ديوان الشاعر ... ابراهيم ناجي

كـــلانا

كلانا عليل فلا تجزعي
ودمعك تسبقه أدمعي
وان كان بين ضلوعك نار
فنار الصبابة في أضلعي
وان كان نجم هنائك غاب
فنجم هنائي لَم يطلع ...

 

لمن الصمت؟

لمن الصمتُ والفؤاد المشرّد
اين من اسكر الربى حين غرّدْ؟
طائر . . ام رأت عيون الأماني
حُلُماً مثل غيره قد تبددْ
أم قناع قد مزقته الليالي
عن هوى دون طائل فتجردْ
وبدا شاحباً كيوم قتيلٍ
لم يكد يلثم الصباحُ المورَّدْ
ليت شعري، إلام إطراق رأسي
وانحنائي على جريح موسدْ؟



 
ليلة

ليلة بات من أهوى ينادمني
ما كان أجمله عندي وأجملها
بتنا على آية من حسنه عجَبٍ
كتابه من خفايا الخلدِ أنزلها
إذا تساءلتَ عمّا خلَف أسطرها
رنا إليَّ بعينيه فأوَّلها
مصوِّباً سهمه مُستشرقاً كبدي
مستهدفاً ما يشاء الفتك مقلتها
يا للشهيدة لم تعلم بمصرعها
ما كان أظلم عينيه وأجهلها
حتى إذا لم يدَعْ منها سوى رمق
عدا على الرمق الباقي فجندلها
وصدَّ عنها وخلاّها وقد دمِيَتْ
في قبضةِ الموتِ غشّاها وظللها
وحان من ليلة التوديعِ آخرها
وكان ذاك التلاقي الحلو أوَّلها
ضممْتها لجراحاتي التي سلفتْ
إلى قديمِ خطايا قد غفرتُ لها!

 
ليالي الأرق

هل في العصيب المدلهمْ
مصغٍ لشاكٍ لم ينمْ
سهدٌ على سهدٍ وذكرى
فوق ذكرى تزدحمْ
وحنين قلب لا يثوب
إلى خيالٍ لا يلمْ
يا من أحب وافتدي
ويلذُّ لي فيه الألمْ
لو كنتَ تسمع لاسترحت
. من الشكايةِ للظلمْ
ان الكواكبَ ضقنَ بي
ذرعاً وآسيها سئِمْ
ومن العجائبِ في الليالي
والحوادث تستجمْ
شكوى الحيارى في الحياة
إلى حيارى في السدمْ!
لمنْ انتظاري في الظلام
كأنَّ بي شبه اللممْ؟
وتساؤلي في حالكٍ
لا صوت فيه ولا قدمْ؟
وعلام اصغائي لعلَّ
خطاكِ هذي عن أَممْ؟
ليلِي العشية مثل ليلِي
في غرامكِ من قدَمْ
يا طالما أدنتكِ أوهامٌ
كواذبُ كالحُلمْ
فلمحت صبحكِ في السوادِ
وخلتُ روحكِ في النسمْ
وشفيتُ. وهمي من رضاكِ
ورُبَّ ذي يأسٍ وَهَمْ
ورويتُ أذني من حديثكِ
وهو معبود النغمْ
وحرقت قلبي من سناكِ
على جمالٍ يضطرمْ
كفراشةٍ حامت عليكِ
وأيّ قلبٍ لَم يحُمْ!
لك حسنُ نوّار الخميلةِ
طُلَّ صبحاً فابتسمْ
لك نضرةُ الفجر الجميل
على الدوائبِ والقممْ
لك طلعةُ البرِ المرجَّى
بعد مستعصى السقمْ
لك كل ما أوفى على
قدر النهاية واستتمْ
فبأي قلبٍ أتقي
وبأي حصنٍ أعتصمْ؟
يا زائراً عجلانَ لَمْ
يطلِ اللقاءُ ولَمْ يقمْ
ودّعتَ ما أشبعتَ لي
روحي ولا نظري النهِمْ
ومضيتَ عن دنيا خلَتْ
وجرت بنعمى لَم تَتِمْ
لم يبقَ من أثرِ اللقاء
بها سوى عبقٍ ينمْ
وسؤالِ دمعك حين يسألني
ومَن لي بالكلمْ
لِمَ يا أليفَ خواطري
غفت العيون ونحن لَمْ؟!
وإِلامَ تدفعنا الحوادث
في عُبابٍ يلتطمْ
دَفَعتْ بمركبنا المقاديرُ
الخفيةُ والقِسمْ
خَرَجَتْ وما تدري الغَداة
بأي صخرٍ ترتَطٍمْ
بدَأتْ عَلَى ريح الرضا
والله يدري المختتمْ!


 
لقاء في الليل

قالت تعال فقلت لبيكِ
هيهات أعصيْ أمرَ عينيكِ
أفديكِ مقبلةً على جزعِ
بسطت إليَّ يمينَ مرتجفِ
*** ***
فتلفتّتْ كحبيس أشراكِ
وحكى اضطراب الموج نهداها
قلتُ اهدئي لم ثورة الندمِ
كفّاكِ ترتجفانِ يا أملي
وجذبتُها بذراعِها نمشي
نمشي وما ندري لنا غرضا
يا لحظة ما كان أسعدها
وهناءة ما كان أعظمها
*** ***
كشفت لعينيْنا وقد ومضت
ظلين مقنعين في السورِ
وكأن ضحكتها وقد طربت
قطرات ماء فوق بلورِ
وكواكب ليست بمجدية
ظلم مكدسة وأحجارُ
عثرت بها فرفعتها بيدي
جسماً يكاد يشف في الظلمِ
وكأنني مما يسوء خلي
وحياتيَ انجابت حوالكُها
ملكتها الدنيا بما وسعتْ
وأنا أهامسها بأسراري
*** ***
وكأن منها منذرا هتفا
بلغ المسير نهاية، فقِفا
وكأن ضحكتها وقد طربت
قطرات ماء فوق بلورِ
يا توأما من صدري انتزعا
يا من دعا قلبي له فسعى
عوذتها من شر أمسيةٍ
تعيا بها وتضل أبصارُ
لم أيها الداعي هواك دعا
والدهر يأبي أن نظل معَا
*** ***
انظر ذراعيَّ اللذين هما
قد طوقاك مخافة البينِ
وكواكب ليست بمجدية
ظلم مكدسة وأحجارُ
أقسم بأنك عائدٌ لهما
إني لممدودُ الذراعينِ
عثرت بها فرفعتها بيدي
جسماً يكاد يشف في الظلمِ
ويرف مثل الزهر وهو ندى
ويخف مثل عرائس الحلمِ
وكأنني مما يسوء خلي
وحياتيَ انجابت حوالكُها
أرمي الطريق بناظريْ رجل
وأنا لها طفل أضاحكُها
ملكتها الدنيا بما وسعتْ
وأنا أهامسها بأسراري
وأسرها بحكاية وقعت
ورواية من نسج أفكاري
وإذا الطريق يسير منعطفا
وإذا رياح تضرب السدفا
وكأن منها منذرا هتفا
بلغ المسير نهاية، فقِفا
يا توأما من صدري انتزعا
يا من دعا قلبي له فسعى
لم أيها الداعي هواك دعا
والدهر يأبي أن نظل معَا
انظر ذراعيَّ اللذين هما
قد طوقاك مخافة البينِ
أقسم بأنك عائدٌ لهما
إني لممدودُ الذراعينِ
 
ملحمة الأطلال

يا فؤادي رحم اللهُ الهوى
كان صرحاً من خيال فهوى
يا رياحا ليس يهدا عصفها
نضب الزيتُ ومصباحي انطفا
*** ***
ليت شعري أين منه مهربي
أي يمضي هاربٌ من دمِهِ
آه يا قِبلة أقدامي إذا
شكتِ الأقدامُ أشواكَ الطريقْ
أنت روح في سمائي وأنا
لك أعلو فكأني محضُ روحُ
أنتِ حسن في ضحاه لم يَزَلْ
وأنا عنديَ أحزان الطَفَل
*** ***
ويراني الناسُ روحاً طائراً
والجوى يطحنني طحن الرحى؟
يا حياة اليائس المنفرد
يا يباباً ما به من أحدِ
واثقُ الخطوةِ يمشي ملكا
ظالمُ الحسنِ شهيُّ الكبرياءْ
وأنا حبٌّ وقلبٌ ودمٌ
وفراشٌ حائرٌ منك دنا
قد عرفنا صولةَ الجسمِ التي
تحكم الحيَّ وتطغي في دماه
يا لمنفيين ضلاّ في الوعورْ
دميا بالشوك فيها والصخورْ...
*** ***
أنتِ من أسدلها لا تدعي
انني أسدلت هذي الحُجُبا
قد حنت رأسي ولو كل القوى
تشتري عزة نفسي لم أبعها
وحنيني لك يكويْ أعظمي
والثواني جمرات في دمي
أيها الظالم بالله إلى كم
اسفح الدمعَ على موطئها
آه من قيدك أدمى معصمي
لمَ أبقيهِ وما أبقى عليّ
وهبِ الطائر عن عشك طارا
جفتِ الغدرانُ والثلجُ أعارا
لا رعى اللهُ مساءً قاسيا
قد أرانيْ كلَّ أحلامي سدى
كنت تدعوني طفلاً كلما
ثار حبي وتندتْ مقلي
*** ***
لي نحو اللهبِ الذاكي به
لَفتة العود إذا صار وقودا
نوّحتْ للذِكَرِ
وشكتْ للقمرِ
يقبسان النورَ من روحيْهما
كلما قد ضنتِ الدنيا بنورْ
أنت قد صيرت أمري عجبا
كثرتْ حوليَ أطيارُ الربى
حجبتْ تأبى لعيني ماربا
غير عينيك ولا مطلبا
ولكم صاح بي اليأسُ انتزعها
فيرد القدرُ الساخرُ: دعها
وليَ الويل إذا لبيتُها
ولي الويلُ إذا لم أتبعها
*** ***
لك ابطاءُ الدلالِ المنعمِ
وتجنيْ القادرِ المحتكمِ
وأنا مرتقبٌ في موضعي
مرهفُ السمعِ لوقعِ القدمِ
قدم تخطو وقلبي مشبه
موجة تخطو إلى شاطئها
رحمةٌ أنت فهل من رحمةٍ
لغريبِ الروحِ أو ظامئها
أعطني حريتي أطلقٌ يديّ
انني اعطيتُ ما استبقيتُ شيّ
ما احتفاظي بعهود لم تصنْها
والإم الأسر والدنيا لديْ
*** ***
هذه الدنيا قلوب جَمَدتْ
خبتِ الشعلةُ والجمرُ توارى
لا تسلْ واذكرْ عذابَ المصطليْ
وهو يذكيهِ فلا يقبسُ نارا
وأراني قلبَ من أعبدُهُ
ساخراً من مدمعي سخر العدا
صدئت روحك في غيابِها
وكذا الأرواح يعلوها الصدا
قد رأيتُ الكونَ قبراً ضيقا
خيّم اليأسُ عليهِ والسكوتْ
*** ***
كنت ترثي لي وتدري ألمي
لو رثى للدمع تمثال تموتْ
ولك الحق لقد عاش الهوى
فيّ طفلاً ونما لم يعقلِ
رمت الطفلَ فأدمتْ قلبهُ
وأصابتْ كبرياءَ الرجلِ
قلت للنفس وقد جزْنا الوصيدا
عجلي لا ينفعُ الحزمُ وئيدا
ودعي الهيكلَ شبتْ نارُهُ
تأكلُ الركَّعَ فيهِ والسجودا
لي نحو اللهبِ الذاكي به
لَفتة العود إذا صار وقودا
*** ***
لستُ أنسى ابداً
ساعة في العمرِ
نوّحتْ للذِكَرِ
وشكتْ للقمرِ
هاك ما قد صبت الريح
باذن الشاعر
يقبسان النورَ من روحيْهما
كلما قد ضنتِ الدنيا بنورْ
*** ***
أنت قد صيرت أمري عجبا
كثرتْ حوليَ أطيارُ الربى
فإذا قلت لقلبي ساعةً
قم نغردْ لسوى ليلى أبى
حجبتْ تأبى لعيني ماربا
غير عينيك ولا مطلبا
أنتِ من أسدلها لا تدعي
انني أسدلت هذي الحُجُبا
ولكم صاح بي اليأسُ انتزعها
فيرد القدرُ الساخرُ: دعها
يا لها من خطة عمياء لو
أنني أبصر شيئاً لم أطعها
وليَ الويل إذا لبيتُها
ولي الويلُ إذا لم أتبعها
قد حنت رأسي ولو كل القوى
تشتري عزة نفسي لم أبعها
*** ***
يا حبيباً زرتُ يوماً أيكَهُ
طائر الشوق أغنيْ ألمي
لك ابطاءُ الدلالِ المنعمِ
وتجنيْ القادرِ المحتكمِ
وحنيني لك يكويْ أعظمي
والثواني جمرات في دمي
وأنا مرتقبٌ في موضعي
مرهفُ السمعِ لوقعِ القدمِ
*** ***
قدم تخطو وقلبي مشبه
موجة تخطو إلى شاطئها
أيها الظالم بالله إلى كم
اسفح الدمعَ على موطئها
رحمةٌ أنت فهل من رحمةٍ
لغريبِ الروحِ أو ظامئها
يا شفاء الروح روحي تَشتكي
ظلمَ آسيها إلى بارئها...
أعطني حريتي أطلقٌ يديّ
انني اعطيتُ ما استبقيتُ شيّ
آه من قيدك أدمى معصمي
لمَ أبقيهِ وما أبقى عليّ
ما احتفاظي بعهود لم تصنْها
والإم الأسر والدنيا لديْ
ها أنا جفتْ دموعي فاعفُ عنها
انها قبلَك لم تبذلْ لحيْ
*** ***
وهبِ الطائر عن عشك طارا
جفتِ الغدرانُ والثلجُ أعارا
هذه الدنيا قلوب جَمَدتْ
خبتِ الشعلةُ والجمرُ توارى
وإذا ما قبس القلبِ غدا
من رمادٍ لا تسلْهُ كيف صارا
لا تسلْ واذكرْ عذابَ المصطليْ
وهو يذكيهِ فلا يقبسُ نارا
لا رعى اللهُ مساءً قاسيا
قد أرانيْ كلَّ أحلامي سدى
وأراني قلبَ من أعبدُهُ
ساخراً من مدمعي سخر العدا
ليت شعري أي أحداث جرت
أنزلت روحَك سجناً موصدا
صدئت روحك في غيابِها
وكذا الأرواح يعلوها الصدا
*** ***
قد رأيتُ الكونَ قبراً ضيقا
خيّم اليأسُ عليهِ والسكوتْ
ورأت عيني أكاذيبَ الهوى
واهياتٍ كخيوطِ العنكبوتْ
كنت ترثي لي وتدري ألمي
لو رثى للدمع تمثال تموتْ
كنت تدعوني طفلاً كلما
ثار حبي وتندتْ مقلي
ولك الحق لقد عاش الهوى
فيّ طفلاً ونما لم يعقلِ
ورأى الطعنة إذ صوبتها
فمشت مجنونة للمقتل
رمت الطفلَ فأدمتْ قلبهُ
وأصابتْ كبرياءَ الرجلِ
*** ***
قلت للنفس وقد جزْنا الوصيدا
عجلي لا ينفعُ الحزمُ وئيدا
ودعي الهيكلَ شبتْ نارُهُ
تأكلُ الركَّعَ فيهِ والسجودا
يتمنّى لي وفائي عودةً
والهوى المجروحُ يأبي أن نعودا
لي نحو اللهبِ الذاكي به
لَفتة العود إذا صار وقودا
*** ***
لستُ أنسى ابداً
ساعة في العمرِ
تحت ريحٍ صفقتْ
لارتقاصِ المطرِ
نوّحتْ للذِكَرِ
وشكتْ للقمرِ
وإذا ما طربتْ
عربدتْ في الشجرِ
هاك ما قد صبت الريح
باذن الشاعر
وهي تغري القلب اغراء
النصيح الفاجر
*** ***
أيها الشاعر تغفو
تذكرُ العهدَ وتصحو
وإذا ما التأم جرحٌ
جد بالتذكارِ جرحُ
فتعلمْ كيف تنسى
وتعلْم كيف تمحو
أو كل الحب في رأيِكَ
غفرانٌ وصفحٌ
هاك فانظرْ عددَ الرملِ
قلوبا ونساءْ
فتخيرْ ما تشاءْ
ذهب العمرُ هباءْ
ضل في الأرض الذي
ينشد أبناء السماءْ
أي روحانية تعصر
من طين وماءْ ...
*** ***
أيها الريح أجلْ لكنما
هي حبي وتعلاتي ويأسي
هي في الغيبِ لقلبي خلقتْ
أشرقتْ لي قبل أن تشرقَ شمسِ
وعلى موعدها أطبقتُ عيني
وعلى تذكارها وسدتُ رأسي
جنّتِ الريحُ ونادته
شياطين الظلام..
أختاماً كيف يحلولك
في البدء الختام
*** ***
يا جريحا اسلمَ الجرحَ
حبيبا نكأهْ
هو لا يبكي إذا الناعي
بهذا نبأهْ
أيها الجبار هل تصرع
من أَجل امرأهْ..
*** ***
يا لها من صيحةٍ ما بعثت
عنده غير أليمِ الذكرِ
ارقت في جنبه فاستيقظت
كبقايا خنجر منكسرِ
لمع النهرُ وناداه له
فمضى منحدراً للنهرِ
ناضبُ الزادِ وما من سفرِ
دون زادٍ غير هذا السفرِ
*** ***
يا حبيبي كل شيء بقضاءْ
ما بأيدينا خُلِقْنا تعساءْ
ربما تجمعُنا أقدارُنا
ذات يومٍ بعدما عزّ اللقاءْ
فاذا أنكر خلٌّ خلَّه
وتلاقينا لقاءَ الغرباءْ
ومضى كلٌّ إلى غايتِهِ
لا تقلْ شيئاً! وقل لي الحظ شاءْ
*** ***
يا مغني الخلد ضيعت العمرْ
في أناشيد تغنّى للبشرْ
ليس في الأحياءِ من يسمعنا
مالنا لسنا نغني للحجرْ
للجمارات التي ليستْ تعي
والرميمات البوالي في الحفرْ
غنّها سوف تراها انتفضتْ
ترحم الشادي وتبكي للوترْ
يا نداء كلما أرسلتُهُ
رد مقهوراً وبالحظَّ ارتطم
وهتافاً من أغاريد المنى
عاد لي وهو نواحٌ وندمْ
رب تمثالٍ جمالٍ وسنا
لاح لي والعيش شجو وظلمْ
ارتمى اللحنُ عليهِ جاثياً
ليس يدريْ أنه حسنٌ أصمْ
*** ***
هدأ الليلُ ولا قلب له
أيها الساهر يدري حيرتكْ
أيها الشاعر خذ قيثارتكّ
غنِّ أشجانك واسكبْ دمعتَكْ
رب لحن رقص النجُم له
وغزا السحب وبالنجم فتكْ
غنّهِ حتى نرى سترَ الدجى
طلع الفجرُ عليه فانهتكْ
وإذا ما زهرات ذعرت
ورأيت الرعبَ يغشى قلبها
فترفقْ واتئدْ واعزفْ لها
من رقيقِ اللحنِ وامسحْ رعبَها
ربما نامتْ على مهدِ الأسى
وبكتْ مستصرخاتٍ ربها
أيها الشاعر كم من زهرةٍ
عوقبتْ لم تدرِ يوماً ذنبَها
*** ***

 
ملحمة السراب

(1)
... ...
كيف للنازح الحبيبِ ارتحالي
وجناحاي السقم والبرحاءُ
ادركي زورقي فقد عبث اليم
به والعواصف الهوجاءُ
أفق لا يحد للعين قد ضاق
فأمسى والسجن هذا الفضاءُ
عجبي من ترقبي ما الذي أرجو
ولما يعدْ لقلبي رجاء
التقينا كما التقى بعد تطوافٍ
على القفر في السرى انضاءُ
في ذراعي أو ذراعيك أمن
وسلامٌ ورحمةٌ ونجاءُ
كم أناديك في التنائي فترتد
بلا مغنم ليَ الا صداء
وأناديك في التداني وما أطمع
إلا أن يستجاب النداءُ
لفظة لاتبين تنطلق الأقدارُ
عن قوسها ويرمي القضاءُ
وهي في الطرس قصةٌ تذكر الأحبابُ
فيها وتحشد الأنباءُ
فقليلٌ من السعادةِ لا يكمل
فيه ولا يطولُ الهناءُ
ما بقائي وأجمل العمر ولّى
وانتظاري حتى يحين الشتاءُ
وبنفسي دب المساءُ وحل الليل
من قبل أن يحين المساءُ
ولك الوجه أومض الحسنُ فيه
والتقى السحرُ عنده والذكاءُ
ولك الجيد أتلعا أودع الصانعِ
فيه من قدرة ما يشاءُ
وأنا الطائر الذي تصطبي نفسي
السماوات والذرى الشماءُ
مرحباً بالهوى الكبير، فإن يبقَ
وإن تسلمي يطبْ لي البقاءُ
مرّ يومي كأمسِه مسرحاً تعرض
فيه الحياةُ والأحياءُ
لم يحلْ طبعه ولا ذات يوم
لبست غير نفسها حواءُ
والحطامُ الفاني عليه اقتتالٌ
والأماني بريقُها إغراءُ
والغيوبُ المحجباتُ رحابٌ
تعبت في رموزها الحكماءُ
مرّ يومي كأمسه وأتى ليلٌ
بهيج تزف فيه السماءُ
لم تزل تسكب السلاف وللأقـ
ـداحِ فيها تجددٌ وامتلاءُ
غير نجم في جانب الليل يقظان،
له روعة بها وجلاءُ
كم أغنِّيهِ بالحنين كما غنت
على فرعِ غصنها الورقاءُ
موقداً للغريب نار ضلوعي
فعسى للغريب فيها اهتداءُ...
بالذي فيك من سنا لا تدعني
فيم هذا المطال والإبطاءُ
وانتهى بعدك الجميلُ فلا فضلٌ
لمسدٍّ ولا يدٌ بيضاءُ
حسنات كانت يد الدهر عندي
فانطوت بانطوائك الآلاءُ
(2)
... ...
جفا الربيعُ ليالينا وغادرها
وأقفر الروضُ لا ظل ولا ماءُ
ولا لطائر قلبٍ أن يقر ولا
لمركب فزع في الشط إرساءُ!
خرساء آونة هوجاء آونة
وليس تخدع ظني وهي خرساءُ
أأنتِ ناديتِ أم صوتٌ يخيل لي
فلي إليكِ بإذن الوهم إصغاءُ
تفرق الناس حول الشط واجتمعوا
لهم به صخبٌ عالٍ وضوضاءُ
هم الورى قبل إفسادِ الزمان لهم
وقبل أن تتحدّى الحبَّ بغضاءُ
تألقتْ شمسُ ذاك اليوم واضطرمت
كأنها شعلٌ في الأفْقِ حمراءُ
ما لي بهم، أنت لي الدنيا بأجمعها
وما وعت ولقلبي منك إغناءُ
أرنو إليك وبي خوفٌ يساورني
وانثني ولطرفي عنك إغفاءُ
وأيما لفظة فالريحُ ناقلةٌ
والشطُّ حاكٍ لها والأفقُ أصداءُ
لما أفقنا رأينا الشمسَ مائلةً
إلى المغيب وما للبين إرجاءُ
مشى لها شفقٌ دامٍ فخضبها
كأنه في ذيولِ الشعرِ جِناءُ
ومن تنفست حر الوجد في فمه
فما ارتويت وهذا الري إظماءُ
*** ***
السراب في السجن
يا سجين الحياة أين الفرارُ
أوصد الليلُ بابه والنهارُ
والتعلات من هوى وشباب
قصة مسدلٌ عليها الستارُ
طال ليلُ الغريب وامتنع الغمض
وفي المضجع الغضا والنارُ
عشتُ حتى أرى خمائلَ حبي
تتهاوي كشامخ ينهارُ
ما انتفاع الفتى بموحش عيشٍ
بقيَتْ كأسُه وطاح العقارُ
ما انتفاعي وتلك قافلة العيش
وفي ركبها اللظى والدمارُ
وذراعيَّ في انتظارٍ، وصدري
فيه بالضيف فرحةٌ واحتفاءُ
موقداً للغريب نار ضلوعي
فعسى للغريب فيها اهتداءُ...
لمَ خليتني وباعدت مسراك
ومالي إلى ذراك ارتقاءُ
بالذي فيك من سنا لا تدعني
فيم هذا المطال والإبطاءُ
ما تراني وقد ذهبت بحظي
اخطأتني من بعدك النعماءُ
وانتهى بعدك الجميلُ فلا فضلٌ
لمسدٍّ ولا يدٌ بيضاءُ
ومشى الحسن في ركابك والإحسان
طراً والغرة السمحاءُ
حسنات كانت يد الدهر عندي
فانطوت بانطوائك الآلاءُ
(2)
السراب على البحر
لا القوم راحوا بأخبارٍ ولا جاؤوا
ولا لقلبك عن ليلاك أنباءُ،
جفا الربيعُ ليالينا وغادرها
وأقفر الروضُ لا ظل ولا ماءُ
يا شافي الداء قد أودى بي الداءُ
أما لذا الظمأ القتال إرواءُ
ولا لطائر قلبٍ أن يقر ولا
لمركب فزع في الشط إرساءُ!
عندي سماء شتاءٍ غير ممطرةٍ
سوداء في جنبات النفسِ جرداءُ
خرساء آونة هوجاء آونة
وليس تخدع ظني وهي خرساءُ
وكيف تخدعني البيداءُ غافية
وللسوافي على البيداء إغفاء
أأنتِ ناديتِ أم صوتٌ يخيل لي
فلي إليكِ بإذن الوهم إصغاءُ
لبيكِ لو عند روحي ما تطير به
وكيف ينهضُ بالمجروحِ إعياءُ
تفرق الناس حول الشط واجتمعوا
لهم به صخبٌ عالٍ وضوضاءُ
وآخرون كسالى في أماكنِهم
كأنهمْ في رمال الشط أنضاءُ
هم الورى قبل إفسادِ الزمان لهم
وقبل أن تتحدّى الحبَّ بغضاءُ
ضاقت نفوسٌ باحقادٍ ولو سلمت
فإنها كسماء البحر روحاءُ...
تألقتْ شمسُ ذاك اليوم واضطرمت
كأنها شعلٌ في الأفْقِ حمراءُ
طابت من الظل، ظل القلب ناحيةٌ
لنا، وقد صَلِيَتْ بالحرِّ أنحاءُ
ما لي بهم، أنت لي الدنيا بأجمعها
وما وعت ولقلبي منك إغناءُ
لو أنه أبدٌ ما زاد عن سنةٍ
ومدةُ الحلم بالجفنين إغفاءُ
أرنو إليك وبي خوفٌ يساورني
وانثني ولطرفي عنك إغفاءُ
إذا نطقت فما بالقول منتفعٌ
وان سكت فإن الصمتَ افشاءُ
وأيما لفظة فالريحُ ناقلةٌ
والشطُّ حاكٍ لها والأفقُ أصداءُ
يا ليل من علم الأطيارَ قصتنا
وكيف تدري الصبا أنا أحِباءُ
لما أفقنا رأينا الشمسَ مائلةً
إلى المغيب وما للبين إرجاءُ
شابت ذوائبُ، وانحلت غدائَرُها
شهباء في ساعة التوديع صفراءُ
مشى لها شفقٌ دامٍ فخضبها
كأنه في ذيولِ الشعرِ جِناءُ
يا من تنفس حر الوجد في عنقي
كما تنفس في الأقداح صهباءُ
ومن تنفست حر الوجد في فمه
فما ارتويت وهذا الري إظماءُ
ما أنت عن خاطري بالبعد مبتعد
ولن تواريك عن عينيّ ظلماءُ..
(3)
السراب في السجن
يا سجين الحياة أين الفرارُ
أوصد الليلُ بابه والنهارُ
فلمنْ لفتةٌ وفيم ارتقابٌ
ليس بعد الذي انتظرت انتظارُ
والتعلات من هوى وشباب
قصة مسدلٌ عليها الستارُ
ما الذي يبتغي العليلُ المسجَّى
قد تولى العوادُ والسمارُ
طال ليلُ الغريب وامتنع الغمض
وفي المضجع الغضا والنارُ
وهَب السجنُ بابه صار حرا
لكَ لا حائل ولا أسوارُ
وعفا القيدُ عنك كفاً وساقاً
فإذا الأرض كلها لك دارُ
أين أين الرحيل والتسيار
بعدت شقة وشط مزار
والخطى المثقلاتُ باليأس أغلالٌ
لساقيك والمشيبُ عثارُ
ما انتفاع الفتى إذا عفت الجنة
واجتاح دوحَها الأعصارُ
عشتُ حتى أرى خمائلَ حبي
تتهاوي كشامخ ينهارُ
تحت عيني ويذبل الحسنُ فيها
ويموتُ الربيعُ والأنوارُ
ما انتفاع الفتى بموحش عيشٍ
بقيَتْ كأسُه وطاح العقارُ
وبقاء البساط بعد الندامي
كأس سم بها يدور البوارُ
ما انتفاعي وتلك قافلة العيش
وفي ركبها اللظى والدمارُ
الدمار الرهيب والعدم الشامل
واللفحُ والضنى والأوارُ
يا ديار الحبيب هل كان حلما
ملتقى دون موعد يا ديارُ؟
يا عزيز الجنى عليك سلام
كيف جادت بقربك الأقدار
بورك الكرم والقطوف واوقات
كأن العناقَ فيها اعتصارُ
كلما أطلقتك كفي استردتك
كما يحفز الغريم الثارُ

 
ما أضيع الصبر

ما أضيع الصبر في جُرحٍ أداريهِ
أريد أَنْسَى الذي لا شيء ينسيهِ
وما مجانبتي من عاش في بصري
فأينما التفتتْ عيني تلاقيهِ!


 
ما حيلتي

ما حيلتي يا هند وجهك لاح لي
بأنوثةٍ جبَّارةِ الطغيانِ
يا هندُ أين رجولتي وعزيمتي
في قرب وجهٍ ساحرٍ فتَّانِ؟
وأنا حزينٌ ظامئٌ قد جدَّ لي
وِردٌ وراء مَعِينِهِ شفتانِ!

 
محنة

هي محنةٌ وزمان ضيقْ
وتكشَّفَتْ عن لا صديق
جرَّبتُ أشواكَ الأذى
وبلوتُ أحجارَ الطريقْ
وكأنَّ أيّامي التي
من مصرعٍ ليست تفيقْ
زرعٌ على ظُلَلٍ فذا
أبداً لصاحبه رفيقْ
هذا الذي سَقَت الدموعُ
وذاك ما أبقى الحريقْ

 
مصافحة اللقاء

أهاب بنا فلبّينا
منادٍ ضمّ روحينا
كأنا إِذ تصافحنا
تعانقنا بكفينا
كأن الحبَّ تيار
سرى ما بين جسمينا
يؤجج في نواظرنا
ويشعل في دماءين!


 

مصافحة الوداع

يا أميري! أزف البين
وما زلت ضنينا
أصغ لي! وانظرْ ودع كفك
في كفيَ حينا
آهِ من يمناك هذي
والذي منها سقينا
عللتنا بالأماني
فشربنا ظامئينا
ثم دارت بالمنايا
فوردنا طائعينا
آه من قاسية ريانة
ضعفاً ولينا
يا بناناً ساحراً قد
حكَّم الأقدار فينا
شفتي موتورة ظمآنة
جنت جنونا
وكأن الآن كفي
حملت ثأراً دفينا
تتمناك حبيساً
عندها العمرَ سجينا
طائراً ألفى على راحتها
وكراً أمينا
وشعاعاً قدسياً
هاديَ النور مبينا!

 

مصر

أَجلْ إن ذا يوم لمن يفتدي مصرا
فمصر هي المحرابُ والجنةُ الكبرى
أجل إن ماءَ النيلِ قد مرَّ طعمُه
تناوشه الفتاكُ لم يدعو شبرا
فهلا وقفتم دونها تمنحونها
أكفاً كماء المزنِ تمطرها خيرا
سلاماً شباب النيل في كل موقفٍ
على الدهر يجني المجدَ أو يجلبُ الفخرا
تعالوا فقد حانتْ أمورٌ عظيمةٌ
فلا كان منا غافلٌ يصم العصرا
شبابٌ نزلنا حومةَ المجدِ كلناَ
ومن يغتدي للنصر ينتزعُ النصرا
سلاماً شباب النيل في كل موقفٍ
على الدهر يجني المجدَ أو يجلبُ الفخرا
تعالوا نشيّدْ ملجأ، رب ملجأ
يضم حطامَ البؤسِ والأوجهَ الصفرا
تعالوا فقد حانتْ أمورٌ عظيمةٌ
فلا كان منا غافلٌ يصم العصرا
تعالوا نقلْ للعصب أهلا فإننا
شبابٌ ألفنا الصعبَ والمطلبَ الوعرا
*** ***
سلاماً شباب النيل في كل موقفٍ
على الدهر يجني المجدَ أو يجلبُ الفخرا
شبابٌ اذا نامت عيونٌ فإننا
بكرنا بكورَ الطيرِ نستقبل الفجرا
تعالوا نشيّدْ مصنعاً رب مصنعٍ
يدر على صُناعنا المغنمَ الوفرا
شبابٌ نزلنا حومةَ المجدِ كلناَ
ومن يغتدي للنصر ينتزعُ النصرا
تعالوا نشيّدْ ملجأ، رب ملجأ
يضم حطامَ البؤسِ والأوجهَ الصفرا
تعالوا لنمحو الجهلَ والعللَ التي
أحاطتْ بنا كالسيل تغمرُنا غمرا
تعالوا فقد حانتْ أمورٌ عظيمةٌ
فلا كان منا غافلٌ يصم العصرا
تعالوا نقلْ للعصب أهلا فإننا
شبابٌ ألفنا الصعبَ والمطلبَ الوعرا
شبابٌ اذا نامت عيونٌ فإننا
بكرنا بكورَ الطيرِ نستقبل الفجرا
شبابٌ نزلنا حومةَ المجدِ كلناَ
ومن يغتدي للنصر ينتزعُ النصرا
 
مظلمة

أنا لا أظل، وكل شيى
مستمد من جلالكْ
في قاتم محلولك
سدّت علي به المسالكْ
ان لم تضعني في سناك
حمدت حظي في ظلالكْ
ان لم تضعني في يمينك
فالتفت لي في شمالكْ
الرأي رأيك ليس في الأوقاف
شيء غير ذلك
يا أحكم الحكماء لا يفتى
وفي الأوقاف مالكْ


 
من لي؟

أناشدك الهوى هل أنتِ مثلي
نهاري فيكِ أشجانٌ وليلي
زمانٌ لا يفارقني عذابي
ولا زمني الشقاءُ به كظلّي
كأن الليلَ أصبح لي مداداً
أسَطر منه آلامي ويُملي
حياتي فيه قفرٌ بعد قفرٍ
وعمري فيه كالأبدِ المُمِلِّ
أبعد جوار هندٍ والأماني
أكابد جيرةَ النجمِ المُطِلِّ
أحبكِ لا أَمَلُّ لقاكِ يوماً
ومن لي بالذي يُدنيكِ من لي؟
أحبكِ لست أدري سرّ حبي
وعلمي فيه أشقاني كجهلي
أقول لعلّ هذا الدهرَ يصفو
ويا أسفاه لو تُغْني لعلِّي
أحاول سلوةً وأرى الليالي
بغيرِ هواكِ لي هيهات تُسلي


 
مناجاة الهاجر

دع النفسَ تمرحُ في خيالٍ وأوهام
وخلِّ لأجفاني كواذبَ أحلامي!
*** ***
وأنفق فيه قلبه وشبابه
فلم يَبْقَ إلاَّ الجرح والشفق الدامي!
ولو كنت أدري كيف يصفو مغاضبٌ
كأن رضاه في ذرى الكوكب السامي
فا أملي النائي إِذا كنتُ مذنباً
فقد تبتُ عن ذنبي إِليك بآلامي!
حببتك، لا أدري الهوى ما وراءه
وما بعد سقمي فيك عاماً على عامِ
جمالُك نبراسي وروحُك كعبتي
وعيناك وحيي في الحياة وإِلهامي!
*** ***
كأن ائتلاق النجم والنجم مُشرقٌ
ثناياه تبدو في عبوسة أيامي
كأنَّ نسمَ الليلِ يحمل طيبه
كأنَّ اصطدام الموج معبودُ أقدام!
فا أملي النائي إِذا كنتُ مذنباً
فقد تبتُ عن ذنبي إِليك بآلامي!
ولو كنت أدري كيف يصفو مغاضبٌ
كأن رضاه في ذرى الكوكب السامي
حببتك، لا أدري الهوى ما وراءه
وما بعد سقمي فيك عاماً على عامِ
جمالُك نبراسي وروحُك كعبتي
وعيناك وحيي في الحياة وإِلهامي!
كأن ائتلاق النجم والنجم مُشرقٌ
ثناياه تبدو في عبوسة أيامي
كأنَّ نسمَ الليلِ يحمل طيبه
كأنَّ اصطدام الموج معبودُ أقدام!
فا أملي النائي إِذا كنتُ مذنباً
فقد تبتُ عن ذنبي إِليك بآلامي!
حببتك، لا أدري الهوى ما وراءه
وما بعد سقمي فيك عاماً على عامِ
جمالُك نبراسي وروحُك كعبتي
وعيناك وحيي في الحياة وإِلهامي!

 
نأى عني

قد نأى عني الذي يرحمني
والذي يفهم آلامي وروحي
والذي أعبد منه غُرَّةً
كندى الأزهار في الوجه الصبيحِ
والذي أشتَمُّ منه غادياً
عبقَ الأنداءِ في الوادي الصدوحِ
آه يا هند جراحي كثُرَت
فتعاليْ ضمدي أنتِ جروحي!


 
نداء للشباب

وطنٌ دعا وفتىً أجابْ
بوركت يا عزم الشبابْ!
يا فتية النيل المسا
لم والكريم بلا حسابْ
جناته مرآتكمْ
ولكم خلائقها العِذابْ
ولكمْ جمال الزهرِ
رفَّ على الأماليدِ الرطابْ
ولكم فؤاد النهر رق
على المحاني والشعابْ!
يمضي فيضحك للسهول
ولا يضن على الهضابْ
حتى إذا طغت الكوارث
واستفزكم العذابْ
أصبحتم كالغيل تحميه
الليوثُ بألف نابْ
قل للشباب اليوم يومكم
الأغر المستطابْ!
اليوم يبدو حبّ مصر
فلا خفاءَ ولا حجابْ!
إن كان اثماً يا شبابُ
فلا رجوع ولا متابْ!
الله ينظرُ والليالي
عندها لكم الحسابْ
والعهدُ في القلبِ المصابرِ
والأمانةُ في الرقابْ!
هاتوا الفدا الغالي لمصر
وأرخصوه كالترابْ
المال، والأرواح كل
ضحيةٍ ولها ثوابْ


 
نحو المجد

يا أم مَن تستصرخين؟ من الذي
قدح اللظى الموّار في عينيكِ؟
ما حلَّ بالحرية الحمراء؟ هل
سال الدم القاني على قدميكِ؟
لا تجزعي يوم الفداءِ فكلنا
مهج تحلق كالنسور عليك
*** ***
والصقر تاجك، تاج فرعون الذي
جعل الشموسَ الزهرَ في كفيكِ
فتلفتي تجدي عريَنكِ عامراً
وتسمّعي، كم قائل لبيكِ
يا مصر أنت الكونُ والدنيا معاً
وعظائمُ الأجيالِ في تاجيكِ
وقف الشباب فداء محراب الحمى
وتجمّع الأشبال بين يديكِ
والصقر تاجك، تاج فرعون الذي
جعل الشموسَ الزهرَ في كفيكِ
والمجدُ تاجُكِ والسهى لك موطنٌ
والشهبُ والأقمارُ في نعليكِ
يا مصر أنت الكونُ والدنيا معاً
وعظائمُ الأجيالِ في تاجيكِ

 

هبة السماء

راحوا بأرواحٍ ظماءْ
يتهافتون على الفناءْ
نمضي إليه فنستقي
ونَعُبُّ منه كما نشاءْ
*** ***
فكأنما هبة السّماءِ
قد استردَّتها السَّماءْ!
فكأنَّه والسُّحْب تطويه
فيمعن في الخفاءْ
*** ***
هذي الجموعُ الباكياتُ
الساخطاتُ على القضاءْ
لِمَ لا توفِّيك الجميلَ
وتَسْتَقلُّ لك الفداءْ؟!
*** ***
والمجد يوغل في حنايا،
روحه والمجدُ داءْ!
ذاك الرقادُ بساحةٍ
لك الرجال بها سواءْ
*** ***
هذي الجموعُ الباكياتُ
الساخطاتُ على القضاءْ
أوَ لَمْ تجدكَ لسانها الشاكي
إِذا احتدام البلاءْ؟
لِمَ لا توفِّيك الجميلَ
وتَسْتَقلُّ لك الفداءْ؟!
ما بالهُ حملَ الهمومَ
وجشَّم القلبَ العناءْ!
*** ***
أضنى قواه ولم يدعْ
من جسمهَ إلاَّ ذماءْ
صرحٌ من الأدبِ الصميمِ
له على الدنيا البقاءْ
الدَّهرُ يحمي ركنَه
والفنُّ في روح البناءْ
أمَمٌ يُصبِّرُ بعضُها
بعضاً، وهيهات العزاءْ!
(شوقي)! على رغم التفرّدِ
والتفوقِ والعلاءْ
ذاك الرقادُ بساحةٍ
لك الرجال بها سواءْ
وبرغم ذهن كالفراشة
حول مصباحٍ أضاءْ
هذي الجموعُ الباكياتُ
الساخطاتُ على القضاءْ
مثواك لا تشكو السكونَ
ولا تمل من الثواءْ
قاسمتها أشجانها
ووفيت ما شاءَ الوفاءْ
أوَ لَمْ تجدكَ لسانها الشاكي
إِذا احتدام البلاءْ؟
أَوَ لَمْ تكن غِرّيدَها
ونديمها عند الصفاءْ؟
لِمَ لا توفِّيك الجميلَ
وتَسْتَقلُّ لك الفداءْ؟!
ومُنَعَّمٍ بين القصورِ
قد اسْتَتَمَّ له الثراءْ
ما بالهُ حملَ الهمومَ
وجشَّم القلبَ العناءْ!
وينوءُ بالعبءِ الذي
هو عن أذاه في غَناءْ!
ويحَ الذكاءِ وما يكلِّفُهُ
من الثَّمَنِ الذكاءْ!
أضنى قواه ولم يدعْ
من جسمهَ إلاَّ ذماءْ
والمجد يوغل في حنايا،
روحه والمجدُ داءْ!
صرحٌ من الأدبِ الصميمِ
له على الدنيا البقاءْ
الدَّهرُ يحمي ركنَه
والفنُّ في روح البناءْ
(شوقي)! على رغم التفرّدِ
والتفوقِ والعلاءْ
ذاك الرقادُ بساحةٍ
لك الرجال بها سواءْ
وبرغم ذهن كالفراشة
حول مصباحٍ أضاءْ
مثواك لا تشكو السكونَ
ولا تمل من الثواءْ

 
الوسوم
ابراهيم الشاعر ديوان وادي
عودة
أعلى