ديوان الشاعر ... ابراهيم ناجي

رثاء كلب صغير

قالت "لميكي" سِرْ بنا
نمشي لحاجتنا الهُوَيْنى
فأطاع مسروراً كعادته
ولم يسأل لأيْنا
فيم السؤال وكل شيءٍ
طيِّبٌ من أجلها
وبنفسه حبٌّ قُصاراه
الحياةُ بظلها
ماذا تغيّر عزّة
أو ذلّة في حبها
سارت وكلُّ متاعِهِ
في أن يسير بقربها
*** ***
يستاف نعلَيْها ويأبي
في الوجودِ مُنافسا
فإذا تخيّل دانياً
من ترْبِها أو لامسا
يختال مِلْءَ نُباحِهِ
زَهْواً ويخطرُ حارسا!
*** ***
عجباً له ولزهوه
ما يصنع الواهي الصغيرْ؟
ما يصنع النابُ الضعيفُ
وما يُخيفُ ولا يُجيرْ؟
لكنّ "ميكي" لا يبالي
أن يموت فداءها
في وثبه هيهات يسأل
ما يكون وراءها
الأمرُ كلُّ الأمر أن
يغدو يدافع دونها
والنفس تُنكر في الضحيَّة
عقلها وجنونها
*** ***
من ذلك الظلُّ الملازم
في الحياة وفي الطريقْ؟
المخلصُ الوافي إذا
عَزَّ المنادمُ والرفيقْ
من قلبُه صافٍ وديدنُه
الولاءُ المطلقُ
فكأنما فيه الولاء
سجيَّةٌ تتدفقُ
*** ***
وإذا أُسِيءَ فإن أسمى
الحبّ أن يُبدي رضاءَهْ
والصفح عند ذوي القلوبِ
البيضِ من قبل الإساءَهْ
مهما نظرت له نظرت
إلى مَعِينٍ من حنان
يُفضي إليك بسره
الذَنَبُ الصغير ومقلتان!
*** ***
لا بأس إنْ هند جفت
وقست أليست ربَّتَه؟
أَقْصَتْهُ ثم تلفَّت
ترجو إلَيها أوْبته
زَجَرتْه أو نهرته أو
كفَّتْ على جُرْمٍ يده
فهي التي لم تَنْسَهُ
والأكل ملءُ المائده
وهو الذي في بعدها
لم يألُها طولَ ارتقاب
يقظان ينتظر المآب
وَثَوى يُرَاقبَ خَلْف بَاب
*** ***
هند التي اتَّخذته من
دون الخلائق إلْفَها
بحثت عن الإلْف الصغير
فلم تجدْه خلفها
ميكي! وما ميكي ومصرعُه
على الدنيا جديد
نفسٌ يذوب وصرخةٌ
تدوي هنالك من بعيد
وتلفَّتَت هندٌ لموضعه
تغالب وَجْدَها
لا شيءَ. قد سارت
برفقته وترجعُ وحدها
*** ***
خرجت به جذلانَ يضحك
مثلما ضحك الصباح
فكأنما خرجت به
ليُلاقيَ القَدَر المُتاح
سارتْ به صبحاً وعادت
بالمواجع والدموع
يغدو الحزينُ على الأسى
وأشقُّ شَطْريْه الرجوع

 
رباعيات

صيرَك الحسن أميرَ الوجودِ
والشعر من درّاته كلّلكْ
مستلهماً منك معاني الخلود
فكل تاجٍ في العلى منك لكْ
فَنَاهِبٌ برقَ الثنايا العذابْ
وسارقٌ ياقوتهً من فمكْ
وكل تغريد الهوى والشبابْ
أغْنيةٌ حامت على مبسمكْ
*** ***
وذلك الماس الرفيع السنا
والجوهر الغالي الذي صِدْتُهُ
أرفع من فكر الورى مَعْدِنا
وكل فضلي أنني ضُغْتُهُ!
لا فكر لي، عشتُ على فكرتكْ
أقبس ما آقبس من غُرَّتكْ
ودمعتي تقتات من عبرتكْ
فانظر بمرآتي إلى صورتكْ
أشقاني الحبُّ وقلبي سعيدْ
يَعُدُّ هذا الدمع من أنعمكْ
أجزل ما كافأ هذا الشهيدْ
بلوغُه المجد على سُلَّمكْ
*** ***
لا شيء من يوم النَّوى منقذي
إني امرؤٌ عنك وشيك المسيرْ
وأنت باقٍ والجمال الذي
غنّى به شعري ليومي الأخيرْ
انظر إلى آيات هذا الجمالْ
ترتدُّ عنها عاديات البلى
عاجزةَ الباع ويأبى الزوالْ
لوردةٍ مت عَدْن أن تذبلا
للأنفس الظمأى إليك التفاتْ
ولهفةٌ ملءَ اللّحاظ الجياعْ
ولي التفاتٌ لسريّ الصّفات
واللؤلؤِ اللمّاح خلف القناعْ
قلبي مع الناس وفكري شَرودْ
في عالَمٍ رَحْبٍ بعيد الشِّعابْ
عيني على سرٍّ وراء الوجود
وبغيتي عرشٌ وراء السحابْ!
*** ***
كم طرت بي واجتزت سور الضبابْ
والضوء ملءُ القلب ملءُ الرحابْ
وعدت بي للأرض أرض السَّرابْ
والليلُ جهمٌ كجناح الغرابْ
أريْتُني الغيبَ الذي لا يُرى
كشفتَ لي ما لا يراء البصرْ
ثم انحدرنا نستشفُّ الثرى
علّ وراءَ التُّرب سرَّ السفرْ
صدري وسادٌ زاخرٌ بالحنانْ
تصوُّري أعجب ما في الزمانْ
موج على لُجَّته خافقان
قَرَّا على أرجوجةٍ من أمانْ
كمركب في البحر يومَ اغتربْ
ما أبعد المحنة بعد اقترابْ
هيهات يُنْجِي من شطوط العذابْ
إلاّ عبابٌ دافقٌ في عبابْ
*** ***
ملأتُ كأسي وانتظرتُ النديم
فما لساقي الرُّوح لا يُقبلُ
شوقي جحيمٌ وانتظاري جحيم
أقلُّ ما في لفْحِهِ يتقلُ
أنت كريمُ الودِّ حُلوُ الوفاءْ
فما الذي عَاقَكَ هذا المساءْ؟
وما الذي أخَّر هذا اللقاءْ
وحرَّم النبع وصدَّ الظِماءْ؟
*** ***
أذمّ هذا الوقت في بُطْئِهِ
آخرهُ يعثرُ في بَدْئِهِ
تدقُّ فيه ساعةٌ لا تدورْ
وإن تَدُرْ فهو صراعُ اللغوبْ
رنينها يقلق صمَّ الصدورْ
وطَرْقُها يقرع بابَ القلوبْ
يا ذاهباً لم يشْف مني الغليل
ما أسرع العقربَ عند الرحيلْ
هتفتُ قف لم يبق إلاّ القليلْ
وكلُّ حيٍّ سائرٌ في سبيلْ!
*** ***
يومٌ تولّى أو ظلامٌ سجا
كلاهما بالقرب منك انتصارْ
أأحمد اليوم تلاه الدُّجى
أم أحمد الليل تلاه النهارْ؟
إنْ نَوَّر النجمُ به مرَّةً
فإن إشراقَكَ لي مرّتانْ
وكيف يُبقي الشكُّ لي حيرةً
ولي على برج المنى نجمتانْ؟
فهذه تلمع في خاطري
مِلءُ دمي إشراقُها والبهاءْ
وهذه تُومِئُ للساهرِ
والليل صافٍ وأديم السماءْ
*** ***
وهذه تجلو كثيف الغيومْ
وهذه تَدْرَأُ عني الهمومْ
وتَمحق الحزنَ وتَأسُو الكلومْ
فما الذي أَجْرى دموعَ النجومْ؟
هيهات أنسى دُرَّة الأنجمِ
إليَّ من آفاقها ترتمي
وفي جريحٍ أعزلٍ تحتمي
من أي هولٍ؟ هي لم تعلمِ!
إنَّ ضلوعاً تحتمي في ضلوعْ
مقادرٌ ليس بها من رجوعْ
أخلدُ أصفاد الجوى والنزوعْ
هوى الحزاني وعناق الدموعْ
رضيت بالدهر على ما جَنَى
وأُبْتُ بالحكمة بعد الجنونْ
ومرَّ يومي هادئاً ساكنا
وأَيُّ شيءٍ خادع كالسكونْ
*** ***
أرنو إلى الصحراءِ حيث الرمالْ
نامت كأنَّ اللفحَ فيها ظلالْ
يا ليت لي والدهر حالٌ وحالْ
من وقدةِ الإحساسِ بعض الكلالْ
فأقبلِ الدنيا على حالها
مسلِّماً بالغدرِ في آلها
وراضياً عنها بأغلالها
محتملاً وطأة أثقالها
الرُّعْبُ سيّان بها والأمانْ
والحسنُ زادٌ سائغٌ للزمانْ
والوهمُ في حالاتها كالعِيان
والحبُّ والكرهُ بها توأمانْ
وَدِدْتُ لو قلبي كهذي القفارْ
أصمُّ لا يسمع ما في الديارْ
أعمى عن الليل بها والنهارْ
وددتُ لو قلبي كهذي القفارْ
وددتُ لو عنديَ جهلُ الثرى
تَعْمُر أو تقفر هذي البيوتْ
غفلان لا يعنيه أمرٌ جرى
أيُولدَ الحيُّ بها أم يموتْ
*** ***
وليلةٍ تمضي وأخرى وما
جئتَ فهل ألهاك عني أحدْ؟
ما ضاء من ليلاتنا أظلما
والسبت خَدَّاعٌ بها كالأحدْ
يمتلئُ السطحُ على ضيقهِ
أنا الذي لم أدْرِ طعمَ الحسدْ
وذلك (الجاز) وهذا النغمْ
منتقلاً بين الرضا والألمْ
يحمل لي طيفَ خيالٍ قَدِم
تراه عيني في ثنايا حُلُمْ
*** ***
في واحةٍ يرسو عليها الغريبْ
فكلُّ ما فيها لديه غريبْ
وهكذا الدنيا خداعٌ عجيبْ
إذا خلت أيامُها من حبيبْ
وهكذا يومٌ ويومٌ سواه
ينكرها القلبُ الصَّبورُ الحمولْ
وهكذا يذهب طِيبُ الحياهُ
بين التمني واعتذار الرسولْ
*** ***
هنا مِهادُ الحبِّ هل تذكرينْ
وها هنا بالأمس طاب السمرْ
وتلك الأحلامُ الهوى والسنينْ
يحملها التيَّارُ فوق النهرْ
والقمرُ الفضيُّ بين الغيومْ
يخفق كالمنديل عند الوداعْ
يا حسرتا! هل صوّرتهُ الهمومْ
كالزورقِ الغارقِ إلاّ شراعْ
قد جللته غيمةٌ عابرهْ
تسحبُ أذيالَ الأسى والندمْ
وأغرقتهُ موجةٌ غامرهْ
فأطبق الصمتُ وَرَانَ العدمْ
*** ***
ضممت أضلاعي على نعشِهِ
فلم يزلْ فيها لهاوٍ شعاعْ
لأيّ غورٍ زالَ عن عرشِهِ
وغاص في اللجِّ إلى أيِّ قاعْ
أرثي لحظِّ الأفق وهو الذي
يرمقُني بالنظرة الساخرهْ
وتهرب الأنجمُ هذي وَذي
ويجثم الليلُ على القاهرهْ
ويزحف الكونُ على خاطري
كأنه في مقلة الساهر
سَدٌّ من الرُّعبِ بلا آخرِ
يعبُّ عَبُّ الأبدِ الزاخرِ
*** ***
وفي ظلالِ الموت موتِ الوجودْ
وخلفَ أطلال البلىِ والهمو
وبين أنفاس الرّدى والخمودْ
وتحت سُحْبٍ عابساتٍ وسودْ
تدفعني عاصفةٌ عاتيهْ
تقصف من خلفي وقُدّامِيَةْ
قد مزّقت روحي وآماليَهْ
وقرّبتْ لي طرَفَ الهاويةْ!
تلمع في الظلمة أحداقُها
قد رحّبَتْ باليأس أعماقُها
شافية النفس وترياقُها
مشتاقةٌ أقبل مشتاقُها
*** ***
قد كان لي عندك عزُّ الذليلْ
وكان للآمال ومضٌ ضئيلْ
يلمع في ظَنِّي قبل الرحيلْ
فانطفأ النورُ ومات القليلْ
فداك يا جاهلةً ما بيَهْ
قلبي وأنفاسي الظمّاء الحِرارْ
وكيف أنسى ليلتي الداميَهْ
ولهفتي أَلْهَثُ خلف القطارْ؟
وعودتي أجرع كأسَ الحياه
مُعاقِراً سُمَّ الفناءِ البطيءْ
أُنْكِرُ أو أفزعُ ممن أراه
سيان من يذهب أو من يجيءْ
*** ***
وليلةٍ فاضت بوسواسها
تعجبُ من إلْفَين بين البَشَرْ
ذلك يعدو خلف أنفاسها
وهذه تتبع سير القمرْ
تتبعه بين الرُّبى والشِّعابْ
تتبعه يسري خلال الحسابْ
كم هَلَّلَتْ وهو يضيء الرِّحابْ
والتفتَتْ محسورةً حين عابْ
*** ***
وذلك الطفل اللهيف الغيورْ
في فَلَكِ من ضوء ليلى يدورْ
يقفو خطاها وهي بين الطيورْ
لها جناحان مراحٌ ونورْ
كزورق يعبرُ بحرَ الوجودْ
له شراعان ولحظٌ شَرُودْ
كم شرّقا أو غرّبا في صعودْ
وارتفعا حتى كأن لن يعودْ
*** ***
ليلى ارجعي إني شقيٌّ كئيبْ
أهتف مفقودَ الهُدى والقرارْ
يا هاته الأوطان إني غريبْ
وعالمي ليس هنا يا ديارْ!
تركتني وحدي وخلفتني
أرزح تحت المبْكيات الثقالْ
أنكرتِ ميثاقي وأنكرتني
أكُلُّ ماضينا وليد الخيالْ؟
*** ***
فرغت من أحلامه وانطوى
بِمُرّهِ وارتحتُ من عذبهِ
الأمرُ ما شئتِ فذنب الهوى
على الذي يكفر يوماً بهِ
كان إلى الله سبيلي وما
كان إلى الإيمان دَرْبٌ سواهْ
وكان في جُرح الهوى بلسما
وكان عندي منحة من إلهْ
مهما تكن ناري فإنّ الجحيم
أرأفُ بي من ظلم هذا البعادْ
وربّ همّ مُقْعِدٍ أو مقيمْ
قد لطّفَتْهُ نسماتُ الودادْ
*** ***
فخفَّتِ النارُ وقرَّ الهشيمْ
وعاودتني الذِّكَرُ الغابرهْ
والنيلُ يجري هادئاً والنَّسيمْ
معربدٌ في الخُصَل الثائرهْ
كم تهتف الأيامُ: خانت فَخُنْ
ويح حياتي إنْ تَخُنْ أمسها
إن هنتُ هذا عهدُها لم يَهُنْ
ولا لياليها وإن تنسها
تُهيب بي الفرصةُ قبل الفواتْ
ويعرض الصَّيدُ فلا أقنصُ
إني امرؤ زادي على الذكرياتْ
وما غلا عنديَ لا يرخصُ
ومطلبٍ في العمر ولَّى وفات
وكان همِّي أنه لا يفوتْ
كأن فجراً ضاحكاً فيّ ماتْ
وملءُ نفسي مغربٌ لا يموتْ
*** ***
في السّام الحيِّ الذي لا يَبيدْ
والأملِ الطاغي بأن ترجعي
أجدِّدْ العيش وما من جديدْ
وأدّعي السلْوان ما أدّعي!
كم خانني الحظُّ ولا انثني
أقضي زماني كلَّهُ في لعلْ
وتقسم المرآة لي أنني
رَقَعْتُ بالآمالِ ثوبَ الأجلْ
قد فاتني الصيفُ وخان الربيعْ
وكان همّي كلُّه في الخريفْ
وما شَكاتي حين شملي جميعْ
وانت لي أيكٌ وظلٌّ وريفْ
*** ***
والآن قد مزّق عندي القناعْ
موتُ الأباطيل وزحف الشتاءْ
وبدَّد الوهمَ وفضَّ الخداعْ
بَرْدُ المنايا وشحوبُ الفناءْ
وأَسِفَ القلبُ لكنزي الذي
غَصّتْ به أفئدة الحُسَّدِ
صحوت من وهمي ولا كنز لي
قد صَفِرَتْ منها ومنه يدي
أين زمانٌ مُكتسٍ يومُهُ
بالحبِّ مَوْشِي بحُلْم الغدِ؟
وربما رقَّ زمانٌ قسا
فانعطف الجافي ولان الحديدْ
محقق الآمال أو واعدٌ
بفرحةٍ يوم لقاء وعيدْ
فإن يَعِدْني ثار شكّي به
كأنما وعد الليالي وعيدْ!
*** ***
وا آسفا هذا سجلٌّ كُتِبْ
خَطَّتْهٌ كفُّ القدَرِ المحتجبْ
ففيم عَوْدِي لقديم الحِقَبْ
وفيم تَسْآليَ عمّا ذهبْ؟
ضاقت بنا مصرُ وضقنا بها
وكلُّ سهلٍ فوقها اليوم ضاقْ
وضاقتِ الدنيا على رحبِها
أين نداماي وأين الرفاقْ؟
كفٌّ تَلُمُّ العمرَ والعُمرُ راحْ
وقبضةٌ تجمع شملَ الرياحْ
لا حَبَبٌ باقٍ ولا ظل راح
ليلٌ تولَّى وتولَّى صباحْ
هذا نهارٌ مات يا للنَّهارْ
كل مساءٍ مصرعٌ وانهيارْ
مال جدارُ النورِ بعد انحدارْ
وغابتِ الشمسُ وراءَ الجدارْ
*** ***
وذا مساءٌ صبغتْهُ الهمومْ
بلونها القاني وهذي غيومْ
تحوم والظلمةُ فيها تحومْ
تبسط مهداً ليّناً للنجومْ
كأن ثوباً في السماء احتراقْ
فلم يزل حتى استحال الأفقْ
ظلُّ دخانٍ أو بقايا رمقْ
ولمَ يعُد إلاَّ ذيولُ الشفقْ
وتزحف الظلماءُ زحفَ المُغيرْ
حاجبةً ما دونها كالسِّتارْ
وكل حيٍّ وادعٌ أو قريرْ
ما اختلف الشأن ولا الحظّ دارْ
العيشُ أمرٌ تافهٌ والمنونْ
والحكمةُ الكبرى بها كالجنونْ
وهكذا نمضي وتمضي السنونْ
وهكذا دارتْ رحاها الطحونْ
في شَجِّهَا حيناً وفي طَعْنِها
سينقضي العمرُ وأين الفرار؟
وثورةُ الشاكين من طحنِها

 
رحلة

نقلتُ حياتي والحياة بنا تجري
من الحلمِ المعسولِ للواقعِ المرِّ
فيا منتهى فنّي إلى منتهى الهوى
على ذروةٍ بيضاءَ في النور والطهرِ
عرفتك عرفان السماء ولم تكنْ
سوى همسات النجم ما جال في صدري
وغامت خطوطُ السفحِ حتى نسيتها
وحتى توارى السفح من عالم الذكر
وفي القممِ الشّمّاءِ حلّقتُ حائماً
وأنبتَ في أعلى شواهقها وكري
ولم يبقَ إلا أنت والجنَّةُ التي
زرعنا وكلّلّنا بيانعة الزهرِ
ولم يبقَ إلا أنت والنسمةُ التي
تهبُّ من الفردوسِ مسكيَّةَ النشرِ
ولم يبقَ إلا أنت والزورقُ الذي
ترنَّحَ منساباً على صفحة النهرِ
فيا منتهى مجدي إلى منتهى الغنى
غنىَ الروحِ بعد الضّنكِ والذلِّ والفقرِ
أعيذك أن أغدو على صخرة لَقىً
وكنتِ مِجَنّي في مقارعةِ الصخرِ
أعيذك بعد التاجِ والعرشِ والذي
تألَّقَ من ماسٍ وشعشع من تبرِ
أعيذك من ردّي إلى سَفهِ الثرى
وحِطَّتِه بين الأكاذيبِ والغدرِ
أعيذكِ أن تنسي ومن بات ناسياً
هواه فأحرى بالنهى عقم الفكرِ
فيا لك من حلمٍٍ عجيب ورحلةٍ
تعدَّتْ نطاقُ الحلمِ للأنجمِ الزُّهرِ
ويا لك من يومٍ غريب وليلةٍ
عَفَتْ وغفتْ عن ظلمِ روحين في أسر
ويا لك من ركن خَفِيٍّ وعالمٍ
خَفِيٍّ غنيٍّ بالمفاتنِ والسحرِ
ويا لك من أفقٍ مديد ومولد
جديد لقلبينا ويا لك من فجرِ
عرفتك عرفان النهار لمقلةٍ
مخضّبةِ الأحلام حالكةِ الذعرِ
رأت بك روحَ الفجرِ حين تبيّنتْ
بياض الأماني في أشعّتِهِ الحُمرِ
بيَ الجرحُ جرحُ الكونِ من قبل آدمٍ
تغلغلَ في الأرواحِ يَدْمي ويستشري
تولّتهُ بالإحسانِ كفٌّ كريمةٌ
مقدّسةُ الحسنى مباركةُ السرِّ
فإن عدتُ وحدي بعد رحلتِنا معاً
شريداً على الدنيا ذليلاً على الدهرِ
رجعت بجرحي فاغرَ الفمِ دامياً
أداريه في صمتٍ وما أحد يدري
هو العيشُ فيه الصبرُ كاليأس تارةً
إذا انهارت الآمالُ واليأسُ كالصبرِ
عرفتكِ كالمحرابِ قدساً وروعةً
وكنتِ صلاةَ القلبِ في السرِّ والجهرِ
وقد كان قيدي قيدَ حبِّكِ وحدَةُ
أنا المرءُ لم أخضعْ لنهيٍ ولا أمرِ
وأعجبُ شيء في الهوى قيدُكِ الذي
رضيتُ به صِنْواً لإيماني الحرِّ
بَرمْتُ بأوضاعِ الورى كل أمرهمْ
وسيلةُ محتاجٍ ومسعاةُ مضطرِّ
برمتُ بأوضاعِ الورى ليس بينهمْ
وشائج لم توصَلْ لغايٍ ولا أمرِ
إذا كان ما استنُّوا وما شرعوا القِلى
فذلك شرعُ الطينِ والحمَإِ المَزرى
تمردتُ لا أُلوي على ما تعوّدوا
ونفسي بهذا الشرعِ عارمةُ الكفرِ
وهبْ ملَكي الغالي الكريمَ وحارسي
تخلى فما عذرُ الوفاءِ وما عذري؟
عشقتُكِ لا أدري لحبيَ مبدءاً
ولا منتهى حسْبي بحبِّكِ أن أدري
إذا شئتِ هجراناً فما أتعس المدى
من النورِ للّيل المخيِّمِ للحشرِ!

 

رجوع الغريب

عادتْ لطائرها الذي غَنّاهَا
وشَدَا فهاج حَنينَها وشَجاهَا
أيُّ الحظوظ أعادها لوَ فيِّها
ونجيِّ وحدتها وإلفِ صباهَا
مشبوبة التحنان تكتم نارَها
عبثاً وتأبَى أن يبين لظاهَا
يا إِلفيَ المعبود! سِرّك ذائع
نار الحنين دفينها أفشاهَا
ماذا لقينا من لقاءٍ خاطفٍ
وعشية كالبرق حان ضحاهَا؟!
يا ويح هاتيك الثواني لَم تقف
حتى نسيغ هناءةً ذقناهَا!
حتى يمتع باليقين مكذب
عينيه في رؤيا يضلُّ سناهَا
تمضي لها الأبصارُ مُشعلة الهوى
وتحول عنها ما تَطيق لقاهَا!
تخبو العواطفُ في الصدور وتنتَهي
ويَجف في زهرِ القلوبِ نذاهَا!
وأنا أحسُّ اليومَ بدءَ علاقةٍ
وعنيف ثورتها وحزّ مدَاهَا!
لم تُرو منكِ نواظري وخواطري
ورجعت أزكى مهجةً وشفاهَا!
مدَّ الخريفُ على الرياض رواقَةُ
ومضى الربيعُ الطلقُ ما يغشاها
ما بالرياض؟! كآبةٌ في أرضِها
وسحابةٌ تغشى أديمَ سماهَا!
جمدت حمائمُ إيكِها وأنا الذي
شاكيتُها فاغرورقت عيناهَا!
كيف السبيلُ إلى شفاء صبابه
الدهر أجمع ما يبلُّ صداهَا!!
وإلى نسائم جنة سحرية
قرّحتُ أجفاني على مغناهَا!
قضيتُ أيامي أضمُّ خيالَها
وأضعت أيامي أقول عساهَا!


 
رسائل محترقة

ذوت الصبابةُ وانطوتْ
وفرغتُ من آلامها
لكنني ألقى المنايا
من بقايا جامها
عادت إليَّ الذكرياتُ
بحشدها وزحامها
في ليلة ليلاء أرّ
قني عصيب ظلامها
هدأت رسائل حبها
كالطفل, في أحلامها
فحلفت لا رقدت ولا
ذاقت شهيَّ منامِها
أشعلت فيها النار ترعى
في غزيز حطامها
تغتال قصة حبنا
من بدائها لختامها
أحرقتُها ورميت قلبي
في صميم ضرامها
وبكى الرماد الآدمي
على رماد غرامها

 
رواية

نزل الستارُ ففيمَ تنتظرُ
خلت الحياةُ وأقفر العمرُ
لم يبقَ إلا مقفر تعس
تعوى الذائبُ به وتأتمرُ
هو مسرحٌ وانفضَّ ملعبُهُ
لم يبقَ لا عينٌ ولا أثرُ
ورواية رويت وموجزها
صحبٌ مضوا وأحبّةٌ هجروا
عبروا بها صوراً فمذ عبروا
ضحك الزمانُ وقهقه القدر


 
روض الحسن

في أيِّ روضٍ من رياضكِ أمرحُ
وبأيِّ آلاءٍ لَدَيكِ أُسَبِّحُ؟
ثمرٌ على ثمرٍ وإن المُجْتنى
ليحار من عذب الجنى ما يطرحُ
بالشعر أم بالمقلتينِ معلَّقٌ
من ناظريْ وخواطري لا يبرحُ
تلك المحاسن في نُهايَ جميَعُها
رفّافةٌ ومغرَداتٌ صُدَّحُ
فإذا غفوتُ فإنني أمسي بها
وعلى مغانيها الفواتنِ أُصبحُ
 
زازا

أنا وحدي في البيدِ حيرانُ هائمْ
فمتى تذكرُ القفارُ الغمائمْ
رحمةً يا سماء إن فمي جفّ
وحلقي عن المواردِ صائمْ
غاض نبع المُنى ولم يبقَ حتى
ومضة الحلم في محاجر نائمْ
أيها الطاعم الكرى ملء جفنيك
وجفني من الكرى غيرُ طاعمْ
أَبكني واستبِد بي واقضِ ما شاء
لك الحسنُ فيَّ وظلِمْ وخاصمْ
غير هذا النوى فإن لياليه
ظلالٌ من المنايا حوائمْ
تضمحلُّ الحياةُ فيه وتنهدُّ
كأن النهارَ معْولُ هادمْ
لا تكلْني لذلك الأبد الأسود
في قاع مُزبدِ اللُّج قاتمْ
لا تكلني لِهُوَّة تعصف الأشباحُ
في جوفها وتعوي السمائمْ
لا تكلْني إلى جناحِ عُقابٍ
في ضلوعي محَلِّق الرعبِ جاثمْ
لا تكلْني لضائع في حنايا
ها غريب في مهمهٍ من طلاسمْ
يسأل الزهرُ والخمائلُ والأنْوارُ
عن تِربها الضحوك الباسمْ
ذاق ما ذاق في الصبابة إلا
ذبحة الروح وانفصال التوائمْ
إن تَعُدْ محسناً إليّ فعُد بي
للعهود المقدسات الكرائمْ
وإذا ما رأيتَ عزميَ ينهارُ
فثِّبتْ بالذكريات الدعائمْ
جئتني في الخريف والروضُ عارٍ
فكسوتَ الربى عذارى البراعمْ
وأجال الربيع أخضرَ كفّيهِ
ليمحو اصفرارَه المتراكمْ
رحلة للنجوم لم تك أوهاماً
وبعضُ النعيمِ أوهامُ حالمْ
آه كم ليلة أراجع أيامي
أعُدُّ العُلى وأُحصي العظائمْ
وحسبت الخسران فيها فكان
الغبنُ عندي زمانيَ المتقادمْ
قبل أن نلتقي فلما تلاقينا
عرفت الغنى وذقت المغانمْ
حيثما أغتدي فإن الدراري
ملءُ روحي وفي خيالي بواسمْ
إن أبتْ جائعاً فثمّة زادي
أو أبتْ معسراً فثمَّ الدراهمْ
وعجيبٌ قد كنت لي حسد الحساد
فيها وكنت أنت التمائمْ
بالذي صنتُ عهدَه لم أخنْهُ
ومتى خانتِ الأكفُّ المعاصمْ؟
والذي حكمه كأقدار عينك
فما منهما ولا منه عاصمْ
أيُّ صوتٍ من الغيوب يناديني
فأطوي له الدُّنى والمعالمْ
قدر مشعلٌ على شفةٍ تدعو
فأخطو على اللظى غيرَ نادمْ
وفؤادي يحومُ بالنار لا يحفل
أني على المنيَّة حائمْ
الهوى مصرعي وكم من حِمامٍ
كان باباً إلى الخلود الدائمْ
وطريقاً من الأسنّةِ والشوكِ
روتْ أرضَه الدموعُ السواجمْ
شهد اللهُ ما قضيتُ الليالي
ناعمَ الجنب فوق مهدٍ ناغمْ
أيُّ جَيشيك مغرقي ليلي الطاغي
أم الشوق وحدهُ وهو عارم؟
آهِ مِن رُبما ومن أملٍ يُمْسكُ
نفسي رجاء يومٍ قادم
قد تجيءُ الأنباءُ من شاطئ النيل
غداً والمبشراتُ النسائمْ
وتكونُ النجاةُ في القمر الساري
على زورقٍ من النورِ حالمْ



 
سمراء المحفل

مَلَكي ومحرابي وقد
سَ فؤاديَ المتبتِّلِ
لمن الجمال الفخمُ ير
فُل في الغلائلِ والحُلِي؟!
متألباً في خاطري
متألقاً في المحفلِ
إقبلْ بما ولَّت به الدنيا
وهاتِ وعللِ
وابسط جناحكَ فوق
قلبيْنا الغداة وظلّلِ
طِرْ حيث شئتَ فإن دنتَ
لناظري فتمهلِ
واهاً لهذي الطلعةِ السمراءِ
عند المجتلي
بغلائل الأضواءِ وشَّتْها
رِقاقُ الأنملِ
وشَّت بشاشتُها نضارةُ
وجهك المتهلّلِ
فكأن طفلَ الفجرِ نامَ
على وسادةِ جدولِ!

 

ساعة التذكار

شَجنٌ على شَجنٍ وحرقةُ نارِ
مَنْ مُسعدِي في ساعةِ التذكارِ
قُمْ يا أميرُ! أفِضْ عليَّ خواطراً
وابعث خيالَك في النسيم الساري
واطلع كعهدك في الحياةِ فراشةً
غراءَ حائمةً على الأنوارِ
يا عاشقَ الحرية الثكلى أَفِقْ
واهتفْ بشعرك في شباب الدارِ
يا مَنْ دعا للحق في أوطانهِ
ومضى ليهتفَ في ديار الجارِ
الشامُ جازعةٌ ومصرُ كعهدها
نهبُ الخطوبِ قليلةُ الأنصارِ
والحظُّ أطمارٌ كما شاءَ البلَى
والعيشُ رثٌّ والسنونُ عوارِ
عامٌ مضى يا للزمان وطيِّه
فينا ويا لسواخر الأقدارِ!
عامٌ مضى وكأنّ أمس نعيُّه
يا ما أقلَّ العامَ في الأعمار!
أيْنَ الامارة والأميرُ ودولة
مبسوطةُ السلطان في الأمصار
خمسون عاماً وهي وارفة الجنَى
تحت الربيعِ دؤوبة الأثمارِ!
مَدَّ الخريفُ على الرياض رواقةُ
ومضى الربيعُ الضاحكُ النّوارِ!
هيهات أنسى قبلَ بينك ساعةً
جمعتْ صحابَك في غروب نهار
والشمس في سقم الغروب شعاعاً غارباً
لونِ الشحوب معصفرٌ ببهارِ
منحتْ وقد ذهبت شعاعاً غارباً
كسناكَ طوّافاً على السّمارِ
تشكو ليَ الضعفَ الملمَّ لعلَّ في
طبي مقيلاً مِن وشيكِ عثارِ
وكشفتَ عن متهدِّمٍ جال الردى
متهجماً في صَرحه المنهارِ
فرأيتْ ما صنع الضنى في صورةٍ
حالتْ، وخلى هيكلاً كإطارِ
ووجمتُ! المحُ في الغيوب نهايةً
وأرى بعينيَ غايةَ المضمارِ
وأرى النبوغَ وقد تهاوى نجمُه
والعبقريةَ وهي في الإِدبارِ!
أوَلم يكن لك من زمانِك ذائداً
وثباتُ ذهن ماردٍ جبارِ؟
أوَلَمْ يكن لكَ من حِمامِك عاصًماً
ذاك الجبينُ مكللاً بالغارِ؟
ولَّيتَ في إثر الذين رثيتهُم
واقمتَ فيهم مأتمَ الأشعار
وسُقيتَ من كأسٍ تطوف بها يدٌ
محتومةُ الاقداح والأدوارِ
والدهرُ يقذف بالمنايا دفَّقاً
فمضيتَ في متدفق التيارِ
في ذمة الأجيالِ ما غنَّت به
قيثارةٌ سحريةُ الاوتارِ
صدحتْ بألحان الحياة ووقَّعتْ
أنغامَها المحجوبة الأسرارِ
والفنُّ ما حاكى الطبيعةَ آخذاً
منها ومن إعجازها بغرارِ
مسترسلاً رحباً كعينٍ ثرّةٍ
شتى السيولِ سحيقةِ الأغوارِ
متعالياً حتى الأشعةِ مشرقاً!
متألفاً كالكوكبِ السيَّارِ!
شوقي! نظمتَ فكنت برّاً خيِّراً
في أمة ظمأى إلى الأخيارِ!
أرسلتَ شعرَك في المدائن هادياَ
شبهَ المنارِ يطوف بالأقطارِ
تدعو إلى المجد القديمِ وغابرٍ
طيّ القرون مجلَّلٍ بوقارِ!
تدعو لمجدِ الشرق: تجعل حبَّهُ
نصبَ القلوبِ وقبلةَ الأنظار!
تبكي العراقَ اذا استُبيحَ ولا تضنّ
على الشآم بمدمعٍ مدرارِ
وترى الرجالَ وقد أُهين ذمارهم
خرجوا لصون كرامةٍ وذمارِ
فلو استطعتَ مددتَ بين صفوفهم
كفّاً مضرجةً مع الاحرارِ!
ما زلتَ تُبعثُ في قريضِكَ ثاوياً
أو ماضياً حَفِلاً بكلِّ فخارِ
حتى اتُّهمتَ فقالَ قومٌ: شاعرٌ
ناجى الطلولَ وطاف بالآثارِ!
فجلوتَ ما لَم يشهدوا، ورسمت ما
لَم يعهدوا من معجز الأفكار!
شيخٌ يدبُّ إلى الأصيل وقلبُهُ
وجناُنهُ في نضرة الأسحارِ
ويحسُّ تبريحَ الصبابَةِ واصفاً
مجنونَ ليلى في سحيقِ قفارِ
ويروح يبعث كليوباترا ناشراً
تلك العصور وطيفَها المتواري!
ويرى الحياةَ الحبَّ والحبَّ الحياة!
هما شعارُ العيش أيُّ شعارٍ

 
سباق

فجرٌ أطلّ عليّ بالإشرافِ
والقلب يحفزني ليوم تلاقي
فطردتُ ثقل السهد لا ثقل الكرى
قلبي بوثبته يسابق ساقي
عيناي أم قلبي أم القدم التي
حثَّت خطاها في مجال سباق
هذا قليل قد شرحت دفينه
وعلى ذكائك أنت فهم الباقي

 
سر بي

أحبك فوق ما عشقتْ قلوبٌ
ولا أدري الذي من بعدِ حبي
وأعلم أن كُلِّي فيك فانٍ
وعيني فيك ذائبةٌ وقلبي
وأعلم أن عندك من يُنادي
خفيّاً هاتفاً وأنا الملبي
وأعلم أن حبي ليس يشفى
وبعدي ليس يُجديني وقربي
ولما لم أجدْ للحبِّ حلاّ
هتفتُ به كما. يرضيك سِر بي!
وخذني حيث هند لا تسلني
لأية غايةٍ ولأيِّ دربِ!

 
سرب من الحور

سرب من الحور الفواتن
كالزهور نواضر
ألهمنني وأحطن بي
فجري بشعري الخاطر
ألهمنني وشككن بي
ونسين أني شاعر
فإذا اعترفن فإنني
للفضل دوماً ذاكر
وأنا لــ "فلّة" عارفٌ
وإلى "أمينة" شاكر



 
سـاعة لقاء

يا حبيبَ الروحِ يا روِحَ الأماني
لستَ تدري عطش الروح إليكا
حلّ يا ساحر سفوٌ وسلام
بعد فتكِ البينِ بالقلبِ الغريبْ
** **
أنت يا معجزَةَ الحسنِ ملكْ كلُ لفظٍ
منك شعرٌ قُدسيّ
كيف يفنى ما كتبناهُ بنارْ
وخططْناهُ بسهدٍ ودموعْ
*** ***
يتمشى القسمُ في قلبِ الأًجلْ
وأراني لك ما وفّيتُ دَيْني
كيف يفنى ما كتبناهُ بنارْ
وخططْناهُ بسهدٍ ودموعْ
*** ***
لم تزَلْ ذكراهُ من بالي وبالِكْ كيف
ينسى القلبُ أحلامَ صباهْ؟
التقت أرواحُنا في ساحةٍ كغريبينِ
استراحا من سَفرْ!
وتساءلتُ عن الماضي وهلْ حَسُنت
دنيايَ في غير ظلاِلكْ؟
يا حبيبي! أين أمضي من خجل
وفؤادي أين يمضي من سؤالِكْ!
يتمشى القسمُ في قلبِ الأًجلْ
وأراني لك ما وفّيتُ دَيْني
درجَ الدهرُ وما أذكرُ بعدَكْ
غيرَ أيامِك يا توأم نفسي!
درجَ الدهرُ وما أذكرُ بعدَكْ
غيرَ أيامِك يا توأم نفسي!
وأنا الطائرُ! قلبي ما صبا
لسوى غصِنك والوكرِ القديمْ
ما تبدّلنا! ولا حالُ الصِّبا
والهوى الطاهرُ والودُّ الكريمْ
ما تبدّلنا! ولا حالُ الصِّبا
والهوى الطاهرُ والودُّ الكريمْ
لم تزَلْ ذكراهُ من بالي وبالِكْ كيف
ينسى القلبُ أحلامَ صباهْ؟
قد صحتْ عيني على فجر جمالكْ
كيف يُنسى الفجر يا فجرَ الحياهْ؟
قد صحتْ عيني على فجر جمالكْ
كيف يُنسى الفجر يا فجرَ الحياهْ؟
وحطَطْنا رحلَنا في واحةٍ
زادُنا فيها الأمانيْ والذِكرْ
وتساءلتُ عن الماضي وهلْ حَسُنت
دنيايَ في غير ظلاِلكْ؟
يا حبيبي! أين أمضي من خجل
وفؤادي أين يمضي من سؤالِكْ!
شدَّ ما يُخجِلُني جهدُ المُقِلْ
مِنِ شباب ضاعَ أو من نورِ عينِ
يتمشى القسمُ في قلبِ الأًجلْ
وأراني لك ما وفّيتُ دَيْني
أنا شاديكَ ولحني لك وحدكْ
فاقضِ ما ترضاهُ في يومي وأمسي
درجَ الدهرُ وما أذكرُ بعدَكْ
غيرَ أيامِك يا توأم نفسي!
وأنا الطائرُ! قلبي ما صبا
لسوى غصِنك والوكرِ القديمْ
ما تبدّلنا! ولا حالُ الصِّبا
والهوى الطاهرُ والودُّ الكريمْ
لم تزَلْ ذكراهُ من بالي وبالِكْ كيف
ينسى القلبُ أحلامَ صباهْ؟
قد صحتْ عيني على فجر جمالكْ
كيف يُنسى الفجر يا فجرَ الحياهْ؟


 
شعرة

وشعرةٍ خطفتُها
كأنني قطفتُها
ملكتُ ملكَ الدهرِ وحدي
حينما ملكتُها
إذا الرياحُ نازعتني
أمرَها ضممتُها
بقبضتيَّ خائفاً
إذا اعتدتْ رددتُها
وفي مكانٍ ليس في
بالٍ جَرى خَبَأتُها
خبأتُها حيث إذا
جُنَّ الهوى رأيتُها
حبستُها قرب عيوني
إن أشَأْ نظرتُها
كأنما في بصري
ومقلتي أخفيتُها
هذي لديَّ صورةٌ
من حالنا جلوتُها
أنت كهذي الشعرة السمراء
مذ عرفتُها
أقسم بالحب وهاتيك
السنين عشتُها
كأنني في جنّة الفردوسِ
قد قضيتها

 
شفاء . . . وشفاءْ

إن يكن "مظهر" يا زيـ
ـنب ربّ المعجزات
مِبْضعٌ يأسو ويشفي
في الأكف الشافيات
وفتى كالملَكِ الساحر
حلوُ الكلمات
وله مجد المجدّ
ين وأقدار الثقات
فوق أخلاق كريمات
رقاق محسنات
إنه يَشفِي . . . وتَشفيِِ
زينبٌ بالبسمات
أبداً دأبكما الخالد
بعثٌ للحياة
ومسير الرحمة الكبـ
ـرى كما في النسمات
فاهنا . . . إنكما حقّاً
سواء في السمات

 

شفاعة

لا تمْحُ رَوْعَتَها بذكر فعالها
دعْها تمرُّ كما بدت بجلالها
لا تنكرنَّ الشمسَ عند غروبها
أَوَ ما نعمتَ بِدِفْئِها وظلالها؟
إن كان فاتك مجدها رَأدَ الضُّخى (؟!)
فاحمدْ لها ما كان من آصالها

 
شك

تَشُكِّين في حبِّي؟ لك الحقُ إنني
جديرٌ بهذا الظُّلم والريبِ والشّكِّ
خليقٌ بأن تَنْسي هوايَ فتنطوي
سعادةُ أيامي التي ذُقتُها منكِ
إذا أنا لم أذْكركِ في كل لحظةٍ
وقصّرتُ لم أسألْ ثوانِيَهَا عنكِ
إذا أنا لم أبْذلْ شجايَ وعبْرَتي
على كل وقتٍ ضائعٍ كنتُ لا أبكي
فلا حبَّ عندي أستلذُّ به الجوى
بما فيه من سقمٍ وما فيهِ من ضنكِ
أليلايَ حُبِّي فيك حُبُّ مُوَحِّد
تَنزَّهَ عن ريبٍ وجلَّ عن الشِّركِ
تبقى بقاء القلب ينبضُ دائماً
وليس لسلوانٍ وليس إلى تركِ


 
شكوى الزمن

يا ويلتا من عمريَ الباقي
هذا سوادٌ تحت أحداقي
هذا بياضُ الشيب واعجبي
من مغرب في زِي اشراقِ
ويلي على كأسٍ معربدةٍ
وعلى دمٍ في الكأس مهراقِ
وعلى سراب خادعٍ وعلى
متألقِ اللمحاتِ براقِ
طاف الزمان به على نفرٍ
مالوا بهاماتٍ وأعناقِ
صُرعوا وأنت تظنهم سكروا
مات الندامي أيها الساقي
يا دهر لم أشك الكلالَ ولا
ملكتْ خطوبُ الدهر إرهاقي
عذبت أيامي بعِفَّتها
وقتلتها بصفاء أخلاقي
يا كم غرست وكم سقيت وكم
نضرت من زهر وأوراقِ
ما حيلتي والأرضُ مجدبةٌ
سيان إقلالي وإغداقي
أين الذين رفعت فانحدروا
وبنيتُهم بنيان خلاق
أن الوفاءَ بضاعةٌ كسدَتْ
ومآل صاحبِها لإملاقِ
إن كنتُ لم أغنمْ فقد ظفرا
مني بمغفرتي وإشفاقي
لكنني والجرح يُلهب لي
حسي ويكوي كَي إحراقِ
هيهات أنسى أنهم عبثوا
ووفيْتُ لم أعبث بميثاقي

 
شكوى واعتذار

أبي! أخي! كعبة آمالنا
أكرمتني أكرمك اللهُ
أعجب ما في الشكر أني أمرؤ
بيانه عندك يعصاهُ
يا من يرى القلبَ وشكواه
ويعلم الشعر ونجواهُ
كم شاعر منطقه خانه
فاغرورقت بالشعر عيناهُ
ما أكرم الخلق وأسماه
وأعذب الطبع وأصفاهُ
انك فردٌ دون ثانٍ ولن
يرى لهذا النبل أشباهُ
عفوك عن حال فتى متعب
بات على الأشواك جنباهُ
طال به الليل على حيرة
وامتد كالموجة يغشاهُ
يسائل الليل على طوله
عن ذلك الليل وعقباهُ
والنور أين النور؟ هل غاله
ماحٍ محا الفجرَ وأخفاهُ؟
قد كدتَ لولا ثقة لا تهي
وخشية الله وتقواهُ
أقول جف البر لا ديمة
تهمي ولا المزنة ترعاهُ
حتى رأيت الخير في طلعة
تحمل لي الخير وبشراهُ
في لمعة تومض في فرقد
في فلك أنت محياهُ
حمدت ربي وعرفت الرضى
يا رحمة الله ونعماهُ

 
الوسوم
ابراهيم الشاعر ديوان وادي
عودة
أعلى