ديوان الشاعر ... ابراهيم ناجي

في الظلام

أليلاي ما أبقى الهوى فيّ من رشدِ
فردي على المشتاقِ مهجتَه ردِّي
أينسى تلاقينا وأنت حزينةٌ
ورأسك كابٍ من عياءٍ ومن سهدِ
أقول وقد وسّدتُه راحتي كما
توسّد طفلٌ متعبٌ راحة المهدِ..
تعاليْ إلى صدرٍ رحيبٍ وساعدٍ
حبيبٍ وركنٍ في الهوى غير منهدِ
بنفسي هذا الشعر والخُصَل التي
تهاوت على نحرٍ من العاجِ مُنقدِ
ترامتْ ما شاءتْ وشاء لها الهوى
تميل على خدٍّ وتصدفُ عن خدِ
وتلك الكروم الدانيات لقاطفٍ
بياض الأماني من عناقيدها الرّبْدِ
فيا لك عندي من ظلامٍ محببٍ
تألق فيه الفرقُ كالزمن الرغد
ألا كُلُّ حسنٍ في البرية خادمٌ
لسلطانة العينين والجيدِ والقدِّ
وكل جمالٍ في الوجود حياله
به ذلةُ الشاكي ومرحمةُ العبدِ
وما راع قلبي منك إلا فراشةٌ
من الدمعِ حامتْ فوق عرش من الوردِ
مجنحةٌ صيغتْ من النور والندى
ترفُّ على روضٍ وتهفو إلى وردِ
بها مثل ما بي يا حبيبي وسيِّدي
من الشجن القتال والظمأ المُردي
لقد أقفر المحرابُ من صلواته
فليس به من شاعرٍ ساهرٍ بعدي
وقفنا وقد حان النوى أي موقفٍ
نحاول فيه الصبرَ والصبرُ لا يجدي
كأن طيوفَ الرعبِ والبين موشكٌ
ومزدحمَ الآلامِ والوجدُ في حشدِ
ومضطرمَ الأنفاسِ والضيقُ جاثمٌ
ومشتبك النجوى ومعتنق الأيدي
مواكب حُرس في جحيم مؤبد
بغير رجاءٍ في سلام ولا برد
فيا أيكة مدّ الهوى من ظلالها
ربيعاً على قلبي وروضاً من السعد
تقلصتِ إلا طيفَ حبٍّ محيّرٍ
على درجٍ خابي الجوانب مسودِّ
تردَّدَ واستأنى لوعد وموثقٍ
وأدبرَ مخنوقاً وقد غص بالوعدِ
وأسلمني لليلٍ كالقبرِ بارداً
يهب على وجهي به نفسُ اللحدِ
وأسلمني للكون كالوحش راقداً
تمزقني أنيابُه في الدجى وحدي
كأن على مصر ظلاماً معلقاً
بآخر من خابي المقادير مربدِ
ركودُ وإبهامٌ وصمتٌ ووحشةٌ
وقد لفها الغيبُ المحجبُ في بُردِ
أهذا الربيعُ الفخمُ والجنةُ التي
أكاد بها أستافُ رائحةَ الخلدِ
تصيرُ إذا جن الظلامُ ولفها
بجنحٍ من الأحلام والصمتِ ممتدِّ
مباءةَ خمّارٍ وحانوتَ بائعٍ
شقيِّ الأماني يشتري الرزق بالسهدِ
وقد وقف المصباحُ وقفة حارس
رقيب على الأسرارِ داعٍ إلى الجدِّ
كأن تقياً غارقاً في عبادةٍ
يصوم الدجى أو يقطع الليلَ في الزهدِ
فيا حارس الأخلاق في الحيِّ نائمٌ
قضي يومَه في حومة البؤسِ يستجدي
وسادته الأحجارُ والمضجعُ الثرى
ويفترش الافريزَ في الحر والبردِ
وسيارةٌ تمضي لامر محجبٍ
محجبة الأستار خافية القصدِ
إلى الهدف المجهولِ تنتهبُ الدجى
وتومض ومض البرق يلمع عن بُعدِ
متى ينجلي هذا الضنى عن مسالكٍ
مرنقة بالجوع والصبرِ والكدِّ
ينقبُ كلبٌ في الحطام وربما
رعى الليل هوٌّ وساهرٌ وغفا الجندي
أيا مصر ما فيك العشية سامرٌ
ولا فيك من مصغِ لشاعرك الفردِ
أهاجرتي، طال النوى فارحمي الذي
تركتِ بديدَ الشملِ منتثرَ العقدِ
فقدتكِ فقدانَ الربيعِ وطيبَهُ
وعدتُ إلى الإعياء والسقم والوجدِ
وليس الذي ضيعتُ فيك بِهَيِّنٌ
ولا أنتِ في الغيّاب هينة الفقدِ
بعينيك استهدي فكيف تركتني بهذا
الظلام المطبق الجهم أستهدي
بورْدِكِ أستسقي فكيف تركتني
لهذي الفيافي الصم والكثب الجردِ
بحبكِ استشفي فكيف تركتني
ولم يبق غير العظم والروح والجلدِ
وهذي المنايا الحمر ترقص في دمي
وهذي المنايا البيض تختل في فودي
وكنت إذا شاكيت خففت محملي
فهان الذي ألقاه في العيش من جهدِ
وكنت إذا انهار البناءُ رفعتُهُ
فلم تكنِ الأيامُ تقوى على هَدِّي
وكنت إذا ناديتُ لبيْتِ صرختي
فوا أسفاً كم بيننا اليوم من سدِّ
سلامٌ على عينيك ماذا اجنتا
من اللطف والتحنان والعطف والودِّ
إذا كان في لحظيك سيفٌ ومصرعٌ
فمنكِ الذي يحي ومنكِ الذي يردي
إذا جُرِّد لم يفتكا عن تعمدٍ
وإن أغمدا فالفتك أروع في الغمدِ
هنيئاً لقلبي ما صنعتِ ومرحبا
وأهلا به إن كان فتكُكِ عن عمدِ
فإني إذا جن الظلامُ وعادني
هواك فأبديتُ الذي لم أكن أبدي
وملتُ برأسي باكياً أو مواسياً
وعندي من الأشجان والشوقِ ما عندي
أُقبِّلُ في قلبي مكاناً حللتِه
وجرحاً أناجيه على القرب والبعدِ
ويا دار من أهوى عليكِ تحية
على أكرم الذكرى على أشرف العهدِ
على الأمسيات الساحرات ومجلسٍ
كريمِ الهوى عفِّ المآرب والقصدِ
تنادُمنا فيه تباريحُ معشرٍ
على الدم والأشواك ساروا إلى الخلدِ
دموعٌ يذوب الصخر منها فإن مضوا
فقد نقشوا الأسماءَ في الحجرِ الصلدِ
وماذا عليهم إن بكوا أو تعذبوا
فإن دموعَ البؤسِ من ثمنِ المجدِ ..


 
في يوم الشباب

اليوم يومُك في الشباب فنادِ
لا نوم بعدُ. ولا شهيَّ رقادِ
قل للذي يبغي الصلاحَ لقومهٍ
بنبيل صنعٍ أو شريفِ جهادِ
بالطبِّ أو بالشعر أو بكليهما
كل الجهودِ فداءُ هذا الوادي!
لا خير في قلمٍ اذا هو لَمْ يكنْ
حراً طهوراً كالشعاعِ الهادي
لا خير في طبٍّ اذا هو لم يزُرْ
ظلم الحياة كفرحةِ الأعيادِ
يا أيها الوطن الجريح وجرحه
بصميم كل حشاشة وفؤادِ
صبراً فنحن أساءتك الرحماء في الـ
ـبأساءِ قد جئنا بكل ضمادِ
قل للبناةِ المصلحين ألا اخلقوا
شم الذرى ورواسخَ الأطوادِ
جيلاً من النشء القوِي إذا مشوا
رفعوا الرؤوسَ بعزةٍ وعنادِ
لا خير في الأرواحِ تسكن منزلاً
متهدما رثاَ من الأجسادِ
لا خير في الأرواحِ تسكنُ موطناً
متخاذلاَ لا يرتجى لجلادِ
أبَكَتْ عيونُكم الضعيفَ يصير في
ناب القويِّ فريسةَ استعبادِ
فتبينوا اذنِ الحقيقَةَ واعلموا
ان الطبيعةَ هكذا من عادِ
الجوُّ ملكُ النسر يغشاه على
ما يشتهي والغابُ للآسادِ
مهلاً بني قومي أتيت مذكراً
في ساحةٍ مجموعة الأشهادِ
واخجلتا مما نقدمه إذا
حان الحسابُ وجاء يومُ معادِ
أي الصحائف في غد وحسابكم
في ذمةِ الأبناءِ والأحفادِ
أيّ البلاد هو السعيد وأهله
يتنابذون تنابذ الأضدادِ
كل يعيش لنفسِه في أمةٍ
شقيتْ بطولِ تفرقِ الأفرادِ
فخذوا السبيلَ إلى الحياةِ تآلفاَ
وتكاتفاً في رغبةٍ ووادادِ
خير الصحائف ما كتبتَ سطورَه
بيد الكفاح الحر لا بمدادِ
صونوا البلادَ وأدركوا فلاَّحَكم
كاد الحمى يغدو بغير عمادِ
حيران من مرضٍ إلى بؤسٍ الى
كربٍ تمر به بلاد تعدادِ
هذي ديارُكمُ وهذي شمسُكم
طمعُ الغريب وحرقةُ الحسادِ
ومن المصائب في زمانك أن ترى
بلداً كثير مناهل الروادِ
والخيرُ مدرارٌ عليه وربه
جوعان محروم الرعاية صادِ!
والزرع نضر في الحقول وأهله
يتهيأون لمنجل الحصادِ!...
هذا زمانكم وذا ميدانكم
ماذا بكم من عدة وعتادِ؟..
نبغي شداد القوم قد شحذوا القوى
في ليل أحداث نزلن شدادِ
ونريد شباناً بمصر استعصموا
ومضوا يصدون الغريبَ العادي
ونريد اطفالاً اذا ما أُرضعوا
فرضاعهم وطنية بسهادِ
لطفل منهم مثل أمي أو أبي
شفتاه أول ما تقول بلادي!...
يُغذون في الأرحامِ حب بلادهم
لتكَون مصراً صرخة الميلادِ!
 
في رثاء مطران

يا نفس إن راح الخليلُ وعنده
ورد الخليل فعجّلي برحيلي
حملوا على الأعواد فنّاً خالداً
وارحمتاه لكوكبٍ محمولِ
هو مصرعٌ للعبقريةِ روّعتْ
في عرشِها والتاجِ والإكليلِ
 
في شم النسيم

أنت يا من جعلت روض حياتي
مهدَ وردٍ إليكِ وردكِ رُدّا
آيةُ الورد أنه نفحةٌ منكِ
ومن عطركِ العبيرَ استمدّا
هذه باقةٌ من الورد تجثو
مَلكٌ في الرياض أصبح عبدا
يا جمال الجمال من خلّد الحسن
جميعاً في نظرةٍ منك تَنْدى؟
يا صباح الصباح من يَمْلكُ الأضواء
وصفاً أو الفرائد عَدَّا؟
ليس بدعاً يا وردة العمر أن كانت
لمغناك وردة الروض تُهدى
لا تظني ورداً يكافئ ورداً
أنت أغلى حسناً وأكرم وردا
غير أني وإن عجزت عن التقدير
حاولت ما تمكّنتُ جهدا
باعثاً للوفاء ورداً وللقلب
إلى أعمق السرائر ودّا
وإلى العيد أنت عيدٌ لايّامي
جميعاً أنت الحبيبُ المُفَدّى
 
في ظلال الصمت

ها أنا عدت إلى حيث التقينا
في مكان رفرفت فيه السعادهْ
رب لحنٍ قص في خاطرنا
قصةَ الساري الذي غنى سهادهْ
سمتَ السّهلُ ولكن أقبلتْ
من ثنايا السهل أصداءٌ بعيدهْ
كلُّ لحنٍ في هدوءٍ شاملٍ
تشتهي النفسُ به أن تستعيدَهْ
فإذا ما ذهب الليلُ بها
تزخرُ النفسُ بأصداءٍ جديدهْ
*** ***
ناقلاً للنّهر والسهل معاً
قصةً يشرحُها عنك وعني
ما الذي في خصلة راقدة
ما الذي في خطِّه أو كتبِهْ؟
ما الذي في مجلس يألفه
عقد الحب عليه موعده
ربما يبكي أسىً كرسيُّه
إن نأى عنه وتبكي المائده
ولقد نحسبها تسألنا
حين نمضي أفراق لعِدَه؟
وهي لو تملِك كفّاً صافحت
كفَّكِ الغضّة في كل مساء
وعلى خيمته حارسه
عربي الجود شرقي الضيافهْ
وجَد العرس على بهجته
وسناه دونَ وَرْدٍ فأضافهْ
أرجٌ يعبقُ في جُنحِ الدّجى
حملَته نحو عَرْشيْنا الرياحْ
يا لها من حقبة كانت على
قِصَرٍ فيها كآماد فساحْ
نتمنى كلما امتدت بنا
أن يظل الليل مجهول الصباحْ
إنما الدنيا عُبابٌ ضمَّنا
وشطوطٌ من حظوظ فرَّقتنا
ومعاني الحسن تترى وأنا
ناظرٌ فيها لمعنىً خلف معنى
هذه الدنيا هجيرٌ كلُّها
أين في الرمضاء ظلٌّ من ظلالكْ
ولقد تزخر بالنور وكم
من ضياء وهو من غيرك حالكْ
*** ***
أين يا قلبيَ مَنْ قلبي اجتبى
لهواه واصطفاه لي خدينا؟
لم أكن أطمع أن تُضمِر لي
آسياً يُبرئُ لي الجرح الدفينا
*** ***
لا تمِل واسخرْ من الدنيا إذا
شاءت الأيام يوماً أن تميلا
ما الذي مكَّن في القلب الودادْ
ما الذي صبَّك صبّاً في الفؤادْ؟
ما الذي ملَّك عينيك القيادْ
ما الذي يعصف عصفاً بالرشادْ؟
يا لها من حقبة كانت على
قِصَرٍ فيها كآماد فساحْ
ما الذي إن أُقصهِ عنيَ عادْ
طاغياً سِيّان قربٌ أو بعادْ؟
نتمنى كلما امتدت بنا
أن يظل الليل مجهول الصباحْ
ما الذي يخلقنا من عدم
ما الذي يُجري حياة في الجمادْ؟
*** ***
أنا إن ضاقت بيَ الدنيا أفئْ
لثوانٍ رحبةٍ قد وسِعتنا
كم حبيب بَعُدت صهباؤه
وتبقت نفحة من حبَبهْ
في نسيج خالدٍ رغم البلى
عبث الدّهرُ وما يعبث به
أين سلطاني ومجدي والذي
حبُّه مجدٌ وسلطانٌ وعزَّه؟
إنما الدنيا عُبابٌ ضمَّنا
وشطوطٌ من حظوظ فرَّقتنا
أين إلهامي ونوري والذي
أيقظَ القلبَ إلى البَعْثِ وهَزَّه؟
ولقد أطفو عليه قلِقاً
غارقاً في لحظةٍ قد جمعتنا
ومعاني الحسن تترى وأنا
ناظرٌ فيها لمعنىً خلف معنى
هذه الدنيا هجيرٌ كلُّها
أين في الرمضاء ظلٌّ من ظلالكْ
ربما تزخر بالحسن وما
في الدًّمى مهما غلت سحر جمالكْ
ولقد تزخر بالنور وكم
من ضياء وهو من غيرك حالكْ
لو جرت في خاطري أقصى المنى
لتمنيت خيالاً من خيالكْ!
قلت للّيل الذي جلّلنا
والذي كان على السرِّ أمينا
أين يا قلبيَ مَنْ قلبي اجتبى
لهواه واصطفاه لي خدينا؟
لم أكن أطمع أن ترحمني
بعد أن قضَّيت في الوجد السنينا
لم أكن أطمع أن تُضمِر لي
آسياً يُبرئُ لي الجرح الدفينا
لم أكن أعلم يا ليل الأسى
أن في جنحك لي فجراً جنينا
أيها اللائذ بالصمت كفى
وأدِر وجهَكَ لي وانظرْ طويلا
لا تمِل واسخرْ من الدنيا إذا
شاءت الأيام يوماً أن تميلا
ما الذي مكَّن في القلب الودادْ
ما الذي صبَّك صبّاً في الفؤادْ؟
ما الذي ملَّك عينيك القيادْ
ما الذي يعصف عصفاً بالرشادْ؟
ما الذي إن أُقصهِ عنيَ عادْ
طاغياً سِيّان قربٌ أو بعادْ؟
ما الذي يخلقنا من عدم
ما الذي يُجري حياة في الجمادْ؟
كم حبيب بَعُدت صهباؤه
وتبقت نفحة من حبَبهْ
في نسيج خالدٍ رغم البلى
عبث الدّهرُ وما يعبث به
أين سلطاني ومجدي والذي
حبُّه مجدٌ وسلطانٌ وعزَّه؟
أين إلهامي ونوري والذي
أيقظَ القلبَ إلى البَعْثِ وهَزَّه؟
 
فجر جديد

فجرٌ جديدٌ حالم خفاقْ
لما يزلْ في عالم الآفاقْ
توهان في غمم الدجى قلقُ
بحنينه . . بالحب . . . بالأشواقْ
ويود لو ضاق الظلام به
فيهب مندفعاً من الأعماقْ
متحرراً من قيد ظلمته
يرنو بعمق الروح. بالأحداقْ
فيحس لا شيء ينازعُهُ
ويحول عنه السكون إذ ينساق
لا شيء ملتفا يعانقه
غير السنا في ضوئه البراق
فيغيب في أحضانه ثملاً
ويعب من فيض الهوى الدفاق
بانت له الدنيا على قلق
"مشتاقة تهفو الى مشتاق"


 
فرحة جديدة


أدركت عندك يوميَ الموعودا
ولقيت فيك مثاليَ المنشودا
وا فرحتي بك فرحة الطفل الذي
يلهو ويخلق كل يوم عيدا
وا فرحتي بك فرحة الطير الذي
ملأَ الروابي المصغيات نشيدا
طربتْ لصدحِته وصفق ظافراً
جذلانَ في عرض الفضاءِ سعيدا
في موكبٍ من قلبِه وحبيبِهِ
من راح تحسبه العيون وحيدا
وا فرحتي بك فرحة الضال الذي
يطوي القفارَ اللافحاتِ شريدا:
لاحت له بعد الهواجر أيكةٌ
غنّاء تبسط ظلها الممدودا
ما أعجب الدنيا التي بعث الهوى
وأحالها روضاً أغر جديدا
شتى غرائبها وأعجبها فتى
يغدو لمهجته عليك حسودا
يتهالكا على جمالك صبوة
يتنافسان ضراعة وسجودا
يتنازعانك غيرة وتغضباَ
كل يراك حبيبه المعبودا
ما أعجب الإِيمان يغمر خاطري
كالفجر قد غمر السماء وئيدا
مزقتِ شكي فاسترحتُ لأعين
علمنني الإِيمان والتوحيدا

 

فرحتان

قد زُرتُ أيكك بعد أن طال النوى
وإليه كنتُ محلقاً بخيالي
يا من جروا في البال، ما برحوا به
أترى جرينا عندكم في البال؟
عهد مضى بين الهواجس والمنى
والنفس بين تعجب وسؤال
حتى رجعت كآنما رجع الصبا
لي بالازاهر والربيع الحالي
فإذا بقلبي فرحتان، فهذه
بلقاك أنت، وفرحة بـ "جلال"



 
قلب راقصـــة

أمسيتُ أشكو الضيقَ والأنيا
مشغرقاً في الفكرٍِ والسأمِ
فمضيتُ لا أدري إلى أينا
ومشيت حيث تجرّني قدمي
فرأيتُ فيما أبصَرَتْ عيني
مَلهيً أعِدَّ ليبهجَ الناسا
يجلون فيه فرائدَ الحسنِ
ويباع فيه اللهو أجناسا
بغرائب الألوان مزدهر
وتراه بالأضواء مغموراً
فقصدته عَجِلاً ولي بصرٌ
شبه الفراشة يعشق النورَا!
ودخلتهُ أجتازُ مزدحماً
بالخَلق أفواجاً وأفواجا
وأخوضُ بحراً بات ملتطماً
بالناس أمواجاً وأمواجا
فقدوا حجاهم حينما طربوا
ودووا دويَّ البحرِ صخّابا
فإذا استقرّوا لحظةً صخبوا
لا يملكون النفسَ إعجابا
متوثبين يميلُ صفُهم
متطلعَ الأعناق يتقدُ
ومصفين عَلَتْ أكفُهم
فوّارةً فكأنها الزبدُ!
لِمَ لا أثورُ اليومَ ثورتهم؟
لِمَ لا أضجُّ كما يضجونا؟!
لِمَ لا تذوق كؤوسَهم شفتي؟
إنَّ الحجا سُمّي وتدميري
في ذمةِ الشيطانِ فلسفتي
ورزانتي ووقارِ تفكيري!
يا قلبُ! ضقتَ وها هنا سعةٌ
ومجالٌ مصفودٍ بأغلال
أتقول أعمارٌ مضيعة؟!
ماذا صنعت بعمرك الغالي؟!
أنظر ترَ السيقان عاريةً
وترَ الخصورَ ضوامراً تغري
وتجدْ عيون اللهو جارية
فهنا الحياة! وأنت لا تدري
مَنْ هذه الحسناءُ يا عيني؟
السحرُ كلَّلها وظلَّلها
كالطيرِ من غصنٍ إلى غصنِ
وثّابةَ، وثب الفؤاد لها!
تراه حسناً غيرَ كذابِ
لا ما يزيفه لك الضوء
ويزيد فتنتَها باغرابِ
حزنٌ وراءَ الحسن مخبوءُ!
ثم اختفتْ والجميعُ يرقبها
ويلحُّ: عودي! ليس يرحمها
هي متعةٌ للحسِّ يطلبها
وأنا بروحي بتُّ أفهمُها!
ورأيتُها في آخر الليلِ
في فتيةٍ نصبوا لها شركا
يعلو سناها الحزنُ كالظل
مسكينة تتكلّفُ الضحكا
فمضيتُ توّاً، قلت: سيدتي!
زنتِ المراقص أيّما زين!
هل تأذنين الآن ساحرتي
تأكيدَ إعجابي بكأسين؟
فتمنّعت وأنا ألحّ سديً
بالقول أغريها وأعتذر
فاستدركتْ قالت: أراك غداً
ان شئتَ. إني اليوم أَعتذر
وتحوَّلت عني لرفقتها
ما بين منتظرٍ ومرتقبِ
فتَّانة تغري ببسمتِها
وتحدّدُ الميعادَ في أدبِ
حان اللقاءُ بغادتي وأنا
أخشى سراباً خادعاً منها
متلهفاً أستبطىءُ الزمنا
وأظل أسأل ساعتي عنها
وأجيل عينَ الريب ملتفتاً
متطلعاً للباب حيرانا
وأقول: ما يدريك أي فتى
هي في ذراعيْ حبه الآنا!
مَنْ ذا يُصدّقُ وعدَ فاتنة
لا ترحمُ الأرواحَ إتلافا
أنثى تلاقي كل آونةٍ
رجلاً وترمي الوعدَ آلافا
وهمتُ بعد اليأسِ أن أمضي
فإذا بها تختالُ عن بُعدِ
ميّزتها بشبابها الغضِّ
وبقدِّها، أُفديه من قدِّ!
يا للقلوب لملتقى اثنين
لا يعلمان لأيما سَبَبِ
جمعتهما الدنيا غريبين
فتآلفا في خلوةٍ عَجَبِ
عجباً لقلب كان مطمعه
طَرَباً فجاء الأمرُ بالعكس
وأشدّ ما في الكون أجمعه
بين القلوب أواصرُ البؤس
مَن أنت يا مَن روحُها اقتربت
مني وخاطب دمعُها روحي
صبّته في كأسي! وما سكبتْ
فيه سوى أنَّاث مذبوحِ
عجباً لنا! في لحظة صرنا
متفاهمين بغير ما أمدِ!
يا مَن لقيتُك أمس! هل كنا
روحين ممتزجين في الأبد؟!
هاتي حديثَ السقمِ والوصبِ
وصِفي حقارةَ هذه الدنيا
اني رأيتُ أساكِ عن كثبِ
ولمستُ كَربَكِ نابضاً حيَّا
لا تكتمي في الصدرِ أسرارا
وتحدثي كيف الأسى شاءَ
أنا لا أرى إثماً ولا عارا
لكن أرى امرأةً وبأساء
تجدين فكرَك جدّ مبتعد
والقومُ كثرٌ لا يُعدّونا!
وتريْن حالك حالَ منفرد
والقومُ كثرٌ لا يُعدّونا!
وترين إنكِ حيثما كنتِ
ترضين خوّانين أنذالا!
يبغونه جسداً فإن بعتِ
بذلوا النضار وأجزلوا المالا!
يا حرَّها من عبرةٍ سالتْ
مِن فاتكِ العينين مكحولِ
وعذابها من وحشة طالتْ
وحنين مجهولٍ لمجهولِ
أفنيتِ عمرَك في تطلبه
ويكادُ يأكلُ روحَكِ المللُ
فإِذا بدا مَنْ تعجبين به
وتقول روحُك: ها هو الأملُ!
أدميتِ قلبَك في تقرّبهِ
والقلبُ إن يخلص يَهُنْ دمُهُ
فإِذا حسبتِ بأن ظفرتِ بهِ
فازت به من ليس تفهمُهُ
سكتت وقد عجبت لخلوتنا
طالتْ كأنَّا جدّ عشاقِ
وأقول: يا طرباً لنشويِنا
صرعى المدامة والجوى الساقى!
أفديكِ باكيةً وجازعةً
قد لفّها في ثوبهِ الغسقُ
ودعتُها شمساً مودّعة
ذهبت وعندي الجرحُ والشفقُ
تمضي، وتجهلُ كيف أكبرها
إذ تختفي في حالك الظلم
روحاً إذا أثمت يطهرها
ناران: نارُ الصبرِ والألَمِ!


 
قلبي الثاني

أحببتُ ميَّة حبّاً لا يُعادلهُ
حبٌّ وأفنيتُ فيها العمرَ أجمعَهُ
أُحبُّ عمري الذي في قرب ميَّ وما
قد مرَّ من دونها ما كان أضيعُهُ
يا ميَّ يا قلبِيَ الثاني أعيش بهِ
وإن يكنْ فوق ظنِّي أنّني معهُ
يا بضعة من كيان الصبِّ نابضةً
بكل حُبٍّ به الرحمن أودعهُ


 
قميص النوم

يا ليلةً سنحت في العمر وانصرمَتْ
هَلاَّ رجعتِ؟ وهلاَّ عادَ أحبابي؟
لَم أَنسَ مُهديَتي جلبابَها وعلى
جسمي من السقمٍ منها أيُّ جلبابِ
وأنتَ لو أنّ روحاً أزمعت سفراً
أعدتَها وخَيالُ الموت بالبابِ
وإن عجزتَ فكنْ في الموت لي كفناً
أمتْ وألقى إِلهي غيرَ هيَّابِ
وأنتَ لو أنّ روحاً أزمعت سفراً
أعدتَها وخَيالُ الموت بالبابِ
فَذُدْ خيالَ المنايا اليومَ عن رجُلٍ
أنشبنَ في ورحِه أشباهَ أنيابِ
وإن عجزتَ فكنْ في الموت لي كفناً
أمتْ وألقى إِلهي غيرَ هيَّابِ

 
قيثارة الألم

إن حان لحنُ الختامْ
صار النشيدُ دعاءْ
مرّ الهوى في سلامْ
فلنفترق أصدقاءْ
سرٌّ وراء الظنونْ
أظلّني وأضاءْ
لم أدرِ ماذا يكونْ
ولم أسَلْ كيف جاءْ
ما بين ضحكِ الرياحْ
وقهقهات الغيوبْ
ولّى خيالٌ وراحْ
وحلَّ ظلٌّ غريبْ
يا ذنبُ فات المتابُ
لما تحطَّمَ صرحي
ما لي عليها عتابُ
إني أعاتبُ جرحي
وهذه قيثارتي
ذاتُ الشجى والأنينْ
وهذه أوتاري
أصرتِ لا تطربينْ؟
يا كم شدوتُ بلحني
ما بين حزني ودمعي
ما باله طيَّ أذني
لكنْ غريباً لسمعي


 
قدر

لا تُدمني نظراً إليّ، فوالذي
جعل الهوى قدراً على كفيك
ما تلتقي عيني بعينك لحظةً
إلا رأيت صباي في عينيكِ

 

قصة حب

مرت حياتي دون أمنيةٍ
وتقلّبت مَللا على مللِ
حتى لقيتكِ ذات أمسية
فعرفت فيكِ مطالع الأمل
*** ***
طافت بي الأيامُ واحدة
لم تلقني فرحاً ولا جزعا
وتمرّ فارغة وحاشدة
وقد استوت ضِيْقا ومتسعا
*** ***
والعمرُ سارَ كأنه العدمُ
سقمي به عندي كعافيتي
فأذقني ما لم يذقه فمُ
من أي كأس كنت ساقيتي؟
*** ***
ما هذه الدنيا التي اقتربتْ
فيها المنى والظلُّ والثمرُ؟
تجتاز وامضة فمذ وثَبَتْ
وثَبَ الهوى وتمهَّلَ القدرُ!
*** ***
قدماك ما انتقلا على درج
حاشك بل خطرا على ثبجِ
كسفينة خفّت على اللجج
نشوى بما حملت من الفرَجِ!
*** ***
في مظلم متعرج كابٍ
والليل تغزوني جحافلهُ
دقّت يدُ النعمى على بابي
والعيش خابي النجم آفلهُ
*** ***
يا للمقادير الجسام ولي
من ظلمها صرخات مجنون
باكي الفؤاد مشرّد الأمل
وقف الزمان وبابه دوني
مزّقتِ ظلمة كل ديجورِ
وألنت ما قد كان منه عصَى
وفتحتِ مصراعيه للنورِ
ما كنتِ إلا ساحراً وعصا
*** ***
ماءٌ ضربتُ الصخر فانبجسا
وجرى الغداةَ زلالهُ العذبُ
أيقول دهري إن ما يبسا
هيهات يرجع عودهُ الرطبُ
صيّرت دعواه لتفنيدِ
وحطَّمته وهزمت حجّتهُ
وأعدتِ ما جفّ من عودي
مخضوضراً وأقمت صعدتَهُ!
*** ***
يا من رأت طلالاً كتمثالِ
يستعرض العمرَ الذي مرَّا
وكأنه في رسمِهِ البالي
ندم الأسيف ودمعة حرَّى
ورد ذوي أو طائر صمتا
العمر مثل الظلّ منتقل
الناس لا يدرون من ومتى
والناس إن علموا فقد جهلوا
ما خطبهم في روضة حالت
أو صوّحت أفنانها الخضُل
نزل الربيع بها فنضّرها
وأحالها بشبابه لحنا
ومشى الشتاءُ لها فغبّرها
وأحالها لفظاً بلا معنى
*** ***
هذا حديثٌ يشبه السِّحرا
هيهات أفرغ من روايتهِ
شفق المغيب جعلته فجرا
وبدأت عمري من نهايتهِ
إني لطيرٌ حائر باكِ
قد كانتْ الأحزانُ فلسفتي
ذابيت حناناً يوم لقياكِ
وجرت أغاريداً على شفتي
*** ***
يا من طويت عليه جارحتي
وسألت عنه الأنجمَ الزّهرا
وضربت في الصحراء أجنحتي
أستلهم الكثبانَ والقفرا
والماء أنهَل حيثما كانا
والبرق أتبع حيثما لمعا
فأرى صفاءَ الوردِ غيمانا
والمطلقُ المجهولُ ممتنِعا!

 
قصيدة في الأديب الراحل (سامي الكيالي)

نفدي النزيلَ ونكرمن
ان لم نكرمْه فمن؟
انا اشتركنا في الامالي
والتقينا في المحنْ
والصرخة الكبرى كموج
البحر تدوي في الأذنْ
*** ***
الدهر دفاق فكيف
نعبّ من ماءٍ اسنْ
لا عصر مفتتنين بالا
حلام غرقى في الوثنْ
*** ***
انا اليك وللشباب
رسالة لا تمتهنْ
ما في طلائعنا الضعيف
ولا الذليل المستكنْ
*** ***
القاتلون الجهل مثل
اليوم عشش في الدمنْ
يا أيها الضيف العزيز
نعمت بالعيش الحسنْ
صدر الشآم حنا عليك
ومصر لو تدري أحنّ
قمنا لها! كل بنا
حية رسول مؤتمنْ؟
والأرز والطود المعصّب
بالجلال المطمئنْ
والنيل نهركم وما
زان الخميلةَ والفتنْ
والقوم أهل والقرى
وطن عطوف والمدنْ
ما في طلائعنا الضعيف
ولا الذليل المستكنْ
ما في طبائعنا الخصام
ولا الحفيظة والضغنْ
انا جنود النور من
علم ومن أدب وفنْ
القاتلون الجهل مثل
اليوم عشش في الدمنْ
انا لاعداء الجمود
وواضعوه في الكفنْ
يا أيها الضيف العزيز
نعمت بالعيش الحسنْ
يا مؤنس المصري في
حلب وما ننسى المننْ
صدر الشآم حنا عليك
ومصر لو تدري أحنّ
بردى لنا، وصباه والجنات
والطير المرنْ
والأرز والطود المعصّب
بالجلال المطمئنْ
والنيل نهركم وما
زان الخميلةَ والفتنْ
والقوم أهل والقرى
وطن عطوف والمدنْ




 
قسوة

قَسَتِ الحياةُ على الطريدِ
فلا الدموع ولا الصَّلاهْ
وقسا الحبيبُ على الغريبِ
فلا الدموع ولا الصَّلاهْ
فرغ الحديثُ ومن رواه
طُوِيَ الكتابُ فمن طواهْ؟
عجباً لهذا الحب من
بدءِ الزمانِ لمنتهاهْ
وقضائِهِ بين الذي
حفظ الوفاءُ ومن سلاهْ
قتلى الهوى لا يُذكرون
ولا حساب على الجناهْ

 

كل الورى

كل الورى يدعون حبكْ
أنا الوحيد الذي أحبكْ
صدرُك فيه اضطرابُ شوقٍ
يقرع قرع العبابِ جنبكْ
فكيف تخلي به مكاني
وتسكن الغادرين قلبكْ
لما اعتنقنا على اشتياقٍ
لمست بالساعدين خطبكْ
تعال لا تعتذر لذنب
بقدر حبي غفرت ذنبكْ
*** ***
طال على المتعب الطريق
بلا حبيب ولا صديق
قد بعد الشاطئ المرجى
والموج لا يرحم الغريق
في واضح النور جنح ليل
وفي الرحاب الفساح ضيق
يا أرجوان الغروبِ مهلا
ولتتئدْ أيها العقيق
صبغت عمري فصرت أمشي
على دمائي التي أريق..
*** ***
يا مسرحاً والفصول تترى
عليه مالي بك اغترارْ
فلا بخير ولا بشرٍّ
ولا طوال ولا قصارْ
ما خنت عهدي لمن تولى
كلا ولا خانني اصطبارْ
أين الليالي التي تسرُ
بلا لقاء ولا مزارْ
كم قلت ذا مشهد يمرُّ
ولم أقلْ أنه ستارْ
*** ***
إن كان للمشجياتِ رسمٌ
إني تمثالها المقامْ
بلا دموع ولا شكاةٍ
قد جمد الدمعُ والكلامْ
يا طالب الحزن في المآقي
لا تنشد الدمع في الرخامْ
وخذهُ من أخرسٍ مريرٍ
من شفه دمعُها سجامْ
فهل فمٌ قد بكى بكائي
من ذا رأى دمعةَ ابتسامْ
 
كذب السراب

البحر أسألُهُ ويسألني
ما فيه من ريٍّ لظامئهِ
متمرِّدٌ عاتٍ يضللني
كذِبُ السَّرابِ على شواطئِهِ
كم جال في وهمي فأرّقني
أربٌ وأين الفوز بالأربِ؟
وسرى بأحلامي فعلّقها
فوق السُّهى بلوامعِ الشهبِ
في يقظةٍ مني وفي وسن
صَرْحٌ بذروِتهنَّ متّحدِ
الفجرُ والسحرُ المخضّبُ من
لَبِناتِهِ والقمةُ الأبدِ
واهاً لضافي الظلِّ ورافِهِ
قضّيتُ عمري في توهّمهِ
لما طلعتُ على مشارِفِهِ
أيقنتُ أني فوق سُلَّمِهِ
ومن العجائب في الهوى اثنان
لم يضربا للحبِّ ميعادا
ومحّيِرُ الإفهامِ لحظان
قَرآ كتابَهما وما كادا
سارا فمذ وقف الهوى وقفا
يتبادلان الشوقَ والشغفا
عرف الهوى أمراً وما عرفا
مَن ذلك الداعي الذي هتفا
قَدَرٌ على قدرٍ تلاقِينا
كلُّ الذي أدري وتدرينا
أنّا أطعناهُ مُلَبِّينا
من أنت؟ من أنا؟ من يُنَبِّينا؟!


 

كبرياء


(1)
نداؤك يا فؤادَ كفى نداءَ
أما تنفك تسقيني الشقاءَ
أنا ظمآن لم يلمعْ سرابٌ
على الصحراءِ إلا خلتُ ماءَ
وأنت فراش ليلى كل نور
وتبعث كلَّ برق قد أضاءَ
فؤاديْ قل لها لما افترقنا
على شجن، وما نرجو اللقاءَ
حببتكِ ما شدوت شعراً (!!)
ولكني اعتصرت لكِ الدماءَ
إذا أنا في هواك أضعت روحي
فلست أضيعُ فيك دمي هباءَ
غرامُكِ كان محراب المصلى
كأني قد بلغتُ بكِ السماءَ
خلعت الآدميةَ فيه عني
ولكن ما خلعت به الإباءَ
فلم أركعْ بساحته رياءَ
ولا كالعبد ذلاًّ وانحناءَ
ولكني حببْتُكِ حبَّ حرٍّ
يموتُ متى أراد وكيف شاءَ
(2)
وحبيب كان دنيا أملي
حبه الحرابُ والكعبةُ بيتُهْ
من مشى يوماً على الوردِ له
فطريقي كان شوكا ومشيتُهْ
من سقى يوماً بماءٍ ظامئاً
فأنا من قدحٍ العمرِ سقيتُهْ
خفق القلبُ له مختلجاً
خفقةُ المصباحِ إذ ينضبُ زيتُهْ
قد سلاني فتنكرتُ لهُ
وطوى صفحةَ حبي فطويتُهْ
(3)
أقبلتُ للنيلِ المباركِ شاكياً
زمني وقد كثرتْ عليَّ همومي
ومسحتُ كفيْ والجبينَ بمائهِ
علِّي أهدئ ثورةَ المحمومِ
وجلست أنثرُ جعبةً معمورةً
بالذكرياتِ جديدِها وقديم
لهفي لحب مات غيرَ مدنسٍ
وشباب عمر مرَّ غيرَ ذميمِ
خان الأحبةُ والرفاقُ ولم أخنْ
عهدي لهم وصفحتُ صفحَ كريمِ
ايخيفُني العشبُ الضعيفُ أنا الذي
أسلمت للشوكِ الممضِّ أديمي
وإذا ونى قلبي يدق مكانه
شممي وتخفقُ كبرياءُ همومي
اني لأحمل جعبتي متحديا
زمني بها وحواسدي وخصومي
أحني لعرش الله رأساً ما انحنى
بالذل يوماً في رحابِ عظيمِ



 
كيف أنساك؟

إنه "سونيا" أنت الرضا والحنانْ
كيف ضاءت بك الليالي الحسانْ
وغدا الدهر لحظة من سلام
وإذا كل ما عليه أمانْ
لا أرانا فيه خُدعنا إذا ما
بك عز الهوى وفات الهوانْ
كيف أنساك إذ نسيتُ شقائي
وعذابي، وليس بي أشجانْ
وإذا بي أرى لعينيك دنيا
خير ما فكرتْ به عينانْ

 
الوسوم
ابراهيم الشاعر ديوان وادي
عودة
أعلى