ديوان الشاعر ... ابراهيم ناجي


  1. الطائر الجريح

    أيُّ جوادٍ قد كبا
    وأيُّ سيفٍ قد نبا
    تعجبتْ زازا وقد
    حقَّ لها أن تعجبا
    لما رأتْ فيَّ شحوب
    الشمسِ مالت مغربا
    وهي التي زانت مشيبي
    بأكاليل الصِّبا
    وهي التي قد علّمتْني
    حين ألقى النُّوبا
    كيف أُداري النابَ إن
    عضَّ وأخفي المخلبا
    لاقيتُها أرقصُ بشراً
    وأُغني طربا
    وهي التي تهتك سِتْرَ
    القلبِ مهما انتقبا
    لا مغلقاً تجهله
    يوماً ولا مُغَيّبا
    في فطنةٍ تومضُ حتّى
    تستشفَّ ما خبا
    رأتْ وراء الصدرِ طيراً
    قلِقاً مضطربا
    في قفصٍ يحلمُ بالأفقِ
    فيلقى القُضُبا
    إنَّ زماناً قد عفا
    وإنَّ عمراً ذهبا
    وصيّرتْهُ طارقاتُ
    السقمِ وَقراً متعبا
    ورنَّقتْ موردَهُ
    أنّى له أن يَعُذبا؟
    إني امرؤٌ عشت زماني
    حائراً معذَّبا
    عشت زماني لا أرى
    لخافقي منقلبا
    مسافراً لا قوم لي
    مبتعداً مغتربا
    مشاهداً عَلِّيَ في
    مسرحِهِ أن ارقبا
    رواية مُلَّت كما
    مُلَّ الزمانُ معلبا
    وظامئاً مهما تُتَحْ
    موادٌ أن أشربا
    وجائعاً لا زادَ في
    دناي يشفي السغبا
    فراشة حائمة
    على الجمال والصبا
    تعرَّضت فاحترقت
    أُغنية على الربى
    تناثرت وبعثرت
    رمادها ريح الصّبا
    أمشي بمصباحي وحيداً
    في الرياح متعبا
    أمشي به وزيتُه
    كاد به أن ينضبا
    وشد ما طال الصراع
    بيننا واحربا
    ريحُ المنايا تقتضيني
    نسماتي الخُلّبا
    وليس بالأحداث فيما
    قيل أو ما كتبا
    كالعمر والسقم إذا
    تحالفا واصطحبا
    لولاك ما قلت لشيء
    في الوجود مرحبا
    ولم أَجد ركناً غنّياً
    بالحنانِ طيِّبا
    أنتِ التي أقمت مر
    فوعَ البناءِ من هَبا
    وإنني الصخرُ الذي
    أردتِ أن لا يُغلبا
    ويضرب البحرُ عليه
    موجَه منتحبا
    علمتِ يأسي وجنوني
    وجهلتِ السببا
    يا أملي إنك يأسُ
    القلبِ مهما اقتربا
    يا كوكباً مهما أكن
    من بُرجه مقرَّبا
    فإنه يظل في السَّمْتِ
    البعيدِ كوكبا
    وأين مني فلك
    قد عزّني مطَّلبا
    ليس إلى خياله
    إلا السهاد مركبا
    أستبطئُ الريحَ له
    وأستحثُّ الكتبا
    ولو طريق حبّه
    على القتاد والظُّبا
    وقيل للقلب هنا الموتُ
    فعُدْ تسلم أبى
    إني امرؤٌ عشتُ زماني
    حائراً معذّبا
    لا أحسِب الأيام فيه
    أو أعُدُّ الحِقبا
    ضقتُ بها كيف بمن
    ضاق بها أن يَحسبا
    تغيّرتْ واختلفتْ
    وسائلاً ومطلبا
    وارتفعتْ وانخفضتْ
    طرائقاً ومأربا
    سلوت على الحالين حُمْلاناً
    بها وأذؤُبا
    وشاكلتْ لناظري
    سهولَها والهُضُبا
    دخلتها غِرّاً وعدت
    فانياً مجرِّبا
    لا أسأل الأيام عن
    أعمالها معَقِّبا
    إن كان هذا الدهر فيما
    جرَّه قد أذنبا
    فإنه تاب وأدَّى
    وعدَهُ المرتقبا
    لقاكِ ماحٍ للذنوب
    كيف لي أن أعتبا
    ضممتُ عطْفيْكِ غداة
    الروع أبغي مهربا
    كم خفتُ من أن تذهبي
    وخفتِ من أن أذهبا
    كأن طفلاً خائفاً
    في أضلعي حلَّ الحُبى
    يضرب ما اسْتطاع على
    جدرانها أن يضربا
    يكافحُ الأمواجَ أو
    يصرعُ جيشاً لجبا
    إن بَعُد الشطُّ فقد
    آن له أن يقرُبا
    أنتِ الحياةُ والنجاةُ
    والأمانُ المجتبى

 
القمة

يا أيُّها العالي الغفورُ الصفوحْ
هل ترحم القمَّةُ ضعْف السُّفوحْ
تاجُك في النور غريقٌ وفي
عرشك غبَّى كل نجمٍ صَدُوحْ
وأين هامات الربى نُكِّسَتْ
من هامةٍ فوق مُنيفِ الصُّروحْ؟
وأين أوراقٌ خريفيّةٌ
أرْجَحَها الشكُّ فما تستريحْ
من باسقٍ راسٍ به خضرَةٌ
ثابتةُ الرأي على كل ريحْ
بَرئتَ من هذي الوهادِ التي
نَغْدُو على أنّاتِها أو نروحْ
وأين في مبتسمات الذرى
برق الأماني من وميض الجروحْ؟
أصغِ لهذي الأرضِ واسمعْ لما
تشكو، لمن غيرك يوماً تبوحْ؟
تطفو على طوفان آلامها
وأين في آلامها فُلْكُ نوح
أروع شيء صامت في العُلى
أفصح مفْضٍ بالبيانِ الصريحْ
يعيِّر الأرضَ إذا أظلمتْ
بما على مفرقِه من وضوح
هل تسخرُ الحكمةُ مما بنا
من نزواتٍ وعنانٍ جَموحْ
حمقى، قُصارى كل غاياتنا
عزمٌ مَهيضٌ وجناحٌ كسيحْ
أُعيذ عدل الحقِّ من ظلمنا
فكم على القِيعان نسْر جريحْ
أنت له كل الحِمى المرتجى
وكلُّ مبغاه إليك النزوحْ
ما النسر إلا راهبٌ في العُلى
محرابُه وجهُ السماءِ الصبيحْ
وقلبها السَّمْح فما حطَّه
على الثرى الجهم الدميمِ الشحيحْ
على الثرى حيث تسابيحُه
نوح الحزانى ونداء القروحْ
مبتهلٌ باك بدمع الأسى
على الليالي وسقيم طريحْ
ما أتعس الأرضَ بعُبَّادها
تبْهِجُ من أخلاطِهم ما تُبيحْ
قد أنكرَ الهيكلُ زوَّارَه
وأصبح الديرُ غريبَ المُسوحْ
لم يعرف الجسمُ خلاصاً به
من كدرةِ الطين ولم تنجُ روحْ
يا سيِّد القمّةِ أنصِتْ لنا
لا يعرفُ الأشفاقَ قلبٌ مُشيحْ
وانظرْ إلى اسِّكين في ساحةٍ
قد زمجرتْ فيها دماء الذَّبيحْ
واسكبْ نَدَى الحبِّ بأفواهِنا
كم من بَكِيٍّ وظَمِيٍّ طليحْ
فربما يُشرقُ بعد الضّنى

 
القافلة الصغيرة

تعالَ سلِ القبيلةَ والجمالا
لأيةِ غايةٍ شدوا الرحالا
وكيف تبدلوا أرضاً بأرضٍ
وكيف تغيروا حالا وحالا..
تطلعتِ العيونُ لعل ماءً
يتاحُ على الهواجرِ أو ظلالا
ومدّ الشيخُ في الصحراء لحظاً
كلحظ الصقرِ في الآفاق جالا
كأن بنيه سقما أو هزالا
خيال جر هيكلهُ خيالا
أقافلة الحياة أريتنينها
فلم ترَ مثلها عيني مثالا
أجل هي نحن في الدنيا حيارى
وما ندري لقافلةٍ مآلا
رأيتُ حياتَنا. كم من غريب
على جنبيه بالإعياء مالا
وكم من سائلٍ لم يلقَ ردا
وقد سأل الهواجرَ والرمالا
فإن تجب القفار عليه يوماً
تردّ له سوافيها السؤالا
أقافلة الحياة أريتنيها
خيالا أو ضلالا، أو محالا


 
القرية

حبذا الريف والخلائق فيه
ضاحكات الوجوه تفترّ سحرا
من يراه وقد تبيّن فيه
زمراً في الزّحام تحشر حشرا
يحسب الضيق آخذاً في حماه
بخناق، ويحسب القوم أسرى
وهم النور والمحبة والقلب
طليقاً مع النسائم حُرا
منظر تلمح البساطة فيه
وترى طيبةً وبشراً وطهرا
منظرٌ تلمح السعادة فيه
لا تقل لي أرى شقاء وفقرا
انظر الجرة التي خلفوها
وانظر النيل ضاحكاً مفترا
عبدوا النيل مذ قديم وألقوا
كل عام له عروساً بكرا
مصر سحر ورقة وصفاء
لِمَ لا يعبد المحبون مصرا؟


 
اذكري

اذكري ذاك المساءَ
كيف كنا سعداءَ
لم يدعْ عنديَ همّاً
ومحا عنك الشقاءَ
ملأ الدنيا صفاءَ
عندما شئتِ وشاءَ
أحسن الدهرُ إليْنا
بعدما كان أساءَ
كلما أقبلت السحب
فظلَّلن السماءَ
قاتمات غائمات
يتهادينَ بطاءَ
لاح نجمٌ من بعيد
فتجلى وأضاءَ
وتصدّى قمرٌ راح
على الأرضِ وجاءَ


 

ابد الخلود

ما كان أقصر هذه من زورة
ما أشبعتْنا من بشاشة نازكِ
كلا ولا رَوى النهى من زهرةٍ
بالطهر تفصح عن سمات ملائكِ
انا حمدنا لليالي انها
قد قرَّبتنا من سنيّ سمائكِ..
أن كان اسعدنا الزمانُ بساعةٍ
فكأنها أبد الخلودِ حيالكِ
 

اثنان في سيارة

العمرُ أكثرهُ سدى وأقلُّهُ
صفوٌ يتاحُ كأنه عمران
كم لحظةٍ قصرت ومدت ظلَّها
بعد الذهاب كدوحة البستانِ
ويمر في الذكرى خيالُ شباَبها
فكأن يقظَتها شبابٌ ثاني
مَنْ ذلك الطيف الرقيق بجانبي
كفّاه في كفَّيَّ هاجعتانِ
لكأننا والأرضُ تُطوى تحتَنا
نجمان في الظلماءِ منفردانِ
لكأننا والريحُ دونَ مسارنا
خطان في الأقدارِ منطلقان
إني التفت إلى مكانك بعدما
خليتهِ فبكيتُ سوء مكاني
هل كان ذاك القربُ إلاَّ لوعةً
ونداء مسغبةٍ إلى حرمان
حمى مقدرة على الإنسان
تبقى بقاء الأرض في الدورانِ
وكأنما هذي الحياة بناسها
وضجيجها ضرب من الهذيانِ

 

ايمان

قدرٌ أراد شقاءنا
لا أنت شئت ولا أنا
عزَّ التلاقي والحظوظُ
السودُ حالت بيننا
قد كدت أكفر بالهوى
لو لم أكن بكِ مؤمنا!!!.


 
استقبال القمر

أَقبِلْ بموكبك الأغَرْ
ما أظمأَ الأبصارَ لكْ!
تضمي وراءَ سحابةٍ
تحنو عليك وتلثمُكْ
كن حيث شئتَ فما أنا
إلاَّ معنَّى بالمحال
وأقول صبراً كَّلما
عزً الفكاك على الأسيرْ
مهما تسامى موضعُكْ
وعلا مكانُك في الوجودْ
قمرَ الأماني يا قمر
إني بهمٍّ مسقمِ
أفرِغ خلودَكَ في الشبابْ
واخلعْ على قلبي الصفاءْ
خذني اليك ونجّني
مما أعاني في الثرى
مهما تسامى موضعُكْ
وعلا مكانُك في الوجودْ
فأنا خيالُك أتبعُكْ
ظمآن أرشفُ ما تجودْ!
قمرَ الأماني يا قمر
إني بهمٍّ مسقمِ
أنت الشفاءُ المدَّخرْ
فاسكب ضياءك في دمي
أفرِغ خلودَكَ في الشبابْ
واخلعْ على قلبي الصفاءْ
أسفاً لعمرٍ كالحبابْ
والكأسُ فائضة شقاءْ
خذني اليك ونجّني
مما أعاني في الثرى
قدحي ترنَّق فاسقني
قدح الشعاع مطهّرا!


 
اعتذار

أبعث الآن اعتذاري وأنا
حاضرٌ بالقلب والروحِ معكْ
لك ظلٌّ مقتفٍ في خاطري
حيثما سرتَ مضى فاتبعكْ
أنا لا أومن بالبعد ولا
أحسب المقدور مني نزعك
أنت لا تبرح عيني، فلذا
لا تراني اليوم فيمن ودّعك


 
بعد الفراق

(1)
أجل! أهواكِ أنتِ مُنى حياتي
وأنت أحب من بصري وسمعي
وهل أنساكِ كلا لست أنسى
هوى قد كان إلهامي ونبعى
لبست من التصبرِ عنكِ درعا
فها أنا تنزعُ الأيامُ درعى
وها أنا لست أدري عنك سرا
عرفتِ محبتي ورأيتِ دمعي
تلاشت قوتي وغدا فؤادي
كأن خفوقَه خلجاتُ نزعِ
ابشره فيرقص في ضلوعي
وأنظرُ سودَ أيامي فأنعي
وقد نضبَ الخيالُ وغاض طبعي
ومات على حياض اليأسِ زرعي
أجرجرُ وحدتي في كل حشدٍ
وأحمل غربتي في كل جمع
(2)
مزَّقَته فصار والله لا يقدر
حتى أن يسأل اللهَ رفقا
لجةٌ بعد لجةٍ كلما صارع
ردت له أمانيهِ غرقى
فيلقٌ بعد فيلقٍ حجب الشمس
ولم يبقِ للنواظر أفقَا
وسنانُ الغروب تغزوه حمرا
وسنانُ العذاب تطعن زرقا
وجيوشُ الظلامِ تزحفُ زحفاَ
وثقالُ الأقدامِ تسحقُ سحقا...

 
بعد اعتزال الأدب

صديقي "سعفانُ" ألف سلامْ
ولا زلتَ صاحبيَ المرتقبْ
ستعجب من صورتي هذه
ألم تر أني اعتزلت الأدب؟



 

بطل الأبطال

بطل الأبطال من أرض الهرمْ
لبس الغار وجلّى وغنمْ
كيف تذرون عليه دمعكم
وهو وضاحُ المحيا يبتسمْ
كيف يبكي منكم الباكي على
عَلَمٍ لف شهيداً في عَلَمْ
يا شباب النيل فتيان الحمى
وحماة الدار أشبال الأجمْ
زعموكم أمة هازلة
كذب الزاعمُ فيما قد زعمْ
تتحداهم على طول المدى
ثورة نكراء شبت تلتهمْ
ومقال الدهر عنا في غد
وحديث المجد عن عبدالحكمْ
كم أغر في بواكير الصبا
ناضر يسحب أذيال النعمْ
طبعه الجود فلما هتفت
مصر تدعوه تناهى في الكرمْ
قدم الورحَ اليها ومشى
ثابت الخطوةِ جبارَ القدمْ
كلفتهُ اليقظةُ الكبرى بها
همة ترعى وعيناً لم تنمْ
جشمته خطة دامية
وعرة المسالك حفت بالألمْ
يجد الموتُ بها لدته
ويرى العار إذا المرء سلمْ
يا لهذي الجنة الفيحاء كم
فتحت قبراً لباغٍ قد ظلم
يصبح الصبحُ على هذي الربى
فإذا الورد ضحوك في الأكمْ
فإذا أمسى المساء انقلبت
فوهة شعواء ترمي بالحممْ
لست تدري إذ تراها ظمئت
فروى الأحرار واديها بدمْ...
ذاك لون الورد أم لون الردى
الجاثم أم لون الحميم المضطرم!
يا شباب النيل فتيان الحمى
وحماة الدار أشبال الأجم
حطموا القيد الذي حطمكم
واجعلوا أمتكم فوق الأمم
وإذا استشهد منكم بطل
جاده الغيث وحيته الديم
ولقد أدى لمصر دينه
ذلك الفادي، ووفى بالقسم..

 
بقايا حلم

آهِ من وجْدك بالهاجر آه
تتمنى أن تراه؟ لن تراه!
خدعَتْنا مقلتاهُ خدعتْنا
وجنتاه خدعتنا شفتاهْ
والذي من صوته في مسمعي
وخيالي غادرٌ حتى صداهْ
حلم مرَّ كما مر سواه
وكذا الأحلام تمضي والحياهْ
*** ***
أين يا ليلاي عهد الهرم
أين يا ليلاي حلو الكلِم؟
هامسات بين أذني وفمي
سارياتٍ غرداتٍ في دمي
كلمات عذبة معسولة
ضيَّعت وارحمتا للقسمِ
ذهبت مثل ذهاب الحلم
إنني أعلم ما لم تعلمي
كيف صدَّقنا أضاليلَ الهوى
بنُهى طفل وإحساس صبي؟
حسبُنا منه سماء لمعتْ
فوق رأسينا وكوخ خشبي
حلم ولّى ووهم لم يدُم
ما تبقّى غير خيط ذهبي!
*** ***
ذات يوم في أصيل فاتن
ذابت الشمسُ فسالت ذهبا
كست النيلَ نُضاراً وانثنَتْ
تغمر الصحراء نخلاً وربى
ما على الجيزة أن قدم أبصرتْ
شفقي معتنقاً فجر الصبا
قد رأتنا مثل طيفَيْ حلمٍ
ما عليها أقبلا أم ذهبا!
*** ***
قلتُ هيا! قلتِ نمشي سرْ فما
من طريق طال لا نذرعهُ
قلتُ والعمر بعيني كالكرى
وأنا في حلم أقطعهُ
جمع الدهرُ حبيباً وامقاً
بحبيب وغداً ينزعهُ
أطريقان: طريق دونه
في حياتي وطريق معهُ؟
*** ***
كلما خلَّى حبيبي يده
لحظة قلت وحبّي أبقِها!
أبقها أنفض بها خوف غدٍ
وأحسَّ الأمن منها وبها
أبقها أشددْ بها أزري إذا
ضعُف الأزرُ أو العزمُ وهي
أبقها أُومنْ إذا لامستها
أن حبي ليس حلماً وانتهى


 
بقية القصة

كلاّ ولا لغة له إلا الذي
قد جال في عينيك أو عينيّا
*** ***
أنتِ التي علمتِني معنى الحياة
حبيبةً ونجيَّةً وصديقا
لا تسأليني عن غدٍ لا تسألي
فغداً أعود كما بدأتُ غريبا
*** ***
بَكياكِ بالحبَب الحزين وربما
بكت الكؤوسُ على النديم السالي!
وكأن راهبة هناك سجينةٌ
مغمورة بدموعها وعذابها
حتى إذا عفتِ الصبابةُ وانقضى
ما بيننا أقبلت أسألهنَّ
يا زهرة عذراء تنشرُ عطرَها
وتذيعُ في جفن الضُّحى أحلامها
وحبيس شجوٍ في دمي أطلقته
متدفقاً ودعَوتُه أشعارا
يا حِصنيَ الغالي فقدتُكِ وانطوى
ركني وأقفر موئلي وملاذي
هل كان عهدَكِ قبل تشتيت النوى
إلا مخالسة الخيال الطارق؟
شفتاكِ في لجِّ الخواطرِ لاحَتا
كالشاطئين وراءَ لُجٍّ ثائر
*** ***
*** ***
نسق الخيالُ زهورَها وورودَها
فقطفتُها وشممتُ عطرَكِ فيها!
إن كان داءً فالسقامُ دواؤَه
أو كان ذنباً فالمآب قصاص!
مرّت مواكبُه عليَّ بطيئةً
وإلى الفناء مشينَ جِدَّ سِراعِ
يا ربِّ أرسلتَ الأشعَّةَ ها هنا
وهناك تشرقُ في الحمى والدُّورِ
يا ربِّ أودعتَ الضحى في مهجتي
وأنا الذي أشقى بهذا النورِ!
قد كان قلباً فاستحال على المدى
لحناً تناقله الرواةُ فسارا!
يا حِصنيَ الغالي فقدتُكِ وانطوى
ركني وأقفر موئلي وملاذي
*** ***
والدهر يغريني فأُعرض لاهياً
فيظل يفتنُني بتلك وهذي
يا حِصنيَ الغالي فقدتُكِ وانطوى
ركني وأقفر موئلي وملاذي
نعطي نأخذ في الحديث ومقلتي
مسحورةٌ بجمالك الأخَّاذِ
والدهر يغريني فأُعرض لاهياً
فيظل يفتنُني بتلك وهذي
والدهر يَهزل والغرام يجدُّ بي
ما كنتِ ساخرة. ولا أنا هاذي
هل كان عهدَكِ قبل تشتيت النوى
إلا مخالسة الخيال الطارق؟
*** ***
أو لمعةٌ لم تتئدْ ذهبتْ بها
دكناء مدَّتْ كفها من حالقِ
هل كان عهدَكِ قبل تشتيت النوى
إلا مخالسة الخيال الطارق؟
إشراقة وطغى عليها مَغرب
غيران يخطفها كخطف السارقِ
أو لمعةٌ لم تتئدْ ذهبتْ بها
دكناء مدَّتْ كفها من حالقِ
شفتاكِ في لجِّ الخواطرِ لاحَتا
كالشاطئين وراءَ لُجٍّ ثائر
وكأن ثغرَك والنوى تعدو بنا
شفقٌ يلوحُ على نضيد زنابقِ
إسعادُ ملهوفٍ ونجدةُ غارقٍ
وعناقُ أحبابٍ وعَودُ مسافرِ
شفتاكِ في لجِّ الخواطرِ لاحَتا
كالشاطئين وراءَ لُجٍّ ثائر
لهما إذا التقتا على أغرُودةٍ
خرساء في ظلِّ الجمالِ الساحرِ
إسعادُ ملهوفٍ ونجدةُ غارقٍ
وعناقُ أحبابٍ وعَودُ مسافرِ
*** ***
وبراءةُ الملكِ المتوجِ حُسنه
بجمالِ رحمنٍ وطيبةِ غافرِ
*** ***
صحب الحياة فآده استصحابُها
ركبٌ على طرقِ الحياةِ كليلُ
فتلفَّتَ الساري لعل لعينه
يبدو صباحٌ أو يلوحُ دليل
خدعت ضلالاتُ الحياةِ تبيعَها
والدربُ وعرٌ والطريقُ طويل
فتلفَّتَ الساري لعل لعينه
يبدو صباحٌ أو يلوحُ دليل
*** ***
فبدا له نورٌ وأشرق منزلٌ
أَلِقٌ ورفت جنةٌ وخميل
*** ***
يحمي مغارسَها ويرعى نبتها
راعٍ يجنِّبُها البلى ويقيها
لكِ في خيالي روضةٌ فينانةٌ
غنّى على أغصانِها شاديها
يحمي مغارسَها ويرعى نبتها
راعٍ يجنِّبُها البلى ويقيها
نسق الخيالُ زهورَها وورودَها
فقطفتُها وشممتُ عطرَكِ فيها!
فإذا النوى طالت عليَّ وشفَّني
جرحي وعاد لمهجتي يدميها
نسق الخيالُ زهورَها وورودَها
فقطفتُها وشممتُ عطرَكِ فيها!
فيكون فيه القيد وهو تحرّرَ
ويكون فيه الموت وهو خلاصُ
*** ***
بعض الهوى فيه الدمارُ وإنما
بعض النفوس على الدمار حراصُ
إن كان داءً فالسقامُ دواؤَه
أو كان ذنباً فالمآب قصاص!
فيكون فيه القيد وهو تحرّرَ
ويكون فيه الموت وهو خلاصُ
آمنت بالحب القوي وحتمه
ما من هوايَ ولا هواكِ مناص
فسخرْتُ من صرخاتِهم وبكائهم
لا دمع إلا الدمع في أحداقي
إن كان داءً فالسقامُ دواؤَه
أو كان ذنباً فالمآب قصاص!
أصبحتُ والدنيا وداع أحبَّةٍ
ودموع خلاّن وحزن رفاقِ
متدفقاً مثل العُباب ومزبداً
متفجراً كالسيل في أعماقي!
فسخرْتُ من صرخاتِهم وبكائهم
لا دمع إلا الدمع في أحداقي
لا صوت إلا صوت حبك في دمي
أُصغي له وأراه في أطواقي
مرّت مواكبُه عليَّ بطيئةً
وإلى الفناء مشينَ جِدَّ سِراعِ
متدفقاً مثل العُباب ومزبداً
متفجراً كالسيل في أعماقي!
ساهراتُ أحلامَ الظلامِ وكلها
أشاح هجر أو طيوف وادعِ
أبصرتُ في المرآة آخرَ قصتي
ونَعى بها نفسي إليَّ الناعي!
مرّت مواكبُه عليَّ بطيئةً
وإلى الفناء مشينَ جِدَّ سِراعِ
حتى إذا سَفكَ الصباحُ دماءَهُ
وهوى قتيلُ الليلِ بعد صِراعِ
يا ربِّ أرسلتَ الأشعَّةَ ها هنا
وهناك تشرقُ في الحمى والدُّورِ
أبصرتُ في المرآة آخرَ قصتي
ونَعى بها نفسي إليَّ الناعي!
*** ***
وأُحِسُّ في نفسي نقاءَ سمائِها
أَصفى برونقِها من البَلُّورِ
يا ربِّ أرسلتَ الأشعَّةَ ها هنا
وهناك تشرقُ في الحمى والدُّورِ
ومن الشموس دفينةٌ في خاطري
مخبوءةُ الأضواء طيَّ شعوري
يا ربِّ أودعتَ الضحى في مهجتي
وأنا الذي أشقى بهذا النورِ!
وأُحِسُّ في نفسي نقاءَ سمائِها
أَصفى برونقِها من البَلُّورِ
يا ربِّ أودعتَ الضحى في مهجتي وأنا الذي أشقى بهذا النورِ!


 

تحليل قبلة

ولما ألتقينا بعد نأي وغربة
شجيين فاضا من أسى وحنين
تسائلني عيناك عن سالف الهوى
بقلبي وتستقضي قديم ديون
فقمت وقد ضج الهوى في جوانحي
وأن من الكتمان أيّ أنين
يبث فمي سرّ الهوى لمقبّل
أجود له بالروح غيرَ ضنين
إذا كنت في شك سلي القبلة التي
أذاعت من الأسرار كل دفين
مناجاة أشواق وتجديد موثق
وتبديد أوهام وفض ظنون
وشكوى جوى قاسٍ وسقم مبرح
وتسهيد أجفان وصبر سنين

 
تحت الباب

أقبلتُ أطرق منزل الأحبابِ
ودسست هذا الشّعرَ تحت البابِ
أترى أكون بثثت شوقي كلَّه
وشرحت حالي يا أولي الألباب
يا جارة "الوادي" إذ الوادي أخي
وكريم "إحسان"(1) ولطف صحابِ
قسماً بموصول المودة بيننا
هذي الزيارة لم تكن بحسابي
قد يجمع الله الشتيت ويلتقي
ناءٍ بناءٍ طول غيابِِ

 
تحية (للأستاذ إبراهيم دسوقي أباظه)

متى نلتَها كانت لأنفسنا منَى
تلفتْ تجد مصراً بأجمعها هنا
وما بعجيب موطن البدر في العلى
وما بجديد أن يرى الأفق مسكنا
ولكنَّ قلب الحر تعروه نشوةٌ
فيثني على الآلاء وضاحة السنا
إذا أخذ البدرُ المنير مكانه
ومُلِّكَ آفاقَ السما وتمكنا
فذلك تكريم الربيع لروضِهِ
جلاها الأباظيون وارفة الجنى
أجلْ روضة صارت لكل عظيمة
وللفضل والآداب والعلم موطنا
وميدان سباقين للمجدِ والعلى
إذا اشتجرت أخرى الميادين بالقنا
من الأدب العالي ذا راح سيد
غدا آخر نحو اللواءِ فما ونى
عصيُّ القوافي سار نحوك مسرعاً
ولبَّاك من أقصى الفؤاد وأذعنا
وأنت الذي فك القيودَ جميعَها
عن الشعر تأبي أن يهان فيسجنا
إذا المعدن الصافي دعا الشعرَ مرةً
بذلنا له من أجود الشعرِ معدنا
دسوقي إذا أقللتُ فاقبل تحيتي
فما أنا شاديهم ولا خيرهم أنا
ولكنني صوت المحبين كلهم
ومن روضك الغالي وبستانهم جَنَى
فراش على مصباح مجدِكَ حائم
وأي فراش من جلالك ما دنا
وإني صدى الهمس الذي في قلوبهم
فدعني أقم عما يكنون معلنا

 

تحية لضوحية

إليكِ يا ضوحيتي
ابعث بالتحيةِ
تحيةً من قلمي
ومثلَها من مهجتي
إنك كالزهرة في
جمالها والرِّقة
تقبّلي من روضة الأ
شعار خيرَ زهرةِ
عبيرُها خواطري
وملؤُها محبتي

 
تعلة

هكذا كلُّ جميلهْ
ليس لي في الغدر حيلهْ
أُنْجُ منها وامضِ عنها
أخذتْ قلبَكَ غيلهْ
بعد هاتيك الليالي
المطمئِنّات الظليلهْ
بخلت ليلاك حتى
بالتعلاّت القليلهْ
لم تدّعْ للقلب من طول
التباريح وسيلهْ
لم تدع للقلب ما يشفي
من الوجد غليلهْ
لم تدع إلا رفيفاً
من نسيمٍ في خميلهْ
وجيالاتٍ يُداوي
طيفُها نفسي العليلهْ
والرسالاتِ اللواتي
والأكاذيبَ النّبيلهْ


 
الوسوم
ابراهيم الشاعر ديوان وادي
عودة
أعلى