ديوان الشاعر ... ابراهيم ناجي

تكريم

يا صفوة الأحباب والخلاّن
عفواً إذا استعصى عليّ بياني
الشعرُ ليس بمسعفٍ في ساعةٍ
هي فوق آي الحمد والشكرانِ
وأنا الذي قضّى الحياةَ معبراً
ومرجعاً لخوالج الوجدانِ
أقفُ العشيةَ بالرِّفاقِ مقصراً
حيران قد عقد الجميلُ لساني
يا أيها الشعر الذي نطقتْ به
روحي وفاض كما يشاء جناني
يا سلوتي في الدهر يا قيثارتي
ما لي أراكِ حبيسة الألحان؟
أين البيان وأين ما علمتني
أيام تنطلقين دون عنانِ؟
نجواك في الزمن العصيب مخدَّرٌ
نامت عليه يواقظ الأشجانِ
والناسُ تسأل والهواجسُ جمةٌ
طبٌّ وشعرٌ كيف يتفقان؟
الشعرُ مرحمة النفوسِ وسِرُّه
هِبةُ السماءِ ومِنحةُ الدَّيانِ
والطبُّ مرمحه الجسومِ ونبعُهُ
من ذلك الفيضِ العليِّ الشانِ
ومن الغمام ومن معينٍ خلفَهُ
يجدان إلهاماً ويستْقيان
يا أيها الحبُّ المطهرُ للقلوب
وغاسل الأرجاس والأدران
ما أعظم النجوى الرفيعة كلما
يشدو بها روحان يحترقان
أنفا من الدنيا وفي جسديهما
ذُلُّ السجين وقسوة السجانِ
فتطلعا نحو السماءِ وحلّقا
صُعُداً إلى الآفاق يرتقيان
وتعانقا خلفَ الغمامِ وأترعا
كأسيهما من نشوةٍ وحنانِ
اكتبْ لوجه الفَنِّ لا تعدلْ بهِ
عَرَض الحياةِ ولا الحطامِ الفاني
واستلهم الأمَّ الطبيعةَ وحدَها
كم في الطبيعةِ من سَرِي مَعانِ
الشعرُ مملكةٌ وأنتَ أميرُها
ما حاجة الشعراءِ للتيجانِ
"هومير" أمّرهُ الزمانُ لنفسه
وقضت له الأجيالُ بالسلطان
اهبطْ على الأزهار وأمسح جفنَها
واسكب نداك لظامىءٍ صَدْيانِ
في كلِّ أيكٍ نفحةٌ وبكل روضٍ
طاقةٌ من عاطر الريحانِ

 
تكريم كاتب

يا صفوة الأحباب والخلانِ
عفواً إذا استعصى عليَّ بياني
الشعرُ ليس بمسعفٍ في ساعةٍ
هي فوق آي الحمدِ والكشرانِ
وأنا الذي قصّى الحياةَ معبراً
ومرجعاً لخوالج الوجدانِ
أقف العشية بالرفاق مقصراً
حيران قد عقد الجميل لساني
يا أيها الشعر الذي نطقت به
روحي وفاض كما يشاء جناني
يا سلوتي في الدهرِ يا قيثارتي
ما لي أراكِ حبيسةَ الألحانِ..
أين البيان وأين ما علمتني
أيام تنطلقين دون عنانِ
نجواك في الزمنِ العصيبِ مخدرٌ
نامت عليه يواقظُ الأشجانِ
والناسُ تسأل والهواجسُ جمةٌ
طبٌّ وشعرٌ كيف يتفقان؟
الشعرُ مرحمةُ النفوسِ وسرُّهُ
هبةُ السماءِ ومنحةُ الديانِ
والطبُّ مرحمةُ الجسومِ ونبعُه
من ذلك الفيض العلي الشانِ
ومن الغمامِ ومن معينٍ خلفَهُ
يجدان إلهاما ويستقيانِ
*** ***
يا أيها الحب المطهر للقلوبِ
وغاسل الأرجاس والأدرانِ
ما أعظم النجوى الرفيعة كلما
يشدو بها روحان يحترقانِ
أنفا من الدنيا وفي جسديهما
ذلُّ السجين وقسوةُ السجانِ
فتطلعا نحو السماءِ وحلقا
صعدا إلى الآفاق يرتقيان
وتعانقا خلف الغمامِ واترعا
كأسيْهما من نشوةٍ وحنانِ
أكتبْ لوجه الفن لا تعدلْ بهِ
عرضَ الحياة ولا الحطام الفاني
واستلهمِ الأمَّ الطبيعةَ وحدَها
كم في الطبيعة من سري معاني
*** ***
الشعرُ مملكةٌ وأنت أميرُها
ما حاجة الشعراء للتيجانِ
هومير أمَّره الزمان بنفسه
وقضت له الأجيال بالسلطانِ
اهبطْ على الأزهار وامسح جفنَها
واسكبْ نداكَ لظامئ صديانِ
في كل أيكٍ نفحةٌ وبكلِّ روضٍ
طاقةٌ من عاطر الريحانِ

 
ثلاث سنين

ثلاث سنين أم ثلاث ليالِ
هي البرق أم مرَّتْ كلمحِ خيالِ؟
وما كان هذا العمرُ إلا صحائفاً
تلاشتْ ظلالاً رُحْن إثر ظلالِ
وما كان إلا أمس لقياك إنه
لأثبتُ ما خطّ الزمانُ ببالي
وما العمر إلا أنت والحب والمنى
وما كان باقي العمر غيرَ ضلالِ!


 
حلم الغرام

لا حبَّ إلا حيث حلَّ ولا أرى
لي غير ذلك موطناً ومقاما
وطني على طول الليالي دارهُ
مهما نأى وهواي حيث أقاما
والأرضُ حين تضمُّنا مأهولةٌ
لحظاتُها معمورةٌ أيّاما
لا فرق بين شَمالِها وجنوبِها
فهما لقلبي يحملان سلاما
وهما لعهدي حافظان وقلّما
حفظ الزمانُ لمهجتين ذماما
وإذا بكيتُ فقد بكيتُ مخافةً
من أن يكون غرامُنا أحلاما
ولربما خطرَ النّوى فبكيتُهُ
من قبل أن يأتي البعادُ سجاما


 
حب على الصحراء

أحبكَ ما حييتُ وأنتَ حسبي
فجربْ أنت قلباً بعد قلبي
ويا أسفاً على صحراءِ عمرٍ
جفاها بعدك المطرُ الملبي
نهاري في لوافحِها سرابٌ
وليلي من أباطيلٍ وكذبِ
وفي أذنيَّ من شفتيكَ عتبٌ
إذا أنا ساعةً اضجعتُ جنبي
وتلك قوافلُ الأيامِ تترى
تمر علي سراباً بعد سربِ
عوابِسُ لا يطل سناك منها
ولم ألمحْ مطالعُه بركب
فإن غفلتْ عيونُ الحظِّ عنا
وصرت -ولم أكن أدري- بقربي
تبينِّي فتلك خيامُ حبي
واني موقدُ لك نار قلبي

 

خمر الرضا

يا حبيبي اسقني الأمانيَ واشربْ
بوركتْ خمرةُ الرضا وهي تسكبْ
بورك الكأسُ والحبابُ الذي يرقصُ
في الكأس والشعاعِ المذهبْ
نضبت رحمةُ الوجودِ جميعاً
وبكَ الرحمة التي ليس تنضبْ
وإذا ضاقت السماءُ بشجوي
فالسماءُ التي بعينيكَ أرحبْ
كم تمنيتُ والصدور تجافيني
وتزورُ الوجوه تقطبْ
كم تمنيت صدرك البر يرتاحُ
على خفقهِ الطريدِ المعذبْ
هات وسّدني الحنان عليه
جسدي متعب وروحي متعب

 
خاطرة

نارٌ من الشوقِ إثرَ نارْ
فلا هدوءٌ ولا قرارْ
إنك لي مبدأ وَعَوْدٌ
منك إلى صدرك الفِرارْ
يا مرفأ الروحِ لا تدعْني
بلا دليلٍ ولا منارْ
موجٌ وريحٌ وزحفُ ليلٍ
فمن دمارٍ إلى دمارْ
إن أنت أخلفت وعد حبي
لم تؤوني في الديارِ دارْ
وليسَ لي في الهوى اصطبار
وليس لي دونك اختيار

 
ختام الليالي

الليالي! يا ما أمرّ الليالي
غيبتْ وجهك الجميل الحبيبا
أنت قاسٍ معذبٌ ليت اني
أستطيع الهجران والتعذيبا
ان حبي إليك بالصفح سبّاقُ
وقلبي إليك مهما أصيبا
يا حبيبي كان اللقاءُ غريبا
وافترقنا فبات كل غريبا
غير أني أستنجد الدمعَ لا ألقى
مكان الدموعِ إلا لهيبا
آه لو ترجع الدموعُ لعيني
جف دمعي فلست أبكي حبيبا


 
خشوع

جمالك الهادئ الرزين
وسحرك الواضح المبينْ
ابدع ما مرّ في خيالٍ
وخير ما أبصرت عيونْ
وسرّه أنت تجهلينْ
وكيف لو كنت تعلمينْ
وكيف أضنى القلوب منا
وكيف جئناه طائعين
وكيف نلقاك في سرور
وكيف نلقاه خاشعين

 
خواطر الغروب

قلتُ للبحر إِذ وقفتُ مساءَ
كمٍ أطلتَ الوقوفَ والإصغاءَ
لكأنّ الأضواءَ مختلفاتٍ
جَعَلَتْ منكَ رَوْضَةً غَنّاءَ
إِنما يفهم الشبيهُ شبيهاً
أيها البحر، نحن لسنا سواءَ
وعجيبُ إليك يممتُ وَجهي
إذ مللتُ الحياةَ والأحياءَ
ما تقول الأمواجُ! ما اَلَم الشمسَ
فولّت حزينةً صفراءَ
وعجيبُ إليك يممتُ وَجهي
إذ مللتُ الحياةَ والأحياءَ
ويح دَمعي وويح ذلة نفسي
لَم تدع لي أحداثهُ كبرياءَ!
كل يومٍ تساؤلٌ .. ليت شعري
من ينبِّي فيحسن الإِنباءَ؟!
ما تقول الأمواجُ! ما اَلَم الشمسَ
فولّت حزينةً صفراءَ
تركتنا وخلفتْ ليلَ شكٍّ
أبديٍّ والظلمةَ الخرساءَ
وكأنَّ القضاءَ يسخر مني
حين أبكي وما عرفتُ البكاءَ
أبتغي عندك التأسّي وما تملك
رَدّاً ولا تجيب نداءَ!
ويح دَمعي وويح ذلة نفسي
لَم تدع لي أحداثهُ كبرياءَ!
كل يومٍ تساؤلٌ .. ليت شعري
من ينبِّي فيحسن الإِنباءَ؟!
ما تقول الأمواجُ! ما اَلَم الشمسَ
فولّت حزينةً صفراءَ
تركتنا وخلفتْ ليلَ شكٍّ
أبديٍّ والظلمةَ الخرساءَ
وكأنَّ القضاءَ يسخر مني
حين أبكي وما عرفتُ البكاءَ
ويح دَمعي وويح ذلة نفسي
لَم تدع لي أحداثهُ كبرياءَ!

 
خطاب

قَبَّلْتُ خطَّك ألْفا
ولم أَدَعْ منه حرفا
قد كنتِ توأم قلبي
وكنتِ في الغيبِ إلفا
يا هند ما الحسن إني
أُجلُّ حسنَكِ وصفا
رأيتُه بخَيال
على جمالك رَفَّا
وكيف أخفي اشتياقي
ما بيننا ليس يَخْفَى!


 
دَين الأحياء

دَينٌ . . . وهذا اليومُ يومُ وفاءِ
كم منَّةٍ للميْتِ في الاحياءِ!
إن لَم يكن يُجزَى الجزاءَ جميعَه
فلعلَّ في التذكار بعضَ جزاءِ
يا ساكنَ الصحراء منفرداً بها
مستوحشاً في غربةٍ وتنائي
هل كنتَ قبلاً تستشفّ سكونَها
وترى مقامَك في العراء النائي
فأتيتَ - والدنيا سرابٌ كلها-
تروي حديثَ الحبِّ في الصحراءِ
ووصفتَ قيساً في شديدِ بلائه
ظمآن يطلب قطرةً من ماءِ
ظمآن حين الماء ليلى وحدُها
عزَّت عليه ولَم تُتح لظماءِ!
هيمان يضرب في الهواجر حالماً
بظلال تلك الجنة الفيحاءِ
فاذا غفا فلطيفها، وإذا هفا
فلوجهها المستعذبِ الوضّاءِ
يا للقلوب لقصةٍ بقيت على
قِدم الدهور جديدةَ الأنباءِ
هي قصةُ الطيف الحزين، وصورةُ
القلب الطعين، مجللاً بدماءِ
هي قصةُ الدنيا، وكم من آدم
منا له دمعٌ على حوّاءِ
كل به قيسٌ إذا جنَّ الدجى
نزع الإباءَ وباح بالبرحاءِ
فاذا تداركه النهارُ طوى المدا
معَ في الفؤاد وظُنَّ في السعداء
لا تعلم الدنيا بما في قلبه
من لوعةٍ ومرارةٍ وشقاء
كلٌّ له "ليلى" ومن لَم يَلقها
فحياته عبثٌ ومحضُ هباءِ
كلٌّ له "ليلى" يرى في حبها
سرّ الدُّنى وحقيقة الأشياءِ
ويرى الأماني في سعير غرامها
ويرى السعادةَ في أتمِّ شقاءِ
الكونُ في احسانها والعمرُ عند
حنانها، والخلدُ يومُ لقاءِ
يا للقلوب لقصةٍ محزونةٍ
لم تُروَ إلاَّ روِّحَتْ ببكاءِ
خلُدت على الدنيا وزادت روعةً
ممّا كساها سيدُ الشعراءِ
خلدتْ على الدنيا وزادت روعةً
من جودة التمثيل والإلقاءِ
من فنّ (زينبها) ومن (علاّمها)
زين الشباب وقدوةِ النبغاء

 
دعاء الراعي

يا أيها الحملُ الوديعُ أنا الذي
يحنو عليك. أنا الحبيبُ الراعي
كم ليلة والرعبُ يمشي في الدجى
والهولُ منتشرٌ على الأصقاع
أغفيت في كنفي وفي ظلِّ الكرى
كالطفلِ في أمنٍ مِنَ الأوجاعِ
ياربِّ! قد وهت العصا واستأثرتْ
غيرُ الليالي بالقويِّ الباعِ
يا ربِّ إِن تك قد حكمتَ بفرْقةٍ
وإذنتَ للراعي بوشك زماعِ
فانظر إِلى الحملِ الوديع ووقِّه
شرَّ النفوسِ وفتنةَ الأطماعِ
نضِّره له الدنيا ومد ربيعَها
وانشرهُ مؤتلقاً بكل شعاع
واجعلْ له الأيامَ ظلاًّ وارِفاً
وخريرَ أنهارِ وخصبَ مراعي!

 
دعابات

دعوتَ فلبينا ودارُك كعبةٌ
بها انعقد الإخلاصُ والحبُّ طُوَّفا
خميلتُنا تهفو إليها قلوبُنا
وأي فؤادٍ للخميلةِ ما هفا
بنوك الألى تحنو عليهم تعطفا
وترعاهم براً بهم متلطفا
إذا خلعوا بعض الوقاء فسعهم
فمثلك عن مثل الذي صنعوا عفا
هنا اطرح الأعباء مثقل كاهل
وخفف من وقريه من تخففا
فما على الفضل الأباظي طامعا
وأغرق في الجود الأباظي مسرفا
فيا ندوة السمار هل من مسجل
يدوّن إعجاز القرائح منصفا
ليشهد أن الشعر شيء مشى بنا
مع الطبع جل الطبع أن يتكلفا
وفي دمنا يجري به متواصلا
مع النفس الجاري وينساب مرهفا
فهل ناقل عني الغداة وناشر
مقالة صدق قد أبت أن تحرّفا
حديث غنيم والردنجوت والذي
جرى بيننا ما كنت بالحق مرجفا
*** ***
بصرت به والصحن بالصحن يلتقي
فلم أر أبهى من غنيم وأظرفا
تراءى له لحم فلم يدر عنده
تديك من بعد الطوى أم تخرفا
وأومأ لي؛ باللحظ يسألني به
أتعرفه أومأت باللحظ مسعفا
وقدمته للديك وهو كأنما
يطير إليه واثبا متلهفا
غنيم! أخونا الديك! قدمت ذا لذا
فهذا لهذا بعد لأي تعرفا
وما هي إلا لحظة وتغازلا
وقد رفعا بعد السلام التكلفا
فمال على الورك الشهي ممزقا
ومال على الصدر النظيف منظفا
*** ***
جزى الله أسنانا هناك عتيقة
ظللن على الصحن الأباظي عكفا
تعير ناجي بالرد نجوت جاءه
معاراً فغامرْ واستعرْ أنت معطفا
وأقسم لو أن الرد نجوت نلته
وجاد به من جاد كرها وسلّفا
لقلّبته ظهرا لبطن محيرا
به تحسبن الوجه من عبط قفا
رأيتك والعدس الأباظي قادم
كما انتفض المحموم بشر بالشفا
وناهيك بالعدس الأباظي منظر
عظيم كما هيأت للعين متحفا
على أنه ما جاء حتى رأيته
توارى كطيف لاح في الحلم واختفى
*** ***
فلله من لفظ ببطنك راسب
قرير ومعناه برأسك قد طفا
قِفا نبك أونضحك على أي حالة
قفَا صاحبي اليوم من عجب قفا
كأن صحاف الدار في عين صاحبي
غوان كستهن المحاسن مطرفا
أشار لاحداهن إذ برزتَ له
وناجته عن بعد وأبدت تعطفا
"يسائلني من أنت وهي عليمة"
وهل بفتي مثلي علىِ حاله خفا؟
سأخبرها من أنت! انك شاعر
قنوع إذا ما الخير جاء تفلسفا
ومن أنت حتى ترفض النعمة التي
اتيحت وتأبى مثلها متقشفا
فتى حاله غلبٌ وآخره الطوى
وخطته عريٌ ومشروعه الحفا

 
ذات ليلة

بين سهدٍ وعذابٍ وضنى
مرَّ ليلي، ذاك حالي وأنا
أسالُ الأنجمَ عن حالِ المنى
يا حبيبي كيف صارت بيننا
كيف أمسى يا حبيبي عهدُنا
بعدما طاب هوانا، ودنا
كلُّ ما كان عبيداً، ورنا
كلُّ نجمٍ من سماوات السنا!
آه لو ينظر حالي الآن آه
حينما ضاقت بآلامي الحياه
ندم النجمُ على غالي سناه
ورأى كيف انطوينا فطواه

 

ذات مساء

وانتحينا معا مكاناً قصياً
نتهادى الحديث أخذاً وردّا
سألتني مللتنا أم تبدلتَ
سوانا هوىً عنفياً ووجدا
قلت هيهات! كم لعينيكِ عندي
من جميلٍ كم بات يهدى ويسدى
انا ما عشت أدفع الدين شوقا
وحنينا إلى حماكِ وسهدا
وقصيداً مجلجلاً كل بيتٍ
خلفَه ألفُ عاصفٍ ليس يهدا
ذاك عهدي لكل قلبك لم يقض
ديونَ الهوى ولم يرعَ عهدا
والوعودُ التي وعدتِ فؤادي
لا أراني أعيش حتى تؤدَّى

 

ذهب العمر

قضيتَ العمر تذكر لي
وأذكر في الهوى جرحكْ
فقم نسخرْ من الأمَلِ
ومن أعماقنا نضحكْ!
وقم نسخرْ من الدنيا
وقم نَلهُ مع اللاهي
طويتُ صحيفة الأمسِ
فَدَعْها في يد اللهِ
*** ***
هي الدنيا كما كانت
وماذا ينفع الوعظُ
وما عتبت ولا خانت
ولكن خانك الحظُّ
أردنا الجاهَ والذهبا
فلم يتلطّفِ المولى
وهذا العمرُ قد ذهبا
وأحسن ما به ولّى


 

ذنبي

أيكون ذنبي أن رفعتُك
وارتفعت إلى السماءْ؟
وعلى جناحك أو جناحي
قد رقيتُ إلى الصفاءْ
إن كان حقّاً أو خيالاً
فهو وَثْبٌ للضياءْ
وتحرُّرٌ مما جناه
طينُ آدم في الدماءْ
أيكون ذنبي أن جعلتُكِ
فوق عرش من سناءْ
وجثوت في محراب قُدْ
سكِ عابداً هذا الرُّواءْ
أيكون ذنبي أنني
بك أحتمي من كل داءْ
وأراك عافيتي فأضْرعُ
طالباً منكِ الشفاءْ
أيكون ذنبي أن أراك
لخاطري قَبَساً أضاءْ
وأُحسنُّ وحيَكِ من علٍ
لي دون أهل الأرض جاءْ
أيكون ذنبي أن يُناط
بك التعلُّل والرجاءْ
وإليك شكوى القلبِ نجوى
الروحِ أجمع النداء
أيكون ذنبي أن أحبّكِ
لي من الدنيا وقِاءْ
فإذا رضيتِ فإن نعمَتَها
ونقمتَها سواءْ؟
أيكون ذنبي .. أي ذنب
صار لي إلا الوفاءْ
إني عشقتكِ ما طلبتُ
على محبّتيَ الجزاءْ
مَن همُّه هَمّي سيحمل
من حبيبٍ ما يشاءْ
ولقد يُساءُ فما يرى
من حُبِّه أحداً أساءْ
قد كان عندي عزَّه
بصبابتي ولي احتماءْ
إن لانَ عودي للخطوبِ
شدَدتِ أزري باللقاءْ
أنسيتِ كيف نسيتِ يادنيا
على الدنيا العفاءْ!
يا للهوى لا صَبح لي
ألإِ هواكِ ولا مساءْ
أشوامخُ الأحلامِ والمثلُ
الرفيعةُ كالهباءْ؟


 

راقصة

عجباً لعارية كساها
الفنُّ حسناً رائعا
سمراء وشتها بنانتُه
بياضاً ناصعا
شبه الفرائد قد كسين
في الغمام براقعا
خبأن نصفا هي الدجى
وجلون نصفا لا معا
من أي وديان الظباء
ملاعبا ومراتعا؟
من عبقرٍ، ومن الالمب،
ومن فنونهما معا
تبدين ريان الثدي
لنا وخصراً جائعا
وترين كونا يشبه الكونَ
الرحيبَ الواسعا
متغاير الإبداع مختلف
المحاسن جامعا
لك خفة البطل المحلق
طائراً أو واقعا
لك خفة البطل المجلي
مقبلاً أو راجعا
متمهلاً للخصم حينا
للقاءِ مسارعا

 
رثاء شوقي

قلْ للذين بكَوْا على (شوقي)
النادبين مصارعَ الشُّهبِ
وا لهفَتاه لمصر والشَّرْقِ
ولدولة الأشعار والأدبِ!
دنيا تَفرُّ اليومَ في لحدٍ
وصحيفةٌ طُويتْ من المجدِ
ومُسافرٌ ماضٍ إلى الخلد
سبَقتهُ آلاءٌ بلا عَدِّ
هذا ثَرى مصْرَ الكريمُ، وكمْ
أكرمتَهُ وأشدْتَ بالذكرِ
يلقاك في عطفِ الحبيبِ فنمْ
في النور لا في ظُلمةِ القبْر!
كم من دفينٍ رحتَ تحييهِ
وبَعثْتَهُ وكَففْتَ غُرْبَتَهُ
فاحللْ عليهِ مُكرّماً فيهِ
يا طالما قَدَّست تُربتَهُ
يا نازلَ الصحراء موحشةً
ريَّانةً بالصمت والعدمِ
سالتْ بها العبراتُ مجهشةً
وجَرت بها الأحزانُ من قدمِ!
هذا طريق قد ألفناهُ
نمشي وراءَ مُشَيَّعٍ غالِ
كم من حبيبٍ قد بكَيْنَاهُ
لم يُمْحَ من خَلدٍ ولا بالِ
وكأنَّ يومَك في فجيعتِهِ
هو أولُ الأيامِ في الشَّجنِ
وكأنَّما الباكي بدمعتِهِ
ما ذاق قبلك لوعةَ الحَزنِ!
فاذهبْ كما ذهب النهارُ مضى
قد شيَّعَتْه مدامعُ الشفقِ
ما كنتَ إلاَّ أمةً ذهَبتْ
والعبقريَّةُ أمَّةُ الأُمَم
أو شُعلةً أبصارَنا خلبتْ
ومنارةً نُصبَتْ على عَلَمِ
يا راقداً قد بات في مَثوىً
بَعُدَتْ به الدُّنْيا وما بَعُدَا
أيْن النجوم أصوغ ما أهْوى
شعراً كشعْرك خالداً أبدَا؟!
لكنَّ حزني لو علمْت به
لم يُبْقِ لي صبْراً ولا جُهْدَا
فاعذر إلى يوم نفيك به
حقَّ النبوغِ ونذكرُ المجْدَا



 
الوسوم
ابراهيم الشاعر ديوان وادي
عودة
أعلى