لوحات شعرية من التراث النابُلسي


حلاوة الزلابية
لوحات شعرية من التراث النابُلسي

عَجَنَ العجينةَ بَكِّرا
في الصبح لما أسفرا
وغدا يُقطِّعُ بَعضَها
قطعاً وكانَ مُقدِّرا
ومضى يُعدِّل شكلَها
حتى يصيرَ مُكوَرا
أَخذَ العجينَةَ صفَّها
صفَّاً فصارَت أَسطُرا
فكأنَما هي جَيشُه
مِنها أعدَّ العَسكَرا
كان اشترى من قبلها
قرعاً كبيراً أصفَرا
ومضى يُشرِّحُ بَعضَه
واختارَ مِنهُ وقشَّرا
ألقاهُ في قِدرِ النُحـــا
سِ أضافَ فيهِ السُكَّرا
والنارَ أشعلَ تحتهُ
والقِدرُ كانَ مُقعرا
طبَخَ الحلاوةَ عاقِداً
واللونُ أصبحَ أشقَرا
وأَتى وكوَّمَها على
صدرٍ فطابت مَنظَرا
وغَدت كتلٍ لامعٍ
تِبراً تألَّق أبْهرا
وَبَدا يفوحُ عَبيرُها
فَوْحَ النسيمِ مُعطَّرا
سُبحانَ ربي قدَّرا
فالقرعُ أصبحَ عَنبَرا
***
بالزيتِ بلَّلَ راحةً
فوقَ العجينةِ مرَّرا
وَغَدا يُبسِّط ُضاغطاً
وَمُوَسِعاً ومُكبِّـرا
والشكل صار مثلّثاً
مُتساوياً ومُسطَّراً
وأتى برشَّة قزحةٍ
فوقَ العجينةِ ناثرا
ومضى يُحضِّر نفسهُ
رَفَع الكِمامَ وشمَّرا
والزيتُ سعَّر نارَهُ
حتى غَدا متكدِّرا
ألقى العجينةَ فاختَفتْ
غَطَسَت وصارَت لا تُرى
فالزيتُ حوَّطَ جِسمَها
منه اعتراها ما اعتَرى
غطَّى عليها وانطوى
قَد كانَ مِنها أشطَرا
والكلُ نالَ نصيبَهُ
والأمرُ كانَ مقدرَّا
وطَفَا بها حمُّ الهوى
للسطحِ , صارَت أكبرا
نَظَر المُعلِمُ نظرةً
في القَليِ كانَ الأخبَرا
ودَنا وراحَ مُتابعاً
وَمُقلِّباً ومُحمِرا
وأتى بسيخٍ ناشِلاً
ما صار منهُ أحمرا
وبدت كبدر ساطع
لمعَ الجمالُ ونوَّرا
قد زَانَ حُسْناً خدَّها
خالٌ عليه تبعثرا
لما تأمَّلَ وجهها
زمَّ الشفاه وصفَّرا
ومضى ينطنِطُ فرَحةً
بيديهِ أشرَّ شبَّرا
وغدا يُنادي قائلاً
يا بختَ مَن مِني اشترى
ستطيرُ يا ناسُ الحقوا
قد أُعذر مَن أنذرا
***
عشقُ الزلابية إِعترى
من ذاقَها أو كررا
قد شاع طيِّبُ مذاقها
بينَ المدائن والقُرى
مِن صنع نابُلسَ التي
عمَّت محامدُها الورى
زوادةً حـمــل الأُلــى
في بيرقٍ فيهم سَرى
بِمقام موسى خَيَّموا
نَشروا المضارِب للذُرى
في موسم تَوقيتُه
وَقْعُ الرذاذِ مُبشرا
بقدومِ نيسانَ الذي
فيهِ الربيعُ أزهرا
***
وصَّفتُ أوجهَ صنعها
شعراً وكنتُ مُصوِرا
صورتُه بمحله
كانت لديَّ الكَمِرا
وابتعتُ منهُ حلاوةً
وأخذتُ منهُ الجَوهَرا
وأكلتُ منها لقمةً
لم أستطِع أن أصبِرا
قد كنتُ أعرف جَدَّه
بجوارِنا قَد عمَّرا
من أجلِ جيرانِ الرضى
رفضَ الفلوسَ اعتذرا
فأذنتُ منه شكرتُه
ودعتُه لأسافِرا
وأخذتُ صورتَهُ مَعي
وَوَعدتُهُ أن أنشُرا
 

نابُلس يا بلد الحسان
سبحانَ رَبي قد بَراك وجمَّلا
فيكِ الحلاوةُ والطلاوةُ أُنزِلا
نابُلسُ يا بلدَ الحِسان تزيَّنَت
غزلانُك الحلواتُ يا ريمَ الفَلا
القلبُ فيكِ تحرَّكَت أوتارُه
والله أعلمُ كيفَ كانَ تحمَّلا
لا تعجبي إني أقولُ حقيقةً
ما كنتُ يوماَ بالمديحِ مُجامِلا
أحسستُ في قَلبي مُداعبةَ الهِوى
أطلقتُ شعري في هواكِ مُغازلا
"لكِ يا منازِلُ في القلوبِ منازلٌ"
نابُلسُ فينا قد حللتِ منازِلا
 

أم الجبلين
لوحات شعرية من التراث النابُلسي

سألوني الناسْ وقالوا منين
قلتْ من نابلِس أم الجَبَلينْ
جبَل عيبال وجبَل جَرزيم
والستْ سليميه وراسِ العينْ
قالوا لي يَحيا جَبَل النار
وتحيا رجاله الشَهَمه الزينْ
يحيا صمودُه سِنين وسِنين
وجرُحه دامي عَسِّكْينْ
وتاريخُه إحنا عليه شاهدين
وشيخ العماد ومجير الدينْ
يا نابلِس إنت أم الخير
واجب عَلينا نسِد الدَينْ
وواجبْ علينا نكونْ حاضرين
ونلبي ونقولِك جايينْ
نابلِس يا وطني أُم الخير
الله يحماكِ قولوا آمينْ
 

منقل النار
لوحات شعرية من التراث النابُلسي

يا مَنقَل النار ياللي جَمَعت العيالْ
حواليك إيام هَداة البالْ
إيام ما كُنا إنْعمرَك بالدُق والفحم
ونُنْفُخْ عَليك تَنْخَلي اللهب شَعّالْ
ولما نيجي من بَره نُرجف مِن البَرد
بندفِّي إيدينا فوقَك عَلِهُبَّالْ
ونحُط إبريق الشاي على جَنب النار
ويطلع الشاي مَزبوط وعال العالْ
ونقمِّر الخُبُز على ظَهر مَنصَب حَديد
شكلُه مدوَر ورجليه شوَيِّه طوالْ
وكنا ندفِن في النار الجُبنة في الشِتا
وناكُلها مع الخُبزِة والبُرتُقالْ
ونشرِّح الكستنه ونشويها فوق تَنِكه
وتفرقِع على النار وريحتها تِشرح البالْ
وننشُلها بالإيدين من فوق المنقل
ونحرقْ أصابعنا ويقولوا عنا جهالْ
ولما نِشوي الكنافة عَلى النار
يتجمعوا حَولين المَنقَل الأطفالْ
وكانوا الكْبار يحبوا يِعمَلوا قهوتهُم
ويتفنَّنوا فيها ألوانْ وأشكالْ
ويحمصُوا البُن عَنَارْ هاديه
حتى يصير لونُه للسَّواد ميالْ
وتفوح ريحتُه لآخر الدُنيا
تفحفِح القَلب وتجمّع الرجالْ
ويطحَنوه بمطاحن نحاس عَلْ إييد
وينعموه برواقًه وطولِةْ بالْ
ويْرَكّبُوا القهوه عَمَنْقَل النار
ويغلوها مَع السُكَّر وحَبْ الهالْ
ويخلوها لما تقرِّب تفور
ويرفعوها عَن النار بالحالْ
ويرَوقوها ويصبوها بالفناجين
ويرشفوها ويغنولها مَوالْ
والقَهوَه رَمْز الضيافة والكَرَم
وبقدموها بِكُل مُناسَبه واحتفالْ
والناس بِحبوا يُقعُدوا علمَقاهي
يتسلوا لما يكونوا فاضيين أشْغالْ
ويولعوا الفحِم للأرجيله بالمَنقَل
ويعلوه عَرَّاس بمَلقط بسلسالْ
وتْكَركِع المَيه لما يشفطوا النَفَس
وينقلوا البَربيش ما بين اليَمين والشمالْ
والرجال الكبار يتحدَّثوا مع بَعَض
عن الدُنيا والولادْ والعيالْ والأعمالْ
وآخر الليل يسهَروا مع الشاعر
يسمعوا قصة أبو زيد وبَني هلالْ
وبالنسبِة للستات كان إلهم عالمهُم
ووضعهم كان يِخْتِلف عن وضع الرجالْ
ولما يُقعدوا يتسلوا مَعْ بَعَض
ما ببطلوش حَكي وقيل وقالْ
وبفتَحوا البخت بفناجين القَهوة
وبقولوا في حيه بالفنجان راسها طالْ
وبقولوا في غيمه بس في طاقة فَرَج
ومبيّن ْ بالفنجان جاي رِزقه ومالْ
ويْمَيلوا راسهم ويْعدْلُوا الفنجان
علشان يشوفوا عَلَفِيْن الحظ مَيالْ
ويعملن حالْهِنْ شاطرين بعلم الغيب
والغيب علمُه عند الله والمُدَّعي دجالْ
وزمان كانوا الناس لبعضهم مُخلصين
وقلوبهم كتير طيبة ورزقهم حَلالْ
وأهل نابلِس بحبوا كُترة الخلف
وبتجمعوا مَع العيال وِعيال العيالْ
وبجتمع الأَب و والأمُ والولاد
ومعاهم الأجداد والعمام والخوالْ
وكانوا الناس حاطين أعصابهم بتلاجة
صبورين وهاديين وحبالهُم طوالْ
وكان قليل منهم يلبسوا بناطيل
وكان الرّجال يلبس قُمباز وسِروالْ
وكان الرّجال يغطي دايماً راسُه
بطاقيه أو طربوش أو حطّه وعقالْ
وكانوا الكبارْ يحكوا للصغار القصص
والحكايات ويضربولهم الحِكْم والأمثالْ
وكنا مرات ننعس عند منقل النار
أو نعمل نعسانين ومكنّاشْ قْلالْ
ويحملونا أهلنها لقلب الفراشْ
يبوسونا ويغَطونا وِنّام بالحالْ
كانت أيامانا حُلوة وبَسيطة
مربَّيين بالعِز وعايشين بالدَلالْ
وأهل القُرى كانوا يولعوا الحَطَب
لما يكون عِندهم فَرح أو احتفالْ
ويقولوا هَبَت النار والبارود يْغنَّى
ويُرقصوا الدَبكِة ويلوحوا بالشالْ
ويطَخْطِخوا بالبواريد في السّما
كانهم بمعركه ونازلين للقِتالْ
وهادي يا نابلِس قصة مَنقل النارْ
والليل عليكِ يا نابلِس طوَّل وطالْ
ولا بد يوم يِطْلعْ من النار النور
وسبحانُه ربنا مغيرّ ْ الأَحوالْ

 

مْعَمِر بوابير الجاز
لوحات شعرية من التراث النابُلسي

مْعَمِر بوابير الجاز البْريموسْ
بحمل معاه شوية جُلَدْ وموسْ
وبحمِل طَرابيش ومكوى اللحام
علشان يلحم أماكن التنفيسْ
وبحمل زبانات وروس وزراديه
وإبر للنكشْ رُفع راس الدبوسْ
وكلبونِه ودروَزه بصلحوا بالدكاكين
وأبو صليحه بنابلِس بلف وبِحوسْ
وبنادي بَعمِّر بوابير الجاز
وبلحِم الطاساتْ وبغيّر الروسْ
ومصلح البوابير بِتعلم بالخبرة
ما بدخل مَدرسِه ولا باخد دروسْ
وبِدُكّ البابور علشان يفحَصُه
ويتأكد إنه بضَلْ بالهوا مَتروسْ
وبتأكد إنه الجلدِه مُش ناشفه
وبملِّسها بِشوَيِّة زيت تمليسْ
وبشوف إذا الرجلين مطَعوَجه
ولازمها تَزبيط أو تجليسْ
ويتأكد إنه الراس مش خَربان
ويغيره لما يكون الأمر منُه مَيؤوسْ
ومرات يْروحْ اللهبْ يمين وشمال
وتصير الشُعله ضعيفِه ومنوسه تنويسْ
ولما تنسَد زبانة راس البابور
من وسخِ الجاز اللي في قَلبُه مَحبوسْ
ينكُش المصلح الراس بالإبره
ويهب اللهبْ منُه زي المهووسْ
وينزلوا بالبابور دَكْ يحمُّوه
لما ما تستويش مَعهم طَبخِة الروسْ
ومرات يفقَع من الضغط البابور
وكتر الضَغط بفقعْ النْفوسْ
ومْعَمِّر البوابيرْ كان مِتخصص
بتصليح البَوابير والقناديلْ والفوانيسْ
وكان بأجِّر كهارب للحفلات
لما يكون في حَفلِة عريس وعَروسْ
ودايما مشغول طول أيام الأسبوع
بس أكثر الشغل كان يوم الخميسْ
وراح زمن بَوابير الجاز وانتهى
لما توفَرت الكهربا والغاز صار رخيصْ
 

وادي البادان
لوحات شعرية من التراث النابُلسي

يا واديَ البادانِ ماؤُك طابا
إني عَشقتُ التوتَ والعُنابا
شلالُك الوضّاءُ يَجري حالماً
مُتدفقاً بصباَبةٍ صَبابا
قد جاءَ من مُزْنٍ تَجمَّع والتَقى
وأتى لعيبالٍ هَمى وأصابا
وارتاحَ فوقَ هضابِه وسُفوحِه
ألقى الحُمولَةَ ثم صارَ ضَبابا
وتَخَزَّنَتْ تحتَ الصُخورِ مياهُهُ
وتَفجَّرتْ منها العيونُ شَرابا
فكأَنه في الذكرِ أُنزلَ ذِكرُهُ
يَسقي كَعينِ السَلسبيلِ رُضابا
صافي الموارِدِ من جبالٍ حُرَّة
سَكَنَ الربيعُ رُبوعَها مِحرابا
ألقى نضاَرتَه عَليها حُلَّة
فكسى السُفوحَ بها وزانَ هِضابا
الفُلّ فَاضَ عبيرُه برياضِها
والوَردُ قدّم نَفسَهُ إعجابا
والنحلُ كوَّن شهدَه من زَهرها
لَثَمَ الورودَ وقَبَّلَ الأعشابا
وجميعُ ألوان الفَراشِ تناثرت
أضفت عَليها مَنْظَراً خلاّبا
وتناغَمَت فيها البلابِلُ في الضحى
بين الزهورِ تُغازِل الأترابا
وتطايرت كلُّ الطيورِ وحلَّقت
وتجمّعت وتشكّلت أسرابا
وبها الحسانُ تألّقت بجمالها
تَغزو القلوبَ وتَسلُبُ الألبابا
يا واديَ البادانِ أشكو لَوعتي
قد جاءَني منك الهوى غلاّبا
فلقد أُصِبتُ من الغرام بِنظرةٍ
منها وَقعتُ وما حَسِبتُ حِسابا
القلبُ يَعشَقُ والغَرامُ مُقدّرٌ
والعينُ تفتَحُ للهوى الأبوابا
يا واديَ البادانِ حُبُّك عارمٌ
قلبي من الشوقِ المُبرِّح ذابا
أنشدتُ فيكَ الشِّعرَ صُغتُ قصيدةً
غنيتُ فيها الميجَانا وَعَتابا
ورأيتُ ماءكَ خارجاً متدفقاً
بين الخَمائلِ جارياً مُنسابا
فملأت كَفيّ وارتويتُ برشفةٍ
بلتْ عُروقي فانتشيتُ شَرابا
يا واديَ البادانِ فرَّقنا النَوى
قد كنتَ دَوما تَجمَعُ الأحبابا
لو نالني من عذبِ مائِك شربةٌ
لرجعتُ مِن حُبي إليكَ شَبابا
ذِكراكَ تتبَعُني وتسكُنُ مُهجَتي
تركت بنفسي حُرقَةً وَعَذابا
أحببتُ فيكَ مآربا قضيتُها
فكتبتُ مِن شوقي إليكَ خِطابا
يا واديَ البادانِ نَفسي قد هَفَت
لِمُسخَّنِ الطابونِ لذَّ وطابا
سَلِّم على العُناب في أغصانه
واقرئ سلامي التينَ والأعنابا
حيِّ الشباب وحيِّ أيامَ الصبا
بلِّغ وحيِّ الأهلَ والأصحابا
لوكنتَ تُرسِلُ من عبيرِكَ نَسمةً
حملتها قلبي إليك مُذابا
حَمَّلتُها شوقاً إليكَ يفيضُ بي
أنا لا أُحَمِّلُ يا حَبيبُ عِتابا
أشتاقُ أن أردَ المنابعَ منهلاً
وأشُمَّ من طيبِ الأديم تُرابا
فيعودُ ماؤك في دمائي دافقاً
إن أنت لم تُسعِفْ غدوتُ يبابا
فارحمْ فقد جفَّ الرحيقُ بمُهجَتِي
يَجزيكَ من رحِمَ العبادَ ثَوابا
سأعودُ في فصلِ الربيعِ لأرتوي
من عذب مائِك أشربُ الأَنخابا
إن لم يَعُد جِسمي سأرجع في الرُؤى
أسعى إليكَ أُقبِّل الأعتابا
يا واديَ االبادانِ جَددْ عَهدَنا
فلقد شَبِعنا غُربَةً وَغِيابا

 

يا رُمان راسْ العين
لوحات شعرية من التراث النابُلسي

يا رُمان راسْ العين
قوموا لانغَنِّيله
يا رُمان راسْ العين
مِضوِيه أناديلُه
يالْلي معنْطَس على إمُه
حامل ياقوت ولولو
يا رُمان راسْ العين
ما في زَيُّهُ ومثيلُه
الله خَلقِك يا حِلوه
دخيلُه ربِّك دخيلُه
واللي حبِّك مِن قلبُه
ما تبخَلي بتَدليلُه
وحُطي إيدك بإيدُه
ومنديلِك عَمَنْديلُه
يا رُمان راسْ العين
يالْلي محافِظ عأصولُه
يالْلي خدودُه زي الوَرد
ها المليسي ياحْليلُه
و يا رُمان راسْ العين
يسلم هالحلو طولُه
ومن رُمان راس العين
للغالي بنهديلُه
قطف الرُمان بإيده
لما استوى محصولُه
قعد يتغزل هيمان
ويغني ويغنيلُه
راح للحلوه يهديه
وضُمّه ولفه بمنديلُه
وأخذْ حظُّه ونصيبُه
واللي بتمنوا ينولوا
والله يكتِّر الحلوين
بجاهُه رَبِّك وَرَسولَه
ويتهنوا كل الأحباب
ويُشكروا فضلُه ويدعولُه
و يا رُمان راسْ العين
أوموا لا نْغنِّيله
***
يا رُمان راسْ العين
وشو بدنا نقُلُّه ونحكيلُه
إجا يسأل عن حُبه
وقلب العاشق دليلُه
رجع من بعدِ الغِياب
ما حدا إجا يغنيلُه
وراحو ا الأهل والأصحاب
واللي كانوا من جيلُه
وما في حدا غير ربُه
يلجأ إله ويشكيلُه
حامل في قلبه حُبُّه
ومش قادِر عَتَوصيلُه
وقف خَبَّط على الباب
ما حدِشْ فتح زرفيلُه
تسكّرَت الدُنيا بوجُه
وصار نهارُه مثل ليلُه
لقي القِرد عَطْحينُه
قاعدلُه ولاطيلُه
لو كان بِطلعْ بإيدُه
لمسكُه وشحَطُه مِن ديلُه
لو كان بِطلعْ بإيده
للَعْنلُه سَنْسَفِيلُه
مش قادِر ياخذ حَقُه
ويشفي منهُ غليلُه
تعكر دمه من هالحال
نزل واقع من طولُه
فقع الرمانْ تفجَّر
وما حدا شعّلُّه فتيلُه
نزل عصيرُه أحمر
وصاروا دماتُه يسيلوا
حَمَلُوه عكتافِ الشَباب
وصار الكُل يغنيلُه
جمعولُه غُصون الرُمان
وعملولُه منها كليلُه
***
الكل بيحكي عالسلام
وما في نيِّه لتفعيلُه
وبتذرعوا بالأسباب
حتى يبرروا تأجيلُه
والْلي عاوز السَّلام
ما بِعمل على تفشيلُه
والْلي عاوز السَّلام
بسعالُه وبمشيلُه
وما بيجي من احتلال
ودَم العالم تحليلُه
والْلي بعالج مُشْكل
لازم يرجع لأصولُه
وما يخلِط بالإعراب
بين الفاعِل ومَفعولُه
و يا رُمان راسْ العين
ما في زيُه ومثيلُه
فقعْ على إمه الرُمان
وما حدا شعّلُه فتيلُه

 

عْينتْيني يِسعْدَكْ ربك
لوحات شعرية من التراث النابُلسي

كان بنابلِس رجال يسموه عينتيني
لسانه ماضي وبإيده يمسك جرس رنان
وكان في الستة وثلاثين دمه فاير
والتحق يحارب مع الثوار في الميدان
وكان عينتيني جرئ وما يهاب الموت
ومحسوب ضمن النشامى الشجعان
وفي يوم كان هاجم وضربته بمبه
ونتيجتها طارت منه الرجلين والسيقان
وراحت رجليه اللي كان بوقف عليها
لكنه ظل واقف صامد يتحدى الزمان
وكان عينتيني يلبس جكيت رمادي
وهوَّ وجكيته ما عمرهم يفترقان
ويلبس طاقيه صوف بشرابه على راسه
ويخليها صيف شتا حران أو بردان
وحواجبه زي البرواز فوق عيونه
إللي زي عيون الصقر بتلمع لمعان
وكان عينتيني دمه خفيف كتير
والناس يمزحوا معاه وهو بالنُكْتِهْ فنان
وشاطر بترويج أفلام السينما والبضايع
وعامل إذاعه متجوله للدعاية والإعلان
وكان زعيم أدب الشارع النابُلسي
واصطلاحاته لا زالت بترن بالآذان
وكان يركب بقلب عربايه خضره
ويتنقل فيها رايح جاي وين ما كان
وكان يجر العربايه شخص اسمه محمد
(درويش) وعنيّاته مسكين غلبان
وكان عينتيني محكوم للقمة العيش
وما حيلته في الدنيا غير هالتُّمْ واللسان
وغالبية الأيام كان يمر يمدح الناس
ويرن جرسه النحاس مرتين قدام كل دكان
ويقول روح عينتيني يسعدك ربك اللي خلقك
وما يورجيك ربك زُل أو حرمان
وكثير من الناس كانوا يحنُّوا ويشفقوا عليه
ويعطوه إللي فيه النصيب ويقدموله الإحسان
ولما يمر عينتيني ومحمد في الشوارع
يلحقوهم ولاد نابلِس كأنه ماشي كرقان
والولاد ولاد كما هي دايما العاده
ومنهم الآدمي والبعض منهم كان شيطان
ومرات يغافلوا محمد وينكشوه ويهربوا
وينبسطوا لما اتقبع معاه ويصير زعلان
ولما ينكشوه كان يترك ويرمي إللي بإيده
ويلحق الولاد أسرع من الصاروخ هيجان
وبقولوا إنه عينتيني نزل يبهدل في واحد
وخلاّ الرِّجَّال مغتاظ منه وزعلان
وصار من زعله بده ينتقم من عينتيني
وسلط عليه من الحاره بعض الصبيان
وربطوله لما كانت العرباية براس الشويتره
وهناك الطريق عاليه وبتطل على الوديان
وكان محمد نازل وطاعج جسمه لورا
وعماله بجر العربايه وهوَّ سرحان
ونكشوه الولاد في قفاه, ترك عينتيني
في قلب العرباية وراح يجري ورا الولدان
وصارت العرباية تدحل بسرعة كبيره
واختل توازنها وانقلبت عَبسْتان
ووقع عينتينى مطَبّش وحالته حاله
مجروح من الصخور وجسمه بالدم مليان
وصاح ولك يا محمد ليش تركتني
قاله نكشوني ولحقتهم بدك اسكت وانهان
قاله عينتينى ولك كان أنكشني بدلها
وما تتركني أسقط في الواد يا خيبان
والله تياستك راح تجيب أجلي
كسرتلي جسمي وخليتني بالدم غرقان
وشرطي المرور نزل من عن المنصه
يستفسر عن الحادث ويشوف مين اللي غلطان
وعينتيني ما كان جاي علباله يحكي
نَفَسُه مقطوع ومن الوقعه هلكان
وقال الشرطي لعينتيني شو اللي جرالك
مَرّت العربايه قُدامي زي الطيران
قاله عينتيني إنت جاي تحقق معي
وأنا حالتي حالة ومكسور لي ضلعان
ليش أنا زمرتلك عشان تأشّرلي
روح حل عني يستر عليك ربك يا فلان
أنا مش عاوز حد يعملي مزبطه
عاوزلي حد ياخدني علمُسْتشفى الآن
وعاش عينتينى بعدها فترة صغيره
لكن صدى صوت جرسه بقي في البلد رنان
وكانت حياة عينتيني مأساه ومماته مأساه
وقسوة الزمان مرات ما بترحم الإنسان

 
رُباعيات بابْ الساحَة
لوحات شعرية من التراث النابُلسي

بوسط نابلِس موجودة بابْ الساحَة
عليها الطرق من كل زاويه وناحَه
وموجود على جنبها جامِعْ النصر
وبرج للمنارة بوسط باحه
***
وموجود في المناره ساعه
بتدق كل نُص ساعه وساعه
وجرسها عالي ورنان
يمكن للقريب والبعيد سماعه
وموقت الساعة كان الحاج فتيان
يزبطها دايما خاصة برمضان
ويزبط موعد الغروب والمدفع
وعلى توقيته يأدِّن الأدان
وباب الساحة إلها تاريخ مجيد
برجع لأيام السلطان عبد الحميدْ
بجتمعوا فيها الناس بالمناسبات
وأيام الجمع ورمضان والعيدْ
***
وفي إيام رمضان في السوق نازل
بضووا الساحة بالشَمِع والمشاعِلْ
وبجتمعوا الباعه مع العربايات
وبضم السوق كل حابل ونابلْ
وكل يوم جمعه كان في مزاد
بيلتموا عليه الخلق والعبادْ
وبنادي الدلال على البضايع
بصوت جهوري عالي وحادْ
***
وبقول صلوا عالنبي يا شباب
يالله ابن الحلال يفتح الباب
مين من هالشباب عنده زوده ْ
البضاعة رخيصة وبسعر التراب
***
وينادي على أونه على دويه
يالله يا شباب بدنا نقول على تريه
يا الله يا الله اللي عنده زوده يقول
آخر واحد المزاد راح يرسي عليه
***
والدلاَّل نوري النعاجي كان ينادي
بابْ الساحَة وبكل شارع ووادي
على الولاد اللي ضاعوا من أهلهم
في السوق وتاهوا بين العباد
***
يا أهل نابلِس يا ولاد الحلال
يا مين شاف ولد صغير ضايع وضال
واللي بلاقيه إله ربع ليره
بشاره وحلوان حلال زلال
***
وأهل نابلِس ثبتوا في الحَضَره
وكان لهم وجود فيها وكان لهم حَضْرَه
وفَدوا نابلِس بارواحهم لما كانت
المعارك وسط الساحة مُسْتَعِرَهْ
***
وهادي قصة نابلِس وبابْ الساحَه
الي شهدت النصر والاستباحه
وإن شاء الله يا نابلِس يرجع العز
وتعودي من بعد الهم مرتاحه

 

مدرسة الغزالية
يا مَدرسةَ الغَزاليه
إنكِ في قلبي أغنيَّه
بدأتْ في الصف الأولِ
أيامَ الإبتدائيه
حين حملتُ الكُتبَ
بكيسِ قِماشٍ
صنعتهُ مِن أجلي أُمي
في اللَّيْلِ عَشِيَّهْ
وحملتُ المسَّاحَةَ والأوراقْ
وحملتُ الأقلامَ المبريَّهْ
***
أذكرُ لما حَلقوا شَعري
قالوا الحَلقَةُ إجباريه
أذكرُ لما رنَّ الجَرَسُ وَصَفَّ الطُلابُ
كما تَصْطَفُّ سَرِيَّه
ودَخَلْنَا الغرف وَجاء الأستاذُ
وقالَ قياماً .. قُمنا
قال جلوساً .. وَجَلسْنا
نادانا بالأسماءِ
وبدأ الدرسُ الأولُ
في الراسِ وَروسْ
وحروفِ اللغَّةِ العَربِيَّة
***
أتذكرُ كلَّ أساتِذتي
والصورُ تَمرُ بِعينيَّ
أتذكرُ لما كنا نَذهَبُ للمدرسةِ صَباحاً
نخشى قرعَ الجَرَسِ
ونجري جَرياً
أتذكرُ دَروَزةَ الناظرَ
كانتْ نظرتُه مرهبةً وقوِيَّهْ
وعصاهُ المَبرومةُ
ذاتُ الرأس الكُروِيَّهْ
وأرى حَسنَ البوابْ
ينتظرُ على البابْ
كالصّقِر يرومُ ضَحِيَّهْ
يجمَعُنا طابوراً بَعدَ الجَرسِ
ويرتِبُنا صفاً بالدَّوْرِيَهْ
يرفَعُنا فوق المنْكَبِ
ويديرُ قفانا
والناظرُ يسلخُنا العلقةَ مَشْوِيَّهْ
نهربُ نصْرَخُ ونفرِّكُ بِالليَّهْ
وذلك كان عقاباً
عَلَّمنَا حَمْلَ المسؤوِليَّهْ
***
أتَذَكَرُ لما كنا نَلعبْ بِالساحةِ
ونحومُ كنحلٍ حولَ خَلِيَّهْ
كنا أطفالاً طلقاءً
نجري خلفَ الحَرْدون
ونُمْسِكُ ذَيْلَ السُحُلِيَّهْ
أَتَذَكَّرُ وَقْتَ الفُسْحَةِ
كلَّ الباعةِ يجتمعونَ بطرف الساحَةِ
بَيَّاعِ السَّحْلَبِ والسوسِْ
وبَيَّاعِ الترمِسِ والفولْ
وبَيَّاعِ الحُمُّصِ والتَّمْرِيَّهْ
***
أتذكرُ خَيرَ أساتذةٍ
أعطونا العِلْمَ هَدِيَّه
وأرى تفاحَةَ يشرحُ
درس النَحو بكل رَويّه
والشيخُ مُحَمدْ عودهْ
ذو العِمَّةِ واللحيه
يقرأُ للصفِ القرآنَ
وبعضَ أحاديثٍ نَبَوِيَّهْ
وأرى كنعانَ أمامي
يشرَح للصفِ القسمةَ
وحسابَ النِسَبِ المِئويَّهْ
هذا نفرٌ مِن بَعضِ أساتذتي
وهناك كثيرٌ وبَقِيَّهْ
***
أتذكرُ بقراتِ الجِدِّ
تَمرُ أمامَ المدرَسَةِ عَشِيَّهْ
ترعى فوق التلِِّ الوَاقَع
قُربَ المدرسةِ الغزالية
بينَ الوادي وبناءِ البَلَديَّهْ
***
أتَذكَرُ قبلَ المغرِبِ في رمضانَ
رامزَ ذا الطربوش الأحمرِ
يلبَسُ بَدلَتهُ الكاكِيِّهْ
يصعدُ فوقَ التلِّ
بحذاءِ التنسِ الأبيضِ
يتسَّلقُ بتأنٍّ وَرَويَّهْ
وَيَدُكُّ المِدفَعَ بالبارودِ
ويجعَلُه مرصوصاً محْشِيَّا
يتجمَّعُ كلُ الأطفالِ بجانِبِه
ننتظر آذانَ المغْربِ
نرقُب دقاتِ الساعةِ
بمنارةِ بابِ الساحَة
ونَعُدُّ جميعاً عداً عكسيا
ويثورُ المدفعُ ينطلقُ قويا
يُحدِث في أرجاءِ البَلَدِ ضجيجا وَدَويا
يسمعُه كلُ الناسِ جميعاً
من كان قريباً أو كان بعيداً وقَصِيَّا
تتبعثر في الأفقِ شرايطه
يتصاعدُ منه دخانٌ يرتفع عَلِيَّا
لكنْ رامزُ والمدفعُ ذهبا واختَفيا
أُسكتَ مَدفَعُ رَمضانَ
ما كان يوماً عُدوانيَّا
بل كانَ يحُضُ على الإيمانِ
وَرَمزاً للأمن جَليَّا
وامتلأ البَلدُ مدافعَ إجْرامٍ
أرعبت الأطفالَ وأرعبتِ الدُنيا
في يوم كان على الناسِ عَصيبا
كان لعيناً وشقيا
***
أتذكرُ بشمال المدرسةِ السكةَ
وخطوطاً تمتدُّ حديديَّهْ
وقطاراً يأتي من حيفا
قبل المغرب يومِيَّا
يُطلقُ زاموراً
يحُدثُ في البلد دوِيَّا
لكنّ الزامورَ توقّفَ
والعرباتُ غدت في المتحفِْ
لما ضاعت أرضُ فِلسطينْ
بجهلِ الناسِ
وأهمالِ الدُولِ العربيهْ
وغدونا نَسْياً مَنسيا
***
أتذكرُ أيامَ الهجرَة
لما أُغلقت المدرسةُ الغزاليه
ولجوءَ أهالي الرملةِ واللد
ونساءً أرعبَها الإرهابُ
هربت حافيةَ القدمينِ
والأرجلُ مَدْمِيّهْ
ودموعاً فوقَ الخدينِ سَخِيَّهْ
أطفالاً في الشارعِ مَرمِيَّهْ
جياعاً تنتظرُ بطاقاتِ التموينِ
تُعطيها زيتاً وحليباً وطحينا
وَهويَّهْ
والاسمُ ليسَ مُهِماً أبداً
فالأنفُس أرقامٌ والكُلُ سوِيَّا
عائلةٌ واحدةٌ لاجئةٌ وفلسطينيَّهْ
شعبٌ مقهورٌ وقضِيَّهْ
***
أتذكرُ أرتالَ الجيش
تغزوا الحَماماتِ التُركيه
في الروحةِ وَالجيهْ
وبساطيراً تَتَزحلقُ
فوقَ بلاطاتٍ سُلطانيه
مِن عهد الأيامِ العُثمانيه
أو عهدِ الأيامِ الرُومانيه
أتذكرُ "ماكو" أوامرْ للميدان
"آكو " أوامِرْ للحمام
وفلسطينُ ضحيه
***
يا مدرَستي
قد أصبحتِ دَكاكينا ً
تَعلو أطلالاً مَنْسِيَّهْ
وأُزيلَ التلُ
المُتَجَمّعُ مِن طَمَمِ الزِلْزالِ
وطمّوا فيهِ الوادي
صار الإثنانِ على نَفسِ الخَطِ سَوِيَّهْ
والأرضُ على الناس حَنيَّهْ
قامت فوقَ الوادي المطمورِ سَينما العاصي
وعماراتٌ أخرى مَبنِيَّهْ
منطقةٌ أسمَوْها الناسُ تجارِيَّهْ
***
الله يَرْحَمُ أيامَ المدرسة
وأحلامي النابُلِسيَّهْ
يرحَمُ كلَّ أساتِذتي
في المدرسةِ الغزاليَّهْ
 

مُوشحات نابُلِسيه
"جادَك الغيثُ إذا الغيثُ هَما "
يا زمانَ الوصلِ في نابُلُسِ
كاسُكِ المُلهِمُ يروي لي الظما
وسواه لستُ يوما مُحتسي
أنتِ لا زلتِ بِروحي حُلُما
وبقلبي أنت نُوْرُ القَبَسِ
والنَوى نارَ الهوى قد أَضْرَ ما
كالذي يرقُبُ يومَ العُرُسِ
***
" وحبيبٍ همتُ في غُرتِه"
وشَعرتُ العزَّ مِن عِزَّتهِ
كلما استَبسَلَ في وقفتهِ
أشربُ النَخبَ على صحتِهِِ
أيها النائم قد صاحَ الضُحى
وصَحا الناسُ على صيحَتهِ
إنما الشعبُ إذا رامَ العُلا
لا ينامُ الليلَ مِن صَحوَتهِ
***
أعطني الكاسَ وحباتِ الدَوا
من هَوَى نابُلسَ حتى أشربا
أُعذُريني إنَ حُبي ما ارتوى
ففؤادي من لقانا أضطَرَبا
ذُبتُ مِن وَجدي وأضناني النَوى
ألهبَ الجِسمَ وهزّ العَصَبا
صِحتُ لمّا القلبُ بالنارِ اكتوى
أين يا نابُلسُ أيامَ الصبا
***
أنا من عادَ وأدمى القَدما
ليلاقيكِ بشقِ الأنفُسِ
أيُّ شئٍ مِن مَتاعي سَلِما
لا أرى طاولَتي أو مَجلِسي
أين فنجاني رَماهُ مَن رمى
كنتُ مِنه الشايَ دوماً أحتسي
ومتى صَفِّي وَبَيتي هُدما
واختَفى في الصُبحِ قَرعُ الجَرَسِ
***
إنني أهوى هَواكِ فاسمَعي
خفقَ قلبي المُستَبدِ الموجعِ
لستُ يا نابُلسُ حباً أدعي
وُلِدَ الحُبُّ بقلبي ومَعي
فعلى ذِكراكِ تجري أدمُعي
وعلى حُبك أطوي أضلُعي
في رُباكِ كان يوماً مَرتعي
ولروحي أنتِ دارُ المَرجِعِ
***
يا حياتي إصمِدي لا تيأَسي
وارفعي الرايةَ لا تنتَكِسي
فأنا جئتُ وهذا مِحبَسي
ومعي أيضاً ثيابُ العُرُسِ
فاستعدي لِلقانا والبِسي
فرحةُ العُمرِ ببيتِ المقدسِ
في رحابِ البيتِ صلي واجلسي
واشكُري اللهَ مُجيرَ الأنفُسِ
***
كنتُ في الليلِ بحُبي أختَلي
وتَربّى في حِماكِ أَملي
وبعينيكِ تَغنَّى غزلي
يا حياتي أنتِ حُبي الأزلي
أنتِ أُمي أنتِ صدرٌ ضَمني
أنتِ عُمري وبلادي وَطني
وسأبقى رَغمَ أنفِ الزَمَنِ
ثابتَ الحُبِّ وصافي المَعدنِ
 
دَوحةُ الزيتونْ
لوحات شعرية من التراث النابُلسي
يا دوحةَ الزيتونِ أنتِ شعاري
أنشدتُ فيكِ مُمَجِّداً أشعاري
يا بنتَ نابُلسَ المدينةِ والقُرى
ورفيقةَ الأحرارِ والثوارِ
يا زينةً في القدسِ غطى زرعُها
قِممَ الجِبالِ بهيبةٍ ووقارِ
اللهُ باركَ فيكِ في قرآنه
وَحباكِ ربي أطولَ الأعمارِ
والتينِ والزيتونِ والطورِ الذي
من نورِ ربي فاضَ بالأنوارِ
ليكادُ زيتُك أن يُضيءَ بقُدرةٍ
مِن نوره مِن دونِ مَسِّ النَارِ
نورٌ على نور ٍوَيهدي من هدى
للنورِ عند تَفَتُّحِ الأبصارِ
يا دوحةَ الزيتونِ فيكِ أَرومةٌٌ
روحُ الخلودِ بها وَعطرٌ سارِ
أوراقُكِ المَلساءُ في أغصانها
خضراءَ تلمع دائما بنضارِ
خلعوا الجذورَ وقطَّعوا أوصالها
فهوت مَع الأغصانِ والنَّوارِ
سبحانَ ربي فيكِ أودعَ سرَّهُ
سرُّ الحياةِ لأعظَمُ الأسرارِ
مِن عهدِ عيسى أنتِ أقدمُ نبتةٍ
صَمدت أمامَ الشُّحِّ بالأمطارِ
شهدتْ على كلِّ العُصورِ وشاهدت
رُسُلَ السلامِ ودعوةَ المُختارِ
وتحمَّلت كُلَّ الظُروفِ وعاصَرت
ظُلمَ الطُغاةِ وقسوةَ الأقدارِ
لم تَشكُ يوماً لم تَنُؤْ مِن حملها
رمزُ العطاءِ ونعمُةُ السَّتارِ
رمزُ السلامِ ورمزُ كلِّ محبةٍ
بينَ الشعوبِ وأقدسُ الأشجارِ
خلعوا الجذورَ وقطَّعوا أوصالها
فهوت مَع الأغصانِ والنَّوارِ
وقعت كما وَقَعَ الشهيدُ على الثرى
مِن غير ذنبٍ في فناءِ الدارِ
لو أن إبراهيمَ شاهدَ ذبحها
كان افتدى بالإبن مِن جزّارِ
الأمنُ أصبحَ حجةً وذريعةً
قطعاً لرزقٍ أو لسلبِ عقارِ
لا أمنَ إلا أن نواجِهَ بعضنا
بالعدلِ لا بالقتلِ عن إصرارِ
لا أمنَ يأتي والقلوبُ مليئةٌ
بالكرهِ مِن قمعٍ وظلمٍ جارِ
من ظلَ يلهثُ لاحقاً أطماعَهُ
سيعيش مرعوباً بلا استقرارِ
فلنسألِ التاريخَ أكبرَ شاهدٍ
هل ساد أمنٌ من بناءِ جدارِ
برلينُ لم يَصْمِدْ ودُكَّ جِدارُها
وهوى مَع الأسلاكِ والمِنظارِ
والصينُ قد عبثَ الغُزاةُ بِسورِها
صَعِدَ المَغولُ عليه بالبسطارِ
كلُ الشعوبِ تحررت مِن سِجنها
والسجنُ هذا عاليَ الأسوارِ
والناسُ صامتةٌ لأن ضميرها
قد غابَ بين مُبرِّرٍ ومُداري
لا يَخْتَبي الإنسانُ خلفَ بنانِه
ويقولُ ليسَ لديَ أيُ خيارِ
عارٌ لِمن قتلَ السلامَ وداسَه
ورماهُ تحتَ الطينِ والأحجارِ
مَن يعتدي لا بد يوماً يلتقي
بعدوهِ في يومِ أخذِ الثارِ
 

قبلت طيب ترابهاْ
لوحات شعرية من التراث النابُلسي

لا تَسأليني كيفَ كانَ مَساري
فأنا قضيتُ العُمْرَ في الأسفارِ
متنقلاً في أرضِ ربي تائها
بين البحارِ وأبعدِ الأمصارِ
واليومَ أرجعُ بعدَ أن فاضَ الهوى
وبيَ الحنينُ كعودةِ البَحَّارِ
من أجلِ نابُلسَ الحبيبةِ إنني
غنيتُ أشعاري على قِيثاري
أنزلتُ أشرعتي على أعتابها
وقصدتُها كي أستريحَ بِداري
وسألتُها لمّا تَجَمّع شملُنا
هل تعرفيني طالَ بُعدُ مَزاري
قد كُنتُ أرتَعُ في جبالِك في الصِبا
وأحومُ بينَ الزهرِ والأطيارِ
وصَعِدتُ عيبالَ العظيمَ تسلُّقا
وبلغتُ سَطحَ الغيمِ والأمطارِ
ولحقتُ أسرابَ الفراشِ وكنت لا
أخشى من الأشواكِ والأحجارِ
وجمعتُ شقيقاً تَفَتَّحَ أحمراً
وجمعتُ زهرَ البرِّ في آذارِ
ولحقتُ أسرابَ الفراشِ وكنت لا
أخشى من الأشواكِ والأحجارِ
والنَرجسُ الخلابُ فتَّح أصفراً
في أبيضٍ متُلوناً كَكنارِ
وقطفتُ فُلاً ناضراً عِند الندى
عبْقَ العبيرِ مكبَّسَ الأزرارِ
وشممتُ عِقدَ الياسمينِ مُعلَّقاً
في عُنق حسناءٍ أتت بِجواري
لقّطتُ صبراً مِن جبالِك في الضُحى
وربيت بينَ الصَبرِ والصُبارِ
وكتبتُ إسمي أحرفا في كفِه
ونقشتُه بالحَفرِ بالمِسمارِ
وصعِدتُ فوقَ التينِ أقطفُ حبهُ
وجمعتُ منه مُوازياً وخُضاري
وهززتُ جِذع التوتِ أُسقطُ ما استوى
وألُمُهُ في الصحنِ للإفطارِ
وعلوتُ بالكرسيّ تحتَ عريشةٍ
وقطفتُ عنقوداً مِن الأنوارِ
ورأيتُ رماناً تفلّقَ واستوى
فتدَفقَ الياقوتُ في الأشجارِ
والبُرتُقال تَهدّلت أغصانُه
وبدا عليها أخضراً بِصَفارِ
لقّطتُ صبراً مِن جبالِك في الضحى
وربيت بينَ الصَبرِ والصُبارِ
ورأيتُ أزهارَ الربيع تفتّحت
وتألقت بالعطرِ والنَّوارِ
والنحلُ يجمعُ شهدَهُ مِن طيبها
متحلياً بالكدِّ والإصرارِ
وسمعتُ صوتَ الديكِ صاحَ على الرُبى
يدعو ليوقظَنا مِنَ الأسحارِ
والبُلبُلُ الشاديُ تغنى صادحاً
مُتغزلاً بالوردِ والأزهارِ
شاهدتُ أسرابَ الحمامِ تجمَّعتْ
قبلَ الغُروبُ تحومُ في دَوّارِ
والبُرتُقال تَهدّلت أغصانُه
وبدا عليها أخضراً بِصَفارِ
وتعودُ تدخُلُ في تأنٍ بُرجَها
كهبوطِ طيارٍ بأرضِ مَطارِ
وسمعتُ وقعَ قَطيعِ أغنامٍ مَضى
يَحدوهُ لحنٌ فاضَ مِن مزمارِ
ويَرنُ في أذني صدى أجراسِهِ
والشمسُ تلمعُ مثلَ تِبرٍ جارِ
ويوَجِّهُ الراعي مَسارَ قطيعهِ
والكَلبُ يحرُسُه مِن الأخطارِ
والذئبُ يَعلو في المساءِ عُواؤهُ
ويذوبُ في صمت الدُّجى متواري
وقضيتُ في حِضنِ الجِبال طُفولتي
ولكم لعبتُ أنا وإبن الجارِ
ولكم شَعلنا النارَ نَبغي دِفأها
وتجمَّعَ الأصحابُ حولَ النارِ
مَلأَ المكانَ حديثُنا وغناؤُنا
فكأننا في مَجمَع ا لسُمَّارِ
ولكم ركضتُ على سفوحكِ لاحقاً
مُتعقباً سِرباً من الشُنارِ
ولكم صبوتُ إلى قوامِ جَميلةٍ
وخدودُها كالوردِ في أيارِ
شاهدتُها والسحرُ ملءُ عيونِها
فوقعتُ يا ما أكثر السُّحَّارِ
قد عشتُ حُلمي فيكِ أيامَ الصِبا
والآن شِختُ وأكتوي بالنارِ
وأنا وُلدتُ هنا وهذي غُرفتي
ما زالَ فيها البعضُ مِن آثاري
ولكم سَهرتُ بِها الليالي حالماً
وجلستُ أدرسُ قابعاً بِنهاري
وقرأتُ مِن كُتبِ الغَرامِ روايةً
أخفيتُها تحتَ السريرِ مُواري
جدرانُها كانتْ إليَّ وفيةً
حفِظَتْ وضَمّتْ بينها أسراري
وبها نشأتُ وكُوِّنَتْ شَخصيّتي
وطفقتُ أستوحي بها أشعاري
وهمستُ يا نابُلس طالَ فِراقُنا
طولَ النوى لَم تَبرحي أفكاري
وأنا مثيلُك في الحياةِ مُقيدٌ
والدَهرُ يأبى أن يفُكَّ إساري
حدثتُها وسألتُ عن أخبارِها
وحكيتُ عن قِصَصي وعَن أخباري
وسألتُ أين رفَاقُ عمري جاوَبت
لم يستَطيعوا العيشَ ضِمنَ حِصاري
ودَّعْتُهمْ عِندَ الفِراق حضنتُهم
والدمعُ في العينينِ كالأنهارِ
مازال يهجرني بَنِيَّ وفِتيَتي
والحبلُ مَعقودٌ على الجرّارِ
فعلمتُ أنّ رِفاقَنا قد شُردوا
وتفرقوا زُمَراً على الأقطارِ
وسألتُ ما هذي الحواجِزُ كُلُّها
ردَّت وقالت إنها أقداري
فأجبتُها إنا نُحبُّكِ كُلُّنا
يا مَعقِلَ الأحرارِ والثوارِ
سنظلُ يا نابُلسُ نحلمُ بالِلقا
رَغمَ الحواجزِ فيكِ والأسوارِ
ودعتُها قبّلتُ طيبَ تُرابِها
ورجعتُ مِثلَ بَقيّةِ الزوارِ
وشعرتُ أني عِندَما ودعتُها
مثلَ الحِصانِ يُهانُ في المِضمَارِ
غادرتُها وتركتُها متألماً
قلبي يَدُقُّ وهزَّني مِشواري
 

بائع السوسْ
لوحات شعرية من التراث النابُلسي
يا بائع َ السوس ِ في الأسواق ِ تَسقينا
كاسا ًمن السوس ِبعد َ العصر ِ يُحينا
يا بائع َ السوس ِ في حارات ِ نابُلْسٍ
سَلمْ عَليها بها كانت مَغانينا
قَد كُنتَ تَسرحُ فيها الرزقُ تطلُبُه
تمشي الشوارعَ ترتادُ المَيادينا
والناسُ تخرجُ بالأيدي ملوحةً
لما تمرُّ بحوشٍ أو دكاكينا
وكُنت ترزَحُ تحتَ الشمسِ في جَلدٍ
تُروي العطاش إذا صاحوا مُنادينا
وفوقَ راسكَ طربوشٌ تُعِّرشُهُ
والصدرُ يلَمعُ مرصوصاً نَياشينا
سروالُك الأسودُ الفضفاضُ تلبسُه
على قميص يفوقُ الوَصفَ تَزيينا
قّد شُدَّ خَصرُكّ والابريقُ في قَشطٍ
بالكتف تَحملُهُ بالقسطِ مَوزونا
فيهِ الشراشيبُ بالألوان زاهيَةٌ
وأنت تزهو بها لما تُحيينا
في جنبِكَ الأيمنِ الابريقُ تسندهُ
والخصرُ يحملُ للكاساتِ ماعونا
وفي حزامِكَ مريولٌ به حُجَرٌ
صندوقُ مالِك تَصريفاً وتَخزينا
وتَشقُل الجَنبَ والابريقُ ترفَعُهُ
يَعلو على الكاسِ عِند الصَّبِ يُغرينا
ورغوةُ السوسِ في الابريقِ جمَّعها
هَزٌّ من المَشي طولَ اليومِ تَسقينا
وكنتَ في رمضانَ السوسُ تَعرضُهُ
عند الغروب لمن صاموا مُطيعينا
وقد عهدناكَ يومَ العيدِ مُنهمكِاً
تَسقي الكؤوسَ وتأتينا مُهنينا
قوالبُ الثَلجِ فوقَ الليفِ لامعةٌ
ورنةُ الطاسِ فوق الطاسِ تَدعونا
تُرطُ (رُطِّن) على (رُطِّن) مُلعلعةٌ
لما تُنغمُها فيها تُنادينا
"يا عطشانين" وطاساتٌ تلقلَقها
فيخرجُ الصوتُ في لحنٍ يُسلينا
تصَبَُ بالكاسِ فّيضاً سائلا ذهبا
ويطفَحُ الكاسُ مملوءاً وَيُروينا
كانما الكأسُ والإبريقُ قد وصُلا
من الخيالِ بحبلٍ كالمُحبينا
وبائعُ السوسِ طفرانٌ وغلَّتُه
مِنها يُجمِّع في كيسٍ مَلالينا
لكنَهُ كانَ شهماً صانَ عِزَّتَه
ما كان يَرضى على ذُلٍ ملايينا
يا بائعَ السوسِ أينَ السوسُ منهَلُهُ
وأين إبريقُكَ المشهورُ مُسقينا
تقولُ سوسُكَ يَشفي من به عِللٌ
يساعِدُ الهضمَ حينَ الأكلُ يؤذينا
وكيفَ نَهضُمُ ظلمُ الناسِ أتعبنا
وَنال منا وعُسرُ الهَضمِ بالينا
الكلُ يَعزفُ ألحاناً تُلائمُه
ونحنُ نَصْرَخُ قَد طالَت لَيالينا
نظلُ نَجرعُ كاسَ الظُلمِ في ألمٍ
والنارُ تاكلُ في الأحشاءِ تَكوينا
يا بائعَ السوسِ هل ما حلَّ من قدرٍ
كانَ القضاءُ بنا أم صُنعُ أيْدينا
نباتُ ننتظرُ الأيامَ تُنصِفُنا
نرجو من الحَظِّ يوماً أن يواتينا
وما لَدينا مَصابيحٌ لنفركها
كي نامُرَ الجنَّ أن ياتوا مُلبينا
ولن يُغيِّرَ رَبي ما بنا أبداً
حتى نُغيِّر َ ما بالنَفسِ مَكنونا
يا بائعَ السوسِ لا حسٌ ولا خبرٌ
راحَ الدلالُ وأصبحنا مُهانينا
كنا نَعيشُ ببيتٍ نَحنُ نملكُهُ
والآنَ صارَ بهِ جِنٌّ وَمسكونا
فاينَ نّبدَأ بالشَكوى ونختِمُها
وكيفَ من كُثرها نَلقى عَناوينا
يا بائع السوسِ ذكرى الأمسِ تحضُرنا
والواقعُ المرُّ صارَ اليومَ يُشجينا
الكاسُ والطاسُ والأعراسُ قائمةٌ
وأنتَ ترزَحُ تَحتَ النارِ مّسجونا
زبائنُ الأمسِ في الدنيا مُبعثرةٌ
وصارَ إبريقُك المَشهورُ مَركونا
طربوشُك َ الأحمرُ المنسيُ غلَّفهُ
ثوبُ الغبارِ وَغطى سطَحهُ طينا
والعثُّ يأكُلُ في السروالِ خرَّقهُ
ورثَّ يقبَعُ فوقَ الرِّفِ مَخزونا
وأنتَ في قُرنةِ الليوانِ مُنزرعٌ
ولا تلامُ إذا أصبحتَ مّجنونا
تدوخُ تبحثُ عن خبزٍ لتأكُلَه
والجوعُ عَضَّ وكانَ النابُ مّسنونا
تصارِعُ الدَهرَ لا مالٌ ولا ولدٌ
ولا دَواءٌ ولا الأصحابُ يأتونا
أصبحتَ كهلاً يَهُدُّ الدَهرُ كاهِلَهُ
وذابَ صوتُكَ في صَمتِ المُعانينا
وكنت تَمرَحُ في الأسواقِ مُبتَهجاً
وكان صوتُكَ في الحاراتِ شادينا
يا بائع السوسِ هذا الشعرُ أنظُمُه
لأهلِ نابُلْسَ أهديه دَواوينا
من عُمقِ قَلبي وَمن روحي أقدمُه
أشكوَ الفراقَ وناراً أضرِمَت فينا
ما كنتُ أحْسَبُ يا نابُلْسُ يا بلدي
أن الزمانَ على غدرٍ مُلاقينا
يا بائعَ السوسِ لن ننسى طفولتنا
ولست أنت مع الأيام ناسينا
لو أن يوماً مع الأحلام يَجمَعُنا
لما نناديكَ عن بُعدٍ تُنادينا
نَسعى إليكَ وبالاشواقِ تَسكبُه
كاساً من السوسِ يَجتاحُ الشَرايينا
نُجدِدُ العَهدَ من ماضٍ ومن قصصٍ
نَروي إليكَ حكاياتٍ وتُروينا
يا بائعَ السوسِ عبِّ الدَّنَ مازجه
حُلمَ اللقاءِ لَعَلَّ الحُلمَ يُدنينا
وإملأ لي الكأسَ حتى الرأسِ مُترعِةً
إني سَاشرَبُ نَخباً للمُحبينا
ربي يُحيَّيك يا نابُلْسُ من بَلدٍ
إنا نُحيَّيك يا نابُلْسُ حَيينا
كاسي وكاسُكِ يا نابُلْسُ حُلَّ لَنا
بالسوسِ نسكَرُ علَّ السوسَ يُنْسينا
 

حوارٌ بَيني وبينَ العَكوبْْ
لوحات شعرية من التراث النابُلسي
يا مالئَ الصحنِ عَكوباً عَلى لَبَنِ
سلمْ على بَلدي سلمْ عَلى وَطَني
الشوكُ غَزَّ أيادي من يُعكِّبُهُ
ولم يتوبوا عنِ العكوب من زمن
سبحانَ ربي لسطحِ الأرضِ أخرجَهُ
من غيرِ زَرعٍ على سَفحِ الجبالِ سَني
طوري ويَحملُ أزراراً مُكبَّسةً
والقدُ ممشوقُهُ غَضُّ الثمارِ جَّنْي
قالوا لقد باضَ لما صار مُنتَفِخاً
وهل رأيتم نباتاً باضَ في فَنَنِ
عرفتُهُ في ذُرى نابُلْسَ من صغري
فهل تُراهُ إذا ألقاهُ يَعِرفُني
أحبُّه فوقَ صحنِ الرزِّ يَغْمرُهُ
والرزُّ في نَشوةٍ قد غاصَ في اللبنِ
أتيتُهُ ومعي السكينُ شوّكَني
وقال : إرفقْ أراكَ اليومَ ذابِحَني
إني أدافعُ عن نفسي باسلحَتي
ولا أريدُ خروجَ الروحِ من بَدَنيِ
فقلتُ : يا أيها العكوبُ لا أمَلٌ
إني ساذبحُ إن الحبَّ عَذَّبَني
إني أحبُك مطبوخاً على لبنٍ
فلذَّة ُ الطعمِ تُغريني تُجنِنُني
لو متَّ يا أيها العكوبُ لا جزعٌ
إني سأحييكَ بعدَ الأكلِ في بَدّني
***
أجاب عفواً فإني لستُ ضامِنَها
وأنتَ تَطلُبُ مني أعظمَ الثَمَنِ
ومَنْ حياتُكَ بَعد اليومِ يَضمَنُها
حتى بِجسمِكَ تُحييني وتضمنَني
أرجوكَ إذهبْ معَ السكينِ مُبتَعِداً
وحِلَّ عني فَحدُ النصلِ نَرفَزني
فلا أريدُ حياةً غيرَ في جَسدي
فعشْ زمانَك واتركني أعيشُ هََني
وهذه بَلدتي نابُلْسُ أسكُنُها
أعيشُ فيها مع الأرزاء والمِحنِ
إني سجينٌ وسجَّاني يُعذبُني
وليسَ لي غيرَ ربي اللهُ يُنقذُني
فإن سئمتُ حياتي من مشاكِلها
لا فرقَ عندي فإني جاهزٌ كَفَني
وإن وقعتُ شهيداً وأنقضى أجلي
وحزَّني الناسُ بالسكينِ في سَكني
أصيرُ كالشاةِ لا ضَيرٌ إذا سُلخت
من بعدِ ذبحٍ وهجر الروح للبدن
فَليس يفرقُ من ياتي ليجمَعَني
أو من على الفَرشِ في الأسواق يَعرضُني
أو جاءَ يحملنُي للبيت أصحبُهُ
وبالمَقصِ أتاني كي يُعَكِّبَني
كُلْني إذا شئتَ أطبُخني على لبنٍ
واذكرْ باني أبَيْتُ الذُّل في وطني
على أدامي إذا فَضَّلْتَ تأكُلني
إقْلِ الصنوبرَ فوقَ الرزَّ يصحبُني
وأعصر علىَّ من الليمون ملعقَةً
تلقاكَ تَعَلقُ في طعمي وتلعقني
أنا الشهيدُ ببطنِ الناسِ مدفنُهُ
قتلاً و أكلاً فارجو اللهَ يَرحَمُني
فإن ْ رَجعتَ إلى عيبالَ لي طلبٌ
إقرأ من الذكر علَّ اللهَ يبعَثُني
أو تُنبتُ الأرضُ أجيالاً محررةً
من العَكاكيبِ تدعو لي وتذكُرُني
***
نظرتُ في حالةِ العكوب مُفتكِراً
في حالتي حيثُ أفكاري تُؤرقني
أخذت درساً من العكوب علمني
أن لا أخاف من الدنيا وشجعني
فما الحياةُ سوى حُلم ٍنعيشُ به
يأتي إلينا كطيفٍ زارَ في الوَسَن
فصرتُ أحيا كما العكوب بي أملٌ
أقاوم اليأس والايمانُ يحفزني
الصبرُ يَقرَبُ للعكوبِ في صلةٍ
في كثرةِ الشوكِ والاخلاصِ للوطنِ
احتارَ كلُّ الوَرى في أصل مَوطِنِه
نادوا عليه فَلباهم وقالَ (أنِي)
قالوا عَرفناكَ يا من جئتَ من جبلٍ
يأبى الخضوعَ لباغ ٍأو لممتَهِنِ
من يَعبُدُ اللهَ والايمانُ يغمُرهُ
لن يخفضَ الراسَ مذلولاً على وثنِ
 

صابون نابُلْس
لوحات شعرية من التراث النابُلسي
صابونَ نابُلْسَ يا خيرَ "الصوابينِ"
من صُنع نابُلْسِنا أمُّ "الصبابينِ"
نابُلْسُ صابونُها المشهورُ تعرفهُ
كلُ الأنامِ ويُهدى للسلاطين
مَهارةٌ وتقاليدٌ بِصَنعَتِه
وجودةُ الزيتِ من أنخابِ زَيتون
طوقانُ كنعانُ والعالولُ قد عُرفوا
طارتْ بضاعتُهم حَتى إلى الصينِ
شكعَه وَمصري ونابُلْسي وغيرُهُمُ
كانوا كذلكَ من ضمنِ الأساطينِ
***
في مَوسمِ الزيتِ في أرجاءِ نابُلُسٍ
تُجنى الثمارُ بتشرينٍِ وكانونِ
ويُجمَعُ الَجنْيُ في الأكياسِ ذاهبةً
إلى المعاصرِ من حين إلى حـــين
تدَورُ فيه الرَّحى والزيتُ تُفرزُه
فيخُرجُ النورُ من حباتِ زَيتونِ
والجفتُ يُبتاعُ للأفرانِ توقِدُهُ
من بعدُ يُجمَعُ دُقَّاً للكوانين
ويُحملُ الزيتُ فوقَ العيسِ في قِرَبٍ
صَوبَ الصَبابينِ أو صوبَ الدَكاكين
وفي الصبابينِ آبارٌ مُخصَّصَةٌ
للزيتِ من أجل تخزينٍ وَتموينِ
***
ويوضَعُ الزيتُ في قدرٍ مُقعرةٍ
كقُبةٍ قُلبتْ والشكلُ كَالنونِ
بالماءِ يُخلطُ والصودا ، وخَلطتهُ
حسبَ المقاديرِ تحقيقَ الموازين
ويوقدُ الجِفتُ في القِّميم أسفلُه
يَغلي الخليطُ كما سَطحِ البراكين
يُصَبُّ من بَعدِ أن ترتاحَ طبخَتُهُ
على المفارشِ في أرضِ الصَبابين
يأتي المُعلمُ والأبعادُ يَحْسُبُها
ليضبطَ الحجمَ في شكلٍ وتكوينِ
يُنَعِّمُ السطحَ في صبرٍ ويَجعَلُهُ
كَخدِ حسناءَ في حُسنٍ وتَحسين
من ثَمَّ يُحضِرُ خيطاناً يُشَبِّكهُا
على التَوازي بمقياسٍ وتقنين
وَيجذِبُ الخيطَ فوقَ السطحَ يَطرُقُهُ
كَمن يُحرِّكُ أوتارَ القوانين
والخيطُ يَهتزُّ لا صوتٌ يُصاحِبُهُ
كمثلِ عزفٍ بلا وَقعٍ وَتلحينِِ
ويَترُكُ الخيطُ خطاً في تَردُّدِه
كَمن يَحُزُّ بسكينٍ على الطينِ
يَسُنُّ قطَّاعةَ الصابونِ يَجعَلُها
أمضى وأقطَعَ من كُلِّ السَكاكينِ
بالطولِ والعرضِ كلُّ الفرشِ يقطعُهُ
لكي يؤولَ إلى فلقاتِ صابونِ
في دقِةٍ وبنفسِ الحجمِ يُخرِجُهُ
مكعَباتٍ تساوَت دونَ توزين
من ثم يَمْهَرُهُ في خِتمِ مَصنَعِهِ
حتى يُميزَهُ بين الصَوابين
والختمُ في وََسطِ الفَلْقاتِ يُحدثهُ
في دِقةٍ صابَها في لمحِ تَعيينِ
خِتمٌ بيمناهُ مثلَ البرقِ يَطرُقُه
يُسراهُ تَتبَعُها بالطرقِ في الحينِ
كأنما الوقعُ من أقدامِ راقصةٍ
من أرِض أندَلُسٍ دُقَّتْ بتمكينِ
فنٌ وعلمٌ وابداعٌ بصنعَته
مهارةٌ برزت من صُنعِ مفتونِ
***
يَصُّفهُ مِثل أبراجٍ مُدرجةٍ
كانما هي أعشاشُ الحساسين
قالوا التنانيرَ عنها حَيثُ تشبهُها
شكلاً وتشبهُ أعقاب الفَساتينِ
يجري الهواءُ به حَتى يُجفِّفَهُ
لكي يُعدَّ لتصديرٍ وتَخزينِِ
في الصيفِ يترُكُهُ شهراً بموقعِه
والضِّعفَ أيامَ تشرينٍ وكانونِِ
يَدُقُ بَعضاً ببعضٍ حينِ يفْحَصُهُ
إن رنَّ في أذْنِه أنباهُ يَكفيني
يَصُّفهُ مِثل أبراجٍ مُدرجةٍ
كانما هي أعشاشُ الحساسين
قالوا التنانيرَ عنها حَيثُ تشبهُها
شكلاً وتشبهُ أعقاب الفَساتينِ
يجري الهواءُ به حَتى يُجفِّفَهُ
لكي يُعدَّ لتصديرٍ وتَخزينِِ
في الصيفِ يترُكُهُ شهراً بموقعِه
والضِّعفَ أيامَ تشرينٍ وكانونِِ
يَدُقُ بَعضاً ببعضٍ حينِ يفْحَصُهُ
إن رنَّ في أذْنِه أنباهُ يَكفيني
يلفُّه ويصفُّ البعضَ في عُلبٍ
مثل الطرودِ لبيعٍ في الدكاكينِِ
وقد يُشكِّل بعضاً منه في جَلزٍ
مكورِ الشَّكْلِ مَنقوشٍ بِتلوين
مُطَّيبٍ من شَذى الازهارِ نفحتُهُ
من البَنفسجِ أو وردِ البَساتينِ
***
صابونُ نابُلْسَ تاريخٌ ورغوته
تُنعِّمُ الجلدَ من بادٍ وَمكنونِ
والناسُ تطلبُهُ من سمعةٍ عُرفِت
مما تَداولَ بينَ الحورِ والعينِ
ينظفون به ما كان مُتسخاً
كالجسمِ والثوبِ أو غسل الموَاعينِ
أو يَغسلون به الأيدي إذا اتَّسخت
بعد الولائم في جمع الدواوين
قد حمَّلوه إلى الحمام في بُقجٍ
يوم الذهابِ إلى ريشٍ وقريونِ
حكوه بالليفِ حتى صارَ مُهترءً
وأصبحَ الوجهُ ممسوحَ العَناوينِ
ثم انتهوا منه إذ نالوا مآرِبهم
وسيَّبوه على أرضِ الحمَامين
***
صابونَ نابُلْسَ أنت اليوم تُشبهُني
بالماءِ ذُبتَ وفي نارٍ إذابوني
اليومَ صارَ ضَميرُ الناسِ مُستَتِراً
خلفَ الكلامِ بتلميعٍ وَتزيينِ
وللمصالحِ أربابٌ تُحقِّقُها
وتُذهِبُ الحقَّ في ليِّ القوانين
ولم تَعُد بَعدُ أشياءٌ محرمَةٌ
والنفسُ تُزهَقُ باسمِ الحقِّ والدينِ
الناسُ يُعرفُ بالاعمالِ معدَنُها
لا بالكلامِ بِتزويقٍ وتكوينِ
نابُلْسُ يحتاجُ للصابونِ عالمُنا
حتى يُنظِّفَ أخلاقَ الملايينِ
 
صبر نابُلْس
لوحات شعرية من التراث النابُلسي

يا أيها الصبرُ إنَّ الشوكَ يُؤذيني
وكيفَ أصبرُ والأيامُ تَرميني
نّوّارُكَ الأصفرُ الخلابُ يَسكنهُ
نحلٌ يعيشُ على زَهرِ البَساتينِ
الشهدُ ذابَ وصارَ الصَبرُ موطنَهُ
وأسألُ اللهَ بَعضَ الصَبرِ يُعطيني
قد كنتُ ألعَبُ في الحاراتِ في صِغَري
وكانَ في الصُبحِ كوزُ الصَبرِ يُحْييني
وكنتُ أقطعُ رأسَ الكوزِ أذبَحُهُ
وكانَ مُستسلماً لما يُلاقيني
وكنتُ أجرَحُهُ في الجَنبِ أشقَحُهُ
وكانَ يَصبِرُ حاشا الصبرَ يَشكوني
بالاصبعين أقُدُّ الثوبَ أخلعُهُ
فيظهرُ الجِسمُ مثلَ النورِ يُغريني
يا من يُكافئُ مَنْ في الصُبحِ يذبَحُهُ
إصفَحْ أحْبُّكَ واعْذرني وسِكيني
الصبرُ والجُبنةُ البيضاء قد تَركا
طعماً لذيذاً على كُلِّ الطواحينِ
" وام خالد " أمي الله يَرحَمُها
بالحبِ والعَطفِ في صبرٍ تُربيني
كانت تَقومُ أذانَ الفجر في شَغفٍ
مَع الطيورِ وتاتيني تصحيني
كانَت تُربي كُفوفَ الصَبرِ تغرِسُها
وينبتُ الكَفُّ بين الصَخرِ والطينِ
وكفُّها الأخَضَرُ المبروكُ لمسَتُه
تضيئُ نوراً ونَحَو الخير تَهديني
الصبرُ عِندَ النَدى تَحلو حلاوَتهُ
أصبو إليهِ وألقاهُ يُحييني
كم كنتُ أحفِرُ إسمي في عَوارِضِه
حتى أذكِّرَهُ لو صارَ ناسيني
وكنتُ أمسِكُ لقّاطاً وفَتَحتُهُ
تُحوِّط الكوزَ ألويها وتَلويني
فَيسقُطُ الكوزُ مثلَ الصيدِ في شَرَكٍ
با لقَطفِ والخطَفِ يغدو مثلَ مَسجونِ
كُنّا نجمِّعُ ما نَجنيهِ في لَجَنٍ
نُقَشِّرُ البَعضَ حَزّاً بالسَكاكينِ
وَنَنزعُ القشرَ عنهُ ثمَ نَنشُلهُ
نَصُفُّهُ بَعدُ في صَحنٍ من الصيني
يلتَفُّ يَسنِدُ بَعضاً في مَواقِعه
مثلَ الأحبةِ في أيامِ كانونِ
قوالباً خَلقَ الرحنُ من ذهبٍ
صُبَّت لِصَبٍّ وجاءت كي تُناغيني
قالت أصابِعُ من جاءت تُقدِمُهُ
كلوا الحلاوةَ لكن لا تَعضوني
أحببته وعشقتُ الحلوَ حامِلَه
إني وقعتُ ، مع العشاقِ عِدوني
الصَبرُ جسرُ الهَوى والشوكُ يحرسُهُ
أنا المعلقُ عَبر الجسِرِ عَدوني
لقد غَدَوْتُ أسيراً في رُبوعِهمُ
صَبُّوا عليَّ سِهاماً ثمَّ صادوني
الشوكُ والرِمشُ في رَمْيي قد اتَّفقوا
طاروا إليَّ وفي عيني أصابوني
غَمَّضتُ عَيني على جُرحي أصبِّرُها
والسهمُ أسرَعَ نحو القلب يرميني
لا يَبرأ الصبُّ من مَسح الجراح إذا
أصابَهُ السهمُ في عزمٍ وتمكين
لا شيئَ غيرَكِ يا نابُلْسُ يَنفَعُها
بك اللقاءُ يُداويها ويُشفيني
يا ناقبَ الشوكِ حَين الشوكُ تَنزَعُه
إرفِقْ بِكفيِّ فإنَّ الشوكَ يُدميني
الحبُّ يا صبرُ مُحتاجٌ لِتضحيةٍ
صبري على الشوكِ في حُبي يُزكيني
طالَ الغيابُ عن الأحبابِ وإبتعدوا
وصارَ صَبري بنارِ الشوقِ يَكويني
وكانَ صبري على صبرٍ يُرافِقُني
وعاشَ صَبري مَعي من بَدءِ تَكويني
يا صبرُ لو أنَّ هذا الدهرَ فرَّقنا
هَل تستطيعُ عليهِ الصبرَ من دوني
إن غِبتَ عني سابقى دائماً أبداً
أدعو الصبورَ بصبرٍ أن يُحلِّيني
وصبرُ نابُلْسَ في روحي يعيشُ بها
وفي دَمي دافقٌ ملءَ الشرايينِ
على النَدى أنا والعصفورُ نقصُدُه
وإن تأخرتُ في لحنٍ يُناديني
من الحلاوةِ قد عُدَّت وليمتُنا
من الحليوةِ يا صبارُ حَليني
الصبرُ يسكنُ في عيبالَ موطِنُهُ
يرتاحُ في صُحْبَةِ الزيتونِ والتينِ
وفي عصيرةَ صبرٌ مِن حَلاوتهِ
تكادُ تحسَبهُ بَطيخَ جينينِ
التينُ في تلَّ أشكالٌ مُنوَعَةٌ
من كل لونٍ باغراءٍ يُشهيني
أعنابُ سِنجِلَ في الأغصانِ حاملةٌ
كنزَ الجواهِرِ من دُرٍّ ومَكنونِ
واللوزُ فتَّحَ خلَّاباً على فَنَنٍ
غَضِّ البراعم من أشجار بورينِ
وأجودُ الزيتِ من أكنافِ نابُلُسٍ
وأطيبُ الخبزِ مَخبوزٌ بِطابونِ
وكانت الأرضُ تُعطينا كفايتَنا
وأشهرُ القمحِ طوباسي وطمُّوني
لكنما الأمرُ صارَ اليومَ مُختلفاً
نحيا على سِلعٍ حتى من الصينِ
الصبرُ يَصبرُ في أقسى الظروفِ على
نارِ الصحاري وشُحِّ الماءِ والطينِ
الأرضُ من صبرِها لا بُدَّ مُزهرةٌ
والصبرُ من صَبرِه زَرعٌ فِلسطيني
والله في عونِ من عانوا وَمَن صبَروا
ويكشِفُ الضُرَّ عن كُلِّ المساكينِ
أما الذين بلا صبرٍ فقد خَسِروا
حُسن العواقِبَ في الدنيا وفي الدينِ
الله أسماؤهُ الحُسنى يُكملها
اسمُ الصَبورِ الذي بالصبرِ يوصيني
نابُلْسُ أمي وأمُّ الصَبرِ صابرةٌ
أمُّ الجبالِ الروَاسي والبساتينِ
الصبرُ يُعرَضُ في أسواقها نضِراً
على الفُروشِ وفي قلبِ الدَكاكينِ
أحبُّ صَبرَك يا نابُلْسُ من صِغَري
فزوِّدي الحُبَّ حُبّاً ثم زيديني
وإن وَقَعتُ قتيلَ الحُبِّ في بَلَدٍ
مُدّي يَديكِ أعيديني وَضُميني
إني ساصبرُ في حُبي وأحفَظُهُ
وأسألُ اللهَ دَوماً أن تُحبيني
 
زعتر وزيت
لوحات شعرية من التراث النابُلسي

يا أيها الزعترُ المرشومُ في الحقلِ
يا من يعيشُ على سطحِ الذُرى بَعْلي
ومن تَفوحُ على عيبالَ زهرتُهُ
ويتسضيفُ شآبيباً من النحلِِ
مِنِّي السلامُ إليكَ اليومَ أرسله
فاحمِلْ سلامي وبلِّغهُ إلى أهلي
نابُلْسُ مشهورةٌ في نوعِ زعتَرهِا
هو النَديُّ الزَكيُّ الطيِّبُ الأصْلي
يمتازُ في طعمهِ إذ أن نكهتَه
يُحِبُها الكُلُّ من طفلٍ إلى كهلِ
بين الجبالِ تَربَّيْنا بصحبَتِهِ
وفي الهضاب وسفحِ التَّلِ والسَهلِ
وكم حَملناهُ بالأكياسِ في سفرٍ
هدية ً من هدايا الصَحبُ والأهلِ
***
قد جمَّعوا الزعترَ الفَوَّاح في ضُمَمٍ
ونظَّفوه من الاوشابِ والوحلِ
تجمَّعَ الأهلُ والجيرانُ كلُّهمُ
ليفرُطوهُ من العيدانِ في حَفْلِ
تجاذبوا بَعضَ أطرافِ الحديثِ ولم
ينفضَّ جَمعُهُم إلا على تَلِّ
وفرَّدوه على بَعضِ القماشِ لكي
يُنشِّفوهُ على الأطباقِ في الظِلِّ
دَقُّوه في هَوَنٍ دقاتُه جَعَلت
ما دُقَّ مِنه من التَنعيمِ كالكُحلٍ
بلُّوهُ رَشَّةَ زيتٍ كي تُطَيِّبَهُ
وقلَّبوهُ بها بالفركِ والفَتْلِ
ضافوا التوابلَ أشكالاً مُنوعةً
وحمَّصوا سُمسُماً ضافوهُ للكُلِّ
رشوا عليهِ من السُّماقِ حاجتَهم
حسبَ المَذاقِ على الأذواقِ في الأكلِ
فاحتْ وعَمَّتْ على الأرجاءِ خلطتُهُ
عّبرّ النوافِذِ للجيرانِ والحقلِ
***
قيسٌ وليلى كما للزيتِ زعترُهُ
بالحُب قد غَرِقا قي ناره تَصْلي
قيسٌ وليلى أحبا دونما أمَلٍ
لكْنَّما الزيتُ ذاقَ الحُبَ بالوصلِ
القى الرحالَ ولم يَبْرح مضاربَهُ
وقال يا ليتني عَرَّجتُ من قَبلِ
وغازلَ الزعترَ الملصوقَ جانبه
وقال : يا أيها المحبوب إسمحْ لي
إني لأشعرُ أن الحبَّ يَغمُرُني
أصابَ قَلبي وَروحي وإحتوى عَقلي
مع النَسيم إعتراني في ذُرى جبلٍ
فيه النجومُ تناجي البدرَ في الليلِ
إني شكورٌ فإن الله أكرمني
لما اصطفاكَ رفيقَ العُمرِ من أجلي
وصارَ ينسابُ مشتاقاً وزعتَرُه
يستوعبُ الزيتَ في حُبٍ على مهلِ
تمازجا في غرامٍ بعده إمتزجا
وأصبحَ الجمعُ لا يقوى على الفَصل
معاً عماداً لأهل البيت قد دُعِيا
تلازما مثلَ أصلِ الشيءِ والظلِّ
***
في الصُبحِ نُحْضِرُ صحنَ الزعترِ البَلدي
بجانبِ الزيتِ والزيتونِ والتطَلي
ولا يغيبُ مساءً عن موائدنا
يصاحبُ البيضَ والاجبانَ والمَقلي
نبلُّ لُقمَتَنا بالزيتِ ننقُلها
لصحنِ زعترها للغَمسِ بالبَلِّ
فيوصلُ الخبزُ أحبابا ويَجمَعهُم
عند التنقل بين الخِلِّ والخِلِّ
خبزُ المناقيشِ عندَ الصبحِ نأكُلُه
ويَصغُرُ الحجمُ للافراحِ والحفلِ
وأكلةُ الزعترَ المفروكِ رائعةٌ
تَمتازُ أقراصُها بالطَّعمِ والشَكلِ
وكعكةُ السُمسُمِ المحشي داخلُها
بِدُقَّةٍ طعمُها من أطيبِ الأكل
قالوا إذا أكلَ التلميذُ زعتَرهُ
يقوى على الحفظِ إذ يَجلي العقولَ جَلي
من ريحة الأهلِ صان الناسُ زعترهم
حرصاً عليه ولكن ليسَ من بُخلِ
***
غَلَوْهُ بالماءِأوراقاً وقد زعَموا
فيهِ الشفاءَ لممغوصٍ ومُعتَلِّ
ولو رأوا حالَتي والدهرُ أسقمني
كانوا أعدوهُ في الوصفاتِ من أجلي
صَبٌَوهُ للشُربِ مثل الشايِ مُنفَرداً
وصارَ يُعرفُ باسمِ الزعتَرِ المَغْلي
يا ليتَ يا زعتَرُ الأيامُ تُنصفنا
وليتَ شملَكَ لَـمُّوهُ على شَملي
وَدَّعْتُهُ في ذُرى عيبالَ تأكُلني
نارٌ من الشوقِ في قلبي به تَغلي
وزُرْتُهُ بعدما بالشوقِ برَّحني
وصِرتُ أدعو لَهُ : يا رَبَّنا خَلي
أضفتُ لما بَدَتْ للعينِ طلعَتُهُ
من عينِ حاسِدهِ : عَلى النبي صليِ
***
ماذا أقولُ فزرعُ الأرض ليسَ لهُ
أذْنٌ ليسمَعَ ما أشكوهُ من غُلِّ
لو كان يَعْرفُ ما قلبي يُكابدُه
أو ذاقَ حُرقَةَ نيرانِ الهوى مِثلي
لكان صاحَ على عيبالَ صيحَتَهُ
وقال للظلمِ إني غاضبٌ (وَلِّي)
متى الروايةُ تُنهيها ستَارتُها
ومن سيُسْدِلُها في آخر الفَصلِ
متى الصباحُ على عيبالَ نشهدُه
ويمسَح الضَوء مِنهُ عُتمةَ الليلِ
متى يُغادرُ هذا السجنَ حارُسهُ
ويهنأ الناسُ بَعدَ الظُلمِ بالعَدلِ
قل للأحبةِ مهما الدَهرُّ فَرقنا
نَظَّلُ نَطمَعُ رغمَ البُعدِ بالوَصلِ
 

أكلات نابُلْسية
لوحات شعرية من التراث النابُلسي
يا من يُضيئُ بوسط الفرش يالفتُ
والخدُّ يسكُنُ فيهِ الوردُ والبفتُ
وقلبُكَ الأبيضُ الوضاءُ طيبَتُهُ
خُبِّرتُ عنها ، وعنها الناسَ خَبَّرتُ
غَزُّوكَ بالجنبِ شالوا اللبَّ أغلبَهُ
وما شكوتَ فلا حسٌ ولا صَوتُ
وشوحوكَ ببعضِ الزيتِ في حَذَرٍ
وقلبوك على الجنبينِ يا لفتُ
وأنت من طبخِ نابُلْسٍ وفي نظري
منِ أطيبِ الأكلِ مما في الصِّبا ذُقتُ
بالرُزِّ واللحم محشياً ومن صِغريَ
مع الطَحينةِ والليمونِ أحببتُ
من أطيب الأكل محشيٌ من الجزرِ
بالرُزِّ واللحم من ضانٍ ومنِ بَقري
وحفرُه ليسَ سهلاً من صَلابته
فنقرهُ مثلُ قَدْح السيخِ في الحجرِ
عند المناجرِ بعضُ الناس تنقرُه
من فكرة لَمعت في رأس مُبتكرِ
والتمرْ هندي يزَّكيه ويُكسِبُه
بَعضَ الحموضَةِ من معجونِه العَطِرِ
نابُلْسُ أبناؤها تَشتاقُ أكلتَه
من طيبِ نكهتهِ حبوه في الصِّغرِ
تذكَروا طعمَهُ والطعمُ ذكرَّهُم
عهدَ الطفولةِ من أيامِ مُفتَكرِ
ما أطيبَ مَحشيَ اللخنة
لحما معَ رزٍ والسَمنه
وعليها الثومُ يرافِقها
والطبخَةُ عابقةٌ سُخنَه
قطعُ البندورةِ تجعَلُها
حامضةً نكهتُها حَسَنه
والنابُلْسي يتذَكَرُها
وتُذكِّرُهُ دوماً وَطَنَه
بلدُ الانسانِ وموطِنُه
في العين وفي القلبِ الجَنه
يشتاقُ لهُ ويحِنُ لَهُ
لو غادَرَه من ألف سَنه
 
رسائل من عاشق
لوحات شعرية من التراث النابُلسي

من عاشقٍ يهوى هواكِ يُعاني
يُهديكِ منهُ قصائداً وأغاني
يَسعى إليكِ من المحبةِ طائراً
يطوي البحارَ بلهفةِ الوَلهانِ
ويَظلُّ يَخفِقُ قلبُه مُترقِباً
وقتَ اللقاءِ بمدخَلِ البادانِ
ويقولُ يا نابُلْسُ إني عائدٌ
مثل الطيورِ إلى رُبى الأوطانِ
يا حِضنَ روحي يا مرابعَ جَنتي
فيكِ الهوى بالوصلِ قد منَّاني
قلبي وقلبُك واحدٌ مهما جَرى
قرباً وبعداً ليسَ يفتَرقانِ
فيكِ الجراحُ عميقةٌ وبمثلها
قلبي أصيبَ ولا أزالُ أعاني
أرسلت لي سهما إليك أعدتُه
فرماك من حُبي وكانَ رماني
نابُلْسُ أرُض السحرِ والشعرِ الذي
غنَّيْتُهُ لما الهوى ناداني
ألَّفْتُ منه قصائداً وبلهفةٍ
لبَّيْتُهُ وبِوحْيِهِ لبّاني
إني أحبك منذ أن عرف الهوى
قلبي وحس برعشةٍ وحنان
أنتِ المآل وليسَ بعدكِ موطنٌ
أهواه من قلبي كما يَهواني
لو تطلبينَ العمرَ كنتُ وهبتُه
ورضيت فيهِ من الوصالِ ثوانِ
عَشَّشْت في قَلبي ووحَّدَنا الهوى
و سكنتِ في روحي احْتَويتِ كياني
قد تُهتُ في كلِّ البلادِ مُسافراً
ورجعتُ أبحثُ فيكِ عن عِنواني
وتحرَّكتْ عند اللقاءِ عَواطفِي
فهتَفتُ : يا نابُلْسُ بالأحضانِ
وذكرتُ أيامَ الطفولةِ والصِبا
وسألتُ عن صَحبي وعن خِلَّاني
يامن يُرجِّعُ لي زماناً عشتُه
ويعيدُ من ماضي الزَمانِ زماني
أعطيهِ من عُمري إذا ما ردَّني
وأعادني في جنةِ الرِّضْوانِ
***
ماذا دها الدُنيا فإن ذئابها
كشَفَتْ عن الأنيابِ والأسنانِ
اللهُ أوصى في الشرائع كلِّها
بالعدلِ والمعروفِ والأحسانِ
خَلقَ الأنامَ ليعبدوا وليتَّقوا
ونَهى عن الإصغاءِ للشيطان
أعطاهُمُ مما لديه على الورى
جزءاً بسيط القدرِ من سُلطان
لكنما الإنسان يجنَحُ دائماً
يطغْى فَيَعمى القلبُ بالطغيانِ
أينَ الذين تملَّكوا وتورَّثوا
أينَ السجلُّ وكاتبُ الكوشانِ
أين الذين تكبّروا وتَجبَّروا
وتمسَّكوا بالحُكمِ والسُّلطانِ
كلُّ الكراسي ودَّعَتْ أصحابَها
ذهبوا من التارِيخ للنسيانِ
ظنُّوا الحياةَ هي الخلودُ فأفسدوا
كفروا بربِّ الخلقِ والأديانِ
عبدوا المناصِبَ والمظاهِرَ والغِنى
وتمسكوا في كلِّ شيءٍ فانِ
وقَسَتْ قلوبُهمُ قساوةَ صخرةٍ
وانقضَّ إنسانٌ على إنسانِ
يَجْتَثُّهُ يَجْتَثُّ كلَّ تُراثه
يُلقيه في الارزاءِ والأحزان
النارُ تُذكي النارَ في أرجائها
تطغى وتحرِقُ مُشْعِلَ النيرانِ
فَلْيتَّقِ السجَّانُ عُقبى ظلمِه
كم لَفَّ بابُ السجن بالسجان
واللهُ يُمهلُ والزمانُ هو المَدى
والأمَرُ يملكُهُ عظيمُ الشآنِ
يوماً بهِ تَصْطَّفُّ كُلُّ خليقةٍ
وتُقيَّمُ الأعمالُ في الميزانِ
***
عيبالُ يا جبلاً بهِ نارُ الهُدى
يغشاهُ نورٌ من سَنا الرحمانِ
حَمل الرسالةَ مُشْعِلاً نيرانَها
لتضيئ درباً أو يَرُدَّ الجاني
جَرزيمُ رأسُ العينِ نَبْعُكَ دافِقٌ
يُروي الأباةَ على مدى الأزمانِ
جبلٌ على جبلٍ إذا ما استُنْفِرا
في موقعِ الحدثانِ يلتقيانِ
أنا لستُ يا نابُلْسُ إلا شاعراً
نظمَ القريضَ بريشةِ الفنَّانِ
عبَّرتُ عن نفسي بلوحاتي التي
صورتُ فيها ما اعترى وجداني
ورسمتُها حرفاً بحرفٍ مُخرجاً
فيْضَ الحروفِ على ضفافِ بياني
الوانُها ألَّفْتُها من مُهجتي
ومزجتُها بدمٍ من الشَرّيان
أخرجتُها تحكي حكايةَ أمَّةٍ
جسدتُها بالحَرفِ والألوانِ
وقصصتُ عن نابُلْسَ كلَّ روايةٍ
وعزفتُ من أنغامِها ألحاني
علَّقتُ لوحاتي على جُدرانِها
فإذا بها نَطَقت عَلى الجُدرانِ
قد صُغتُ فيها أربعين قصيدةً
وختمت في هذي على الديوان
 
الوسوم
التراث النابُلسي زغردت لوحات
عودة
أعلى