مساء الأمنيات

رولا

الاعضاء
في يوم ما من زمان مرثي في مكان منسي من ضواحي المدينة القديمة, خرج خمسة شباب من ديارهم بعد أن غطت المدينة سحب الظلام فحلت عليهم أطياف المستقبل, أحلام الحاضر وذكريات الماضي, ينشدون الحديث إلي بعضهم لتفريغ شحنات الأفكار الساكنة فيهم, فبداءوا بالحديث الكثير.
تناولوا الأحداث التي تدور من حولهم لكن سرعان ما إنصرفوا عنها. ما فرغ أحدهم من أخر حديثه حتى نسي أوله لان الحديث لا يتعدى مجرد كونه ثرثرة تحوي القليل من الحقائق وتخلو تقريبا ً من المنطق, لم تكن الأحداث حديثا ً ذو شجون. تعرج الحديث إلي مسار أخر تحدث الجميع فيه هذه بحماسة الفتيات وأحوالهم .. وثم الكثير الثرثرة.
قطع أحدهم أساور الثرثرة بمبادرة قام بها فغيرت مجرى النقاش الدائر في أمور تنتهي عادة بلا نهاية وفائدتها لحظية تنتهي مراسمها بإنتهاء الجلسة.
- لماذا لا نقوم يا شباب بالنقاش في أمر حياتنا, أن ندع الناس والمجتمع والدولة ونتباحث فينا, لماذا نتحدث وما الفائدة, فلنجرب أن نتحدث في شئ أخر .. قد بلغ الملل مني مقتلا ً
- كيف ذلك؟
- ماذا نتمني أن نكون!
ساد الصمت وتحدثت لحظات التأمل, وصار كلُ ُ منهم ينظر في مرآة نفسه ويسرح في خيال إنعكاسها ..
جلس الأصدقاء في دائرة وقرروا أن يتحدث كل فرد فيهم بحرية عن إثنين من أمنياته مع إبطال مفعول أن ليس نيل المطالب بالتمني.
قرروا أن يحلموا فبداء مساء الأمنيات ..
الأول: أتمنى أن أكون ثريا ً, أملك بنيان فارع وسيارة فارهه, أشتغل في التجارة وأدخل في مشاريع ضخمة فأحقق نجاحات كبيرة فأنعم لنفسي بالإكتفاء والرضا ثم أحقق غايتي بأن أخدم ديني الإسلام وقومي أهل السودان فأبني المساجد والملاجئ ودور رعاية المساكين وأهل الحاجه هذا ما أتمناه كأمنية أولى .. أما الأمنية الثانية فأن أتزوج من فتاة صالحة وأنجب منها زرية خيرة أربيهم على أفضل الأشياء وأكرمها – العلم والمعرفة.
الثاني: أتمنى أن أحقق إنجازا ً علميا أحس معه بالفخر لنفسي ولإسرتي وبلدي إن هذا ما يعطيني قيمة في هذه الحياة إن أجتهد فأبحث فأنجز .. أن أحاول. أما أمنيتي الثانية فأن أجد إمرأة تسكت أفكاري الجامحة وتصرخ معي بعواطفي الثائرة. أحدثها فتقتنع, أنصحها فتنصاع, أشكو لها فأجدها الحلول.
الثالث: أتمنى أن أنال حب وإحترام كل من أعرف من بعيد وقريب. أن يحبونني لأجلي ويحترمونني لشخصي, يشكون إلي مشاكلهم في الحياة ومعاناتهم فيها فيجدونني الحكمة التي بحثوا عنها والصدر الكبير الذي يحوي بلا مقابل. أكون فيهم الرجل يقف معهم وقفة صناديد الرجال في أرض المعارك الدامية. ببساطة. أتمنى فتاة أشبه بالأميرة تبحث عن فارس الأحلام القادم إليها من بلاد بعيدة, ترفض كل من سواه وتعد الأيام في إنتظار ترجله. لا, لست أريد كمالا وخيالا, فالأميرة قد تكون فتاة كبقية الفتيات لكنها أميرة برقه وجمال يسكنان داخلها.
الرابع: أما أنا يا أصدقاء فلست ممن يهيم في خيالات لمرأة من عالم السراب ويسعى من أجلها خلف ظلال السحاب. لي أمنية, أن أكون وزير الزراعة لهذا البلد. أحقق كل أفكاري, أزرع الأرض التي بارت وأسقي الزرع الذي جف. تصل بلدنا للإكتفاء الذاتي فلا تحتاج إلي المعونة ولا تستغيث في دينونة. فنثبت أننا سلة غذاء العالم, لا نأكل من صادرات الأخرين ولا يعيش فينا جائع.
الخامس: أتمنى أن أكون شخص ملتزم, أمام نفسي وأهلي وأصدقائي. أحقق مطالب صغيرهم وكبيرهم فيعرفون بأن هناك من يدعمهم ويشد على أزرهم. أن أكون شخص مسئول يستند عليه البقية كحائط ثابت لا يميل ولا ينهار. ثم أتمني إمرأة أعيش معها الحب لحظة بلحظة, ساعة بساعة, سنة بعد سنة. لها عندي رجل تحلم به ولي عندها ما لا أحصي ولا أعد.

بعد القيام بعدّ ما يريده كل منهم, حاصر الشباب أنفسهم بسؤال .. ما الذي فعله كل منهم لتحقيق ما يصبو إليه ..
الأول: دخلت في مشروع تجاري لم أنجح فيه, وكلي أمل في الحصول بداية أخرى تأخذ المسار الصحيح .. ينصحني الناس في أحيان كثيره بأن أسلك درب العلم وأترك فكرة التجارة لكنني أحب أن أجمع بينهم إن شاء الله وما زال الطريق طويل والسنين تمر ..
الثاني: كنت قبل سنوات مضت أحسس بأنني أتقدم وأتعلم وتزداد عندي الرغبة في الوصول , غير أنه إنقلب حالي رأسا عن عقب فرجعت للوراء سنين عديدة وفقدت الثقة في نفسي وفي الناس. أحب أن أنسى كل ذلك من أجل بداية جديده إن شاء الله..
الثالث: أشعر بأني أسير في الطريق الصحيح نحو ما أريد, أحاول أن أكون حكيما ً وأجعل من حولي سعداء وأنا سعيد لأنهم يعتبرونني نقطة وصلهم مع بعضهم البعض وأعتز بذلك. أواجه المشاكل والإنتقادات في أنني لست مركز حياتي ولكن الأخرين هم مركزها, وأهمل في دراستي وواجباتي. سأوافق بين كل ذلك سأحقق النجاح علي صعيدي العلمي والإجتماعي والعملي إن شاء الله.
الرابع: الطريق طويل وما زلت في العتبة الأول بشهاد دبلوم عالي في الزراعة, سأسعي الأن بقوة نحو الحصول على بكالريوس هندسة زراعية, ثم ماجستر في المحاصيل, ثم دكتوراه في (السودان سلة غذاء العالم كيف نستطيع تحقيق ذلك؟) ثم سنين خبرة طويلة في العمل الزراعي. الأمر أشبه بالمستحيل .. أليس كذلك؟ لكن تعلمنا أن نقول أن بداية الطريق خطوة .. ونهايته خطوة .. سأخطو الأولى إن شاء الله.
الخامس: سأكمل جامعتي ثم أحاول الحصول على عمل مرموق بعائد مجزي, فألتزم أمام نفسي بمد العون إلي أسرتي ومن حولي بكل ما يحتاجون. أكون سندا ً في الأيام الصعبة والسنين القاحطة. سأكون معهم في الموعد وهذا وعدي إن شاء الله.


طال الليل فحل الصباح وأنصرف الشباب, كل إلي شاءنه .. والشمس تذكر السامرين مع القمر الساكرين عن الواقع بسهامها اللأذعة ..

كلام الليل يمحوه النهار ويستبدله .. بالكثير من الثرثرة

حقق الله أمانيهم ,,
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
مساء الأمنيات
 
الوسوم
الأمنيات مساء
عودة
أعلى