ديوان الشاعر ... ابراهيم ناجي

kenzy*

الاعضاء
إبراهيم ناجي شاعر مصري ولد في 31 ديسمبر عام 1898 م في حي شبرا في القاهرة ، وتوفي عام 1953 م ، عندما كان في الخامسة والخمسين من العمر. كان طبيبا و كان والده مثقفاً ، مما ساعده على النجاح في عالم الشعر والأدب .

تخرج ناجي في مدرسة الطب عام 1922, وعين حين تخرجه طبيباً في وزارة المواصلات ، ثم في وزارة الصحة ، و بعدها عيّن مراقباً للقسم الطبي في وزارة الأوقاف .

وقد عاش في بلدته -أول حياته- المنصورة وفيها رأى جمال الطبيعة وجمال نهر النيل فغلب على شعره -شأن شعراء مدرسة أبولو-الاتجاه العاطفى . وأصيب بمرض السكر في بداية شبابه فتألم كثيرا لذلك وتوفي عام 1953

وقد نهل من الثقافة العربية القديمة فدرس العروض والقوافي وقرأ دواوين المتنبي و ابن الرومي و أبي نواس وغيرهم من فحول الشعر العربي ، كما نهل من الثقافة الغربية فقرأ قصائد شيلي و بيرون وآخرين من رومانسيي الشعر الغربي

بدأ حياته الشعرية حوالي عام 1926 عندما بدأ يترجم بعض أشعار الفريد دي موسييه و توماس مور شعراً وينشرها في السياسة الأسبوعية ، وانضم إلى مدرسة أبولو عام 1932م التي أفرزت نخبة من الشعراء المصريين والعرب استطاعوا تحرير القصيدة العربية الحديثة من الأغلال الكلاسيكية والخيالات والإيقاعات المتوارثة .

كان ناجي شاعراً يميل للرومانسية، أي الحب والوحدانية ، كما اشتهر بشعره الوجداني . وكان وكيلا لمدرسة أبولو الشعرية وترأس من بعدها رابطة الأدباء في الأربعينيات من القرن العشرين .

ترجم إبراهيم ناجي بعض الأشعار عن الفرنسية لبودلير تحت عنوان أزهار الشر ، وترجم عن الإنجليزية رواية الجريمة والعقاب لديستوفسكي ، وعن الإيطالية رواية الموت في إجازة ، كما نشر دراسة عن شكسبير وكتب الكثير من الكتب الأدبية مثل "مدينة الأحلام" و "عالم الأسرة" . وقام بإصدار مجلة حكيم البيت . ومن أشهر قصائده قصيدة الأطلال التي تغنت بها المغنية أم كلثوم. و لقب بشاعر الأطلال .

واجه ناجي نقداً عنيفاً عند صدور ديوانه الأول ، من العقاد و طه حسين معاً ، ويرجع هذا إلى ارتباطه بجماعة أبولو وقد وصف طه حسين شعره بأنه شعر صالونات لا يحتمل أن يخرج إلى الخلاء فيأخذه البرد من جوانبه ، وقد أزعجه هذا النقد فسافر إلى لندن وهناك دهمته سيارة عابرة فنقل إلى مستشفى سان جورج وقد عاشت هذه المحنة في أعماقه فترة طويلة حتى توفي في 24 من شهر مارس في عام 1953.

صدرت عن الشاعر إبراهيم ناجي بعد رحيله عدة دراسات مهمة، منها: إبراهيم ناجي للشاعر صالح جودت ، و ناجي للدكتورة نعمات أحمد فؤاد ، كما كتبت عنه العديد من الرسائل العلمية بالجامعات المصرية .

من دواوينه الشعرية:
وراء الغمام 1934 م .
ليالي القاهرة 1944 م .
في معبد الليل 1948 م .
الطائر الجريح 1953 م . وغيرها ...
كما صدرت أعماله الشعرية الكاملة في عام 1966 بعد وفاته عن المجلس الأعلى للثقافة .
 

آمال كاذبة

لا البراء زار ولا خيالك عادا
ما أكذب الآمال والميعادا
عجباً لحبك يا بخيلة كيف يخلق
من جوانح عابد حُسادا
إني لأهتف حين أفترش المدى
وأرى الجحيم لجانبي مِهادا
آها على الرأس الجميل سلا وأغفى
مطمئنا لا يحس سهادا
فرشت له الأحلام واحتفل الهدوء
يد ومد له الجمال وسادا
يا حبها ما أنت ما هذا الذي
جمع الغريب وألَّف الاضدادا
كم أشرئب إلى سماك بناظري
مستلهماً بك قوةً وعمادا
ولكم أبيتُ على السآمة طاويا
في خاطري شبحاً لها عوادا
فأراك تعبث بي كطفل في السماء
يصرف الأقدار كيف أرادا
ولقد أقول هوى كما بدأ انتهى
فإذا الهوى وافى النهاية عادا
مات الرجاءُ مع المساءِ وإنما
كان المماتُ لحبنا ميلاداَ
ماذا صنعت بناظر لا ينثني
متطلعاً متلفتاً مرتادا
وأنا غريب في الرخام كأنني
آمال اجفان حرمن رقادا
ولقد ترى عيني الجموعَ فما ترى
دنيا تموج ولا تحس عبادا
فإذا رأيتك كنت أنت الناس والأ
عمار الآباد والآمادا
وأراك كل الزهر كل الروض أنت
لديَّ كلُّ خميلةٍ تتهادى

 
آه

آهِ من مَيَّة آهٍ ثم آه
وحبيب سحرتني مقلتاه
لو تمنّيتُ قُبَيْل الموت ماذا
أتمنى؟ قلت تقبيل ثراه!
أتمنى الموت من قلِتهِ
ما الذي يمنع أن أشتاق فاه
آهِ من مَيَّة آهٍ ثم آه
وحبيبٍ عزّني اليوم لقاه!
 
أحلام سوداء

رُبَّ ليلٍ قد صفا الأفق بهِ
وبما قد أبدعَ اللهُ ازدهرْ
وسرى فيه نسيمُ عَبِقٌ
فكان الليلَ بُسْتَانٌ عَطِرْ
قلتُ يا رب لمن جمَّلته
ولمن هذي الثريات الغررْ..؟
فعرا الأفقَ قَتامٌ وبَدَتْ
سحبٌ تحبو إلى وجهِ القمرْ
كلما تقرب تمتد لهُ
كأكفٍّ شرهاتٍ تنتظر
صحت بالبدر: تنبَّهْ للنذرْ
ادركِ الهالةَ حفت بالخطرْ
لا تبحْ مائدة النور لهم
لا تبحْها لسوادٍ معتكرْ
قهقه الرعدُ ودوَّى ساخراً
فكأنَّ الرعدَ عربيدٌ سكرْ
قمتُ مذعوراً وهمت قبضتي ...
ثم مدت، ثم ردت من خَوَرْ
لهف القلب على الحسن إذا
قهقه الغربانُ والذِّئبُ سخرْ
تحتمي الوردةُ بالشوكِ فإن
كثر القطافُ لم تغنِ الابرْ
آهِ من غصنٍ غنيٍّ بالجنى
ومِن الطامع في ذاك التمرْ
آه من شك ومن حب ومن
هاجساتٍ وظنونٍ وحذرْ
كست الأفقَ سواداً لم يكن
غيرَ غيمٍ جاثمٍ فوق الفكرْ
طالما قلت لقلبي كلما
أنَّ في جنبي أنينَ المحتضرْ
إن تكن خانتْ وعقَّت حبَّنا
فأضِفْها للجراحاتِ الأخرْ
 
أيها الغائب

أيها الغائبُ العزيزُ النائي
فَسَدَتْ ليلتي وضاع هنائي
قَمَري أنت ليس لي منك بدٌّ
في اعتكار السحائبِ السّوداءِ
هذه الشُّرْفةُ التي جمعتنا
يا حبيبي بوجهِك الوضّاءِ
سألتْ عنك فالتفتُّ إليها
وبنفسي كوامنُ البُرَحَاءِ
قائلاً صَهْ! باللهِ لا تسأليني
فكلانا من دوِنها في عناءِ
أين ذاك الوجهُ الذي يُرسلُ النورَ
ويُوحِي إشراقُه بالصّفاءِ؟
 

أين غد

يا قاسيَ البعدِ كيف تبتعدُ
إني غريبُ الفؤادِ منفردُ
إن خانني اليوم فيك قلت غداً
وأين مني ومن لقاكَ غدُ؟
إن غداً هوَّةٌ لناظرها
تكاد فيها الظنونُ ترتعدُ
أُطلُّ في عمقها أُسائلها
أفيك أخفى خاليه الأبدُ؟
يا لامسِ الجرحِ ما الذي صنعتْ
به شفاهٌ رحيمةٌ ويدُ؟
ملء ضلوعي لظىً وأعجبه
أني بهذا اللهبِ أبتردُ
يا تاركي حيث كان مجلُسنا
وحيث غنّاك قلبيَ الغردُ
أرنو إلى الناسِ في جموعهمُ
أشقتهمُ الحادثاتُ أم سعِدوا
تفرقوا أم همُ بها احتشدوا
وغوَّروا في الوهادِ أم صعدوا؟
إني غريبٌ تعال يا سكني
فليس لي في زحامهم أحدُ!


 

أَصوات الوحدة

يا وحدتي جئت كي أنسَى وهائنذا
ما زلتُ أسمعُ أصداءً وأصواتا
مهما تصاممتُ عنها فهي هاتفةٌ
يا أيها الهاربُ المسكينُ هيهاتا!
جَرَّتْ عليَّ الأماني مِنْ مجاهلِها
وجمَّعَتْ ذِكَراً قد كُنَّ أشتانا
ما أَسْخَفَ الوحدةَ الكبرى وأضيعهَا
إذا الهواتف قد أرجعن ما فاتا
بَعثن ما كان مطويّاً بمرقدهِ
ولم يزَلْنَ إلى أن هبَّ ما ماتا
تلفَّتَ القلبُ مطعوناً لوحدته
وأين وحدته؟ باتتْ كما باتا!
حتى إذا لم يجدْ ريّاً ولا شبعاً
أفضى إلى الأمل المعطوب فاقتاتا


 
أُغنية في هيكل الحب

كم تجرّعنا هوانا
ولقينا في هوانا
وبلونا نار حب
لَم نذقْ فيها أمانا
وإِذا حلَّ الهوى هيهات
تدري كيف كانا
فإِذا ما ملك الأنفس
أصلاها عونا
فهو نصلٌ مستقرٌّ
ولهيب لا يداني !
يا حبيبي هدأ الليل
ولم يسهر سوانا
لا الدجى ضمَّد جرحينا
ولا الصبح شفانا
لا الهوى رقّ على الشاكي
ولا قاسيه لانا
قد غدونا غرضِ الرامي
كما شاء رمانا
وافِنيْ بالله نطرقْ
هيكل الحب كلانا
ساعة نبكي على الكأس
ونشكو من سقانا!


 

أنت

إن كنتِ عارفةً وواثقةً
وبعمق هذا الحبِّ آمنتِ
فثقي بأنكِ قِبْلتي أبداً
وصلاةُ روحي حيثما كنتِ
إن كان لي في الدهرِ أمنيةٌ
منشودةٌ أمنيَّتي أنتِ

 
أنــوار

طابت بكِ الأيامُ وافرحتاهْ
أنتِ الأمانيْ والغنى والحياهْ
فليذهبِ الليلُ غفرنا لهُ
ما دام هذا الصبح عقبى دجاهْ
يا من غَفَتْ والفجرُ من دارِها
شعشعَ في الآفاق أبهى سناهْ
قد طرق الباب فتىً متعبُ
طال به السير وكلَّت خطاهْ
نقَّل في الأيام أقدامَهُ
يبغي خيالاً ماثلاً في مناهْ
عندك قد حطّ رحال المنى
وفي حمى حسنِك ألقى عصاهْ
كم هدأ الليلُ وران الكرى
إلا أخا سهدٍ يغنِّي شجاهْ
ناداك من أقصى الربى فاسمعيْ
لمن على طول اللياليْ نداهْ
نادى أليفاً نام عن شجوهِ
عذبٌ تجنيه عزيزٌ جناهْ
أحبَّكِ الحبُّ وغنّى بهِ
غفَّ الأمانيْ والهوى والشفاهْ
وإنما الحبُّ حديثُ العلى
أنشودة الخلدِ ونحنُ الرواهْ..


 
أنوار المدينة

ضحكتْ لعينيَّ المصابيحُ التي
تعلو رؤوسَ الليلِ كالتيجان
ورأيتُ أنوارَ المدينةِ بعدما
طال المسيرُ وكلَّتِ القدمان
وحسبتُ ان طاب القرار لمتعب
في ظل تحنانٍ وركنِ أمانِ
فإذا المدينة كالضباب تبخرتْ
وتكشفْ لي عن كذوبِ أماني
قدرٌ جرى لم يجرِ في الحسبانِ
لا أنتِ ظالمة ولا أنا جاني
 
أطلال

يا من بِواديهِ حَطَطْتُ الرحالْ
ورحَّبتْ بي وارفاتُ الظلالْ
بسطتََ كالآباد عمر المنى
لطامع في لحظاتٍ قِلالْ
*** ***
أمهلْ فؤادي ساعةً ريثما
أخلعُ عن قلبي سرابَ الضلالْ
خليعةُ الطبعِ على كُثبها
عربدةُ الريحِ وكفرُ الرمالْ
خلعتُ إيماني على شكِّها
وبدَّدتْه السارياتُ الثِّقالْ
نادتنيَ الصحراءُ وهْي التي
آدَتْ جحيمي في السنين الطوالْ
تُريد سرِّي إن سرِّي هنا
في مُغلقٍ أسرارُه لا تنالْ
خليعةُ الطبعِ على كُثبها
عربدةُ الريحِ وكفرُ الرمالْ
قالت بهذا الصمت ما لم يُقلْ
وقلت بالزفْرات ما لا يُقالْ
هيهات للقلب صلاة بها
ولا عليها معبد وابتهالْ
خلعتُ إيماني على شكِّها
وبدَّدتْه السارياتُ الثِّقالْ
نادتنيَ الصحراءُ وهْي التي
آدَتْ جحيمي في السنين الطوالْ
تُريد سرِّي إن سرِّي هنا
في مُغلقٍ أسرارُه لا تنالْ
قالت بهذا الصمت ما لم يُقلْ
وقلت بالزفْرات ما لا يُقالْ


 
إلى أميرتنا

إقبلي يا "اميرة" اللطف حبي
واقبلي من أبيك هذا الكتابا
إجعليه ذكرى له، وإجمعي
الآراء فيه واستكتبي الأصحابا
جعل اللهُ كل عمرِكِ عيداً
وربيعاً منضّراً وشبابا

 
إلى ابنتي

يا ابنتي أني لأشعر أَني
ملأتِ مهجتي شموس منيرة
أشرقت فرحتان عندي فهذي
لعماد وهذه لأميرهْ
انتما فرقدان، وهو جديد
بالذي ناله وأنت جديرهْ
اغنما كل ما يطيب وفوزا
بالمسرات والأماني الوفيرهْ
وافرحا بالذي يطيبُ ويرجى
عيشةٌ نضرة وعين قريرهْ


 
إلى ابنتي ضوحيه

يا من طلبتِ الشعرَ هاك تحيّتي
وهواي يا روحي ويا ضوحيّتي
أيُرادُ تفصيلٌ لما عندي وكم
قلبٍ وموجز أمره في لفظة
لكن فنَّ الشعر وردُ أحبة
يُهدى فهاك قصيدتي بل وردتي
والشعر روضٌ يانعٌ وعبيرهُ
سارٍ إلينا من عبير الجنّةِ
وأراكِ روضة رقةٍ ومحاسنٍ
هل روضةٌ تهدي البيان لروضةِ؟
فإليك يا أغلي عزيزٍ يا ابنتي
وأحبَّ من تصبو إليه مهجتي
تذكار والدك المحبِّ وديعةً
فإذا ذكرت فهذه أمنيّتي
والحظُ مثل الرسم إن يوماً نأى
رسمي فللأثرِ العزيز تلفّتي


 
إلى روح الشاعر

موقفٌ حانَ فاغتنِمْ
وتخير مِن الكلمْ
كلَّ لفظٍ أورقَّ مِن
ضحكةِ الزهر للدِّيمْ
مستَمَدٍّ من الرُّبى
مُستعارٍ من الَنّسمْ
اجمعِ الآنَ طاقةً
غضَّةَ النور تبتسمْ
أُهدِها روحَ شاعرٍ
خالدٍ بالذي نَظمْ
قلمي! ما الذي لديكَ
من الخيرِ يا قلمْ؟!
قمْ فذكّر وناج قومَكَ
واخطُب وقل لهُمْ:
قل لأهل الغناءِ في كنف
المعهد الأَشمّ
ذلك الشاعرُ الذي
بات في خاطر الظُلمْ
هو منكم وفنُّهُ
علمَ الله فنكمْ
كان لجناً فصار ذكراً
كما يُذكَرُ الحُلمْ
انما الشعر مزهرٌ
قد حكى قصةَ الأممْ
وبأوتاره المنى
تتلاقى وتزدحمْ
هو نايٌ مُرجَّعٌ
لشجيٍّ وما كتمْ
هو قيثارةُ الزمان
ونجواه مِنْ قِدَمْ
هو أنشودة الحياةِ
وفيضٌ من النغمْ
أبها المعهد الذي
بلغ المجدَ واستتمّ
كلُّ لحنٍ مذكرٍ
أشعل القلب فاضطرمْ
نظمته يدُ الأسى
وقًعته يدُ السقمْ
وأناشيدكم وما
صاغه الفنُّ من عِظمْ
هي أنّاتُ أنفسٍ
بالمقادير ترتَطِمْ
وصباباتُ أعينٍ
يشهدُ الليل لَم تنمْ
وأغانيكمْ التي
هي في قمةِ القمَمْ
هي آهاتُ شاعر
عرف الحبَّ والألمْ!
ذلك الشاعرُ الذي
روحهُ الآن بينكمْ
لكأني أراه حَيّاً
وألقاهُ عن أمَمْ
وهو في ذروة الشباب
وفي خفةِ القَدَمْ
غاشياً كلَّ منتدىً
عاليَ الرأسِ محترمْ
كلما قال شعرَه
غمر السهلَ والعلمْ
دافقاً ليس ينتهي
أبداً سيلُه العرمْ
باذلاً للصديق والأ
هلِ كلّ الذي غِنَمْ
زوجه والبنون هُم
مجدهُ والرجاءُ هُمْ
درجوا في ذُرَا العلا
نوَّروا في رُبى النعمْ
نشأوا في حِمى العفافِ
وجلُّوا عن التُّهمْ
حين ظنوا بأنَّ ما
أمَّلوا في الزمانِ تمْ
إذ شكا الضعفَ سيد
البيتِ خارت به الهممْ
نام في حصنهِ الضَّنى
وعلى صدره جَثمْ
واذَا بالطيور قد
دخل الموتُ وكرهُمْ
شِبْهَ لصٍّ مخادعٍ
غشىَ البيت فالتهَمْ
وإذا الفاقةُ الجريئةُ
تَطْغَى وتَنْتَقِمْ
صنعتْ في رجائهمْ
فعلَة الذئبِ بالغنمْ
كأتونٍ مستعَّر
غاضبٍ ينثرُ الحُمَمَْ!
مَن رأى البؤسَ إن عدا!
مَنْ رأى الضنك إن هَجَمْ؟
مَن رأى العفةَ العريقةَ
بالدهر تصطدمْ؟!
أُمَّتي! ليس يُهزَمُ الفنُّ
في أمَّة الشَّمَمْ
أُمَّتي! ليس يخذلُ الجُودُ
في أمَّة الكرَمْ
أُمَّتي! أُمَّةُ العلا
وأبي الهول والهرَمْ


 
إلى هند

غرامكِ لي معبدٌ طاهرٌ
دعائمُهُ شُيِّدتْ من ولوعي
تعهدتُ محرابَه بالوفاء
وأوقدتُ فيه الهوى من شموعي
جوانبُه من دموعيَ قامتْ
وأضلعُه بُنِيتْ من ضلوعي
ومن ذا رأى هيكلاً في الوجودِ
يُقام على عمدٍ من دموعِ؟

 

المآب

هتفتُ وقد بدت مصر لعيني
رفاقي! تلك مصر يا رفاقي
أتدفعني وقد هاضت جناحي
وتجذبني وقد شدت وثاقي
خرجتُ من الديارِ أجرُّ همي
وعدتُ إلى الديار أجرُّ ساقي

 
الليل في فينيسيا

يا رب ما أعجب هذي البلاد
لا ليلَ فيها! كل ليلٍ صباح
وكل وجه في حماها ضِماد
ومصر لا تنبت إلا الجراح

 
الليالي


(1)
قد أمَّكَ الهاربُ الطريدْ
فآوهِ أنتَ والظلامْ
يا حقبةَ الوهم والخيالْ
هلاَّ تمهلتِ للأبدْ؟!
أراحةٌ فيك للضمير
أم موعدٌ فيك من حبيبْ؟
ينفضُ عن عينه كراهُ
ويقبل الراقدُ المسجَّى!
عجبتُ للمرءِ كم يئنّ
ويستطيبُ الحياةَ مَرعَى
وعلم السمحَ أن يضنَّا
وثبَّت الجبنَ في الطباعْ!
طال بنا الصمتُ والجمودْ
لا البدر يوحي ولا الغديرْ
هربتُ من عالمٍ أضرَّا
وجئتُ عَلي لديكِ أحيا!
ملكَ في هاته العوالمْ
مهزلةَ الموت والحياةْ
هياكلٌ تعبرُ السنين
واحدةُ العيش والنظامْ
وواحد ذلك الطلاء
يسترُ خزياً من الطباعْ
بعينها كذبةُ الدموعْ
بعينها ضحكةُ الخداعْ
(3)
يا ويحه كيف قد أطاقْ
شكوى البرايا على السنينْ؟!
كالقلب إن ضاق واكتأبْ
تخفف الذكريات عنهُ
مبيدة حيثما استقرت
فان نبُحْ سمِّيت قريض!
لو يفهم النجمُ ما نقول!
أو يفهم الليلُ ما نُسرْ!
تطل من قاتمِ الحلك
بغيرك فهمٍ ولا ذكاءْ!
وكلّما جَدَّ لي أنينْ
تسخر بي أنَّةُ الرياحْ!
وحظ شعرٍ إذا أطاعْ
يا ليته عاش لا. يطيع
ولن ترى في الوجودِ مَنْ
يدري عذاب الذي تلاهْ!
يا أيها النهر بي حسدْ
لكل جارٍ عليك رفّ
ومن حبيب إلى حبيب
ترنو حناناً وتبتسمْ
يا نهرُ روّيتَ كل ظامي
فراح ريّان إن يذُقْ
يا نهر لي جذوة بجنبي
هادئة الجمرِ بالنهارْ
وقفت حرّان في إِزائكْ
فهل ترى منك مسعدُ؟
عالج لظاها فإن سكنْ
فرحمةٌ منك لا تحدْ
تريني الهاجر الشتيت
وقربه ليس لي ببالْ
تمر ذكرى وراء ذكرى
وكل ذكرى لها دموعْ
ماضٍ وكم فيه من عثارْ
ومن عذابٍ قد انقضى
يا من أرى الآن نصب عيني
خياَله عطَّر النسمْ
في ذمة الله ما أضعتمْ
إنَّا غفرنا لمن أساءْ
يخدعنا أنّه التأمْ
ولم يزل يحبىءُ الصديدا!
طال عذابي! وطال شكي
ومات قلبي، وما تأسَّى!
ما بالها أعين الفلك
منتثرات على الفضاءْ
تطل من قاتمِ الحلك
بغيرك فهمٍ ولا ذكاءْ!
ألا وفيُّ ألاَ معينْ
في مدلهمٍ بلا صباحْ؟!
وكلّما جَدَّ لي أنينْ
تسخر بي أنَّةُ الرياحْ!
هبنا شكونا بلا انقطاعْ
ما حظ شاكٍ بلا سميعْ
وحظ شعرٍ إذا أطاعْ
يا ليته عاش لا. يطيع
يضيعُ في لجةِ الزمنْ
مبدداً في الورى صداهْ
ولن ترى في الوجودِ مَنْ
يدري عذاب الذي تلاهْ!
(4)
يا أيها النهر بي حسدْ
لكل جارٍ عليك رفّ
أكُلُّ راجٍ كما يودّ
يروي ظماه ويرتشفْ
ومن حبيب إلى حبيب
ترنو حناناً وتبتسمْ
وكل غادٍ له نصيبْ
من ماِئك الباردِ الشبمْ
يا نهرُ روّيتَ كل ظامي
فراح ريّان إن يذُقْ
فكن رحيماً على أوامي
فلي فمٌ بات يحترقْ
يا نهر لي جذوة بجنبي
هادئة الجمرِ بالنهارْ
فإن دنا الليلُ برَّحَتْ بي
وساكن الليل كم آثارْ
وقفت حرّان في إِزائكْ
فهل ترى منك مسعدُ؟
وددتُ ألقي بها لماِئكْ
لعلها فيك تبردُ
عالج لظاها فإن سكنْ
فرحمةٌ منك لا تحدْ
وإن عصت نارُها فكنْ
قبراً لها آخر الأبدْ!
تريني الهاجر الشتيت
وقربه ليس لي ببالْ
وكلّما خلتني نسيتْ
مَرَّ أمامي له خيالْ
تمر ذكرى وراء ذكرى
وكل ذكرى لها دموعْ
وتعبر المشجياتُ تترى
من كل ماضٍ بلا رجوعْ
ماضٍ وكم فيه من عثارْ
ومن عذابٍ قد انقضى
كم قلت لا يرفع الستارْ
ولا ادكارٌ لما مضى!
يا من أرى الآن نصب عيني
خياَله عطَّر النسمْ
بالله ما تبتغيه مني
ولم تدع لي سوى الألَمْ
في ذمة الله ما أضعتمْ
إنَّا غفرنا لمن أساءْ
لا تحسبوا البرءَ قد أَلَمّ
فلم يزل جرحنا جديدا
يخدعنا أنّه التأمْ
ولم يزل يحبىءُ الصديدا!
يا أيها الليل جئتُ أبكي
وجئتُ أسلو وجئت أنسى
طال عذابي! وطال شكي
ومات قلبي، وما تأسَّى!


 
الوسوم
ابراهيم الشاعر ديوان وادي
عودة
أعلى