجرد كمين يا ترى؟..
عقد ألكس حاجبيه بتفكير قبل ان يغادر السيارة ويقول : ساذهب لأتأكد من هذا الامر..
اسرع جون يقول وهو يتبعه: سآتي معك.. لن اتركك تذهب وحدك قد يكون الامر متعمدا لاستدراجنا الى هناك..
التفت له ألكس وقال بحزم وهو يخرج مسدسه من حزامه: لا عليك انت.. سأكون على حذر.. ابقى هنا حتى اعود.. ولا تعطي اية اوامر للجنود..
قال جون باعتراض: سآتي معك ولن تمنعني..
التفت عنه ألكس ليقول بصرامة: اياك ان تتبعني.. هذا أمر..
قالها واسرع يتوجه نحو مصدر الصوت.. وجون يقول بحدة: ما اشد عناده..
وثبت انظاره حيث اختفى ألكس حول منطقة بها عدد من المباني التي قد تم هدم اغلبها تحت وطأة القنابل والمتفجرات ..وزفر بقلق وهو يتمنى ان لا يصاب ألكس بأي مكروه ...
:
:
تلفتت هشام بقلق فيما بينهم وقال متسائلا: ما الذي يجري؟.. من الذي اطلق تلك الرصاصة؟..
قال عادل وهو يعقد حاجبيه ويتطلع الى المكان الذي صدر منه الصوت: الصوت اتى من المنطقة الشرقية.. هناك حيث كان يراقب رائد وجلال.. ولكنهما في طريقهما الى هنا الآن بعد ان قام عهد بندائهما..
قال هشام بتوتر: لم ارد ان ارسله الى هناك لكن هو من اصر ان يذهب ويناديهم.. اخشى انهم قد اكتشفوا امر احد افراد الفرقة هناك.. واطلقوا عليه النار..
قال عادل وهو يحاول ان يطمئن نفسه قبل هشام: كلا لا اظن ذلك.. كل شيء على ما يرام ..لا تقلق..
قال هشام وهو يخرج هاتفه ليتصل برائد: يجب علي ان اتأكد من سلامة الجميع اولا وبعدها لن اقلق..
وما ان استمع الى صوت رائد حتى قال بقلق ولهفة: رائد هل انت بخير؟.. وماذا عن جلال وعهد؟.. وما مصدر صوت اطلاق النار ذاك؟.. هل اصيب احدكم؟..
قال رائد بابتسامة باهتة وهو يسير بين الممرات مع جلال: انا وجلال بخير لم يصبنا شيء.. لكن لست اعلم أي شيء عن عهد.. وكذلك لست اعرف مصدر اطلاق النار ذا...
قاطعه هشام وهو يتساءل بدهشة: كيف لا تعرف شيئا عن عهد؟؟.. لقد ارسلته ليطلب منكم العودة..الم تلتقي به؟..
اسرع رائد يقول : لا.. لقد اتصل بي وطلب مني العودة بناءا على اوامرك.. لكني لم التق به ابدا..
قال هشام بتوتر وهو يمسك بجبينه: ربما هو من اصيب اذا..
قال رائد بهدوء: لا تقلق نفسك.. سأتصل به.. ولو لم يجب سأبحث عنه انا وجلال..اطمئن..
انهى هشام المكالمة وهو يشعر بقلق خفي بدأ يتسلل بأعماقه تجاه ما قديكون جرى لعهد...
:
:
تلفتت حولها بخوف وقلق وذعر.. تعلم ان ما قامت به جنون.. لكن ليس بيدها سوى ان تفعله لتنقذه.. لقد انقذها سابقا.. ولابد لها ان ترد له جميله..
اسرعت تجري مبتعدة وعيناها تتطلعان لكل ما حولها بخوف.. لقد كشفت مكانها وربما تعود للمبنى البريطاني من جديد.. لكن كل هذا لا يهم الآن بقدر ما يهمها ان يكون هو بخير و...
انقطعت افكارها اثر الجسم الذي اصطدمت فيه وقبل ان ترفع راسها وتعرف بم اصطدمت .. سمعت صوت صارما يقول: استسلم والا اطلقت النار..
صوته.. صرامته.. لهجته .. نبراته الآمرة.. هو.. انه ألكس .. لقد وضعه القدر في طريقها من جديد..ايكون وحده ام هناك من هم معه؟.. وعندها ستعود للمبنى البريطاني اسيرة من جديد تتحمل التعذيب والاهانة والقسوة..
وتعالى صوت ألكس ليقول ببرود: سلم نفسك افضل يا ايها الشاب..
رفعت انظارها له ..ليس لشيء سوى لأن تراه.. لا يمكنها ان تنكر ان فضولها ولهفتها دفعتها لأن تراه بعد اسبوع كامل لم تلمحه خلالها ابدا..هو بذاته لم يتغير فيه شيء سوى عيناه اللتان ازدادتا برودا وجمودا...
اما هو فقد تطلع لمن امامه بغير تصديق..هل هي امامه حقا ام ان الافكار والاحلام باتت تتشكل على ارض الواقع؟؟.. يخشى ان يصدق انها تقف امامه ومن ثم يصدم من انها مجرد وهم وسراب..
صدمة ان يراها امامه.. وصدمة لها ان تراه امامها بعد ان افترقا.. ما الذي يمكنه ان يقوله وهو يتطلع اليها بكل شوق واهتمام وحنان؟.. وما الذي يمكن ان تقوله له وهي تحاول ان تخفي شوقها تحت طيات نظراتها الجامدة واصطنعاها للامبالاة..
وطال الصمت بينهما دون ان يقطعه احد.. سوى من صوت انفاس الاثنين.. ونظراتهما المتبادلة.. واخيرا نطق ألكس ليقول بهمس مشتاق: عهد..
ازدردت لعابها بارتباك.. لم يناديها بهذه الطريقة؟.. لم تجبه واكتفت بأن تطلعت اليه منتظرة ان يكمل ما قاله.. فأردف هو قائلا وهو يضع كفيه على كتفيها ويردد بصوت متلهف مشتاق: واخيرا رأيتك يا عهد.. لو تعلمين كم...
صمت محاولا ان يجد اخف الكلمات تعبيرا لما يشعر به.. وهمس اخيرا ليقول بابتسامة شاحبة: افتقدتك..
لم تعلم عهد بم ترد عليه.. قربه منها يربكها.. ولمسته لها تثير في داخلها مشاعر تجاهد لدفنها..يكفي لا تريد ان تنجرف خلف سيل هذه المشاعر الجارف.. تريد ان تكون اقوى.. تذكري يا عهد.. منزلك.. والداك.. اهلك.. اقاربك.. ضياعك.. كل هذا سببه من امامك... وكذلك.. وكذلك.. هو من قام بحمايتك في المبنى البريطاني.. هو من اهتم بك.. هو من ساعدها على الهروب منه متجاهلا أي شيء آخر..
ووجدت نفسها تزيح كفيه عن كتفيها بارتباك وتقول في سرعة: غادر هذا المكان..
استغرب عبارتها في البداية.. لكنه لم يلبث ان قال وهو يعقد حاجبيه: ولم تريدين مني مغادرته؟..
قالت وهي تحاول ان تسيطر على ارتباكها وتصطنع القوة: ان اردت سلامتك وسلامة من معك.. غادر هذا المكان..
صمت ألكس للحظات شعرت عهد انها تمر عليها كالدهر..وقال بعدها ببرود: انت منهم اذا.. كما توقعت..
لم تعقب.. ولم تجد ما تقوله.. فوجودها هنا هو الجواب بالنسبة له..وتحولت لهجة ألكس للصرامة وهو يقول: ستخبريتي عن مقرهم الآن .. واين هم؟..
وقفت بجمود دون ان تتحرك او تنطق بحرف واحد.. وكور ألكس قبضته بحدة.. هكذا تماما كما عرفتك يا عهد قوية وصلبة.. واردف قائلا بخشونة: ستخبريني الآن والا اطلقت عليك النار..
قالها واشهر سلاحه في وجهها.. فعقدت ذراعيها امام صدرها وقالت بالمبالاة: اقتلني ان اردت.. لكني لن انطق بحرف واحد..
ورافضة للخضوع و الاستسلام كذلك.. أي فتاة هي انت يا عهد؟!.. لقد قلبت كل شيء في حياتي وحتى انا نفسي.. بت اشعر اني اصبحت انسان آخر كلما رأيتك او سمعت صوتك..او حتى تذكرتك..
وانزل يده الممسكة بالمسدس قبل ان يقول وابتسامة تتراقص على شفتيه: انت تعرفين اني لن افعلها..
قالت وهي تحاول ان تتجاهل كلمته ومشاعرها التي اثارها وجوده: ارجوك غادر هذا المكان حالا..
ابتسم هذه المرة وقال متساءلا: ايهمك امري حقا؟..
هذا السؤال بالذات لم تكن تريد ان يُطرح عليها ابدا.. وحاولت التشاغل بركل الحجارة التي امتلأت بها الاراضي وهي تقول: لقد انقذت حياتي سابقا .. وحان الوقت لأرد لك معروفك هذا ..
قال ألكس باستنكار: لم افعل ما فعلته لاني اريد منك معروفا .. لقد فعلت هذا.. لأنك.. اعني لأجل ان لا تتعذبي بسببي في المبنى البريطاني بعد ان جلبتك اليه..
اسرعت عهد تقول: سأضطر للذهاب الآن.. وارجو منك ان تغادر هذا المكان كما طلبت منك..
تطلع لها ألكس بحنان قبل ان يقول بصوت خافت بعض الشيء: فليكن سأغادر.. فكيف لي ان ارفض اول طلب تطلبينه مني؟..
قالها وهو يتأملها ويطيل في تأملها لها.. حتى انها شعرت بالارتباك والاحراج من نظراته .. فقالت في سرعة وهي تهم بالابتعاد عنه: سأذهب اذا الآن ..
اسرع يمسك بكفها قبل ان تبتعد ويهمس لها قائلا: اهتمي بنفسك جيدا يا عهد..
لم تعلم لم ارتجف جسدها من لمسته؟.. وتاه تفكيرها تحت وطأة نظراته.. االى هذه الدرجة يثير وجوده مشاعرها؟.. وقالت بتوتر وهي تشيح بنظراتها عنه: وانت كذلك..
واسرعت تجذب كفها وهي تجري مبتعدة عن المكان ..ونظرات ألكس تتابعها في كل خطوة.. وهو يتمنى بداخله لو كان الوضع مختلف ولو كانت الظروف افضل من هذه .. لكي يعبر لها بكل ما بداخله.. وبكل ما يشعر به تجاهها.. لكنه الواقع.. اجل انه الواقع المر الذي سيحرمه ان يهنأ بهذا الحب المستحيل .. ويجعل الحاجز بينه

يكبر في كل مرة...
:
:
يتبع..
 
بــ الحب (17) والواقع ـــين
::واخيرا..وجدتها::

تطلع فارس الى الاسم الذي امامه بذهول .. بشك وعدم تصديق.. انه اسمها.. هو متأكد من ذلك.. اذا كان هذا الامر مجرد حلم فلا يريد ان يستيقظ..لايريد بعد ان وجد طرف خيط يقوده الى احد من اهله.. وليس أي احد.. انها...
قاطع افكاره حازم الذي كان منشغل بأمره وهو يراه يتطلع الى الورقة بصمت .. وسأله قائلا باهتمام: فارس.. تحدث.. اخبرني هل تعرف هذا الشخص ام لا؟.. هل هو احد اقربائك حقا؟..
التفت له فارس وهو يتطلع اليه بنظرات شاكرة .. ممتنة.. وفي عقله يدور الف سؤال وسؤال.. اتكون هي حقا؟.. وكيف وصل اليها حازم؟.. اتكون ما زالت على قيد الحياة؟.. اتكون قد نجت من الانفجارات مثله؟..
وقال وهو يجاهد ليخرج الكلمات من بين شفتيه: حازم.. انها.. انها هي..
ارتفع حاجبا حازم وقال باستغراب: هي ؟.. اتعني بأنها كانت فتاة منذ البداية.. لقد توقعته شابا بسبب الاسم..
هز فارس رأسه نفيا وقال بابتسامة مرتبكة: لا .. انها فتاة.. انها ابنة عمي.. لكن.. لكن من اين جلبت كل هذه المعلومات عنها؟..
ابتسم حازم وقال وهو يعقد ذراعيه امام صدره بغرور: لكي تعرف من هو صديقك.. لقد استطعت الوصول اليها بعد جهد كبير.. دام ثلاثة اسابيع.. ومن احدى شركات الاتصالات كما اخبرتك ..فلي بعض الزملاء هناك وقد ساعدوني في البحث عن اسم شخص يحمل اسم عائلتك ذاته..
قال فارس الذي لم يرد ان يوهم نفسه بأمل كبير ومن ثم يصدم: لكن ما اخشاه ان تكون هذه المعلومات قديمة او...
قال حازم وهو يقاطعه: كم مرة علي ان اخبرك ان الموظف قد اكد لي انها جديدة ومنذ اسبوع فقط..
قال فارس وهو يدس اصابعه بين خصلات شعره بتوتر: ما الذي علي ان افعله الآن يا حازم؟..
قال حازم وهو يضرب كتفه بخفة: وماذا عليك ان تفعل سوى ان تتصل بها على هذا الرقم المسجل عندك.. هيا افعلها الآن..
واردف ما زحا: اتعرف انني ندمت انني اوصلت الورقة اليك.. لو كنت اعرف انها فتاة لاحتفظت برقم هاتفها و...
رفع فارس احد حاجبيه وقال ببرود: لو كنت تفكر بالموت .. فافعلها..
ضحك حازم وقال بمرح: يا لهذا الشاب لقد اصبح شرسا بغتة منذ ان سمع بأمر هذه الفتاة..
ابتسم له فارس وقال بارتباك وهو يخرج هاتفه من جيبه: اتظن حقا ان علي الاتصال بها؟.. ثم لماذا لم تتصل هي علي ما دامت قد حصلت على رقم الهاتف هذا؟..
قال حازم بضيق: لا تكن غبيا.. وما ادراها هي انك لا تزال على قيد الحياة..هيا اتصل بها..
التفت عنه فارس وتطلع الى رقم الهاتف الموجود في سطر ما من الورقة.. وعاد ليرفع رأسه ويقول وهو يلتفت الى حازم: اخشى ان اصدم وان...
امسك حازم هاتفه وقال بحدة: لم انت هكذا؟.. سأتصل بها انا مادمت لا تستطيع مواجهة المواقف..
اسرع فارس يقول وهو يمنع حازم من اخذ هاتفه : كلا .. سأتصل بها انا..
واخذ يضغط الارقام الموجودة بالورقة.. وقلبه ينبض بكل خوف وترقب.. اخطأ عدة مرات قبل ان يضغط الرقم الصحيح.. وارتبكت ملامحه بشكل واضح وهو يضغط زر الاتصال.. احقا سيصل اليها اخيرا؟.. احقا استجاب الله دعائه؟.. احقا سيراها بعد ان تيقن من موتها مع عائلتها؟.. قلبه يخفق بشكل غريب..وهو ينتظر بكل لهفة الرد من الطرف الآخر.. رنين الهاتف شيء مطمئن.. لكن...
توقف الرنين بغتة.. فتلاشت ملامح التوتر التي على وجهه لتحل محلها خيبة الامل وهو يقول: لم يتم الرد.. وانقطع الاتصال..
قال حازم بتشجيع: عاود الاتصال.. مرة ومرتين وثلاث.. ما يدريك ربما تكون نائمة.. او ربما يكون الهاتف بعيد عنها.. هيا اعد الاتصال بها..
انصاع فارس للامر وفي قلبه يزداد الامل.. لقد وصل لطرف خيط.. قد يوصله اليها.. فلم ييأس الآن؟.. ربما كانت حقا لم تنتبه لهاتفها.. سيعيد الاتصال بها حتى تجيب على مكالماته ..
ومرت اكثر من ربع ساعة اتصل خلالها اكثر من عشرين مرة..فتنهد بمرارة وهو يلقي بهاتفه على اقرب مقعد ويقول بضيق: ارأيت بنفسك؟.. منذ متى وانا اتصل .. لو كانت الامور على ما يرام لأجابت..
قال حازم بحدة وهو يقف امامه: اولا .. لو لم تكن الامور على ما يرام لما كان الهاتف يرن.. وثانيا ربما كان هاتفها على الوضع الصامت.. لا تبتئس هكذا.. اتريد كل شيء بسهولة؟.. حاول بعد ساعة او حتى بالغد.. ما الذي ستخسره انت؟..
ابتسم له فارس وقال بامتنان: لا اعرف ماذا كان يمكن ان افعل من دونك في هذه الدنيا..
ابتسم له حازم وقال بمرح: وماذا افعل؟.. لقد وضعني القدر في طريقك لاساعدك على حل مشاكلك..
اقترب منه فارس ليضمه بامتنان ويقول بصوت هادئ: اشكرك من كل قلبي على كل ما فعلته معي.. لو تعلم كم اشعر بالسعادة بعد ان عثرت على هذا الرقم.. لن اييأس كما طلبت مني .. وسأعاود الاتصال بها بعد قليل.. اعلم انني اتعبتك معي كثيرا منذ تلك الفاجعة وحتى الآن.. اشكرك لانك تحملتني..
ابعده حازم عنه وقال بضيق: فارس.. يكفي شكرا.. انت اخي هل هذا مفهوم؟.. ثم انسيت مواقفك معي منذ ان تعرفت عليك؟.. انسيت دفاعك عني وتعرضك للضرب من اجل ان لا يتعرض لي احد؟.. انسيت وقوفك الى جانبي بعد ان تعرضت لحادث السير؟.. ونسيت انك انت اول من قدم لي يد المساعدة عندما رفض والدي ان اسافر واكمل دراستي بالخارج.. وانك الوحيد الذي تمكن من اقناعه..لهذا لا تشكرني الآن.. كل ما فعلته معك لا يعد أي شيء في سبيل ما قدمته لي..
قال فارس بابتسامة باهتة: لم افعل أي شيء.. لقد كنت جبانا وتخشى التشاجر مع أي صبي يتعرض لك.. لكني بالاختلاف منك.. لم اكن استطيع الوقوف صامتا تجاه ما يفعلونه معك و...
اسرع حازم يقول وهو يقاطعه: لا احتاج الى سماع حديث الذكريات هذا.. كل ما اردت قوله لك.. انك كنت ستفعل ما سأفعله لو كنت مكانك..
قال فارس بضيق: لا قدر الله.. لا احتمل ان ارى أي شخص يتعرض ويمر بكل ما مررت به.. لقد كان وقتا عصيبا حقا.. الايام كانت تمر علي كالسنوات..
ربت حازم على كفته وقال مبتسما: حسنا اتركك الآن .. سأعود الى المنزل.. واخبرني بكل ما يستجد معك..
قال فارس بلهجة اقرب الى الرجاء: ابقى وتناول طعام العشاء هنا اليوم..
تطلع حازم الى ساعته قبل ان يقول وهو يزفر بحدة: ليتني استطيع .. لدي بعض الاعمال لانجزها وقد اجلتها لأجلك .. بالاذن الآن ..
رافقه فارس حتى الباب وهو يقول بابتسامة: حسنا اذا..اراك غدا بالشركة.. وشكرا لكل ما فعلته معي..
قال حازم وهو يشير اليه: اذهب واغسل وجهك.. ورتب نفسك.. وبعدها تحدث عن الشكر..
تطلع فارس الى ملابسه الغير مهندمة قبل ان يقول بلهجة مرحة: مهما ارتديت .. فأنك لا تستطيع الاستغناء عن وجودي في حياتك..
قال حازم بلهجة اسف مصطنعة: مع الاسف.. انها الحقيقة..
ومن ثم كور قبضته ليقول : اراك بخير.. ولا تنسى ان تخبرني بكل ما يجري معك..
كور فارس قبضته بدوره وهو يضرب بها قبضة حازم بخفة ويقول بابتسامة واسعة: لن انسى.. الى اللقاء وانتبه لنفسك..
اومأ حازم برأسه ..وغادر الشقة وعلى ثغره ابتسامة.. اما فارس.. فقد اغلق الباب خلفه وهو يعود ويتطلع الى الورقة التي بين يديه.. لا يزال غير مصدق انها تخص عهد.. اذا فهي لم تمت كما توقع عندما شاهد منزل عمه الذي تم تدميره .. لابد وان يعاود الاتصال بها ما دام قد امسك بطرف الخيط الذي سيوصله لها.. فربما حينها تعود الى حياته كما دعا الله تعالى وتمنى...
###########
لم تستطع عهد التبرير او الرد على هشام الذي كانت عيناه تمتلآن بالغضب.. كيف يمكنها التبرير بعدما فعلته؟.. هي تعلم انها اخطأت عندما اطلقت النار وشتت الجنود عن موقع الكمين الذي عمل عليه هشام ورفاقه.. لكن لم يكن بيدها حيلة.. كانت تريد انقاذ ألكس.. تماما كما انقذها هو في يوم..
ورفعت انظارها الى هشام الذي قال بحدة: انت مجنون بكل تأكيد.. اكنت تريد منهم قتلك؟.. لقد اشرت الى مكان موجودك بكل بساطة.. يجب عليك ان تشكر الله انهم غادروا ولم ينتبهوا لوجودك..
قالت عهد بصوت مرتبك: لقد انطلقت الرصاصة خطأ لم اقصد ان اضغط على الزناد.. اعتذر ان كنت قد تسببت مغادرة الجنود للمكان و...
قاطعها هشام وهو يقول: وما دخلك انت؟.. لقد غادروا بعد ان دمرنا سيارتين.. ولابد انهم فضلوا التراجع.. ما يغضبني هو انك كدت تكشف مكانك لهم بفعلتك.. وبعدها سأكون المسئول الاول عما سيجري لك.. لانني قد تركتك تنضم للمهمة..
قالت عهد وهي تزفر براحة: انا بخير الآن..وشكرا لاهتمامك..
ربت هشام على كتفها وقال بابتسامة باهتة: في المرة القادمة حاول ان تنتبه وانت تمسك بالمسدس جيدا..
ابتسمت عهد بحرج وهي تقول في سرعة: حسنا..
وقالت محاولة التهرب من الحديث اليه: هل يمكنني الذهاب الآن؟..
اومأ هشام برأسه وتركها تنسحب من امامه..دون ان تعلم الى اين تتجه.. المهم ان تبتعد عنه وتهرب من اسئلته.. وسمعت صوت سوزي تناديها.. فالتفتت اليها وقالت: اجل..
تقدمت منها سوزي وقالت بابتسامة باهتة: يقولون انك قد اطلقت النار بالخطأ وسط المعركة..وكدت ان تلفت جميع الانظار اليك..
قالت عهد متظاهرة بالبرود: اجل .. لم انتبه وانا امسك بالمسدس بكل قوتي..
قالت سوزي متسائلة باهتمام وشك وبصوت منخفض: الم تفعلي هذا عمدا لسبب ما؟؟..
ارتبكت عهد للحظات ولم يفت هذا الارتباك سوزي.. ومن ثم قالت مصطنعة الثقة: ابدا.. لم افعل شيئا كهذا؟..
لوحت سوزي بكفها ومن ثم قالت بابتسامة ماكرة: انت من يعرف هذا الجواب..
شعرت عهد بقلق يساورها.. اتكون سوزي تشك بأنها اطلقت النار من اجل ان تلفت الانتباه اليها؟؟.. ايعقل هذا؟.. عليها ان تشعرها بأنها واثقة مما تقول.. والا تحينت الفرصة لتعرف كل ما فعلته ولماذا افعله..
واسرعت تقول وهي تتسلح بشجاعتها: لست اعرف ماذا تقصدين بالضبط..ما حدث قد علمته وليس لدي اي كلمة اخرى اضيفها..
ابتعدت عن سوزي التي عقدت ذراعيها امام صدرها بضيق.. الشك بدأ يساور سوزي بأمرها اولا.. وتخشى عهد الآن بأن تنقل سوزي شكوكها لأحد ما بالفرقة و...
اسرعت تبعد هذه الافكار عن ذهنها .. وهي تتخذ لها مكانا لتجلس فيه.. حياتها هنا تجعلها تحيا في خوف دائم .. خوفها من ان يفتضح امرها اولا.. وخوفها من ان يتهموها بالخيانة وينسبوا تصرفاتها الى كونها متعاونة مع البريطانيون او شيء من هذا القبيل ..
تحتاج الى اخت لها في هذه اللحظة تخبرها بكل ما تشعر به بدون قيود.. وتشرح لها اسباب تصرفاتها.. وتبرر لها افعالها المتهورة احيانا.. حتى تمنحها نصيحة قد ترشدها الى ما عليها فعله حقا.. وتنبهها ان كانت تقوم بما هو خطأ..
وابتسمت بمرارة وهي تخرج هاتفها من جيبها.. اي شيء لكي تقضي به وقتها .. فقط حتى لا تعود وتتذكر انها وحيدة في هذا العالم دون اهل او اصدقاء و...
عقدت حاجبيها بحيرة واستغراب وهي ترى المكالمات التي تجاوزت الاربعون مرة من رقم احد الهواتف المحمولة .. من ذا الذي سيتصل لها اكثر من اربعون مرة ؟.. بكل تأكيد شخص متأكد من هذا الرقم وصاحبه.. والا ما كلف نفسه عناء الاتصال كل هذه المرات..
تطلعت الرقم المسجل وهي تحاول التذكر.. انه يبدوا مألوفا لها .. وكأنه رقم شخص تعرفه.. لكنها لا تتذكر لمن قد يكون بالذات.. رقم ألكس قد قامت بحفظه بجهازها.. لهذا هذا الامر مستبعد.. لكن من يدري ربما كان هذا رقما اخر لألكس.. او...
لم تستمر في افكارها لأن الهاتف قد عاد يضيء بالرقم ذاته دون صوت بسبب وضعها له على الوضع الصامت منذ بداية المهمة..
التقطت نفسا عميقا وهي تحاول تذكر صاحب هذا الرقم .. دون فائدة.. واخيرا قررت الاجابة وهي تتمنى من كل قلبها ان يكون شخص من عائلتها او احدى صديقاتها التي لا تزال على قيد الحياة..
وتجاهلت امكانية حصول هذا المجهول على رقم هاتفها الحديث وهي تجيب قائلة بصوت هادئ: الو.. من المتحدث؟ ...
:
:
قبل عشر دقائق من الوقت الحالي كان فارس قد شعر باليأس تماما.. ساعتين قد مرت دون اي بادرة منها.. امن المعقول ان تكون لا تشعر بالهاتف الى هذه الدرجة؟.. رنين الهاتف شيء مطمئن لكن... لم لا تجيب؟؟.. ااصيبت بمكروه ما؟!...
راودته الشكوك والقلق قد بدأ يغزو تفكيره.. كلا ليس بعد ان وصل اليها اخيرا.. يارب احمها من كل شر.. اريد ان اراها لمرة اخيرة .. حتى لو كان ذلك للحظات.. فلتكن بخير يا الهي...
والتقط نفسا عميقا وهي يتمدد على فراشه بضيق ويأس.. قبل ان يرمي بالهاتف الى جواره بحنق.. لقد استطاع ان يجد بصيص امل يقوده اليها اخيرا.. والآن يختفي هذا الامل ايضا.. يا لهذا الحظ الذي لديه..
وعاد ليتطلع الى هاتفه.. قبل ان يحسم امره للمرة الاخيرة ويتصل بها.. واستمع الى رنين الهاتف المستمر في كل مرة.. وتوقع ان تخيب اماله كما في المرات السابقة وان لا يجد مجيب له.. لكن.. خابت توقعاته وهو يسمع صوتا يقول بهدوء: الو.. من المتحدث؟..
خفق قلبه بالرغم منه.. ايكون هذا صوتها حقا؟.. ااجابته اخيرا بعد كل تلك المحاولات المضنية؟.. ايكون القدر قد جمعه بها اخيرا؟..
وحاول ان يتأكد وهو يقول متسائلا بصوت متوتر: أأنت عهد؟ ..
توقف التفكير في عقل عهد لوهلة.. هذا الصوت انها تعرفه .. وتعرف صاحبه جيدا.. ماذا عن الانفجارات؟.. الم يصب في احدها؟.. لقد رأت بعينيها منزل عمها الذي تحول الى حجارة وبقايا ..
ونطقت وهي تزدرد لعابها وتجاهد لتخرج الحروف من حلقها: اجل .. انا هي.. من المتحدث؟..
انها هي حقا اذا!.. لقد وصل اليها اخيرا.. انها عهد.. اخيرا بعد كل هذا البحث .. وصل اليها.. اين كانت طيل تلك المدة؟.. اين ذهبت وهو لم يرها ابدا عندما عاد الى المنطقة؟.. لقد ظنها قد قتلت في تلك الانفجارات..
وقال بسعادة وقلبه يخفق بالامل: انسيت صوتي بهذه السرعة يا عهد؟..
بالرغم منها ظهر الحنين في صوتها وهي تتذكر ايام ماضية ظنتها ولت ولن تعود.. وارتسمت ابتسامة على شفتيها وهي تقول بصوت اقرب الى الهمس: وكيف لي ان انسى صوت من كان يزعجني طوال اليوم بسخريته؟..
التقط فارس نفسا عميقا وقال باشتياق: اين كنت يا عهد طوال تلك المدة؟؟.. لقدبحثت في كل مكان.. وظننتك قد فارقت الحياة في تلك الانفجارات..
اختفت ابتسامتها وهي تستعيد ذكرى تلك الانفجارات.. وذكرى منزلها وهو يتآكل بالنيران امام عينيها .. وقالت بألم: لقد ظننت الشيء ذاته بالنسبة لك..
اسرع يقول بلهفة: هل نجا احد غيرك يا عهد من ما حدث؟..
تنهدت وقالت بصوت متحشرج: انا وحدي من نجا.. وليتني لم انجو يومها..
كلماته ذاتها.. كان يتمنى هو الآخر ان لا ينجو من الانفجارات ويموت مع اهله.. لكن لن يتركها عرضة للحزن واليأس مثله..
وقال وهو يحاول ان يضفي على صوته قليلا من المرح: لا تقولي هذا.. من كان سيبقى من عائلتي لاتشاجر معه سواك..
ابتسمت رغم المها وقالت متسائلة: اتعني انه لم ينجو سواك انت ايضا؟؟..
هز كتفيه وقال وهو يعتدل بجلسته ويستند الى السرير: انا وحدي من نجيت من هذا الحادث مثلك تماما.. وظننت يومها ان الكل قد قتل حتى وجدت رقمك اخيرا..
قالت متسائلة باهتمام: صحيح.. من اين حصلت على رقم هاتفي؟.. انا لم استخرجه الا من اسبوع فقط..
قال وهو يبتسم بسعادة: وهذا ما مكني من الوصول اليك.. لولا الله ومن ثم رقم هاتفك هذا لما كنت سأصل اليك ابدا ..لقد حصلت على هذا الرقم بعدة محاولات من صديق لي في احدى شركات الاتصالات..
واسرع يردف وهو ينهض من على فراشه ويستعد لتغيير ملابسه .. وهو يفتح ازرار قميصه العلوية بيده الاخرى: اخبريني الآن اين انت؟..
توترت جراء سؤاله هذا.. لقد تناست في غمرة فرحها بوجود من هو على قيد الحياة من عائلتها .. انه سيكون له نصيب اكبر في معرفة كل ما حدث وجرى لها في الفترة السابقة .. وبالتأكيد شخص مثل فارس سيرفض طريقة عيشها هنا .. كيف لا وهي الشاب بينهم و...
قطع افكاره صوته وهو يكرر قائلا: عهد .. اخبريني اين انت بسرعة؟..
قالت وهي تزدرد لعابها بتوتر: ولم السؤال؟..
قال فارس بضجر: ما هذا الغباء؟.. بكل تأكيد سآتي لرؤيتك والحديث معك.. هناك اشياء كثيرة ينبغي علي معرفتها منك..
ابتسمت عهد بتوتر وقالت محاولة تغيير دفة الحديث: الا تتخلى عن عادة شتمي ابدا سيد فارس؟..
ابتسم قائلا: لن يمكنني ذلك ما دمت فارس.. المهم الآن اخبريني بمكانك فورا لآتي اليك..
حاولت ايجاد مفر.. ولم تستطع الا ان تقول: انا في منزل احدى صديقاتي.. ولا اعرف العنوان جيدا..
عقد حاجبيه بشدة.. ومن ثم قال ببرود: لابد لي من ان اقابلك .. امنحيني اي وصف او اي مكان قريب منك يرشدني الى مكانك..
حاولت تذكر اي مكان قريب لها.. لكن لا تريده ان يأتي الى هنا .. لو رآها وهي هنا بالتأكيد سيرغمها على مغادرة المكان لأن وضعها هنا لن يعجبه.. وهذا ما لا تريده هي او ...
وحاولت تغيير الموضوع والتهرب من سؤاله بقولها: الوقت متأخر الآن .. غدا سأخبرك بكل شيء .. صد...
قاطعها بحدة وهو يشعر بالحنق من برودها:استمعي الي يا عهد.. كما عرفت رقم هاتفك.. بامكاني الوصول الى عنوانك .. هل فهمت؟..
هي تدرك جيدا ان بامكانه حقا ان يصل الى مكانها لو اراد .. فارس لا يقول شيء عن عبث..وان وضع شيئا ما في رأسه .. فسيصل اليه بكل تأكيد..
وقالت وقد فكرت في حل: حسنا لدي اقتراح.. ما رأيك ان نلتقي في مكان ما؟..
اسرع يقول بحماس وهو يرتدي حذائه: حسنا .. سأكون موجودا هناك.. اخبريني فقط اين؟..
قالت بتفكير: بعدنصف ساعة.. في مطعم الشاطئ..
اسرع يقول بلهفة لم يستطع اخفاؤها: سأكون هناك حالا..
اسرعت تقول مبتسمة: اتذكر العنوان؟؟..
ارتفع حاجباه ليقول بابتسامة: وكيف لي ان انسى عنوان مكان انتظرت فيه لساعة كاملة؟؟..
قالت وهي تعود بذاكرتها للوراء: اخبرتك يومها بأني لن احضر.. لكنك لم تصدق.. وظننت انني سأشفق عليك واحضر..
قال ببرود متعمد: هذا لا يهم الآن.. سأكون بانتظارك بعد ربع ساعة فقط من الآن.. الى اللقاء..
اسرعت تقول: انتظر قليلا يا...
لكنه كان قد انهى المكالمة.. وكأنه يأمرها ان تنفذ امره دون اي اعتراض منها..
فزفرت بحدة وهي تقول بضيق:بقدر ما سعدت انك على قيد الحياة في البداية يا فارس.. بقدر ما تضايقت من تذكري انك سترفض وضعي هذا رفضا تاما.. وستعمل على السيطرة على كل ما يخص حياتي بدءا من هذه اللحظة..سأكون اشبه بالطائر حبيس القفص.. الذي سيمنع من الخروج من القفص الا اذا سمح له صاحبه..
وزفرت بقوة قبل ان تذهب الى حيث هشام.. وتطلب منه اذنا بالخروج.. وعندها سالها هذا الاخير قائلا: والى اين ستذهب؟..
قالت بصدق: اكتشفت مؤخرا ان ابن عمي لا يزال على قيد الحياة ولم يمت في الانفجارات كما ظننت.. ولهذا سأذهب لاراه .. فلست اعلم كيف سأقابله في مقر المقاومة.. لم ارد ان ارشده الى هذا المكان..
ابتسم هشام وقال: هذا تصرف جيد منك.. لكن يمكنك ان تسأله عن رغبته في الانضمام الى فرقة المقاومة لو اراد.. وان وافق فاصحبه معك الى هنا..
اومأت عهد برأسها باضطراب.. وان كانت لم تأيد تلك الفكرة ابدا.. ان تترك لفارس المجال لأن يكشف امرها بهذه الطريقة في مقر المقاومة.. ستحاول ايجاد حل يسمح لها بمواصلة المشاركة في مقر المقاومة..بدلا من ان يمنعها فارس من ذلك.. ويجبرها على الانسحاب منها كما تظن ...
:
:
كانت هي المرة الرابعة التي يتلفت حوله بحثا عنها.. ويتطلع الى بوابة المطعم تارة والى ساعة معصمه تارة.. لقد تعمد ان يجلس على طاولة قريبة من المدخل حتى تراه فورا عندما تدخل.. او ربما حتى يراها هو...
وزفر بحدة وضيق وهو يرى ان الوقت يمضي دون ان تصل.. لقد اتفق معها ان تكون موجودة بعد ربع ساعة.. لكن نصف ساعة تقريبا قد مرت دون ان تحضر.. ربما لأنه هو من فرض عليها القدوم بعد ربع ساعة.. وربما لانها لم تجد وسيلة مواصلات تقلها الى هنا في الوقت الذي حدده.. او ربما منزل صديقتها يبعد عن هذا المطعم ما يزيد عن هذا الوقت..
وتطلع الى كوب الشاي الوحيد الموجود على الطاولة امامه وقال بصوت متضايق اقرب الى الهمس: لو لم تحضر الى هنا.. وخدعتني بكلماتها.. فلن اسامحها ابدا.. هي لا تعلم كم انا متلهف لرؤيتها.. بأن تكون بخير وان لا تكون قد اصيبت بأي ضرر..
وراودته الشكوك بغتة.. ايعقل انها لم تتلهف لرؤيته بدورها؟.. ايعقل انها لم تهتم حتى بعد ان علمت انه لم يمت كما كانت تظن بل هو حي يرزق؟؟..
وارتفعت انظاره من جديد الى المدخل ليتطلع الى كل من يخرج ويدخل من والى المطعم..واحس بالضجر الشديد من هذا الوضع.. فأخرج هاتفه المحمول من جيب سترته واتصل بها.. وانتظر ان تجيب .. لكنها لم تفعل وانقطع الاتصال دون ان تجيبه.. فصك على اسنانه بغضب وهو يقول: تبا.. لو انك كنت تتلاعبين بي يا عهد.. فستندمين اشد الندم..
وارتشف رشفة من كوب الشاي الذي برد بسبب مرور الوقت الطويل عليه..واستند الى مسند المقعد وهو يحاول ان يهدأ اعصابه ويجد لعهد الاعذار و...
وبغتة رأى من يشبهها.. اجل فتى او شاب يشبهها لحد كبير.. لو لم يكن يعرف عهد لجزم بأنه توأمها او على الاقل شقيقها.. هل من المعقول ان يوجد تشابه في هذا العالم الى هذه الدرجة؟! ..
وارتفع حاجباه باستغراب وهو يراه يتقدم من طاولته ويقف في مواجهة مقعده تقريبا.. ليقول هذا الاخير تحت وطأة انظار فارس المذهولة: لماذا تتطلع الي هكذا يا فارس؟..
لحظة.. هل هذا صوت عهد حقا؟.. هل هذه هي؟.. ام انني اتوهم؟.. ما الذي يجعلها تبدوا على مثل هذه الهيئة؟..ما الذي اصابها؟..
واسرع يقف قائلا بدهشة واستغراب شديدين: عهد.. اهذه انت؟..
ابتسمت بتوتر قائلة: اجل..
واردفت وهي تتطلع اليه: لم تتغير كثيرا يا فارس.. سوى ان السواد اصبح يحتل ما اسفل عينيك.. وكأنك لم تكن تنم جيدا في الايام الماضية..
تأملها فارس بضيق من رأسها حتى اخمص قدميها ومن ثم قال: وانت تغيرت كثيرا.. بشكل لم اتخيله حتى..
قالت بارتباك: لهذا قصة طويلة..
اشار للمقعد المواجه له وقال ببرود: اجلسي .. واخبريني بها..
حاولت كعادتها تغيير دفة الحديث لتقول بعد ان جلست: لم تخبرني بعد.. ما هو الامر الذي استدعى وجودي هنا؟..
قال بابتسامة : على ما اذكر انت من طلبت ان نلتقي في هذا المكان..
قالت بحدة: اجل بعد ان اصررت على رؤيتي..
اتسعت ابتسامته وهو يقول: لا تزالين حادة المزاج كما عرفتك دائما يا عهد.. ولن تتغيري ابدا..
قالت عهد وهي تمط شفتيها بحنق: ولا تزال انت شخص ثقيل الدم ولن تتغير ابدا..
قال بجدية بغتة وهو يسند ذقنه على راحة يده: ما جاء بي الى هنا هو رغبتي في رؤيتك والاطمئنان عليك.. لكن بعد ان رأيتك .. اظن ان لديك الكثير لتخبريني به طوال فترة اختفاءك تلك .. خصوصا السبب الذي دفعك لقص شعرك الطويل وارتداء ثياب الرجال هذه..
اشاحت بنظراتها بعيدا وقالت باضطراب وهي تمسك باطراف غطاء الطاولة: لم يحدث ما يهم.. ثم انت الآخر كنت مختفي لاكثر من شهر.. لم اعرف فيه انك على قيد الحياة الا اليوم..
قال فارس بعصبية: لست انا من كان مختفي يا آنسة.. لقد ظللت ابحث عنكم لملايين المرات وفي كل مكان.. في المستشفيات ومراكز الشرطة.. وزرت موقع الانفجارات ربما لما يقارب عشرين مرة حتى ارى ان كان من يتردد منكم على منزله مثلي..لقد اخذت ابحث حتى يأست من ان اجد أي احد.. لكن ظهورك المفاجئ اليوم هو ما ادهشني.. اذا كنت على قيد الحياة طوال تلك المدة.. فأين كنت؟.. اين؟..
اسرعت تقول وهي تتلفت حولها: لقد اخبرتك اني كنت في منزل احدى صديقاتي.. ولا داعي للعصبية فقد لفت الينا الانظار ..
مال نحوها وقال بجدية: لست احتاج لقولك هذا.. اريد ان اعرف كل شيء.. وكل ما جرى لك.. بالتفصيل الممل..
زفرت بحدة وقالت وهي تتطلع اليه: يبدوا انني مجبرة على قول كل ما تريد.. فادرك جيدا انك لن تتركني وشأني الا بعد ان اخبرك بكل شيء..
اومأ برأسه وقال :هذا صحيح.. هيا تحدثي .. انا اسمعك..
عقدت حاجبيها بحنق.. قبل ان تبدأ بقولها: ما اذكره يومها هو صوت الانفجارات العالية التي ضجت المكان.. ولهيب النار الذي انتشر في كل مكان بالخارج.. كنت اشعر بالقهر لما يحدث.. اما والداي –رحمهما الله-.. فقد كانا خائفان..ويطلبان مني الهدوء حتى لا يعرف احد بمكاننا ..لكني لم استطع التحمل عندما تحطم زجاج النوافذ.. ادركت ان منزلا قريبا قد تحطم وربما يكون هو منزل عمي.. لهذا غادرت مسرعة المنزل وانا اشعر بخوف شديد و...
قاطعها فارس ليقول بابتسامة واسعة: كنت خائفة علي.. أليس كذلك؟..
قالت ببرود: لا اظنك الشخص الوحيد من اسرة عمي..
غمز بعينه قائلا: لكني المفضل عندك..
ضحكت بسخرية قائلة:ربما تكون الافضل في ثقل الدم فقط..
قال وهو يعقد ذراعيه امام صدره: لكن هذا لا يجعلك تنكرين انك قد هرعت جريا لرؤيتي والتأكد من سلامتي في الظلام الدامس..
هزت رأسها وضحكت قائلة: مشكلتك انك تثق بنفسك زيادة عن الحد..
واردفت بهدوء وهي تعتدل في جلستها: والآن دعني اكمل حكايتي بهدوء ومن دون مقاطعة.. فكما اخبرتك.. لقد خرجت لأرى البيوت من حولي قد دمرت وتحطمت ولم يعد بها الا بقايا احجار ورماد..لقد دمروا كل شيء.. شعرت بالقهر والالم والحزن وانا ارى منزل عمي –رحمه الله- قد دمر حتى آخره.. لكن حزني هذا تضاعف ملايين المرات وانا اسمع صوت التفجير من خلفي وارى منزلنا قد دمر حتى آخره بسببهم اولئك الاوغاد .. الـ...
شعرت بحشرجة في صوتها ولم تستطع ان تكمل ما بدأته فتوقفت عن مواصلة الكلام وهي تزدرد لعابها وتحاول التقاط انفاسها.. كلما استعادت ما حدث تشعر ان ذاك اليوم لن ينتهي ابدا من حياتها.. وكأنه الامس.. لقد قتلوا والداها امام عينيها..
اما فارس فقد تطلع اليها بحنان.. لقد عاشت كل ذلك وحدها .. دون ان يكون احد الى جوارها يشد ازرها..او حتى يمسح دمعتها.. كيف استطاعت ان تحتمل كل ذلك وحدها؟؟.. هو الرجل الذي من واجبه ان يصبر ويحتمل لم يستطع سوى ان ينعزل عن الناس.. ويفضفض همومه لصديقه.. اما هي .. فمن كان الى جوارها بعد ان رأت ذلك المشهد الرهيب امام ناظريها.. شيء قاس جدا ان تشهد موت من تحب امام عينيك..
وامتدت انامله لتمسك بكفها الممدودة على الطاولة وصوته قد غلب عليه الحنان وهو يقول: لا تقلقي يا عهد.. انا الى جوارك منذ هذه اللحظة.. لن تكوني وحيدة ابدا بعد الآن..
منذ متى كان فارس حانيا؟.. منذ متى كان يحدثها بمثل هذا اللطف والحنان؟.. هل هي شفقة منه؟.. او ربما لان ظروفهما مشابهة وقد مر بما مرت به..فبات يشعر بها وبما تعانيه .. لقد فهم دون ان تتحدث انها تشعر بالوحدة في هذا العالم.. ربما لانه قاساها في حياته..وخصوصا وانه وحيد مثلها تماما قبل ان يراها..
ورفعت انظارها اليه باستغراب..قبل ان تقول ببعض الارتباك وهي تجذب كفها في سرعة من بين انامله:وبعدها لم اعرف ما افعله.. ظللت اسير دون هدف.. حتى وجدت عن طريق المصادفة مجموعة من الناس تطلب من ينضم لفرقة المقاومة.. قررت الانضمام وقتها لانتقم ممن قتلوا والداي.. لكن ما جعلني اشعر بالقهر والغضب و الظلم انهم لم يسمحوا لامرأة بالاشتراك.. ولم يقبلوا سوى بالرجال.. لهذا اضطررت لتغيير هيئتي كما ترى .. حتى يسمحوا لي بالانضمام بيـــ...
تحولت ملامح فارس وهو يستمع اليها من الحنان الى الغضب والذهول ..وقاطعها ليقول معبرا عن غضبه واستنكاره بما سمع وهو يلوح بيده: لحظة.. لحظة .. ما افهمه الآن هو ان ابنة عمي العزيزة تشارك في فرقة المقاومة حاملة السلاح ..تحارب جيشا من الاعداء مع مجموعة من المتهورين.. وليس هذا فقط.. بل انها تعيش كشاب بينهم ايضا.. لقد فقدت عقلك بكل تأكيد..
اسرعت تقول مدافعة عن موقفها: هل اصبح الدفاع عن الوطن هو جنون هذه الايام؟؟..
صاح فيها قائلا وهو يضرب الطاولة بقبضته: اجل جنون.. جنون عندما تتنكرين في هيئة شاب.. جنون عندما تحاول فتاة حمقاء مثلك حمل السلاح لتواجه جيشا باكمله..ان كنت تفكرين في الموت يا عهد.. فهناك الف طريقة غير هذه ..
قالت عهد بعصبية: لا تصرخ في وجهي هكذا انا لست طفلة .. وأعي ما افعله جيدا.. انا فتاة ناضجة الآن ومن حقي ان اختار الطريق الذي اريد..
اتسعت عيناه ليقول بانفعال: أي طريق هذا ايتها الغبية؟.. العيش مع مجموعة من الشباب وحدك.. عهد لا تثيري غضبي اكثر من هذا .. سينتهي هذا الموضوع الآن..وستأتين معي هل هذا مفهوم؟ ..
هذا ما كانت تخشاه.. ان يرغمها على ترك فرقة المقاومة بكل بساطة.. متجاهلا رغباتها.. ولكنها لن تسمح له بالسيطرة على حياتها وعلى الطريق الذي اختارته ومضت فيه.. اجل لن تسمح له..
واسرعت تنهض من مكانها وتقول بصوت مختنق: كلا لن آتي .. ولن تجبرني على القدوم.. لقد اخترت الدفاع عن وطني .. والانتقام لموت والداي.. وسأستمر في هذا الطريق شئت ام ابيت ..طوال عمرك كنت تصرخ علي او تضربني حتى انفذ اوامرك.. لكن هذه المرة لن افعلها.. لاني لم اعد صغيرة .. وسأفعل ما اريد..لقد افسدت علي فرحتي برؤيتك على قيد الحياة ..كنت اعلم انك ستفعل هذا بي.. وستسيطر علي وعلى تصرفاتي منذ اول لحظة.. لكني حاولت ان اكذب نفسي واراك.. لانني حقا وحيدة وبحاجة لمن يقف الى جواري .. لكن ان كنت ستحركني كما تشاء.. فلا اريد احدا الى جواري.. اتسمع.. لا اريد..
والتفتت عنه محاولة الابتعاد.. لكنه اسرع بدوره ينهض من مكانه ويمسك بذراعها قائلا: انتظري قليلا يا عهد.. كلامنا لم ينتهي بعد..
التفتت له وقالت بغضب: ماذا تريد القول اكثر من هذا؟.. اتركني الآن.. والا سأصرخ واخبرهم انك تحاول سرقتي ..
قال بابتسامة باهتة: وهل تقبلين على ابن عمك ان يكون عرضة للشبهات؟.. بعد ان كان سعيدا بعثوره عليك بعد بحث طويل .. اجلسي الآن.. ودعينا نكمل حديثنا.. او ما رأيك ان نذهب بسيارتي..ونتحدث بحريتنا..
اسرعت تقول بحدة: كلا.. لست غبية لاركب معك في سيارتك لتأخذني حيثما تشاء و...
قاطعها في سرعة: اقسم لك اني لن آخذك الى مكان الا بعد موافقتك.. ما رأيك؟..
رأى التردد في عينيها فقال بابتسامة: عهد .. لقد اقسمت .. الا تثقين بي؟..
لم تجبه على سؤاله.. بل قالت ببرود: افضل الجلوس هنا..
شعر بخيبة من الامل.. لكنه قال متصنعا اللامبالاة: فليكن .. كما تشائين...
وعاد ليجلس على مقعده وانتظرها حتى احتلت مكانها بدورها.. وعهد قد بدأت تشعر بخوف حقيقي من ظهور فارس في حياتها من جديد..ولم تعلم ما الذي في يدها ان تفعله لو انه حاول ان يجبرها على ترك فرقة المقاومة..لقد بدأت تشعر انها ستقع في مشاكل كثيرة بسببه.. وقد بات وجوده خطرا يهددها في الفترة القادمة.. لكن مهما حدث.. لن تتركه يفرض عليها أي شيء كالسابق.. ستختار هي ما تريد.. وستمضي في اختيارها هذا وستتحمل عواقبه وحدها.. حتى وان ادى الامر الى الابتعاد عن فارس من جديد واختفاءها من حياته...
:
:
يتبع..
 
بــــ الحب(18) والواقغ ــــين
::وبدأت المشاكل::

(الى اين ذهب؟؟)
التفت هشام الى ناطق العبارة والذي لم يكن سوى عزام.. وقال بهدوء: تعني عهد..
اومأ عزام برأسه وقال متسائلا بضيق: اجل.. اخبرني الى اين ذهب؟.. وكيف سمحت له بالخروج بهذه السهولة؟..
اتخذ هشام مجلسه وقال مجيبا وهو يتنهد: لقد قال لي انه قد علم ان ابن عمه لا يزال على قيد الحياة وسيذهب لرؤيته..
قال عزام باستنكار وهو يتطلع الى هشام: لا تقل لي انك بكل سهولة صدقته..وتركته يذهب..
- اولا لقد اشارت سوزي بنفسها انه لم يتعاون مع السلطات البريطانية قبلا او...
قاطعه عزام بحدة: هذا لا يعني أي شيء.. ربما تكون سوزي متعاونة معه من البداية لحماية جيش بلادها.. او ربما قد ضغطوا على عهد بعد وصول سوزي الى هنا..
قال هشام بابتسامة: عزام.. انا لم انهي حديثي بعد.. شكوكك في محلها.. لهذا انا لم اترك عهد يخرج من هنا.. الا بعد ان ارسلت شخصا خلفه لمراقبته..وسيخبرني بكل ما سيفعله عهد بعد خروجه من هنا..
قال عزام وهو يزفر براحة: هكذا ارحتني .. صحيح ان عهد قد ساعدنا كثيرا.. ولكن هذا لا ينفي انه يتصرف احيانا بغرابة.. قبل ساعات فقط قد اطلق الرصاص ليجذب الانظار نحوه.. وكأنه يتعمد ذلك الفعل.. اتتوقع انها اشارة بينه وبينهم؟..
هز هشام رأسه نفيا وقال باعتراض: هذا مستحيل كيف لطلقة رصاص ان تكون اشارة.. نحن في حرب.. وملايين من الرصاصات سوف تنطلق.. ما فعله عهد يثير الحيرة بحق.. لقد تعمد اطلاق النار ولو ان القائد اعطى اوامره باطلاق النار على تلك المنطقة لكان الآن في عداد الموتى.. فعله هذا يثير دهشتي.. لقد خاطر بحياته متعللا بأنه خطأ لم يقصده.. وانا استبعد هذا الاحتمال..والسؤال الذي يدور بذهني الآن هو لماذا فعل ماقد يودي بحياته؟.. لماذا خاطر بنفسه؟.. لماذا؟ ..
قال عزام وهو يشبك اصابع كفيه: لا اظن انه سيجيب على سؤالك هذا..
قال هشام بابتسامة باهتة: ولا انا اظن ذلك.. ومع هذا سأتقاضى عن هذا الموضوع.. واتركه يساعدنا في مهماتنا القادمة بما لديه من معلومات في غاية الاهمية..
قال عزام بتساؤل وحيرة: ماذا تعني بمعلومات غاية في الاهمية؟..
نهض هشام من مجلسه .. ليلتفت له ويقول بابتسامة: انسيت؟.. لقد كان اسيرا هناك.. في المبنى البريطاني..
#############
كانت علامات الغضب والانفعال تبدوا واضحة للعيان.. على وجه مدير الجيش البريطاني.. وهو يتطلع الى عدد من قادة جيشه والقائد الاعلى ألكس..وصرخ فيهم قائلا: لابد وانكم مجرد مجموعة من الاطفال.. ومكانكم ليس هنا بل في احد المدارس الابتدائية.. حتى تتعلموا كيفية الانتباه جيدا والتعلم من اخطائكم في المرة القادمة..
اسرع ألكس يقول محاولا الدفاع عن موقفه: سيدي .. لقد عدت الى هنا محاولا حماية باقي الفرق.. لقد كدنا ان نفقد العديد من الجنود .. لكننا...
قاطعه المدير بثورة: بسبب غبائك يا ايها القائد.. بسبب حماقتك وتهاونك في ادارة هذا الجيش.. في البداية سمحت لاسيرة بالهرب.. والآن تتسبب في اصابة فرقتين ومقتل عدد منهم..
واكمل وهو يدير انظاره بينهم جميعا بغضب: استمعوا الي جميعا .. هذه الاشياء لن تتكرر مرة اخرى .. لا اريد تهاونا في العمل بعد الآن.. لقد كلفت فرقة منذ مدة بالبحث عن تلك الممرضة التي اختفت في ظروف غامضة.. لكن لم يفدنا هذا في شيء.. لهذا سأكلفك انت يا (مايكل) بهذه المهمة..
شد القائد من هامته وقال وهو يؤدي التحية العسكرية: امرك سيدي..
واكمل مدير الجيش وهو يلتفت الى جون: وانت يا جون ستكون المكلف عن البحث عن تلك الهاربة واحضارها الى هنا حية او ميتة.. لا يهم الا ان تمنعها بأية وسيلة من نطق حرف واحد لأي كان..هذا ان لم يكن قد فات الاوان بعد..
قال جون وهو يؤدي التحية العسكرية ويختلس نظرات لألكس: امرك سيدي..
واستطرد وهو يتطلع الى ألكس بضيق: وانت يا ايها القائد الاعلى .. امامك اسبوع واحد فقط.. ان لم تتمكن من القبض على مجموعة الحمقى تلك.. فستحال للجهات القانونية..
كور ألكس قبضته بغضب وقال وهو يحاول التحكم باعصابه: امرك..
هتف مدير الجيش بعدها بلهجة امر: انصرفوا الآن..
غادر الجميع تقريبا الغرفة بعد هتافه.. ما عدا ألكس وجون الذي ظل ينتظر الاول حتى يغادر..والتفت ألكس اخيرا وهو يهم بمغادرة المكان .. لكن قبل ان يفعلها القى نظرة على مدير الجيش.. نظرة كانت تحمل الكثير من الغضب والحقد الذي يحمله في اعماقه.. ربما لانه قد حمله مسئولية كل ما جرى للفرق اليوم.. مع انه قد حاول قدر استطاعته ان يقبض على فرقة المقاومة.. لقد فضل البقاء على ان يتراجع.. ولولا تحذير عهد له.. لما غادر المكان ابدا.. سحقا.. سحقا..
وصك على اسنانه بغضب وهو يلتفت عنه وعيناه هي عنوان لبركان من الغضب يسكن اعماقه في هذه اللحظة..ومن ثم يغادر مكتب المدير اخيرا..ليسير في الممرات متجها الى غرفته.. متجاهلا جون الذي يحاول الحديث اليه وتهدئة ثائرته..ولم يجد جون امامه من حل سوى ان يقف في طريقه ويقول بحدة: توقف واستمع الي يا ألكس.. انت لا دخل لك .. والمدير يعلم ذلك.. لكنه اراد ان يحملك مسئولية ما جرى و...
قاطعه ألكس ببرود: لقد انتهى هذا الامر..
- كلا لم ينتهي بعد.. صدقني يا ألكس.. المدير لم يجد احد ليحمله مسئولية ما يجري سواك.. مع انه هو الذي يلقي الاوامر على القادة هنا..
قال ألكس باهتمام: هذا لا يهمني الأن.. لكن لي رجاء عندك..
قال جون في سرعة: اطلب ما تشاء يا ألكس..
تنهد ألكس وقال وهو يتطلع الى جون مباشرة: بما ان المدير قد كلفك بالقبض على الاسيرة.. فأرجو ان تحاول القبض عليها حية.. هذا هو طلبي الوحيد الذي اطلبه منك..
عقد جون حاجبيه وقال بضيق: لا يزال امرها يهمك يا ألكس .. على الرغم من كل ما تسببه لك من مشاكل..
قال ألكس وهو يعدل وضع قبعته العسكرية بحنق: انت لا تفهم شيئا.. انها لم تسبب المشاكل ابدا.. بل انا من كان يسببها.. ولعلمك ربما كان لها الفضل في بقاءنا على قيد الحياة حتى الآن..
قال جون باستغراب: ماذا تعني بقولك هذا؟..
قال ألكس وهو يتجاوزه: لاشيء..
راقبه جون وهو يغادر المكان.. وتراقص شبح ابتسامة على شفتيه وهو يقول بصوت خافت: يوما ما قد افقد عقلي بسببك يا ألكس.. انت وتلك الغريبة..
############
كان الجو متوتر بينهما.. بعد ان اكتفيا بالنظرات والهدوء الذي يغلف الشوق والكلمات الكثيرة التي لم يتفوه بها أيهما للآخر بعد.. واخيرا جاء النادل ليسأل فارس ان كان يريد أي شيء آخر.. فقال هذا الاخير وهو يلتفت له: اجل.. احضر كوب من الشاي.. وقطعة كعك..
قالت عهد ببرود: لا اريد تناول شيء.. يكفي كوب من الماء..
لم يهتم فارس بما قالته وهو يقول بحزم: كما اخبرتك.. احضر كوب الشاي وقطعة من الكعك..
اومأ النادل برأسه وانصرف.. في حين قالت عهد بعصبية: لست اريد ايا مما قمت بطلبه.. فلا تحاول السيطرة حتى على ما اتناوله منذ اول لحظة لـــ...
قاطعها فارس بضيق: الا تنظرين الى نفسك؟.. لقد هزل جسمك كثيرا..
- هذا لا يعنيك..
- بلى يعنيني للانني ببساطة ابن عمك..
زفرت عهد بحدة .. واشاحت بوجهها لتقول بصوت متضايق واقرب الى الهمس:تافه ..ومسيطر..
سمعها فارس لكنه لم يأبه بما قالته.. واكتفى بحدجها بنظرات ثاقبة..فقالت هي محاولة قدر الامكان ان تجد حلا او طريقة لكي تمنع فارس من ان يتحكم في حياتها ويرغمها على ترك فرقة المقاومة: والآن.. ما الذي تريد قوله؟..
تطلع لها فارس بحاجبان معقودان.. واخذ يرشف من كوب الشاي الذي لم يستسغه بسبب برودته.. لكنه حاول قدر الامكان ان يتحكم في اعصابه وينشغل عن كلمات عهد بأي شيء آخر..
هو يعلم جيدا العواقب التي قد تخلف فرضه عليها ان تترك فرقة المقاومة وتأتي معه الى أي مكان آخر.. ربما ستحاول الهرب .. او ستحاول اذية نفسها حتى.. طوال حياتها كانت حمقاء .. لكنه ليس مستعد لأن يخسرها بعد ان وجدها.. لهذا سيحاول التنازل ولو قليلا لأجلها.. ربما حينها تتقارب المسافة بينهما بدلا من ان تتباعد اكثر..
وقال وهو يترك كوب الشاي ويستند لمسند المقعد: سانضم لفرقة المقاومة..
قالت عهد بعيون حائرة و التي بدا وكأنها لم تسمع العبارة جيدا: ماذا قلت؟..
عقد فارس ذراعيه امام صدره وقال ببرود: قلت انني سأنضم لفرقة المقاومة.. هه.. هل يعجبك هذا الحل؟..
قالت عهد في سرعة وتلقائية وهي تستنكر وجود فارس معها في ذات المكان: كلا .. هذا مستحيل..
احتد فارس وقال بعصبية: ولم؟.. هل ترينني احد الاعداء يا آنسة؟..
قالت باضطراب من عصبيته المفاجأة: كلا .. ولكنك.. ستعمل على السيطرة على تحركاتي هناك.. وكذلك لن يهدأ لك بال حتى تفضح امري بينهم.. وتكشف لهم ان من اشترك بينهم هي فتاة.. حتى يتم طردي..
هي تشعر ان هذا ما سيحدث فعلا لو انه قد جاء معها.. سيحكم عليها الحصار وسيمنع احد من التحدث اليها.. ولو رأى أي شيء لم يعجبه حتى وان كان بسيط.. فسيخبرهم بحقيقة امرها فورا بكل تأكيد..
اما فارس الذي ادار كلماتها في رأسه عدة مرات قال بهدوء: لن يحدث ذلك..
قالت وهي تميل نحوه وبصوت حاد: وما الذي يضمن لي ذلك؟..
قال وهو يزفر بحدة: خذيها كلمة مني..
قالت عهد بشك وهي تحاول ان تستشف من ملامحه ان كان يحاول خداعها: لست اثق بكلماتك..
هتف بها بغضب: عهد.. هل كذبت عليك في يوم لتقولي مثل هذا؟..
ارتبكت بشدة.. يكفيها ما هي به.. حقا يكفيها.. ألكس.. الفرقة.. موت والديها.. ضياعها.. والآن فارس ودخوله المفاجئ في حياتها.. وقالت وهي تطرق برأسها في ارتباك: لا .. ولكن..هذا الامر مختلف.. احتاج الى وعد منك.. بأنه لن يعلم احد في الفرقة بأني فتاة ابدا..
قال فارس بضيق وهو يهز ساقه بعصبية: ان كان هذا ما تريدنه.. فأنا اعدك بأنه لن يعلم احد هناك بأنك فتاة.. والآن هل يمكنني المجئ معك ام لا؟..
قالت وقد اسقط في يدها لم يعد لها أي خيار آخر: حسنا..
جاء النادل لحظتها ليقدم لهما ما طلبه فارس..فقال هذا الاخير وهو يتحدث الى الاول: احضر الفاتورة من فضلك..
اومأ النادل برأسه وهو يبتعد في حين اكتفت عهد بشرب الشاي.. وهي تتطلع اليه.. ربما لم تمنحه الفرصة ليعبر عن موقفه تماما.. معه حق في ان يمنعها من الاشتراك في فرقة المقاومة.. لكن من حقها ايضا ان تختار الطريق الذي ستكمل به حياتها ...
وبعد دقائق رانت على المكان قال فارس متسائلا وهو يتطلع اليها: هل انتهيت؟..
اومأت برأسها دون ان تعلق.. فقال وهو يتطلع الى قطعة الكعك التي لم تلمسها: وماذا عن هذه؟..
قالت وهي تمط شفتيها: اخبرتك بأني لا ارغب بها..
قال فارس وهو يضع النقود في المحفظة الخاصة بالمطعم: هذا افضل.. مخطئ من يهتم بأمرك..
قالت عهد وهي تشعر انه يحاول استفزازها: لم يطلب منك احد ذلك سيد فارس.. وكفاك تحكما بكل ما يخصني يا...
قاطعها قائلا: اكمليها.. وقولي اني شخص تافه..
واردف بضيق: مع الاسف يبدوا انك في حاجة لأن تتعلمي الادب وكيفية معاملة ابن عمك من جديد..
اثارها قوله فقالت بعصبية: علمه لنفسك اولا..
نهض من مكانه وقال ببرود: لست في حاجة لأن اعلمك الادب في مكان عام.. هيا انهضي ولنغادر المكان قبل ان افشل في التحكم باعصابي..ويصدر مني ما لا يعجبك..
نهضت عهد مرغمة وان اثارتها الى اقصى حد كلمات فارس لها.. في حياتها لم يتحدث اليها احد بهذه الطريقة.. وحتى فارس نفسه لم يكن هكذا.. ايكون السبب انني اصبحت الآن بلا أهل ما عداه هو؟.. ولهذا سيأخذ حريته بالتحكم بي كما يشاء.. كلا لا اريد ان اصدق ان هذا حقيقي ..ان هذا اكبر مخاوفي..
وانسحبت من المكان برفقة فارس وسارت خلفه على بعد مسافة بسيطة.. وقالت متسائلة وهي تراه يتطلع الى الشارع القريب من المطعم: هل سنذهب بسيارة اجرة؟..
قال بسخرية: هل فقدت البصر مع شعرك الذي قصصته؟.. سيارتي امام عينيك تماما..
شعرت بالاحراج من موقفها وقالت تتدارك موقفها: لقد ظننت انها قد تحطمت في الانفجارات..
هز كتفيه وقال وهو يدور حول مقدمة السيارة: كنت سأتحطم انا معها يومها لانني كنت بداخلها..
قالها وركب السيارة ليحتل مقعد السائق.. اما عهد.. فقد جلست على المقعد المجاور له.. واشعل الاول محرك السيارة قبل ان ينطلق بها..وهنا قالت عهد بهدوء: لا تنسى انا هناك شاب ولست فتاة.. عاملني وحدثني على هذا الاساس..
القى عليها نظرة باردة قبل ان يقول بلا مبالاة: لا يهمني..
ايتعمد ان يغيظها ام ماذا؟..قالت بحدة: ماذا تعني بأنه لا يهمك.. لقد وعدتني منذ دقائق فقط ان لا...
قاطعها وكأنه لم يسمع حرفا واحدا مما قالته: الى اين اتجه؟..
ازداد غيظها منه.. وقالت بعصبية مقلدة اسلوبه: لا يهمني..
ابتسم بسخرية وقال وكأنه لم يصدق خبرا : فليكن هذا افضل.. ما رايك ان اخذك الى احد الفنادق لتقضي ليلتك هناك و...
قاطعته هي هذه المرة وقد خشت ان يفعلها: اتخذ اول منعطف على اليمين..
اتسعت ابتسامته الساخرة لحظتها.. يدرك جيدا انها ستنقذ ما يطلبه منها اذا تعمد تهدديدها بأن يرغمها على ترك فرقة المقاومة ..
اما هي فقد غاصت في مقعدها بغضب وهي تعقد ساعديها امام صدرها.. تعلم ان فارس يستغل رغبتها في البقاء في فرقة المقاومة.. وسيظل يهددها بأن يكشف امرها مرارا.. هذا امر مفروغ منه.. احيانا اتمنى لو لم تظهر في حياتي من جديد يا فارس..
وسمعت فارس يعود ويسألها: والآن الى اين اتجه؟..
قالت عهد وهي تتطلع الى الطريق: الممر الضيق في الجانب الايسر..
قال فارس بضيق وهو يتحرك بسيارته في ممر ضيق بالكاد يستطيع تحريك سيارته فيه: اين يقع هذا المقر؟.. بداخل غابة ام في كهف؟..
وبغتة خطر على ذهنه امر ما.. فقال بضيق وبعض التردد: لدي سؤال اود ان اسألك اياه يا عهد..
قالت بسخرية: لم اعرف فيك الاستئذان..
تجاهل قولها هذا.. وقال باهتمام وضيق وهو يختلس النظرات اليها: اين تنامين؟..
ارتفع حاجبها باستغراب في البداية.. ومن ثم لم تلبث ان قالت بسخرية اكبر: على احد الاشجار في الغابة..
لم يكن ينقصني الا سخريتك..وصاح فيها قائلا: عهد.. اجيبيني الآن ولا داعي لان تختبري صبري..
قالت وهي تزفر بضيق: على اريكة في الردهة.. هل ارتحت؟..
قال متسائلا وهو يحاول ان يكبت غضبه: وحدك؟؟..
قالت وهي تجيبه بضيق واضح في صوتها: اجل.. وحدي..
ظهر الغضب هذه المرة في صوته وهو يقول: لكن هذا لا ينفي ان كل من هناك يراك وانت نائمة.. هذا غير انهم يوقضونك احيانا ولن يخجل احدهم من امساك يدك او...
قاطعته قائلة بحدة وعيناها متسعتان على آخرهما: لست اسمح لك..
قال بانفعال: ولم لا؟.. الست شابا بينهم؟..
صمتت وقد كرهت في قرارة نفسها ان تجادله.. تخشى ان يمنعها بعدها من ان تبقى في الفرقة..
ورفعت عيناها بعدها للطريق وقالت وهي تتنهد محاولة السيطرة على انفعالتها: اوقف سيارتك هنا.. سنكمل سيرا على الاقدام..
اوقف السيارة وقال بقسوة وهو يلتفت لها: حديثي لم ينتهي بعد يا عهد..انك بتصرفاتك الحمقاء هذه ستجعليني اصل الى الذروة .. واقسم لك منذ الآن انه لو حاول احد منهم ان يتجاوز حدوده معك.. لأفضح امرك على الفور ولا تلومين الا نفسك بعدها...
############
(هل فقدت عقلك يا سوزي ام ماذا؟)
قالها مارك بدهشة وهو يتطلع الى سوزي .. التي قالت وهي تزدرد لعابها: صدقني.. هذا افضل للجميع..
قال عندما شعر بجدية ما قالته: سوزي.. قرارك هذا ليس صائبا ابدا..انت تخاطرين بنفسك وبالجميع..
قالت في سرعة: بل احميكم بما سأفعله..
قال مارك بحدة: عودتك للمبنى البريطاني ستقتلنا ولن تحمينا..
قالت بنظرات متوسلة: مارك انا لن اؤذي احد فيكم.. اريد العودة .. حتى لا يشك احد في سبب غيابي الطويل.. انهم الآن يبحثون عني.. ولو وصلوا الى هذا المكان...
قال مارك مقاطعا بعصبية: سيصلون اليه بسهولة لو ذهبت اليهم بقدميك..
قالت بتوتر من عصبيته وهي تتطلع اليه: لن اخبرهم بمكاني.. سأقول لهم اني قد اصبت وكنت في احد المستشفيات او العيادات.. وعندما شفيت عدت الى هناك..
قال مارك باستهزاء: وسيصدقونك بكل سهولة..يالك من حمقاء.. اتظنين انهم لم يسألوا عنك بالمستشفيات؟.. بالتأكيد قد فعلوا ذلك لعشرات المرات..
قالت سوزي وهي تتنهد: سأقول حينها انهم لم يعرفوا عني أي شيء عندما كنت بالمشفى..
قال مارك بغتة وهو يضيق عينيه بشك: لماذا تودين العودة الى المبنى البريطاني يا سوزي؟..
اسرعت تقول حتى لا يفهم موقفها خطأ: صدقني حتى لا يتضرر احد منكم بسببي ويتهمونكم بأنكم اختطفتموني..لو عدت الى هناك سيعود كل شيء الى سابق عهده..
قال بسخرية وهو يجلس على احد المقاعد: انت تحلمين.. سواء كنت هنا ام لا.. فسيظلون يبحثون عنا.. ثم...
بتر عبارته.. واردف وقد تغيرت نظراته لها الى الحنان: ثم اني لا اريد ان افقدك يا سوزي.. افهميني.. لقد وجدتك بعد عام كامل من الالم والشقاء..فلم تفكرين بالهروب من جديد؟..
قالت بجدية: انه مكاني يا مارك.. لقد كنت هناك منذ البداية.. وجودي هنا هو الخطأ.. فلست اقوم بما يفيد..انا مجندة في الجيش البريطاني ومهمتي هي معالجة الجنود.. ولهذا اريد العودة حتى اكمل ما بدأته..
قال مارك وحاجباه يرتفعان بدهشة واستنكار: تريدين العودة لخدمتهم من جديد.. اولئك الذين دمروا بلادنا وقتلوا الناس بكل وحشية..
قالت سوزي بعصبية: ان من تتحدث عنهم هم ابناء وطنك ووطني..
قال مارك بحدة: صحيح انني احمل الجنسية البريطانية.. لكن شفيفي من سكان هذه البلاد.. وابدا لن اسمح لمن يظلم بأن يستمر في ظلمه حتى وان كانوا من ابناء الوطن..
قالت سوزي وهي تلوح بكفها بعصبية اكبر: فليكن ابقى هنا ودافع عنهم.. اما انا فأريد العودة..
قال مارك ببرود: قولي هذا من البداية.. انك تريدين العودة من اجل الولاء لوطنك.. وليس من اجل حمايتنا كما تدعين..
والقى عليها نظرة باردة وهو ينهض من مكانه .. وقال قبل ان يبتعد: لكن لن يتحقق ما تفكرين به يا سوزي.. لن يقبل به احد ابدا.. لقد اقنعت الجميع ببقاءك هنا مرة.. ولا تنتظري مني ان اقنعهم بذهابك.. ففعلك هذا قد يقتل الجميع.. ولن اسمح لك بذلك .. ان تكوني سببا في اذية أي منا.. اتسمعين؟..
تطلعت له سوزي وهي تعقد حاجبيها بضيق.. وراقبته وهو ينصرف.. وفي داخلها شعرت بالغضب لموقفه تجاهها.. لقد بدأت تشعر بالحنين الى هناك.. الى المبنى البريطاني.. الى مكانها الحقيقي.. تريد العودة اليوم قبل الغد.. فلم يمنعها؟.. صحيح انها كانت تفكر بالبقاء من اجل مارك.. لكنها بدأت تشعر ان وجودها هنا لا معنى له.. مكانها الحقيقي هو هناك.. هي لن تضر أي احدمن فرقة المقاومة.. ويمكنها ان تعد بعدم قول أي شيء.. لكن فليتركوها تذهب الى حيث مكانها الحقيقي.. تريد ان تكون هناك.. بين ابناء وطنها...
###########
استمع هشام بانصات الى محدثه عبر الهاتف المحمول.. وقال متسائلا باهتمام: اخبرني الآن كل ما حدث باختصار..
قال الرجل الذي على الطرف الآخر: وصل الى مطعم في البداية.. والتقى بشاب.. يبدوا انه قريبه فعلا فقد كان يشبهه في شكل العينين.. تحدثا لفترة.. ومن ثم رأيت عهد ينهض من مكانه بعصبية ويحاول المغادرة.. لكن اسرع الشخص الذي التقى به عهد بمنعه من ذلك.. واقنعه بالجلوس وظلا يتحدثان لفترة بسيطة قبل ان ينطلقا عائدين الى مقر المقاومة..
عقد هشام حاجبيه: اذا هما في طريقهما الى هنا الآن..
قال الرجل على الطرف الآخر: اجل..
- ولم تعرف ما الذي كانا يتحدثان به؟..
قال الرجل ببعض الاضطراب: اخبرتك ان عهد يعرف شكلي ولن يمكنني مراقبته عن قرب..
قال هشام وهو يزفر بحدة: حسنا .. حسنا .. لا بأس .. عد الى هنا الآن..
قال بهدوء: في طريقي الى المقر..
انهى هشام المكالمة بعدها.. والتفت الى عزام ليقول بتفكير: لقد كان يجلس مع شاب يقول انه يحمل بعضا من ملامحه .. وهذا يدل على انه من اقاربه حقا.. لا اظن ان عهد يستحق منا كل هذا الشك والريبة في امره .. اليس كذلك؟..
قال عزام وهو يتنهد: لست اعلم.. لكني بت اشك في امره بعد هروبه من المبنى البريطاني.. فكر فيها يا هشام.. هروبه غير منطقي ابدا..انهم ليسوا حمقى ليتركوا شخص واحد فقط مع اسير كان وسطهم ويعلم بموقع مبناهم.. يدركون جيدا انه قد يرشداحد اليه في يوم..
هز هشام رأسه وقال بحيرة: لست اعلم ما ينبغي علي فعله.. انه لا يزال صغير السن .. يثير شفقتي ما حدث له ولأسرته.. لا اريد لومه ان كان هذا ما حدث معه.. لكن احيانا يراودني الشك بأنهم قد ضغطوا عليه هناك ليزرعوه بيننا ويتركوه لينقل اخبارنا اليهم..
واردف وهو يمسك بذقنه بتفكير: ان كان هذا صحيحا.. فلم لم يعرفوا خطتنا اليوم؟.. كيف واصلوا طريقهم واصيبوا في افخاخنا؟.. هذا ينفي أي صلة لعهد بهم.. اليس كذلك؟..
هز عزام كتفيه قائلا: هذا ما ستثبته الايام لنا..
قال هشام بابتسامة باهتة: معك حق..
وما ان انهى عبارته حتى تعالت طرقات على باب المقر.. فاتجه اليه بخطوات سريعة بعض الشيء.. وتساءل قائلا بحذر: من؟..
جاءه من خلف الباب صوت عهد وهي تقول : انه انا يا ايها القائد..
ارتسمت ابتسامة باهتة على شفتي هشام وهو يفتح الباب ويسمح لهما بالدخول.. ونقل بصره من عهد الواقفة امامه بتوتر.. الى فارس الذي وقف يتطلع الى المكان بعينين متفحصتين.. وسأله هشام قائلا: اهلا بك.. الا تعرفنا به يا عهد؟..
التفت له فارس واجاب ببرود: ادعى فارس.. ابن عم عهد..
مد هشام يده وقال وهو يصافحه: تشرفنا بك.. وانا هشام قائد فرقة المقاومة..
تساءل فارس باستغراب: انت القائد؟.. لقد ظننته شيخا في الستين.. او رجل مفتول العضلات..
قال هشام بابتسامة: لا تصدق كل ما تراه في الافلام.. ثم لدي الخبرة وهذا يكفي..
قالت عهد في تلك اللحظة وهي تزدرد لعابها وتلتفت الى هشام: في الحقيقة.. ابن عمي فارس يريد الانضمام الى الفرقة هو كذلك..
قال هشام وابتسامته تتسع: مرحبا به بيننا.. وارجو ان لا يشعر بالندم لاختياره هذا..
قال فارس بابتسامة باردة: ارجو هذا انا الآخر..
تفرس هشام وجهه .. وشعر ان هذا الشاب لا يشعر بالحماس لانضمامه الى مقر المقاومة.. ربما فعل هذا لانه يريد ان يقدم شيء ما لوطنه ولكنه متوتر من الاخطار التي تتربص بكل من ينضم لهذه الفرقة..
والتفت الى عهد بعدها ليقول بهدوء: اريدك في غرفة المكتب يا عهد.. اتبعني بعد قليل فهناك ما اود سؤالك عنه..
اومأت عهد برأسها.. دون ان تنطق بحرف واحد.. في حين ابتعد هشام عنهما واتجه الى غرفة المكتب مع عدد من افراد الفرقة.. وبغتة شعرت عهد بيد تجذبها من ذراعها.. فالتفتت بدهشة الى صاحبها الذي قال مبتسما: ألن تأتي لترى خطة المهمة القادمة؟..
نقلت عهد نظراتها المتوترة بين عادل وابتسامته المرحة.. وبين فارس ونظراته التي تشتعل غضبا.. واسرعت تجذب ذراعها وهي تقول مجيبة باضطراب: سأنضم اليكم بعد قليل..
قال عادل وهو يكمل سيره: كما تشاء..
وابتعد هو الآخر عن المكان.. اما فارس فقد جاهد ليتمالك اعصابه وهو يمسك ذراعها ويشدها تجاهه ويقول بانفعال: افهمت ما اعنيه الآن؟؟..
توترت في شدة.. واسرعت تجاهد لتجذب ذراعها من قبضته قائلة: لم يحدث شيء..ثم اخفض صوتك حتى لا يسمعك احدهم وانت تحدثني بهذه الطريقة..
قال بعصبية وهو يزيد من ضغطه على ذراعها: انت لن تعلميني كيف اتحدث هنا .. هل هذا مفهوم؟.. سأتحدث كما يحلو لي..
قالت بحدة هذه المرة: هذا يكفي.. لقد وعدتني يا فارس..
واسرعت تجذب ذراعها بكل قوة لديها ..فقال فارس وهو يحاول قدر الامكان التحكم باعصابه: سأتقاضى عن هذا الامر.. اليوم فقط.. لكن صدقيني.. لو تكرر أي شيء بعدها .. فستخرجين من هنا في الحال..
قالت وهي تتلفت حولها بقلق: حسنا .. حسنا لكن اخفض صوتك ارجوك.. لا اريد لاحد هنا ان يستمع اليك..
رمقها بنظرة باردة اقشعر لها جسدها .. قبل ان يقول بسخرية واستهزاء: هذا فقط حدث خلال الخمس دقائق الاولى.. فلنرى بقية هذه المهزلة حتى نهاية هذا اليوم..
ازدردت لعابها بتوتر.. تكاد تعض اصابعها ندما على اصطحابها فارس الى هنا.. انه اكبر مشكلة ستواجهها في هذا المكان.. انه يتحدث اليها وبكل حرية على انها فتاة.. سينكشف امرها قريبا بكل تأكيد بسبب هذا التافه..
اما فارس الذي تتطلع اليها بضيق.. ابتعد عنها بضع امتار واتخذ مجلسا على احد المقاعد وهو يزفر بحدة.. تلك الحمقاء لم تسمح لي بأن اقول انهم يتجاوزون حدودهم معها.. وعندما رأيت ذلك بعيني قالت ان شيئا لم يحدث.. كيف تفكر تلك الغبية؟.. أي عقل تملكه في رأسها؟..
وقاطع افكاره.. صوت رنين هاتفه المحمول.. فالتقطه ليرى ان حازم يتصل به.. بكل تأكيد يريد سؤاله عما حدث له.. لا اعلم بم اجيبك يا حازم.. هل اقول لك انني وجدت ابنة عمي اخيرا .. لكن يبدوا وان ما اصاب والديها جعلها تفقد عقلها الى درجة الانضمام الى فرقة المقاومة.. وانا الآخر جاريتها وتركت لها الحرية في البقاء.. وانضممت بكل حماقة الى هذا المكان.. ربما من اجلها.. تلك التي لا تستحق الاهتمام..
ورفع ناظريه اليها .. ليراها تستند الى الجدار بضيق وهي تعقد ذراعيها خلف ظهرها.. وتفكر في امر ما.. رغم كل شيء يا عهد.. لا زلت احمل لك جزءا كبيرا من الاهتمام..
وارتسمت ابتسامة باهتة على شفتيه وهو يجيب على الاتصال قائلا: اهلا بك يا حازم..
قال حازم بلهجة مرحة: اهلا اهلا بفارس .. اخبرني كيف سارت الامور؟..
من سيء الى اسوء.. قال فارس مجيبا مصطنعا الهدوء: لقد تحدثت اليها ورأيتها مؤخرا.. كل شيء على ما يرام تقريبا.. لا تشغل نفسك..
قال حازم وهو يرفع حاجباه باستغراب: ولم تقولها بمثل هذا البرود.. اين حماستك يا اخي؟.. لقد كدت ان تبكي كالاطفال عندما وجدت رقم هاتفها لك فقط.. فماذا عساك فعلت عندما رايتها؟..
قال فارس بحنق: ما الطفل الا انت.. ثم لقد رأيتها واطمأننت على انها بخير.. وهذا يكفيني..
قال حازم بمكر: لقد حدث امر ما قد ضايقك.. اليس كذلك؟.. وهذا الامر يعنيها هي.. والا ما تحدثت عنها هكذا؟..
قال فارس بصوت منخفض قليلا: هذا صحيح.. لكن .. لا استطيع اخبارك باي شيء الآن.. سألتقي بك غدا بعد العمل.. وسأخبرك بالتفاصيل..
ابتسم حازم وقال: توقعاتي لا تخيب.. فليكن.. ولكن كل التفاصيل.. اتفقنا؟..
قال فارس بسخرية: من قال انك تشاهد نشرة للاخبار.. يكفيك موجز مما حدث فقط..
قال حازم بمرح: لا اظن انك سترتاح قبل ان تخبرني بكل شيء..
قال فارس وهو يسند ظهره لمسند المقعد: حسنا.. ولكن دع هذا للغد.. الى اللقاء الآن..
قال حازم باستنكار: ما هذا؟.. لأول مرة تنهي المكالمة بيننا بمثل هذه السرعة؟..
واردف بخبث: لا تقل لي ان السبب هي ابنة عمك تلك.. اتعلم ازداد شوقي لكي اراها تلك التي قلبت كيانك هكذا..
قال فارس باستنكار: يبدوا انك متعب وقد بدأت بالهذيان.. اذهب واخلد للنوم افضل لك.. مع السلامة..
قالها واغلق الهاتف دون ان يسمح أي مجال لحازم بالاعتراض.. اما هو فقد رفع ناظراه من جديد الى عهد..اما هي فقد التفتت اليه بضيق.. وحينها التقت انظارهما للحظة.. دون ان يدرك اياً منهما ان اقكارهما كانت متشاركة في تلك الاثناء.. فقد كان لسان حال كل منهما ينطق قائلا: ( يبدوا ان المشاكل قد بدأت.. منذ الآن)
:
:
يتبع..
 
الوسوم
الحب بــــ روايه والواقع
عودة
أعلى