ديوان الشاعر ... ابراهيم ناجي

الميت الحي

داوِ ناري والتياعيْ
وتمهَّلْ في وداعيْ
قفْ تأمل مغربَ العمر
وإخفاقَ الشعاعِ
واضياع الحزن والدمع
على العمر المضاعِ!
ما يهمّ الناس من نجم
على وشك الزماعِ
طال بي سُهدي وإِعيائي
وقد حان اضطجاعي
فصدور الغيد سيَّان
وأنياب السباعِ!
كم تمنيتُ وكم من
أملٍ مُرّ الخداع!
ساعة أغفر فيها
لك أجيال امتناع
ومتاعاً لعيوني
وشميمي وسماعي
دمعة الحزن التي
تسكبها فوق ذراعي!
فصدور الغيد سيَّان
وأنياب السباعِ!
آهِ لو تقضي الليالي
لشتيت باجتماع
كم تمنيتُ وكم من
أملٍ مُرّ الخداع!
وقفة أقرأ فيها
لك أشعار الوداع
ساعة أغفر فيها
لك أجيال امتناع
يا مناجتي وسرِّي
وخيالي وابتداعي
ومتاعاً لعيوني
وشميمي وسماعي
تبعث السلوى وتنسى
الموت مهتوك القناع:
دمعة الحزن التي
تسكبها فوق ذراعي!


 
الميعاد

إن عُدتَ أو أخلفتَ لم تعدِ
أنا إِلف روحك آخر الأبدِ
ظمأٌ على ظمإِ على ظمإِ
ومواردٌ كثرٌ ولم أردِ
مرَّ الظلاُم وأنت لي شجنٌ
وأتى النهارُ وأنت في خلدي
لا يسمع البحرُ الغضوبُ إلى
شاكٍ ولا يصغي إلى أحدِ!
كم لاح لي حربُ الحياة على
أمواجهِ المجنونةِ الزبدِ
ورأيتُ طيفَ الضنك مرتسما
في عاصفِ الأنواءِ مطَّردِ
في الليل مدَّ رواقَه وثوى
كجوانحٍ طُويت على حسدِ
قبر مَباهجُه بلا عددٍ
لفتى متاعبُه بلا عددِ
مَن يومه يوم بلا أملٌ
وغدٌ بلا سلوى وبعد غدِ
لولاك والعهد الذي عقدتْ
بيني وبينك مهجتي ويدي
أضجعتُ جنبي جوفَ غيهبه
وأرحتُ فيه باليَ الجسدِ
يا مختلفَ الميعادِ عُدْ لترى
جزعَ الغريبِ وضيعةَ الرشدِ
وليالياً موصولةً سهراً
أبديةً حجريةَ الكبدِ
وطليحَ أسفارٍ وعلّته
قتالة لَم تشفَ في بلدِ!
يا شعر أيامي وأغنيتي
وغليل ظمآن الشفاه صدي!
يا ظالمي! عيناك كم وعدت
قلبي إذا شفتاك لَمِ تعدِ
 

الميعاد الضائع

يا من طواها الليلُ في بَيْدائه
روحاً مفزعة على ظلمائهِ
إن تظمئي ليَ كم ظمئت إليكِ
جمع الوفاءُ شقيةً وشقيا
أسفاً عليكِ وأنت روحٌ حائرٌ
والكونُ أسرارٌ يضيق بها الحجى
*** **
وكذا تمر بمثلكِ الأيامُ
مجهولةً وعذابُها مجهولُ
وكعادةِ الحظِّ الشقيِّ وعادتي
أقبلتُ بعد ذهاب نجمي الأوحدِ
وكأنما هذا الفضاء خطيئة
وكأن همسَ نسيمِه استغفارُ
وكأنه أحزانُ قومٍ ساروا
هذي مآتمهم وثم ظلالها
ران السواد على وجودِ الدورِ
وسرى إليّ نحيبُها والأدمعِ
وكعادةِ الحظِّ الشقيِّ وعادتي
أقبلتُ بعد ذهاب نجمي الأوحدِ
حملتْ لنا أملاً فلما ودَّعت
لم يبقَ بعد رحيلها للناظر
إلا خيال سعادة قد أقلعت
ووداع أحبابٍ ودمع مسافر
تتعاقبُ الأقدارُ وهي مسيئةٌ
كم عقنا ليلٌ وخان نهارُ
وكأنما هذا الفضاء خطيئة
وكأن همسَ نسيمِه استغفارُ
وكأنه أحزانُ قومٍ ساروا
هذي مآتمهم وثم ظلالها
عفتِ القصور وظلت الأسوار
كمناحة جمدت وذا تمثالها
ران السواد على وجودِ الدورِ
وسرى إليّ نحيبُها والأدمعِ
وكأنني في شاطئ مهجورِ
قد فارقتهُ سفينةٌ لا ترجعِ
حملتْ لنا أملاً فلما ودَّعت
لم يبقَ بعد رحيلها للناظر
إلا خيال سعادة قد أقلعت
ووداع أحبابٍ ودمع مسافر


 
الأجنحة المحترقة

يا أمتي كم دموعٍ في مآقينا
نبكي شهيديك أم نبكي أمانينا؟!
يا أميت إن بكينا اليوم معذرةً
في الضعفِ بعضُ المآسي فوق أيدينا
واهاً على السرب مختالاً بموكبه
وللنسور على الأوكار غادينا
قالوا الضباب فلم يعبأ جبابرةٌ
لا يدركون العلا إلاّ مضحِّينا
والمانش يعجب منهم حينما طلعوا
على غوارِبِهِ الغيرى مطلِّينا
فاستقبلتهم فرنسا في بشاشتها
تجزي البسالة ورداً أو رياحينا
قالوا النسور فهبَّ القومُ وادَّكروا
نسراً لهم ملأَ الدنيا ميادينا
وهلل السِّين إذ هلَّت طلائعنا
طلائع المجد من أبناء وادينا
حان الأمانُ ووافَى السربُ فافتقدوا
نسرين ظنوهما قد أبطآ حينا
لكنه كان إبطاءَ الرَّدى فهما
لما دعا المجد قد خَفَّا ملبينا
فلبيكِ من شاء وليُشبعْ محاجرَهُ
ولينتحبْ ما يشاءُ الحزنَ باكينا
يبكي الحبيب وتبكي فقد واحدها
من لا ترى بعده دنيا ولا دينا
هُنيهة ثم يسلو الدمعَ ساكبُه
لا يدفعُ شيئاً من عوادينا
فكلما حلَّ رزءٌ صاحَ صائحُنا:
فداك يا مصر لا زلنا قرابينا
فداك يا مصر هذا النجم منطفئاً
والنسر محترقاً والليث مطعونا!


 

المساء

يا غلة المتلهفِ الصادي
يا آيتي وقصيدتي الكبرى
ماذا تركت لديَّ من زادِ
إلا استعادة هذه الذكرى
يا للمساء العبقري وما
أبقى على الأيام في خلدي
شفتاك شفا لوعةً وظما
وجمالك الجبار طوعُ يدي
نمشي وقد طال الطريقُ بنا
ونودُّ لو نمشي إلى الأبدِ
ونود لو خلتِ الحياة لنا
كطريقنا وغدتْ بلا أحدِ
نبني على أنقاض ماضينا
قصراً من الأوهام عملاقا
ونظل ننسج من أمانينا
وشيا من الأحلام براقا
وأظل أسقيها وتملأُ لي
من مورد خلف الظنون خفي
حتى إذا سكرت من الأملِ
وترنحت مالت على كتفي
حلفت بأني مغتد معها
حيث اغتدت وهواي في دمها
فمسحت بالقبلات أدمعَها
وطبعت ميثاقي على فمها

 
المنسـي

متى يرق الحظ يا قاسي
ويلتقي المنسيُّ والناسي!
متى! وهل من حيلةٍ في متى
وفي خيالاتٍ وأحداسِ؟
هدَّ قراري جريُها في دمي
وهمسُها في كر أنفاسي
وأنت مثل النجم في المنتأي
وفي السنا الخاطف كالماسِ
يزنو له الناسُ ويبغونه
وما يبالي النجمُ بالناسِ!
وأنت كأسُ الحسنِ لكننا
مثل حبابٍ حامَ بالكاس
طفا وقد قبّل أنْوارَها
ورفَّ مثل الطائر الحاسي!
وجفَّ أو ذاب على نورها
كما يذُوب الطلُّ بالآس!


 

المنصورة

باي معجزة في الحب نتفقُ
يا قلب لا يتلاقى الفجرُ والغسقُ
يا قلب انا لقينا اليومَ معجزةً
تكادُ في ظلماتِ الليل تأتلقُ
ظللتُ أسأل نفسي كيف تعشقها
بقيةٌ من بقايا العمرِ تحترقُ
وافيتُها وفلول النور دامية
تطفو وترسب أو تعلو فتعتلقُ
لم أدر حين تبدتْ لي إذا شفقي
ابصرته أو على المنصورة الشفقُ؟
يا من منحت الأماني البيض معذرة
اني بهذي الأماني البيض أختنقُ
أين الهدوء المرجى في جوانبها
اني رجعت وليلي كله أرقُ
أقبلتُ أنشد أمنا في هواك بها
فلم أنل وتولى قلبي الفرقُ
لا بالقلوب ولا الأرواح يا أملي
إنَّا بشيءٍ وراءَ الروحِ نعتنقُ
ويحي على كفكِ البيضاء إذ بسطتْ
عند السلام وويحي حين تنطبقُ
هل يسمع النيلُ إذ سرنا بجانبهِ
والموجُ مجتمعٌ فيه ومفترقُ
صوتاً تماوجَ في روحي فجاوبه
من جانب القلبِ موجٌ راح يصطفقُ
تظل تنهبُ اذني من أطايبه
كأنها من خفايا الغيبِ تسترقُ
يا جنة من جنان الله أعبدها
لن تبعدي ولدي السحر والعبقُ


 

المقعد الخالي

مٌّ أناخ فما انجلى
وخلا مكانُك - لا خلا!
ليل الحياة وكان ليلي
في الهواجِسِ أطولا
كم لحظةٍ في الصدر ناشبةٍ
كجزّارِ الكلا
كالرَّمْسِ فارغةٍ وإن
حفلت بإيجاشِ البلى
في إثر أخرى لم تكن
إلا كجرداءِ الفلا
يَرَّحْنَ بي من وحشةٍ
وقتلتهُن تململا
وجَنِنّ من قلقي عليك
وكيف لي أن أعقلا؟
قد رِشْنَ لي سهماً يحاول
من يقيني مقتلا
فتعرّض الماضي الجميلُ
بوجهِهِ متهللا
فلوى عناني فالتفتُّ
فلم أجد لي مَوئِلا
إلا دروع اليأسِ إنّ
اليأسَ أيسرَ محمِلا
يقتادني فأردُّهُ
عن خاطري وأقول لا!
يا هندَ إن يكُ قلبُك الوافي
تغيّرَ أو سلا
وحصدتُ آمالي فإنّ
الموتَ أرحمُ منجلا

 
الانتظار

لعينيكَ احتملنا ما حتملنا
وبالرحمانِ والذلِّ ارتضينا
وهان إِذا عطفتَ ولو خيالاً
وأين خيالك المعبود أينا؟!
تعالَ! فلم يعد في الحي سارٍ
وهوَّنت المنازلُ بعد وهنِ
وران على نوافذها ظلامٌ
وقد كانت تطلُّ كألف عينِ
تعالَ! فقد رأيتُ الكون يحنو
عليّ ويدرك الكرب الملمَّا
ويجلو لي النجومَ فأزدريها
وأغمض لا أريد سواك نجما!
ومنتظرٌ بأبصاري وسمعي
كما انتظرتكَ أيامي جميعا
وهل كان الهوى إلاَّ انتظاراً
شتائي فيك ينتظر الربيعا!
أرى الآباد تغمرني كبحرٍ
سحيقِ الغور مجهولِ القرار
ويأتمر الظلام عليَّ حتى
كأني هابط أعماق غارِ
وتصطخبُ العواطف ساخرات
وتطعنُني بأطرافِ الحرابِ
وتشفقُ بعدما تقسو فتمضي
لتقرع كل نافذةٍ وبابِ
فصحت بها إلى أن جف حلقي
فحين سكتُّ كلمني إِبائي
وأشعرني العذابُ بعمق جرحي
وأعمق منه جرح الكبرياءِ
ولمّا لَمْ تفزْ بلقاك عيني
لمحتك آتياً بضمير قلبي
فأسمعُ وقعَ أقدامٍ دوانٍ
وأنصتُ مصغياً لحفيفِ ثوبِ
وأخلقُ مثلما أهوى خيالاً
لناءٍ صار من قلبي قريبا
أمدُّ يديَّ في لهف إليه
أشاكيه بمحتسب الدموع
فيسبقني إلى لقياه قلبي
وُثوباً يبرُدُ في ضلوعي
فتصطخب العواطفُ ساخراتٍ
وتطعنُني بأطراف الحرابِ
وتشفق بعدما تقسو فتمضي
لتقرعَ كلَّ نافذةٍ وبابِ!

 

التذكار

معرّبة عن "الفرد دي موسيه"
بي نزوعً إِلى الدموعِ الهوامي
غير أني أخافُ من آلامي
أيهذا المكان! يا غالي الترب!
ومثوى عبادتي واحترامي!
أنت مثوى الذكرى ومدفنُها الغا
لي القصيُّ المجهولُ في الأيام
هذه خلوتي فلا تمنعوني
ما الذي تحذرون يا خلاني
انها عادتي التي كنت أعتادُ
وأهوى في سالفِ الأزمانِ
أخذتني لذِي الرحاب وقادت
قدمي في سبيلِ هذا المكان!
أنظروا هذه السفوحَ وهذا النبتَ
إذ قام مزهراً تيّاها!
لكأني ما زلتُ تسمع أذني
في صموتِ الرمالِ وقع خطاها
وكأن النجوى بكل ممرٍّ
طوقتني في سترهِ يمناها!
قد تراءى الصنوير النضر إذ أينع
في قاتمٍ من الألوانِ
وتراءَى ليَ المضيقُ البعيدُ
الغور يمتدُّ في رخيّ المجاني
موحشات لكنما كن آلا
في ومهد الهنيء من أزماني
أنا ما جئتَ ها هنا أذكر الأشجانَ
في موطنٍ عرفت فيه هنائي
ذلك الغاب رائع الحسن والصمت
مثال الجلال والكبرياءِ
وفؤادي عاتٍ كرائعِ هذا الغابِ
مستكبرٌ على البرحاءِ!
من يشأ أن يفيضَ يوماً بشكواه
فما هذا موضع الأحزان
قل لشاكٍ هلاَّ مضيت لتجثو
عند مثوى ميت من الخلان!
كل شيء حيٌّ هنا وباتُ القبرِ
ينمو في غيرِ هذا المكان!
طلع البدرُ يرتقي ذروةَ الأُفقِ
ويجتازُ حالكَ الأسدادِ
يا أمير الظلام إِنك تبدو
حائرَ الرأي، واضحَ التردادِ
ثم تمضي مجاوزاً حجبَ الليلِ
وترمي بنوِرك الوقَّادِ
كلّما شارف الثرى فيض نورٍ
مرسلٍ من جبيِنك الوضّاحِ
وإِذا الأرض قد تضوَّعَ منها
عن ثراها النديِّ عطرُ الصباحِ
استشرت عطرَ القديمِ من الحبِّ
دفين العبيرِ في الأرواح
أيهذا الوادي المجبب ما زرتك
حتى سألت عن أوصابي
إيْن راحت لواعجي أيْن آلامي
اللواتي أهزمنَنِي في الشباب
عاودتني طفولتي فيك حتى
خلتُ أني ما اجتزتُ يومَ عذاب!
يا خفاف السنين! يا صولة الدهرِ
قويّاً مثل الجبابرِ عاتي
كل ماضي صبابة قد أخذتن
فمن مدمعٍ ومن حسراتِ
ورحمتنَّ لي أزاهر ذكرى
علقتْ في ذبولها بالحياةِ
فسلام مني على الأيامِ
كيف آستْ في النازلاتِ الجسامِ
لم أكن أدرِي أن جرحاً بما كابدتُ
منه من فاتك الآلامِ
معقبٌ لذةً لنفسي واحساسَ
هناءٍ لديَّ بعد التئامِ
فليبْن عنيَ السخيفُ من الرأيِ
وتنأَى سفاسفُ الأقوالِ
وهمومٌ كواذبٌ كفنت أثْوابٌها
حُبَّ عاشقين ضآلِ
جعلوها مظاهراً لهواهم
والهوى الحقُّ ليس منهم ببالِ
ايه دانتي! أأنت ذاك الذي قال
قديماً عن ذكرياتِ الهناء:
انها إن مرَّت على ذاكريها
زمن الحزن فهي أشقى الشقاء!
أي بؤسي أملت عليك مرير القولِ
حقّاً أسأت للبأساءِ!
أو إنْ أقبل الدجى بعد ادبارِ
نهارٍ صافي الضياء قضيتَهْ
تنكرُ النورَ في الوجودِ فيغدو
محضَّ وهمٍ كأنه ما رأيتَهْ
ذلك القول وهو جدّ عجيب
أيها الخالد الأسى كيف قلتَهْ
قسماً بالطهورِ من لهب الحبِ
مضيئاً في القلب شبه المنارِ
ما عهِدْنا في قلبك الوافر الإيمـ
ـانِ هذا الظلال في الأفكارِ
لا أرى للهناءِ والله صدقاً
مثل صدقِ الهناءِ بالتذكارِ
أو إنْ أبصرَ الشقيُّ وميضاً
في رمادِ الهوى فقام إليهِ
باسطاً نحوَه يديهِ بلهفٍ
حارصاً أن يمرَّ من كفَّيهِ
وبه من إشعاعهِ أثرُ البرقِ
إذا مرّ خاطفاً ناظريه
أو إن غاصت روحهُ في عبابِ الذ
كريات التي طوتها السنينْ!
أو هذا السرور من ذِكرِ الماضي
تسميه بالعذابِ المبين!
ان تروى أدمعي فلا تزجروني
ودعوني اني أحب الدموعَا
لا تجفف ايديكمُ أدمعاً تنفعُ
قلباً لمّا يزلْ موجوعا
أدمعي سترٌ مسبلٌ فوق ماضٍ
قد تولى ما يستطيع رجوعا!

 

البحيرة

من شاطئِ لشواطئٍ جددِ
يرمي بنا ليلٌ من الأبدِ
ما مَرّ منه مضى فلم يعدِ
هيهات مرسى يومِه لغدِ!
سنةٌ مضت! وختامُها حانا
والدهرُ فرّق شملَنا أبدا
ناجِ البحيرةَ وحدك الآنا
واجلسْ بهذا الصخرِ منفردا!
قل للبحيرةِ تذكرين وقد
سكن المساءُ ونحن باللجِّ
لا صوت يسمع في الدنى لأحدْ
الا صدى المجدافِ والموجِ
فاذا بصوتٍ غير معتادِ
هزّ السكونَ هتافهُ العذبُ
أصغى العبابُ ورجَّع الوادي
أصداءَه وتناجتِ السحبُ
يا. دهر في وفق ولا تدرِ:
ساعاته في هينة وقفى
حتى تتاح هناءةُ العمرِ
وتطول لذتُها لمقتطفِ
هلا التفتَّ لذلك الكونِ
وعلمت كم في الناس من باكي
يدعوك خذني والأسى المضنيْ
خلِّ الممتِّعِ وامضِ بالشاكي
هذا النعيم وهاته المحنُ
يتنافسان الدهر اقلاعا
فبأي عدلٍ أيها الزمنُ
تتشابهُ الحالان إسراعا
يا أيها الأبد السحيق أجبْ
وتكلمي يا هوة الماضي
ما تصنعان بأشهرٍ وحقبْ
ونعيم عمرٍ غير معتاض
ناج البحيرةَ والصخورِ وعُدْ
فاستحلِف الأغوارَ والغابا
قل! صُنْ ذكر غرامنا فلقدْ
صين الشبابُ عليك أحقابا
ولتبق يا هذي البحيرة في
حاليك ثائرة وهادئةً
في باسق للماء منعطفٍ
في رائعات الصخر نائتةً
في عابر النسماتِ مرتجفَا
في النجم فضض صفحةَ الماءِ
في الريح أنّ أنينه وهفا
في الغصن نفَّسَ حر أحشاءِ
في الجو معتبقاً بريّالِ
خطرت ملاعبة رقيق صبا
في كل هذا هاتفٌ باكي
سيقول يا أسفا لقد ذهبا!


 

البعث

يا جمالا وجلالا يتدفقْ
رجع البلبلُ أم عاد الربيعْ
بهر النورُ عيوني فترفقْ
حين تدنو انني لا أستطيعْ
أيها الورد الذي طاف بنا
أيها الطل الذي بلَّ الظما
لا أراك الله حالي وأنا
أطأ الشوك ويغزوني الغما
يا أماني وحبي وخيالي
لا تضيع لحظة فالعمر ضاعْ
لا أراك الله حالي والليالي
كاسفات ليس فيهن شعاعْ
قد بلوت الويلَ فيها لا بلوتا
وانا أبدأ يومي بالمساء
وعرفت الضيق ضيق القلب حتى
لم أجد في الكون ثقباً من رجاء
*** ***
لا وربي ليس في الدنيا ختام
حين يغدو البعث نجوى من حبيب
حين يستيقظ قلب من منام
والمنادي أنت والحب المجيب


 

البندر

أنظر وجوهَ القومِ غرّ
تها بزينتها المدينهْ
مسكينه بلهاء لا
تدري الزمان ولا فنونهْ
يا من يغرِّبها إذا
أرست لصاحبها السفينهْ
الأفق مضطرب الحواشي
والسماء بها حزينهْ
لا تحسن الدنيا إذا
ما المرء جن بها جنونهْ
وطغتْ منافعهُ عليـــ
ــه وضرن دنياه ردينهْ
العيش حيث الحب، حيــ
ــث العطف صاف والسكينهْ



 
الى س

جئتُ أشكو لكِ روحي وجواها
وردت ظمأى وعادت بصدَاها
آه من عينكِ! ماذا صنعتْ
بغريبٍ مستجيرٍ بحماها؟!
نبعته تقتفي أحلامَهُ
كلّما أغفى أطلَّت فرآها
يا سقى اللهُ "لِليلى" أيكةً
وجزاها الخيرَ عنّا ورعاهَا
وغذاها من أمانينا ومِن
حبنا الشهدَ المصفى وصقاهَا
قرِّبي عينكِ مني قرّبي!
ظلليني واغمريني بصفاهَا!
وأريني هدأة البحرِ إذا انـ
ـبسط البحرُ جلالاً وتناهَى
وأريني لجةَ السحرِ التي
ضلَّ في أعماقها الفكرُ وتاهَا
ألمحُ اللؤلؤ في أغوارها
وأرى الطيبةَ تطفو في سناهَا
وأراها تُخبِّئُ الخلدَ لمن
باع دنياه وبالروح اشتراهَا!
نحن أرواحٌ حيارى افترقتْ
ثم عادت فتلاقت في شجَاهَا
سوف ينسى القلبُ إلاَّ ساعةً
مِنْ رضاً في وكرِك الحاني قضاهَا
هتف القلب وقد حدثتني
أيَ ماضٍ كشفت لي شفتاهَا
هَمَسَتْ في خاطري فاستيقظتْ
روحيَ الحيْرى وأصغت لنداهَا
فأنا إنْ لَمْ أَكُنْ توأمَها
فكأني كنت في الغيبِ أخاها
نحن أرواحٌ حيارَى ثملتْ
وانتشتْ سكرى على لحنِ أساهَا
قرِّبي روحَكِ مني قرِّبي!
ظلليني واغمريني برضاهَا!
وتعاليْ حدّثيني! حدّثي!
انت مرآة شجوني وَصَدَاهَا
فهبيني ساعة الصفو التي
تقسمُ الأيامُ ما فيها سواها
ثم أمضي لحياةٍ مرَّةٍ
صبْحُها عندي سواءٌ ومَساهَا!
 

الجمال الضنين

قلْ للبخيل إِذا ما عزَّ مشرعهُ:
يا مانع الماء عني كيف تمنعهُ
غرَّ حسنك أن الخلدَ جدولُه
وأنّه من غريبِ السحرِ منبعهُ؟
با أيها الكوكب المحبوس في فلكٍ
مبددٌ مجده فيه مضيّعُه!
هيهاتَ يخلد حسنٌ لا يؤلهه
شعرٌ من النسق الأعلى ويرفعُه!
أنا شهيدك، والقلب الضحوك إِذا
أدميتَه، والمغنّي إِذ تقطّعُه
هل منك يوم رضىً ضنَّ الزمانُ به
أعيا خيالي وأضناني توقعُه؟!
كم بتُّ منتبهاً أصغي لخطوته
أراه في الوهم أحياناً وأسمعهُ!
وأنت في أُفق الأوهام طيف صبا
سما ودقَّ على الأفهام موضعهُ
كأنك النسمُ النشوانُ منطلقا
أظل كالنفس الحيرانِ أتبعهْ
تعالَ وادنُ بيوم لا تحسُّ به
أجسادَنا. في صفاء، لا نضيعهُ!
لكن أحسك تجري في صميم دمي
أنت الحياةُ، وأنت الكونُ أجمعُهُ!

 

الحب والربيع

جدّدي الحبَّ واذكري لي الربيعا
إنني عشت للجمال تبيعا
أشتهي أن يلفَّني ورق الأيكِ
وأثْوي خلف الزهورِ صريعا
آه دُرْ بي على الرِّفاق جميعاً
واجعل الشمل في الربيع جميعا
لا تقل لي أشتر المسرَّة والجاه
فإنِّني حُسنَ الربى لن أبيعا
فلغيري الدنيا وما في حماها
إنني أعشقُ الجمالَ الرفيعا
أنا من أجله عصيتُ وعُدِّبْتُ
وأقسمتُ غيرهَ لن أطيعا
وبطيبِ الربيع أقتاتُ زهراً
وعبيراً ولا أُكابد جوعا
فَهو حسبي زاداً إذا عَفَت الدُّنيا
وأقْوَتْ منازلاً وربوعا


 

الختــــام

عجباً لقلب هيض منكَ جناحُهُ
وجرى به نصلُ الندامةِ يذبحُ
ومضى الحِمامُ يدبُّ فيه فإن جرتْ
ذ**** طار إليك وهو مجنَّحُ
لهفي على الناقوس بين جوانحي
وعلى بقيةِ هيكلٍ لا تصلحُ
لا فرق بين أنينه ورنينهِ
وصداه في وادي المنيةِ أوضحُ
يا قلب! صهباء الهوى وبساطه
وكؤوسه المتجاوبات الصُّدَّحُ
وقفٌ على متنقلين على الهوى
يبغون من لذاته ما يسنحُ
متبدِّلين موائداً وأحبةً
ما خاب من حب فآخر يفلحُ
فالحبُّ آسيه وراء عليله
فيهم، وبلسمه على ما يجرحُ
يا قلبُ! ويح ثباتنا ماذا جنى
أترى شعاعاً في البقيةِ يُلمحُ!
يا أيها الحبُّ المقدَّسُ هيكلاً
ذاق الردى من عابديك مسبحُ
كثرت ضحاياه وطال قياُمه
وصيامه فمتى رضاءَك تمنحُ؟
يا دوحة الأرواح يُحمد عندها
فيءٌ ويعبد زهرُها المتفتحُ
أينال ظلَّك والرعايةَ عابثٌ
بجلالك البادي وآخر يمزحُ
ويبيت يحرمه قتيل صبابةٍ
قضّى الحياةَ إلى ظلالك يطمحُ
ليلى! حببتُكِ كالحياة وذقتُ في
ناديك كأساً بالأماني تطفحُ
فتكسرت قدح المنى ورجعتُ من
سقم الهوى وهزاله أترنحُ
نزل الستار على الرواية وانقضتْ
تلك الفصولُ وفُضَّ ذاك المسرحُ


 

امير الكمان

آه من لحنٍ سماوي
عجيب النغماتِ
أيها الساحر لم تضرب
بقوس، بل عصاة
يا أبا الفن المصفى
هات ألحانك هات
في شطوط النيل، مهد الفن،
مهد المعجزات
"الصّبا" في ريح "لبنان"
رقيق النفحات
"وحجاز راقص أو
مات من "شط الفرات"
نحن أبناء المعالي
نحن أبناء الغزاة
غننا لحن أبينا الشرق،
واهتف بالحُماة
هاتِ لحنَ الشرق . . ما
أجدره بالعبرات
هو أرض المجد، أرض الخـ
ـلد من بدء الحياة
هات لحن الشرق هات ..
هاتِ لحن الشرق هاتِ
رُب لحن قدسيٍّ
من جنان الخلد آتِ
جعل الأرواح في هيـ
ـكله مزدحمات
حشدَ العالم كالعُبَّاد
قاموا للصلاة
جَمَعَ الناسَ على
الحبِّ وأدنى من شتات

 
الخريف

يا حبيبي غيمة في خاطري
وجفوني وعلى الأفق سحابهْ
غفر اللهُ لها ما صنعت
كلما شاكيتها تندى كآبهْ
صرخ القفرُ لها منتحِباً
وبكى مستعطفاً مما أصابهْ
فأصمّ الغيثُ عنهُ أذنَهُ
ما على الأيام لو كان أجابهْ
كثر الهجرُ على القلب فهل
من سلو أو بعاد يرتضيهِ
أنت فجرٌ من جمال وصبا
كل فجر طالع ذكَّرنيهِ
كيف جانبتك أبغي سلوةً
ثم ناجيتك في كل شبيهِ
أيها الساكن عيني ودمي
أين في الدنيا مكان لست فيهِ
*** ***
عندما أزمعَ ركب العمرِ
رحلةً نحو المغاني الأخرِ
ظهرت تجلوك كفُّ القدرِ
صورةً أروع ما في الصورِ
تتراءى في الشباب العطرِ
نفحةً تحمل طيبَ السحرِ
وقف العمرُ لها معتذراً
وثنى الركبُ عنانَ السفرِ
*** ***
عندما أقفرتِ الدنيا جميعاً
لحتَ لي تحمل عمراً وربيعا
إن يكن حلماً تولى مسرعاً
أجمل الأحلام ما ولى سريعا
إن يكنْ ما كان دَيْناً يقتضيْ
خلني أدفعه عنك دموعا
قد شريناه عزيزاً غالياً
إن تكن بعتَ فإني لن أبيعا
*** ***
يا ندامى الحب سُمار الهوى
سكبوا لي السهدَ في ذاك الشراب
ارقوني أجرع السقم وبي
صفرة الكأس وأوهام الحباب
كلما تقبل أيام المنى
تنجلي النعماءُ عن ذاك السراب
وترى أياميَ الحيرى على
عرسها الضاحك أحزان الضباب
*** ***
لم أقيدك بشيء في الهوى
أنت من حبي ومن وجدي طليقْ
الهوى الخالص قيد وحده
رب حر وهو في قيد وثيقْ
مزّقت كفيك أشواكُ الهوى
وأنا ضقت بأحجار الطريقْ
كم ظميٍ يرتوي
وغريق مستعين بغريقْ
*** ***
يا ليالي العمر ما سر الليالي
البطيئات المملات الطوالِ
مسرعات مبطئات ولها
خفة الموت وأثقال الجبالِ
كاسفات البال عرجاء المنى
عاثرات الحظ شوهاء الظلالِ
عجباً للعمر يمضي مسرعاً
للمنايا بسلحفاة الملال (؟!)
*** ***
يا قمارى الروض في أيك الهوى
جفّتِ الورضةُ من بعد النديمْ
حل بالأيك خريفٌ منكرٌ
وظلال قاتماتٌ وغيومْ
ماتت الروضةُ إلا طائفاً
من هوى حي على الذكرى يقومْ
فإذا أنكر ما حل بها
فر يبغي سربَه بين النجومٍْ
شاهت الدنيا وجوهاً ورؤىً
وتولاها سهومٌ ووجومْ
يا عذارى الحسن في ظل الصبا
كل حسن بعد ليلاي دميمْ
يا نعيم العيش في ظل الرضا
آه لو أعرف ما طعم النعيمْ
أنكر الجنةَ قلبٌ ضجرٌ
أبدي النار موصول الجحيمْ
*** ***
طالما موهتُ بالضحك فما
غيَّر التمويهُ رأياً لك فيا
كلما تنظر في عيني ترى
سريَ الغافي ومعناي الخفيا
وترى في عمق روحي زهرةً
قد سقاها الحزنُ دمعاً أبديا
ويراه الناسُ طلا وترى
أنت دمعاً غائماً في مقلتيا
*** ***
يا فؤادي ما ترى هذا الغروبْ
ما ترى فيه انهيار العمرِ؟
ما ترى فيه غريقاً ذا شحوبْ
ينلاشى في خضم القدرِ؟
ما تراها اتأدتْ قبل المغيبْ
ورمتْ من عرشها المنحدرِ
لفتةَ الحسرةِ للشط القريبْ
قبل أن تسقط خلف النهرِ...
يا فؤادي قاتل اللهُ الضجرْ
وعذابي بين حل وسفرْ
ما ترى قنطرةً من بعدها
راحة ترجى وبال يستقرْ
ذلك الجرح وما أفدحه
ما عليه لو إلى السلوى عبرْ
قد طواه اليوم في بردته
وأتى الليلُ عليه فانفجرْ
*** ***
مرَّ يومي فارغاً منك ومن
أملِ اللقيا فما أتعسَ يومي
أنت يومي، وغدي أنت، وما
من زمان مرّ بي لم تكُ همي!
آهِ كم أغدو صغيراً، حاجتي
لكَ كالطفل إلى رحمةِ أمِّ
ولكم أكبر بالحب إلى أن
أغتدي مستشرقاً آفاق نجمِ
أي سرٍّ فيك إني لست أدري
كل ما فيك من الأسرار يغري
*** ***
خطرٌ ينسابُ من مفتر ثغر
فتنة تعصف من لفتة نحرِ
قدر ينسج من خصلة شعر
زورق يسبحُ في موجةِ عطرِ
في عباب غامض التيار يجري
واصلاً ما بين عينيك وعمري
*** ***
ذات ليلٍ والدجى يغمرنا
أترى تذكر إذ جزنا المدينةْ؟
كلما روعت من نار شجٍ
حر ما يصلى تلمست جبينَهْ
بيدٍ شفافة مثل الندى الرطبِ
تعيد النار بردا وسكينه
أيها الآسي لناري هذه
ما الذي تصنع بالنار الدفينه؟
أخيالاً كان هذا كلُّهُ
ذلك الجسر الذي كنا عليه؟
والمصابيح التي في جانبيه
ذلك النيل وما في شاطئيه؟
وشعاع طوفت في مائه
وظلالٌ رسبت في ضفتيه
وحبيب وادع في ساعدي
ووعود نلتها من شفتيه؟
رب لحن قص في خاطرنا
قصةَ الحادي الذي غنّى سهادَهْ
وكأن الصمت منه واحدةٌ
هيأتْ من عشبِها الرطبِ وسادَهْ
ها أنا عدت إلى حيث التقينا
في مكان رفرفت فيه السعادَهْ
وبه قد رفرف الصمتُ علينا
إنَّ في صمت المحبين عبادَهْ
رفرف الصمتُ ولكن أقبلتْ
من أقاصي السهلِ أصداءً بعيدَهْ
تتهادى في عبابٍ ساحرٍ
مرسلٍ للشطِّ أمواجاً مديدَهْ
كم نداء خافت مبتعد
تشتهي أذنُ الهوى أن تستعيدَهْ
عاد منساباً إلى أعماقها
هامساً فيها بأصداءٍ جديدَهْ
*** ***
رفرف الصمتُ ولكن ها هنا
كل ما فيك من الحسنى يغني
آه كم من وتر نام على
صدر عودٍ نومَ غاف مطمئنِ
وبه شتى لحون من أسى
وحنينٍ وأنينٍ وتمني
رقد العاصفُ فيه وانطوتْ
مهجةُ العودِ على صمتٍ مرنِ...
*** ***
هذه الدنيا هجيرٌ كلُّها
أين في الرضاء ظل من ظلالكْ
ربما تزخر بالحسن وما
في الدمى مهما غلت سر جمالكْ
ربما تزخر بالنور وكم
من ضياء وهو من غيرك حالكْ
لو جرت في خاطري أقصى المنى
لتمنيتُ خيالاً من خيالك
*** ***
أنا إن ضاقت بي الدنيا أفئْ
لثوانٍ رحبةٍ قد وسعتنا
إنما الدنيا عبابٌ ضمنا
وشطوطٌ من حظوظٍ فرقتنا
ولقد أطفو عليه قلقاً
غارقاً في لحظة قد جمعتْنا
كلما تترى المعاني أجتلي
خلف معناها لأسرارِك معنى
*** ***
ما الذي صبك صباً في الفؤادْ
ما الذي إن أقصِه عنيَ عادْ
طاغياً يعصفُ عصفاً بالرشادْ
ظامئاً سيان قرِب وبعادْ
ساهر العينين موصول السهادْ
ما الذي يجري لهيباً في الرمادْ
ما الذي يخلقنا من عدم
ما الذي يجري حياةً في الجمادْ
*** ***
كم حبيب بعدت صهباؤه
وتبقت نفحةٌ من حببِهْ
في نسيجٍ خالدٍ رغم البلى
عبث الدهرُ وما يعبث بِهْ
ما الذي في خصلة من شعرهِ
ما الذي في خطه أو كُتبِهْ
ما الذي في اثرٍ خلَّفه
من أفانين الهوى أو عجبِهْ
ما الذي في مجلس يألفه
عقد الحبُّ عليه موعدَهْ
ربما يبكي أسى كرسيُّهُ
إن نأى عنه وتبكي المائدَهْ
ربما نحسبها هشتْ إذا
عائدٌ هش لها أو عائدَهْ
ربما نحسبها تسألنا
حين نمضي أفراق لعدَهْ؟
*** ***
كم أعدت لك ستراً في الخفاء
وتوارت عن عيون الرقباء
كم أعدت نفسها وانتظرت
واستوت موحشة تحت السماء؟
وهي لو تملك كفا صافحت
كفَّك الحلوةَ في كل مساء
وهي لو تملك جوداً بذلت
كل ما تملك كفٌّ من سخاء
*** ***
رب كرم مده الليل لنا
فتواثبنا له نبغي اقتطافَهْ
وعلى خيمته أسوده
عربي الجود شرقي الضيافَهْ
وجد العرس على بهجته
وسناه دون ورد فأضافَهْ
ثم وارت يدَه جنيةٌ
وطوته بأساطير الخرافَهْ...
*** ***
أرج يعبق في أنحائه
حملته نحو عرشينا الرياحْ
كل عطر في ثناياه سرى
كان سرّاً مضمراً فيه فباحْ
يا لها من حقبة كانت على
قِصَرٍ فيها كآماد فساحْ
نتمنى كلما طابت لنا
أن يظل الليل مجهول الصباحْ
*** ***
يا فؤادي العمر سفرٌ وانطوى
وتبقتْ صفحة قبل النوى
ما الذي يغريك بالدنيا سوى
ذلك الوجه، وذياك الهوى

 

الحــياة

جلستُ يوماً حين حلَّ المساءْ
وقد مضى يومي بلا مؤنسِ
وارحمتاه للقويِّ الصبورْ
يقضي الليالي في كفاحٍ سخيفْ
إن الجمالَ الساحرَ الفاتنا
يا ويحه حين تغير الغضون
يا ربِّ غفرانك إنا صِغارْ
ندبّ في الدنيا دبيبَ الغرورْ
ويعبثُ الدهرُ بحلو الجنَى
وتستر الصبغةُ إثمَ السنينْ!
وارحمتاه للقويِّ الصبورْ
يقضي الليالي في كفاحٍ سخيفْ
يا حسرتا مما يلاقي العبادْ
أَكُلُّ هذا في سبيل الحياهْ؟!
وانظر إلى هذا القويِّ الجسدْ
الباترِ العزم الشديد الكفاحْ!
أجبتُ: يا دنياي من تخدعين؟!
إِني امرؤٌ ضاق بهذا الخداعْ
وهذه السيارةُ العاتيهْ
وربُها الجبارُ كالبرقِ سارْ
وارحمتاه للقويِّ الصبورْ
يقضي الليالي في كفاحٍ سخيفْ
كم صِحتُ إذا أبصرتُ هذا الجهادْ
ومبسم الذلة فوق الجباهْ
يا حسرتا مما يلاقي العبادْ
أَكُلُّ هذا في سبيل الحياهْ؟!
وفي سبيل الزاد والمأكل
نملأ صدرَ الأرضِ إعوالا
*** ***
قد أقبل الليلُ فحيّ الجلد
في رجلَ يدأبُ منذ الصباحْ
أجبتُ: يا دنياي من تخدعين؟!
إِني امرؤٌ ضاق بهذا الخداعْ
إن الجمالَ الساحرَ الفاتنا
يا ويحه حين تغير الغضون
*** ***
ما هي الا شُعَلٌ فانيهْ
نصيبُها مثلُ شعاع النهارْ!
وارحمتاه للقويِّ الصبورْ
يقضي الليالي في كفاحٍ سخيفْ
وكيف لا أبكى لكدح الفقيرْ
أقصى مناه أن ينال الرغيفْ!
كم صِحتُ إذا أبصرتُ هذا الجهادْ
ومبسم الذلة فوق الجباهْ
يا حسرتا مما يلاقي العبادْ
أَكُلُّ هذا في سبيل الحياهْ؟!
وفي سبيل الزاد والمأكل
نملأ صدرَ الأرضِ إعوالا
كم يسخر النجمُ بنا مِن عل
وكم يرانا اللهُ أطفالا!
يا ربِّ غفرانك إنا صِغارْ
ندبّ في الدنيا دبيبَ الغرورْ
نسحب في الأرض ذيولَ الصغارْ
والشيبُ تأديبٌ لنا والقبورْ!
أجبتُ: يا دنياي من تخدعين؟!
إِني امرؤٌ ضاق بهذا الخداعْ
مزَّقتِ عن عيشي هنيّ السنين
لأنني مزقتُ عنكِ القناعْ!
إن الجمالَ الساحرَ الفاتنا
يا ويحه حين تغير الغضون
ويعبثُ الدهرُ بحلو الجنَى
وتستر الصبغةُ إثمَ السنينْ!
وهذه السيارةُ العاتيهْ
وربُها الجبارُ كالبرقِ سارْ
ما هي الا شُعَلٌ فانيهْ
نصيبُها مثلُ شعاع النهارْ!
وارحمتاه للقويِّ الصبورْ
يقضي الليالي في كفاحٍ سخيفْ
وكيف لا أبكى لكدح الفقيرْ
أقصى مناه أن ينال الرغيفْ!
كم صِحتُ إذا أبصرتُ هذا الجهادْ
ومبسم الذلة فوق الجباهْ
يا حسرتا مما يلاقي العبادْ
أَكُلُّ هذا في سبيل الحياهْ؟!
وفي سبيل الزاد والمأكل
نملأ صدرَ الأرضِ إعوالا
كم يسخر النجمُ بنا مِن عل
وكم يرانا اللهُ أطفالا!
يا ربِّ غفرانك إنا صِغارْ
ندبّ في الدنيا دبيبَ الغرورْ
نسحب في الأرض ذيولَ الصغارْ
والشيبُ تأديبٌ لنا والقبورْ!

 
الوسوم
ابراهيم الشاعر ديوان وادي
عودة
أعلى