الرقابة على المساجد

ياسر المنياوى

شخصية هامة
الرقابة على المساجد

المفتي
عطية صقر .
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز لأحد من المسئولين أن يمنع أحدا من الخطابة والوعظ فى المساجد ؟

الجواب
جاء فى كتاب الأحكام السلطانية للماوردى "ص 188 "قوله : وأما جلوس العلماء والفقهاء فى الجوامع والمساجد والتصدى للتدريس والفتيا فعلى كل واحد منهم زاجر من نفسه ألا يتصدى لما ليس به بأهل ، فيضل به المستهدى ويزل به المسترشد، وقد جاء فى الأثر "أجروكم على الفتيا أجروكم على جراثيم جهنم " - حديث مرسل رواه الدارمى عن عبد الله بن أبى جعفر .
وللسلطان فيهم من النظر ما يوجبه الاختيار من إقرار أو إنكار، فإذا أراد من هو لذلك أهل أن يترتب - يوظف - فى أحد المساجد لتدريس أو فتيا نُظِرَ حال المسجد، فإن كان من مساجد المحال - الأهلية - التى لا يترتب الأئمة فيها من جهة السلطان لم يلزم من ترتب فيه للتدريس والفتيا استئذان السلطان فى جلوسه ، كما لا يلزم أن يستأذنه فيه من ترتب للإمامة . وإن كان من الجوامع وكبار المساجد التى ترتب الأئمة فيها بتقليد السلطان روعى فى ذلك عرف البلد وعادته فى جلوس أمثاله ، فإن كان للسلطان فى جلوس مثله نظر لم يكن له أن يترتب للجلوس فيه إلا عن إذنه ، كما لا يترتب للإمامة فيه إلا عن إذنه ، لئلا يفتات عليه فى ولايته ، وإن لم يكن للسلطان فى مثله نظر معهود لم يلزم استئذانه للترتيب فيه وصار كغيره من المساجد .
وإذا ارتسم بموضح من جامع أو مسجد فقد جعله الإمام مالك أحق بالموضع إذا عرف به ، والذى عليه جمهور الفقهاء أن هذا يستعمل فى عرف الاستحسان ، وليس بحق مشروع ، وإذا قام عنه زال حقه منه ، وكان السابق إليه أحق ، لقول الله تعالى {سواء العاكف فيه والباد} الحج :25 .
ويمنع الناس فى الجوامع والمساجد من استطراق - اختراق - حلق الفقهاء والقراء، صيانة لحرمتها، وقد روى عن النبى صلى الله عليه وسلم "لاحمى إلا فى ثلاث : ثُلَّة البئر، وطَوْلُ الفرس ، وحلقة القوم " فأما ثلة البئر فهو منتهى حريمها ، وأما طول الفرس فهو ما دار فيه بمقوده إذا كان مربوطا ، وأما حلقة القوم فهو استدارتهم فى الجلوس للتشاور والحديث .
وإذا تنازع أهل المذاهب المختلفة فيما يسوغ فيه الاجتهاد لم يعترض عليهم فيه ، إلا أن يحدث بينهم تنافر فيكفوا عنه ، وإن حدث منازع ارتكب مالا يسوغ فيه الاجتهاد كف عنه ومنع منه ، فإن أقام عليه وتظاهر باستغواء من يدعو إليه لزم السلطان أن يحسم بزواجر السلطنة ظهور بدعته ، ويوضح بدلائل الشرع فساد مقالته ، فإن لكل بدعة مستمعا ، وكل مُستغو متبعا ، وإذا تظاهر بالصلاح من استبطن ما سواه ترك ، وإذا تظاهر بالعلم من عرى منه هتك ، لأن الداعى إلى صلاح ليس فيه مصلح ، والداعى إلى علم ليس فيه مضل . انتهى .
وقال فى صفحة 100 : إن المساجد ضربان : مساجد سلطانية ومساجد عامية - أهلية - فأما المساجد السلطانية فهى المساجد والجوامع والمشاهد ، وما عظم وكثر أهله من المساجد التى يقوم السلطان بمراعاتها ، فلا يجوز أن ينتدب للإمامة فيها إلا من ندبه السلطان لها ، وقلَّده الإمامة فيها ، لئلا يفتات الرعية فيما هو موكول إليه ، فإذا قلد السلطان فيها إماما كان أحق بالإمامة فيها من غيره وإن كان أفضل منه وأعلم ، وهذه الولاية طريقها طريق الأولى لا طريق اللزوم والوجوب .
ثم قال : وإذا صلى إمام هذا المسجد بجماعة وحضر من لم يدرك تلك الجماعة لم يكن لهم أن يصلوا فيه جماعة وصلَّوا فيه فرادى، لما فيه من إظهار المباينة والتهمة بالمشاقة والمخالفة .
ثم قال : وإذا قلد السلطان لهذا المسجد إمامين وأطلق التقييد من غير تخصيص كل واحد منهما ببعض الصلوات كانا فى الإمامة سواء ، وأيهما سبق إليها كان أحق بها ، ولم يكن للآخر أن يؤم فى تلك الصلاة بقوم آخرين ، لأنه لا يجوز أن يقام فى المساجد السلطانية جماعتان فى صلاة واحدة .
ثم ذكر أن للإمام أن يعمل برأيه واجتهاده فى أحكام صلاته ، ولم يكن للسلطان أن ينهاه عن ذلك ، ولا للمأمومين أن ينكروه عليه ، كالشافعى الذى يجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم ويقنت فى الصبح ، والحنفى الذى يترك البسملة والقنوت .
ثم ذكر أنه يجوز أن يأخذ الإمام رزقا على الإمامة من بيت المال من سهم المصالح ، ومنع أبو حنيفة من ذلك .
وأما المساجد العامية التى يبنيها أهل الشوارع والقبائل فى شوارعهم وقبائلهم فلا اعتراض للسلطان عليهم فى أئمة مساجدهم ، وتكون الإمامة فيها لمن اتفقوا على الرضا بإمامته ، وإذا اختلف أهل المسجد فى اختيار إمام عمل على قول الأكثرين ، فإن تكافا المختلفون - أى تساووا - اختار السلطان لهم إماما يكون أحسن دينا وقراءة وتفقها وأكبر سنا ، وذلك لقطع تشاجرهم .
وهذا فى الإمامة فى الصلوات اليومية ، أما فى صلاة الجمعة فقال الماوردى :
ذهب أبو حنيفة إلى أنها من الولايات الواجبة ، فلا تصح صلاة الجمعة إلا بحضور السلطان أو من يستنيبه فيها ، وذهب الشافعى وفقهاء الحجاز إلى أن التقليد-أى التعيين - فيها ندب ، وأن حضور السلطان ليس بشرط فيها ، فإن أقامها المصلون على شرائطها انعقدت وصحت .
بعد هذه النقول عن الماوردى المتوفى سنة 450 هجرية : نرى أهمية التدريس والخطابة والوعظ فى المساجد ، وأهمية الإمامة فيها ، وبخاصة المساجد الحكومية ، فلا يعين فيها ولا يتصدر لهذه المهمة إلا من كان أهلا لها ، وإذا كان للمساجد الأهلية حرية فى تعيبن الإمام جاز لولى الأمر التدخل فى ذلك للمصلحة .
ونرى أن حرية الرأى مكفولة فيما يسوغ فيه الاجتهاد ، مع المحافظة على وحدة الصف وعدم تفرق الجماعة ، وإمام المسجد هو المسئول عن ذلك ، ولا يُعترض على ما يراه هو، وعلى المأمومين أن يتبعوه .
وإذا تعدد الأئمة فى المسجد الواحد وجبت عليهم مراعاة الوحدة وعدم الخلاف .
هذه تنظيمات مشروعة قال بها العلماء منذ ألف سنة وهى جديرة بمراعاتها فى عصرنا الحاضر، من أجل المعرفة الصحيحة بأمور الدين ، والحيلولة دون المغرضين أو الجاهلين أن يشوهوا الوجه المشرق للإسلام ، أو يفرقوا كلمة المسلمين


 
الرقابة على المساجد
 
الوسوم
الرقابة المساجد
عودة
أعلى